التقارير

ملخص عام

  • شهد قطاع السلم الأهلي والتماسك المجتمعي خلال شهر تشرين الأول 2025 توترات محدودة، ارتبطت بتردي الواقع الخدمي والمعيشي، بعضها امتداد لحوادث سابقة فاقمها غياب الاستقرار الأمني، وأخرى نشأت كرد فعل مباشر على أزمات بيئية مستجدة ولكن في المقابل استمرت المبادرات الأهلية والمحلية في محاولات لسد الفجوات الخدمية، لكنها لا تزال تفتقر إلى إطار مؤسسي ناظم، وغالباً ما تتقاطع مع انتماءات مناطقية، دون أن ترتقي إلى مستوى رؤية وطنية شاملة.
  • على صعيد العدالة الانتقالية، برز بطء في المسار المؤسسي، مقابل تسارع في إجراءات أمنية كحملات الاعتقال والتحقيقات المرتبطة بانتهاكات سابقة. ورغم إشارات الانفتاح على التجارب الدولية،إلا أن آليات التنفيذ، وضمانات المحاكمات، لا تزال غامضة في عدة مفاصل. كما تبرز تساؤلات جدية بشأن العزل المؤسسي لبعض الشخصيات واستمرار وجود مؤيدي النظام السابق في مواقع إدارية وعامة.
  • أما ملف النازحين والعائدين، فيبقى من أبرز الملفات المجتمعية حساسية، نظراً لتشابك العوامل الأمنية والبيئية مع ضعف البنية التحتية وتردي الخدمات في مناطق العودة. كما تمارس ضغوط مباشرة وغير مباشرة من بعض دول الجوار لتسريع وتيرة العودة، دون توفير ضمانات كافية.

قطاع السلم الأهلي والتماسك المجتمعي

شهد قطاع التعليم في سورية تصاعداً في التوتر،حيث بدأ المعلمون بإطلاق دعوات لتنظيم إضرابات في مناطق حلب وإدلب، احتجاجاً على ضعف الرواتب، ومع انقطاع الدعم الخارجي الذي كان أحياناً يخصص لصالح المعلمين. وفي ظل غياب إجراءات واضحة من وزارة التربية، وعدم قيام نقابات المعلمين بدور فعال في الدفاع عن حقوقهم، بدأت دائرة التململ تتسع تدريجياً نحو محافظات أخرى، بما يعكس حالة استياء متزايدة في أوساط شريحة واسعة من المعلمين.

وفي السياق التعليمي ذاته، أثارت حادثة في داريا، ظهرت فيها مديرة مدرسة تعنف طلابها بالضرب والإهانة، ردود فعل غاضبة على المستوى الشعبي، رغم الاستجابة السريعة من الجهات المعنية بتوقيف المديرة إدارياً وفتح تحقيق فوري. لكن الحادثة سلطت الضوء على فجوات أعمق في النسق التربوي، أبرزها استمرار أنماط سلطوية في العلاقة بين المعلمين والطلاب.

أما في شمال شرق سورية، فقد تصاعد التوتر بين الإدارة الذاتية والمجتمع المسيحي في المنطقة، إثر إغلاق ست مدارس تابعة للكنائس بسبب اعتمادها المنهاج الحكومي ورفضها اعتماد مناهج الإدارة الذاتية. ويأتي هذا القرار في ظل تعثر اتفاقات سابقة كان يفترض أن تنظم تنسيق عمل المؤسسات الخدمية والتعليمية بين الحكومة والإدارة الذاتية، ما يثير حالة من عدم اليقين لدى الأهالي بشأن استقرار العملية التعليمية في تلك المناطق.

