الملخص التنفيذي

  • تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية في نيسان 1963، وبقي الاتحاد دون صفة رسمية ولم يتم قوننة وجوده حتى عام 1966 حين صدر المرسوم رقم 130، كما صدر قرار إنشاء الاتحاد عن القيادة القطرية لحزب البعث على أنه "الممثل الشرعي" الوحيد عن القطاع الطلابي داخل سورية وخارجها. إلا أن مرسوم 23 لعام 1970 حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين، و"اتحاد شبيبة الثورة" بشريحة الطلاب ما دون الجامعيين. ومنذ ذلك الحين وارتباط الاتحاد (قانونياً ووظيفياً وهيكلياً) شديد الوضوح بالقيادة المركزية لحزب البعث، على الرغم من صدور قانون الأحزاب عام 2011 الذي سمح بتأسيس الأحزاب والممارسة الحزبية في سورية، وتبعه لاحقاً التعديل الدستوري عام 2012 الذي ألغى مادة أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع.
  • أُصدِرت ثلاث قوانين لتنظيم الجامعات في سورية، أولها: في عام 1958، إذ أهمَل بشكل كامل أي تمثيل طلابي ضمن العملية التعليمية الجامعية، ثانيها: في عام 1975، الذي أضاف فكرة وجود الاتحاد الوطني لطلبة سورية إلى الكيانات المُشرفة على العملية التعليمية الجامعية، وآخرها: قانون 2006، الذي حَصَرَ التمثيل الطلابي بالطلاب المُعيَنين من قِبل الاتحاد في مجالس الكليات ومجالس الشؤون العلمية في الجامعة، وقد شهد هذا القانون تعديلات عدة أضافت شرائحَ جديدة إلى مستحقي المنح، إرضاءً للفئات الملتحقة بالجيش خلال سنوات ما بعد 2011.
  • تُشكِّل المنظمات الطلابية بمستوياتها كافة، (ابتداءً من "طلائع البعث"، مروراً بـ"اتحاد شبيبة الثورة "، وانتهاءً بالاتحاد الوطني لطلبة سورية)  مراكزَ إعداد للكوادر البعثية، التي تنتقل بعد إنهاء الدراسة إما إلى قيادة النقابات أو إلى مناصب أخرى في الدولة، وعبر تلك المؤسسات المتتابعة يتم تهيئة الطلاب من جهة، والتأكد من ولائهم للسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وبالتالي فكرة الانتخابات في الاتحاد هي لتأكيد سلسلة الولاء أكثر من كونها عملية ديمقراطية بين الطلبة لاختيار ممثليهم، الموكل بهم بأن يطالبوا بحقوق الطلاب في المجالس التعليمية والوزارية.
  • تختلف الجامعات من حيث تركيبة فروع الاتحاد، فتقسم إلى ثلاثة أنواع: فروعٌ يتضِحُ فيها البُعد الطائفي ضمن تشكيلة الاتحاد، مثل فرعي تشرين والبعث، وفروعٌ تكون التركيبة فيها متعلقة بالمدن وتوزع القوى مثل حلب ودمشق، وفروعٌ ليس لقيادة الاتحاد فيها وزن كبير ضمن الاتحاد ككل، وغالباً ما يكون أعضاء فرع الاتحاد فيها من أبناء المدينة نفسها، مثل فرعي دير الزور ودرعا، وانعكس هذا التباين على أدوار الاتحاد وتفاعلاته في مرحلة ما بعد2011.
  • من أدوار الاتحاد ومهامه يلحظ الدور الوظيفي، من خلال تفاعله مع مواقف النظام الخارجية، وتأييد قراراته الداخلية على صعيد الجامعات والدولة، والدور العسكري من خلال مهامها  بكتائب البعث عام 2012، وتسليح الطلبة المؤيدين وإشرافهم على تفتيش الطلاب، والدور السياسي سواء في  التسويق لسردية النظام، أو بلورة مسارات لكسر العقوبات المفروضة عليه، فقد بقي الاتحاد مشاركاً في المؤتمرات الدولية ممثلاً لنظام الأسد على الرغم من العقوبات، والدور المجتمعي والمتمثل بمساندة النظام اجتماعياً خارج الجامعة، إذ تم تأسيس مؤسسات تُعنى بالإغاثة، كمشروع جريح الوطن.

مقدمة:

يُعد تحليل البُنى الاجتماعية والسياسية التي يتحكم بها نظام الأسد من الخطوات الأساسية لفهم ديناميات حكمه ورؤيته التنفيذية للحياة السياسية والاجتماعية، وتتراوح مستويات التحليل بين تحليل داخلي للبنية الاجتماعية، إلى تحليل علاقتها بالنظام الحاكم، ومدى تأثر وتأثير كُلٍ منها بالآخر في عمليات صنع القرار أو تغيير أفكار المجتمع، وصولاً إلى تغيير تركيبته وأفكاره. ومن هذا المنطلق تأتي دارسة ديناميات وفلسفة عمل "الاتحاد الوطني لطلبة سورية"، باعتباره الوعاء التنظيمي الأوحد للطلبة من جهة، وباعتباره حاضنة لحوامل اجتماعية مفترضة لأي أفكار تطويرية وتنموية من جهة ثانية، ومحاولة فهم كيفية احتكاره للعمل الطلابي وأدوات تجيَّيره لخدمة سردية النظام.

لقد شغلت الإشكاليات البحثية المرتبطة بالاتحاد حيزاً متبايناً في ساحة الدراسات، فمنها ما حاول أن يتلمس سريعاً بعض هذه الاشكاليات كعلاقة الاتحاد بحزب البعث، وهذا ما فعله عدنان الأمين في سياق بحثه حول حوكمة التعليم في العالم العربي، إذ أشار  إلى سيطرة البعث على العملية التعليمية ككل، سواء على صعيد نقابة المعلمين، التي تم تحويلها من هيئة مستقلة إلى منظمة شعبية، تضم جميع موظفي الخدمة المدنية في وزارتي التربية والتعليم، أو على صعيد تنسيب الطلاب بشكل قسري  للاتحاد، بالتزامن مع منع أي نشاط سياسي في الجامعات خارج إطار الاتحاد، بينما لم يتطرق أمين إلى الأطر القانونية والتشريعات والمراسيم التي أفضت إلى تحكم البعث بالعمل النقابي ولا سيما الطلابي([1]) .

ومن هذه الدراسات من ركز بشكل مباشر على تقديم نموذج لتطويع العمل الطلابي عبر عسكرته، من خلال تشكيل "كتائب البعث" من الطلبة في الجامعات السورية لتكون قوات رديفة لجيش النظام، أو حتى متابعة الناشطين وملاحقتهم خارج إطار الحرم الجامعي، أو عبر تزويد الطلبة المؤيدين له بالسلاح بشكل غير رسمي، من أجل ضبط الجامعات والسكنات الجامعية التابعة لها لمنع أي حراك ثوري ضمنها،  وهو ما أوضحه علي جاسم في ورقته البحثية "في ظل الدولة: صعود كتائب البعث في جامعة حلب بعد 2011"([2])، وبينته أيضاً شهادات بعض الطلبة لصالح  ورقة بحثية صادرة عن المؤسسة الدولية للتعليم في جامعة كاليفورنيا، بعنوان: "طلاب الجامعات السورية والأساتذة في تركيا"، إذ ركزت هذه الشهادات على حالات تسليح الطلبة ودورهم في اعتقال وتعذيب زملائهم([3]).

بينما أطلت دراسة رهف الدغلي في ورقتها الصادرة عن المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، بعنوان: "رحيل العلمانية: استيلاء على الحدود وتوسيع الدولة السورية في المجال الديني منذ عام 2011"، على بعد مهم في ديناميات الربط بين المؤسسات المدنية في سياسات البعث، عبر نموذج التوأمة بين إحدى المنظمات التابعة للبعث ووزارة الأوقاف، من خلال إطلاق فريق الشباب الديني المرتبط بوزارة الأوقاف وكوادره من الاتحاد الوطني لطلبة سورية، من أجل إقامة مشاريع توعية دينية وجلسات حوارية، وتناولت الدغلي جانباً من نشاطات الاتحاد والتي تتم بالتعاون مع وزارة الأوقاف ضمن ورقة كاملة لا تركز على الاتحاد بل على زيادة نفوذ الأسد على المؤسسات الدينية لتمرير خطابه وروايته.

وفي ضوء ذلك، تحدد هذه الدراسة مساحتها النوعية  في التركيز الكلي على فهم الصورة الكاملة للاتحاد وأدواره ونشاطاته،  وتوضيح أثر الهندسة القانونية الناظمة لعمله على  تعزيز أدوات النظام  في التحكم المطلق بالمؤسسات المدنية من جهة، وتعبئة الأجيال الناشئة واستخدامهم كأداة ناعمة في خدمة سياسات النظام وصيانة سردياته. وستتكئ الدراسة على المنهج التاريخي لفهم حركية الاتحاد تاريخياً، وتبيان العلاقة التبادلية ما بين هذه الحركية والقوانين الناظمة، وستستند إلى المنهج التحليلي وأدواته، في رصد فعالياته وغاياتها العابرة للقواعد التنظيمية، لا سيما بعد 2011، ناهيك عن رسم الأطر الهيكلية الناظمة لعمل هذا التنظيم المدني.

إذاً؛ سيشكل رسم الأطر القانونية والهيكل التنظيمي مدخلاً نوعياً في فهم ديناميات النظام في الاستحواذ على المجال المدني، وتطويعه في "صون" سرديته العامة، سواء من خلال قراءة مَقدِرة النظام على مواءمة هذه الأطر مع تطورات المشهد العام، أو من خلال رصد التغير في أدوار عمل الاتحاد ضمن احتياج النظام وتحدياته، كما أن ذلك سيسهم بشكل ما في بلورة توصيات صادة لهذا التطويع، والاستثمار لصالح ابتكار مساحات طلابية مستقلة.

إيجاز تاريخي: الضبط والتحكم بالعمل النقابي والمدني:

في بدايات القرن العشرين، ظهر العمل النقابي في سورية  كحالة أبرز للتجمعات الحرفية والمهنية مما كانت عليه في القرن التاسع عشر،  وما تعنيه من ضرورة حماية المهن من الظلم والقوانين المجحفة الصادرة عن السلطات من جهة، وبلورة زعامة داخلية، مثل فكرة "شيخ الكار" لضبط العمل والتحكيم في الخلافات بين أبناء المهنة الواحدة من جهة أخرى؛  فقد بدأ بزوغ العمل النقابي من خلال قرار الدولة العثمانية عام 1909 الذي اهتم بتنظيم الحرف وتأسيس العمل النقابي، والذي استمر تأثيره أثناء حقبة "الانتداب" الفرنسي لاحقاَ حتى عام 1935، بحكم غياب تشريع القوانين المتعلقة بالعمل المدني في هذه الحقبة ([4])، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على تأسيس نقابات عدة في هذه الفترة مثل نقابة المحامين([5])، والحركة العمالية([6]).

وفي حقبة ما بعد الاستقلال، وعلى الرغم من استمرار غياب الأطر القانونية المحدثة، طورت التجمعات النقابية والطلابية أدوات المواجهة المحلية، ففي حين كانت تتبنى سردية المطالبة بالاستقلال ورفض التقسيم في  مرحلة الانتداب؛ أضحت في مرحلة الاستقلال تطالب بصيانة الحقوق، وتقاوم محاولات قمع الحريات من العسكر وبعض القوى السياسية، وبرز ذلك في أول صدام مباشر بين الحراك الطلابي والعسكر  بقيادة سامي حناوي، بعد رفض عدد من القوى المدنية مشروع "سوريا الكبرى"، لتشكل تلك الدينامية عاملاً مؤثراً في تبني دستور 1950 لمبدأ توسيع مساحة العمل المدني والنقابي في سورية،  وتجلى ذلك في المادة 17 التي أعطت المواطنين الحق في تشكيل الجمعيات وممارسة العمل النقابي([7]).

وخلال مرحلة الوحدة بين سورية ومصر؛ حاولت السلطات أن تسيطر على مصادر تمويل المنظمات والنقابات، وتأطير عملهم وتقليص مساحات حريتهم، من أجل "ضبط الخطاب الموجه ضد الدولة في البلدين"، فتم إصدار القانون رقم 93 لعام 1958([8])، والذي يعدُّ أول قانون يُشرعن سلطة الدولة الكاملة على العمل المدني ومصادر تمويله، إذ بقي هذا القانون عراباً للقوانين المتعلقة بتنظيم مساحة العمل المدني وربطه بالدولة حتى الوقت الحالي، على الرغم من التعديلات التي طرأت عليه، ولكنها لم تغير من جوهره. حيث أضاف هذا القانون ثلاث أدوات جديدة للهيمنة الحكومية على العمل المدني، فحرم القانون الأشخاص الذين لديهم محاكمات سياسية من حقوقهم الاجتماعية، كما أصبح للسلطة الحق بتعيين عضو أو أعضاء عدة في إدارة الجمعية أو المنظمة، كما يحق للوزارة المعنية إيقاف عمل المنظمة أو الجمعية إذا رأت أنه لا حاجة لوجودها، وهذه السيولة تُعطي ثغرات تسمح للدولة تقويض العمل المدني بداية لكي لا يكون عقبة في وجه قراراتها، ويُمهد الطريق لكي يصبح العمل المدني أداة لتأطير المجتمع وضبطه وتسويق رواية الحزب الحاكم فيه.

الأطر القانونية الناظمة للعمل الطلابي في عهد البعث: تحكمٌ وتسخير:

منذ انقلاب البعث  عام 1963 كان توجه اللجنة العسكرية في الحزب ينحو باتجاه إيقاف الحراك المدني في المجتمع،  وكان هذا منطلق القوانين التي جاءت لاحقاً، فقد كان مسار تلك القوانين يبدأ بتعطيل ذلك الحراك، ثم تأطيره وتسخيره لخدمة السلطة، وإيجاد مصادر تمويل له لاحقاً، بالإضافة لتعديل القوانين بما يتماشى مع التغيرات الداخلية في البلاد وخاصة بعد 2011.

البعث كمتحكم باتحاد الطلبة إدارياً وتنظيمياً:

 جاء انقلاب البعث عام 1963 مرافقاً للسيطرة التامة على أي حراك أو عمل مدني أو اجتماعي أو نقابي، فقد نص البند التاسع من المرسوم التشريعي رقم 68 على السيطرة على كل الحراك المدني في البلاد، من خلال إشراف المجلس الوطني لقيادة الثورة على التنظيمات المدنية كافة([9])، الأمر الذي شكَّل لبنة محورية في تطويع المجتمع المدني ليكون في خدمة السلطة الحاكمة. وبعد شهر من انقلاب البعث تم الإعلان عن "الاتحاد الوطني لطلبة سورية" وكان الإعلان عن وجوده إعلامياً فقط، إذ لم يصدر أي قانون تنفيذي يوضح أدواره ومساحات عمله وأسس تنظيمه، وذلك بهدف ضبط الحراك الطلابي وتأطيره، خوفاً من تكرار ما فعله الحراك الطلابي ضد السلطة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، والذي دفع حينها النخب والسياسيين لتغيير قراراتهم بسبب الضغط الشعبي والطلابي، وبقي الاتحاد دون صفة رسمية وقانونية حتى عام 1966، عندما أصدر الرئيس نور الدين الأتاسي المرسوم التشريعي رقم 130 لعام 1966، القاضي بإنشاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية، الذي يضم كُل الطلاب، سواء في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية أو طلاب الجامعات([10])، وجاء المرسوم كأول حالة وضعت فئة من الحراك المدني في سورية بشكل مباشر تحت راية حزب البعث، تَبِعه لاحقاً فئات أخرى مثل نقابة المعلمين، وذلك في طريق نظام الأسد لاحتكار السلطة بشكل مطلق، وجعل الحراك المدني في الوقت نفسه أداة له، فقد صدر قرار إنشاء الاتحاد عن القيادة القطرية لحزب البعث، على أنه الممثل الشرعي الوحيد عن القطاع الطلابي داخل سورية، وخارجها، ولكن تم لاحقاً حصر عمل الاتحاد بشريحة الطلاب الجامعيين بعد إصدار المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 1970، القاضي بإنشاء اتحاد شبيبة الثورة ليشرف على الطلاب في المراحل ما دون الجامعية([11]).

مع بداية السبعينيات؛ شرعن حزب البعث سيطرته المطلقة على الدولة  والمجتمع عبر المادة الثامنة من دستور 1973، والتي تنص على أن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية"، ولاحقاً  في المؤتمر العاشر للاتحاد عام 1990 تم اعتبار أن اجتماع حافظ الأسد مع الطلاب في 1950 هو المؤتمر التأسيسي للاتحاد،([12]) مع أنه لم يَرِد ذكر هذا المؤتمر أو الاجتماع في أي مراجع تاريخية أو مذكرات شخصية لسياسيين عاصروا تلك الفترة، مثل أكرم الحوراني وسامي الجندي، على الرغم من دخولهم في تفاصيل الحراك الطلابي ضمن مذكراتهم الشخصية، ولكن جاءت هذه السردية لنظام الأسد ضمن الصورة العامة التي تُفضي إلى أن حافظ الأسد هو “مؤسس سورية الحديثة بكل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية والعسكرية". وبالتالي قام حزب البعث بنَسب بدايات العمل الطلابي لمؤتمر حافظ الأسد، مُحيداً الحراك الطلابي في فترة ما قبل الاستقلال، وفترة ما قبل انقلاب البعث.

