بتاريخ 24 أذار 2022، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية جلسة حوارية بعنوان "أدوات وأساليب الصراع مع النظام بعد أكثر من عقد على الثورة"، في الداخل السوري، حضرها عدد من الفاعلين والناشطين في المجتمع المدني والسياسي.

استعرضت الجلسة في محورها الأول توصيف لأهم المراحل التي مرت بها الثورة السورية من السلمية مروراً بالعسكرة وما شهدته من تدخلات دولية (إيران،روسيا)، وصولاً لمرحلة الجمود والاستعصاء السياسي. كما ركز المحور الثاني على أهم الطرق والأدوات والوسائل المتبعة في سياق الحراك الثوري السوري، إضافة إلى المحطات الدولية التي مر بها الملف السوري وأثرها على المسار السياسي، وما رافقها من تحولات عسكرية ساهمت في تشكل مناطق نفوذ مختلفة،إضافة للتطورات في الأجسام والبنى التنظيمية السياسية. فيما ناقش المحور الثالث توصيات تهدف لتطوير أدوات تنظيم العمل السياسي والمدني وتفعيل دور النقابات وأساليب الرقابة والمحاسبة.

التصنيف الفعاليات
الثلاثاء, 29 أيلول/سبتمبر 2020 19:37

نوار شعبان | الواقع الامني في الجبهة الجنوبية

بتاريخ 27 أيلول 2020؛ شارك الخبير في الشؤون العسكرية والميدانية في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية نوار شعبان ضمن حلقة برنامج " الصالون السياسي" على شاشة Syria TV تلفزيون سوريا،والتي تناولت الواقع الامني في الجبهة الجنوبية مسلطة الضوء على اللواء الثامن. حيث فكك شعبان ظروف وسياق تشكيل الفيلق الخامس واستعرض بعض مؤشرات الواقع الأمني في الجبهة الجنوبية لاسيما الاغتيالات مبيناً الدور الايراني في تدهور هذه المؤشرات.

 

 

الأربعاء, 04 نيسان/أبريل 2018 15:31

التموضع الاقتصادي الإيراني في سورية

ملخص تنفيذي

  • تمكنت طهران من خلال تموضعها الاقتصادي الجديد بعد الثورة من رفع سوية علاقاتها الاقتصادية مع سورية بعدما كانت تعاني من مشاكل هيكلية واستثمارات منخفضة بالرغم من كثرة الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، حيث تحسن الميزان التجاري من 361 مليون دولار في العام 2010/2011 إلى 869 مليون دولار في 2014 وأدى ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى سورية بشكل مطرد إلى تحول سورية لسوق تصريفية للمنتجات الإيرانية لتصبح الشريك التجاري الأول لسورية.
  • حصلت إيران على استثمارات سيادية وسريعة الربح مثل رخصة خط الجوال الثالث، واستثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس، وعقود لبناء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص بطاقة تكريرية 140 ألف برميل يومياً. كما ساهمت الشركات الإيرانية بشكل كبير في المعارض المقامة في دمشق لأغراض إعادة الإعمار ووقعت عقوداً مهمة في هذا المسار إذ بلغت القيمة المالية للعقود الموقعة بين شركة "مبنا غروب" الإيرانية في 2016 مع وزارة الكهرباء السورية حوالي تريليون ليرة سورية. كما دعمت طهران النظام السوري مالياً عبر فتح خطوط ائتمانية بلغ إجمالي ما قدمته أكثر من 5.6 مليار دولار لدعم العجز المالي في الموازنة المالية لسورية وتجنب توقف المؤسسات عن العمل.
  • يتباين التموضع الإيراني في الاقتصاد السوري مع السياسات الاقتصادية الروسية التي تحاول الاستئثار بالقسم الأكبر من الاستثمارات لاسيما فيما يتعلق بالنفط والغاز وإعادة الإعمار دون مراعاة لمصالح الإيرانيين والاتفاقات الموقعة مع الجانب السوري، وقد تؤدي التداخلات في الاتفاقيات والعقود في بعض القطاعات بين إيران وروسيا إلى تحول هذا التباين لأشكال خلافية بين البلدين على اقتسام التركة، ومن التداخلات بين البلدين في مجال الطاقة اتفاقيات روسيا مع النظام السوري التي تتيح لروسيا الاستكشاف والتنقيب عن النفظ والغاز في المياه الإقليمية السورية، كما ستحصل روسيا على ربع الإنتاج النفطي السوري مقابل تحرير مناطق تحتوي على آبار ومنشآت نفطية، وسيتم إنشاء شركة للفوسفات تحت إشراف روسيا في منجمي الشرقية وخنيفيس، إضافة لذلك فإن روسيا تسعى للحصول على الحصة الأكبر من إعادة الإعمار.
  • يواجه النفوذ الإيراني في الاقتصاد السوري مستقبلاً سيناريوهين، الأول: متنامي؛ ستكون فيه إيران بـ"أمان" بفضل تزايد فرص فرض رؤية الحل الروسية بسورية، وبالتالي حماية النفوذ الإيراني وتنفيذ الاتفاقيات والعقود المبرمة بين الجانبين، وهو أمر يستوجب صده وعدم تناميه ووصوله لمناطق المعارضة التي ليس لها – رغم تعدد الصعوبات- سوى منطق اللامركزية وسياسات الحوكمة الرشيدة، والسيناريو الثاني: متضائل؛ يأتي عبر حلحلة الأزمة السورية من خلال تطبيق كافة القرارات الدولية ذات الشأن كالقرار رقم 2254 والذي يُفضي إلى حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، وهو أمر سيعزز من مناخات محاصرة النفوذ الإيراني على الاقتصاد السوري وعرقلته.

مدخل

أدى طول أمد النزاع في سورية وتغول النظام في سياساته العسكرية التدميرية إلى تدهور الاقتصاد السوري على المستوى الكلي والجزئي، إذ تضرر الناتج المحلي الإجمالي على مدار السبع سنوات الماضية لتصل الخسائر المتراكمة 226 مليار دولار حسب تقديرات البنك الدولي في تقرير يونيو/حزيران 2017 وهبوط قيمة الليرة بنحو 90%، كما أصبح قرابة 85% من السكان تحت خط الفقر إضافة إلى معدلات بطالة فاقت الـ53% في العام 2014 عدا عن التقارير التي أشارت ببقاء نحو مليار دولار من مخزون القطع الأجنبي في المركزي السوري هبوطاً من 17 مليار دولار قبل الأزمة.

أمام هذا الوضع الاقتصادي الصعب؛ طلب النظام من حلفاءه الروس والإيرانيين إضافة إلى المساعدات العسكرية والسياسية الدعم المالي والاقتصادي مقابل الحصول على امتيازات واستثمارات وتوقيع اتفاقيات عديدة في مجالات مختلفة وهو ما أفرز تموضعاً اقتصادياً واضحاً للحلفاء في الاقتصاد السوري واستحقاقاته القادمة، وستركز هذه الورقة على طبيعة التموضع الاقتصادي الإيراني في سورية، موضحةً بالبداية نوعية العلاقة الاقتصادية بين دمشق وطهران وكيفية استغلالها من قبل ايران بهدف تحويلها لتحكمٍ بخيارات الدولة الاقتصادية، ثم تستعرض أدوار ايران المتوقعة في استحقاق إعادة الإعمار وأهم المجالات والقطاعات التي تحاول طهران الاستحواذ عليه وأهم القضايا التي تتنافس فيها مع موسكو، لتقف الورقة في نهايتها عند المآلات المتوقعة لهذا التموضع وفق السيناريوهات السياسية المحتملة، مقدمة حزمة من التوصيات لتحجيم هذا التموضع.

قبل الثورة: علاقاتٍ اقتصاديةٍ متواضعة

وصِفت العلاقات الإيرانية -السورية قبل 2011 بأنها علاقات استراتيجية في المجال السياسي والتعاون العسكري والأمني([1])، بينما لم ترق تلك العلاقات على المستوى الاقتصادي لذات الدرجة الاستراتيجية بالرغم من أهمية سورية الجيواستراتيجية بالنسبة لإيران الطامحة للاستحواذ على طريق إمداد يصل أراضيها بالأراضي السورية ليتم من خلاله نقل الغاز الإيراني إلى الأسواق الأوروبية عبر أنبوب يعبر الأراضي العراقية والسورية ويصل إلى موانئ البحر المتوسط.

إذ لم تكن التبادلات التجارية بين إيران وسورية مرتفعة كما خُطط لها من قبل المسؤولين الإيرانيين لتصل إلى 5 مليارات دولار؛ حيث احتلت سورية مرتبة متأخرة بين الدول التي تستورد منها إيران بحصولها على المرتبة 61 ويُعزى ذلك أن الأسواق الإيرانية لم تكن وجهة مهمة للصادرات السورية إذ لم تزد عن 0.3% عام 2007 وانخفضت إلى 0.1% لاحقًا، وقد أظهرت بيانات غرفة تجارة دمشق بعد النزاع حول العلاقات التجارية السورية الإيرانية أن سورية تصدر أقل من 6 مليارات ليرة أي بنسبة 1% من الصادرات إلى إيران وتستورد من إيران بقيمة نحو 16 مليار ليرة أي بنسبة 2% من المستوردات السورية وهذا مؤشر على "ضعف العلاقة التجارية بين البلدين وعدم تلاؤمها مع التصريحات المعلنة من الحكومتين حول أهمية تعزيز التبادل التجاري. ([2])

يعد الميزان التجاري بين البلدين ميزاناً متواضعاً شهد دوماً ميلاً لصالح إيران (أنظر الشكل أدناه) ([3]). إذ بلغ نحو 361.6 مليون دولار في العام 2010-2011 بينما أشارت مواقع اقتصادية متعددة أن الرقم وصل إلى 553 مليون دولار([4])؛ كما صدرت إيران إلى سورية في ذلك العام سلعاً بقيمة 524.48 مليون دولار، أما الواردات الإيرانية من سورية فقد بلغت في نفس الفترة ما قيمته 26 مليون دولار. وبلغت واردات إيران من سورية خلال الفترة بين 2007 -2017 متوسطاً سنوياً قدره 23 مليون دولار، كما يظهر حجم انخفاض هذه الأرقام إذا ما قورنت بعلاقات سورية التجارية مع تركيا في نفس الفترة، إذ بلغ التبادل التجاري ما قبل 2011 بين سورية وتركيا نحو 2 مليار دولار وصدرت سورية إلى تركيا في العام 2010 بنحو 629 مليون دولار واستوردت بقيمة مليار و 672 مليون دولار، كما احتلت تركيا في العام 2011 المرتبة الأولى من بين الدول المصدرة إلى سورية بنحو 77 مليار ليرة سورية ( مليار و 540 مليون دولار على سعر 50 ليرة للدولار)([5]) ([6]).

كما بلغت الاستثمارات والمشاريع الإيرانية في سورية في الفترة بين 2006 – 2010 نحو 7 مشروعات فقط، بقيمة 20 مليار ليرة سورية على الرغم من اتباع السطات السورية سياسات الانفتاح والتحرر الاقتصادي والتي أسهمت في تحسين بيئة الاستثمار عبر سن خفض الضرائب والرسوم، بينما بلغت الاستثمارات التركية في نفس الفترة 26 مشروعا([7]). وفي الفترة الممتدة بين 1991 -2005 بلغت عدد المشاريع التركية 14 مقابل 4 مشاريع لإيران([8])، وفي العام 2010 وافقت الحكومة السورية على 37 استثماراً أجنبياً استحوذت تركيا على 10 مشاريع منها ما جعلها في المرتبة الأولى من بين المشاريع الأجنبية المنفذة في سورية. ومن المشاريع الإيرانية في سورية، معمل إسمنت حماة المنفذ بين شركة "صنعت" الإيرانية والمؤسسة العامة السورية للإسمنت، وعقود شركة "بارسيان" الإيرانية مع المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية في سورية، ومشروع "سيامكو" وشركة "سيفكو" لإنتاج السيارات في سورية.

على الرغم من ارتباط البلدين بالعديد من الاتفاقيات في مجالات متعددة تجارية واستثمارية ([9])، إلا أنها لم تنعكس على تطور العلاقات التجارية بين البلدين، ويُعزى ذلك لعدة أسباب منها أن الاقتصاد الإيراني يعتمد على الاكتفاء الذاتي وتنتج إيران منتجات زراعية وصناعية تشابه ما تنتجه سورية، ناهيك عن معاناة إيران من العقوبات الأممية بسبب تطوير برنامجها النووي والتي حدّ بشكل كبير من تطور اقتصادها واستثماراتها في الخارج، بالإضافة إلى أن الاستثمارات والشركات الإيرانية في سورية لم تتمتع بالتنافسية العالية إذ أخلّت العديد من شركات القطاع الخاص الإيراني بالتزاماتها بتنفيذ مشروعاتها الموكلة لها ضمن الجدول الزمني المحدد وتسجيل حالات فساد في تنفيذ المشروعات([10])، ويضاف أيضاً  تنامي الروتين والبيروقراطية في البلدين واختلاف الأنظمة التجارية وتضاربها وضعف الثقافة التصديرية والمعلومات التجارية وعدم وجود خط بحري مباشر ومنتظم بين الموانئ التجارية الإيرانية والسورية أو مصارف وشركات صيرفة تحويلية لتسهيل عمليات السداد والتحويل([11]).

