مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: تطبيع العلاقات

تم الإعلان عن سلطنة عُمان كمستضيف جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في بيان اجتماع لجنة الاتصال العربية (الوزارية) المؤلفة من مصر، والأردن، والسعودية، والعراق ولبنان مع النظام السوري، والتي عُقدت في القاهرة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2023. ويأتي الإعلان عن ذلك بعد تعطُّل محادثات اللجنة الدستورية بسبب المطالب الروسية لتغيير جنيف كمركز لعقد محادثات اللجنة، بدعوى عدم حياد الأخيرة عقب العقوبات التي فرضتها على روسيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تمَّ اختيار سلطنة عمان كبلد مستضيف لاجتماعات اللجنة الدستورية من بين كل من الإمارات، والبحرين، والجزائر وكازاخستان المقترحة من قبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية([1]).

يُناقش هذا المقال احتمالات لعب السلطنة لدورها المحتمل في الملف السوري ما بين الوساطة أو الاقتصار على الاستضافة المكانية، كطرف محايد أشبه بجنيف، لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في سياق استمرار الاستعصاء السياسي المرافق لجمود مناطق النفوذ من خلال النظر لكل من: سجل عُمان الدبلوماسي ودورها الوساطي على المستوى الإقليمي والدولي، ومقاربتها للمسألة السورية وأطرافها على مدار سنوات الصراع.

"سويسرا الشرق الأوسط": تقليد دبلوماسي استثنائي

لا شكَّ بأن التقليد الدبلوماسي العُماني المبني على مرتكزات عدم الانحياز والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول بغض النظر عن أطراف النزاع أو خلفية النزاع المصلحية أو الإيديولوجية أو الأخلاقية، جعل منها فاعلاً لا يحمل -إلى حد بعيد- أعباء وتداعيات نزاعات دول المنطقة في سياستها الخارجية. بتعبير آخر: تشكِّل "البراجماتية" أحد أهم المرتكزات في صياغة المقاربات الخارجية للسلطنة وهو ما يقضي بضرورة الاستناد على "الحقائق الجيوستراتيجية وليس المواقف الأيديولوجية أو المؤقتة" لضمان دور فاعل في المجتمع الدولي([2]). تجلَّى ذلك بامتناعها عن الانحياز لطرف ما في الحرب العراقية-الإيرانية حتى غزو الكويت، وامتناعها أيضاً عن قطع علاقتها بمصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1981 بشكل يخالف التوجه العام للسياسة الخارجية للدول العربية آنذاك([3]).

 استمرَّت عُمان -على مدار العقد الأخير- في التعامل مع النزاعات في المنطقة مستندةً للركائز الدبلوماسية ذاتها، إذ لم تنضم للتحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن، كما لم تُشارك في الحصار الخليجي ضد قطر، ناهيك عن محافظتها على علاقة جيدة مع إيران. مكَّنتها جُملة العوامل هذه من لعب دور وساطي على مستوى ملفات دولية وإقليمية أبرزها: مفاوضات الملف النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومفاوضات الحل في اليمن بين السعودية والحوثيين. لتكمن فاعلية السياسة الخارجية العمانية في كونها نقطة التقاء دبلوماسية للأطراف المتنازعة.

سورية في السياسة الخارجية العمانية

انتهجت عُمان سياسة متمايزة عن تلك التي اتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وقطر تجاه الملف السوري: ففي الوقت الذي قطعت فيه أغلب الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام في سورية بالتوازي مع تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ودعم الدول العربية بقيادة سعودية للمعارضة السورية، امتنعت عُمان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو تقديم الدعم للمعارضة السورية في إطار تمسكها بمرتكزات سياستها الخارجية([4]).

توضَّحت مساعي السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري عام 2015، إذ كانت الدولة الخليجية الأولى التي تتبادل الزيارات الرسمية مع النظام في سورية على مستوى وزراء الخارجية، والدولة الخليجية الأولى التي يلتقي وزير خارجيتها برئيس النظام بشار الأسد في دمشق([5])، بالتوازي مع استقبالها لرئيس الائتلاف السوري السابق خالد خوجة([6]) من جهة ومشاركتها في محادثات فيينا للسلام التي ضمَّت 17 دولة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من جهة أخرى([7]). لاحقاً في 2019، قدَّمت مسقط مبادرة للنظام تهدف لإيجاد حل يُنهي الصراع بتوافق إقليمي-دولي بشرط قيام النظام بالتعاون لإنهاء الوجود الإيراني في سورية([8])، إلا أن موقف النظام المتعنِّت عطَّل مسار الحل السياسي وجميع مبادرات الحل ذات الصلة.