أصدر نظام الأسد لاحقاً في فترتين متباعدتين، قانونين لتنظيم الجامعات، وهما: القانون رقم 1/1975، والقانون رقم 6/2006، ولم تكن تلك القرارات إلا امتداداً لقانون تنظيم الجامعات رقم 184 الصادر زمن الوحدة سنة 1958. وعلى الرغم من أن قانون 1958 كان أكثر تفصيلاً، لكنه أهمل بشكل كامل أي تواجد للطلاب كهيئات ضمن الجامعة من جهة، أو التمثيل الطلابي على صعيد لجان وزارة التعليم العالي أو اللوائح التنفذية من جهة أخرى. وبعبارة أخرى حيَّد قانون 1958 الاعتراف بأي تجمع طلابي يُطالب بحقوق الطلاب أو يُقدم مطالبهم للسلطة، وذلك على نقيض ما فعله نظام الأسد، الذي أطرَّ منذ بداية حكمه العمل الطلابي بكل فئاته ضمن جسم واحد، ثم أخضع هذا الجسم لهيمنة حزب البعث دستورياً وقانونياً.

هدف  كلا القانونين إلى تنظيم العلاقة بين الجهات الثلاث المسؤولة عن العملية التعليمية الجامعية، وهي: وزارة التعليم العالي، نقابة المعلمين، والاتحاد الوطني لطلبة سورية. وألغى القانون رقم 6 /2006([13]) العمل بالقانون رقم 1/1975([14]). كما تضمنا تفاصيل إجرائية متعلقة بالجامعات والمعاهد التابعة لها. ويكمن الاختلاف بين القانونين على صعيد دور الاتحاد، فقد حَصَرَ قانون 2006 التمثيل الطلابي بالطلاب المُعيَنين من قِبل الاتحاد في مجالس الكليات ومجالس الشؤون العلمية في الجامعة، بينما لم يشترط قانون 1975 أن يكون الطلاب في تلك المجالس منتسبين إلى الاتحاد، على الرغم من أنه من المحال أن يُمثل الطلابَ سوى الطلابُ المنضمون إلى الاتحاد، ولكن تم جعل احتكار التمثيل الطلابي مقونناً ضمن قانون تنظيم الجامعات لعام 2006، وأُضيفت ملحقات وتعديلات لاحقاً إلى قانون رقم 6، لكنها لم تمس جوهر العلاقة بين الجهات الثلاث، أو حتى لم تقلص صلاحيات الاتحاد، بل على العكس أصبح للاتحاد مقاعد في كل المجالس والهيئات المرتبطة بالوزارة، حتى تلك المتعلقة بالموازنة العامة([15])، بالإضافة لقرارات صدرت تتعلق بمصادر تمويل الاتحاد.

تمويل الاتحاد: ديناميات سائلة:

 يَنُص النظام الداخلي للاتحاد على أن مصادر تمويله هي بشكل أساسي من رسوم الانتساب، والنسب المقتطعة لصالح الاتحاد من رسوم التسجيل في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة، سواء عبر التعليم العادي([16]) أو الموازي، وأيضاَ من بدلات استثمار وإيجار المرافق التابعة للاتحاد. وعلى الرغم من أن قانون تنظيم الجامعات لم يكن يَنُص على ماهيِّة المصادر الرسمية لتمويل عمل الاتحاد ونشاطاته؛ إلا أنه بشكل عام كان هناك سيولة في البند (ب) من المادة 196 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات لعام 2006، فقد أشارت إلى وجوب تخصيص مايعادل 40% "من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات والمقاصف" يحق لوزير التعليم أن يوجهها إلى جهات مستفيدة بالتنسيق بينه وبين وزير المالية([17]) .

لاحقاً؛ أصدَرَ مَجلس التعليم العالي قراراً في حزيران 2011 يَنُص على أن يُخصص نسبة 20% من تلك البدلات لتمويل الاتحاد، بينما لم تتجاوز نسبة نقابة المعلمين 15%، و5% لصندوق التكافل الصحي والاجتماعي في الجامعة([18])، ولكن الأرضية القانونية للقرارت كانت موجودة قبل 43 عاماً، عندما أصدر نظام البعث المرسوم التشريعي رقم 16 لعام 1968، القاضي بإعطاء وزير التعليم العالي صلاحية توكيل إدارة مقاصف ونوادي الجامعات للاتحاد، أما المصدر الرسمي الآخر لتمويل الاتحاد فهو من واردات الجامعات الخاصة، فبعد 9 سنوات من المرسوم التشريعي القاضي بتنظيم المؤسسات التعليمية الخاصة للمرحلة ما بعد الجامعية([19])، أصدرت حكومة نظام الأسد المرسوم التشريعي رقم 87 لعام 2010، والذي ينظم العلاقة بين الجامعات الخاصة والاتحاد من حيث احتكار الاتحاد لأي حراك طلابي أو اجتماعي فيها من جهة، وتخصيص نسبة 0.5% من مُجمل واردات الجامعات الخاصة لمصلحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية من جهة أخرى، وبذلك كان للاتحاد مصدران رسميان للتمويل، بالإضافة لمصادر غير رسمية من رجال أعمال أو شخصيات أمنية، وذلك إما كمكافآت لهم، أو كبدل لتنظيمهم فعاليات ومؤتمرات تَصب في خدمتهم.

تغيرات قانون تنظيم الجامعات بعد 2011:

على الرغم من أن آخر قانون لتنظيم الجامعات كان في 2006، إلا أن التعديلات التي طرأت على بعض مواد لائحته التنفيذية بدأت بعد 2011، تماشياً مع  تطورات المشهد السوري، فعلى صعيد المادة  116 من اللائحة التنفيذية والتي تتعلق بالمنح والمقاعد الدراسية التي تُقدَّم في المؤسسات التعليمية ما فوق الجامعية([20])، شهدت هذه المادة  أطواراً من التعديلات على المتن الأصلي للمادة، وذلك بالتزامن مع ثلاثة متغيرات:  1) اتساع رقعة المواجهات مع المُدن الخارجة عن سيطرة النظام. 2) ازدياد عدد القتلى في صفوفه. 3) زيادة نسبة المقاتلين الأجانب في القوات الرديفة لجيشه، ضمن معاركه أو ضبطه الأمني؛ إذ عُدِّلت كما يلي:

وبذلك مع بدايات الثورة السورية؛ أضافت حكومة نظام الأسد شرائحَ جديدة إلى مستحقي المنح، وهي أبناء من قُتِل من قوات الأسد في الأعوام الأولى من الثورة، واستخدمت أداة تقديم المنح في الجامعات بشكل مباشر لإرضاء الفئات الملتحقة بالجيش خلال سنوات ما بعد 2011. كما تجاوزت فكرة المنح الجامعية الملتحقين بالخدمة الإلزامية أو المتطوعين في قِطع الجيش، إلى استمالة الميليشيات التي لا تتبع هيكيلة الجيش والقوات المسلحة لمشاركتهم في معارك النظام، مما قد يفتح الباب أيضاً لتضمين المصابين من الميليشيات غير السورية في تلك المنح الجامعية.

الهيكلية: ضبط وهندسة الهويات:

 منذ تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية كان ارتباطه قانونياً ووظيفياً وهيكلياً، وحتى كوادره، بالقيادة المركزية لحزب البعث، على الرغم من صدور قانون الأحزاب عام 2011، الذي يسمح بتأسيس الأحزاب والممارسة الحزبية في سورية([21])، وتبعه لاحقاً التعديل الدستوري عام 2012 الذي ألغى مادة أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، ولكن بقيت هيمنة البعث على الدولة ككل قائمة بما فيها من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني يشمل الاتحاد وغيره من النقابات والتجمعات.

تُصدِر القيادة المركزية لحزب البعث  شروط الترشح للمجلس المركزي للاتحاد، إضافة إلى  قرار تشكيل مكتبه التنفيذي (انظر الملحق رقم 1 إذ يلاحظ أن كل أعضاء المكتب التنفيذي  الحالي منتسبون إلى حزب البعث، باستثناء عضو واحد من الحزب الشيوعي السوري، وهو أقل الأعضاء تفاعلاً وظهوراً على معرفات الاتحاد)، بينما يُشترط على الأعضاء المرشحين للجان والوحدات الطلابية أن يكونوا منتسبين لحزب البعث، ومثبتين عضويتهم فيه (انظر الملحق رقم 2) ، كما تم إعادة تشكيل المكتب التنفيذي عام 2020 وتغيير رئاسة الاتحاد، بعد جمود في منصب الرئاسة لأكثر من 17 عاماً، بقي فيه عمار ساعاتي على رأس الاتحاد دون إجراء أي تغيير، باستثناء استبدال بعض الأسماء من المكتب التنفيذي بشكل دوري، ويُلاحظ تكرار الأسماء بين آخر مجلسين تنفيذيين، إذ تم ترفيع عمار ساعاتي ليصبح عضواً في القيادة المركزية لحزب البعث، ورئيس مكتب الشباب المركزي في الحزب، ولتحل دارين سليمان بديلاً عنه في منصب الرئاسة، بعد أن كانت عضواً في المكتب التنفيذي للاتحاد الوطني لطلبة سورية، ورئيسة مكتبي التعليم الخاص والمعلوماتية( [22]). وُيلاحظ غياب شرط العمر عن شروط الترشح لهيئات الاتحاد بمستوياتها كافة، على الرغم من وجود مادة تَنص على أنه يحق للأعضاء القياديين الاحتفاظ بعضويتهم مدة دورة واحدة بعد تخرجهم، ولكن استمر أعضاء في المكتب التنفيذي السابق سنوات في مناصبهم حتى دون أن يكون لهم قيد دراسي في الجامعات.

تتشكل هيكلية الاتحاد الوطني لطلبة سورية من مجلس مركزي يضم ممثلي فروع الاتحاد، ومكتب تنفيذي يُنتخب كل خمس سنوات (الشكل 1).

 

وتتفرع الفروع الداخلية للاتحاد إلى هيئات طلابية لكل كلية، تُنتخب كل سنتين، وتضم لجاناً طلابية لكل سنة دراسية، وأيضاً لجنة طلابية للدراسات العليا، ولكن لا يحق لهم التصويت في اجتماعات الهيئة  ( الشكل 2).

  

وتُجرى الانتخابات على مستوى الفروع الداخلية والخارجية للاتحاد من أجل اختيار ممثلي تلك الفروع في المؤتمر العام، وذلك بناءَ على نسب متفاوتة من المقاعد لكل فرع، تُحدّدُ من قِبل المكتب التنفيذي، ثم يُفرِزُ المؤتمر العام المجلس المركزي للاتحاد، الذي بدوره يختار المكتب التنفيذي بعد موافقة اللجنة المركزية في حزب البعث على الأسماء المختارة (الشكل رقم 3). وعلى الرغم من هذه المستويات من الانتخابات والتي توحي ظاهرياً بمشاركة عشرات آلاف الطلاب في العملية الانتخابية في الكليات والفروع والاتحاد ككل، لكن لم تتغير تشكيلتا المكتب التنفيذي في آخر دورتين بأكثر من 50% من الأسماء، ومعظم الأسماء التي لم تتواجد في المكتب التنفيذي الحالي تم تكليفهم بمهام أخرى، مثل بشار مطلق ومحمد عجيل وعمر العاروب( [23]).

 

لا يَملك النظامُ السوري على أرض الواقع أي معاهد فاعلة من أجل تأهيل أو تدريب القيادات الشبابية بهدف تصديرها إلى المراكز العليا في الدولة مستقبلاً، لذلك تُشكِّل المنظمات الطلابية بمستوياتها كافة، (ابتداءً من "طلائع البعث" مروراً "باتحاد شبيبة  الثورة "وانتهاءً بالاتحاد الوطني لطلبة سورية) مراكزَ إعداد للكوادر البعثية؛ التي تنتقل بعد إنهاء دراستها إما إلى قيادة النقابات أو إلى مناصب أخرى في الدولة، وعبر تلك المؤسسات المتتابعة يتم تهيئة الطلاب من جهة والتأكد من ولائهم للسلطة الحاكمة من جهة أخرى، وبالتالي فكرة الانتخابات في الاتحاد هي لتأكيد سلسلة الولاء أكثر من كونها عملية ديمقراطية بين الطلبة لاختيار ممثليهم الموكل بهم بأن يطالبوا بحقوق الطلاب في المجالس التعليمية والوزارية.

وعلى الرغم من الحلقة الصلبة التي شكَّلها النظام إثر تأطيره للمجتمع المدني ضمن سياسة الحزب الواحد؛ استطاعت الثورة السورية وتفاعلاتها  كسر هذه الحلقة في مواضع عدة، عبر انشقاق أشخاص خاضوا مراحل اختبار الولاء التي وضع أُسسها الأسد الأب وانحازوا إلى صفوف الثوار.

تختلف الجامعات من حيث تركيبة فروع الاتحاد الوطني لطلبة سورية فيها، إذ تُقسم الفروع بشكل أساسي إلى 3 أنواع:

  • فروعٌ يتضِحُ فيها البُعد الطائفي ضمن تشكيلة الاتحاد، مثل فرعي تشرين والبعث.
  • فروعٌ تكون التركيبة فيها متعلقة بالمدن وتوزع القوى، مثل حلب ودمشق.
  • فروعٌ ليس لقيادة الاتحاد فيها وزن كبير ضمن الاتحاد ككل، وغالباً ما يكون أعضاء فرع الاتحاد فيها من أبناء المدينة نفسها، مثل فرعي ديرالزور ودرعا.

 هذا التباين انعكس بشكل واضح على أدوار الاتحاد في مرحلة ما بعد 2011، من حيث تفاعله مع بدايات الأحداث، ثم لاحقاً دوره المباشر كقيادة الاتحاد المركزية أو فروعها في المحافظة، ضمن سلوك وسياق نظام الأسد في قمع الثورة، عن طريق مؤسساته الرسمية والقوات الرديفة لجيشه التي أُنشأت لاحقاً.  

أدوار وظيفية في خدمة النظام:

لم يكن البعث غافلاً عن دور  الحراك المدني ضد محاولات العسكر فرض هيمنتهم على الحالة المدنية في البلاد، فمنذ تسلمه السلطة حُوَّل المجتمع المدني إلى حالة خاملة بدايةَ مع منع النشاطات المجتمعية، سواء الخدمية أو الحقوقية أو الرياضية، ثم بدأ بتأطير مؤسساته ضمن إطار الحزب تِباعاً، حتى استطاع أن يجعل العمل المدني ككل أحد أدواته لضبط المجتمع أولاً، وإيصال أفكاره للأجيال المتعاقبة داخلياً وللدول الخارجية ثانياً.

 لم تكن أدوار الاتحاد مختلفة عن أدوار باقي النقابات والاتحادات في سورية، إذ كانت تتماشى مع سردية نظام الأسد في ضبط المجتمع بشكل كامل، ابتداءَ بالتفاعل مع مواقف النظام الخارجية من المتغيرات في المنطقة، وانتهاءً بتأييد قراراته الداخلية على صعيد الجامعات والدولة ككل، فكان الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وباقي المؤسسات المرتبطة بالطلاب في مراحلهم التعليمية الأخرى، مسؤولاً عن تحشيد الطلاب في المسيرات التي تعكس مواقف النظام من الأحداث، مثل غزو العراق، أو حرب تموز في لبنان، أو حتى تأييده لحزب الله اللبناني تحت غطاء المقاومة، وذلك ضمن الصورة العامة التي دأب الأسد الأب على رسمها بأن هناك دولة تُصدِرُ القرارات والمواقف ويؤيدها مجتمعٌ يَتحركُ دائماً في صفها، واستمر الأسد الابن في هذا النهج، ولكن بشكل أقل احترافية، بسبب تغيُّر الأدوات المُستخدمة من قِبل من يحاولون إعادة تفعيل الحراك المدني الطلابي أو غيره.

بعد أن أصدر النظام السوري قانون تنظيم الجامعات عام 2006، كان من جزئيات القانون أن "الحكومة لا تتكفل بتوظيف طلاب خريجي الهندسة كما كان الأمر قبل عام 2006"، هذا دفع عدداً من الطلاب إلى إنشاء اعتصامات اعتراضاَ على القرارات، ثم تجاوز الأمر لاحقاً إلى أن يكون هناك حراك ذو مطالب سياسية حمل اسم "تجمع شمس"، شكَّل أول حراك طلابي شبه منظم منذ تولي بشار الأسد السلطة([24])، ولكن طبيعة البيئة الجامعية المضبوطة من قبل ثلاثيِّة الكوادر التدريسية والإدارية واتحاد الطلبة، حال دون استمرار هذا الحراك وإنهائه، واعتقال أغلب الطلاب والشباب المشاركين فيه، وكانت أدوار اتحاد الطلبة داخلياً في تلك الفترة تقتصر على رصد أي تحركات داخل الجامعات أو السكنات الطلابية التابعة لها، بهدف وأد أيِّ حراكٍ قبل بدايته.أما على الصعيد الخارجي؛ فكان أعضاء فروع الاتحاد الخارجية مُكلفون بتتبع أخبار الطلاب في البلد المُقيمين فيه، ورصد أخبار الجالية السورية فيه، إضافة إلى المحافظة على علاقات إيجابية مع الحراك الطلابي المحلي في تلك البلاد، وإنشاء شراكات دائمة وفعاليات معهم.