على مستوى التفاعل الأهلي والمجتمعي تجاه التحديات المحلية، شهد شهر تشرين الأول إطلاق حملات محلية مثل: "الوفاء لإدلب"، و"فزعة منبج"، و"السويداء منا وفينا"، و"أربعاء الرستن"، ضمن موجة متواصلة من المبادرات المجتمعية التي انطلقت منذ أشهر لسد الفراغ الخدمي في عدد من المناطق. وقد عكست هذه الحملات رغبة الأهالي في تعبئة مواردهم لتلبية احتياجات ملحة في مجالات التعليم، والبنية التحتية، والصحة.

مع ذلك، ما تزال هذه القطاعات تواجه تحديات تتجاوز قدرة الدولة على الاستجابة لها دفعة واحدة وبالوتيرة المطلوبة. وتشوب هذه الحيوية المجتمعية جملة من الثغرات، أبرزها غياب الإطار المؤسسي، وضعف الاستدامة، وغياب آليات ناظمة تضمن توزيع التبرعات بشكل عادل. ورغم طابعها الإغاثي، لم تسهم هذه المبادرات حتى الآن في بلورة تصور وطني أوسع، إذ ما تزال ترتبط في معظمها بأسماء بلدات وقرى مثل "أربعاء الرستن" و"فزعة منبج"، الأمر الذي يثير تساؤلات حول احتمال تحولها من أدوات دعم محلي إلى عامل من عوامل ترسيخ المناطقية.

البيئة كساحة توتر مجتمعي لم تعد أزمة النفايات في المدن والبلدات السورية مجرد مشكلة خدمية أو بيئية، بل أصبحت تثير تساؤلات حول قدرة المؤسسات على تأمين مستوى مقبول من الكرامة والخدمات. فمشاهد الحاويات الممتلئة والنفايات المتراكمة في الشوارع باتت مألوفة في جميع المحافظات السورية، مع بعض الفروقات، حيث تزداد هذه الظاهرة حدة في المناطق المكتظة أو القريبة من مناطق الأنقاض والدمار.

انطلاقاً من ذلك، شكل احتجاج سكان بلدة شبعا ضد إقامة مكب نفايات قرب أحيائهم شكلاً من أشكال المقاومة لسياسات خدمية غير مدروس أثرها، إذ غالباً ما تكون الحلول مؤقتة، مثل إنشاء مكبات قرب الأحياء السكنية أو الأراضي الزراعية. ويتفاقم الوضع مع غياب الوعي البيئي المحلي لدى الأفراد، حيث يسود التعامل العشوائي مع النفايات: من الحرق المكشوف، إلى الرمي غير المنظم، إلى انتشار النباشين، دون أن ترافق ذلك حملات توعية فعالة للتخفيف من الآثار السلبية.

شهد قطاع السلم الأهلي والتماسك المجتمعي استمرارية في تسجيل حوادث العنف المحلي،حيث سجلت في عدة مناطق مستويات متباينة من التوتر وبعض حالات الانفلات الأمني. ففي بلدتي تل عران وتل حاصل شرقي محافظة حلب، أثارت حملات التفتيش والاعتقالات التي نفذتها مجموعات تابعة لفصائل مندمجة ضمن وزارة الدفاع، لكنها ما تزال تمارس أنماط سلوك فصائلية، ، مخاوف لدى الأهالي في المجتمعات الكردية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في الأشرفية والشيخ مقصود.

أما في نبل والزهراء، فقد تفاقم الاحتقان على خلفية رفض بلدات سنية مجاورة ، الانضمام إدارياً إلى ناحية نبل ذات الغالبية الشيعية. وسجلت حوادث قتل استهدفت سكان نبل والزهراء، أعقبتها اعتقالات في القرى السنية دون وضوح في هوية الفاعلين. كما عبر سكان تلك القرى عن تذمرهم من أولوية تزويد نبل والزهراء بالكهرباء والمياه، ضمن ما ينظر إليه رسمياً كسياسة لاحتواء التوتر وحماية الأقليات، لكنها تقابل بذاكرة مثقلة بعنف سابق مرتبط بمشاركة عدد كبير من عائلات شيعية في عمليات قمع وتنكيل.