ووفقاً لأعلاه يمكن استخلاص نتائج عدة أهمها بقاء العلاقات الاقتصادية بين البلدين دون المستوى المأمول منها، ومعاناتها لعدة مشاكل هيكلية، مع التأكيد على البعد الطاقوي لسورية وأهميته بالنسبة لإيران؛ كما ارتبط البلدين بأكثر من 20 اتفاقية في مجالات متعددة معظمها كانت عرضة للتسكين أو التأخير أو الفشل في بعض الأحيان؛ تبدو العلاقات التجارية متواضعة بالمقارنة مع غيرها، إذ بلغ الميزان التجاري 361 مليون دولار في العام 2010-2011 مع ميله لصالح إيران على الدوام؛ وبقيت وتيرة الاستثمارات الإيرانية منخفضة مقارنة مع استثمارات الدول الأخرى في سورية بعد الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته سورية مطلع العام 2000.

الدعم الإيراني الاقتصادي وطموحات السيطرة على خيارات دمشق

تعاظم الدور الإيراني اقتصادياً في سورية في أواخر العام 2011 بعد مقاطعة دول عربية وأجنبية للنظام السوري جراء سياساته الأمنية المفرطة ضد المتظاهرين والتي فرضت عقوبات على النظام شملت وقف التعامل مع المصرف المركزي السوري ووقف المشاريع التجارية وتجميد أرصدة لمسؤولين سوريين، إذ دعمت إيران النظام السوري بعد توسع رقعة الاحتجاجات مدربين ومستشارين وعناصر من قوة النخبة "القدس" إلى سورية للمساعدة في قمع الاحتجاجات بإرسال مدربين ومستشارين وعناصر من قوة النخبة "القدس" إلى سورية للمساعدة في قمع الاحتجاجات وتقديم الدعم التدريبي واللوجستي والمخابراتي ومده بالأسلحة والعتاد وأجهزة المراقبة والتجسس([12]).

كثفت طهران (بالتوازي مع الدعم السياسي والعسكري) في العام 2012 من زيارات مسؤوليها إلى دمشق لدعمها واقتصادياً (الجدول التالي يظهر الزيارات الرسمية للمسؤولين الإيرانيين والسوريين)

على الصعيد التجاري؛ رسخت إيران وجودها في سورية لوجستياً عبر تدشين طريق طهران دمشق وتأمين خط بري يعبر وسط وشمال العراق وحتى دمشق وسواحل المتوسط في اللاذقية ولبنان([13])؛ يشكل الطريق نقطة تحول كبيرة لإيران في المنطقة إذ سيتيح لها لعب دور محوري في زيادة صادراتها من السلع غير النفطية إلى العراق وسورية ولبنان والأردن والمنطقة العربية عموماً ويقدم لمنتجاتها ميزة تنافسية عن المنتجات الأخرى بفضل خفض كلف النقل وسهولة الطريق.

كما أن تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة السورية الإيرانية في 21 مارس/آذار 2012 والتي خفضت بموجبها نسبة الرسوم الجمركية البينية للسلع المتبادلة بين البلدين بنسبة 96% وإضافة إلى الوفرة المالية الناجمة عن خط الائتمان والقروض،([14]) أدى إلى ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى سورية بشكل مطرد (انظر الشكل المجاور والذي يبين التبادل التجاري بين البلدين من عام 2010 حتى 2014، وذلك استناداً إلى بيانات مؤسسة تنمية التجارة الإيرانية، القيمة: مليون دولار أمريكي) وأصبحت الأسواق السورية سوقاً تصريفية للمنتجات الإيرانية لتتربع طهران على قائمة الشريك التجاري الأول لسورية. وعلى إثر هذا تحسن حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 869 مليون دولار في عام 2014.([15])

 

أما على صعيد الطاقة؛ انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية لسورية كممر للطاقة وشريان الغاز إلى الأسواق الأوروبية، فقد عززت إيران إمدادات الغاز للدول المحيطة بها كالعراق وسورية عبر الاستمرار بما بدأت به في يوليو/تموز 2010 من مفاوضات أولية مع كلا البلدين لمناقشة مشروع مد " الأنبوب الإسلامي"، وفي  يوليو/تموز 2011 تم عقد اتفاقية لمد الأنبوب وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الدول الثلاثة في مارس/آذار 2013 بحيث يمتد من إيران ليعبر العراق وسورية ويصل إلى البحر المتوسط بتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار،([16]) وسيضخ الأنبوب نحو 110 مليون متر مكعب من الغاز يومياً تحصل سورية والعراق على احتياجاتهما من الغاز الإيراني البالغة نحو 30.25 مليون متر مكعب يومياً فيما سيحصل لبنان على احتياجاته من الغاز والبالغة 7.5 ملايين متر مكعب يومياً كما سيتم تزويد الأردن بالغاز الإيراني أيضاً عبر خط الغاز العربي، وتخطط إيران مستقبلا لشحن الغاز إلى أوروبا عبر ميناء في اللاذقية وقعت مذكرة تفاهم بشأنه مع النظام مطلع 2017([17]).

 

وضمنت إيران أيضاً في مجال الطاقة حصتها من سوق الطاقة السوري عبر مذكرات التفاهم الموقعة مع النظام للاستثمار في الغاز والنفط في مناطق عدة بسورية. فبموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها في بداية العام 2017 أثناء زيارة لوفد الحكومة السورية إلى طهران، سيتم بموجبها إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص تبلغ طاقتها التكريرية 140 ألف برميل نفط يومياً وستقوم إيران بموجب الاتفاق بإعادة بناء وتجهيز مصفاتي حمص وبانياس بعد تضررهما بسبب الحرب، علمًا أن إنتاج كلا المصفاتين يكفي حاجات سورية الاستهلاكية([18]).

في المجال الصناعي، حصلت إيران بموجب مذكرات تفاهم تم توقيعها مع وفد الحكومة السورية الذي زار طهران مطلع العام 2017 على استثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس في ريف حمص ويشمل العقد الموقع التنقيب عن الفوسفات واستخراجه واستثماره لمدة 50 عام، وبهذا حصلت طهران على احتياطي مهم بسورية إذ تعتبر مناجم الفوسفات بسورية من أكبر حقول الفوسفات في العالم ووفق أرقام الشركة العامة السورية للفوسفات والمناجم فقد بلغ احتياطي سورية من هذا الفوسفات 1.8 مليار طن خام في  2009 كما قدرت أرباح الشركة خلال 2008 بمليارين ومليوني ليرة سورية ( قرابة 40 مليون دولار على سعر صرف 50 ليرة للدولار) ([19]).

على الصعيد المالي، زوّدت إيران المؤسسات السورية بالمال اللازم لسد العجز الحاصل وتجنباً لتوقفها عن العمل حيث فتحت إيران خط ائتماني لدمشق في هذا الإطار ومنحتها العديد من القروض المالية. في يناير/كانون الثاني من العام 2013 قدمت إيران قرضها الأول بمقدار مليار دولار لدعم العجز المالي الذي عانت منه الحكومة السورية بعد هبوط إيراداتها بمقدار النصف عمَا كانت عليه في 2010 بسبب العقوبات التي فُرضت عليها من أوروبا وأمريكا ودول عربية([20])، حيث تراجعت الإيرادات العامة بين عام 2011 و2018 بنحو 63% وانخفضت العوائد النفطية بنسبة 93% بين 2010 –2016([21]). وفعّلت كل من طهران ودمشق في شهر آب/أغسطس 2013 منح القرض الثاني للحكومة السورية والبالغ 3.6 مليار دولار ليتم إنفاقه بشكل أساسي على استيراد المشتقات النفطية من إيران حصراً([22])، حيث من المقرر أن تمد طهران سورية بمعدل ناقلتي نفط شهرياً عبر الخط الائتماني الإيراني، في الوقت الذي وصلت إلى سورية في مايو/أيار 2017 ناقلتي نفط خام تحمل كل ناقلة مليون برميل نفط خام تسهم في تشغيل مصافي النفط في البلاد لإنتاج المشتقات النفطية وطرحها في السوق المحلية، وستسهم هذه الناقلات إضافة إلى عقود النفط المبرمة مع الشركات الإيرانية لتغطية السوق المحلية السورية من مواد الطاقة([23]).  وفي يوليو/تموز وقّع الرئيس السوري بشار الأسد على قانون يصادق على القرض الثالث البالغ مليار دولار مقدم من إيران بهدف تمويل الصادرات([24]).

في مجال الاتصالات، حصلت إيران على إحدى أهم الاستثمارات القومية التي ستدر عليها أموالاً سهلة، ففي زيارة الوفد السوري لإيران مطلع العام 2017 وقع الجانبين على منح إيران رخصة تشغيل الهاتف المحمول الثالث في البلاد علماً أن عائدات شركة النقال في سورية تقدر بنحو 12 مليار ليرة سورية سنويًا، على أن يبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، بحيث تكون حصة الجانب السوري 20%، في مقابل 80% لشركة إيرانية.

يبين الجدول أدناه توزع الاستثمارات الإيرانية في سورية:

 أما فيما يتعلق بإعادة الإعمار سورية، فقد تُرجمت دعوات النظام لإيران للمساهمة فيها عبر مشاركة الشركات الإيرانية في المعارض التي عُقدت في دمشق مؤخراً، إضافة إلى مجموعة من العقود التي أُبرمت بين الجانبين في عدة قطاعات في إطار إعادة الإعمار، حيث احتل الجناح الإيراني المساحة الأكبر في معرض إعادة الإعمار في دمشق في سبتمبر/أيلول 2017 بعنوان "عمّرها" الذي أُقيم بمشاركة نحو 40 شركة من بين 164 شركة جاءت من 23 دولة في مختلف المجالات؛ الإنشاء؛ ومواد البناء؛ إضافة إلى قطاع النفط؛ والطاقة الكهربائية؛ والنقل وغيرها. وكان للشركات الإيرانية أيضاً النصيب الأكبر في أول معرض تجاري تقيمه سورية في أغسطس/آب 2017 حيث شاركت فيه أكثر من 30 شركة إيرانية في مختلف التخصصات. كما تم الاتفاق في مطلع العام 2017 بين طهران ودمشق على التعاون في إنشاء محطات توليد كهرباء ومجموعات غازية على الساحل السوري، وإعادة تأهيل محطات الكهرباء في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس وفق مذكرة تفاهم في سبتمبر/أيلول 2017([25])، وعدت فيها دمشق إيران بأنها ستقدم عقود إعمار لشركات إيرانية لإعادة بناء محطات وشبكات الكهرباء في كل أنحاء البلاد؛ إذ وقعت حكومة النظام مع شركة "مبنا غروب" الإيرانية عقداً لإعادة إنشاء خمس محطات توليد الطاقة الكهربائية في جزء من مدينة حلب مقابل 130 مليون يورو، وستستورد سورية من إيران وفق هذه المذكرة  540 ميغاوات من الكهرباء إلى محافظة اللاذقية. وبلغت القيمة المالية للعقود الموقعة مع إيران في العام 2016 مع وزارة الكهرباء السورية حوالي ترليون ليرة سورية (أكثر من 4.5 مليار دولار على سعر صرف 430 ليرة للدولار) تم توقيعها مع الشركة المذكورة لتوريد مجموعات لمحطات في حلب وبانياس([26]).

على ضوء ما سبق يمكن استخلاص مجموعة من المؤشرات حيال النفوذ الإيراني في سورية بعد 2011 لعل أهمها: تمكن إيران من تشكيل حلقة جغرافية ربطت العراق وسورية ولبنان، إضافة إلى تأمين الطريق البري الواصل بين هذه البلدان سيسهم في تعزيز صادرات إيران إلى الأسواق السورية والعراقية واللبنانية والأردنية من السلع غير النفطية؛ وتوقيع اتفاق مد "الأنبوب الإسلامي" الذي سيسمح لإيران بإيصال إمدادات الغاز إلى سورية والعراق ولبنان والأردن وإيصاله مستقبلا إلى الأسواق الأوروبية؛ ورفع أرقام التبادل التجاري بين البلدين إلى حدود مليار دولار، وأصبحت سورية سوقًا تصريفية للسلع الإيرانية؛ كما اعتبر عام 2017 كان عام قطف ثمار التدخل بالنسبة لإيران إذ وقعت خمس مذكرات تفاهم بين حكومتي دمشق وطهران في يناير/كانون الثاني تضمنت العديد من الاستثمارات السيادية في الطاقة والاتصالات والصناعة والزراعة والثروة الحيوانية([27])؛ ناهيك عن الحصول على استثمارات سيادية عبر توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مجالات عدة منها خط المحمول الثالث، واستثمارات صناعية وزراعية؛

روسيا وإيران: عقدة المصالح

تعتبر سورية بالنسبة لروسيا أهم حليف استراتيجي في المنطقة منذ أكثر من 60 عاماً، فسورية منفذ روسيا الوحيد على المياه الدافئة عبر ميناء طرطوس وكان من دواعي تدخل روسيا في سورية منافسة الولايات المتحدة وإعادة أمجاد روسيا القيصرية سابقاً. فضلا عن الأهمية الاقتصادية لسورية بالنسبة لروسيا فهي مشتري للسلاح الروسي بوقوعها في المرتبة الخامسة بين 80 دولة تشتري السلاح الروسي، وقدرت الاستثمارات الروسية في سورية بحسب غرفة تجارة دمشق حتى العام 2011 بنحو 19 مليار دولار تتركز في مجال النفط والغاز([28]).