ومنذ آذار 2011 ؛ تفاعلت الجامعات بشكل كبير مع تطورات الحراك الشعبي خارج أسوارها، مما أنتج تطبيقاً للحالة التي أُسست بنيتها الوظيفية والقانونية بعد انقلاب البعث، والمتمثلة بالمواجهة المحلية المحلية ضمن طبقات المجتمع الواحد أو فئاته، فقد بدأ الصدام بشكل مباشر بين الطلاب المتضامنين مع المُدن المُجتاحة، وبين الاتحاد الوطني لطلبة سورية الساعي إلى تحييد المؤسسات التعليمية ما فوق الجامعية عن الحراك الشعبي الذي ينتشر في البلاد([25])، وأخذ دور الاتحاد بالتبلور على مستويات عدة: عسكرية وسياسية واجتماعية ضمن خطة النظام في حسر المظاهرات بعيداً عن البُنى الحكومية التعليمية منها أو الخدمية، وتم إضافة ذلك لاحقاً إلى سردية الاتحاد عبر كتابة: "أن الاتحاد أدى دوراً محورياً في صد محاولات استخدام المنشآت الجامعية كوسيلة لإسباغ الشرعية على أعمال الشغب والإرهاب التي تصاعدت في بعض المدن السورية" إلى مقدمة النظام الداخلي للاتحاد الذي تم تعديله في2021([26]).

أدوار قمع ومهام عسكرية: اتحاد طلبة حلب نموذجاً:

كان التباين واضحاً في ردات فعل فروع الاتحاد الوطني لطلبة سورية تجاه الحراك الشعبي في الجامعات، وبرز الدور العسكري كأحد الأدوار المُتسِقة مع الحل العسكري والأمني لنظام البعث، وبرز بشكل كبير في جامعة حلب كون الاتحاد فيها مكون في أغلبيته من أبناء إدلب وأرياف حلب، فكان من الصعوبة بمكان أن يواجهوا الحراك بالعنف فوراً، مما دفع الفروع الأمنية في المدينة إلى التدرج بالعنف، عبر تزويد طلاب الاتحاد بالأسلحة البيضاء (عصي – هراول – كرابيج)، ومنحهم صلاحية سحب هوية الطلاب المشاركين في المظاهرات ضمن الجامعة لملاحقتهم أمنياً لاحقاً. وكان قرار الاتحاد بعدم اللجوء للعنف المفرط متماشياً مع إرادة فرع الحزب في الجامعة، فقد كان أمين الفرع عبد العزيز الحسن  رافضاً للحل الأمني والعنف في الجامعة، ولم يسمح للفروع الأمنية باقتحام الجامعة بشكل موسع، مما أفضى إلى تغيير قيادات فرع الحزب، واستلام عبد القادر الحريري، الذي تبنى الإرادة الأمنية في العنف المفرط ضد أي حراك طلابي مناهض للسلطة في جامعة حلب([27])، إضافة إلى قراره بفصل طلاب شاركوا في مظاهرات الجامعة([28]).

لم يستطع فرع الاتحاد في جامعة حلب إيقاف الحراك الطلابي في الجامعة، مما دفع النظام للبحث عن أدوات أكثر تنظيماً وفعاليِّة واستدامة، فكان تشكيل كتائب البعث في عام 2012 من طلاب جامعيين، يتمثل دورهم في محورين: محور أمني لضبط الجامعات بالعنف بكل أدواته([29])، ومحور عسكري عبر مشاركتهم كقوات رديفة إلى جانب قوات الجيش في عمليات الحصار أو المعارك. ولكن لاحقاً لم تعد تقتصر كتائب البعث على الطلبة الجامعيين بل أصبحت تضم أعضاء من الحزب بمختلف الأعمار، ومع تصاعد دور الاتحاد ضمن كتائب البعث فُرِضَ على عمار ساعاتي([30]) المسؤول عن كتائب البعث عقوبات أمريكية([31])، جاءت ضمن سياق معاقبة قادة الفرق العسكرية المشاركين في المعارك وارتكاب المجازر([32]).

أما على صعيد الأدوار العسكرية الأقل تنظيماً، فكان تسليح طلاب الاتحاد الوطني لطلبة سورية موجوداً في الفروع الأخرى مثل فرع جامعة دمشق وجامعة "البعث" وجامعة تشرين، ولكن على صعيد فردي وليس كحالة جماعية، فقد كان الطلاب الذين يتم تسليحهم يٌنتَقون بناءً على الولاءات، التي تعتمد على الانتماء الجغرافي، أو المذهبي، أو ثقة تراكمية تعتمد على حجم الخدمات المقدمة للفروع الأمنية، وكان هذا التسليح يهدف إلى إنهاء أي حراك في الجامعات مع المبالغة في ردة الفعل تجاه الطلاب المشاركين فيه لردع زملائهم من تكرار الحراك([33])، إضافة إلى أن فروعاً عدة للاتحاد اتخذت أماكنَ في الوحدات الجامعية السكنية، على غرار جامعة حلب، لاعتقال وتعذيب الطلاب المتظاهرين المقبوض عليهم، ريثما يتم تحويلهم إلى الفروع الأمنية كجامعتي دمشق وتشرين، حيث قُتِل عدد من الطلاب تحت التعذيب بعد اعتقالهم من قِبل أعضاء الاتحاد في جامعاتهم وتسليهم للفروع الأمنية([34]).

وعلى مستوى مُصغَّرٍ من العمل العسكري، كان الاتحاد مسؤولاً عن تفتيش الطلاب على مداخل الجامعات والسكنات الجامعية، وهو الذي يُصدِرُ تحديثات وشروط الدخول إلى الجامعات، بالتزامن مع تطورات المشهد المحيط في الجامعة([35]).

كان هذا التسليح المباشر يهدف إلى إيقاف أي حراك في الجامعات السورية دون انتظار تدخل أمني أو عسكري لضبط الجامعات، وتم منح أعضاء الاتحاد كل الصلاحيات لتحقيق ذلك([36])، بالإضافة لملاحقة الناشطين في الجامعات بهدف اعتقالهم، وتعدى الأمر لملاحقة الأساتذة ضمن الجامعات واعتقالهم في حال بدر منهم أي أدوار أو نشاطات معارضة للنظام، كما حدث مع محمد الأحمد الأستاذ في قسم اللغة الفرنسية في جامعة تشرين([37]).

استمر العمل العسكري للاتحاد بشكل مقونن ضمن كتائب البعث حتى الوقت الحالي؛ إذ تم إنشاء مراكز للكتائب في بعض الجامعات مثل حلب، بالإضافة لمراكز لها في كل المدن، ونشاطاتها الاجتماعية في الأغلب مشتركة مع الاتحاد الوطني لطلبة سورية، ضمن خطة لحكومة النظام من أجل تصدير شخصيات من كتائب البعث كواجهات مجتمعية وشبابية في المرحلة القادمة([38]).

التسويق السياسي لسردية النظام:

 كان (وما زال) الاتحاد الوطني لطلبة سورية مركز التأهيل الأساسي الذي يُصدِّر لنظام الأسد كوادره ما بعد المرحلة الجامعية، من وزراء وسفراء ورؤساء لفروع الحزب في المدن وأعضاء لمجلس الشعب، ولم يكن تصدير الاتحاد للواجهات السياسية والاجتماعية (بعد أن يكونوا أعضاء مكتب تنفيذي أو رؤساء للاتحاد) سياسة حديثة انتهجها بشار الأسد، بل كان هذا من الأهداف الرئيسة لوجود الاتحاد منذ تأسيسه، وهنا يبرز دوره  السياسي الممتد لأكثر من 40 عاماً، فقد بقي أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي مستمرين في مناصب عدة ضمن الدولة بعد اندلاع الثورة، مثل هيثم الضويحي، ووفاء صنين، وفيصل مقداد، وحامد حسن([39]).

كان الاتحاد الوطني لطلبة سورية من أوائل أذرع نظام الأسد تفاعلاً مع تطورات المشهد الداخلي في سورية، عبر حراكه الداخلي والخارجي،  فمع إطلاق النظام سلسلة "حواراته الوطنية" كان الاتحاد  أحد الجهات المنظمة لمؤتمر الحوار الوطني، في تموز 2011، والذي كان ممولاً بشكل مباشر من الأمانة السورية للتنمية المملوكة لأسماء الأسد([40])، وأتبعه بسلسلة حوارات في الجامعات السورية، تهدف إلى تصدير الحراك الشعبي على أنه جزء من المؤامرة على سورية، وأن من يُشارك به سيكون جزءاً من الحرب على سورية، وأن المكان الوحيد للتغيير هو المشاركة في تلك الحوارات المنتشرة في المدن بإشراف وإدارة الاتحاد.([41]) واستمر تفاعل الاتحاد مع المتغيرات سواء على صعيد الفعاليات([42]) ،أو حتى ردود الأفعال إزاء المطالبات بالإصلاح الدستوري والحكومي في سورية، بما يَتوافق مع السردية الأمنية والعسكرية لنظام الأسد بأنه يواجه مجموعات إرهابية هدفها النيل من استقرار ووحدة البلاد([43]) .واستمرت جلسات الحوار بإشراف الاتحاد حتى تاريخ إعداد هذه الدراسة، ضمن ثلاثة محاور أساسية:

  • النقاشات الخدمية بسورية ككل، من ناحية تنظيم الجامعات وحتى الأنشطة أو الحملات "الشكلية" في مؤسسات الدولة، مثل مكافحة الفساد، بالإضافة للتفاعل مع انتخابات الإدارة المحلية([44]) .
  • سردية النظام، وإنتاج أدوات لتسويقها داخلياً وخارجياً([45]).
  • بما يتعلق بالمتغيرات الدولية، سواء على صعيد سلوك الدول اتجاه النظام السوري من عقوبات أو مواقف، أو حتى الأحداث المتجددة مثل الغزو الروسي لأوكرانيا([46]).

يُشكِّل الاتحاد الآن مساراً محاولاً كسر العقوبات المفروضة على النظام، فالعقوبات الغربية  فُرضت في أغلبها على وزراء وقيادات أمنية وعسكرية للنظام، أو أشخاص متورطين بشبكات اقتصادية متعلقة به، أو حتى على أشخاص سابقين في الاتحاد مثل عمار ساعاتي التي تمت ترقيته لاحقاً، بينما لم تُفرض عقوبات على أعضاء آخرين في الاتحاد على الرغم من تورطهم في جرائم ضد الطلاب، مثل عمر عاروب([47]) ،وبقي الاتحاد مشاركاً في مؤتمرات دولية، مثل قمة التعليم([48]) ،ومؤتمر الرابطة الدولية لتبادل الطلاب([49]) ،على الرغم من العقوبات المفروضة عليه.

أدوار مجتمعية متسقة مع حركية النظام:

 لم يقتصر دور الاتحاد الوطني لطلبة سورية في مساندة نظام الأسد ما بعد الثورة ضمن الجامعات والمؤسسات التابعة لها فقط، بل أُضيف له أدوار خارج الجامعة تشمل البعد الاجتماعي أيضاً، فقد حرص النظام بعد 2011 على تشكيل عدد من المؤسسات والجمعيات التابعة له، التي تُعنى إما بإغاثة الجرحى في صفوفه، أو التسويق له ضمن المجتمع، أو حتى مد المؤسسات التي أنشأها رموز النظام بالكوادر البشرية، مثل الاتفاقية التي وقعها الاتحاد الوطني لطلبة سورية مع مشروع وثيقة وطن التي تعود ملكيته لبثينة شعبان، المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، والذي يُعنى بتوثيق الأحداث في سورية بناء على رؤية النظام([50]) ،فقد وقع الاتحاد مع المشروع اتفاقية تشمل مشاركة الطلاب في التوثيق الشفوي للأحداث في سورية، بالإضافة لإطلاق مسابقات بين الطلاب من شأنها تعزيز رواية النظام ضمن الشرائح الطلابية والمجتمع ككل.

وكان الاتحاد أيضاً مؤسسة رديفة للدعم الاجتماعي، الذي حاول النظام تقديمه إلى ضحايا معاركه، بعد ارتفاع أعداد المصابين والجرحى في صفوف قواته، ووقَّع الاتحاد اتفاقية مع مشروع جريح الوطن، التابع لوزارة الدفاع، وتم تشكيل لجنة مشتركة يُشرف عليها محمود الشوا نائب وزير الدفاع([51]).

واتجه الاتحاد إلى تأسيس فرق فرعية لا تتبع تنظيمياً للاتحاد، ولكن رؤساء تلك الفرق منتسبون للاتحاد، وكان دور هذه الفرق إغاثياً واجتماعياً، ضمن محاولة النظام تشكيل نويات إغاثية قادرة على جمع الأموال، أو حتى الوصول إلى كل فئات المجتمع، وأيضاً احتكار العمل الطلابي، حتى على صعيد التخصصات عبر مبادرات متعلقة بالفروع الجامعية، مثل الكادر الطبي التطوعي الذي يرأسه رئيس الاتحاد في جامعة حلب([52]) .

خلاصات ختامية:

في إطار فهم حركية نظام الأسد، ينبغي تحليل تظافر أدواته الصلبة الأمنية والعسكرية مع أدواته الناعمة، في سياق مساعيه لضبط المجتمع والبلاد ككل، فقد عمد النظام إلى تطويع العمل الطلابي ضمن هذا الإطار، مع تعديل القوانين المتعلقة به بالتزامن مع التغيرات الداخلية والخارجية، ويتضح أنه لم يطرأ على الاتحاد أي شروخ إدارية أو انشقاقات على صعيد المستويات العليا فيه بعد 2011، مع الاعتماد على كوادر الاتحاد في المناصب الأخرى في الدولة، بعد خروجهم من الاتحاد وتوكيلهم بمهام داخلية سياسية وإدارية أو خارجية دبلوماسية.

وكانت القوانين والمراسيم التي تم سَنُها بخصوص العمل الطلابي منسجمة مع رؤية النظام في تأطير الفضاء العام وتسخيره ضمن سلسلة أدواته لاستدامة حكمه وتثبيته، وأيضاً لإرضاء الفئات المقاتلة معه خلال سنوات ما بعد الثورة، عبر قوننة تقديم المنح الجامعية لهم، حتى لو كانوا غير منضوين تحت الخدمة العسكرية في الجيش، ولا يحملون الجنسية السورية، وذلك بالتزامن مع ازدياد مساحة الأدوار التي يشغلها الاتحاد منذ انقلاب البعث حتى الوقت الحالي، إذ أصبح يشغل مساحات عسكرية ودينية واجتماعية، بالإضافة لفكرة وجوده الأصلية، وهي آخر مراحل تأهيل كوادر الاتحاد ضمن المراحل الدراسية ليتم توجييهم لاحقاً إلى بُنى أخرى في الدولة، ما يضمن ولاءهم للنظام.

كما يملك الاتحاد  بنية إدارية واضحة ضمن نظامه الداخلي غير الحزبي ظاهرياً، ولكن الاتحاد يتبع إدارياً لمكتب الشباب المركزي في حزب البعث، بالإضافة لاختيار أعضاء المكتب التنفيذي ممن كانوا يشغلون مناصب قيادية في فروع الاتحاد، وبالتالي يُضمَن سلوكهم ضمن الاتحاد، ويتم تعيين رؤساء الفروع وأعضاء المكاتب بناء على أهمية الجامعة، إذ تتنوع التعيينات وفقاً للأبعاد المناطقية والعشائرية والإثنية، مع غياب انتخابات ديمقراطية حقيقة وتداول للمناصب بين الطلاب لمدة أكثر من 55 عاماً منذ تأسيس الاتحاد.

وعلى الصعيد الخارجي، لا يعد الاتحاد مجرد أداةٍ لضبط الجامعات وطلابها والمنشآت التابعة لها فقط، بل هو جزء أساسي في إعادة تعويم النظام وتنظيف صورته، عبر طُلابٍ يدرسون في الجامعات ويُشاركون في المؤتمرات والفعاليات الدولية، السياسية منها والاجتماعية، وفي الوقت نفسه يتجسسون على زملائهم في تلك البلاد، ويسوِّقون رواية النظام حول الأحداث الجارية في البلاد، فقد ركزت الدول الغربية في عقوباتها على قادة الفروع الأمنية والقِطع العسكرية والوزراء وبعض الشبكات الاقتصادية المرتبطة بالنظام، أي الذين كان دورهم مباشراً في سلوكيات النظام الأمنية، بينما لم تستهدف الحراك الاجتماعي من مؤسسات وأفراد كان لهم دور مساعد وداعم لسلوك النظام العسكري والأمني اتجاه المدنيين بمختلف شرائحهم([53]).

ختاماً، تتوازى مؤسسات نظام الأسد في أهميتها لضبط المجتمع وإيقاف حدوث أي محاولات تغيير فيه، وجزء أساسي من تفكيك هذه المؤسسات هو فهمها، وفهم ديناميات حركتها وأدواتها، ومساحات أدوارها وتأثيرها، ويُعد الاتحاد الوطني لطلبة سورية من أهمها، ويكون تفكيك بنية هذه المؤسسات خطوة أولية ضمن خطوات تقليص فعاليتها خارجياً، وفك ارتباط العمل الطلابي في سورية عن نظام البعث، في خطوة تأتي ضمن رؤية تحقيق الانتقال السلمي لكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتطبيق العدالة الانتقالية.


