Omran Center

Omran Center

الجمعة, 06 تشرين2/نوفمبر 2015 22:53

حيثيات اجتماع فيينا لا تنذر بالانفراج

تمخض الجبل فأنجب فأراً، خرج مؤتمر فيينا الذي ضم 19 وفداً دولياً في 30 أكتوبر بمجموعة من النقاط لا تُغير من مجرى العملية السياسية الذي لايزال يخضع لتوظيفات وتطويعات تتسق مع غايات بعض الفواعل الدولية على حساب القضية المجتمعية السورية الأساس، إذ يقرر هذا المؤتمر أنه على السوريين تشكيل دولة علمانية تبقي وتحافظ على المؤسسات السورية بما فيها مؤسستي الجيش والأمن، التي تآكلت بحكم سياسة الأسد الذي عمل على زجها واستغلالها لتطوير أدواته في قمعه للحراك الثوري من جهة، أو التي أضحت  تحت السيطرة الكاملة من قبل الجيش الروسي والإيراني اليوم، كما لم يحسم هذا المؤتمر أهم مسألة والتي هو موطن خلاف بين الدول ألا وهي رحيل بشار الأسد وآلية تنفيذ الانتقال السياسي عبر انتخابات أو عبر هيئة حكم انتقالي وما هو دور الأمم المتحدة في هذا المجال، وهو ما لم يتم بحثه في فيينا مما يدلل على استمرار الهوة بين مواقف الدول.

انتهى المؤتمر من حيث بدأ وكأنه استعراض دبلوماسي جهدت موسكو لعقده بغية ضمان عدم تزمين تورطها في المشهد السوري السائل وعدم قدرتها على علاج أزمة الموارد البشرية المتزايدة في صفوف قوات الأسد وحلفائه، لذا سرعان ما تسابق الفاعلون بعد الاجتماع من الطرفين الداعم للمعارضة وللنظام لمحاولة إجراء تغيير سريع في موازين القوى السياسية والعسكرية، حيث تُقدم روسيا نفسها أنها الراعي للحل في سورية. غير أنه كان أول اجتماع من نوعه بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبين الدول المجاورة لسورية والداعمة لكافة الأطراف، وبالتالي كان بمثابة المواجهة الأولى التي خرجت ببيان ضعيف لا يُراعي مفرزات المشهد السوري، وسرعان ما تحولت الاستقطابات بعده لإحداث تغيير في موازين القوة على الأرض ليعود كل طرف بوجه جديد تجاه الخصم. وتكمن المشكلة هنا أن الكل يحاول إيجاد الحل وفرضه على السوريين الذين تم تغييبهم في الاجتماع وتم الاكتفاء بذكر أن الحل بيد السوريين في البيان الختامي، بل وصرح أحد وزراء الخارجية الحضور أن مهمتهم التوصل للحل وأي فريق سوري لا يقبل بذلك الحل المقدم له يعتبر إرهابياً تجب محاربته وإرسال الطائرات بدون طيار.

كان تموضع الولايات المتحدة الأمريكية في فيينا ملفتاً للنظر حيث قدم نفسه كوسيط ومدير للنقاش بين الأطراف ودافعاً نحو عدم "الالتهاء" بقضية الأسد ومصيره وعدم تصنيف حزب الله والميليشيات التي استجلبها النظام كجماعات إرهابية، وعدم بحث كيف وصلنا إلى هذه النقطة من الاستعصاء في الحل، والتركيز بالمقابل على ضرورة إحداث حل سياسي يستطيع الجميع فوراً التركيز على محاربة الإرهاب، كما تم تأطير النقاش من قبل الجانب الأمريكي بـ "كيف نحارب الإرهاب في ظل حرب أهلية". إذن فالتصور للمشهد السوري لا يزال يعتريه التشويه الكبير لدى العديد من الدول وسط استقطاب حاد بين طرفين بشكل واضح: السعودية وتركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا في مقابل روسيا وإيران والعراق وعُمان ولبنان، مع باقي الدول في الوسط يمكن جذبها لأي من الطرفين. كما أن الجانب الأمريكي بدى كأنه يُريد الحفاظ على موازين القوى وعدم اختلالها واستدراج الروس والجميع للتورط أكثر وهو يقف على الحياد ليدير الحوار بين الأطراف.

حاول الوزير الروسي وغيره اللعب على وتر "ضبابية تعريف الإرهاب" وأن المشكلة في محاربة الإرهاب هي أن التعريف غير موحد وأنهم لا يعرفون المعتدل من المتطرف، وهو محور قديم-جديد يحاول الروس شراء الوقت عن طريق الخوض فيه وتعويم المشهد في مواجهة مشهد النظام الذي وصل إلى درجة كبيرة جداً من التشرذم السياسي والعسكري والتنفيذي، بينما يستمر الروس في الواقع الميداني استهداف المشافي والمدارس والأسواق العامة للسوريين بل وفصائل المقاومة الوطنية التي حاربت وما تزال تحارب تنظيم الدولة. كما أن مناقشة تعريف الإرهاب لم يتم تأطيره بإطار واضح فرآه ممثل مصر ممثلاً بـ"الإخوان المسلمين"، وتغافل الروس عن إرهاب حزب الله معتبرين "أنه تم استدعاؤه من قبل حكومة شرعية ممثلة في الأمم المتحدة" وهذا ما يُعد انتكاساً مفاهيمياً لوظائف وأدوار الدولة، فمتى كانت تستدعي دولة عضوة في الأمم المتحدة ميليشيا عسكرية للدفاع!!!. واختلف الفرقاء على تصنيف الفصائل المقاتلة كل حسب الرؤية السياسية الخاصة ببلدانهم، وهنا أعاد مدير النقاش الأمريكي الحديث إلى كيفية إيقاف الحرب الأهلية والبدء بمحاربة داعش وتعويم النقاش وعدم حسمه ثم تأجيله.

ولا يمكن تجاهل الموقف القوي الذي سُرب للإعلام من وزير الخارجية السعودي حيث قال إن المملكة مستمرة بدعم الثوار وماضية حتى سقوط الأسد من خلال عملية سياسية أو عسكرية في حال لم يتم اعتماد خطة للحل يغادر فيها الأسد سورية. وكذلك موقف وزير الخارجية القطري والتركي المتناغم بشكل كبير مع الموقف السعودي. وكذلك موقف الوزير الفرنسي الذي واجه الروسي بشكل مباشر بأن يتوقف عن "إعطائهم الدروس" وأن "يحترم نفسه" وهي عبارات تؤكد حجم الهوة الكبير في قراءة المشهد السوري لدى كافة الأطراف.

تبقى هناك فرصة نرى بوادرها لكن لا يعلم مداها، وهي التباعد بين السياسة الروسية والإيرانية، فواضح أن الروس لم يتوقعوا حجم انهيار مؤسسات الدولة السورية فاضطروا لوضع يدهم على أغلب هذه المؤسسات وإدارتها بشكل انتداب، مما وضع الروس في موقف محرج يصعب عليهم الاستمرار فيه لمدة طويلة خاصة مع استمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً. الواقع أكثر تعقيداً وأبعد عن الحل بيد مجموعة ال19 المجتمعين في فيينا إذ أن المصالح الدولية متناقضة لدرجة كبيرة والواقع في الأرض بعيد كل البعد عن دائرة القرار ولا يمكن فرض قرار بهذه الطريقة عليه. وستشهد المرحلة القادمة حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً من طرف الروس مع تباعدهم (وليس تخاصمهم) عن الموقف الإيراني إضافة إلى عمل عسكري يحاول نفخ الروح في الجسم الميت للنظام، وفي المقابل ستُحاول فصائل المقاومة الوطنية الخروج بعمليات عسكرية نوعية في خواصر النظام الرخوة لتعديل ميزان الكفة والصمود في وجه الاحتلال الروسي. وتبقى الإرادة السورية الوطني تردد بأن أي حل لا يبدأ برحيل الأسد عن السلطة لا يمكن أن يحدث أي انفراج بالأزمة السورية وهو ما بدى بعيداً عن مائدة فيينا.

نشر على موقع السورية نت:https://goo.gl/wor2Hm

تمكنت إيران والمجموعة الدولية في الرابع عشر من يوليو / تموز 2015 من التوصل إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني، تباينت الآراء والمواقف في قراءة تداعيات هذا الاتفاق وآثاره على سلوك إيران وسياساتها الخارجية وعلى موازين القوى الإقليمية في المنطقة.
وقــد قــام مركــز عمــران بدعــوة باحثين متخصّصين في الشــأن الإيرانــي وقضايا المنطقــة والعلاقات الدوليــة، للمشــاركة فــي نــدوة بحثيــة لتقديــم قــراءة جامعــة شــاملة لهــذا الاتفــاق وارتداداتــه المباشــرة وغيــر المباشــرة علــى ملــف المنطقــة، بالإضافــة إلــى أهــم الســيناريوهات المرتبطــة بتطــورات هــذا الملــف مــن جهــة وبالتغييــرات المتوقــّع حدوثهــا علــى مســتوى السياســة الإيرانيــة الداخليــة والخارجيــة مــن جهــة ثانيــة.

ملخص: يؤكد البيان الروسي الأمريكي استمرار سياسة موسكو وواشنطن في الدفع نحو عملية سياسية تغيب عنها الأطراف "المتمردة"، وتعزز قواعد تعاطي جديدة مع المشهد السياسي في سورية تخلو من الضمانات السياسية والقانونية لإتمام أي انتقال سياسي حقيقي ينهي حقبة إرهاب الدولة. كما يكرّس البيان تموضع الروس في الملف السوري عبر انتقاله من كونه طرفاً حليفاً للنظام، إلى راعٍ للعملية السياسية. وفي ظل تعثر الجهود الدبلوماسية في تطويع الصلف الروسي على الصعيد العسكري والسياسي في سورية، لا تمتلك المعارضة السياسية خياراً سوى رفض مخرجات الاتفاق الحالي والتخلي عن سياسة القبول المشروط أملاً في وقف سيولة المشهد السوري ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في وقف النزيف السوري.

يؤكد بيان وقف الأعمال العدائية الناتج عن اجتماع واتفاق كيري ولافروف عن استمرار سياسة الروس والأمريكان في الدفع نحو عملية سياسية تغيب عنها الأطراف "المتمردة"، وتعزز قواعد تعاطي جديدة مع المشهد السياسي في سورية تخلو من الضمانات السياسية والقانونية لإتمام أي انتقال سياسي حقيقي ينهي حقبة إرهاب الدولة. ويكرّس البيان تموضع الروس في الملف السوري عبر انتقاله من كونه طرفاً حليفاً للنظام، إلى راعٍ للعملية السياسية، ثم إلى المشرف على وقف إطلاق النار عبر منحه الحق بضرب "المجموعات الأخرى".