توصف العلاقة بين روسيا وإيران في سورية بأنها "تنسيق استراتيجي وليس تحالفاً استراتيجياً"([29]). وقد ظهرت تداخلاتهما في الجغرافية السورية تبايناً في المصالح حول الثروات الطبيعية والقطاعات الأكثر ربحية في الاقتصاد السوري بين إيران وروسيا، يبين الجدول التالي أبرزها:

 تُظهر تحركات الروس بسورية على الصعيد الاقتصادي محاولتهم الاستئثار على القسم الأكبر من الاستثمارات، بالأخص ما يتعلق بالنفط والغاز وإعادة الإعمار دون مراعاة مصالح الإيرانيين والاتفاقات الموقعة من جانبهم مع النظام السوري([30])، بل وقد تكون روسيا المهدد الحقيقي للنفوذ الإيراني في قطاعات النفط والغاز بسورية والعامل الأبرز في الحد من طموحاتهم بهذا الشأن. إذ وقعت شركة "يوروبوليس" الروسية مذكرة تعاون مع وزارة النفط والثروة المعدنية السورية مطلع 2017، تلتزم الشركة فيها بـ"تحرير مناطق تضم آبار نفط ومنشآت وحمايتها"، مقابل حصولها على ربع الإنتاج النفطي. وتسعى وزارة النفط السورية بمساعدة الشركات الروسية للوصول إلى إنتاج 219 ألف برميل نفط و 24.5 مليون متر مكعب من الغاز يومياً بحول نهاية 2019([31]).

كما بدأت شركة "سيوزنفط" الروسية بأعمال الحفر والتنقيب عن النفط في ريف مدينة اللاذقية والمياه الإقليمية السوريةبموجب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين عام 2013 بعد الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية وبروتوكول العمل والتعاون الذي تم توقيعه في الدورة التاسعة للجنة المشتركة بين روسيا وسورية في أكتوبر/تشرين الأول 2014 التي نصت على زيارة التبادل التجاري وإزالة الحواجز وتسهيلات جمركية([32])، وتُوجت أخيراً بمنح حكومة النظام روسيا امتيازات اقتصادية بتوقيع اتفاقية تسهيل جمركية من المقرر العمل بها مطلع العام 2018([33]).

وحول الفوسفات، فإن موسكو ودمشق ستعملان على إنشاء شركة مشتركة لاستغلال المخزون السوري من الفوسفات تحت إشراف روسيا، وقد بدأت شركة روسية بأعمال الصيانة لأكبر مناجم الفوسفات في سورية في منجمي الشرقية وخنيفيس([34]). وكانت حكومة النظام قد صادقت في 23 إبريل/نيسان على اتفاقية بين المؤسسة السورية و “STNG logistic” بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ التصدير "سلعاتا" بلبنان.

في موضوع إعادة الإعمار، فقد حرصت روسيا أن يكون لها حصة كبيرة من إعمار سورية كما وعد النظام السوري أن يكون للشركات الروسية الحصة الأكبر في إعادة الإعمار في الوقت الذي استبعدت إيران بشكل واضح في المباحثات الجارية في هذا الإطار إذ ترى طهران أن من حقها الحصول على حصة كبيرة من مشاريع إعادة الإعمار كـ “رد جميل من نظام الأسد". إذ دخلت الشركات الروسية على خط بناء السكك الحديدية في سورية، وتسعى كذلك شركة روسية أخرى لإنشاء معمل إسمنت في منطقة السلمية في حلب على أن يكون طاقة المعمل الإنتاجية 3 ملايين طن سنوياً، إضافة إلى تأهيل السدود المتأذية بسبب الحرب سد الفرات والبعث وتشرين وتأهيل محطة الخفسة في حلب ومحطتي تصفية المياه في اللاذقية وحماة. وبحث ملتقى رجال أعمال روس وسوريين مطلع مارس/آذار 2018 فرص الاسثتمار وإقامة مشاريع روسية في سورية وقد توصل الطرفان إلى اتفاق على خارطة تعاون اقتصادي يتيح إقامة مشاريع واستثمارات في سورية تحقق لها فائدة اقتصادية([35]).

ما ذُكر آنفًا من تداخل في المصالح بين روسيا وإيران في قطاعات النفط والغاز والفوسفات وإعادة الإعمار قد يؤدي إلى تطور التباين لخلافات بين البلدين على اقتسام التركة، وهذا من شأنه أن يقود بلا شك إلى حالة من عدم الاستقرار في الهيمنة الإيرانية على الاقتصاد السوري.

مآلات التموضع الاقتصادي الإيراني في سورية

يبقى مستقبل النفوذ الاقتصادي لإيران في سورية أمام اتجاهين سياسيين، أحدهما متنامي والآخر متضائل مع ترجيح الاتجاه الأول على الثاني بسبب ما تشهده الأزمة السورية من تطورات أدت لتزعم روسيا المشهد وهندستها للحل على مقاس النظام السوري.

السيناريو الأول: الاتجاه المتنامي (مرجح): إذ تعتزم روسيا عبر سياساتها الداعمة للنظام بالذهاب بالحل العسكري إلى آخره لفرض سياسة أمر واقع على المعارضة وتخرجها من كافة دوائر التأثير المحتملة كما هو جرى في حلب ويجري في الغوطة، وتسير في نفس الوقت بالشق السياسي عبر رعاية مؤتمر "أستانة" الذي أقر اتفاقيات "خفض التصعيد" ومؤتمر " الحوار الوطني" الذي أقيم في سوتشي في 30 يناير/كانون الثاني 2018 بهدف تضمين شروطها في أي إطار سياسي محتمل للحل ومستقبل سورية.

 ووفقاً لهذا الاتجاه ستستمر طهران في تدعيم تموضعها الاقتصادي في سورية عبر عدة أدوات تمتلك القدرة على التكيف مع تطور أي مؤشرات من شأنه ضبط او تحجيم هذا التموضع، كمؤشر تحول التباينات الروسية الإيرانية إلى خلافات وتناقضات، او معطيات عدم القدرة على تجاوزها التحديات الاقتصادية التي تواجه سورية في المرحلة المقبلة بحكم اقتصادها المستنزف والمنهك من العقوبات الدولية والأزمات الإقليمية([36])، وتحسباً لتنامي مؤشرات دولية رامية لمحاصرة طهران. وتتمحور هذه الأدوات حول ثلاث سياسات، الأولى: تعميق شروط سيطرتها على طرق وشبكات الإمداد والمواصلات الحيوية في سورية عبر وكلاء محليين استطاعت تشميلهم بمسمى القوات المسلحة كاللواء 313 وقوات الدفاع المحلي، والسياسة الثانية تتركز على الاستثمار في النفوذ الإيراني ليكون نفوذاً إدارياً واقتصادياً واجتماعياً على كافة المناطق التي تسيطر عليها، عبر تشكيلها لمجالس محلية تدين بالولاء المطلق لها ودعمها بكافة استراتيجيات الاستجابة المستعجلة والتنمية المستقرة، والثالثة الاستمرار في محاولة المزاحمة على الاستثمار في القطاعات الكبرى في سورية.

وفي ظل تلك الأدوات المتفرعة، يبقى خيار "حُسن التمكين الاقتصادي المحلي" في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة أو تلك التي تشهد اتفاقات هدنة هو الخيار الأبرز لمواجهة هذا التموضع وحصره بمناطق النظام، وبالرغم ما تعيشه تلك المناطق من تحديات صعبة ومركبة إلا أنه السبيل الذي مهما تعثر فإنه يتوجب القيام به، وعليه يمكن الدفع بالآتي: أن تكون الإدارة هذه المناطق وفق نظام لا مركزي تُبقي أدوات التحكم بيد المجالس المحلية والهيئات الإدارية التابعة لأجسام المعارضة، وتعزيز سياسات الحكم الرشيد الأمر الذي سيعزز ثقة المجتمع الدولي كمؤسسات فاعلة قادرة على إدارة شؤونها وتلبية احتياجات السكان فيها؛ وتكوين نموذج سياساتي اقتصادي تقوم دعائمه على الآتي:

  • تبني سياسات اقتصادية على المدى القصير تضمن خلق فرص عمل في الأنشطة الاقتصادية المتنوعة تصب في فكرة الإنعاش المبكر وتنمية سبل العيش، وتوجيه الأموال الممنوحة من الهيئات والمنظمات والدول المانحة إلى مشاريع تنموية ذات نفع عام تعزز الإنتاج في القطاعات المختلفة وبالأخص الزراعة، للمساهمة في استقرار الأثمان الداخلية بالشكل الذي من شأنه تحسين مستويات المعيشة وخفض معدلات الفقر؛
  • تعزيز دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة للمساهمة في النشاطات الاقتصادية بالمجتمع عبر دعمها وتمويلها وتشجيعها للدخول في القطاعات المختلفة؛
  • تصميم برامج إعادة إعمار وفق حوافز جاذبة لرأس المال المحلي والأجنبي تتضمن أدوات استثمارية وعقود المختلفة من بينها العقود المتنوعة لـ (بناء، تشغيل، نقل) وتسويقها لدى الجهات المتخصصة للبدء في صيانة البنية التحتية والخدمات الأساسية المختلفة تضمن استقرار السكان في المناطق المعنية في المرحلة المقبلة؛
  • تطبيق سياسات اقتصادية للحد من تجار الأزمة واقتصاديات العنف عبر الحوافز السلبية التي تحد من نشاطات تلك الفئة من التجار؛
  • تبني استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى تتضمن تأسيس مؤسسات متنوعة تقوم على مبادئ الشفافية والنزاهة لجذب رأس المال الأجنبي للاستثمار في الأنشطة المختلفة، ومن بين المؤسسات الاقتصادية الموصى بتأسيسها: سوق أوراق مالية، بنك مركزي، مكتب إحصاء مركزي، مكتب حماية المستهلك، مكتب المصدرين، هيئة الاستثمار؛
  • تعزيز التشاركية الاقتصادية بين الهيئات الإدارية والسكان تهدف لترسيخ أسس التعاون في البناء والتشغيل وتحميل مسوؤلية الاستقرار للجميع والاستثمار الأمثل للموارد، والعمل على اعتماد سياسات اقتصاد المعرفة الكفيلة بتمكين الفرد والاهتمام بالتعليم والصحة.

السيناريو الثاني: الاتجاه المتضائل (ضعيف): بمقتضى هذا الاتجاه ستؤدي المفاوضات المستمرة في جنيف وغيرها بين وفدي المعارضة والنظام السوري إلى اعتماد القرار 2254 المنبثق عن مجلس الأمن حول الأزمة السورية، والذي أكد على سيادة واستقلال ووحدة سورية انسجامًا مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة. والتأكيد على أن الحل في سورية يقوم فقط من خلال عملية سياسية شاملة بقيادة سوريّة تلبي تطلعات الشعب السوري المعني الوحيد بإقرار مستقبل بلاده ضمن التطبيق الشامل لبيان جنيف الصادر بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2012 المتضمن قيام جسم انتقالي شامل، بصلاحيات تنفيذية كاملة يجري تشكيله على أساس التوافق المتبادل بالتوازي مع ضامن استمرار عمل المؤسسات الحكومية([37]). وعليه ستبقى النظم اللامركزية (إعادة توزيع الصلاحيات والمسؤوليات ما بين الطرف والمركز) هي الإطار الأكثر مرونة لترميم الشروخات الحاصلة في كافة القطاعات والمستويات السورية، إلا أن افتراض ظهور جسم برلماني وحكومة مستقبلية يغلب عليها الدافع الوطني الرافض والمعارض للهيمنة الإيرانية على الاقتصاد والموارد السورية، يجابه عدة احتمالات منها:

  1. الرضوخ لإيران والامتثال للعقود والاتفاقات الموقعة بسبب "قانونية" تلك العقود من جهة، والديون والأعباء المترتبة على ذمة الدولة السورية من جهة ثانية؛ أو التعامل مع التموضع الإيراني في سورية بسياسة الأمر الواقع واتباع براغماتية في العلاقة معها عبر الوعي اللازم بضرورة التأثير على العقود والاتفاقيات الموقعة سابقاً من خلال إصدار قوانين وتشريعات معينة تحد من استنزاف الموارد الطبيعية. والتخلص من احتكار الشركات الإيرانية عبر فتح الأسواق وتشريع المنافسة وإدخال شركات أجنبية أو تأسيس شركات وطنية بغرض التضييق على المستثمر الإيراني وإضعافه. إضافة إلى تشريع رسوم وتعريفات جمركية جديدة على البضائع الإيرانية الداخلة إلى الأسواق كنوع من الالتفاف على الاتفاقيات التجارية الموقعة مع النظام السوري والتي خفضت الرسوم الجمركية على السلع الإيرانية إلى 4%، وكذلك زيادة الصادرات السورية إلى إيران لتعديل الميزان التجاري وجعله مائل لصالح سورية بشكل أو بآخر.
  2. أما الاحتمال الآخر مع كونه الأكثر ثورية على إيران إلا أنه يبدو مستحيلا في ظل التشبث الإيراني بسورية، ويكمن عبر إصدار تشريعات وقوانين تعارض التموضع الإيراني في الاقتصاد السوري بالمطلق برفض العقود والاتفاقات والامتيازات الممنوحة لها واعتبارها غير شرعية. وأن إيران استغلت ظروف الحرب للتعامل مع نظام متهم بأبشع وأكبر أزمة في التاريخ للحصول على تلك المكاسب. وإصدار تهم لإيران عبر محاكم وطنية تؤسس لهذا الغرض على جرائمها في سورية وجعلها ورقة لمقايضتها بعقودها واتفاقاتها المجحفة، ومن ثم جدولة الديون والفوائد المترتبة عليها على سنوات لسدادها بالطريقة المناسبة.