ظلَّت السلطنة الدولة الخليجية الأولى المبادرة في تطبيع العلاقات مع النظام، إذ كانت الأولى في إعادة تعيين سفير لها في دمشق عام 2020، كما كانت المحطة الأولى لرئيس النظام بشار الأسد في زياراته الخارجية بعد زلزال شباط/فبراير 2023([9]) الذي تلاه تطبيع إقليمي عربي مع النظام انتهى بعودته إلى الجامعة العربية. حيث تعمل مسقط على البناء على رصيد علاقتها مع النظام لتفعيل دورها الوساطي في الملف السوري، الأمر الذي تجلَّى في محاولاتها عامي 2015 و 2019، بالإضافة إلى دورها في المحادثات الأمريكية مع النظام بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية، أوستن تايس([10]).

على الرغم من أنَّ جملة العوامل السابقة والمصحوبة بوجود الرغبة السياسية في لعب دور وساطي يعزِّز من فرص السلطنة في لعب هكذا دور؛ إلا أن المشهد السوري المعقَّد وعدم وضوح دعم إقليمي عربي لدور عُماني محوري ضمن إطار المبادرة العربية التي تلعب الأردن دوراً ريادياً فيها والتي لم تحرز تقدماً ملموساً على مستوى الحلول التقنية بسبب تعنُّت النظام، يجعل فرصها في لعب دور وساطي إقليمي محدودة حالياً، خصوصاً مع فتح قنوات التواصل السياسية بين الدول العربية والنظام.

 دولياً، إنَّ غياب قنوات التواصل السياسية المباشرة بين الولايات المتحدة والنظام يضفي أهمية للسلطنة على مستوى احتمالات لعبها لدور وساطة أكبر مستقبلاً؛ إلا أنَّ عدم وضوح تقدُّم ملموس في المحادثات بين أمريكا والنظام التي تجري برعاية السلطنة بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية وبعض المختفين من حملة الجنسية الأمريكية يضع عائقاً أمام تقدُّم مسار المفاوضات، والذي يرتبط بسلوك النظام من جهة، وديناميات صنع القرار في واشنطن، بشكل رئيسي موقف البيت الأبيض من جهة والكونغرس من جهة أخرى.  

ختاماً، سعت عُمان من خلال مقاربتها المتمايزة لترسيخ ثقة النظام فيها كتلك التي تحظى بها من طرف إيران، وذلك بهدف توظيف هذه الثقة للعب دور وساطي على مستوى الملف السوري إقليمياً أو دولياً، مستفيدةً من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف وسجلِّها الدبلوماسي وخبرتها في الوساطة على مستوى ملفات إقليمية ودولية. ومع ذلك، ما تزال حظوظ وإمكانية السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري غير مرتفعة، على الأقل حالياً، نظراً لغياب دور محوري لها في المبادرة العربية حتى الآن، وعدم وضوح تقدم في المحادثات الأمريكية الحالية مع النظام، ولكون إرادة وقدرة النظام تجاه تغيير سلوكه وتقديم تنازلات العاملين الأكثر أهمية في إنجاح أي تقدم في مسار الاستعصاء الراهن.


([1]) "من جنيف إلى مسقط.. “الدستورية” قد تستأنف عملها قريباً"، السورية نت، 16 آب/أغسطس 2023، الرابط: https://cutt.us/pMK47

([2]) المبادئ والمرتكزات، وزارة الخارجية العمانية، الرابط: https://cutt.us/ApsPY

([3]) Joseph A. Kechichian: "Oman A Unique Foreign Policy Produces a Key Player in Middle Eastern and Global Diplomacy", Rand Cooperation, 1995, Link: https://cutt.us/l6OAZ

([4])  بريت سودتيك وجورجيو كافييرو: "الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا"، مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/lSM2k

([5]) المرجع السابق.

([6])  "الوزير المسؤول عن الشوؤن الخارجية يستقبل رئيس الائتلاف السوري"، الوطن العمانية، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/hJw1A

([7])  "نص البيان المشترك الصادر عقب مباحثات فيينا بشأن سوريا، العربية"، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/wkLDW

([8]) عبدالله الغضوي: "«عكاظ» تكشف التفاصيل.. بن علوي يعرض «صفقة» على الأسد: البقاء مقابل كنس إيران"، عكاظ، 11 تموز/يوليو 2019، الرابط: https://cutt.us/jxiLp

([9]) "الأسد يزور مسقط: المنطقة اﻵن بحاجة أكثر إلى دور سلطنة عُمان"، الميادين، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/RbHQe

([10]) “بمساعدة عُمان”.. رسائل متبادلة تتأرجح بين أمريكا ونظام الأسد"، السورية نت، 17 حزيران/يونيو 2023، الرابط: https://cutt.us/6nV9c

التصنيف مقالات الرأي