في إدلب (جبل السماق)، أدى هجوم في بلدة كفرمارس إلى مقتل مدنيين دروز وإصابة آخرين، ما أثار تساؤلات حول ضمانات الأمن المجتمعي. إلا أن الإدانة الواسعة من سكان إدلب للحادثة شكلت مؤشراً على وجود تضامن يمكن التعويل عليه لبناء سلم أهلي.

وفي وادي النصارى (حمص)، سادت أجواء من الغضب بعد مقتل ثلاثة شبان برصاص مسلحين مجهولين، ما دفع إلى احتجاجات وإغلاق طرق. ونفت بلدة الحصن أي صلة لأبنائها بالحادثة، كما شهدت مناطق مسيحية أخرى مسيرات شموع تضامنية.

أما في السويداء، فتواصلت تداعيات الهجوم على طريق دمشق–السويداء، مع تصاعد إدانات اللجنة القانونية العليا، بينما تحاول القوات الحكومية تأمين الطريق دون تحقيق نتائج مستدامة . في المقابل، برز تداول متزايد لمصطلح "جبل باشان"، كتعبير عن تصاعد الفجوة بين شرائح واسعة من المجتمع الدرزي والهوية الوطنية الجامعة.

وفي دير الزور، تصاعدت التوترات العشائرية، خصوصاً في الكسرة وغرانيج، بسبب ممارسات أمنية من قبل الإدارة الذاتية، كان أبرزها مقتل شخص خلال مداهمة، تلتها اعتقالات طالت مدنيين، بينهم نساء. وأعادت هذه الأحداث تسليط الضوء على تعثر جهود بناء شراكة مستقرة بين الإدارة الذاتية والعشائر.

وزاد من حدة التوتر حادثة وفاة طفل بعد سقوطه في بئر مكشوف، نتيجة تأخر السماح لفرق الإنقاذ التابعة لوزارة الطواريء بالدخول. وقد أعقبت هذه الحادثة وقفات تضامنية في عدد من المحافظات تحت شعار: "الجزيرة ليست وحدها".

أما في سياق المبادرات الرسمية، فقد جاء تنظيم "مهرجان البُردة" لأول مرة في سورية كمحاولة رسمية لإعادة تنشيط الحياة الثقافية والانفتاح على الفضاء العربي، من خلال استضافة شعراء من دول متعددة وتنقله بين محافظات عدة.

ورغم رمزية هذا الانفتاح، سجل ضعف في حضور الشاعرات، وتجاهل عدد من شعراء الداخل لصالح ضيوف من دول عربية، ما أضعف منسوب الشعور بالمشاركة المحلية. كما ألغيت بعض المشاركات دون توضيح كافٍ، وسط ضعف واضح في الترويج.
ورغم ما حمله المهرجان من رسائل على صعيد الانفتاح الثقافي، إلا أن ضعف التمثيل المحلي ألقى بظلاله على قدرة هذه المبادرة على تعزيز التماسك الأهلي.

العدالة الانتقالية

في سياق التحركات الرسمية ضمن مسار العدالة الانتقالية، وبهدف إظهار جدية في محاسبة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة مثل التعذيب، القتل خارج القانون، الإخفاء القسري، وجرائم الحرب، سجلت خلال شهر تشرين الأول سلسلة اعتقالات طالت عدداً من الشخصيات الأمنية والعسكرية المحسوبة على النظام السابق منهم اللواء أكرم سلوم العبد الله، بتهمة الإشراف على تصفيات في سجن صيدنايا، ونمير الأسد بتهم تهريب المخدرات وانتهاكات حقوقية، وبلال وسيف الدين محرز في حماة لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب والتمثيل بالجثث.