الخاتمة

تمكنت إيران عبر سياساتها الصلبة في سورية منذ 2011 من بسط هيمنتها على النظام السوري واستلاب اقتصاد الدولة عبر توقيع الاتفاقيات والعقود في قطاعات الإنتاج المختلفة، ضامنة حصص مهمة في الثروات السيادية لسورية لقاء دعمها المالي وديونها المترتبة على الدولة السورية. حيث نقلت إيران تموضعها الاقتصادي بسورية من علاقات مترهلة وضعيفة تعاني من مشاكل هيكلية عديدة قبل 2011 إلى سيطرة وتحكم بالاقتصاد السوري بعد انطلاق الثورة عززت من خلاله التبادل التجاري ورفعت من مساهمة الاستثمارات الإيرانية في مجالات الطاقة والاتصالات والتجارة. وتمكنت من وصل طهران بدمشق عبر طريق بري ستتمكن من الانفتاح على أسواق المنطقة وبالتالي تعزيز صادراتها غير النفطية، كما حصلت على نافذة بحرية على المياه الدافئة في المتوسط ستعمل من خلالها على إيصال الغاز الإيراني إلى الأسواق الأوروبية.

لقد كان العام 2017 عام قطاف ثمار تدخل إيران العسكري ومساندة النظام السوري. ففي مطلع العام 2017 وقعت طهران ودمشق خمس اتفاقات تضمنت استثمارات مهمة في الطاقة والصناعة والزراعة والثروة الحيوانية وميناء في اللاذقية، فضلا عن عقود إعادة الإعمار حيث كانت إيران أكبر المشاركين في معرض إعادة الإعمار والمعرض التجاري.

تُظهر مآلات التموضع الاقتصادي لإيران في سورية بعد تلمس ملامح المرحلة المقبلة وفق سيناريو متنامي ومرجح الحدوث تقوده الهندسة الروسية عسكرياً وسياسياً، أن الهيمنة الإيرانية بأضلاعها الثلاثة (سياسي، عسكري أمني، اقتصادي) في سورية قد اكتملت وستكون في مأمن ببقاء نظام الأسد على رأس أي سلطة مقبلة بفضل المساعي الروسية. ولكن على الرغم من هذا فلا يبدو أن المشروع الإيراني سيكون بدون منافس أو أن الساحة خالية تماماً لها، فروسيا الساعية إلى إعادة أمجادها عبر البوابة السورية استأثرت بحصة الأسد من أغلب الاستثمارات التي قد تتداخل جغرافياً مع إيران وهو ما قد يؤدي إلى احتدام التنافس بين البلدين على الثروات السورية، فضلا أن أي حل سياسي يخلو من استبعاد الأسد لن تشارك  الدول الغربية وأمريكا بموجبه في تمويل إعادة الإعمار( وفق لتصريحاتها حتى الآن)، وأمام ما يوجه إيران من أزمات اقتصادية وعقوبات أممية فإن قدرتها على تطبيق العقود والاتفاقيات الموقعة ستخلو من آليات التنفيذ، سيكون التوجه نحو تنوع أدوات السيطرة الاقتصادية لتغدو محلياتية شكلاً ولصالح طهران وظيفةً وتحصيل.


 

([1]) تعد سورية حليف إيران الثابت منذ العام 1979 ارتبطت بها عبر مشروع "المقاومة والممانعة" وهي رابط جغرافي حيوي مع حزب الله في لبنان، كما أنها الخط الأمامي لإيران كما اعتبر المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم خامنئي الذي أقر أيضًا بأن سقوط نظام بشار الأسد سيحطم الجبهة الإقليمية والاستراتيجية للدفاع عن نظامه. انظر كريم سجادبور، "إيران حليف سورية الإقليمي الوحيد"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط،  9 يونيو/حزيران 2014. الرابط: https://goo.gl/fkVcGx

([2]) صحيفة الوطن السورية، "بدء تطبيق رسوم جمركية 4% على صادرات سورية إلى إيران"، 13 يونيو/حزيران 2016 رابط: https://goo.gl/6dffVb

([3])  تامر البدوي، "العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري: مؤشرات الاختلال"، مركز الجزيرة للدراسات، 2 يوليو/تموز 2015. رابط: https://goo.gl/uVx38c

([4]) Trade balance between Syrian and Iran from 2007 to 2017, Financial Tribune, 28 November 2017 link: https://goo.gl/HaruUH

([5])   World Integrated Trade Solution, Syrian Arab Republic 2010 Export Partner Share in 2010, link  https://goo.gl/WVF2d4

([6])  سلام السعدي، "إيران وروسيا تغيران خارطة سورية الاقتصادية"، العربي الجديد، 15 مايو/أيار 2014. رابط: https://goo.gl/SNA4ZT

([7])  "الاستثمارات في سورية لعام 2008"، تقرر الاستثمار الثالث في سورية، رئاسة مجلس الوزراء، هيئة الاستثمارات السورية، عام 2008، صفحة رقم: 26

([8]) التقرير السنوي الخامس للاستثمار لعام 2010، مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المشملة خلال الفترة بين 1991 – 2010، هيئة الاسثمار السورية، صفحة رقم 64

([9]) من بين تلك الاتفاقات: الاتفاق التجاري الموقع عام 1996 والذي دخل حيز التنفيذ في عام 2002 وينص على عدم التمييز بين سلع البلدين ذات المنشأ الوطني، واتفاق حول تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية التجارة التفضيلية الموقعة في 2006 واتفاقية لتأسيس مصرف سوري إيراني مشترك، واتفاقية منطقة التجارة الحرة السورية الإيرانية 2010 التي تهدف إلى تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب على كل السلع المتبادلة بين البلدين خلال مدة خمس سنوات وبشكل تدريجي.

([10]) كما حصل مع شركة "صنعت" لتنفيذ معمل الاسمنت في حماة في بداية استلامها العقد في العام 2006 وشركة أزراب لتجديد محطة بانياس الكهربائية، وتشييد 50 ألف شقة في عدرا بريف دمشق وإنشاء سكك حديد من إيران إلى سورية ومد خط أنابيبن يصل من العراق إلى سورية وتأسيس شركة ملاحة مشتركة بين البلدين وبناء مدينة صناعية قرب حمص، وتوريد شركة "أميران" 1200 حافلة نقل داخلي، زمان الوصل، ويكليكس: مشروعات إيران في سوريا... كثير من الوعود والاتفاقات، قليل من التنفيذ 26 أبريل/نيسان 2013، رابط: https://goo.gl/6R12GV

([11])جريدة الثورة السورية، 18 أغسطس/آب 2010، "100 مشـروع استثـماري ومصـرف وشركة طيران مشتركة واتفاقية للتجارة الحرة نهاية 2010"، رابط: https://goo.gl/Hi7kkZ

([12])  الجزيرة نت، "الكشف عن دور إيراني بسورية" 28/5/2011. رابط: https://goo.gl/n79SDK

([13]) تم تدشين الطريق البري بين إيران ولبنان، مرورًا بالعراق وسورية بعدما صار سالكًا في منتصف ديسمبر/كانون الأول على شكل خطين: طريق قصر شيرين الإيرانية ــ ديالى ــ البعاج العراقية وصولاً إلى دير الزور السورية وتحديدًا عبر نقطة البادي الحدودية مع العراق، ثم الطريق السوري البري مع شرقي لبنان لناحية منطقة الهرمل ــ القاع عبر معبر جوسية. العربي الجديد، 15 ديسمبر/كانون الأول 2017 رابط https://goo.gl/ufphCc

([14])  سيريا ستيبس، "الاتفاقية السورية الإيرانية تؤمن سوقًا لم يستثمره المصدرون السوريون من قبل"، 25 أبريل/نيسان 2012، رابط: https://goo.gl/Vv24wA

([15])   تامر البدوي، العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري: مؤشرات الاختلال، مرجع سابق.

([16]) Naresh Amrit, Syria’s transit future: all pipelines lead to Damascus? Open Oil, 28 March 2012, Link: https://goo.gl/4bEwse

([17]) أنابيب الغاز الطبيعي.. أدوات الصراع الخفي في الشرق الأوسط، الخليج أونلاين، 28 شباط/فبراير 2016، رابط: https://goo.gl/vqseuy

([18]) كريمة عدنان، "الاستثمارات الإيرانية في سورية وأهمية القلق الأمريكي"، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، صحيفة الحياة، رابط:   https://goo.gl/BCpyY2

([19]) تقع مناجم خنيفيس على بعد 60 كم جنوب غرب مدينة تدمر، وتعد من أكبر مناجم الفوسفات في سورية، إلى جانب مناجم الشرقية التي تقع على بعد 45 كم جنوب غرب تدمر. وقدرت الكثافة الإنتاجية للمنجمين، في 2009، حوالي 2650000 طن منها 800000 طن من منجم خنيفيس، و 1850000 طن من منجمي “الشرقية أ و ب”. يُشار أن سورية جاءت في المرتبة الخامسة على قائمة مصدري الفوسفات في العالم في 2011 ومن بين الدول المستورده للفوسفات السوري الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان. للمزيد حول ثروة الفوسفات في البادية السورية راجع الدراسة التالية https://goo.gl/PLfE8G

([20]) The Syrian Report, Iranian Credit Line to go to Power Sector, 21 January 2013, link: https://goo.gl/5Gpbeb

([21]) The world bank, The Toll of War: The Economic and Social Consequences of the Conflict in Syria, 10 July 2017.

([22]) Reuters, Iran grants Syria $3.6 billion credit to buy oil products, 31 July 2013. Link: https://goo.gl/xqSd9o

([23]) عنب بلدي، إيران تورد مليوني برميل من النفط الخام إلى سورية، 7 مايو/أيار 2017 رابط: https://goo.gl/dKxecu

([24]) Reuters, Syria ratifies fresh $1 billion credit line from Iran, 8 July 2015, link: https://goo.gl/JH2RHT

([25]) Tasnim News Agency, Iran Signs MoU to Repair Syria’s Power Grid, 13 September 2017, link:  https://goo.gl/8Z511d

([26])  سيريانيوز، ترليونا ليرة قيمة مشاريع الكهرباء الموقعة مع روسيا وإيران في الـ2017، 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، الرابط: https://goo.gl/UYp8wG

([27]) Reuters, Iran's Revolutionary Guards reaps economic rewards in Syria, 19 January 2017, link: https://goo.gl/vCNAxH

([28]) الاقتصادي، "استثمارات روسيا في سورية نحو 19 مليار دولار"، 5 مايو/أيار 2014. رابط: https://goo.gl/h1xNaD

([29])  الشرق الأوسط، "روسيا وإيران في سوريا... الصراع الخفي تحت سقف التحالف"، 22 ديسمبر 2016 رابط: https://goo.gl/EXsmEd  

([30]) أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين أثناء زيارة لوفد اقتصادي روسي إلى سورية ولقاءه بالرئيس السوري بشار الأسد في 18 كانون الأول/ديسمبر 2017 إن روسيا الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السوري وإعادة بناء منشآته التي تضررت جراء الصراع.

([31])  تراجع إنتاج النفط الذي يسيطر عليه النظام السوري من 380 ألف برميل عام 2010 إلى أقل من 10 آلاف برميل خلال سنوات الثورة.