قراءة في البيان

•    تعزيز موقع القيادة الروسية في تهيئة ظروف الحل النهائي في سورية: يؤكد البيان المقدم من فريق عمل وقف إطلاق النار، المنبثق عن بيان ميونخ في 11 شباط 2016 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، تسليم واشنطن دفة قيادة مسار الحل النهائي في سورية بشكل كامل لموسكو. حيث التزم كيري برؤية روسيا التي كشفتها تصريحات لافروف المتكررة منذ اجتماعات فيينا في نهاية العام الماضي، وتُرجم بإطلاق العنان لروسيا في استهداف كل من يتمرد على مقترحها للحل تحت ذريعة محاربة الإرهاب من جهة، وإرساء الأمن والأمان من جهة أخرى لمن لا تنطبق عليه معايير التصنيف الدولي للإرهاب. يظهر هذا التوجه جلياً في استثناء كل من لا يُعلن التزامه بشروط وقف الأعمال العدائية، بالإضافة إلى استثناء كلٍ من تنظيم الدولة، وجبهة النصرة، ومن يحدده مجلس الأمن كقوى إرهابية في سورية.

•   تصدير جيش النظام السوري على أنه القوة الشرعية الوحيدة للدولة السورية: أكّد البيان في عدّة مواقع شرعية قوى ومليشيات النظام السوري بوصفها "القوى المسلحة للجمهورية العربية السورية"، بالإضافة إلى إعطائها حق احتكار محاربة الإرهاب والمتمردين. وتصبح قوى النظام بموجب هذا البيان ضامنةً لعملية إرساء الأمن والسلام في سورية، في حين تُمنع القوى السورية الأخرى بما فيها الوطنية بما فيها الفصائل المهادنة، وقوى سورية الديموقراطية، ووحدات الحماية الشعبية (YPG) من مواجهة تنظيم الدولة أو القوى المصنفة بالإرهاب دون تفويض من النظام السوري. أضف إلى ذلك اعتبار الثوار وقوى المقاومة الوطنية الرافضة لاتفاق وقف الأعمال العدائية متمردة على سلطة وسيادة الدولة بقيادة النظام، ويحق له وبمباركة المجتمع الدولي استهدافهم ومحاربتهم دون رادع قانوني أو سياسي.

•    إدارة الاستثناءات والحفاظ على سيولة المشهد العسكري: يُبقي مجموع الاستثناءات القائمة في البيان وما سبقه من قرارات أممية على سيولة المشهد العسكري في سورية لصالح النظام وحلفائه، فبالإضافة لاعتبار تنظيم الدولة وجبهة النصرة وجهات أخرى يسميها مجلس الأمن لاحقاً مستثناة من العملية السياسية في سورية، يعتبر البيان القوى الوطنية الرافضة للاتفاق هدفاً دولياً مشروعاً لقوى التحالف الدولي ولروسيا والنظام. وفي المقابل، لم يستثنِ البيان أيّاً من المليشيات الأجنبية المدعومة إيرانياً من وقف إطلاق النار، بل اعتبر وجودها شرعياً بموجب قتالها إلى جانب "القوات المسلحة السورية". ويؤكد هذا الاعتبار بند إلزام القوى المعارضة أو الثورية المهادنة في وقف أعمالها العسكرية ضد قوى النظام وحلفائه دون استثناء.

•    فصل مسار وقف إطلاق النار عن المسار التفاوضي والقضاء على الحل السياسي: في حين ينص قرار مجلس الأمن رقم 2254 على ارتباط وثيق بين إعلان وقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات أولية نحو العملية الانتقالية، فصلت مسودة البيان بينهما في تجاوز إقران أيٍّ من الإجراءات المذكورة فيه في تحقيق تقدم ملموس على الصعيد السياسي. حيث أكّد البيان في ختامه على ضرورة التزام كافة الأطراف بإطلاق سراح المعتقلين ولكن دون اشتراطه كمدخل للعملية السياسيةـ أو وقف إطلاق النار. كما أن تأكيده على إلزام جميع الأطراف بتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية لا يُعد إلا تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2139 و2165 بالرغم من فشل المجتمع الدولي سابقاً بإلزام النظام فيها. أمّا إلزام النظام بالجدول الزمني المقرر بقرار 2254 فيفقد كل معناه بعد تجريد قوى الثورة والمقاومة من ورقة حمل السلاح بموجب اتفاق وقف العمليات العدائية.

إشكالات إجرائية في نص الاتفاق

يثبِّت البيان الوضع الميداني الراهن قبل البدء بالتفاوض، ويُلغي هوامش الاعتراض. ولا يمكن تفسير ما وصفه البيان بـ "تهيئة الظروف لعملية السلام" إلا تعبيراً عن وجوب استسلام المعارضة بحكم "الواقعية الميدانية". ويعتري البيان مجموعة من الإشكالات الموضوعية التي تؤدي إلى فشله بالضرورة وهي:

1.    يقع على عاتق كلٍ من الولايات المتحدة وروسيا تحديد مناطق عدم الاستهداف، وهذا منوط باتفاق قد تجتمع ظروفه الموضوعية في الجنوب، إلّا أنه من المستحيل الوصول إليه في محافظة إدلب نظراً للتداخل الجغرافي بين جبهة النصرة وقوى الثورة والمقاومة الوطنية.
2.    يُبقي عدم وضوح المخرج النهائي لآليات المراقبة على شرعية توغل الروس بالشمال السوري على الأقل، كما أنه يحافظ على هامش التحرك لقوى النظام وحلفائه في استهداف قوى الثورة والمقاومة الوطنية تحت ذريعة استهداف الإرهاب ريثما يتم التحقيق في شكوى المعتدى عليه.
3.    تنحصر آليات المحاسبة لمخترقي شروط الاتفاق في إقصائهم من عملية وقف الأعمال العدائية ورفع الحماية الدولية المضمونة لهم مقابل الموافقة على بنود البيان، إلا أنها لا تتحقق إلا باتفاق روسي أمريكي مما يحافظ على حصانة النظام في الاستمرار بعملياته العسكرية تحت الرعاية الروسية.
4.    يؤسس البيان للتعاون الأمني بين روسيا والولايات المتحدة في تبادل المعلومات الاستخباراتية، دون ضمان إساءة استخدامها في استهداف مقرات ووحدات قوى الثورة والمقاومة الوطنية، كما أنه لا يُلزم الأطراف المنفذة في إعلان أهدافها العسكرية المتفق عليها دولياً.

اتفاق هش يهدد الأمن والسلم الإقليمي

فشل الاتفاق الأمريكي الروسي كسابقه في معالجة الأسباب الموجبة لاستمرار الصراع الدائر في سورية، والتي يسهل حصرها في بقاء بشار الأسد على رأس السلطة واستمرار أعمال العنف والإرهاب الممنهجة بحق المدنيين العزل تحت ذريعة محاربة الإرهاب وبمباركة ومشاركة روسية. وأدّى فشل المجتمع الدولي في وقف النزيف الحاد الذي أصاب الشعب السوري بدرجة أولى ومؤسسات الدولة السورية بدرجة ثانية، إلى تشظي المجتمع السوري وإيجاد فراغ سياسي ومؤسساتي استطاعت قوى التطرف استثماره والنمو فيه، كما أنه أسس لأزمة إنسانية خانقة أدّت إلى نشوء أكبر موجة لجوء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

أمّا على الصعيد العربي، فلقد استغلت إيران تداعي أركان النظام في التوغل بمؤسسات الدولة لتؤكد هيمنتها عليها، ولتُعزز وجودها في الهلال الخصيب بعد إحكام سيطرتها على بغداد وبيروت، مما حسّن من تموضعها السياسي في المشرق وساعدها في تحقيق اتفاق تاريخي حول ملفها النووي مع أمريكا. انعكس هذا الاتفاق بدوره في تأكيد شراكتها مع واشنطن في إدارة شؤون المنطقة أمنياً، وزيادة صلفها في التعامل مع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وبالمحصلة يستمر الاتفاق الروسي الأمريكي الحالي في سورية في تعزيز الموقف الإيراني ومشرعناً استمرار وجود أذرع الحرس الثوري في البلاد بتحقيق تواصلٍ جغرافيٍ بين قوى الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان وبالتالي تأسيس وجود عسكري مستمر موازٍ لتواجدها السياسي في ذات الجغرافية، ولأول مرة منذ انتصار الثورة الإسلامية في 1979.

أمّا على الصعيد التركي، فلقد ألقت القضية السورية بظلالها على مشهدها الداخلي بشكلين: الأول على المستوى الإنساني في استمرار موجات اللجوء، مشكلةً عبئاً اقتصادياً وأمنياً على مؤسسات الدولة التركية وتاركة أثراً سلبياً على علاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي. والثاني على المستوى الأمني حيث شجّع الفراغ الناشئ عن تعثر الثورة في سورية إلى نمو خطر كل من تنظيم الدولة والحركات الانفصالية الكردية في شمال البلاد، وإلى امتداد تهديدهما الأمني إلى عمق الأراضي التركية. ولقد شهدت أنقرة تفجيرين إرهابيين بتوقيع التنظيمين وبفارق أربعة أشهر، كما شهدت كل من إسطنبول وسروج الحدودية ومناطق جنوب شرق البلاد أعمالاً مماثلةً أدّت إلى تدهور الحالة الأمنية وإلى إحياء أحلام حزب العمّال الكردستاني في الانفصال. وبالتالي فإن من شأن الاتفاق الروسي الأمريكي الحالي في سورية، تعزيز المهددات الأمنية على تركيا، حيث أنه يفشل في معالجة مشكلة تدفق اللاجئين إليها ومن خلالها لأوروبا، كما أنه يحافظ على الأسباب الموجبة لنمو التطرف على طول حدودها الجنوبية، وإلى نشوء بؤر امداد وتذخير لعناصر المليشيات الكردية الانفصالية في مناطق التواصل الجغرافي مع سورية خصوصاً جنوب شرقي البلاد حيث ينشط حزب العمال الكردستاني. 

خيارات قوى الثورة والمقاومة الوطنية

تفيد الصيغة المقترحة لوقف العمليات العدائية في سورية إلى استمرار سيولة المشهد السياسي والعسكري الذي أسس له بيان جنيف الأول، والتي استغلها كلٌ من روسيا وإيران والنظام في إرساء قواعد اللعبة وفق ما تمليه مصالحهم المشتركة في القضاء على الثورة وأخذ الوضع الأمني للمنطقة رهينةً لهم في تحقيق أهدافهم المرحلية.  كما أن غياب الحسم في معالجة الأسباب الموجبة لاندلاع الثورة يفسح المجال أمام الولايات المتحدة في اقتناص الفرص لتحسين تموضعها الجديد في المشرق، ويُهيئ لها أسباب التدخل السلبي لإضعاف جميع القوى "المزعجة" لها فيه. وفي ظل عجز المجتمع الدولي في مواجهة الصلف الروسي والإيراني فإنه من واجب المعارضة السياسية والعسكرية العمل على إنهاء سيولة المشهد السوري بما يدفع الفاعل الأمريكي في مواجهة التحديات الأمنية الناشئة عن تدفق الأزمة السورية إلى خارج حدودها الجغرافية.

