ملخص عام
عسكرياً؛ شهد الجنوب السوري توغلات إسرائيلية برية موسعة، وتجددت الاشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" رغم اتفاقات التهدئة. أمنياً؛ شنت الأجهزة الأمنية حملات ضد "مجموعات مهددة للأمن العام"، وسط تصاعد حوادث الاغتيالات، الأمر الذي يعكس ضعفاً في منظومة التحكم والسيطرة.
توغلات إسرائيلية مستمرة في الجنوب السوري
في مشهد عكس نمطاً متكرراً من محاولات فرض سيطرة ميدانية مؤقتة على خطوط التماس داخل الأراضي السورية، ارتفع عدد التدخلات الإسرائيلية البرية داخل الأراضي السورية. ففي محافظة القنيطرة، توغلت آليات تابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي نحو تلة أبو قبيس وتمركزت شرقها، بينما اعتقلت قوة أخرى أكثر من 5 أشخاص من بلدة جباتا الخشب قبل أن تنسحب من المنطقة، وفي بلدة خان أرنبة حاولت قوة إسرائيلية أخرى تفريق الأهالي بإطلاق النار في الهواء وحثهم على التزام منازلهم باستخدام مكبرات الصوت بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع، كذلك شهد طريق بريقة-بئر العجم في القنيطرة توغلات متكررة وإقامة حواجز مؤقتة لمنع الأهالي من العبور. وفي ريف درعا الغربي، أقامت قوة إسرائيلية حاجزاً مؤقتاً في قرية معرية، ثم نشرت عناصرها قرب قريتي كويا وعابدين المحاذيتين للحدود.
بالتوازي مع تلك التحركات البرية، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي مستودع أسلحة قرب كلية الدفاع الجوي في محيط قرية مسكنة شرق حلب، وشنّ غارات أخرى على ثكنة سقوبين العسكرية في ريف اللاذقية. وهو ما يعكس توجهاً واضحاً لدى تل أبيب لتكريس معادلة ردع جديدة وتوسيع هامش نفوذها الأمني في الساحة السورية.
شرق الفرات.. واقع أمني معقد
شهد المشهد الأمني والعسكري في شرق الفرات اختراقات أمنية متعددة، تمثلت في اغتيالات واشتباكات بين الجيش السوري و"قسد"، وهجمات متكررة من قبل خلايا تنظيم "داعش" ومجهولين، وتحركات لافتة للتحالف الدولي والجيش التركي.
فمن جهة أولى، تزايدت خسائر "قسد" البشرية ما بين مقتل قيادات وعناصر وانشقاقات واعتقالات وخلافات داخلية، كان أبرزها مقتل القيادي "عكيد كابار" وقياديين آخرين في ريف حلب الشرقي ودير الزور، ومقتل 5 عناصر خلال صدّ هجوم لتنظيم "داعش" في بلدة البحرة الوسطى. وقد تعرضت "قسد" لهجمات مسلحة مجهولة في بلدات البحرة والصور ومحيميدة ودرنج أسفرت عن قتلى وجرحى بين عناصرها، كما عُثر على جثث عدد من عناصرها في الدرباسية والقحطانية وغانم العلي. فيما اندلعت اشتباكات داخلية بين عناصرها في بلدة غرانيج نتيجة خلافات على النفوذ المحلي، وأخرى في العزبة شمال دير الزور بسبب نزاعات على عائدات الآبار النفطية. في حين انشق 8 عناصر في محور دير حافر شرقي حلب، بينما اعتقلت الاستخبارات السورية 9 عناصر من "قسد" بينهم القيادية "هيفاء عادل طيار".
ومن جهة ثانية، برزت مؤشرات التوتر في العلاقة بين "قسد" والحكومة السورية حول تنفيذ اتفاق العاشر من آذار، في ظل استعصاء الاتفاق على بعض القضايا كالموارد والملف العسكري. وقد تصاعدت الهجمات والقصف المتبادل بين الطرفين على محاور سد تشرين ودير حافر والكيارية والبوحمد، واستهدف الجيش السوري راجمة صواريخ تابعة لـ "قسد" في ريف دير الزور، في حين أطلقت الأخيرة قذائف سقطت على منازل المدنيين في قرية أم تينة بريف حلب الشرقي. كما أخرجت أرتالاً عسكرية ضخمة من مطار الطبقة متجهة نحو محاور سد تشرين ودير حافر-مسكنة شرق حلب، وسط استنفار عام في نقاط التماس مع الجيش السوري.
ومن جهة ثالثة، أرسل التحالف الدولي قوات إلى مدينة الشحيل بريف دير الزور الشرقي رافقتها عملية إنزال جوي، بينما انسحب قرابة 250 جندياً من قوات التحالف عبر معبر الوليد الحدودي بعد تمركز مؤقت في مطار خراب الجير بالحسكة، في مؤشر على إعادة انتشار تكتيكي في المنطقة. في حين شهدت مناطق شرق الفرات تصعيداً من الجانب التركي، إذ نفذت الطائرات المسيرة التركية غارات على مواقع "قسد" في مدينة عين العرب (كوباني)، وأدخل الجيش التركي تعزيزات عسكرية جديدة إلى منطقة "نبع السلام" عبر معبر تل أبيض الحدودي.
على المستوى الميداني، قامت "قسد" بحملات دهم واعتقال واسعة طالت عشرات المدنيين في بلدات جديد عكيدات والمنصورة والطبقة، ترافق بعضها مع نشر قناصات على أسطح الأبنية وإطلاق نار مباشر على منازل الأهالي.