([32]) اكتشفت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن الساحل الشرقي للمتوسط يحتوي على مخزون هائل من الغاز يقدر بـ700 مليار متر مكعب إضافة إلى النفط الذي قدرت كميته بـ1.7 مليار برميل نفط. كما تم اكتشاف حقل غاز في منطقة قارة قرب حمص تقدر كميته بـ437 مليار متر مكعب.

([32]) سيرياستيبس، "الاتفاقية السورية الإيرانية تؤمن سوقًا لم يستثمره المصدرون السوريون من قبل"، 25 أبريل/نيسان 2012، رابط: https://goo.gl/Vv24wA

([33]) عبد الرزاق عدنان، حكومة بشار تمنح روسيا تسهيلات جمركية.. والتنفيذ بداية العام 2018، 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، العربي الجديد، رابط: https://goo.gl/Lqfj1j

([34]) روسيا اليوم، ملياردير روسي يبدأ الاستثمار في فوسفات سوريا، 27 يونيو/حزيران 2017، رابط:  https://goo.gl/zDDJQK

([35])  السورية، مزيد من المشاريع الاقتصادية لروسيا في سورية يمنحها حضورا واسعا في إعادة الإعمار، 1/3/2018، رابط: https://goo.gl/xLUyp8

([36])  هناك عدة تحديات قد تواجه سورية في المرحلة المقبلة منها سياسية تتعلق بالتوافق بين الأطراف كافة والذي من شأنه أن ينهي القتال ويؤسس لمرحلة انتقالية بتم التوافق عليها بين النظام والمعارضة، وتحديات اقتصادية ناجمة عن ضخامة الأضرار الاقتصادية التي ألحقتها الحرب وتكاليف إعادة الإعمار المقدرة بين 200 -500 مليار دولار وفق ما أعلن في الملتقى السوري الروسي لرجال الأعمال ملطع مارس آذار 2018، وهناك تحديات أمنية متعلقة بنزع السلاح من الفصائل واستتباب الأمن ومنع تدحرج الأوضاع نحو الاقتتال مرة أخرى.

([37]) الجزيرة نت، قرار مجلس الأمن رقم 2254 بشأن سوريا، رابط: https://goo.gl/tqGtrx

التصنيف أوراق بحثية
السبت, 06 شباط/فبراير 2016 11:08

مستقبل سوريا في ظل التطورات الأخيرة

أجرى موقع نون بوست حواراً معمقاً مع الأستاذ معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية -مسار السياسة والعلاقات الدولية- تناول آخر التطورات والمستجدات على الساحة السورية والإقليمية والدولية، لا سيما مفاوضات جنيف3 ومؤتمر المانحين الأخير في لندن، واحتمالات التدخل العسكري في سورية.

أوضح الأستاذ طلاع أن تنامي الحديث عن مشاريع التقسيم في سورية استناداً إلى بنك الأهداف العسكرية الروسية، وضرب المعارضة السورية، هو أمر مبرر، لكنه اعتبر أن الدور الوظيفي لنظام الأسد في المعادلة الإقليمية لا يمكن أن يتم من دون الحفاظ على نظام سياسي مركزي.

وتوقع الأستاذ طلاع تغير الموقف الأردني قريباً فيما يتعلق بالحملة الروسية على الجبهة الجنوبية، لا سيما بعد سقوط مدينة الشيخ مسكين، وزيادة تحرك الميلشيات التابعة لإيران، والخشية من استغلال الجماعات "الإرهابية" لمتغيرات ميزان القوى، إضافة إلى القلق المتزايد من موجات نزوح جديدة.

واستبعد الباحث في مركز عمران تدخلاً برياً سعودياً أو تركياً في سورية ما لم يكن تحت المظلة الأمريكية وبتنسيق مع واشنطن لزيادة الضغوط على موسكو، على الرغم من استفحال الخطر الكردي بالنسبة للأتراك في الشمال السوري.

وفيما يتعلق بجبهة النصرة وما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية"، اعتبر طلاع أن الأولى مقبلة على صيغ "متطورة" وأكثر "مرونة" فيما يتعلق بعلاقاتها وارتباطاتها، بسبب الضغوط الميدانية، أما بالنسبة للآخر، فإن الحملة الروسية على المعارضة السورية المعتدلة قد زادت من قوته.

نص الحوار كاملاً على موقع نون بوست: http://goo.gl/3nkfXn

التصنيف أخبار عمران
الأربعاء, 10 شباط/فبراير 2016 15:50

ثوار حلب في مواجهة الطوق الإيراني الروسي

ملخص: تقدمت قوات التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي على مناطق سيطرة فصائل الثورة السورية، وتمكنت من الوصول إلى نبّل والزهراء، ووضع جبهة حلب أمام خارطة ميدانية جديدة ومتطورة مع استمرار المعارك ومحاولة التوسع لحصار مدينة حلب. وبسبب تفوق الفصائل الثورية في الاشتباكات المباشرة، اعتمد التحالف الإيراني الروسي على التفوق الناري والكثافة الهائلة لعمليات القصف، وساعده على التقدم استنزاف الفصائل في معركة ريف حلب الجنوبي وتقنين الدعم عليها بعد التدخل الروسي وضعف التحصينات الهندسية للثوار، وهو ما يجعل أولوية الثوار السوريين الميدانية بناء خطوط دفاعية وتحصينات هندسية متينة، لإعاقة تقدم التحالف والمحافظة على طرق الإمداد والمساحات المتبقية. ومن جانب آخر يقدم الوضع الأخير زخماً مضاعفاً لمبادرات التوحد المطروحة بين الفصائل الثورية حيث تحظى مبادرة الجبهة الشمالية بالفرصة الأكبر للتطبيق فيما بينها. وبانفصال ريف حلب الشمالي عن المدينة، يصبح وسط ثلاث جبهات مفتوحة عليه (التحالف الإيراني الروسي، تنظيم داعش، وحدات حماية الشعب الكردية)، ويهدد هجوم وحدات حماية الشعب بتقطيع المتبقي منه ما يضاعف من خطورة وضع الثوار في الريف الشمالي، ولكنه يقع ضمن استثناء كونه منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، ما يوفر خيارات جديدة لاختبار سياسات جهات محلية ودولية انبنت على مواجهة أو تجنب تنظيم القاعدة.
ويواجه الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية، تحديات خطيرة أمام الوضع الجديد وتقدم التحالف الإيراني الروسي المستمر، مع استمرار غياب الدعم النوعي سياسياً وعسكرياً للثورة السورية، بينما يصعب الحسم تجاه جدية مشروع العملية البرية التي اقترحتها السعودية في سوريا لمواجهة تنظيم داعش، رغم إمكانية التكهن بمساراتها المحتملة، ومدى تأثيرها على الفصائل الثورية والمسألة السورية.
وتواجه الثورة السورية بعد التدخل الروسي وتقدم التحالف الإيراني الروسي مرحلة تحولات خطرة، ولكنها تحافظ على إمكانات عسكرية وطاقات بشرية وشرعية شعبية وأخلاقية متجذرة، ما يجعل إنهاءها مهمة شبه مستحيلة، ولكن ضعف الحلف الداعم للثورة في مواجهة تحديات النفوذ الإيراني الروسي الأخير يضاعف من التكلفة البشرية والتاريخية لهذه الحرب.

أولاً: مقدمة

خلال قرابة 60 ساعة (منذ ليل 1 شباط 2016م وحتى مساء 3 شباط)، استطاعت قوات النظام والميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التي تقودها إيران، مدعومة بالطيران الروسي، أن تصل إلى بلدتي/معسكري نبل والزهراء، بعد قرابة 3 سنوات من وضع شبه الحصار، عبر السيطرة على بلدات: (دوير الزيتون، تل جبين، حردتنين، معرستة الخان) بالترتيب، مع استمرار التمهيد الناري ومحاولات التقدم شمال وجنوب هذا الخط الجديد الواصل إلى نبل والزهراء.

وتمكنت قوات التحالف الإيراني-الروسي بهذا التقدم الأخير من الفصل ما بين الجزء الأكبر من ريف حلب الشمالي (المنطقة شمال معرستة الخان) ومدينة حلب، ما يترك طريق إمداد حلب الوحيد هو طريق الكاستيلو الذي يصل إلى ريف حلب الغربي وريف إدلب.

ويستمر التحالف الإيراني الروسي بمحاولة توسيع مناطق سيطرته، بالتوازي مع محاولة قوات وحدات حماية الشعب الكردية التقدم نحو اوتوستراد إعزاز ومطار منغ العسكري، ومع محاولة تنظيم داعش التقدم من جهته أيضاً، ما يضع الفصائل الثورية تحت وطأة هجوم ثلاثي، في ظل دعم دولي ضمني للتحالف الإيراني-الروسي وتقنين واضح في الدعم العسكري للفصائل الثورية منذ التدخل الروسي.

وقد دفع التقدم الأخير نحو ردود فعل إقليمية واسعة (إعلامية حتى الآن)، من طرف المحور الحليف للثوار السوريين (تركيا، السعودية، قطر)، بلغت أوجها بالتصريحات السعودية حول الاستعداد لتنفيذ عملية برية داخل سوريا ضد تنظيم داعش.

وتدرس هذه الورقة تفاصيل المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، وتكتيكات التحالف الإيراني الروسي القتالية وخططه القادمة، وخيارات الثوار السوريين في مواجهة التحالف الإيراني الروسي، ووضع ريف حلب الشمالي كمنطقة شبه محاصرة ومستنزفة وخالية من تنظيم القاعدة، وسيناريوهات العملية البرية المحتملة.

ثانياً: تسلسل الأحداث... اكتمال الطوق

فيما بعد تحرير مدينة حلب (تموز 2012م)، بلغ الثوار تمددهم الأقصى في المحافظة مع بداية شتاء 2013م، واستدعى النظام لمواجهة ذلك تعزيزات عسكرية إضافة إلى ميليشيات شيعية متعددة الجنسيات (في مقدمتها حزب الله اللبناني)، واعتمد النظام على التقدم البطيء –ولكن المستمر- لتطويق مدينة حلب وقطع طريق إمدادها الوحيد (الكاستيلو) ضمن خطة دبيب النمل، منذ استعادته طريق إمداد قواته من معامل الدفاع في ريف حلب الجنوبي بإعادة احتلال خناصر والسفيرة (بداية تشرين الثاني 2013م)، وتمدده لاحقاً عبر اللواء 80 والشيخ نجار وحندرات، وصولاً إلى هجومه على ريف حلب الشمالي وسيطرته على باشكوي (17 شباط 2015م).

ولم تهدأ الاشتباكات في جبهات حلب وريفها التي تعتبر ضمن الأعنف والأكثف والأعلى تكلفة بشرياً وعسكرياً ومادياً في الحرب السورية، وشُنّت عشرات (وحتى مئات) محاولات الاقتحام المتكررة من الجانبين، والقصف المكثف الذي تجاوز عدد ضحاياه المدنيين 30 ألف إنسان، دون تغييرات جوهرية في الخارطة، إلى أن بدأ التدخل الروسي.

بدأت حملة إشعال الجبهات بعد التدخل الروسي (نهاية أيلول 2015م) في حلب على جبهة ريف حلب الجنوبي، واستطاعت قوات التحالف الإيراني-الروسي السيطرة على مساحة 380 كلم2، منذ بدء المعركة وحتى الهدوء النسبي بعد السيطرة على خان طومان (16/10/2015م – 30/12/2015م).

ورغم حجم خسارة المدرعات الكبير لقوات النظام والتحالف الداعم له بالصواريخ المضادة للدروع (خاصة التاو) التي استخدمتها فصائل الجييش الحر، إلا أن المعركة مثلت استنزافاً كبيراً لفصائل حلب والشمال السوري بعامة (كتائب ثوار الشام التي اندمجت مؤخراً في الجبهة الشامية كانت الأكثر استنزافاً)، وفقدت هذه الفصائل عدداً كبيراً من القادة الميدانيين، ومن المقاتلين، عدا عن استنزاف الذخيرة ومنظومة المضاد للدروع مع انخفاض الدعم الواضح للفصائل فيما بعد التدخل الروسي ومؤتمر فيينا خاصة (14/11/2015م).

واعتمدت تكتيكات تقدم التحالف الإيراني-الروسي على الكثافة النارية بشكل رئيس، والتي وفرها الطيران الروسي وسلاح المدفعية وراجمات الصواريخ قبل التقدم (واستقدم التحالف أسلحة تستخدم للمرة الأولى في حلب لهذه المعركة)، وأحياناً اعتمدت على التسلل وقطع طرق الإمداد بين نقاط الثوار أو الالتفاف على الخطوط الخلفية لنقاط الرباط قبل الاقتحام ما دفع لانسحابات سريعة في أكثر من منطقة، خاصة عند سيطرته على محور (العيس-الحاضر) ثم (حميرة-خلصة) التي سهلت الوصول إلى (القلعجية- زيتان) (تحتاج معارك ريف حلب الجنوبي تفصيلاً مستقلاً).