ملحق رقم 1:

ملحق رقم 2:

 


 

([1])  El Amine, A. (2019). Governance of Higher Education in the Arab World and the Case of Tunisia. International Higher Education, (97), 7-9.‏ https://bit.ly/3JUJfSs

([2])  Aljasem, A. (2021). In the shadow of the state: The rise of Kata’ib al-Baath at Aleppo University after 2011. Journal of Perpetrator Research, 3(2), 87-113.‏ https://bit.ly/3FOBg7Q

([3])  Watenpaugh, K. D., Fricke, A. L., & King, J. R. (2014). We will stop here and go no further. Syrian University Students and Scholars in Turkey. Institute of International Education.‏ https://bit.ly/3veuOlN

([4]) الجامعة اللبنانية، مركز المعلوماتية القانونية، قانون الجمعيات، صادر في 3 اغسطس 1909 https://bit.ly/3Mb1rdw

([5])"تم تأسيسها عام 1921 من شخصيات وطنية عدة أبرزها فارس خوري"، تاريخ نقابة المحامين في سورية، موقع سيريا نيوز، يناير 2015 https://bit.ly/3PQHybM

([6]) "برز دورها بشكل واضح بعد تأسيس معمل الإسمنت في دمشق عام 1928" عبد الله حنا، الحركة العمالية في سورية ولبنان 1900-1945، دار دمشق، 1973.

([7]) المادة 17 : للسوريين حق في تأليف الجمعيات والانتساب إليها على أن لا يكون هدفها محرماً في القانون، دستور سورية لعام 1950، https://bit.ly/3Q8asEx

([8]) الجمهورية العربية السورية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم / 93 / لعام 1958، https://bit.ly/3HYENmM

([9]) البند 9: "إشراف "المجلس الوطني لقيادة الثورة" كونه أعلى سلطة في الدولة على التنظيمات الشعبية والنقابية والأندية، وكذلك كافة التنظيمات في الجامعات والمدارس، بما في ذلك النشاطات الرياضية والاجتماعية"، التاريخ السوري المعاصر، مرسوم تحديد سلطات المجلس الوطني لقيادة الثورة، المرسوم التشريعي رقم 68  البند 9، على الرابط:https://bit.ly/3jtin2X

([10]) التاريخ السوري المعاصر، مرسوم إنشاء الاتحاد الوطني لطلبة سورية، مرسوم تشريعي رقم 130 لعام 1967 https://bit.ly/3vdTQ4u

([11]) التاريخ السوري المعاصر، مرسوم إنشاء اتحاد شبيبة الثورة، مرسوم تشريعي رقم 23 لعام 1970 https://bit.ly/3FOAqYA

([12])  الصفحة 3 – النظام الداخلي الحالي للاتحاد الوطني لطلبة سورية

([13]) موقع مجلس الشعب السوري، قانون تنظيم الجامعات رقم 6 لعام 2006 https://bit.ly/3VvqYzg

([14])موقع مجلس الشعب السوري، قانون تنظيم الجامعات رقم 1 لعام 1975 https://bit.ly/3jvuyMB

([15])  موقع وزارة التعليم السورية، القرار رقم252 لعام 2015، المتعلق بتأليف لجنة موازنة التعليم العالي https://bit.ly/3PSoXvY

([16]) ويقصد به الدراسة في الجامعات الحكومية عبر المفاضلات التي تجريها وزارة التعليم العالي.

([17])  البند ب - المادة 196 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات لعام 2006:

توضع المواردالذاتية المذكورة في الفقرة (أ) في حساب مستقل في المصرف التجاري السوري وفق ورودها بالليرة السورية أو القطع الأجنبي ليجري الصرف منها وفق ترتيب الأولويات الآتية :

أ- الغايات المتعلقة بخطط وبرامج تحديث التعليم العالي وتطويره والنهوض بالجامعات، التي يحددها الوزير بقرار منه بالتنسيق مع وزير المالية، على أن لا تقل نسبتها عن 60% من مجموع الموارد الذاتية، ويتم الصرف من قبل رئيس الجامعة بموجب أسناد رسمية.

ب- تخصيص نسبة لا تتجاوز  40% من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات والمقاصف والأكشاك ويتم حساب النسبة سنوياً بقرار من الوزير بالاتفاق مع وزير المالية يحدد فيه أوجه الصرف والجهات المستفيدة.

([18]) موقع مجلس التعليم العالي، قرار رقم 274 لعام 2011 https://bit.ly/3GgluD9

([19])  موقع مجلس الشعب السوري، مرسوم تشريعي رقم 36 لعام 2001 https://bit.ly/3VG5QGR

([20]) المادة 116- لا يجوز قبول أي طالب بصفة شخصية دون التقيد بترتيب درجات النجاح والمعايير الأخرى التي يضعها مجلس التعليم العالي إلا طبقاً لما يأتي:

  • أولاد حاملي وسام بطل الجمهورية العربية السورية، يقبلون في الفرع الذي يرغبون الالتحاق به حسب نوع شهادة الدراسة الثانوية.
  • عدد لا يزيد على خمسة طلاب في كلية أو قسم أو اختصاص من أولاد أو أشقاء أو أزواج من استشهدوا في الحرب أو استشهدوا في الكفاح المسلح الفلسطيني أو استشهدوا بسبب قيامهم بالواجبات الرسمية، ويحدد مجلس التعليم العالي حالات الاستشهاد بالواجبات الرسمية، ويكون القبول عن طريق المفاضلة بينهم بقرار من الوزير وفق ترتيب النجاح في الشهادة الثانوية ووفق المعايير التي يضعها مجلس التعليم العالي.

([21])  موقع مجلس الشعب السوري، المرسوم التشريعي رقم 100 لعام 2011 https://bit.ly/3PW2Rsq

([22])  مكتب الشباب المركزي في الحزب مسؤول عن طلائع البعث والاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الرياضي العام  وكتائب البعث.

([23])  انظر:

  • بشار مطلق :
  • 1- "فيما تم اختيار للجنة التنظيمية الخاصة بالمشاركين كل من: بشار مطلق رئيسا للجنة"، إقرار لجنة مناقشة الدستور الحالي ومهامها في مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي، وكالة سانا للأنباء https://bit.ly/3Gls7oH.
  • 2- عضو مجلس شعب حالي، الوكالة الوطنية للإعلام، أسماء أعضاء مجلس الشعب السوري الجديد 2020 https://bit.ly/3vhJiRE
  • محمد عجيل: عضو مجلس شعب حالي، المرجع السابق
  • عمر العاروب: عضو مجلس شعب سابق للدورة التشريعية 2016-2020 https://bit.ly/3jvKU82 ، رئيس البعثة الأولمبية للنظام إلى أولمبياد طوكيو 2020، ونائب رئيس الاتحاد الرياضي العام الحالي، ونائب قائد "كتاب البعث

([24]) تجارب من النشاط السياسي للشباب قبل الثورة وأثنائها، موقع سورية الحرية،16/02/2016  https://bit.ly/3WFswZU

([25]) اقتحام الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، https://www.youtube.com/watch?v=rXzr2HtsU40

([26])  الصفحة 4 من النظام الداخلي للاتحاد الوطني للطلبة سورية.

([27]) من مقابلة أًجريت مع الباحث علي الجاسم، عضو فرع حلب للاتحاد الوطني لطلبة سورية سابقاً

([28])جامعة حلب تفصل طلاباً شاركوا بمظاهرات ضد النظام، زمان الوصل،15/01/2013   https://shorturl.at/awEH8

([29])  تم تحويل الوحدة رقم 20 في المدينة الجامعية في حلب كمركز احتجاز مؤقت تُشرف عليه كتائب البعث – المقابلة السابقة مع علي الجاسم.

([30])  أصبح عمار ساعاتي هو المسؤول عن المؤسسات الطلابية ككل ضمن منصبه كرئيس لمكتب الشباب المركزي في اللجنة المركزية لحزب البعث بالإضافة لكتائب البعث.

([31]) U.S. DEPARTMENT OF THE TREASURY, Treasury Sanctions Senior Syrian Government Officials, Agustus/2020, https://bit.ly/3nqHAK9

([32])  قائد كتائب البعث الحالي هو باسم سودان وهو نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية حتى عام 2020

([33]) يوتيوب، اقتحام الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، تشرين الثاني 2011، https://bit.ly/3QaZRZv

([34]) مقتل أيهم غزول تحت التعذيب بعد اعتقاله من أعضاء الاتحاد في جامعة دمشق – تحقيق لهيومان رايتس واتش "لو تكلم الموتى"، كانون الأول 2015  https://bit.ly/3B0v1fx

([35])اتحاد طلبة سورية يشدد الإجراءات الأمنية في جامعة تشرين https://bit.ly/3XIMYsM

([36]) اقتحمت قوات الأمن مع أعضاء فرع دمشق للاتحاد الجامعة العربية الخاصة بعد مظاهرات فيها وتم الاعتداء على الطلاب بالتعاون مع أعضاء فرع الاتحاد في الجامعة https://bit.ly/3gLjREs

([37])  تم اعتقاله، وأصدار الاتحاد الوطني بياناً بخصوصه أكّد إيقافه عن التدريس  واعتقاله، كانون الأول 2018 https://bit.ly/3iviQBf

([38]) النظام يصدّر "كتائب البعث" كواجهة للشباب السوري. ما علاقة الحزب الشيوعي الصيني؟ ، تلفزيون سورية 13/10/2022  https://bit.ly/3gMZ3wD

 

([39])  انظر:

  • هيثم الضويحي: الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة سورية من عام 1976 حتى عام 2000، وزير شؤون رئاسة الجمهورية 2000-2003، عضو سابق في مجلس الشعب، تائب رئيس اللجنة المركزية للمصالحات الشعبية 2014.
  • وفاء صنين: عضو سابق في المكتب التنفيذي للاتحاد، مديرة الإعداد والتدريب في وزارة التربية، معاون لوزير التربية 2014.
  • فيصل مقداد: رئيس فرع الاتحاد في جامعة دمشق – عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة 1981 – وزير الخارجية الحالي.
  • حامد حسن: السفير السوري في طهران 2006- معاون وزير الخارجية والمغتربين – عضو حالي في مجلس الشعب.

([40]) المقابلة السابقة مع الباحث علي جاسم.

([41]) جلسات حوارية في مدينة الرقة، تموز 2011 https://bit.ly/3UvJNC9

([42]) مسيرة في حلب بتنظيم من الاتحاد الوطني لطلبة سورية واتحاد شبيبة الثورة، حزيران 2011 https://bit.ly/3EKAo3K

([43]) شنت معرفات اتحاد طلبة سورية حملة واسعة ضد المطالبين بإلغاء المادة الثامنة من الدستور المتعلقة بأن حزب البعث الحزب القائد للدولة والمجتمع، تموز 2011 https://bit.ly/3AVskfb + https://bit.ly/3GWu77O

([44]) أطلق الاتحاد سلسلة حوارات ضمن مبادرة "أول جار"، آب 2022  https://bit.ly/3t0EpLO

([45])اجتماع الطلاب الفاعلين في جلسات الحوار مع بشار الأسد https://bit.ly/3GVSTF0

([46])  جلسة حوارية عقدها الاتحاد الوطني بعنوان (الصراع في أوكرانيا وانعكاساته الدولية والسورية)، نيسان 2022 https://bit.ly/3tXPrSB

([47])من المقابلة التي أجريت مع الباحث علي  الجاسم.

([48]) صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية على الفيسبوك  https://bit.ly/3g40Ahr

([49]) صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية على الفيسبوك https://bit.ly/3Vwv2Ql

([50])  موقع وثيقة وطن، من نحن https://bit.ly/3jwK6zB

([51]) توقيع على اتفاق تعاون بين مشروع جريح وطن والاتحاد الوطني لطلبة سورية، آب 2022 https://bit.ly/3Xjg2XQ

([52])صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية – فرع جامعة حلب على الفيسبوك https://shorturl.at/DLX78

([53]) الرابطة السورية لكرامة المواطن، كيف يستخدم النظام السوري المساعدات لترسيخ القمع، نوفمبر2021 https://bit.ly/3HovXxM

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء, 28 أيلول/سبتمبر 2022 15:03

نظام "الأبارتهايد" السوري

يجمع النظام السوري من الصفات والممارسات مع نظام "الأبارتهايد" أكثر بكثير مما يختلف معه أو ينفي عنه هذه الصفة، إذ مارس النظام السوري أشكالاً مختلفة من التمييز طوال فترة حكمه وما يزال.

تعود كلمة " الأبارتهايد" لأصلها في اللغة الإفريقية وتعني "الفصل" ويُشار لهذه الكلمة بشكل مفصلي عند الحديث عن نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً في جنوب إفريقيا في الفترة الممتدة ما بين 1948 – 1994 قبل فشله وتحول جنوب إفريقيا لدولة ديمقراطية يتساوى فيه الجميع على الأقل من الناحية القانونية أما في التطبيق ما زالت عدة مشكلات موجودة ولم يتم تجاوزها بعد.

نكأت زيارة كانديث ماشيغو دلاميني نائب وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جمهورية جنوب إفريقيا لسوريا ولقاءها بشار الأسد الذاكرة حول نظام "الأبارتهايد" الذي عانت منه هذه السيدة قبل أكثر من 30 عاماً خصوصاً أنها لعبت دوراً أساسياً في النضال ضده عبر إنشاء لجنة دعم الآباء المحتجزين في ثمانينات القرن الماضي لإحباط تأثير اعتقال الناشطين المناهضين للفصل العنصري الذي قاده آنذاك نظام جنوب إفريقيا.

هذه الزيارة ولدت تساؤلاً جوهرياً، إذ كيف لمن عانى الظلم يوماً أن يعود حين يُنصفه القدر ليقف بجانب ظالم آخر يقود بدوره نظاماً ديكتاتورياً قتل مئات الآلاف وشرد الملايين من الشعب الذي يحكمه ويفترض به أن يحميه ويعمل على رفاهيته لا العكس.

قد يستغرب البعض وجه تشبيه النظام السوري بنظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" الجنوب إفريقي أو حتى الإسرائيلي، خصوصاً أن الحالة السورية لا تنطبق تماماً على جنوب إفريقيا أو فلسطين المحتلة، فلا يوجد في سورية قانون يميز بين المواطنين بحسب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة على الأقل كما يدعي دستور 2012، كما أن كامل البيئة التشريعية والقانونية السورية خالية من التشريعات الصريحة التي تقوم بالتمييز بين المواطنين عدا تلك التشريعات الخاصة ببعض الطوائف الموجودة في سوريا، وهي تشريعات خاصة داخل تلك الطوائف ولا تعمم على غيرها.

إن الاختلاف بين الحالات السابقة لا ينفى تشابهها والاختلاف هنا شيء طبيعي، إذ لا يوجد أي نظام في أي دولة ينطبق تماماً على نظام آخر، ولكن قد يتشابه مع أنظمة حول العالم وإن كانت بعيدة آلاف الكيلومترات، وقد يُمارس أيضاً ما كانت تلك الأنظمة تمارسه على شعوبها من أجل البقاء في سدّة الحكم مُستنسخةً بذلك تجارب تلك الأنظمة وممارساتها الوحشية والقمعية.

يجمع النظام السوري من الصفات والممارسات مع نظام "الأبارتهايد" أكثر بكثير مما يختلف معه أو ينفي هذه الصفة عنه، إذ مارس النظام السوري كل أشكال التمييز العنصري ضد معارضيه وأذاقهم الويلات بمختلف أنواعها سواء القتل المباشر أو القتل تحت التعذيب والاعتقال والتهجير والمنع والقمع.

التمييز العنصري القائم في سوريا رغم أنه غير قائم على اللون أو الجنس وليس مشرعاً قانوناً كما هو الحال في "الأبارتهايد" الإفريقي إلا أنه يُطبق عُرفاً في عدد من مجالات الحياة العامة وعلى عدة مستويات سواء في الممارسة والسلوك أو في مؤسسات الدولة وذلك بحسب الحالة التي يُراد تطبيقه فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة.

من ناحية الممارسة والسلوك هناك جرم ضد الإنسانية يتمثل بالفصل العنصري حين يقع أو عندما يُرتكب أي عمل لا إنساني أو وحشي (بصورة أساسية أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان) في سياق نظام مؤسسي من الهيمنة والقمع بصورة ممنهجة من جانب فئة عنصرية على فئة عنصرية أخرى، بقصد إدامة هذا النظام، أما من ناحية المؤسسات فهناك مناصب في الدولة تكون حكراً على طائفة واحدة وهذا تمييز على أساس ديني/ مذهبي، ومناصب أخرى يُمنع على فئة عرقية ما أن تتبوأها وهو تمييز قائم على أساس عرقي/ قومي.

يحكم سوريا منذ عام 1963 العسكر المنتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي منذ انقلابهم آنذاك، واستخدم العسكر قانون الطوارئ لمدة 48 عاما قبل إلغائه في عام 2011 ثم استبداله بقانون مكافحة الإرهاب في عام 2012، كما أن حزب البعث الحاكم بقي لفترة طويلة في الحكم فضلاً عن تعيينه قائداً للدولة والمجتمع لعشرات السنين قبل إلغاء ذلك شكلياً في دستور 2012، واستمراره بالحكم بالوتيرة ذاتها حتى مع إسقاط تلك المادة من الدستور.

يُطبق نظام الفصل العنصري السوري بكثرة في المؤسسة العسكرية ويعلم الشعب السوري ذلك كأمر بدهي، بالإضافة لعدد من الدراسات البحثية التي سبق أن أكدت وجود مستويات عالية من الطائفية في المؤسسة العسكرية سواء في الجيش أو الأمن.