لقد نجحت الهيئة العليا للمفاوضات من خلال سياساتها القائمة على القبول المشروط بمطالب مجموعة الدعم الدولية لسورية في شراء بعض الوقت بحثاً عن فرص جديدة للخروج من المأزق الذي وضعتها فيه الولايات المتحدة في تقنين الدعم المالي واللوجستي على الثوار، كما أنها نجحت في اختبار الحفاظ على وحدة صفها الداخلي غير المتّسق في مسايرة أطرافها الأكثر ميلاً لمهادنة النظام. إلّا إن استمرار الأداء السياسي السابق بعد أن لعبت موسكو بآخر أوراقها من شأنه الآن القضاء على آخر فرص الشعب السوري في تحقيق حل سياسي عادل ومستدام.  

ولذا على المعارضة السياسية عمل التالي أملاً في استعادة القرار الوطني:

1.    رفض البيان بالمطلق، والتلويح بالانسحاب من العملية التفاوضية، لأن كافة فقرات هذا البيان تؤكد على استثناء مجموعات وتنظيمات متماهية جغرافياً مع بنية المعارضة، وهذا أمر يجب على الروس والأمريكان تقديم ضمانات بعدم جعل هذا الاستثناء مطية وحجة لضرب بنيةالمعارضة.
2.    الإصرار على ضرورة أن يُراعي قرار وقف إطلاق النار هواجس وإشكالات المعارضة وأن يرتبط القرار بضمان المجموعة الدولية ببدء عملية انتقالية تُنهي حقبة الأسد، وتذكر صراحة بنص قرار مجلس الأمن المتوقع صدوره لهذا القرار.
3.    العمل على حسم موقف الحلفاء تجاه دعم المعارضة سياسياً وعسكرياً، وباتجاه تصنيف الميليشيات الأجنبية المساندة للنظام واعتبارها مجموعات إرهابية، بالإضافة إلى الحث على الانتقال لممارسات أكثر صلابة، وتشكيل خلية أزمة مشتركة بين الهيئة العليا وقوى الثورة والمقاومة.

شارك الباحث، ساشا العلو، -باحث في مسار السياسة والعلاقات الدولية ضمن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية-، في برنامج "من تركيا" على قناة الأور ينت للحديث عن التوظيف السياسي لملف اللاجئين السوريين، حيث ركز الباحث ضمن اللقاء الحواري على عدة نقاط أبرزها؛ استراتيجية نظام الأسد في تصدير الأزمة السورية كمهدد أمني إقليمي ودولي اعتماداً على حامل اللاجئين والإرهاب، سعياً لإعادة ترتيب أولويات المجتمع الدولي تجاه الحل السياسي.  بالإضافة للتطرق إلى خصوصية محافظة حلب في هذا السياق إثر القصف الروسي وحملة النظام الأخيرة على الريف الشمالي للمدينة، وما مثلته من حلقة ضغط سعت موسكو من خلالها إلى إفراغ المناطق المدنية والدفع بكتلة بشرية هائلة إلى الحدود التركية لإحراج الأخيرة، التي حولت بدورها ضغط الملف إلى أوربا لسحب الأنظار والمواقف عن النتائج إلى السبب الرئيس المتمثل بالقصف الروسي، ومحاولة تحصيل مواقف أكثر جدية وفعالية تجاه القضية السياسية السورية إجمالاً، إلى جانب تحميل المجتمع الدولي والأوربيين جزء من المسؤولية الاقتصادية والإنسانية لملف اللاجئين. كما عرج الباحث على تفصيل مستويات الاستثمار في ملف اللاجئين بحسب الدول المستضيفة، واختلاف أدوات وأهداف الاستثمار وفقاً للتموضع السياسي -الاقتصادي لكل دولة.

لمشاهدة الحوار كاملاً انقر على الرابط التالي: https://goo.gl/qyh1jJ

أجرت قناة دار الإيمان ضمن نشرتها الإخبارية استضافة هاتفية مع الباحث معن طلاع -باحث في مسار السياسية والعلاقات الدولية- بمركزعمران للدراسات الاستراتيجية. للتعليق على الأحداث السياسية الأخيرة وتم التركيز على التطورات الأخيرة المتعلقة بقدوم طائرات سعودية لقاعدة إنجليلك التركية بالإضافة على مدلولات وتداعيات القصف المدفعي الذي قام به الجيش التركي ضد قوى الـ YPG.

المداخلة كاملة على الرابط التالي: https://youtu.be/1dhiOCY12U0

السبت, 06 شباط/فبراير 2016 11:08

مستقبل سوريا في ظل التطورات الأخيرة

أجرى موقع نون بوست حواراً معمقاً مع الأستاذ معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية -مسار السياسة والعلاقات الدولية- تناول آخر التطورات والمستجدات على الساحة السورية والإقليمية والدولية، لا سيما مفاوضات جنيف3 ومؤتمر المانحين الأخير في لندن، واحتمالات التدخل العسكري في سورية.

أوضح الأستاذ طلاع أن تنامي الحديث عن مشاريع التقسيم في سورية استناداً إلى بنك الأهداف العسكرية الروسية، وضرب المعارضة السورية، هو أمر مبرر، لكنه اعتبر أن الدور الوظيفي لنظام الأسد في المعادلة الإقليمية لا يمكن أن يتم من دون الحفاظ على نظام سياسي مركزي.

وتوقع الأستاذ طلاع تغير الموقف الأردني قريباً فيما يتعلق بالحملة الروسية على الجبهة الجنوبية، لا سيما بعد سقوط مدينة الشيخ مسكين، وزيادة تحرك الميلشيات التابعة لإيران، والخشية من استغلال الجماعات "الإرهابية" لمتغيرات ميزان القوى، إضافة إلى القلق المتزايد من موجات نزوح جديدة.

واستبعد الباحث في مركز عمران تدخلاً برياً سعودياً أو تركياً في سورية ما لم يكن تحت المظلة الأمريكية وبتنسيق مع واشنطن لزيادة الضغوط على موسكو، على الرغم من استفحال الخطر الكردي بالنسبة للأتراك في الشمال السوري.

وفيما يتعلق بجبهة النصرة وما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية"، اعتبر طلاع أن الأولى مقبلة على صيغ "متطورة" وأكثر "مرونة" فيما يتعلق بعلاقاتها وارتباطاتها، بسبب الضغوط الميدانية، أما بالنسبة للآخر، فإن الحملة الروسية على المعارضة السورية المعتدلة قد زادت من قوته.

نص الحوار كاملاً على موقع نون بوست: http://goo.gl/3nkfXn

أقامت ‫‏وحدة المجالس المحليّة‬‬ بالتعاون مع الخارجية الكندية برنامجاً تدريبياً مخصصاً للمجالس المحليّة داخل المناطق السورية المحررة بمدينة غازي عينتاب التركية تحت عنوان: " الحوكمة الرشيدة والمساءلة المجتمعيّة". ‬ في الفترة الواقعة من تاريخ 27 ولغاية 31 كانون الثاني. حيث ركز البرنامج على قضايا المساءلة والمحاسبة المجتمعيّة، والشفافيّة والتشاركيّة ودور وسيادة القانون في الحكم المحليّ، بالتعاون مع مجموعة من الخبراء والاختصاصيين في مواضيع الحوكمة والإدارة المحليّة من كل من الأردن ولبنان وسورية. وكان لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية حضوراً مميزاً في هذا البرنامج عبر مشاركة الباحثة هاديا العمري من مسار الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية بمادة تدريبية تمحورت حول المشاركة المجتمعية والتخطيط للحوكمة على مدار يومين تدريبييّن، تم دعمهما بجلسات مسائية على هامش البرنامج بناءً على طلب المتدربين. ‬

حيث ركزت الباحثة في مادتها على النقاط التالية:

•    ماهية المشاركة المجتمعية وأهميتها؛
•    آلية تطبيق المشاركة المجتمعية؛
•    أشكال المشاركة المجتمعية؛
•    عناصر المشاركة المجتمعية الجيدة وعوامل دعمها، وكيفية تطوير المشاركة المجتمعية؛
•    تحديات المشاركة المجتمعية ونصائح للتغلب على تلك التحديات؛
•    ماهية الحوكمة المؤسسية وعناصرها؛
•    مدخل حول التخطيط بشكل عام؛
•    عناصر التخطيط للحوكمة؛
•    خطوات عملية للتخطيط للحوكمة؛

وقد اعتمدت الباحثة في تقديمها للمادة التدريبية على التركيز بشكل أساسي على ترسيخ محتوى المادة من خلال التمارين العملية التي تحاكي واقع عمل المجالس المحلية بالإضافة إلى جلسات العصف الذهني ومجموعات العمل المشتركة.

كما قام باقي المدربين المشاركين؛ ممثلين بالأستاذ رياض العيسى، والأستاذ مالك عمايرة باستكمال باقي محاور البرنامج التدريبي، ومن الجدير بالذكر أن المتدربون على هذا البرنامج سيقيمون ما يقارب الـ 30 دورة تدريبية لعدد من المجالس المحليّة الفرعيّة في الداخل السوريّ خلال الأشهر القليلة المقبلة.

في ختام البرنامج تقدّم فريق عمل وحدة المجالس المحليّة بالشكر والامتنان لكل من ساهم في إنجاح هذا البرنامج من مدربين ومتدربين وجهات راعية.

الأربعاء, 10 شباط/فبراير 2016 15:50

ثوار حلب في مواجهة الطوق الإيراني الروسي

ملخص: تقدمت قوات التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي على مناطق سيطرة فصائل الثورة السورية، وتمكنت من الوصول إلى نبّل والزهراء، ووضع جبهة حلب أمام خارطة ميدانية جديدة ومتطورة مع استمرار المعارك ومحاولة التوسع لحصار مدينة حلب. وبسبب تفوق الفصائل الثورية في الاشتباكات المباشرة، اعتمد التحالف الإيراني الروسي على التفوق الناري والكثافة الهائلة لعمليات القصف، وساعده على التقدم استنزاف الفصائل في معركة ريف حلب الجنوبي وتقنين الدعم عليها بعد التدخل الروسي وضعف التحصينات الهندسية للثوار، وهو ما يجعل أولوية الثوار السوريين الميدانية بناء خطوط دفاعية وتحصينات هندسية متينة، لإعاقة تقدم التحالف والمحافظة على طرق الإمداد والمساحات المتبقية. ومن جانب آخر يقدم الوضع الأخير زخماً مضاعفاً لمبادرات التوحد المطروحة بين الفصائل الثورية حيث تحظى مبادرة الجبهة الشمالية بالفرصة الأكبر للتطبيق فيما بينها. وبانفصال ريف حلب الشمالي عن المدينة، يصبح وسط ثلاث جبهات مفتوحة عليه (التحالف الإيراني الروسي، تنظيم داعش، وحدات حماية الشعب الكردية)، ويهدد هجوم وحدات حماية الشعب بتقطيع المتبقي منه ما يضاعف من خطورة وضع الثوار في الريف الشمالي، ولكنه يقع ضمن استثناء كونه منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، ما يوفر خيارات جديدة لاختبار سياسات جهات محلية ودولية انبنت على مواجهة أو تجنب تنظيم القاعدة.
ويواجه الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية، تحديات خطيرة أمام الوضع الجديد وتقدم التحالف الإيراني الروسي المستمر، مع استمرار غياب الدعم النوعي سياسياً وعسكرياً للثورة السورية، بينما يصعب الحسم تجاه جدية مشروع العملية البرية التي اقترحتها السعودية في سوريا لمواجهة تنظيم داعش، رغم إمكانية التكهن بمساراتها المحتملة، ومدى تأثيرها على الفصائل الثورية والمسألة السورية.
وتواجه الثورة السورية بعد التدخل الروسي وتقدم التحالف الإيراني الروسي مرحلة تحولات خطرة، ولكنها تحافظ على إمكانات عسكرية وطاقات بشرية وشرعية شعبية وأخلاقية متجذرة، ما يجعل إنهاءها مهمة شبه مستحيلة، ولكن ضعف الحلف الداعم للثورة في مواجهة تحديات النفوذ الإيراني الروسي الأخير يضاعف من التكلفة البشرية والتاريخية لهذه الحرب.