 كما أُوقف سامر أديب عمران، رئيس مفرزة الأمن العسكري السابق في درعا، بتهم الاغتيال والخطف وتجارة المخدرات، وقصي قرطاني في اللاذقية لإدارة خلية مسلحة، وعلي قرقناوي (أبو الفدا) في حلب بتهم قمع المظاهرات وارتكاب جرائم قتل، إلى جانب علي فلّارة في طرطوس، المتهم بقيادة خلية تخطّط لهجمات ضد وزارة الدفاع.

بالتوازي، تم اكتشاف مقابر جماعية في مدينتي نوى والقريتين في درعا، وكُشف في ريف حمص الشرقي عن سجن سري كان يستخدم سابقاً كمركز احتجاز. ورغم أهمية هذه الخطوات في سياق المساءلة، يبقى التحدي في ضمان محاكمات عادلة وشفافة، ومهنية التحقيقات، بما يسمح بكشف المقابر والانتهاكات والوصول إلى جناة آخرين. وتعكس هذه الإجراءات نشاط وزارة الداخلية والأجهزة المختصة بمكافحة الإرهاب، لكنها ما تزال دون مستوى الاستجابة المطلوبة قياساً بحجم الانتهاكات السابقة، فيما تظل آليات المحاكمات وضماناتها غير معلنة بشكل واضح.

على المستوى المؤسسي في مسار العدالة الانتقالية نشطت «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» عبر تنفيذ زيارات خارجية وإطلاق مبادرات محلية. فقد قام وفد رسمي من الهيئة بزيارة إلى رواندا للاطلاع على تجربتها في تجاوز آثار الإبادة الجماعية، وبالتوازي مع ذلك، نظمت الهيئة جولات ميدانية في أحياء حلب الشرقية، ركزت خلالها على إشراك الضحايا وذويهم في تحديد أولويات العدالة الانتقالية. ويظهر هذا النشاط أن العدالة الانتقالية يجب أن تشمل بناء سردية وطنية جامعة، تقوم على كشف الحقيقة، وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار الانتهاكات.

وفي السياق ذاته، قامت «الهيئة الوطنية للمفقودين» بزيارة إلى البوسنة والهرسك، بهدف دراسة تجربتها الرائدة في ملف المفقودين. وتشير هذه الخطوة إلى أهمية معالجة هذا الملف لوقف النزيف المجتمعي الذي خلفته سنوات الحرب.

ورغم هذه الخطوات النوعية، التي تعكس تحولاً من الخطاب إلى الفعل في تبني مبادئ العدالة الانتقالية، لا يزال ملف المساءلة وجبر الضرر بحاجة إلى مسارات تنفيذية واضحة.

تواجه مسارات العدالة الانتقالية في سورية تساؤلات تتعلق بالاعتراف، والتمثيل، والعزل، ما يضعها أمام اختبارات حقيقية لمدى قدرتها على تحقيق إنصاف شامل يستجيب لتطلعات الضحايا بمختلف انتماءاتهم.

في الحسكة، أثار صدور مرسوم رئاسي أغفل الاعتراف بأعياد ثقافية مثل «عيد النيروز» احتجاجات شعبية كردية، باعتباره امتداداً لسياسات التهميش الرمزي التي طالت مكونات ثقافية لسنوات. وتبرز هذه الواقعة أهمية الاعتراف الرمزي كعنصر أساسي في مسار العدالة الانتقالية، خاصة في المجتمعات التي تعرضت لإقصاء هوياتي.

وفي دير الزور، أثار استبعاد «رابطة عائلات ضحايا مجزرة الشعيطات» من لقاء حواري نظمته «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية» انتقادات واسعة، كونه يعد تجاهلاً لإحدى أبشع جرائم تنظيم داعش. وطرح هذا الاستبعاد مخاوف من اقتصار العدالة الانتقالية على فئة محددة من الضحايا، بدلاً من تبني مقاربة شاملة تعترف بجميع الانتهاكات بغض النظر عن الجهة المرتكبة.