عمليات أمنية مكثفة وتفكيك شبكات إرهاب وجريمة
شهدت مختلف المحافظات السورية نشاطاً أمنياً مكثفاً وعمليات نوعية واسعة النطاق نفذتها الأجهزة الأمنية وقوى مكافحة الإرهاب، ركز جزء منها على استهدف فلول النظام البائد والخلايا النائمة ومتورطين بجرائم ضد المدنيين، حيث أُلقي القبض على" علاء غصاب السودي" المعروف بـ"قناص جوبر"، ومجموعة خطف في حلب كانت تنسق مع أجهزة أمن النظام السابق. كما تمكنت مديرية الأمن الداخلي وفرع مكافحة الإرهاب من توقيف "حسن مرعي الحسين" أحد سجاني سجن صيدنايا، والنقيب السابق "منذر عباس ناصر" أحد قادة ميليشيا الدفاع الوطني، وقبضت على "حاج مواس" منفذ تفجير سجو عام 2020، واعتقلت كلاً من "محمد عدنان طيفور" المتورط بجرائم حرب، و"عادل سمير علي كبيبو" المتهم بالتمثيل بجثث الشهداء وتهريب المخدرات.
بينما ركز الجزء الآخر على تفكيك خلايا إرهابية وجريمة منظمة، ففي حمص، أوقفت الاستخبارات العامة "بشار حمود" المتورط في عمليات اغتيال سابقة، كما ضبطت الأجهزة الأمنية عبوة ناسفة بوزن 16 كغ داخل منزل في بلدة الكفرون، وأحبطت محاولة تهريب ألغام مضادة للأفراد روسية الصنع. وفي طرطوس، نفذت القوى الأمنية حملات تمشيط في دريكيش أسفرت عن العثور على كميات من الأسلحة والذخائر داخل أحد الأحراش. كما أحبطت محاولة سطو مسلح في جبلة انتهت باعتقال ثلاثة مسلحين ومصادرة أسلحتهم. وفي ريف دمشق، ضبطت الأجهزة الأمنية شحنة أسلحة وذخائر كانت معدّة للتهريب إلى مناطق سيطرة "قسد". بينما شهدت مدينة الباب مداهمة "خلية إرهابية" ضُبط بحوزتها أسلحة وذخائر متنوعة.
اغتيالات وتصفيات واسعة النطاق
يشير تصاعد حوادث الاغتيالات -والتي طالت مدنيين وعسكريين وشخصيات محلية بمناطق متفرقة- إلى استمرار حالة "الفوضى" في ظل غياب سياسات الضبط والإحكام. ففي درعا، سُجلت عمليات استهداف ممنهجة شملت محاولة اغتيال "منيف الزعيم القداح" عضو لجنة "أبشري حوران"، كما قُتل العنصر الأمني "وائل ثابت عبار" على يد تنظيم "داعش"، بينما قام مجهولون بقتل الشاب "محمد أحمد الهويدي"، وتصفية "إسماعيل خلف" المتهم بالعمل كمخبر لنظام الأسد.
كذلك شهدت حلب وحماة سلسلة اغتيالات متفرقة، شملت الطبيب "باسل زينو"، وآخرين متهمين بالتعاون مع النظام البائد؛ منهم الملقب بـ"ابن الراجح" و"حومد الآغا" و"هيثم حسين نبهان" مسؤول تسليح سابق في مجموعات الأمن الجوي و"مروان بطمان" المتهم بالتعاون مع الميليشات الإيرانية. كما وُجدت ثلاث جثث لمدنيين ومقاتلين مجهولين داخل حاوية قمامة في الرقة. بينما عُثر مجدداً على رفات بشرية جديدة في حي التضامن بـدمشق، وهو ما يشير إلى ضرورة تسريع إطلاق عمليات تنفيذية للهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
وفي شرق سورية، سلّمت "قسد" جثة الشاب "عبد الرحمن علي العيسى" بعد تعرضه للتعذيب في سجونها، كما عُثر على جثة "عبد الرحمن سعود القريش" مقتولاً قرب نهر الفرات في دير الزور، فيما قُتل المواطن "عيسى العواد الصالح" برصاص عناصر "قسد" في بلدة درنج، مما أدى إلى اندلاع مواجهات ثأرية لاحقة. وفي السويداء، لقي "فراس حمايل" القيادي في المجموعات العسكرية التابعة للهجري مصرعه بكمين مسلح.
المخدرات أولوية متصدرة
ضبطت إدارة مكافحة المخدرات كميات كبيرة من المواد المخدرة، شملت نحو 61 كغ من الحشيش و725 غ من الهيروين و4700 حبة كبتاغون معدّة للتوزيع بدمشق، و5000 حبة كبتاغون في يعفور بريف دمشق معدة للتهريب إلى دولة الإمارات. وفي درعا، نفذت الأجهزة الأمنية عمليتين نوعيتين؛ أسفرت الأولى عن ضبط مليون حبة مخدرة داخل شحنة مشروبات غازية معدّة للتهريب ، ونتج عن الثانية مصادرة 118 كغ من الحشيش مدفونة في مزرعة بريف المحافظة. كما أحبطت أمانة جمارك معبر جوسية الحدودي محاولة تهريب شحنة حشيش من لبنان، بينما ضبط فرع مكافحة المخدرات في اللاذقية كميات ضخمة من الكبتاغون والحشيش والمواد الدوائية ذات التأثير النفسي. وفي حلب، نفذت مكافحة المخدرات عمليتين متزامنتين في ريف منبج وعفرين، جرى خلالهما كشف مزارع مخصصة لزراعة الحشيش وضبط 100 ألف حبة كبتاغون.
ختاماً؛ يشير مجمل الأحداث إلى تنامي العنف المحلي واتساع نشاط شبكات تهريب المخدرات والتزوير، وهو ما يعكس ضعف منظومة التحكم والسيطرة واستمرار تداخل الجريمة المنظمة مع الفساد المحلي.