أما في مؤسسات الدولة فما زال لحزب البعث اليد العليا والطولى في التعيين بمناصبها، فالسواد الأعظم من الوزراء هم من البعث، والمحافظون الـ 14 جميعهم من البعث كما أن مجلس الشعب لعام 2020 يوجد من حزب البعث 166 عضوا بنسبة 66.4% من أصل 250 عضوا، وحتى المستقلون فالقسم الأعظم منهم بعثي برتبة "نصير"، أما بقية الأعضاء فهم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ولهم 17 مقعداً بنسبة 6.8%، وينسحب هذا على السفراء والقائمين بالأعمال وحتى قادة الجيش أيضاً، مع العلم أن الاستثناءات القليلة الموجودة لا تشكل فرقاً بـ "الأبارتهايد" السوري.

مارس النظام السوري التمييز العنصري القائم على أساس قومي عرقي على عدد كبير من الكرد في شمال شرقي سوريا واستمر حرمانهم من الجنسية السورية لعدد طويل من السنوات حتى حين قام بشار الأسد بإصدار المرسوم التشريعي 49 لعام 2011 مدفوعاً بتهدئة الأوضاع وضمان عدم مشاركتهم في الثورة.

يهدد النظام السوري أيضاً جنسية ملايين السوريين بعد إصداره قانون الأحوال المدنية رقم 13 لعام 2021 وذلك بسبب مدة صلاحية البطاقات الشخصية التي حددها بـ 10 سنوات، ناهيك عن ولادة مئات الآلاف من السوريين في الداخل والخارج دون أن يتمكن ذووهم من تسجيلهم أصولاً في دوائر الأحوال الشخصية لأسباب عديدة.

من جهة ثانية استخدم النظام السوري انتزاع الملكية بشكل مكثف ضد معارضيه عبر مصادرة الممتلكات والأموال المنقولة وغير المنقولة لهم عبر إلقاء الحجز عليها، ثم قام النظام بتشريع القانون رقم 10 لعام 2018 الذي يلزم مالكي العقارات بتقديم ما يُثبت ملكيّتهم في غضون 30 يومًا فقط، وإلّا فإنهم سيخسرون ملكيّة هذه العقارات لصالح الدولة – تمَّ تمديد فترة السماح إلى سنةٍ بعد الضجَّة العالميّة التي أحدثها صدور القانون الأمر الذي يعني ببساطة مصادرة الأسد لجميع العقارات في المناطق المناهضة له.

استخدم النظام مجموعة كبيرة من الأدوات القائمة على التمييز العنصري بشكله السوري، وبالعودة سريعاً في ذاكرة الثورة السورية نجد أن المجازر التي تم ارتكابها في سوريا قائمة على أساس التمييز المذهبي كمجازر بانياس والحولة وداريا والقبير والتريمسة والتضامن وغيرها، بالإضافة لعمليات القصف الجوي الممنهجة التي تم تنفيذها على نطاق واسع ضد المناطق الثائرة.

يضاف لممارساته أيضاً عمليات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بالإضافة للحرمان من حق العودة والتنقل، والحرمان من المشاركة السياسية والحق في تقرير المصير وعمليات النقل القسري نحو الشمال السوري تحت إطار ما سماها اتفاقات أو مصالحات وهي عمليات تغيير ديمغرافي ممنهجة، يعود الأساس فيها لضمان سيطرة فئة على فئة أو فئات أخرى.

يطبق بشار الأسد ونظام حكمه مستويات مختلفة من التمييز العنصري، ويعبر عنه ضمنياً حين يقول "خسرنا خيرة شبابنا وبنية تحتية كلفتنا كثيرا من المال والعرق لأجيال، صحيح؛ لكننا بالمقابل ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً" أو حين يقول "الوطن ليس لمن يسكن فيه ويحمل جواز سفره، وإنما لمن يدافع عنه ويحميه".

ففي المرة الأولى يحدد أنه ربح مجتمعاً متجانساً بعد قتله وتشريده للملايين وحرمانهم من مقومات الحياة الأساسية، ثم يحدد معايير الوطن بما يناسبه عبر تشريع الحرمان من المواطنة بمقابل منحها لمن ساهم في حماية نظام حكمه.

إن "الأبارتهايد" السوري يبدأ تطبيقه في حال المطالبة بالحرية أو بإسقاط النظام، ويطبق أحياناً على مجتمعات بكاملها، كما أنه يُطبق على أفراد بعينهم حتى لو كانوا من الفئة الموالية التي ينتمي إليها قادة النظام.

كان من الأجدى لمناضلة سابقة ضد نظام "الأبارتهايد" العنصري كالسيدة دلاميني أن تفكر بعدد من قتل وتعذب في سبيل حريته من جنوب إفريقيا إلى سوريا وهم عشرات الملايين، قبل أن تضع يدها بيد بشار الأسد، أو تسأله على الأقل عن آلاف الآباء الذين قتلهم تحت التعذيب أو غيبهم في سجونه.

أخيراً إن لم يكن النظام السوري نظاماً عنصرياً بالمفهوم الحديث لنظام "الأبارتهايد" العنصري فلا أعلم ماذا يكون! وبالتالي على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في تعريف التمييز العنصري وتحديث "الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري" التي وقّع عليها النظام السوري مند أكثر من 50 عاماً.

التصنيف مقالات الرأي

الملخص الترويجي

كانت علاقة الدين بالدولة في الدستور السوري نقطة جوهرية في جميع الحوارات والتفاوضات التي جرت بين التيارات المحافظة والليبرالية سابقاً، وجوهرية أيضاً في حوارات اللجنة الدستورية التي يفترض بأنها ستضع دستوراً لسورية. وعليه تهدف الدراسة إلى توسيع النقاش باتجاه بناء حوار فعال بين التيارات داخل اللجنة الدستورية وخارجها، لفتح الباب نحو حوارات مستقبلية تكسر القطيعة بين العديد من الثنائيات السورية وعلى رأسها ثنائية المحافظ والليبرالي.

 

تنقسم الدراسة إلى جزئيين أساسيين؛ الأول عرض تاريخي تحليلي لتعامل الدساتير السورية مع المسألة الدينية والمسائل المرتبطة بها، مستعرضةً مقارنات للقضايا ذاتها في الدساتير العربية. والثاني أهم الخلاصات لدراسات بعض المفكرين المحافظين العرب والسوريين، في تحديد القضايا التي يمكن للتيارين الوصول فيها إلى نقاط مشتركة تنعكس في الدستور، وإلى القضايا التي لا يمكن للدستور أن يعالجها إلا وفق النظام السياسي والقانوني المقبل في سورية."

تمهيد

كانت مصادر التشريع في الدستور السوري نقطة جوهرية في جميع الحوارات والتفاوضات التي جرت بين التيارات المحافظة والليبرالية، وهي على ما يبدو ستكون أيضاً جوهرية في حوارات اللجنة الدستورية التي تشكلت كجزء من الحل السياسي، والتي يفترض بأنها ستضع دستوراً لسورية ضمن سلة حلول أخرى تسعى إلى إحلال السلام. كانت الهيئات التأسيسية التي كتبت جميع الدساتير السورية والعربية تتعرض إلى نقطتي خلاف أساسيتين وهما: دين الدولة، ومصادر التشريع فيها. لقد جادلنا أن دين الدولة ومصادر التشريع فيهما قضيتان مرتبطتان ومنفصلتان بآن ([1]) ارتباط القضيتين يتأتى من أنهما كانتا مجال تفاوض أساسي بين التيارات المحافظة والليبرالية، وانفصالهما يكمن في عدم تعيين مخرج واضح لاستخدام أي منهما دستورياً. توضيحاً، يفترض أن ترتبط التشريعات القانونية بمصادر التشريع، وبالتالي فإن قانون الأحوال الشخصية، وهو القانون المفترض أنه الأكثر تأثراً بمصادر التشريع، يجب أن يتأثر بشكل واضح بتغير النص الدستوري، إلا أن هذا الأمر لم يكن دقيقاً، ففي حالات مثل دستور الـ 1920 ودستور 1930 وغيرهما لم يكن هناك ذكر لمصدر التشريع ورغم ذلك ظل قانون الأحوال الشخصية ذا طابع إسلامي. من جهة أخرى كان دين الدولة في تونس هو الإسلام وقانون الأحوال الشخصية ذا طابع ليبرالي مثلاً. كما أوضحنا أن التفاوض الذي جرى بين التيار المحافظ المسلم من جهة والتيارات الليبرالية والمحافظة المسيحية من الطرف الآخر، قد حال دون تبني نصٍ صريحٍ حول دين الدولة في الدستور، و"الاكتفاء" بجعل الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع. في حين أن هذا التفاوض في تونس أفضى إلى تنازل التيارات المحافظة فيها عن جعل الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، و"الاكتفاء" بعبارة " دينها الإسلام" في وصف الدولة التونسية. إذاً تنازل التيار المحافظ في سورية في دستور 1950 عن عبارة دين الدولة هو الإسلام ورضي بالشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، وتنازل التيار المحافظ في تونس عن الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع ورضي بدين الدولة هو الإسلام. إذاً يمكن الاستنتاج أنه لا توجد علاقة سببية واضحة أو اتفاق على المخرج المتوقع من استخدام هذه العبارة أو تلك.

انطلاقاً من هذه المقدمة، سنعمد في بحثنا هذا إلى توسيع النقاش باتجاه بناء حوار فعال اليوم بين التيارات داخل اللجنة الدستورية وخارجها، آملين أن نفتح الباب نحو حوارات مستقبلية تكسر القطيعة بين العديد من الثنائيات السورية وعلى رأسها ثنائية المحافظ والليبرالي.

وسنتطرق أيضاً إلى قضية حقوق المرأة كونها مرتبطة بشكل وثيق بمصادر التشريع ودين الدولة والحوار الليبرالي-المحافظ ولكونها أخذت حيزاً هاماً في مداولات دستور 1920 وغيره من الدساتير. ولكن وقبل أن نلج في إشكالية البحث وأسئلته، نرى من الواجب توضيح هذه الثنائية أولاً، واصطلاحنا ثانياً.

يعاني المجتمع السوري من ثنائيات، أعاقت بالتضافر مع عوامل أخرى بناء هوية وطنية جامعة، فثنائيات من قبيل عربي -كردي، مسلم -مسيحي، سني -علوي، داخل -خارج، كانت على الدوام، وبشكل صارخ بعد العام 2011، مصدر قلق اجتماعي عام، وعامل عنف رهيب. إلا أن واحدة من الثنائيات التي اخترقت كل الثنائيات الأخرى، هي ثنائية ليبرالي -محافظ، أو لتوصيف القضية بشكل أدق ثنائية علماني -إسلامي. كانت هذه الثنائية دائمة البروز عند الانعطافات التاريخية في سورية، وليست أحداث السبعينات والثمانينات وحدها الشاهد. وكنتيجة للصورة المتخيلة عن الآخر، تكرست كلمة العلمانية كمرادف للإلحاد والإسلامية كمرادف للتطرف، رغم محاولات الطرفين شرح المفهومين، إلا أن الانطباع العام لم يتغير. من هنا، ولأغراض إجرائية وقصدية، فإننا نستعمل مصطلح الليبرالية لنقصد به التيارات التي تنادي بفصل الدين عن الدولة والمساواة بين الأفراد بغض النظر عن الجنس والدين والعرق والطائفة والمذهب، والتيارات المحافظة التي لا تدعم كلياً أو جزئياً فكرة المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء أو بين المسلم والمسيحي. الغرض من تحديد المصطلحات بهذا الشكل هو قصديّ بالدرجة الأولى. إذ نتوخى من تكريس هذا التقسيم في الخطاب السياسي السوري، بدل تقسيم علماني -إسلامي لعدة أسباب: أولاً، تجنب الصورة المتخيلة عن كل منهما، والتي تسم العلمانية بالإلحاد والكفر والإسلامية بالتطرف. ثانياً، نقل الخلاف الأيديولوجي إلى الحيز السياسي. ثالثاً، إن ثنائية المحافظ ليبرالي تكسر التخندق الحاصل في ثنائيات هوياتية مقسمة للمجتمع، كثنائية مسيحي/ مسلم أو عربي/ كردي. رابعاً، هو الشكل الذي يأخذه مصطلح الإسلامية في الأدبيات الغربية، والذي عن قصد أو بغير قصد، يضع مصطلح الإسلامية Islamic كمكافئ لمصطلح الإسلاموية Islamist رغم أن التيارات المحافظة في الغرب قد تسمي نفسها مسيحية Christian وليس مسيحوية Christianist.

ينطلق البحث في تحديد إشكاليته وأسئلته الأساسية ومنهجه، من ثم ينقسم البحث إلى جزئيين أساسيين: نمضي في الجزء الأول في عرض تاريخي تحليلي لتعامل الدساتير السورية مع المسألة الدينية والمسائل المرتبطة بها، مستعرضين مقارنات للقضايا ذاتها في الدساتير العربية. من ثم ننتقل في الجزء الثاني، وبالاستناد إلى استخلاصات الجزء الأول، وإلى دراسات بعض المفكرين المحافظين العرب والسوريين، في تحديد القضايا التي يمكن للتيارين الوصول فيها إلى نقاط مشتركة يمكن أن تنعكس كنقاط مشتركة في الدستور، وإلى القضايا التي لا يمكن للدستور أن يحلها، ويجب أن تترك للنظام السياسي والقانوني المقبل في سورية.

في الإشكالية والأهداف

برزت علاقة الدين بالدولة كمحدد أساسي للعلاقة بين التيارات المحافظة والليبرالية في سورية بشكل واضح في الدساتير السورية منذ دستور عام 1920. ([2]) وصلت هذه الإشكالية حد المواجهة في الشارع في العام 1972 إبان وبعد مداولات دستور 1973. لم تكن هذه القضية الوحيدة التي أثارت نزاعاً في مداولات الدساتير المختلفة، لكنها تبدو واحدة من القضايا الأكثر أهمية، على الرغم من قلة الأبحاث التي تطرقت إلى هذه المسألة حتى تاريخ كتابة هذا البحث، رغم وجود أبحاث هامة طبعاً في هذا المجال. إلا أننا بدأنا نلحظ اهتماماً متزايداً بها بعد الحديث عن دستور جديد كمخرج للحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2011. فعلى سبيل المثال، عقد المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات ندوة بعنوان "مئوية الدستور السوري الأول 1919/1920: إشكالية العَلمنة" من تقديم محمد جمال باروت بتاريخ 2 أيلول 2020، لمناقشة تعامل مؤتمر العام 1920 مع قضية العلمانية. ([3]) كما ظهر بحث هام للدكتور إبراهيم دراجي والدكتورة ريم تركماني تناول قضية علاقة الدين بالدولة في العام ذاته. ([4])

على الرغم من أهمية هذا البند في الحياة السياسية عموماً، وفي الدستور خصوصاً، ظلت هذه المسألة بعيدة عن التناول البحثي الجدي والعميق في محاولة معرفة المحددات الأساسية التي أفضت إلى النصوص المعتمدة، أو غيابها، في جميع الدساتير، ناهيك عن مفاعيل هذه النصوص سياسياً وقانونياً.

زد على ذلك، أن عبارة "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع" حافظت على نفسها تقريباً، مع تباينات طفيفة، في جميع الدساتير السورية منذ العام 1950 وحتى آخر دستور في العام 2012، متنازعة مع محاولات لإدراج نص "دين الدولة هو الإسلام" لتبقى كذلك نتيجة للتفاوض المتوتر بين التيارات، دون أن يكون هناك تفسير واضح للفرق بين العبارتين، ومتنازعة مع محاولات أخرى لإزالتها تماماً من دون أن تبرز محاولات جدية لاقتراح نصوص دستورية تعمل على تقريب وجهات النظر بين التيارات.

عليه فإن هذا البحث سيسعى للإجابة عن الأسئلة الآتية:

  • كيف برزت علاقة الدين بالدولة في الدساتير السورية المختلفة؟ وكيف تباينت النصوص الدستورية فيما بينها من جهة وفيما بينها وبين الدساتير العربية من جهة أخرى؟
  • ما الأسباب التي أفضت إلى اعتماد هذه النصوص، وما دور العوامل الداخلية والخارجية في تبنيها أو إغفالها؟
  • ما دور حقوق الجماعات وحقوق الأفراد فيها؟ وما مفاعيل هذه النصوص وآثارها القانونية والمجتمعية على الأفراد والجماعات؟
  • وبالاستناد إلى المحدثين من التيارين المحافظ والليبرالي، هل بالإمكان الوصول إلى نصوص توافقية تشكل أساساً للحوار بين هذين التيارين؟

في الإجابة عن هذه الأسئلة يسعى البحث إلى تحقيق الأهداف التالية:

  • تسليط الضوء على علاقة الدين بالدولة من وجهة نظر التيارين الليبرالي والمحافظ وانعكاساتها الدستورية، وفهم الأسباب التي أفضت إلى تبني النصوص النهائية في دساتير 1920، 1950، و1973
  • التقاط مجالات التقاطع المحتملة بين التيارات، ومدى إمكانية الوصول إلى إطار مشترك في الدستور التي تشتغل عليه اللجنة الدستورية.