أولاً: مقدمة

خلال قرابة 60 ساعة (منذ ليل 1 شباط 2016م وحتى مساء 3 شباط)، استطاعت قوات النظام والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التي تقودها إيران، مدعومة بالطيران الروسي، أن تصل إلى بلدتي/معسكري نبل والزهراء، بعد قرابة 3 سنوات من وضع شبه الحصار، عبر السيطرة على بلدات: (دوير الزيتون، تل جبين، حردتنين، معرستة الخان) بالترتيب، مع استمرار التمهيد الناري ومحاولات التقدم شمال وجنوب هذا الخط الجديد الواصل إلى نبل والزهراء.

وتمكنت قوات التحالف الإيراني-الروسي بهذا التقدم الأخير من الفصل ما بين الجزء الأكبر من ريف حلب الشمالي (المنطقة شمال معرستة الخان) ومدينة حلب، ما يترك طريق إمداد حلب الوحيد هو طريق الكاستيلو الذي يصل إلى ريف حلب الغربي وريف إدلب.

ويستمر التحالف الإيراني الروسي بمحاولة توسيع مناطق سيطرته، بالتوازي مع محاولة قوات وحدات حماية الشعب الكردية التقدم نحو اوتوستراد إعزاز ومطار منغ العسكري، ومع محاولة تنظيم داعش التقدم من جهته أيضاً، ما يضع الفصائل الثورية تحت وطأة هجوم ثلاثي، في ظل دعم دولي ضمني للتحالف الإيراني-الروسي وتقنين واضح في الدعم العسكري للفصائل الثورية منذ التدخل الروسي.

وقد دفع التقدم الأخير نحو ردود فعل إقليمية واسعة (إعلامية حتى الآن)، من طرف المحور الحليف للثوار السوريين (تركيا، السعودية، قطر)، بلغت أوجها بالتصريحات السعودية حول الاستعداد لتنفيذ عملية برية داخل سوريا ضد تنظيم داعش.

وتدرس هذه الورقة تفاصيل المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، وتكتيكات التحالف الإيراني الروسي القتالية وخططه القادمة، وخيارات الثوار السوريين في مواجهة التحالف الإيراني الروسي، ووضع ريف حلب الشمالي كمنطقة شبه محاصرة ومستنزفة وخالية من تنظيم القاعدة، وسيناريوهات العملية البرية المحتملة.

ثانياً: تسلسل الأحداث... اكتمال الطوق

فيما بعد تحرير مدينة حلب (تموز 2012م)، بلغ الثوار تمددهم الأقصى في المحافظة مع بداية شتاء 2013م، واستدعى النظام لمواجهة ذلك تعزيزات عسكرية إضافة إلى ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات (في مقدمتها حزب الله اللبناني)، واعتمد النظام على التقدم البطيء –ولكن المستمر- لتطويق مدينة حلب وقطع طريق إمدادها الوحيد (الكاستيلو) ضمن خطة دبيب النمل، منذ استعادته طريق إمداد قواته من معامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي بإعادة احتلال خناصر والسفيرة (بداية تشرين الثاني 2013م)، وتمدده لاحقاً عبر اللواء 80 والشيخ نجار وحندرات، وصولاً إلى هجومه على ريف حلب الشمالي وسيطرته على باشكوي (17 شباط 2015م).

ولم تهدأ الاشتباكات في جبهات حلب وريفها التي تعتبر ضمن الأعنف والأكثف والأعلى تكلفة بشرياً وعسكرياً ومادياً في الحرب السورية، وشُنّت عشرات (وحتى مئات) محاولات الاقتحام المتكررة من الجانبين، والقصف المكثف الذي تجاوز عدد ضحاياه المدنيين 30 ألف إنسان، دون تغييرات جوهرية في الخارطة، إلى أن بدأ التدخل الروسي.

بدأت حملة إشعال الجبهات بعد التدخل الروسي (نهاية أيلول 2015م) في حلب على جبهة ريف حلب الجنوبي، واستطاعت قوات التحالف الإيراني-الروسي السيطرة على مساحة 380 كلم2، منذ بدء المعركة وحتى الهدوء النسبي بعد السيطرة على خان طومان (16/10/2015م – 30/12/2015م).

ورغم حجم خسارة المدرعات الكبير لقوات النظام والتحالف الداعم له بالصواريخ المضادة للدروع (خاصة التاو) التي استخدمتها فصائل الجييش الحر، إلا أن المعركة مثلت استنزافاً كبيراً لفصائل حلب والشمال السوري بعامة (كتائب ثوار الشام التي اندمجت مؤخراً في الجبهة الشامية كانت الأكثر استنزافاً)، وفقدت هذه الفصائل عدداً كبيراً من القادة الميدانيين، ومن المقاتلين، عدا عن استنزاف الذخيرة ومنظومة المضاد للدروع مع انخفاض الدعم الواضح للفصائل فيما بعد التدخل الروسي ومؤتمر فيينا خاصة (14/11/2015م).

واعتمدت تكتيكات تقدم التحالف الإيراني-الروسي على الكثافة النارية بشكل رئيس، والتي وفرها الطيران الروسي وسلاح المدفعية وراجمات الصواريخ قبل التقدم (واستقدم التحالف أسلحة تستخدم للمرة الأولى في حلب لهذه المعركة)، وأحياناً اعتمدت على التسلل وقطع طرق الإمداد بين نقاط الثوار أو الالتفاف على الخطوط الخلفية لنقاط الرباط قبل الاقتحام ما دفع لانسحابات سريعة في أكثر من منطقة، خاصة عند سيطرته على محور (العيس-الحاضر) ثم (حميرة-خلصة) التي سهلت الوصول إلى (القلعجية- زيتان) (تحتاج معارك ريف حلب الجنوبي تفصيلاً مستقلاً).

وخرجت فصائل الثوار من معركة ريف حلب الجنوبي باستنزاف بشري وعسكري وخسارة مناطق واسعة، تهدد بتحويل ريف حلب الغربي (الذي يعتبر خزاناً بشرياً رئيساً للثوار ومنطقة شبه خالية من الرباط) إلى خط رباط واستنزاف.
وقد استخدم النظام في معركته التالية في ريف حلب الشمالي استراتيجية عسكرية مشابهة لريف حلب الجنوبي، مع إدخال أسلحة جديدة مثل الدبابة T-90 والمقاتلة الحربية SU-35، واعتمد في سياسة الأرض المحروقة على راجمات الصواريخ وسلاح المدفعية بنسبة أكبر، إضافة إلى المقاتلات والمروحيات في القصف الجوي المكثف.

بعد الهدوء النسبي لجبهة ريف حلب الجنوبي، بدأ رصد حشود الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ضمن معسكرات النظام المطلة على طرق ريف حلب الشمالي (باشكوي)، وكان من المتوقع أن يشن النظام هجوماً مشابهاً من حيث الأهداف لمعركة رتيان وحردتنين السابقة (شباط 2015م) حين تسللت فجراً قوة مشاة قوامها 500 عنصر تلة باشكوي ثم قرية رتيان وحردتنين، ووقعت تحت نيران فصائل الثورة السورية التي أرسلت مؤازرات ضخمة للمنطقة، ووقعت أغلب القوة المقتحمة للنظام والمدعومة بالميليشيات الشيعية بين قتيل وأسير، وسيصحح النظام والتحالف الإيراني-الروسي هذه الخطة في الاقتحام الأخير، متجنّباً تفوق فصائل الثوار في الاشتباكات المباشرة، ومستغلّاً التفوق الناري الذي يمتلكه.

بدأ الهجوم قرابة الساعة الثانية بعد منتصف ليلة الأول من شباط، تقدمت قوات التحالف الإيراني-الروسي (الفرقة الرابعة من جيش النظام، ميليشيا الدفاع الوطني، حزب الله اللبناني، حركة النجباء العراقية، كتائب حزب الله العراق، ميليشيات أفغانية، الحرس الثوري الإيراني) نحو مزارع دوير الزيتون، بآليات مدرعة وقوات مشاة، وتم طلب مؤازرات من قبل فصائل الثوار استطاعت إحباط الهجوم واستعادة معظم النقاط التي تقدم إليها مع صباح اليوم (1 شباط)، فانتقلت قوات التحالف إلى خطة "الأرض المحروقة"، عبر تمهيد ناري مكثف جداً (مدفعية الهاون والفوزديكا، وراجمات الصواريخ، والطيران الروسي)، تمكن التحالف عبره من الدخول إلى مزارع دوير الزيتون قرابة عصر اليوم، وفي الوقت نفسه تسللت قوات مشاة ومدرعات إلى تل جبين عبر طريق خلفي تشرف عليه نقاط تنظيم "داعش" شبه الهادئة منذ قرابة عامين، وبسيطرته على تل جبين المشرف على قرية حردتنين ورتيان، تمكن التحالف من رصد دقيق وقريب لمواقع الثوار، ومن توفير زخم قصف مضاعف، مع محاولات اقتحام عنيفة ومتكررة نحو بلدة رتيان (أُحبطت) وحردتنين التي سيطر التحالف على أجزاء منها.

أرسلت الفصائل الثورية في غرفة فتح حلب مؤازرات متتابعة إلى ريف حلب الشمالي (الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، الفرقة 16، الفرقة 13، فيلق الشام، جيش الإسلام، أحرار الشام وغيرها) إضافة إلى طواقم المضاد للدروع التي استخدمت صواريخ الفاغوت والتاو (الفرقة الشمالية، الفرقة 13، الفرقة 16، الجبهة الشامية) وإن كان عبء معركة رتيان وحردتنين الأكبر قد وقع على ثوار المنطقة الذين يقودهم علي عيسى (أبو حمص رتيان) القائد العسكري السابق في أحرار الشام ثم في جيش الشام، والذي أصيب في نهاية المعركة إصابة خطرة.