من جهة أخرى، دعت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» إلى تطبيق تطهير مؤسسي، يستبعد المتورطين في الانتهاكات الجسيمة من تولي المناصب العامة، لضمان عدم التكرار. إلا أن عودة شخصيات من النظام السابق عبر تسويات غير واضحة، في وقت تشير فيه بيانات الشبكة إلى بقاء أكثر من 16,200 شخص ممن ثبت تورطهم في مواقعهم داخل مؤسسات الدولة، يعكس فجوة قائمة بين الخطاب الحقوقي والممارسة الفعلية الرسمية.

في سياق الملكيات وجبر الضرر، عادت التساؤلات حول مشروعي تنظيم حي الحيدرية في حلب وماروتا سيتي في دمشق، مما أعاد فتح النقاش حول طبيعة التنمية العمرانية في سورية، ومدى ارتباطها بحقوق السكان والعدالة الاجتماعية.

ففي حي الحيدرية، يطرح المشروع كجزء من جهود إعادة الإعمار عبر تحسين البنية التحتية وتنشيط الاقتصاد المحلي، إلا أن التنفيذ يظهر الحاجة إلى مزيد من الوضوح في قضايا الملكية، خاصة في ظل الاعتماد على قوانين مثل القانون رقم 10 لعام 2018 والمرسوم رقم 66 لعام 2012، التي لا توفر ضمانات كافية للفئات الأكثر تضرراً وهشاشة.

أما مشروع ماروتا سيتي، فقد ارتبط بملفات تتعلق بنزع الملكيات القديمة وآليات التعويض، ومع استئناف العمل فيه، ازداد النقاش المجتمعي والحقوقي حول ضمان الحقوق، مما يعكس تداخلاً واضحاً بين ملف الملكيات ومسار التنمية العمرانية.

وفي سياق متصل، شهدت منطقة التل تحركات مطالبة باستعادة أراضٍ صودرت سابقاً، في مؤشر على أولوية استرداد الحقوق الفردية لدى الأهالي، بعيداً عن الأطر الرسمية لمسار العدالة أو خطط الإعمار.

النازحون والعائدون في سورية

تمثل الألغام ومخلفات الحرب في سورية أحد أكبر التحديات أمام جهود التعافي والعودة، إذ تحولت القرى والحقول إلى مناطق خطرة تعيق الاستقرار وتعرض المدنيين للخطر بشكل يومي. فمنذ كانون الأول 2024، قتل ما لا يقل عن 637 مدنياً، وتقدر أعداد الذخائر المنفجرة بأكثر من 1.2 مليون قطعة في أنحاء البلاد.

وخلال تشرين الأول 2025، سجلت حوادث عدة تؤكد استمرار الخطر، منها انفجار قرب مدرسة في القصير أدى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين، إضافة إلى حوادث مشابهة في الصالحية، ومورك، وسوحا، وكفرنبل، والمريعية، وكفرنبودة، طالت غالبيتها مدنيين وأطفالاً وعمال حفر وفرقاً هندسية. وتعمل المنظمات المحلية والدولية ضمن إمكانات محدودة وفي بيئة شديدة التعقيد، ما يدفع بعض العائلات إلى إزالة الألغام بوسائل بدائية محفوفة بالمخاطر.

وتشير تقارير دولية إلى أن ربع وفيات الألغام عالميًا في عام 2024 سجلت في سورية، ما يجعل هذا الملف أولوية لا تحتمل التأجيل.

محلياً يعاني النازحون من أبناء السويداء، والمقيمون في قرى ريف السويداء ودرعا، من نقص في الخدمات الأساسية والمواد الإغاثية، ضمن بيئة غير آمنة تنتشر فيها الحشرات والأفاعي.

وفي مدينة القصير، تعيق المدارس المتضررة والمراكز الصحية المغلقة فرص الاستقرار، بينما يعيش سكان سنجار عزلة شبه كاملة نتيجة غياب الكهرباء والماء. وفي حي الشيخ مقصود بمدينة حلب، لم يؤدّ تكرار التوترات والاشتباكات بين «قسد» وقوات الحكومة إلى موجات نزوح طويلة الأمد.