 

سنعمد في هذا البحث إلى المنهج الوصفي التحليلي في مقاربة وجهات نظر التيارات المحافظة والليبرالية، مع استخدام المنهج التاريخي في فهم السياقات السياسية والاجتماعية التي أطّرت تعاطي الدساتير السورية المتعاقبة مع القضية الدينية. كما استعملنا المنهج المقارن في مقارنتنا بين الحوارات والتفاوضات التي جرت بين مختلف التيارات السياسية للجمعيات والهيئات التي كتبت دساتير الأعوام 1920، 1950، و1973. سنركز خلال استعراض المسألة الدينية على الحوارات والتفاوضات التي رافقت كتابة هذه الدساتير في محاولة لمقاربة الحوار الليبرالي المحافظ دستورياً مركزين على ثلاثة دساتير أساسية هي: دستور 1920 كونه أول دستور لسورية بعد انفصالها عن السلطنة العثمانية، وكونه أول دستور سوري يكتبه السوريون، ودستور 1950 كونه أول دستور يكتب بعد الاستقلال عن فرنسا، ولأنه أول دستور يذكر نصاً واضحاً لمصادر التشريع، ولأنه أول دستور يتم التنازع فيه بين نصي دين الدولة ومصادر التشريع، وأخيراً دستور 1973 والذي شهد تثبيت الحكم العسكري الشمولي لسورية الذي ابتدأ مع انقلاب آذار 1963، والذي دام حتى يومنا هذا. لا نعني بكلامنا أن الدساتير الأخرى كدستور العام 1930 مثلاً، غير مهمة، إلا أننا نرى أن هذه الدساتير الثلاثة شكلت عاملاً فارقاً في الحياة السياسية السورية.

سنعمد إلى الاقتباس الكامل لمداخلات أعضاء الهيئات التي كتبت هذه الدساتير، كون هذه المداخلات هي ما شكل الأساس في عملية الاستخلاص والتحليل من جهة، ولأهمية هذه المداخلات كناحية توثيقية من جهة أخرى.

لن نتطرق في هذا البحث إلى جميع النصوص التي تتعلق بالدين كالقسم، والتعليم، وأحوال الطوائف، وذلك أن هذه القضايا هي حصيلة النقاش على المادة الثالثة في الدستور، ومقدمته. فما جرى في نقاشات جميع الدساتير تركز على المادة الثالثة – حتى في غيابها في نص 1920 مثلاً-وعلى المقدمة كما سنرى في دستور 1950.

في سعينا للإجابة عن أسئلة البحث، سنركز على السياقات الاجتماعية والسياسية وتحديداً في النشاط السياسي الحزبي الذي سبق ورافق عملية كتابة الدساتير هذه. بالتالي، سنستعرض أهم الأحزاب التي عملت داخل قبة البرلمان في الجمعيات التأسيسية التي كتبت هذه الدساتير، سواء تلك المنتخبة كما هو الحال في المؤتمر السوري العام 1919-1920، وفي الجمعية التأسيسية في العام 1950، أو المعينة كما هو الحال في مجلس الشعب المعين في العام 1971-1973.

سنستعرض في ذلك، التفاوضات التي جرت داخل قبة البرلمان وتلك التي جرت خارجه بين الأحزاب فيما بينها، وبينها وبين القوى المجتمعية الدينية وقوى المجتمع المدني خارج البرلمان.

أولاً: الدستور والمسألة الدينية

ظلت المسألة الدينية حاضرة بقوة في كل الدساتير السورية التي كتبت خلال 100 عام، منذ العام 1920، تاريخ الدستور السوري الأول وحتى دستور العام 2012. وكانت واحدة من القضايا الأساسية التي أخذت قسطاً وافراً من الحوارات والتفاوضات التي رافقت كتابة ثلاثة دساتير على الأقل، وهي: دساتير الأعوام 1920، 1950، و1973 ولهذه الدساتير أهميتها الخاصة. فدستور العام 1920 كان أول دستور للكيان السوري بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية والذي، أي الدستور، لم يقيض له أن يرى النور بعد دخول القوات الفرنسية إلى دمشق. ودستور العام 1950 كان أول دستور سوري بعد الاستقلال ونهاية حقبة الانتداب. أما دستور 1973 فهو أطول دستور يحكم البلاد والذي أسس لحكم الأسد الأب والابن لقرابة 40 عاماً، والذي أثر بشكل واضح على دستور العام 2012 الذي جاء بعد انتفاضة العام 2011.

ليس مستغرباً أن تشهد هذه الدساتير الثلاثة تفاوضات مهمة لعلاقة الدين بالدولة شأنها في ذلك شأن كل الدساتير الأخرى في العالم العربي والعالم أجمع. فعلاقة الدين بالدولة لها أثر على القضية الهويّاتية التي يسعى الدستور إلى تأصيلها من جهة، وعلى حقوق الإنسان والجماعات من جهة أخرى.([5]) كما ستؤثر هذه النصوص، افتراضاً، على القوانين التي تكتب بفعل هذا الدستور، وبشكل أساسي قانون الأحوال الشخصية، وحقوق النساء، والأقليات الدينية والطائفية والمذهبية، وربما قوانين أخرى، ناهيك عن آثارها الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية.

تظهر العلاقة بين الدين والدستور في مجالات عدة منها ديباجة الدستور،([6]) ودين رأس السلطة التنفيذية، ودين الدولة، ومصدر التشريع، وحرية الاعتقاد، والأحوال الشخصية للطوائف، والتعليم عموماً والديني خصوصاً. ليست هذه قضايا عابرة، بل هي قضايا تقبع في جوهر الدستور كوثيقة للعقد الاجتماعي الذي يحكم علاقة الدولة بالمجتمع من جهة ويحدد وظيفتها من جهة أخرى، والتي ستحكم التشريعات التي ستستند إلى هذا الدستور.([7])

سنقتصر في هذا البحث على الدساتير الثلاثة الآنفة الذكر، مركزين فيها على التفاوضات التي دارت بين القائمين على كتابة الدستور من جهة، وبينهم وبين القوى الأساسية في المجتمع من جهة أخرى.

ثانياً: الدساتير السورية والمسألة الدينية

1.   دستور 1920

على خلاف دستوري العامين 1950 و1973، خلا دستور 1920 من أي ديباجة، رغم وجود أسباب موجبة لكنها لم تعتبر جزءاً من نص الدستور، وابتدأ فوراً بتعداد فصوله. ([8]) تظهر المسألة الدينية في دستور العام 1920 بشكل صريح في المادة الأولى التي تحدد دين الملك، وفي المادة الثالثة عشرة التي تمنع التعرض لحرية المعتقدات والديانات، والتي لا تمنع الحفلات الدينية من الطوائف على ألا تخل بالأمن العام أو تمس بشعائر الأديان والمذاهب الأخرى، وفي المادة الرابعة عشرة التي تذكر كيفية إدارة المحاكم الشرعية والمجالس الطائفية التي تحسب شرائعياً في الأحوال الشخصية المذهبية، وكيفية إدارة الأوقاف العامة مع أنها تتركها للمشرع لإقرار هذه الكيفية.

أما بشكل ضمني فيوجد المواد: العاشرة، والتي تقول إن السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، والمادة الحادية عشرة والتي تتحدث عن صيانة الحرية الشخصية، والمادة التاسعة والسبعين والتي تتحدث عن حق الانتخاب، والتي تتشابه إلى حد كبير مع الدساتير العثمانية 1878 و1908.

صمت هذا الدستور عن قضايا أساسية تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، فهو لم يذكر دين الدولة ولا مصدر التشريع فيها ولا حقوق المرأة، ولا مكانة الدين الإسلامي في المجتمع بين باقي الديانات.

إن ظهور المسألة الدينية بشكل صريح وضمني والسكوت عن قضايا مرتبطة بها في دستور 1920، جاء نتيجة تفاوضات حول الدين والدولة وحقوق المرأة،([9]) جرت في أروقة المؤتمر السوري العام بين ثلاثة تيارات وهي: التيار الليبرالي، والذي كان يريد دولة لادينية بالمعنى اللائيكي،([10]) والتيار المحافظ، والذي أراد دولة إسلامية عربية بأساس ديني، والتيار الوسط، والذي كان يأخذ بالأساس الاجتماعي للمسألة الدينية في الدستور.

مثّل التيار الليبرالي شخصيات مثل رجل الدين المرموق الشيخ سعيد مراد، أستاذ مادة جملة الأحكام الشرعية في معهد الحقوق في بيروت ومن ثم في دمشق، ([11]) وإبراهيم الخطيب مندوب لبنان، سعد الله الجابري نائب حلب، ودعاس جرجس من قلعة الأكراد، وصبحي الطويل من اللاذقية. ([12]) أما التيار المحافظ فمثلته شخصيات مثل الشيخ عبد القادر الكيلاني من حلب، والشيخ أحمد القضماني من دمشق، والشيخ أحمد العياشي وإبراهيم الشيخ حسن وخليل التلهوني. والتيار الوسط فمثّلته شخصيات مثل الشيخ رشيد رضا.

سنستعرض فيما يلي المواقف التفاوضية للأطراف الثلاثة ولكن قبل ذلك سنمر على الأحزاب السياسية التي كانت ممثلة في المؤتمر السوري العام.

1.1 الأحزاب السورية التي شكلت المؤتمر السوري العام

1.1.1 الكتلة التقدمية (حزب التقدم)

قاد الحراك القومي العربي خلال الحرب العالمية الأولى الجمعية العربية الفتاة، والتي تأسست في باريس في العام 1911 وتشاركت مع غيرها من الأحزاب والجمعيات التي عملت بشكل سري حتى شباط العام 1919 تحت اسم حزب الاستقلال العربي، ([13]) والذي ضم بين أعضائه شخصيات مثل الشيخ كامل القصاب والليبرالي الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. تمتع حزب الاستقلال بعلاقة قوية مع الشيخ رشيد رضا من حزب الاتحاد السوري، والذي تأسس بدوره في القاهرة باسم حزب اللامركزية، والذي كان يدعو إلى نظام لامركزي يضمن حكماً ذاتياً للعرب، وذلك في العقد الثاني من القرن العشرين. بعد هزيمة السلطنة في الحرب العالمية الأولى تركزت أهداف حزب الاتحاد السوري في استقلال سورية الطبيعية وعروبتها، وعلى تبني نظام الحكم الملكي الدستوري، وخاصة بعد ظهور الأمير فيصل كشخصية ذات مرجعية دينية من سلالة الرسول الكريم كبديل عن الخلافة العثمانية، واللامركزية وبحماية الأقليات والأخوة بين المسلمين والمسيحيين. ([14]) تزعم هذا الحزب ميشيل لطف الله المسيحي رئيساً، والشيخ رشيد رضا نائباً للرئيس. يكفي أن نرى مسيحياً في الرئاسة وشيخاً في نيابة الرئاسة لندرك طريقة تعامل هذا الحزب مع قضية الدين. من الهام أن ننوه هنا أن الشيخ رضا كان يعتقد أن الدين الإسلامي قادر على توفير الحماية للمسيحيين وبأنه دين عصري وليس ديناً متطرفاً ورجعياً كما يزعم الغرب، وألا تعارض بين الإسلام والدولة المدنية الحديثة. ([15]) إذاً تركزت استراتيجية هذا الحزب على النضال القومي وعلى الإخاء بين أفراد الشعب، وذلك بشكل أساسي لمناهضة القوى الانفصالية المسيحية من جهة، والوقوف بوجه المزاعم الفرنسية بحماية المسيحيين في سعيها لفرض هيمنتها على سورية.

شكل حزبا الاستقلال والاتحاد تحالفاً تحت اسم الكتلة التقدمية والتي حصلت على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في المؤتمر السوري العام ونجحت بإيصال الشيخ رضا إلى منصب رئيس المؤتمر.

1.1.2 الكتلة الديموقراطية: (الحزب الوطني السوري)

بدعم من الأمير فيصل، تشكل الحزب الوطني السوري من الشخصيات المتنفذة في دمشق بقيادة أمير الحج زمن السلطنة العثمانية عبد الرحمن باشا اليوسف، إضافة إلى شخصيات مثل عمر العابد، ومحمد الشريقي، وجنرالات الأمير فيصل مثل نسيب البكري وشريف ناصر، ([16]) كما كان من قياداته الشيخ المحافظ عبد القادر الخطيب، والذي رفض منح المرأة حق الانتخاب كما سنرى. ([17]) كانت غالبية أعضاء هذا الحزب من الفئة الأرستقراطية الثرية حتى سمي بحزب الذوات.  كخصمه السياسي، كان هذا الحزب يضع استقلال سورية الطبيعية هدفاً أسمى لكنه كان يدعو إلى التعاون مع فرنسا، منادياً بالمساواة بين المسيحيين والمسلمين في الوقت ذاته.

1.2 التفاوضات التي أفضت إلى هذه النصوص

رغم وجود كتلتين أساسيتين هما الكتلة التقدمية والكتلة الديموقراطية وعدد آخر من الكتل الصغيرة والمستقلين، ظهرت في حقيقة الأمر داخل البرلمان ثلاثة تيارات عابرة لبنية الأحزاب وهي: التيار الليبرالي والوسط والتيار المحافظ. ربما يعود هذا الانقسام إلى حقيقة أن الأحزاب المشكلة في فترة الاستقلال كانت تركز على قضية الاستقلال وحده، دون التفكير ملياً في قضايا أيديولوجية أو برامجية ستواجهها عند كتابة الدستور. استندت التيارات الثلاثة في مطالبها ومواقفها التفاوضية إلى منطلقات مختلفة. فالتيار الليبرالي الذي كانت أغلبية أعضائه من الكتلة التقدمية استند في مطالبه نحو دولة لا دينية وحق المرأة في الانتخاب على جانب حقوقي من ناحية، وعلى جانب آخر مرتبط بالعلاقة مع الغرب وبضرورة التفاوض معه منعاً لتدخله في شؤون سورية وحماية لاستقلالها من ناحية أخرى. في حين استند التيار المحافظ على الشريعة الإسلامية والتقاليد المجتمعية. أما التيار الثالث، فقد استند على ما أسماه مصلحة الأمة وتمثّل روحها.

فالتيار الليبرالي رأى أن تبني دولة لا دينية حداثة وتشبّه بالغرب المتطور، وبأن حق المرأة في الانتخاب هو حقها الإنساني، بل وحتى الشرعي.

كانت المطالبة بدولة لا دينية حاضرة بقوة بين النخب السورية، فالجموع التي استقبلت الأمير فيصل في دمشق كانت ترفع لافتات كتب عليها الدين لله والوطن للجميع، ([18]) وكان هنالك العديد من قادة الجمعية العربية من العلمانيين، وكان العديد من صحف دمشق تطالب بدولة محايدة تجاه الدين والدولة، مستخدمة مصطلحات مثل مدنية الدولة وحتى العلمانية. ([19]) كما أننا نظن أن التيار الذي كان يطالب بحق المرأة الانتخابي هو نفسه الذي طالب بدولة لا دينية، آخذين بعين الاعتبار أن التباين في درجة الليبرالية التي يتوخاها عضو ما تختلف عن تلك التي يطلبها عضو آخر.

يقول رشيد رضا في مقاله المنشور في العام 1934: "قد اقترح بعض أعضاء المؤتمر من غير المسلمين في هذه الجلسة أن يُنَص في قرار المؤتمر على أن حكومة سورية المتحدة لادينية (لاييك) و وافقه بعض المسلمين الجغرافيين، وعارضه آخرون مقترحين أن يُنص فيه على أنها حكومة إسلامية عربية، أو دينها الرسمي الإسلام، واحتدم الجدال، فلم أر مخرجًا من هذه الفتنة إلا اقتراح السكوت عن هذه المسألة، ومما قلته: إن إعلان كونها لا دينية يفهم منه جميع المسلمين أنها حكومة كفر وتعطيل، لا تتقيد بحلال ولا حرام، ومن لوازم ذلك أنها غير شرعية، فلا تجب طاعتها، ولا إقرارها، بل يجب إسقاطها عن الإمكان، فالأَوْلَى السكوت عن ذلك، فوافق الأكثرون على هذا الرأي والاكتفاء باشتراط أن يكون دين ملكها الرسمي هو الإسلام فتقرر ذلك".

ومن اللافت هنا عدة نقاط، الأولى إن اقتراح دولة لا دينية قبل نحو قرن من قبل أعضاء منتخبين لم يكن يرى على أنه خروج هائل عن المألوف، ([20]) على الأقل بين النخب. الثانية، هي أن رشيد رضا يسمي السوريين المسلمين المنادين بلادينية الدولة بالمسلمين الجغرافيين، والتي ربما عنى بها العلمانيين. الثالثة، هي أن الشيخ رضا لم ير بالدولة اللادينية نشازاً من جهة المفهوم، وسبب معارضته لها هو ما قد يفهمه الناس منها، لا جوهرها الفعلي.

أما في قضية المرأة، وتحديداً في تمكينها من حق الانتخاب، تبدو التفاوضات بين هذه التيارات جلية. فالتيار المحافظ، كان رافضاً بشكل قطعي لمشاركة المرأة في الانتخاب، مستنداً في ذلك إلى التقاليد وأحكام الشريعة. أما التيار الليبرالي فكان متحمساً لفكرة مشاركتها في الانتخابات، منطلقاً في ذلك من أنها متساوية مع الرجل في هذا الحق، وإلى مرجعيته الأوروبية. على سبيل المثال وفي معرض رفضه منح النساء حق الانتخاب يقول عبد القادر الكيلاني، والذي مثل الجهة في التيار المحافظ التي استندت إلى التقاليد المجتمعية: "إن الأوروبيين قد ساروا في حلبة التمدن 300 سنة فعاداتهم وتقاليدهم لا تمنع المرأة من الاشتراك معهم في كل شيء ومع ذلك أروني دولة من دول أوروبا أعطت الإناث هذا الحق" فالأصل عند هذه الجهة من التيار المحافظ هو العادات والتقاليد. أما الشيخ أحمد القضماني من دمشق فقد استند إلى الشريعة في معرض رفضه لإعطاء النساء حق الانتخاب. يقول الشيخ أحمد قضماني: "جعلها \أي المرأة\ الله بنصف عقل ونصف ميراث" فهذا التيار كان يرفض مشاركة المرأة في الانتخاب من وجهة نظره للشريعة الإسلامية. ([21])

وبالنسبة لموقف التيار الليبرالي المستند إلى مفهوم الحقوق والعلاقة مع الغرب كما أسلفنا. يقول السيد إبراهيم الخطيب: "لو كنت أعرف أن الأفكار مستعدة لقبول اقتراحي لهذه الدرجة لكنت اقترحت أن نعطي للمرأة أكثر من هذا الحق [حق الانتخاب]". ويقول السيد رفيق التميمي: "بإمكاننا أيها السادة أن نؤلف بين المذهبين القديم والجديد. إن حق الانتخاب واجب يعم جميع الوطنيين إلا أنه أصم فعلى كل وطني أن ينتخب ولكن لا يجازى إذا لم يصوت. نحن إذا أعطينا هذا الحق للمرأة فلها الحرية باستعماله أو رفضه." ويقول صبحي الطويل من اللاذقية: "إن هذا الانتخاب لو لم يفد إلا إثبات حق للمرأة لكفى".