وتركزت نقاط انطلاق قصف التحالف واقتحامه من محور باشكوي والمناطق التي اقتحمها (دوير الزيتون، تل جبين)، ولكن مع محاولات تسلل (أُحبطت) من محور نبل والزهراء باتجاه بيانون وماير.

وشملت "السجادة النارية" المناطق التي يحاول التحالف التقدم إليها في الطريق نحو (نبل والزهراء) والمساحة المحيطة ضمن ريف حلب الشمالي وطرق إمداده (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، معرستة الخان، حريتان، كفر حمرة، وغيرها).

مع فجر اليوم الثاني للمعركة (2 شباط) كان التحالف قد نجح في السيطرة على حردتنين وأجزاء من مزارع معرستة الخان دون أن ينجح في اقتحام رتيان، ووصلت مؤازرات غرفة فتح حلب إلى أوجها، مع وصول رتل مؤازرات من جبهة النصرة، ولكن طبيعة الهجوم التي تعتمد الكثافة النارية ثم الاقتحام دون الاشتباك المباشر غالباً، حالت دون أن يكون الميزان العددي صاحب التأثير الأكبر، مع استمرار الاشتباكات في محيط حردتنين ومعرستة الخان، ووجود محاولات تسلل من محور نبل والزهراء تجاه بيانون وماير، واستمرار القصف المكثف على المناطق حول معرستة الخان (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، حريتان...الخ)، التي تشكل صلة الوصل مع نبل والزهراء.

في نهاية ليلة 2 شباط كان طريق معرستة الخان مرصوداً نارياً، والاشتباكات على حدودها وعلى جبهة رتيان، وبلغت خسائر التحالف (حسب غرفة فتح حلب): تدمير عشر آليات مدرعة، من ضمنها عربتا BMB ودبابة T72، واغتنام عربة BMB أخرى. ومقتل قرابة 100 عنصر (معظمهم أجانب) حسب جهات الرصد.

في اليوم الثالث من المعركة (3 شباط)، استمرت محاولات التسلل والاشتباك من جهة نبل والزهراء تجاه بيانون (أُحبطت)، وانتقلت الاشتباكات بين التحالف والثوار إلى داخل معرستة الخان، إلى أن سيطر التحالف على مزارع وقرية معرستة الخان قرابة السادسة مساء، ووصلت بذلك إلى نبل والزهراء، بعد قرابة ثلاث سنين من وضع شبه الحصار.

وفي 5 شباط سيطرت قوات التحالف الإيراني-الروسي على بلدة رتيان التي شهدت أعنف اشتباكات المعركة وقرابة عشر محاولات اقتحام مع قصف هائل مسح معظم مبانيها، واستشهد من فصيل واحد في الجيش السوري الحر (كتائب الصفوة الإسلامية) 24 مقاتلاً، كما سيطر على بلدة ماير المحاذية لبلدتي/معسكري نبل والزهراء، لتستمر في توسيع طريق الوصل إلى نبل والزهراء، دون أن يهدأ القصف المكثف حول هذا الطريق ومحاولات الاقتحام للبلدات المحيطة، حتى كتابة هذه الورقة.

على حدود عفرين، فيما بعد انفصال ريف حلب الشمالي، فقد بدأت وحدات حماية الشعب (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) مع حلفائها ضمن قوات سوريا الديمقراطية (ومن ضمنها فصائل غير كردية وترفع علم الثورة السورية مثل جيش الثوار الذي ينتمي أغلب عناصره لريف إدلب)، بالتقدم من جهة عفرين، تجاه مناطق الفصائل الثورية المجاورة لهم، رغم وجود اتفاقات هدنة موقعة بينها وبين فصائل الجيش الحر في الريف الشمالي، وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية تباعاً على القرى غرب أوتوستراد إعزاز(الزيارة، الخريبة، مرعناز، العلقمية، دير جمال، كفر انطون)، وتسعى بذلك إلى وضع نقاط على أوتوستراد إعزاز، وتهدف للسيطرة على مطار منغ العسكري أيضاً، وهو ما يهدد بفصل حواضر ريف حلب الشمالي الكبرى (تل رفعت، مارع، إعزاز) عن بعضها، ما يضاعف من خطورة وحساسية وضع الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، ويضاعف الحاجة إلى دعم نوعي سريع.

وعلى جبهة داعش، فلم تشهد الأيام الأولى للمعركة تطورات جديدة، فيما عدا طرح وساطات (أقرب لأن تكون بروباغندا إعلامية) للهدنة بينهم وبين فصائل الثوار، والتوحد على قتال النظام والتحالف الإيراني (رغم وجود قرابة 150 كيلومتر كخطوط مواجهة هادئة بين التنظيم والنظام في محافظة حلب)، ولكن مجموعات التنظيم سارعت لاستغلال استنزاف الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، لشنّ هجمات على مناطق سيطرة الثوار في قرية براغيدة وتم إحباطها.

ثالثا: اتجاهات التحالف الإيراني الروسي المحتملة

بعد تأمين الطريق الواصل إلى بلدتي نبل والزهراء، فإن التحالف الإيراني-الروسي سيسعى لتوسيع نطاق السيطرة شمال وجنوب هذا الطريق، لتأمينه وزيادة حجم استنزاف الفصائل الثورية، إضافة إلى استكمال تحويل جبهة حلب إلى جزر مقطعة يسهل حصارها، بدلاً من محاولات الاقتحام ذات التكلفة البشرية العالية خاصة في المدينة.

ويمكن أن يعمل التحالف على عدة محاور في هذه الخطة:

•    طريق الكاستيلو
 وهو الطريق الواصل بين مدينة حلب وريف حلب الغربي باتجاه ريف إدلب، والذي أصبح خط الإمداد الوحيد بعد فصل الريف الشمالي، ويمتلك النظام إمكانية قطعه نارياً دون التقدم نحوه، سواء من خلال سلاح المدفعية القريب، أم من خلال تكثيف المراقبة الجوية، ولكن يمكن أن يعمل النظام على التسلل نحو الكاستيلو مباشرة أو عبر محور حندرات، أو بالسيطرة على تلة نصيبين المشرفة على طريق حريتان قبل ذلك.

•    جنوب خط الوصل
بيانون: جرت عدة محاولات تسلل من الزهراء نحو البلدة خلال المرحلة الأولى من المعركة، ويستمر القصف المكثف عليها (حتى تاريخ كتابة الورقة)، ويمكن أن توفر السيطرة على البلدة توسيع نطاق الأمان بالنسبة لطريق الوصل الجديد، كما توفر نطقة انطلاق نحو بلدة حيان.

تلة الطامورة: والتي جرت عدة محاولات اقتحام نحوها، كان آخرها وأعنفها (حتى تاريخ كتابة الورقة) في 8 شباط وتم إحباطها من طرف الثوار وقتل قرابة 50 عنصرٍ من الميليشيات الشيعية المقتحمة حسب الفصائل التي شاركت في المعركة.

ويضمن التحالف الإيراني الروسي بالسيطرة عليها تهديد عندان وقطع الطريق نحو ريف حلب الغربي دون رصد الكاستيلو، ويمكن أن يحاصر بذلك مثلث (عندان، كفر حمرة، حريتان) الفاصل بين المدينة والريف الغربي وخط الوصل الجديد إلى نبل والزهراء.


•    شمال خط الوصل
سيطر التحالف على بلدة ماير (5 شباط) ثم كفين (7 شباط) بعد إقامة خط الوصل، ويستمر في محاولة التقدم نحو كفر نايا ومسقان، وقد يستبق التحالف وصول إمدادات أو دعم جديد للريف الشمالي ضمن ردود الفعل الإقليمية على التقدم الأخير، بمحاولة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة (باتجاه تل رفعت) لتأمين خط الوصل، ولاستنزاف فصائل الثورة هناك بشكل مضاعف.

•    ريف حلب الجنوبي
حيث جرت محاولات تقدم للتحالف الإيراني الروسي بعد المعركة نحو حرش خان طومان (أُحبطت)، وقامت فصائل الجيش الحر باستعادة السيطرة على بلدة الخالدية المجاورة لخان طومان، ولكن تبقى إمكانية أن يفتح التحالف معركة على المتبقي من جبهة ريف حلب الجنوبي قائمة، لتشتيت مؤازرات فصائل الثوار من ريف حلب الغربي، وقطع مساحة أكبر من الأوتوستراد الدولي، وفرض وضع جديد لريف حلب الغربي كخط رباط، مع خطة بعيدة المدى لفك الحصار عن بلدتي/معسكري كفريا والفوعة.


•    مدينة حلب
وذلك لإرباك فصائل المدينة التي ترسل مؤازراتها نحو الريف الشمالي، أو قطع المدينة إلى قطاعين (عبر جسر الصاخور)، وهو الخيار الأقل احتمالاً، بسبب تفوق فصائل الثوار في حرب المدن، وضعف تأثير التفوق الناري مقارنة بالمساحات المفتوحة.


 رابعاً: خيارات الثوار

على المستوى السياسي: فإن الهيئة العليا للمفاوضات، وهي أول كيان سياسي يجمع المعارضة السياسية والفصائل العسكرية، تقف على أرض خيارات صعبة مع ضعف الغطاء السياسي الإقليمي الداعم لها، ولكن يتاح لها أن تعتمد على الواقع الميداني في تفكيك سردية النظام والتحالف الإيراني الروسي الداعم له عبر إجراءات:

•    المحافظة على موقفها في رفض البدء بمفاوضات مع نظام الأسد دون تطبيق البنود الإنسانية حسب قرار مجلس الأمن 2254.
•    الإعلان أن خطة وقف إطلاق النار التي تصر عليها الولايات المتحدة (والتي ستتضمن وقف وتجريم أي دعم للفصائل الثورية)، لا يمكن تطبيقها بالمفاوضات مع النظام، بسبب أن نظام الأسد ليس من يقود العمليات على الأرض بعد تفكك جيش النظام وانهيار أغلب قواته، وإنما التحالف الإيراني الروسي، المعتمد على ميليشيات متعددة الجنسيات ذات بعد طائفي ومتورطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يجعل أي اتفاق وقف إطلاق نار بمثابة حظر عسكري من طرف واحد، باعتبار أن روسيا وإيران –غير المشمولتين بالاتفاق- سيبقى متاحاً لهم استكمال العمليات العسكرية استناداً إلى حجة مكافحة الإرهاب.
•    الانتقال إلى إعلان روسيا وإيران كدول تمارس احتلالاً مباشراً على الأرض السورية، والمطالبة بمراقبة دخول الميليشيات الأجنبية إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي حيث يصل مجندو الميليشيات العراقية والأفغانية، وهي المطالبة التي تتيحها قرارات مجلس الأمن بخروج المقاتلين الأجانب من سوريا.
•    الاستفادة من وضع ريف حلب الشمالي، كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، في تفكيك حجة الإرهاب التي تستند إليها عمليات التحالف الإيراني الروسي، وفي إثبات مسؤولية النظام والتحالف الإيراني الروسي في المعاناة الإنسانية، وزيادة أعداد الهجرة.