 أما في معرة النعمان، ورغم إعادة تأهيل جزء من مرافقها، تواجه المدينة تحدياً مرتبطاً بنقص اليد العاملة بسبب تدني الأجور، ما يدفع بعض العائدين إلى الانتقال نحو مناطق أخرى، في نمط يعيد إنتاج النزوح بشكل غير مباشر.

ومع اقتراب فصل الشتاء، يتزايد العبء الإنساني على أكثر من 1.5 مليون نازح، لا سيما في مخيمات الشمال الغربي، حيث تشير بيانات منسقي الاستجابة الإنسانية إلى أن 95% من العائلات لا تمتلك وسائل تدفئة، و83% منها لم تتلق أي مساعدات شتوية خلال العام الماضي.

تتسم ديناميكيات عودة اللاجئين بغلبة نمط العودة الاضطرارية، حيث تدفع الضغوط الاقتصادية والسياسية في دول اللجوء العديد إلى العودة، أكثر مما تفعل عوامل الاستقرار أو التحسن الفعلي في الداخل السوري.

في تركيا، ما يزال ملف العودة جزءاً من خطاب سياسي داخلي، وتطرح حوافز مالية محدودة، مثل منحة الأمم المتحدة (600 دولار للعائدين إلى حلب)، من دون معالجة فعلية لمخاطر ما بعد العودة.

وفي لبنان، عاد نحو 341 ألف لاجئ ضمن مراحل منظمة بالتعاون مع جهات دولية، فيما شطب 238 ألفاً من سجلات المفوضية، ما يثير تساؤلات حول معايير العودة الطوعية وحدودها الفعلية.

وفي أوروبا، عاد نحو 4000 لاجئ من ألمانيا ضمن برامج العودة الطوعية، مقابل منحة تبلغ 1000 يورو. إلا أن الأرقام بقيت محدودة، بسبب استمرار موقف برلين القائل بأن شروط العودة الآمنة لم تتوفر بعد، مع تركيزها على سياسات دمج اللاجئين بدلاً من الدفع نحو العودة.

خاتمة

يمكن القول إن الصورة التي ترسمها المحاور الثلاثة لا تخلو من مؤشرات قلق، لكنها، في الوقت نفسه، تكشف عن وجود حيوية مجتمعية ومحاولات رسمية أولية للاقتراب من أسئلة العدالة، وتبقى مسألة العودة صعبة إلى حد ما. فبين التوترات المحلية والمبادرات الأهلية، وبين خطوات العدالة الانتقالية ومحددات عودة النازحين واللاجئين، تبدو سورية في لحظة اختبار لطريقة إدارة انتقال طويل ومعقد، أكثر مما هي أمام حلول سريعة ومرنة.

ساشا العلو, صبا عبد اللطيف
مدخل شكّل تدخّل موسكو العسكري في سورية أواخر 2015 نقطة تحوّل حاسمة، حالت دون سقوط…
الثلاثاء تشرين1/أكتوير 07
نُشرت في  أوراق بحثية 
د.بشير زين العابدين
تمهيد تتسم المعادلة الأمنية في سورية بوجود تداخل بين مفاهيم: "الأمن الوطني" و"الأمن الإقليمي" و"الأمن…
الثلاثاء أيلول/سبتمبر 16
نُشرت في  أوراق بحثية 
أيمن الدسوقي
ملخص تنفيذي في حزيران 2025، تم الإعلان عن اتفاق بين القيادتين السورية والتركية لدمج الشمال…
الخميس آب/أغسطس 14
نُشرت في  أوراق بحثية 
مناف قومان
مدخل بعد مرور ثمانية أشهر على إسقاط نظام الأسد وأربعة أشهر على بدء الحكومة الانتقالية…
الأربعاء آب/أغسطس 13
نُشرت في  أوراق بحثية