وخرجت فصائل الثوار من معركة ريف حلب الجنوبي باستنزاف بشري وعسكري وخسارة مناطق واسعة، تهدد بتحويل ريف حلب الغربي (الذي يعتبر خزاناً بشرياً رئيساً للثوار ومنطقة شبه خالية من الرباط) إلى خط رباط واستنزاف.
وقد استخدم النظام في معركته التالية في ريف حلب الشمالي استراتيجية عسكرية مشابهة لريف حلب الجنوبي، مع إدخال أسلحة جديدة مثل الدبابة T-90 والمقاتلة الحربية SU-35، واعتمد في سياسة الأرض المحروقة على راجمات الصواريخ وسلاح المدفعية بنسبة أكبر، إضافة إلى المقاتلات والمروحيات في القصف الجوي المكثف.

بعد الهدوء النسبي لجبهة ريف حلب الجنوبي، بدأ رصد حشود الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ضمن معسكرات النظام المطلة على طرق ريف حلب الشمالي (باشكوي)، وكان من المتوقع أن يشن النظام هجوماً مشابهاً من حيث الأهداف لمعركة رتيان وحردتنين السابقة (شباط 2015م) حين تسللت فجراً قوة مشاة قوامها 500 عنصر تلة باشكوي ثم قرية رتيان وحردتنين، ووقعت تحت نيران فصائل الثورة السورية التي أرسلت مؤازرات ضخمة للمنطقة، ووقعت أغلب القوة المقتحمة للنظام والمدعومة بالميليشيات الشيعية بين قتيل وأسير، وسيصحح النظام والتحالف الإيراني-الروسي هذه الخطة في الاقتحام الأخير، متجنّباً تفوق فصائل الثوار في الاشتباكات المباشرة، ومستغلّاً التفوق الناري الذي يمتلكه.

بدأ الهجوم قرابة الساعة الثانية بعد منتصف ليلة الأول من شباط، تقدمت قوات التحالف الإيراني-الروسي (الفرقة الرابعة من جيش النظام، ميليشيا الدفاع الوطني، حزب الله اللبناني، حركة النجباء العراقية، كتائب حزب الله العراق، ميليشيات أفغانية، الحرس الثوري الإيراني) نحو مزارع دوير الزيتون، بآليات مدرعة وقوات مشاة، وتم طلب مؤازرات من قبل فصائل الثوار استطاعت إحباط الهجوم واستعادة معظم النقاط التي تقدم إليها مع صباح اليوم (1 شباط)، فانتقلت قوات التحالف إلى خطة "الأرض المحروقة"، عبر تمهيد ناري مكثف جداً (مدفعية الهاون والفوزديكا، وراجمات الصواريخ، والطيران الروسي)، تمكن التحالف عبره من الدخول إلى مزارع دوير الزيتون قرابة عصر اليوم، وفي الوقت نفسه تسللت قوات مشاة ومدرعات إلى تل جبين عبر طريق خلفي تشرف عليه نقاط تنظيم "داعش" شبه الهادئة منذ قرابة عامين، وبسيطرته على تل جبين المشرف على قرية حردتنين ورتيان، تمكن التحالف من رصد دقيق وقريب لمواقع الثوار، ومن توفير زخم قصف مضاعف، مع محاولات اقتحام عنيفة ومتكررة نحو بلدة رتيان (أُحبطت) وحردتنين التي سيطر التحالف على أجزاء منها.

أرسلت الفصائل الثورية في غرفة فتح حلب مؤازرات متتابعة إلى ريف حلب الشمالي (الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، الفرقة 16، الفرقة 13، فيلق الشام، جيش الإسلام، أحرار الشام وغيرها) إضافة إلى طواقم المضاد للدروع التي استخدمت صواريخ الفاغوت والتاو (الفرقة الشمالية، الفرقة 13، الفرقة 16، الجبهة الشامية) وإن كان عبء معركة رتيان وحردتنين الأكبر قد وقع على ثوار المنطقة الذين يقودهم علي عيسى (أبو حمص رتيان) القائد العسكري السابق في أحرار الشام ثم في جيش الشام، والذي أصيب في نهاية المعركة إصابة خطرة.

وتركزت نقاط انطلاق قصف التحالف واقتحامه من محور باشكوي والمناطق التي اقتحمها (دوير الزيتون، تل جبين)، ولكن مع محاولات تسلل (أُحبطت) من محور نبل والزهراء باتجاه بيانون وماير.

وشملت "السجادة النارية" المناطق التي يحاول التحالف التقدم إليها في الطريق نحو (نبل والزهراء) والمساحة المحيطة ضمن ريف حلب الشمالي وطرق إمداده (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، معرستة الخان، حريتان، كفر حمرة، وغيرها).

مع فجر اليوم الثاني للمعركة (2 شباط) كان التحالف قد نجح في السيطرة على حردتنين وأجزاء من مزارع معرستة الخان دون أن ينجح في اقتحام رتيان، ووصلت مؤازرات غرفة فتح حلب إلى أوجها، مع وصول رتل مؤازرات من جبهة النصرة، ولكن طبيعة الهجوم التي تعتمد الكثافة النارية ثم الاقتحام دون الاشتباك المباشر غالباً، حالت دون أن يكون الميزان العددي صاحب التأثير الأكبر، مع استمرار الاشتباكات في محيط حردتنين ومعرستة الخان، ووجود محاولات تسلل من محور نبل والزهراء تجاه بيانون وماير، واستمرار القصف المكثف على المناطق حول معرستة الخان (مسقان، ماير، رتيان، بيانون، حريتان...الخ)، التي تشكل صلة الوصل مع نبل والزهراء.

في نهاية ليلة 2 شباط كان طريق معرستة الخان مرصوداً نارياً، والاشتباكات على حدودها وعلى جبهة رتيان، وبلغت خسائر التحالف (حسب غرفة فتح حلب): تدمير عشر آليات مدرعة، من ضمنها عربتا BMB ودبابة T72، واغتنام عربة BMB أخرى. ومقتل قرابة 100 عنصر (معظمهم أجانب) حسب جهات الرصد.

في اليوم الثالث من المعركة (3 شباط)، استمرت محاولات التسلل والاشتباك من جهة نبل والزهراء تجاه بيانون (أُحبطت)، وانتقلت الاشتباكات بين التحالف والثوار إلى داخل معرستة الخان، إلى أن سيطر التحالف على مزارع وقرية معرستة الخان قرابة السادسة مساء، ووصلت بذلك إلى نبل والزهراء، بعد قرابة ثلاث سنين من وضع شبه الحصار.

وفي 5 شباط سيطرت قوات التحالف الإيراني-الروسي على بلدة رتيان التي شهدت أعنف اشتباكات المعركة وقرابة عشر محاولات اقتحام مع قصف هائل مسح معظم مبانيها، واستشهد من فصيل واحد في الجيش السوري الحر (كتائب الصفوة الإسلامية) 24 مقاتلاً، كما سيطر على بلدة ماير المحاذية لبلدتي/معسكري نبل والزهراء، لتستمر في توسيع طريق الوصل إلى نبل والزهراء، دون أن يهدأ القصف المكثف حول هذا الطريق ومحاولات الاقتحام للبلدات المحيطة، حتى كتابة هذه الورقة.

على حدود عفرين، فيما بعد انفصال ريف حلب الشمالي، فقد بدأت وحدات حماية الشعب (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي) مع حلفائها ضمن قوات سوريا الديمقراطية (ومن ضمنها فصائل غير كردية وترفع علم الثورة السورية مثل جيش الثوار الذي ينتمي أغلب عناصره لريف إدلب)، بالتقدم من جهة عفرين، تجاه مناطق الفصائل الثورية المجاورة لهم، رغم وجود اتفاقات هدنة موقعة بينها وبين فصائل الجيش الحر في الريف الشمالي، وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية تباعاً على القرى غرب أوتوستراد إعزاز(الزيارة، الخريبة، مرعناز، العلقمية، دير جمال، كفر انطون)، وتسعى بذلك إلى وضع نقاط على أوتوستراد إعزاز، وتهدف للسيطرة على مطار منغ العسكري أيضاً، وهو ما يهدد بفصل حواضر ريف حلب الشمالي الكبرى (تل رفعت، مارع، إعزاز) عن بعضها، ما يضاعف من خطورة وحساسية وضع الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، ويضاعف الحاجة إلى دعم نوعي سريع.

وعلى جبهة داعش، فلم تشهد الأيام الأولى للمعركة تطورات جديدة، فيما عدا طرح وساطات (أقرب لأن تكون بروباغندا إعلامية) للهدنة بينهم وبين فصائل الثوار، والتوحد على قتال النظام والتحالف الإيراني (رغم وجود قرابة 150 كيلومتر كخطوط مواجهة هادئة بين التنظيم والنظام في محافظة حلب)، ولكن مجموعات التنظيم سارعت لاستغلال استنزاف الفصائل الثورية في ريف حلب الشمالي، لشنّ هجمات على مناطق سيطرة الثوار في قرية براغيدة وتم إحباطها.

ثالثا: اتجاهات التحالف الإيراني الروسي المحتملة

بعد تأمين الطريق الواصل إلى بلدتي نبل والزهراء، فإن التحالف الإيراني-الروسي سيسعى لتوسيع نطاق السيطرة شمال وجنوب هذا الطريق، لتأمينه وزيادة حجم استنزاف الفصائل الثورية، إضافة إلى استكمال تحويل جبهة حلب إلى جزر مقطعة يسهل حصارها، بدلاً من محاولات الاقتحام ذات التكلفة البشرية العالية خاصة في المدينة.

ويمكن أن يعمل التحالف على عدة محاور في هذه الخطة:

•    طريق الكاستيلو
 وهو الطريق الواصل بين مدينة حلب وريف حلب الغربي باتجاه ريف إدلب، والذي أصبح خط الإمداد الوحيد بعد فصل الريف الشمالي، ويمتلك النظام إمكانية قطعه نارياً دون التقدم نحوه، سواء من خلال سلاح المدفعية القريب، أم من خلال تكثيف المراقبة الجوية، ولكن يمكن أن يعمل النظام على التسلل نحو الكاستيلو مباشرة أو عبر محور حندرات، أو بالسيطرة على تلة نصيبين المشرفة على طريق حريتان قبل ذلك.

•    جنوب خط الوصل
بيانون: جرت عدة محاولات تسلل من الزهراء نحو البلدة خلال المرحلة الأولى من المعركة، ويستمر القصف المكثف عليها (حتى تاريخ كتابة الورقة)، ويمكن أن توفر السيطرة على البلدة توسيع نطاق الأمان بالنسبة لطريق الوصل الجديد، كما توفر نطقة انطلاق نحو بلدة حيان.

تلة الطامورة: والتي جرت عدة محاولات اقتحام نحوها، كان آخرها وأعنفها (حتى تاريخ كتابة الورقة) في 8 شباط وتم إحباطها من طرف الثوار وقتل قرابة 50 عنصرٍ من الميليشيات الشيعية المقتحمة حسب الفصائل التي شاركت في المعركة.

ويضمن التحالف الإيراني الروسي بالسيطرة عليها تهديد عندان وقطع الطريق نحو ريف حلب الغربي دون رصد الكاستيلو، ويمكن أن يحاصر بذلك مثلث (عندان، كفر حمرة، حريتان) الفاصل بين المدينة والريف الغربي وخط الوصل الجديد إلى نبل والزهراء.


•    شمال خط الوصل
سيطر التحالف على بلدة ماير (5 شباط) ثم كفين (7 شباط) بعد إقامة خط الوصل، ويستمر في محاولة التقدم نحو كفر نايا ومسقان، وقد يستبق التحالف وصول إمدادات أو دعم جديد للريف الشمالي ضمن ردود الفعل الإقليمية على التقدم الأخير، بمحاولة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة (باتجاه تل رفعت) لتأمين خط الوصل، ولاستنزاف فصائل الثورة هناك بشكل مضاعف.

•    ريف حلب الجنوبي
حيث جرت محاولات تقدم للتحالف الإيراني الروسي بعد المعركة نحو حرش خان طومان (أُحبطت)، وقامت فصائل الجيش الحر باستعادة السيطرة على بلدة الخالدية المجاورة لخان طومان، ولكن تبقى إمكانية أن يفتح التحالف معركة على المتبقي من جبهة ريف حلب الجنوبي قائمة، لتشتيت مؤازرات فصائل الثوار من ريف حلب الغربي، وقطع مساحة أكبر من الأوتوستراد الدولي، وفرض وضع جديد لريف حلب الغربي كخط رباط، مع خطة بعيدة المدى لفك الحصار عن بلدتي/معسكري كفريا والفوعة.


•    مدينة حلب
وذلك لإرباك فصائل المدينة التي ترسل مؤازراتها نحو الريف الشمالي، أو قطع المدينة إلى قطاعين (عبر جسر الصاخور)، وهو الخيار الأقل احتمالاً، بسبب تفوق فصائل الثوار في حرب المدن، وضعف تأثير التفوق الناري مقارنة بالمساحات المفتوحة.