على المستوى الميداني: لقد أظهرت السنوات السابقة التفوق الواضح للفصائل الثورية في حرب المدن والاشتباكات المباشرة، وأظهرت المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، والتي تمكن التحالف الإيراني-الروسي عبرها من السيطرة على مساحات مهمة خلال زمن قصير (قرابة 60 ساعة)، ضعفَ التحصينات الهندسية والخطوط الدفاعية للثوار رغم السيطرة على هذه المناطق منذ سنوات، وأظهرت كذلك أن خيار المواجهة في المساحات المكشوفة للكثافة النارية الهائلة سيؤدي لاستنزاف بشري وعسكري كبير، دون ضمان القدرة على الصمود الطويل.
وهو ما يجعل المعركة الراهنة، دون وجود سلاح نوعيّ معادل للتفوق الناري لقوات التحالف، معركة بناء خطوط دفاعية متينة وتحصينات هندسية قادرة على إعاقة تقدم قوات التحالف، أكثر مما هي معركة هجوم وانكشاف للتفوق الناري.

ويصبح تأمين الطريق الواصل بين المدينة وريف حلب الغربي، ضرورة استراتيجية، لضمان طرق الإمداد والمؤازرات، وحصر المواجهات بالاشتباكات المباشرة التي تحيّد التفوق الناري.

على المستوى الفصائلي: شكلت المعركة الأخيرة خارطة قوى جديدة حيث ريف حلب الشمالي منفصل عن المدينة والريف الغربي، ومحاصر ضمن قوات التحالف وتنظيم داعش ووحدات الـ YPG، وهذا الوضع الخاص ظهر على مستوى التشكيلات في وقت سريع من خلال إعلان "المجلس العسكري الموحد لريف حلب الشمالي"، ولكن دون أن يلغي وجود الفصائل وهيكلياتها، حيث الجبهة الشامية كبرى فصائل الريف الشمالي، والذي امتلك خاصية مضاعفة كونه أصبح في وضع جديد كلياً على الشمال السوري باعتباره منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة (وهو ما ستتكلم عنه الورقة في سادساً: رهانات الاستثناء).

ودراماتيكية الوضع الجديد، تسارع من خطوات تقارب الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري بعامة، سواء ضمن غرف عمليات أم تحالفات جديدة على شكل جبهة، خاصة فصائل الجيش الحر الأكبر في حلب وإدلب وحماة، سواء بشكل مشترك أم منفصل لكل مدينة (في حلب: الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، جيش المجاهدين، حركة الزنكي. في إدلب وحماة: جيش النصر، الفرقة 13، جيش العزة، الفرقة الشمالية، صقور الجبل) إضافة إلى فيلق الشام وأحرار الشام كأكبر قوتين ثوريتين ممتدتين في الشمال السوري (باعتبار أن جبهة النصرة تنظيم جهادي معولم ولا يعرّف نفسه ثوريّاً)،

وظهرت دعوات جديدة لتوحد الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري، أهمها:

•    مبادرة طلبة العلم: أطلقها مجموعة من الشرعيين المقربين (أو المنتمين) من فصائل جهادية وثورية، وتقترح توحد الفصائل في قيادة عسكرية وتأسيس حكومة داخلية ومكتب سياسي موحد، ورغم كثافة التوقيعات عليها، ومن ضمنها توقيعات لشرعيين من فصائل حلب، فإنها قد لا تحظى بفرصة للنجاح على الأغلب.
•    مبادرة الجولاني: والتي اقترحها زعيم جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) بعد تحفظه على مبادرة طلبة العلم، واقترح من خلالها الاندماج الكامل لفصائل جيش الفتح والتنازل عن قيادة التشكيل الجديد، ولكنها واجهت تحفّظاً من حركة أحرار الشام بشكل رئيس.
•    مبادرة جيش حلب: أطلقها ثوار مدنيون في حلب بعد تقدم التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي، واقترحوا من خلالها اندماج 16 فصيلاً ثورياً (من فصائل حلب) ضمن هذا الجيش واختيار قائد موحد، وهي مبادرة قد لا تُطبق على الأغلب.
•    مبادرة الجبهة الشمالية: وهو مشروع يجمع فصائل الجيش الحر الكبرى في حلب وقد يتوسع لفصائل إدلب أيضاً، وهي المبادرة التي قد تحظى بالفرص الأكبر للتطبيق خلال الفترة القريبة القادمة.

خامساً: ردود الفعل الإقليمية

ظهر تقدم التحالف الإيراني-الروسي في حلب، بالنسبة للمعارضة وحلفائها، باعتباره نتيجة للضغط الدولي على الثورة السورية سياسياً وعسكرياً منذ مؤتمر فيينا، والذي ظهر جلياً في محادثات جنيف3، سواء عبر سلوكيات المبعوث الدولي ستافان ديمستورا التي تجاوز من خلالها وفد المعارضة التفاوضي بدعوة وفود موازية ومحاولة تجاوز البنود الإنسانية إضافة إلى رسائل ظهرت كمساواة بين النظام والمعارضة من حيث الانتهاكات الإنسانية، أو عبر مقابلة حجاب-كيري التي تم تسريبها على أنها تهديدات من وزير الخارجية الأمريكي تجاه المعارضة (وهي التحذيرات التي كررها كيري في لقائه بالعاصمة لندن مع منظمات المجتمع المدني السورية)، وكذلك من خلال انخفاض الدعم الواضح لفصائل الثورة السورية بعد التدخل الروسي.

أظهر هذا الولايات المتحدة في وضع تحالف مع روسيا بالنسبة للوضع السوري، لصالح إيران من جهة، وضد المحور (التركي-السعودي-القطري) من جهة مقابلة، وهو ما فجّر ردود فعل من طرف هذا المحور تجاه التقدم الأخير في حلب:

أولاً: من خلال تصريح المسؤولين الأتراك الغاضب من دعم الولايات المتحدة لأعدائهم حزب الـ PKK حيث تتمدد وحدات حماية الشعب على الحدود التركية بدعم أمريكي روسي ويحتمل أن تتقدم أكثر (تجاه إعزاز) بعد حصار فصائل الثورة السورية في ريف حلب الشمالي.

ثانياً: من خلال تصريح المستشار العسكري لوزارة الدفاع السعودية العميد أحمد عسيري (4/2/2016م) بأن بلاده مستعدة للتدخل البري في سوريا "ضد تنظيم داعش" تحت مظلة التحالف الدولي، بالتزامن مع إعلان مناورات "رعد الشمال".

ومع سباق التصريحات والتسريبات حول نوايا التدخل البري في سوريا، فإن المطروح أن يتم تحت مظلة التحالف الدولي، وبمشاركة قوات دولية متعددة الجنسيات وبإشراف أمريكي، وهو ما يعني ضمن هذا السقف أنه سيتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في الساحل أو ريف حلب، أو أن يقدم دعماً مباشراً للفصائل الثورية، دون أن يلغي إمكان استفادة هذه الفصائل من الهوامش التي قد يتيحها مثل هذا التدخل (إن حصل)، وما زال يصعب التكهن والحسم تجاه حصول هذا التدخل حتى الإعلان عن بدئه ميدانياً، أما مناطق هذا التدخل البري الأكثر احتمالاً (إن حصل) حسب الترتيب:

•    القيام بعمليات إنزال واشتباك سريعة، وقد نفذت الولايات المتحدة عمليات مشابهة ضد تنظيم داعش، وهو ما يتيح خبرات سابقة لهذا النوع من العمليات، ويتيح استهداف نقاط في العمق الجغرافي لمناطق التنظيم.
•    التوجه نحو خط جرابلس-إعزاز (شرق مناطق سيطرة الثوار في ريف حلب الشمالي)، حيث الشريط الحدودي مع تركيا، والمسيطر عليه من قبل تنظيم داعش، شرق مناطق سيطرة الجيش السوري الحر وغرب مناطق وحدات حماية الشعب الكردية التي تتحرك من خلال "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي بدأت بعد التدخل الروسي بالانزياح غرب نهر الفرات حيث المنطقة الآمنة التي كانت القيادة التركية تخطط لإقامتها، وهو ما يهدد المصالح التركية بشكل مباشر ومتصاعد.
•    ويوفر خطاب الإرهاب المهيمن على السياسة الدولية حول سوريا، حجة مناسبة للتدخل السعودي التركي، باعتبار هذه المنطقة (ريف حلب الشرقي-غرب نهر الفرات) مسيطراً عليها من قبل تنظيم داعش، وحجة مناسبة للدولة التركية أمام ضغوط تيارات معارضة ضد توريط تركيا في المسألة السورية، باعتبار أن مواجهة تمدد القوات الكردية (وحدات حماية الشعب) المقربة من حزب العمال الكردستاني PKK، على الحدود التركية مسألة أمن قومي.
•    التوجه نحو البادية من الحدود الأردنية، ويوفر هذا الخيار السيطرة على مساحات واسعة بتكلفة عسكرية أقل، والاقتراب من جبهة العاصمة دمشق، ومن الحدود العراقية ومنابع النفط في دير الزور، وهو ما يمكن أن يشكل ورقة ضغط سياسية، إضافة للاقتراب من مناطق الثوار في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، مع وجود تجربة سابقة من خلال "جيش سوريا الجديد" الذي نفذ عمليات برية في هذه المنطقة بالتعاون مع التحالف الدولي.
•    ريف حلب الشمالي: وهو الخيار الأقلّ احتمالية، ولكن الوضع الجديد (التقدم الأخير للتحالف الإيراني، وخلو المنطقة من تنظيم القاعدة)، يوفر استثناء يسهل من دخول قوات دولية (عربية-تركية) إليه، أو يوفر استفادة أسهل فيما لو حصل تدخل بري في المنطقة الشرقية، وأقيمت قواعد عسكرية لحلفاء الثوار هناك.

سادساً: رهانات الاستثناء

إنسان الثورة المستباح

اقتبس المفكر السياسي الإيطالي جورجيو أغامبين، عنوان رباعيته المهمة في الفلسفة السياسية (سلسلة من أربع كتب)، من المصطلح الروماني HOMO SACER، والذي تمت ترجمته عربياً بـ "الإنسان الحرام" أو الإنسان المستباح"، ويشير المصطلح في القانون الروماني للإنسان الذي ارتكب جناية الخيانة ما يرفع عنه الشخصية القانونية ويتركه مستباحاً لأي عقاب سواء من الدولة أم  الأفراد، ويرتبط المصطلح بـ "حالة الاستثناء" التي شغلت مساحة مهمة من الفكر السياسي المعاصر، منذ كارل شميت الذي أعلن أن سيادة الدولة تُختبر لا من قدرتها على تطبيق القانون وإنما على تعليقه بفرض حالة الاستثناء (الطوارئ)، الجدل الذي امتد إلى فالتر بنيامين وحنه أرندت وجورجيو أغامبين وسواهم.