أما التيار الذي استند في معرض دفاعه عن حق المرأة في الانتخاب إلى العلاقة مع الغرب فيمثله شخصيات مثل جورج حرفوش والشيخ سعيد مراد والذي دعي ببطل حقوق المرأة والذي يقول: "أتكلم باللغة العربية الفصحى التي يفهمها كل أحد. يقول الغربيون إن الشرق الذي سجل عليه إلى أجل غير معلوم جهل نصفه يجب أن نكون أوصياء عليه" ويقول جورج حرفوش: "غداً تقرأ أوروبا في جرائدها أن أعضاء المؤتمر السوري اقترحوا إعطاء حق الانتخاب للمرأة فتأكدوا أننا نحدث تأثيراً يغنينا عن عشرين وفداً". ([22])

أما التيار الثالث فقد كان يتحفظ على إعطاء المرأة حق الانتخاب من منطلق اجتماعي، والحفاظ على النظام العام، والذي سماه مرة بروح الأمة، ومصلحتها. لا يبدو أن هذا التيار كان رافضاً للفكرة من منطلق عقائدي، ولكن خشية من ردة فعل الجمهور. يقول محمد عزة دروزة في مذكراته: "وقد أخذ موضوع حقوق المرأة في الدولة حيزاً كبيراً، وكان للشيخ سعيد مراد (الغزي) مواقف إيجابية قوية في صدد تثبيت حقوقها وحريتها ومساواتها في الدولة، وكان للتقليديين مواقف مضادة ولكنها كانت تهزم أمام الحجج القوية من جهة، وكانت كثرة الشباب والمتفتحين في المؤتمر مساعدة على ذلك من جهة أخرى. ولولا أننا لاحظنا أن ظروف البلاد السياسية لا تتحمل هزة شديدة في الشعب يثيرها الرجعيون لأمكن إقرار مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات السياسية والمدنية والانتخابية والتمثيل وأهليتها لذلك".([23]) ويقول رشيد رضا: "فأنا أقول بوجوب محاربة الجامدين الذين يريدون أن تبقى المرأة جاهلة غير أن مسألة الانتخاب لا تترتب عليها مصلحة وقد توجب سوء التأثير وأظن أنكم تعرفون أن العوام والتيار العمومي لا يقبلان تحقيقاً فصرخة واحدة كافية لإثارتهما" ويقول في موضع آخر: "فإذا أعطينا المرأة حق الانتخاب أصبحت من أولي الأمر ولا يكون للرجل عليها درجة، نحن لا نريد أن ندخل في التفسير وقلنا إن المسألة لا مصلحة لنا فيها وليس لدينا من الوقت ما يسمح لنا بفتح الباب أمام المتعصبين".  أما عادل زعيتر فيقول: "لا شك أن كل واحد منا يريد أن تصل المرأة إلى الدرجة الراقية لكي تطلب حقها ولكن رغم ما قاله بعض الخطباء وادعاه من الفائدة في تخويل النساء حق الانتخاب أرى أن ذلك مضر لأنه لا يمتزج مع روح الأمة". ويقول الدكتور سعيد طليع: "فأنا لو كنت في أوروبا لكنت من الذين يدافعون عن إعطاء هذا الحق للمرأة ومؤيداً رأيي بالأدلة والبراهين القاطعة ولكني بما أني سوري وفي سورية لا يمكنني ذلك. نحن نسن قانوناً لكافة الأمة السورية فكل قانون لا ينطبق على روح الأمة لا يجدي نفعاً فسورية لا تتحمل هذا القانون". ([24])

انتهى الأمر كسابقه في موضع الدين بالدولة إلى الصمت عنه. لم يذكر الدستور أن الحق مقتصر على الرجال، ولم يذكر بشكل صريح موقفه من حق المرأة في الانتخاب. "الرئيس: [هاشم الأتاسي] يوجد اقتراح من عثمان سلطان وخمسة عشرة عضواً ويشاركهم السيد تيودور أنطاكي وهو "نقترح عدم البت في موضوع إعطاء المرأة حق الانتخاب وتسجيل الاقتراح في ضبط المؤتمر وإبقاء الفقرة من اللائحة القانونية على حالها" فمن يقبل ذلك فليرفع يده. وعند رفع الأيدي ظهر أن الأكثرية توافق الاقتراح".

لم تكن هذه القضايا، علاقة الدولة بالدين وحق الانتخاب للمرأة هي الوحيدة التي طرحت في المؤتمر، فقد ظهر خلاف أيضاً بين التيارين المحافظ والليبرالي حول ترويسة الخطاب الموجه إلى الأمير فيصل لشكره على ما قام به من أجل سورية، إلا أن التيار المحافظ احتج على عدم البدء بالبسملة، فاحتج بمقابلهم الليبراليون مطالبين بفصل الدين عن السياسة، ليأتي يوسف الحكيم، المحسوب على التيار الليبرالي بحل يتضمن البدء باسم الله، بدل باسم الله الرحمن الرحيم، فقبل الاقتراح. ([25])

من الملاحظ هنا، أننا لا نرى دوراً فاعلاً لرجال الدين من الطوائف غير السنية في مداولات هذا الدستور ولا في نصه. فعلى الرغم من ذكر المادة الرابعة عشرة لوجود طوائف ومذاهب لها أحوالها الشخصية الخاصة، إلا أننا لا نرى ذلك إلا استمراراً للنص كما ورد في الدستور العثماني 1876 وليس نتيجة تفاوضات تمت مع الزعامات التقليدية لهذه الطوائف كما جرى لاحقاً في مفاوضات دستور 1950. كما أننا لا نرى تحركات شعبية أثرت بطريقة أو بأخرى على مواقف أعضاء المؤتمر وقراراته، إنما التخوف من هكذا تحركات، كما ورد في مداخلة الشيخ رشيد رضا الذي كان يخشى ثورة من أسماهم بالمتعصبين. يعود هذا برأينا، إلى أن مداولات الدستور ظلت داخل قبة البرلمان ولم تحدث خارجه أي مفاوضات ذات مغزى، كتلك التي حدثت إبان مناقشة دستور 1950 على الأقل، رغم ورود تحركات للنساء والصحافة كما يورد كل من ماري شهرستان ([26]) وإليزابيت تومبسون ([27])، إلا أننا نرى أن هذه التحركات انحصرت في دمشق وبيروت وعلى نطاق ضيق لا يمكن مقارنته بما جرى في دستوري 1950 و1973.

انتهى المؤتمر إذاً دون نص صريح فيما يخص مرجعية الدولة الدينية وحقوق المرأة، رغم أن المرجعية الإسلامية ظلت راجحة في القوانين السائدة حتى العام 1950 تاريخ إقرار أول دستور بعد الاستقلال عن فرنسا. وانتصر التيار الوسطي الذي كان يحاول جمع التيارين المحافظ والليبرالي على قاعدة واحدة هي دعم الحكومة في مواجهة خطر فرنسا.

نستطيع هنا أن نخلص إلى ما يلي:

أولاً، لقد كان هذا الدستور شديد التأثر بالعامل الخارجي، فالتيار المحافظ كان من الشخصيات التي كانت تحظى بعلاقة طيبة مع الخلافة العثمانية والتي ظلت تؤكد على الروابط الإسلامية، في حين كان التيار الليبرالي متأثراً بالغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، معتبراً الغرب معيار العصرية. يقول يوسف الحكيم: "كان النواب التقدميون الأحرار على حق في تمسكهم بمبدأ فصل الدين عن السياسة، ذلك المبدأ الذي سارت عليه معظم الأمم الراقية. فهو لا يعني بوجه من الوجوه إهمال الدين والتجرد عن أحكامه السامية التي ترتفع بالإنسان نحو الكمال، نتعلم الصدق والمحبة والإخاء الإنساني والصفح عن الإساءة والعطف على الضعيف والفقير واحترام حقوق الآخرين ومراعاة القوانين والأنظمة التي تصدرها الدولة. بل يعني هذا المبدأ عدم تحكم العقيدة الدينية في سياسة الدولة التي قد تتبدل من يوم لآخر، وفي اطراد نهضتها من جميع نواحي الحياة، وقد ضم الوطن الواحد أبناء تعددت أديانهم ومذاهبهم واختلت درجات ثقافتهم وتفكيرهم وفلسفتهم".([28])

ثانياً، من الواقعية هنا أن نفترض أن روحية الدستور الليبرالي التي ألقت بظلالها على دستور 1920، كانت بين خطين أساسيين وهما الخط الذي يريد الابتعاد عن الخلافة العثمانية بمرجعيته الدينية والتقرب من الغرب من جهة، والخط الذي ما يزال يرى العلاقة مع الخلافة، وإن بصوت خفيض، أساساً دينياً لا تنازل عنه. غير أن التيار العروبي المهيمن على المؤتمر، وزخم الثورة العربية والرغبة بالاستقلال ومآسي تحكم المركز بالأطراف في زمن العثمانيين، جعل الخط الليبرالي متقدماً على المحافظ. ولكن لا بد من التنويه أن فشل فكرة اللادينية من حماية سورية من الانتداب أقنع المحافظين بعدم جدوى استمالة الغرب والتمظهر بروح الحداثة. وحتى رشيد رضا من التيار الثالث المعتدل بين التيارين الليبرالي والمحافظ أعاد تفكيره في السنوات اللاحقة من موقفه، وليس غريباً أن أحد أهم طلابه في مصر الشيخ حسن البنا صار الداعية الأساسي لفكرة الإسلام السياسي، والتي هاجمت ما تسميه نفاق الغرب تجاه الديموقراطية في العالم العربي عموماً.  

2.   دستور 1950

حفل هذا الدستور، على خلاف الدساتير السابقة كلها وتحديداً دستور العام 1920، بإشارات إلى المسألة الدينية في مواضع عدة. ربما كان هذا نتيجة العامل الداخلي والبعد المجتمعي، الذي أصبح أكثر طغياناً من البعد الخارجي الذي كما ذكرنا آنفاً كان مهيمناً على كتابة دستور العام 1920.

فنقرأ مثلا في المقدمة: "نحن ممثلي الشعب السوري العربي، المجتمعين في جمعية تأسيسية بإرادة الله ورغبة الشعب الحرة، نعلن أننا وضعنا هذا الدستور لتحقيق الأهداف المقدسة التالية"، ونقرأ في موضع آخر من المقدمة: "ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومُثُله العليا. وإننا نعلن أيضاً أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي، وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى، وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق". ونقرأ في المادة الثالثة من هذا الدستور: "دين رئيس الجمهورية الإسلام. الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع. حرية الاعتقاد مصونة. والدولة تحترم جميع الأديان السماوية. وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن ألا يخل ذلك بالنظام العام. الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية". ونقرأ في المادة الرابعة والثلاثين: "الأوقاف الإسلامية ملك للمسلمين، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة العامة، تتمتع باستقلال مالي وإداري وتنظم أوضاعها بقانون." ([29]) ونقرأ في المادة الثامنة والعشرين: "يكون التعليم الديني إلزامياً في المراحل لكل ديانة وفق عقائدها".

مرة أخرى كانت هذه النصوص حصيلة تفاوضات عريضة بين التيارات الليبرالية والتيارات المحافظة.

تشكلت التيارات الليبرالية من القوى اليسارية والقومية آنذاك، متمثلة بالحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث العربي، وشقيقه الحزب العربي الاشتراكي. في حين قاد التيار المحافظ المسلم حركة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ مصطفى السباعي. أما التيار المحافظ المسيحي فقد انحاز في هذه التفاوضات إلى جانب التيار الليبرالي كما سنرى.

تشكلت الهيئة التأسيسية من 114 عضواً موزعة على النحو التالي: عصبة العمل القومي، جماعة الشهبندر، حزب الشعب، الحزب الوطني، التنظيمات الدينية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحزب التعاوني الاشتراكي، حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي، المستقلون من بينهم من العشائر. يذكر الدكتور أمين إسبر أن من بين المستقلين هناك “تقدميين" واشتراكي. زد على ذلك أن الحزب الوطني قاطع الانتخابات لكن بعضاً من أعضائه ترشح كمستقل.

للوقوف على موقف هذه الكتل لا بد لنا من فهم ظروف نشأتها وتركيبتها الاجتماعية وأهدافها.

2.1 حزب الشعب

ظهر حزب الشعب مع تفكك الكتلة الوطنية التي قادت النضال التحرري ضد الاحتلال الفرنسي، ممثلاً للبرجوازية الحلبية وكبار الملاكين وبعض البورجوازيات المدينية في المدن الأخرى. ([30]) كان حزب الشعب راغباً في تقديم رؤية أكثر واقعية في سعيه لحماية مصالح الطبقة البرجوازية، عبر تقديمه تنازلات للطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى. ([31]) تمكن الحزب من استقطاب شخصيات من خريجي الجامعات الفرنسية والمتأثرين بالفكر الليبرالي والاشتراكي فيها.

ضم الحزب في صفوفه شخصيات معروفة بقربها من التيار المحافظ والإخوان المسلمين مثل معروف الدواليبي. ([32]) حاول هذا الحزب أخذ موقف وسطيّ في كل شيء تقريباً. فهو دعا إلى الاحتفاظ بالتراث دون أن يمنع هذا من الاقتداء بالغرب في شتى مناحي الحياة. ([33]) وتبنى مؤتمره التأسيسي ما أسماه بـ"الاشتراكية التطورية". يقول عبد الله حنا: "في خمسينيات القرن العشرين، ظهر جناحان داخل حزب الشعب" جناح محافظ مثَّل عموماً ملاك الأرض ومصالحهم، ونظر بعين الرضى إلى الحزب الوطني الممثل أيضاً لملاك الأرض، وجناح ليبرالي وقف على يسار الوسط وتمثل في شاكر العاص (القريب فكرياً من أكرم الحوراني) والمحامي علي بوظو (من وجوه حي الأكراد بدمشق) والمحامي هاني السباعي من حمص، وعبد الوهاب حومد من حلب...". وتقول الدكتورة خلود زغير "كانت حلب المعقل الحقيقي لحزب الشعب بزعامة رشدي الكيخيا وناظم القدسي. وقد حاز الحزب على دعم النخبة الليبرالية والإسلامية الحلبية المستنيرة وحصل على دعم كبار الملاك ومعظم الصناعيين في حلب، وساهم في تشجيع النمو الصناعي الحلبي".