 رابعاً: خيارات الثوار

على المستوى السياسي: فإن الهيئة العليا للمفاوضات، وهي أول كيان سياسي يجمع المعارضة السياسية والفصائل العسكرية، تقف على أرض خيارات صعبة مع ضعف الغطاء السياسي الإقليمي الداعم لها، ولكن يتاح لها أن تعتمد على الواقع الميداني في تفكيك سردية النظام والتحالف الإيراني الروسي الداعم له عبر إجراءات:

•    المحافظة على موقفها في رفض البدء بمفاوضات مع نظام الأسد دون تطبيق البنود الإنسانية حسب قرار مجلس الأمن 2254.
•    الإعلان أن خطة وقف إطلاق النار التي تصر عليها الولايات المتحدة (والتي ستتضمن وقف وتجريم أي دعم للفصائل الثورية)، لا يمكن تطبيقها بالمفاوضات مع النظام، بسبب أن نظام الأسد ليس من يقود العمليات على الأرض بعد تفكك جيش النظام وانهيار أغلب قواته، وإنما التحالف الإيراني الروسي، المعتمد على ميليشيات متعددة الجنسيات ذات بعد طائفي ومتورطة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يجعل أي اتفاق وقف إطلاق نار بمثابة حظر عسكري من طرف واحد، باعتبار أن روسيا وإيران –غير المشمولتين بالاتفاق- سيبقى متاحاً لهم استكمال العمليات العسكرية استناداً إلى حجة مكافحة الإرهاب.
•    الانتقال إلى إعلان روسيا وإيران كدول تمارس احتلالاً مباشراً على الأرض السورية، والمطالبة بمراقبة دخول الميليشيات الأجنبية إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي حيث يصل مجندو الميليشيات العراقية والأفغانية، وهي المطالبة التي تتيحها قرارات مجلس الأمن بخروج المقاتلين الأجانب من سوريا.
•    الاستفادة من وضع ريف حلب الشمالي، كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة، في تفكيك حجة الإرهاب التي تستند إليها عمليات التحالف الإيراني الروسي، وفي إثبات مسؤولية النظام والتحالف الإيراني الروسي في المعاناة الإنسانية، وزيادة أعداد الهجرة.

على المستوى الميداني: لقد أظهرت السنوات السابقة التفوق الواضح للفصائل الثورية في حرب المدن والاشتباكات المباشرة، وأظهرت المعركة الأخيرة في ريف حلب الشمالي، والتي تمكن التحالف الإيراني-الروسي عبرها من السيطرة على مساحات مهمة خلال زمن قصير (قرابة 60 ساعة)، ضعفَ التحصينات الهندسية والخطوط الدفاعية للثوار رغم السيطرة على هذه المناطق منذ سنوات، وأظهرت كذلك أن خيار المواجهة في المساحات المكشوفة للكثافة النارية الهائلة سيؤدي لاستنزاف بشري وعسكري كبير، دون ضمان القدرة على الصمود الطويل.
وهو ما يجعل المعركة الراهنة، دون وجود سلاح نوعيّ معادل للتفوق الناري لقوات التحالف، معركة بناء خطوط دفاعية متينة وتحصينات هندسية قادرة على إعاقة تقدم قوات التحالف، أكثر مما هي معركة هجوم وانكشاف للتفوق الناري.

ويصبح تأمين الطريق الواصل بين المدينة وريف حلب الغربي، ضرورة استراتيجية، لضمان طرق الإمداد والمؤازرات، وحصر المواجهات بالاشتباكات المباشرة التي تحيّد التفوق الناري.

على المستوى الفصائلي: شكلت المعركة الأخيرة خارطة قوى جديدة حيث ريف حلب الشمالي منفصل عن المدينة والريف الغربي، ومحاصر ضمن قوات التحالف وتنظيم داعش ووحدات الـ YPG، وهذا الوضع الخاص ظهر على مستوى التشكيلات في وقت سريع من خلال إعلان "المجلس العسكري الموحد لريف حلب الشمالي"، ولكن دون أن يلغي وجود الفصائل وهيكلياتها، حيث الجبهة الشامية كبرى فصائل الريف الشمالي، والذي امتلك خاصية مضاعفة كونه أصبح في وضع جديد كلياً على الشمال السوري باعتباره منطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة (وهو ما ستتكلم عنه الورقة في سادساً: رهانات الاستثناء).

ودراماتيكية الوضع الجديد، تسارع من خطوات تقارب الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري بعامة، سواء ضمن غرف عمليات أم تحالفات جديدة على شكل جبهة، خاصة فصائل الجيش الحر الأكبر في حلب وإدلب وحماة، سواء بشكل مشترك أم منفصل لكل مدينة (في حلب: الجبهة الشامية، تجمع فاستقم، جيش المجاهدين، حركة الزنكي. في إدلب وحماة: جيش النصر، الفرقة 13، جيش العزة، الفرقة الشمالية، صقور الجبل) إضافة إلى فيلق الشام وأحرار الشام كأكبر قوتين ثوريتين ممتدتين في الشمال السوري (باعتبار أن جبهة النصرة تنظيم جهادي معولم ولا يعرّف نفسه ثوريّاً)،

وظهرت دعوات جديدة لتوحد الفصائل الثورية في حلب والشمال السوري، أهمها:

•    مبادرة طلبة العلم: أطلقها مجموعة من الشرعيين المقربين (أو المنتمين) من فصائل جهادية وثورية، وتقترح توحد الفصائل في قيادة عسكرية وتأسيس حكومة داخلية ومكتب سياسي موحد، ورغم كثافة التوقيعات عليها، ومن ضمنها توقيعات لشرعيين من فصائل حلب، فإنها قد لا تحظى بفرصة للنجاح على الأغلب.
•    مبادرة الجولاني: والتي اقترحها زعيم جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) بعد تحفظه على مبادرة طلبة العلم، واقترح من خلالها الاندماج الكامل لفصائل جيش الفتح والتنازل عن قيادة التشكيل الجديد، ولكنها واجهت تحفّظاً من حركة أحرار الشام بشكل رئيس.
•    مبادرة جيش حلب: أطلقها ثوار مدنيون في حلب بعد تقدم التحالف الإيراني الروسي في ريف حلب الشمالي، واقترحوا من خلالها اندماج 16 فصيلاً ثورياً (من فصائل حلب) ضمن هذا الجيش واختيار قائد موحد، وهي مبادرة قد لا تُطبق على الأغلب.
•    مبادرة الجبهة الشمالية: وهو مشروع يجمع فصائل الجيش الحر الكبرى في حلب وقد يتوسع لفصائل إدلب أيضاً، وهي المبادرة التي قد تحظى بالفرص الأكبر للتطبيق خلال الفترة القريبة القادمة.

خامساً: ردود الفعل الإقليمية

ظهر تقدم التحالف الإيراني-الروسي في حلب، بالنسبة للمعارضة وحلفائها، باعتباره نتيجة للضغط الدولي على الثورة السورية سياسياً وعسكرياً منذ مؤتمر فيينا، والذي ظهر جلياً في محادثات جنيف3، سواء عبر سلوكيات المبعوث الدولي ستافان ديمستورا التي تجاوز من خلالها وفد المعارضة التفاوضي بدعوة وفود موازية ومحاولة تجاوز البنود الإنسانية إضافة إلى رسائل ظهرت كمساواة بين النظام والمعارضة من حيث الانتهاكات الإنسانية، أو عبر مقابلة حجاب-كيري التي تم تسريبها على أنها تهديدات من وزير الخارجية الأمريكي تجاه المعارضة (وهي التحذيرات التي كررها كيري في لقائه بالعاصمة لندن مع منظمات المجتمع المدني السورية)، وكذلك من خلال انخفاض الدعم الواضح لفصائل الثورة السورية بعد التدخل الروسي.

أظهر هذا الولايات المتحدة في وضع تحالف مع روسيا بالنسبة للوضع السوري، لصالح إيران من جهة، وضد المحور (التركي-السعودي-القطري) من جهة مقابلة، وهو ما فجّر ردود فعل من طرف هذا المحور تجاه التقدم الأخير في حلب:

أولاً: من خلال تصريح المسؤولين الأتراك الغاضب من دعم الولايات المتحدة لأعدائهم حزب الـ PKK حيث تتمدد وحدات حماية الشعب على الحدود التركية بدعم أمريكي روسي ويحتمل أن تتقدم أكثر (تجاه إعزاز) بعد حصار فصائل الثورة السورية في ريف حلب الشمالي.

ثانياً: من خلال تصريح المستشار العسكري لوزارة الدفاع السعودية العميد أحمد عسيري (4/2/2016م) بأن بلاده مستعدة للتدخل البري في سوريا "ضد تنظيم داعش" تحت مظلة التحالف الدولي، بالتزامن مع إعلان مناورات "رعد الشمال".

ومع سباق التصريحات والتسريبات حول نوايا التدخل البري في سوريا، فإن المطروح أن يتم تحت مظلة التحالف الدولي، وبمشاركة قوات دولية متعددة الجنسيات وبإشراف أمريكي، وهو ما يعني ضمن هذا السقف أنه سيتجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران في الساحل أو ريف حلب، أو أن يقدم دعماً مباشراً للفصائل الثورية، دون أن يلغي إمكان استفادة هذه الفصائل من الهوامش التي قد يتيحها مثل هذا التدخل (إن حصل)، وما زال يصعب التكهن والحسم تجاه حصول هذا التدخل حتى الإعلان عن بدئه ميدانياً، أما مناطق هذا التدخل البري الأكثر احتمالاً (إن حصل) حسب الترتيب:

•    القيام بعمليات إنزال واشتباك سريعة، وقد نفذت الولايات المتحدة عمليات مشابهة ضد تنظيم داعش، وهو ما يتيح خبرات سابقة لهذا النوع من العمليات، ويتيح استهداف نقاط في العمق الجغرافي لمناطق التنظيم.
•    التوجه نحو خط جرابلس-إعزاز (شرق مناطق سيطرة الثوار في ريف حلب الشمالي)، حيث الشريط الحدودي مع تركيا، والمسيطر عليه من قبل تنظيم داعش، شرق مناطق سيطرة الجيش السوري الحر وغرب مناطق وحدات حماية الشعب الكردية التي تتحرك من خلال "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي بدأت بعد التدخل الروسي بالانزياح غرب نهر الفرات حيث المنطقة الآمنة التي كانت القيادة التركية تخطط لإقامتها، وهو ما يهدد المصالح التركية بشكل مباشر ومتصاعد.
•    ويوفر خطاب الإرهاب المهيمن على السياسة الدولية حول سوريا، حجة مناسبة للتدخل السعودي التركي، باعتبار هذه المنطقة (ريف حلب الشرقي-غرب نهر الفرات) مسيطراً عليها من قبل تنظيم داعش، وحجة مناسبة للدولة التركية أمام ضغوط تيارات معارضة ضد توريط تركيا في المسألة السورية، باعتبار أن مواجهة تمدد القوات الكردية (وحدات حماية الشعب) المقربة من حزب العمال الكردستاني PKK، على الحدود التركية مسألة أمن قومي.
•    التوجه نحو البادية من الحدود الأردنية، ويوفر هذا الخيار السيطرة على مساحات واسعة بتكلفة عسكرية أقل، والاقتراب من جبهة العاصمة دمشق، ومن الحدود العراقية ومنابع النفط في دير الزور، وهو ما يمكن أن يشكل ورقة ضغط سياسية، إضافة للاقتراب من مناطق الثوار في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي، مع وجود تجربة سابقة من خلال "جيش سوريا الجديد" الذي نفذ عمليات برية في هذه المنطقة بالتعاون مع التحالف الدولي.
•    ريف حلب الشمالي: وهو الخيار الأقلّ احتمالية، ولكن الوضع الجديد (التقدم الأخير للتحالف الإيراني، وخلو المنطقة من تنظيم القاعدة)، يوفر استثناء يسهل من دخول قوات دولية (عربية-تركية) إليه، أو يوفر استفادة أسهل فيما لو حصل تدخل بري في المنطقة الشرقية، وأقيمت قواعد عسكرية لحلفاء الثوار هناك.

سادساً: رهانات الاستثناء

إنسان الثورة المستباح

اقتبس المفكر السياسي الإيطالي جورجيو أغامبين، عنوان رباعيته المهمة في الفلسفة السياسية (سلسلة من أربع كتب)، من المصطلح الروماني HOMO SACER، والذي تمت ترجمته عربياً بـ "الإنسان الحرام" أو الإنسان المستباح"، ويشير المصطلح في القانون الروماني للإنسان الذي ارتكب جناية الخيانة ما يرفع عنه الشخصية القانونية ويتركه مستباحاً لأي عقاب سواء من الدولة أم  الأفراد، ويرتبط المصطلح بـ "حالة الاستثناء" التي شغلت مساحة مهمة من الفكر السياسي المعاصر، منذ كارل شميت الذي أعلن أن سيادة الدولة تُختبر لا من قدرتها على تطبيق القانون وإنما على تعليقه بفرض حالة الاستثناء (الطوارئ)، الجدل الذي امتد إلى فالتر بنيامين وحنه أرندت وجورجيو أغامبين وسواهم.