أتاحت الثورة السورية، لنظام الأسد الذي لم يرفع "حالة الطوارئ"  طيلة أربعين عاماً، أن يختبر قدرات حالة الاستثناء حتى أقصاها، كما اختبرت ذلك الدول المحيطة من خلال مخيمات اللجوء، التي تشكل حسب أغامبين أوضح تمثيل لحالة الاستثناء، باعتبار اللاجئين مجردين من الشخصية القانونية (فيما قبل قوننة اللجوء كحق قانوني لا كإكرامية أخلاقية) التي يُفترض أنها كانت لهم في بلادهم، ثم من خلال التعامل الدولي مع الثوار السوريين والمناطق التي يسيطرون عليها، باعتبارها مناطق متمردين rebels))، وليست مناطق تخضع لطرف سياسي شرعي، وبالتالي تُرفع عنها وعنهم الشخصية القانونية، وتصبح مستباحة للتدخل الدولي (الإيراني من خلال الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ثم التدخل الروسي).

ورغم تعرّض النظام لهزات دبلوماسية منذ العام الأول للثورة، إلا أنه حافظ على تمثيله في المجتمع الدولي كنظام شرعي، ولكنه اضطر مع تعرضه لانتكاسات عسكرية متكررة تهدد بزواله منذ تحرير إدلب (شباط 2015م)، وخوفاً من أن يتعرض لتدخل عسكري دولي (عربي-تركي) إلى أن يستعين بشرعية دولية تمثلت بالقواعد العسكرية الروسية، كما استعانت وحدات حماية الشعب الكردية الصاعدة بشرعية دولية تمثلت بالخبراء الأمريكيين خوفاً من القصف التركي ضدها، وهو الذي تطور مؤخراً إلى تسريبات عن مشروع تحويل قاعدة الرميلان الجوية إلى قاعدة عسكرية أمريكية.

وضمن الفضاء الجيوسياسي السوري، يبقى ثمة نطاقان مستباحان لحالة الاستثناء ودون شخصية قانونية حامية من "القصف الدولي" الشرعي والذي لا يهدد بقيام حرب عالمية، تتمثلان بالمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، والمناطق التي يسيطر عليها الثوار السوريون.

استثناء ريف حلب الشمالي

رغم أنه لم توجد من قبل نوايا جدية من حلفاء الثورة السورية مكافئة لجدية حلفاء نظام الأسد في التدخل العسكري في سوريا، فقد كان وجود تنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة، أحد الأسباب –المعلنة-لتكريس وضع مناطق الثوار باعتبارها مناطق تواجد الإرهابيين (حسب التصنيف الدولي)، وهو ما كان الحجة الأكثر تكراراً (وتزييفاً) لتبرير عمليات القصف الجوي والأرضي التي قام بها نظام الأسد والطيران الروسي ضد المدنيين غالباً، والتي تسببت بكوارث إنسانية، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة حقوقياً.

ويمثل وضع ريف حلب الشمالي الأخير (شمال خط الوصل) كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة"، استثناءً جديداً ضمن الخارطة السورية في الشمال (إضافة إلى مدينة داريا بريف دمشق وأحياء يلدا وببيلا وبيت سحم في جنوب دمشق)، ويتيح هذا الاستثناء الأخير (نستخدم الاستثناء هنا بمعنى مغاير لحالة الاستثناء آنفة الذكر) فرصة لاختبار مدى تأثير غياب جبهة النصرة بالنسبة لسياسات وتعامل أطراف محلية أو إقليمية أو دولية مع الثورة السورية.
ويتيح هذا أمام الثوار السوريين، عدة خيارات ومستويات للعمل، لاستغلال وضع ريف حلب الشمالي كمنطقة خالية من الجماعات المصنفة على لوائح الإرهاب:

•    على المستوى الإعلامي: فقد دفعت حوادث عدة لاختطاف صحفيين من قبل تنظيم داعش ومن قبل جبهة النصرة وحتى من قبل فصائل ثورية، لغياب الإعلام الدولي عن التغطية المباشرة لمناطق الثوار السوريين، بسبب عدم الأمان الحاصل، ويمكن أن توجه فصائل الريف الشمالي دعوة للإعلام الغربي بالدخول المحمي لمناطق سيطرتها لتغطية المعاناة الإنسانية جراء قصف التحالف الإيراني الروسي، وإزالة الصورة الضبابية عن الثوار السوريين وفصائلهم غربياً، حيث تطغى صورة الإرهاب التي يروجها النظام والتحالف الإيراني الروسي والخطابات السياسية السائدة بعامة.
•    على المستوى الحقوقي: فإن من المهم دعوة مراقبين حقوقيين مستقلين أو أمميين للدخول المحمي إلى الريف الشمالي لمراقبة الانتهاكات الإنسانية للتحالف الإيراني الروسي، واختبار دقة ادعاء استهداف الإرهاب.
•    على مستوى الفصائل الثورية: فإن استنزاف فصائل الثوار في ريف حلب الشمالي، يضاعف الحاجة للعنصر البشري، وإن كان التقدم الأخير اعتمد على التفوق الناري، ويضاعف الوضعُ الأخير الحاجة إلى دعوة المقاتلين السابقين الذين أقاموا في تركيا، إلى العودة والمشاركة في المعارك الأخيرة.، خاصة من الفصائل التي هاجمتها جبهة النصرة وجند الأقصى سابقاً (تموز 2014-آذار 2015م) ولاحقت عناصرها لاحقاً ما اضطر قسماً منهم للخروج إلى تركيا (بداية تشرين أول م2015 طالبت جبهةُ النصرة حركةَ أحرار الشام بتسليم عناصر حركة حزم وجبهة ثوار سوريا الذين انضموا لأحرار الشام للجبهة، بعد مشكلة حصلت بين الجبهة والأحرار في بلدة الدنا بريف إدلب).
•    على مستوى التدخل البري المحتمل (إن حصل): فإن خلوّ منطقة ريف حلب الشمالي من تنظيم القاعدة، يختصر جدلاً كان حاضراً سابقاً لدى الحديث عن تدخل عربي، وهو كونه سيضطر لمحاربة تنظيم القاعدة، وسيضع الفصائل الثورية في إشكال صعب مع حلفاء ميدانيين، وفي معركة ايديولوجية جديدة مع عناصرهم، وحتى لو لم تدخل قوات برية إلى ريف حلب الشمالي، فإن وجود قواعد عسكرية "صديقة" في الداخل السوري على الشريط الحدودي التركي، يتيح بالضرورة منطقة آمنة للنازحين من مناطق الاشتباك بين الثوار السوريين والتحالف الإيراني، إضافة التنسيق بشكل مباشر مع مصادر الدعم وهذا تابع للدول المشاركة في العملية البرية (إن حصلت)، والتي ستتم تحت مظلة التحالف الدولي، ما قد يمنع قتالها إلى جانب الثوار السوريين، أو قتالها ضد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من قبل التحالف نفسه.ولكن تبقى الأسئلة المفتوحة أو الرهانات المنتظرة من العملية البرية (إن حصلتْ) بالنسبة لفصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي حول مدى التنسيق مع العملية البرية واستلام إدارة المناطق التي يتم طرد تنظيم داعش منها واستفادة هذه الفصائل من قواعد الحلفاء.

سابعاً: خاتمة

تمر الثورة السورية على بوابة عامها السادس، بمرحلة أخرى من تحولاتها، مع تغيرات خطيرة في خرائط السيطرة والتحالفات، ورغم حجم الخسارة البشرية والميدانية الواضح بالنسبة لفصائل الثورة السورية منذ التدخل الروسي، سواء في ريف حلب الجنوبي ثم ريف حلب الشمالي أم في الساحل أم في الغوطة الشرقية وداريا أم في درعا، فإن تنبؤ بعضهم بأن الثورة السورية تواجه تحدياً وجودياً أخيراً، أو أن نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي على وشك "القضاء" على الثورة السورية، هي تنبؤات رغبوية أو بروباغندا دعائية.

حيث تتجاهل هذه البروباغندا قدرات المقاومة النوعية للفصائل الثورية والتي ظهرت في تفوقها الحاسم في الاشتباكات المباشرة، في مقابل التفوق الناري الكبير لأسلحة النظام والتحالف الإيراني الروسي، وأن هذه الفصائل ما زالت تسيطر على مناطق ممتدة وتحظى بشرعية محلية شبه وحيدة في مناطقها خاصة كونها تمثل الخيار الوطني شبه الوحيد بين أطراف الحرب في سوريا، مع تحول قوات نظام الأسد إلى شريك شبه إعلامي للتحالف الإيراني الروسي الذي يقود العمليات على الأرض.

هذا إضافة لامتداد الثورة السورية الشعبي الكبير داخل وخارج سوريا، والسجل الهائل من المجازر التي ارتكبها نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي الداعم له، والذي يجعل من إعادة التطبيع الشعبي مع النظام في سوريا مهمة شبه مستحيلة، وتبقي –بالنسبة لمنظور الأولويات الدولية-ملفات الهجرة والعنف قائمة وتكرس فوضى المنطقة.

ورغم التقدم العسكري الأخير الذي حققه التحالف الإيراني الروسي، فإنه لم يكن ليتحقق لولا الدعم السياسي الدولي الذي حظي به التدخل الروسي والإيراني في سوريا، في مقابل ضعف الحلف الداعم لفصائل الثورة السورية في فرض شروطه سياسياً أو دعم حلفائه عسكرياً، إضافة إلى توفير غطاء آمن لحشد الميليشيات الشيعية واستقدامها إلى سوريا ما وفر فائضاً في العنصر البشري الأجنبي مع اضمحلال حضور جيش النظام السوري في المعارك.

ويظهر الأثر الخطير لهذا الدعم الدولي الضمني للتحالف الإيراني الروسي، على خريطة المنطقة التي تتمدد فيها الميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً على أرض مظلومية سنية تنتج ردود فعلها المتفاوتة في راديكاليّتها وعنفها مع الوقت، إضافة إلى اضمحلال النفوذ العربي-التركي في سوريا والعراق لصالح نفوذ إيراني-روسي، مع دعم أمريكي لتمدد قوات وحدات حماية الشعب (الكردية) في مناطق عربية تمارس انتهاكات موثقة بحق مكوناتها، وهو ما يكرّس ديمومة الصراع الهوياتي في المشرق العربي.

يواجه الثوار السوريون معاركهم الصعبة منفردين وبإمكانات محدودة وشبه حصار سياسي وعسكري عليهم، في مقابل جيوش مجهزة لعدة دول وميليشيات معولمة، وهو ما يضاعف من خطورة وإلحاح مهمة الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية في تقديم الغطاء السياسي والدعم النوعي للفصائل الثورية، والكفيل بمواجهة التفوق الناري للتحالف الإيراني الروسي، أما الاستمرار في سياسات الدعم المقنن الراهنة فهو يكرّس تمدد التحالف الإيراني الروسي، ويعطيه أحقية تشكيل خريطة المنطقة ومستقبل شعوبها ودولها.

ثامناً: الملاحق

خريطة (1) توضح مواقع النفوذ والسيطرة -ريف حلب الشمالي -31 كانون الثاني 2016    

خريطة (2) توضح مواقع النفوذ والسيطرة -ريف حلب الشمالي -9 شباط 2016    


خريطة (3) توضح مواقع النفوذ والسيطرة في ريف حلب الجنوبي -20 تشرين الأول 2015

خريطة (4) توضح مواقع النفوذ والسيطرة في ريف حلب الجنوبي -31 كانون الأول 2015

في إطار تغطية الشأن الداخلي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي مسجل مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، للحديث حول العلاقة بين المجالس المحلية والجهات الداعمة، حيث تطرق اللقاء إلى آلية تمويل المجالس المحلية لمشاريعها عن طريق الجهات الداعمة، كما أشار الباحث للأزمة المالية التي تمر بها المجالس والتي تعوق قدرتها على التدخل لمعالجة أزمات قطاعية لاسيما في مجال البنية التحتية الذي يستلزم موارد مالية كبيرة وخبرات واستقرار وهو غير متاح حالياً في ظل محدودية الموارد واستمرار سياسة القصف المتعمدة لهذا القطاع من قبل قوات نظام الأسد وحلفائه، ليختتم الباحث مداخلته بالحديث عن الإجراءات التي تمكن المجالس من تعزيز مواردها الذاتية بالإضافة إلى ذكر عدد من التوصيات التي تسهم في تعزيز علاقة المجالس بالجهات المانحة.

رابط البث: http://goo.gl/RHM5CU

 

 

إن كنتُ أعزُ عليك فخذ بيدي... فأنا محتاج من رأسي حتى قدمي... هكذا هي حال غالبية السوريون هذه الأيام بعد مرور خمسة أعوام من الصراع المتواصل الذي أهلك الضرع والزرع وفجر أزمة إنسانية عميقة على مختلف الصعد تتكشف تداعياتها السلبية يوم بعد آخر، وتتفاقم في ضوئها الحاجات مع فقدان السكان لمقومات الصمود الاقتصادي واعتمادهم المتزايد على المساعدات الإغاثية.

وفي ضوء هذه الظروف برزت الحاجة إلى منظمات الإغاثة والتنمية المحلية بشكل متزايد في ظل المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان وافتقادهم إلى الكثير من مقومات الحياة الأساسية، حيث تمثل الأنشطة التي تقوم بها هذه المنظمات ركيزة أساسية في دعم صمودهم وتلبية الاحتياجات الإنسانية المختلفة. إلا أن المتتبع لواقع حال هذه المنظمات على مر السنوات الخمسة الماضية يلمس بشكل واضح غياب فاعلية الكثير منها وانخفاض كفاءتها في المجال الإغاثي والتنموي، وافتقار العديد منها إلى برامج عمل ورؤى واضحة في هذا المجال، إلى جانب غياب الخطط التنموية الشاملة والبرامج الزمنية التي تحدد طبيعة الأنشطة والأهداف التي يمكن تحقيقها أو تحقيق تطوير نوعي فيها. وقد يعود هذا لأسباب عدة. ففي الجانب الإداري تعاني هذه المنظمات من غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في المجال التنموي بشكل عام وقطاع الإنعاش وسبل العيش بشكل خاص، إلى جانب صغر حجمها وقلة عدد كوادرها وانتشارها الجغرافي الواسع وغياب التخصص في عملها من حيث القطاعات المستهدفة بنشاطي الإغاثة والتنمية، بالإضافة إلى كثرة عدد هذه المنظمات مع غياب جهة ناظمة لعملها.

أما على جانب التمويل فإن جلَّ هذه المنظمات تعاني من ضعف قدرتها المالية واعتمادها على مصادر تمويل غير ثابتة وارتباطها بسياسات وأجندة مموليها إلى حد كبير، مما انعكس بشكل واضح على نوعية مشاريعها ومدى استدامتها، فضلاً عن انتشار الفساد المالي والإداري في العديد منها كالإعلان عن مشاريع تنموية أو إغاثية وهمية، وغياب ثقافة الشفافية وعدم نشر المعلومات المتعلقة بأنشطتها الإغاثية والتنموية بشكل علني. وقيام البعض منها بتسويق نفسها على حساب المواطنين الذين يتلقون مساعداتها مما أثر على مصداقيتها لديهم.   

كما تشير المعطيات المتوافرة عن هذه المنظمات إلى تركز جل برامجها على تقديم المساعدات الإغاثية، في حين أن المطلوب هو تجاوز فكرة المساعدة الإنسانية والإغاثية إلى العمل التنموي والتأهيل والتدريب للفئات المستهدفة من نشاط هذه المنظمات والإسهام في بناء المجتمع.

إلا أننا في ذات الوقت لا نستطيع تجاوز بعض التجارب الناجحة في المجال الإغاثي والتنموي، كما يجدر القول بأن عدد من هذه المنظمات عملت جاهدة على الظهور بقدر من المسؤولية تجاه مانحيها والمتبرعين لها، وذلك من خلال وضوحها وشفافيتها وحرصها على توفير الضوابط اللازمة في عمليات إنفاقها، مما زاد من دجة ثقة وقناعة الممولين والمتبرعين لها سواء أكانوا حكومات أو قطاعاً خاصاً أو منظمات أهلية محلية وخارجية أخرى. وقد ضمن هذا لها نوعاً من الديمومة في الحصول على التمويل.

إن تقلد دور الوسيط بين المانح والمحتاج والذي تلعبه أغلب هذه المنظمات عبر تنظيمها لأدوار العمل الخيري وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، لم يعد يلبي الحاجات الاجتماعية المتجددة التي تتطلب تجاوز هذا الدور في الوقت الحاضر للمساهمة الفعالة في عملية التنمية والمشاركة في معالجة مشكلات البطالة والفقر. عبر توفير فرص عمل جديدة والمساهمة في تأسيس مشروعات تنموية صغيرة ومتناهية الصغر مدرة للدخل، إلى جانب إتاحة الفرصة لذوي الدخل المحدود لزيادة إنتاجيتهم والمساهمة في الانتقال من الأدوار العلاجية للنتائج السلبية الناجمة عن فقدان مصادر الدخل إلى المساهمة في رسم وتنفيذ سياسات وقائية تعيد النظر في آليات وأساليب تمكين اقتصادي لمختلف شرائح المجتمع. وحتى تتمكن هذه المنظمات من تأدية هذا الدور التنموي فإنها تحتاج إلى تحديث القوانين الناظمة لعملها سواء لجهة علاقتها بالمنظمات المانحة أو لجهة علاقتها بالفئات المستفيدة.

إن الواقع المعيشي الصعب الذي يكابده السكان يفرض على هذه المنظمات تبني نهج جديد لتعزيز قدرتهم على الصمود الاقتصادي واستيعاب الصدمات الحالية والمستقبلية والتكيف معها والتعافي من آثارها على نحو متدرج. ويعتمد هذا النهج بشكل أساسي على بناء استراتيجية لتنمية سبل العيش من خلال مجموعة من برامج العمل والمشاريع التي تهدف بشكل أساسي إلى القضاء على مواطن الضعف الاقتصادي لدى السكان في الأجل القريب وتدعيم قدرتهم على امتصاص الصدمات الناجمة عن تدهور سبل العيش وفقدانها في الأجل الطويل.

لذا كان لا بد من وضع حلول تمكينية تضمن نجاح تطبيق استراتيجية برامج سبل العيش من قبل هذه المنظمات تنفذ عبر مراحل متعددة وتشمل:

• الفصل بين نشاطي الإغاثة والتنمية بحيث تختص بعض المنظمات بالنشاط الإغاثي والبعض الآخر بالنشاط التنموي، مما يساهم في زيادة فاعلية هذه المنظمات. إلى جانب زيادة التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات وتطوير قاعدة بيانات مشتركة بينها لزيادة فاعلية الأنشطة والبرامج المتعلقة بسبل العيش المنفذة. مثل تأسيس شبكة إغاثة سورية والتي تضم سبعون منظمة وهيئة إغاثية عاملة في سورية. والعمل على إيجاد شراكات فاعلة مع القطاع الخاص للمساهمة في تنمية هذه البرامج عن طريق تأسيس صناديق ائتمانية تدعم تنفيذها في المناطق ذات الاستقرار النسبي. كذلك بذل الجهود للحصول على مصادر دخل متنوعة من مشاريع أو استثمارات تعود بالنفع على المجتمع من جهة وبعائدات مالية على هذه المنظمات من جهة أخرى مما يمنحها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية في قراراتها عن المانحين.

• وضع آليات تدخّل محددة لبرامج سبل العيش وفقاً لحاجات كل منطقة ومواردها المتاحة ونطاق تدخلها الجغرافي والحاجة الفعلية. فضلاً عن إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية والمجتمعية. إلى جانب دعم سبل العيش الموجودة وتوطيد استقرارها والإسهام في توسيعها بما يزيد من فرص السكان للبقاء على قيد الحياة ويقلل إلى حد بعيد من الاعتماد الكامل على المساعدات الإغاثية والإنعاشية.     

• التركيز على برامج التشغيل السريع ذات الطبيعة المؤقتة كثيفة العمالة لضمان تحفيز أسرع للانتعاش المحلي والتي تستهدف بشكل خاص فئات الشباب المعرضين للخطر والعائدين والنازحين والمقاتلين السابقين. والتي يمكن أن تعزز الأمن والاستقرار بعد انتهاء الحرب. كذلك تطوير آليات الاقتصاد المنزلي عبر مشاركة ربات المنازل وتشجيعهن على خلق فرص عمل تساعدهن في توفير موارد مالية تدعم أسرهن اقتصادياً واجتماعياً وتخفف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن الأوضاع الراهنة. إلى جانب إيلاء اهتمام خاص بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من خلال تقديم التدريب المهني وتوزيع الأدوات اللازمة لهم بغية إشراكهم في أنشطة مدرة للدخل، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي.

إذ يبدو من الأهمية بمكان في ظل استمرار الأزمة وتفاقم المعاناة الإنسانية ضرورة قيام منظمات الإغاثة المحلية بتبني نهج جديد لتعزيز قدرة السكان على الصمود الاقتصادي واستيعاب الصدمات الحالية والمستقبلية والتكيف معها والتعافي من آثارها على نحو متدرج من خلال تطبيق الحلول التمكينية السابقة.

نشر على موقع السورية نت: https://goo.gl/uRF26X