أتاحت الثورة السورية، لنظام الأسد الذي لم يرفع "حالة الطوارئ"  طيلة أربعين عاماً، أن يختبر قدرات حالة الاستثناء حتى أقصاها، كما اختبرت ذلك الدول المحيطة من خلال مخيمات اللجوء، التي تشكل حسب أغامبين أوضح تمثيل لحالة الاستثناء، باعتبار اللاجئين مجردين من الشخصية القانونية (فيما قبل قوننة اللجوء كحق قانوني لا كإكرامية أخلاقية) التي يُفترض أنها كانت لهم في بلادهم، ثم من خلال التعامل الدولي مع الثوار السوريين والمناطق التي يسيطرون عليها، باعتبارها مناطق متمردين rebels))، وليست مناطق تخضع لطرف سياسي شرعي، وبالتالي تُرفع عنها وعنهم الشخصية القانونية، وتصبح مستباحة للتدخل الدولي (الإيراني من خلال الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات ثم التدخل الروسي).

ورغم تعرّض النظام لهزات دبلوماسية منذ العام الأول للثورة، إلا أنه حافظ على تمثيله في المجتمع الدولي كنظام شرعي، ولكنه اضطر مع تعرضه لانتكاسات عسكرية متكررة تهدد بزواله منذ تحرير إدلب (شباط 2015م)، وخوفاً من أن يتعرض لتدخل عسكري دولي (عربي-تركي) إلى أن يستعين بشرعية دولية تمثلت بالقواعد العسكرية الروسية، كما استعانت وحدات حماية الشعب الكردية الصاعدة بشرعية دولية تمثلت بالخبراء الأمريكيين خوفاً من القصف التركي ضدها، وهو الذي تطور مؤخراً إلى تسريبات عن مشروع تحويل قاعدة الرميلان الجوية إلى قاعدة عسكرية أمريكية.

وضمن الفضاء الجيوسياسي السوري، يبقى ثمة نطاقان مستباحان لحالة الاستثناء ودون شخصية قانونية حامية من "القصف الدولي" الشرعي والذي لا يهدد بقيام حرب عالمية، تتمثلان بالمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، والمناطق التي يسيطر عليها الثوار السوريون.

استثناء ريف حلب الشمالي

رغم أنه لم توجد من قبل نوايا جدية من حلفاء الثورة السورية مكافئة لجدية حلفاء نظام الأسد في التدخل العسكري في سوريا، فقد كان وجود تنظيم القاعدة المتمثل بجبهة النصرة، أحد الأسباب –المعلنة-لتكريس وضع مناطق الثوار باعتبارها مناطق تواجد الإرهابيين (حسب التصنيف الدولي)، وهو ما كان الحجة الأكثر تكراراً (وتزييفاً) لتبرير عمليات القصف الجوي والأرضي التي قام بها نظام الأسد والطيران الروسي ضد المدنيين غالباً، والتي تسببت بكوارث إنسانية، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية موثقة حقوقياً.

ويمثل وضع ريف حلب الشمالي الأخير (شمال خط الوصل) كمنطقة لا وجود فيها لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة"، استثناءً جديداً ضمن الخارطة السورية في الشمال (إضافة إلى مدينة داريا بريف دمشق وأحياء يلدا وببيلا وبيت سحم في جنوب دمشق)، ويتيح هذا الاستثناء الأخير (نستخدم الاستثناء هنا بمعنى مغاير لحالة الاستثناء آنفة الذكر) فرصة لاختبار مدى تأثير غياب جبهة النصرة بالنسبة لسياسات وتعامل أطراف محلية أو إقليمية أو دولية مع الثورة السورية.
ويتيح هذا أمام الثوار السوريين، عدة خيارات ومستويات للعمل، لاستغلال وضع ريف حلب الشمالي كمنطقة خالية من الجماعات المصنفة على لوائح الإرهاب:

•    على المستوى الإعلامي: فقد دفعت حوادث عدة لاختطاف صحفيين من قبل تنظيم داعش ومن قبل جبهة النصرة وحتى من قبل فصائل ثورية، لغياب الإعلام الدولي عن التغطية المباشرة لمناطق الثوار السوريين، بسبب عدم الأمان الحاصل، ويمكن أن توجه فصائل الريف الشمالي دعوة للإعلام الغربي بالدخول المحمي لمناطق سيطرتها لتغطية المعاناة الإنسانية جراء قصف التحالف الإيراني الروسي، وإزالة الصورة الضبابية عن الثوار السوريين وفصائلهم غربياً، حيث تطغى صورة الإرهاب التي يروجها النظام والتحالف الإيراني الروسي والخطابات السياسية السائدة بعامة.
•    على المستوى الحقوقي: فإن من المهم دعوة مراقبين حقوقيين مستقلين أو أمميين للدخول المحمي إلى الريف الشمالي لمراقبة الانتهاكات الإنسانية للتحالف الإيراني الروسي، واختبار دقة ادعاء استهداف الإرهاب.
•    على مستوى الفصائل الثورية: فإن استنزاف فصائل الثوار في ريف حلب الشمالي، يضاعف الحاجة للعنصر البشري، وإن كان التقدم الأخير اعتمد على التفوق الناري، ويضاعف الوضعُ الأخير الحاجة إلى دعوة المقاتلين السابقين الذين أقاموا في تركيا، إلى العودة والمشاركة في المعارك الأخيرة.، خاصة من الفصائل التي هاجمتها جبهة النصرة وجند الأقصى سابقاً (تموز 2014-آذار 2015م) ولاحقت عناصرها لاحقاً ما اضطر قسماً منهم للخروج إلى تركيا (بداية تشرين أول م2015 طالبت جبهةُ النصرة حركةَ أحرار الشام بتسليم عناصر حركة حزم وجبهة ثوار سوريا الذين انضموا لأحرار الشام للجبهة، بعد مشكلة حصلت بين الجبهة والأحرار في بلدة الدنا بريف إدلب).
•    على مستوى التدخل البري المحتمل (إن حصل): فإن خلوّ منطقة ريف حلب الشمالي من تنظيم القاعدة، يختصر جدلاً كان حاضراً سابقاً لدى الحديث عن تدخل عربي، وهو كونه سيضطر لمحاربة تنظيم القاعدة، وسيضع الفصائل الثورية في إشكال صعب مع حلفاء ميدانيين، وفي معركة ايديولوجية جديدة مع عناصرهم، وحتى لو لم تدخل قوات برية إلى ريف حلب الشمالي، فإن وجود قواعد عسكرية "صديقة" في الداخل السوري على الشريط الحدودي التركي، يتيح بالضرورة منطقة آمنة للنازحين من مناطق الاشتباك بين الثوار السوريين والتحالف الإيراني، إضافة التنسيق بشكل مباشر مع مصادر الدعم وهذا تابع للدول المشاركة في العملية البرية (إن حصلت)، والتي ستتم تحت مظلة التحالف الدولي، ما قد يمنع قتالها إلى جانب الثوار السوريين، أو قتالها ضد وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من قبل التحالف نفسه.ولكن تبقى الأسئلة المفتوحة أو الرهانات المنتظرة من العملية البرية (إن حصلتْ) بالنسبة لفصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي حول مدى التنسيق مع العملية البرية واستلام إدارة المناطق التي يتم طرد تنظيم داعش منها واستفادة هذه الفصائل من قواعد الحلفاء.

سابعاً: خاتمة

تمر الثورة السورية على بوابة عامها السادس، بمرحلة أخرى من تحولاتها، مع تغيرات خطيرة في خرائط السيطرة والتحالفات، ورغم حجم الخسارة البشرية والميدانية الواضح بالنسبة لفصائل الثورة السورية منذ التدخل الروسي، سواء في ريف حلب الجنوبي ثم ريف حلب الشمالي أم في الساحل أم في الغوطة الشرقية وداريا أم في درعا، فإن تنبؤ بعضهم بأن الثورة السورية تواجه تحدياً وجودياً أخيراً، أو أن نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي على وشك "القضاء" على الثورة السورية، هي تنبؤات رغبوية أو بروباغندا دعائية.

حيث تتجاهل هذه البروباغندا قدرات المقاومة النوعية للفصائل الثورية والتي ظهرت في تفوقها الحاسم في الاشتباكات المباشرة، في مقابل التفوق الناري الكبير لأسلحة النظام والتحالف الإيراني الروسي، وأن هذه الفصائل ما زالت تسيطر على مناطق ممتدة وتحظى بشرعية محلية شبه وحيدة في مناطقها خاصة كونها تمثل الخيار الوطني شبه الوحيد بين أطراف الحرب في سوريا، مع تحول قوات نظام الأسد إلى شريك شبه إعلامي للتحالف الإيراني الروسي الذي يقود العمليات على الأرض.

هذا إضافة لامتداد الثورة السورية الشعبي الكبير داخل وخارج سوريا، والسجل الهائل من المجازر التي ارتكبها نظام الأسد والتحالف الإيراني الروسي الداعم له، والذي يجعل من إعادة التطبيع الشعبي مع النظام في سوريا مهمة شبه مستحيلة، وتبقي –بالنسبة لمنظور الأولويات الدولية-ملفات الهجرة والعنف قائمة وتكرس فوضى المنطقة.

ورغم التقدم العسكري الأخير الذي حققه التحالف الإيراني الروسي، فإنه لم يكن ليتحقق لولا الدعم السياسي الدولي الذي حظي به التدخل الروسي والإيراني في سوريا، في مقابل ضعف الحلف الداعم لفصائل الثورة السورية في فرض شروطه سياسياً أو دعم حلفائه عسكرياً، إضافة إلى توفير غطاء آمن لحشد الميليشيات الشيعية واستقدامها إلى سوريا ما وفر فائضاً في العنصر البشري الأجنبي مع اضمحلال حضور جيش النظام السوري في المعارك.

ويظهر الأثر الخطير لهذا الدعم الدولي الضمني للتحالف الإيراني الروسي، على خريطة المنطقة التي تتمدد فيها الميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً على أرض مظلومية سنية تنتج ردود فعلها المتفاوتة في راديكاليّتها وعنفها مع الوقت، إضافة إلى اضمحلال النفوذ العربي-التركي في سوريا والعراق لصالح نفوذ إيراني-روسي، مع دعم أمريكي لتمدد قوات وحدات حماية الشعب (الكردية) في مناطق عربية تمارس انتهاكات موثقة بحق مكوناتها، وهو ما يكرّس ديمومة الصراع الهوياتي في المشرق العربي.

يواجه الثوار السوريون معاركهم الصعبة منفردين وبإمكانات محدودة وشبه حصار سياسي وعسكري عليهم، في مقابل جيوش مجهزة لعدة دول وميليشيات معولمة، وهو ما يضاعف من خطورة وإلحاح مهمة الحلف الإقليمي الداعم للثورة السورية في تقديم الغطاء السياسي والدعم النوعي للفصائل الثورية، والكفيل بمواجهة التفوق الناري للتحالف الإيراني الروسي، أما الاستمرار في سياسات الدعم المقنن الراهنة فهو يكرّس تمدد التحالف الإيراني الروسي، ويعطيه أحقية تشكيل خريطة المنطقة ومستقبل شعوبها ودولها.

ثامناً: الملاحق

خريطة (1) توضح مواقع النفوذ والسيطرة -ريف حلب الشمالي -31 كانون الثاني 2016    

خريطة (2) توضح مواقع النفوذ والسيطرة -ريف حلب الشمالي -9 شباط 2016    


خريطة (3) توضح مواقع النفوذ والسيطرة في ريف حلب الجنوبي -20 تشرين الأول 2015

خريطة (4) توضح مواقع النفوذ والسيطرة في ريف حلب الجنوبي -31 كانون الأول 2015

التصنيف أوراق بحثية
الإثنين, 23 آذار/مارس 2015 15:40

سورية تحولات المشهد ومكاسب الثورة

إن المعادلة الاستراتيجية في سورية تمر بتحولات حاسمة تتمثل في اضمحلال دور النظام لصالح الهيمنة العسكرية الإيرانية، وتمتع الميلشيات الطائفية بالتسليح والدعم الدبلوماسي الأمريكي.

التصنيف أوراق بحثية

النحو الذي سوف تنحلّ به عُقد الصراع في سورية يؤثر على الأطراف الإقليمية تأثيراً مباشراً، ويجد كل محور نفسه واقعاً بين خيارات متضاربة تجبره على أخذ موقف ولو كان له تبعات يرجو الفكاك منها.

التصنيف أوراق بحثية

ليس ثمة اختلاف في أن أهداف التحالف ضبابية وأن النتيجة النهائية لهذا الجهد مفتوحة لاحتمالات متعددة. فما هي الأدوار المتوقع أن يلعبها الفرقاء المختلفون ليجنوا أكبر قدر من المنافع ويحموا أنفسهم من عواقب لم تكن بالحسبان.

التصنيف تقدير الموقف