يبدو أن حزب الشعب كان مهتماً بالجانب الاقتصادي دوناً عن القضايا الأخرى، مما جعل خلطته دون اتجاه إيديولوجي محدد وواضح، وتحديداً في قضية علاقة الدين بالدولة. تقول الدكتورة الزغير: "أخيراً نلاحظ أن تلك الأحزاب كلها شهدت انقسامات واختلافات في الرؤى السياسية بين زعمائها، فانتماء أشخاص إلى حزب معين لا يعني التزامهم جميعاً التوجه السياسي نفسه. كان لكل زعيم شبكة مصالحه وعلاقاته المحلية والإقليمية، خصوصاً في ظل صراع المحاور الإقليمية على سورية آنذاك".([34]) يؤكد هذا الاستنتاج ما طرحه مقرر لجنة الدستور في مداخلته في الجلسة الثامنة والثلاثين للهيئة التأسيسية والتي انعقدت بتاريخ 24 تموز 1950" إن لحزب الشعب منهاجاً أقسم عليه أعضاؤه ولذلك هم ملتزمون بالتصويت على ما جاء في مشروع الدستور مما هو منسجم مع مبادئهم ويصرح بأن هذا الدستور جاء منسجماً مع مبادئ حزبه التي أعلنها وارتبط بها أمام الأمة ذلك لأن حزب الشعب قد وضع برنامجاً يقوم على المبادئ الآتية: أولاً الديموقراطية بمعنى أن الشعب هو مصدر كل سلطة. ثانياً-الحرية بأنواعها لكل مواطن. ثالثاً-المساواة بين المواطنين دون أي تفريق بينهم بسبب ثروة أو جاه أو دين أو مذهب. رابعاً-التسامح بين المواطنين. خامساً-مبدأ العادلة الاجتماعية التي يعتبرها الحزب ضرورة لازمة للأخذ بيد الأمة والسير بها في مضمار الأمم التي سبقتها في هذا الميدان". ([35])

باستثناء المساواة بين الجميع بغض النظر عن الدين والمذهب، لا يتطرق الحزب لعلاقة الدولة بالدين، كما نلاحظ من محاضر الهيئة التأسيسية انعدام مشاركة ممثلي حزب الشعب، وهو حزب الأكثرية، في التعليق على المادة المرتبطة بالعلاقة بين الدين والدولة. الأمر الذي تفسره تركيبة الحزب المختلطة وأولوياته الاقتصادية، ولربما أيضاً تفضيله البقاء وراء موقف التيار المحافظ المسلم في الدستور، فقد كان الحزب بحاجة إلى أصوات الإسلاميين ليحصل على أغلبية الأصوات وبالتالي كان ميالاً لإرضائهم. وكذلك كان ميالاً للوحدة مع العراق بسبب مصالح الحلبيين الاقتصادية، ولكن الفكر الجمهوري كان قد ترسخ في سورية، وكان من الضروري تقوية الرابطة الهاشمية ذات الطبيعة الدينية لتجاوز الاعتراضات على اتحاد مع نظام ملكي حتى وإن لم يكن اتحاداً اندماجياً. يؤكد هذه المقولة ما يورده Thomas Pierret في كتابه "الدين والدولة في سورية، الأمة السنية من الانقلاب إلى الثورة" عن تهديد بقتل رشدي كيخيا زعيم حزب الشعب ورئيس الجمعية التأسيسية، وجهه الشيخ النبهان، أحد رجال الدين الهامين في سورية آنذاك، بعد إشاعات من رغبة كيخيا بدستور علماني، مما استدعى إعلان كيخيا توبته أمام الشيخ النبهان وتأكيده السعي نحو دستور يتخذ الإسلام مرجعية له. ([36])

2.2 الحزب الوطني

تشكل الحزب الوطني بعد انشطار الكتلة الوطنية كقاعدة للبرجوازية الدمشقية التي مثلتها الشخصيات التي ساهمت في قيادة عملية التحرر ([37]) ([38]). كنظيره حزب الشعب، والذي مثل أكثر البرجوازية الحلبية من الكتلة الوطنية، لم يحمل هذا الحزب برنامجاً سياسياً واضح المعالم. "كان الحزب الوطني يضم زعماء دمشق، وعكس السياسة الدمشقية والثقافة والبيئة المحلية الاجتماعية بأضيق صورها، فلم يمتلك أي منهاج أو قيادة ذات بنية تنظيمية واضحة، كما لم يمارس أي نظام على أعضائه. كان المعيار الذي اعتمده في قوته الانتخابية قدرات أفراده وقادته وعلاقتهم، وخصوصاً تأثير سجلهم الوطني وسمعتهم الشخصية وثرواتهم ومكانتهم الاجتماعية، وليس منهاجه الحزبي أو عقيدته السياسية، فهو لم يسع حتى إلى تجنيد أعضاء دائمين من الجماهير، وحصر تجنيد الأعضاء الجدد بوسط اجتماعي معين، غير مكترث بالتطورات والتغيرات التي حدثت في سورية كمجتمع ودولة بعد الاستقلال. وعلى الرغم من توافر الاحترام للقادة الوطنيين ولتاريخ الكثير منهم، فإن بعضهم بدت لديه الرغبة في الاستئثار بالحكم، مستندين إلى أنهم من الرعيل الأول لعهد الاستقلال". ([39])

كما لا تتضح أي وجهة للحزب في قضايا الهوية كالموقف من علاقة العروبة بالإسلام على الرغم من توجهه العروبي أما عن علاقة الدين بالدولة، ([40]) فقد أوضحها عضو الحزب آنذاك وجيه الحفار والذي يؤكد في كتابه على ضرورة فصل الدين عن الدولة، ([41]) ويؤكد هذا وجود شخصيات ليبرالية التوجه مثل سعد الله الجابري، الذي تزعم الحزب حتى وفاته في العام 1948. "أعلنت مبادئ الحزب أن "العرب في أنحاء وطنهم كافة أمة واحدة" واعتبرت "الصهيونية حركة عدائية خطرة على الكيان العربي" ... ومن أهداف الحزب "تشجيع الشركات الوطنية المساهمة والتعاونية وتأمين مساهمة الجمهور فيها، وإعادة النظر في الامتيازات الممنوحة". ([42])

على عكس حزب الشعب أبدى الحزب الوطني مواقف واضحة تجاه قضية الدين والدولة، لتظهر بشكل كبير في مقالات نجيب الريس، والذي كان أحد أهم شخصيات الحزب، والذي لم يكن عضواً في الهيئة التأسيسية، والذي كان أحد المناوئين الأكثر حدة لإعطاء أي هوية دينية للدستور. وهو، أي نجيب الريس، من قاد الحملة في الإعلام عن الجانب الليبرالي.([43])  غير أننا لسنا متأكدين من أن هذا التصدي خارج المجلس جاء نتيجة تشبث الحزب الوطني بفصل الدين عن الدولة، وإنما نابع برأينا عن رغبته في محاربة البرلمان والجمعية التأسيسية التي رفضها وقاطعها. يقول محمد حرب فرزات "فبينما كانت الجمعية التأسيسية ماضية في الدستور الجديد، تألفت جبهة من الحزب الوطني والتعاوني الاشتراكي والحزب الجمهوري الديموقراطي الذي أسس في حزيران 1950 وضم عدداً من مؤيدي القوتلي،... وأصدرت فيه هذه الأحزاب بياناً مشتركاً في 15 آب 1950 حملت فيه على الجمعية التأسيسية، واعتبرت الدستور القديم قائماً".([44])([45])

2.3 الكتلة الإسلامية الاشتراكية والإخوان المسلمون

حازت هذه الكتلة على عشرة مقاعد، ([46]) وتزعمها المراقب العام لجماعة الإخوان في سورية مصطفى السباعي، ([47]) وكان من أبرز شخصياتها محمد المبارك وعارف الطرقجي وعبد الحميد الطباع وسعيد حيدر وصبحي العمري وعبد الوهاب سكر وعبد السلام حيدر. ([48]) وقد أخذت هذه الكتلة بمبادئ الاشتراكية وزاوجتها مع الإسلام. قادت هذه الكتلة بزعامة السباعي جل المناقشات التي تناولت المادة الثالثة من الدستور. كما قادت هذه الكتلة التفاوضات الأساسية التي جرت خارج قبة البرلمان مع زعماء الطوائف المسيحية، والتيارات الليبرالية كالبعث والسوري القومي والشيوعي.

كانت مواقف هذه الكتلة واضحة جلية تجاه العروبة والإسلام وعلاقة الدين والدولة. "إذا عدنا إلى مفهوم "الأمة" في خطاب الإخوان المسلمين، نجد أن الشعب بمجموعه هو من يشكل الأمة فـ"الأمة هي مصدر القوة/ وتنفيذ إرادة الشعب واجب ديني". وفي بيانه الشهير حول دين الدولة، يؤكد السباعي أن "الشعب هو مصدر كل سلطة، وسيادته هي السيادة الحاكمة التي تتمثل في مجلسه التأسيسي وحكومته الدستورية". ([49]) كان السباعي أبرز من طور فكرة "الإسلام كقانون قومي" مشترك للمسلمين والمسيحيين، إذ ميز السباعي بين الإسلام الدين والإسلام الحضارة. "بالتالي، فإنه وجد في الإسلام فلسفة قومية للعرب، مسلمين ومسيحيين. يقول في هذا الصدد: "إن كل أمة من الأمم المتحضرة، وكل قومية من قوميات العالم الحديث، لها فلسفتها الخاصة بها، فللروس فلسفتهم الشيوعية وللغربيين فلسفتهم الديموقراطية أو الرأسمالية. ونحن العرب من مسلمين ومسيحيين لنا فلسفتنا التي طبعتنا في التاريخ طبعاً خاصاً." ([50])

حين تكلم السباعي عن أوجه الخلاف بين الإخوان وباقي الأحزاب السياسية، بيّن أن هذا "النزاع ينحصر في نقطة جوهرية -هي بالنسبة لدعوة الإخوان كالأساس من البناء وكالعمود الفقري من جسم الإنسان -وهي أن الإخوان يرون بحق أن الإسلام دين وسياسة/ عبادة وقيادة، مصحف وسيف، نظام شامل كامل يهيمن على جميع مرافق الحياة" ثم يضيف: "والأحزاب تنكر على الإخوان هذا الفهم الصحيح للإسلام، وتريد أن تحصر هذا الدين في الصوامع والمساجد، وتفصل بينه وبين السياسة والحكم ونظم الحياة! كما فعلت أوروبا، متجاهلة الفرق بين المسيحية والإسلام". ([51])

لم يكن الخطاب الإخواني حول مفهوم الدولة الإسلامية كما وضعه البنا والسباعي وغيرهم منطلقاً من مفهوم دار الحرب ودار الإسلام، والذي ساد لغة الجهاديين كالمودودي وسواه، "بل متمركزاً حول "شعبوية إسلامية" لا تكفر المجتمع المدني ولا ترى فيه "مجتمعاً جاهلياً" لا يقع في دار الإسلام "بل في دار الحرب" ([52]). أهمية هذا الخطاب هو طغيانه على مقاربة الكتلة الإسلامية في الجمعية التأسيسية لدستور 1950 سواء داخل المجلس أم خارجه.

لم تتوقف الكتلة الإسلامية عند الدين وعلاقته بالدولة في برنامجها السياسي، بل تعدته إلى مبادئ اقتصادية استندت إلى مفهوم الاشتراكية الإسلامية التي نادى بها السباعي، دون أن تحظى بتأييد كبير ضمن الأوساط المحافظة المسلمة. ([53])  

كانت هذه الكتلة هي صاحبة النسخة الأولى من الدستور والتي نصت المادة الثالثة فيها على أن" 1-دين الدولة هو الإسلام. 2-الأديان السماوية محترمة ومقدسة. 3-الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية. 4-المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات من غير تفريق بسبب الدين". ([54]) كما كانت هذه الكتلة هي من ضغط بقوة على ما يبدو للوصول إلى النص النهائي في كل ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة في دستور الـ 1950 كما سنرى بعد قليل.

2.4 حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي

لا نعرف بالضبط عدد نواب حزب البعث العربي في الجمعية التأسيسية. يذكر أمين إسبر أن حزب البعث العربي الاشتراكي تمثل بثلاثة مقاعد، لكننا نعلم أن الحزب لم يكن آنذاك قد اتحد مع الحزب الاشتراكي، والذي لم يتأسس بدوره حتى بداية العام 1950. إلا أننا نعلم أن جلال السيد كان ممثلاً لحزب البعث العربي وأكرم الحوراني وإحسان الحصني كانا ممثلي حركة الشباب الحموي (سلف الحزب الاشتراكي العربي) على التوالي. لم يكن برأينا اختلاف كبير بين وجهة نظر البعث العربي والعربي الاشتراكي تجاه علاقة الدين بالدولة، فقد كان هنالك توجه متشابه بينهما في العديد من المجالات، أدى لاحقاً إلى اندماجهما تحت اسم حزب البعث العربي الاشتراكي في نهاية العام 1952. رغم ذلك، ظل جناح الحوراني، أي العربي الاشتراكي، منادياً بالاشتراكية أساساً للنضال، في حين كان توجه البعث أكثر نحو الأيديولوجيا والقومية. ([55])

تشكل حزب البعث العربي في نيسان العام 1942 بحسب ما ينقل عبد الله حنا عن جلال السيد، على يد ميشيل عفلق وصلاح البيطار وجلال السيد. ([56]) استهوى الحزب الأقليات من المسلمين، والمسيحيين، وبعض شيوخ القبائل ووجهاء المدن، ([57]) إضافة إلى وسط الطلاب والأساتذة. ([58]) في حين كان انتشار الحزب الاشتراكي، وسلفه حركة الشباب الحموي، بين الجيش والفلاحين. ([59]) كان لهذا الحزب توجهٌ ملتبسٌ تجاه الدين الإسلامي. يقول عبد الله حنا: "مع أن حركة البعث العربي هي حركة علمانية، إلا أن ميشيل عفلق سعى في خطابه على مدرج الجامعة السورية في نيسان/أبريل 1943 تحت عنوان "ذكرى الرسول العربي"، لإلقاء الأضواء على اللقاء بين القومية والدين الإسلامي/ بهدف كسب عواطف المؤمنين المسلمين. "إن الفروق الطائفية قال عفلق: "أبعدت قسماً هاماً من العرب عن روح بلادهم وتقاليدها وجعلتهم شبه غرباء في وطنهم، وأضعفت بالنتيجة مساهمتهم في الحكرة القومية. فنريد أن تستيقظ في المسيحيين العرب قوميتهم يقظتها التامة، فيروا في الإسلام ثقافة قومية لهم، يجب أن يتشبعوا بها ويحبوها".([60]) ويقول محمد حرب فرزات: "والأديان في نظر الحزب \البعث العربي\ على اختلافها متساوية ومقدسة ولكن الإسلام من "حيث هو حركة روحية امتزجت بتاريخ العرب واصطبغت بعبقريتهم وخصوصية ثقافتهم أتاحت ظهور نهضتهم الكبرى، له مكانة خاصة في القومية العربية وثقافتها وحركة انبعاثها، إلا أن هذه المكانة لا تفرض فرضاً، بل تولد من الحرية وتستمد من قوة الروح ومدى اتصال العرب بروحهم وتجاوبهم الحر العميق معها".([61])

لا يبدو صعباً تلمس أسباب استخدام البعث لخطاب قومي/ديني عاطفي في تلك الفترة. فهذا الحزب بأهدافه كان يحاول استهداف طبقة الفلاحين والعمال والتي بغالبيتها محافظة اجتماعياً وملتزمة دينياً ومتطلعة إلى أمجاد العرب والمسلمين، فهي بحاجة إلى خطاب يشابه هذه الفئة، هذا الخطاب هو ما جعل صوت البعث العربي خفيضاً في التعامل مع قضية علاقة الدين بالدولة كما سنرى لاحقاً.

على غرار حزب البعث، كان تيار أكرم الحوراني، حركة الشباب الحموي أو الحزب الاشتراكي، واضح التوجه نحو فئة الفلاحين، مما استلزمه توجيه خطابه الديني نحو محاربة الطائفية، وفك ارتباط الإقطاع بالدين. وخصوصاً بعد اتهام الإقطاع للحوراني بالماركسية، والتي كانت تختلط عند الكثيرين بمفهوم الإلحاد. ينقل عبد الله حنا عن جريدة الشعب التابعة للتيار النص التالي: " "ليست الإقطاعية من الدين بشيء، ومع هذا فهم يتبجحون باسمه وهو منهم بريء.... إن حركتنا الشعبية لا تستهدف القضاء على الإقطاعية والقبلية والعشائرية [فقط] وإنما تستهدف أيضاً القضاء على الطائفية. "إننا اليوم في معركة بين التقدمية والرجعية"، " نحن مؤمنون ولكننا لا نتعصب، لأن التعصب ليس من الدين في شيء. فالدين الإسلامي وكل الأديان بنيت على التسامح". ([62])

2.5 الحزب السوري القومي الاجتماعي

مثَّل الحزب السوري القومي الاجتماعي آنذاك في الجمعية التأسيسية نائبان هما عصام المحايري وعبد اللطيف اليونس([63]). كان لهذا الحزب موقف واضح من الدين وعلاقته بالدولة، إذ تذكر أدبيات هذا الحزب أن "المبدأ الأول من القسم الإصلاحي يقول: ": فصل الدين عن الدولة". إن أعظم عقبة في سبيل تحقيق وحدتنا القومية وفلاحنا القومي هي تعلق المؤسسات الدينية بالسلطة الزمنية، وتشبث المراجع الدينية بوجوب كونها مراجع السيادة في الدولة، وقبضها على زمام سلطاتها أو بعض سلطاتها، على الأقل. والحقيقة أن معارك التحرر البشري الكبرى كانت تلك، التي قامت بين مصالح الأمم ومصالح المؤسسات الدينية المتشبثة بمبدأ الحق الإلهي والشرع الإلهي في حكم الشعوب والقضاء فيها. وهو مبدأ خطر استعبد الشعوب للمؤسسات الدينية استعباداً أرهقها. ولم تنفرد المؤسسات الدينية باستعمال مبدأ الحق الإلهي والإرادة الإلهية، بل استعملته الملكية المقدسة أيضاً، التي ادعت استمداد سلطانها من إرادة الله وتأييد المؤسسات الدينية، لا من الشعب". ([64])

رغم مطالبة الحزب الواضحة بفصل الدين عن الدولة، إلا أنه يعود إلى مخاطبة العقل السوري مرة أخرى عبر الجانب الروحي. يرى محمد فرزات حرب أن هناك حالة من "تقدير الحزب للدين وإعلانه "رفض التسليم أن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي بحت". وكان هذا إحدى وسائله لكسب الرأي العام ضد المرشحين الشيوعيين، مع أنه هو نفسه يقول بفصل الدين عن الدولة." ([65])

كان ممثل الحزب في الجمعية التأسيسية عصام المحايري واحدا من الذين عارضوا فكرة ربط الدين بالدولة كما سنرى لاحقاً.

3.   تفاوضات دستور الـ 1950 حول الدين والدولة

يمكننا القول إن عملية التفاوض على علاقة الدين بالدولة كانت من أعقد التفاوضات التي جرت أثناء كتابة هذا الدستور، إلى جانب قضايا أخرى كالملكية والأحزاب. تكرست التفاوضات حول هذه القضية عبر مرحلتين أساسيتين، كما حدثت داخل قبة البرلمان، وخارجه على مستوى الإعلام والمستوى الشعبي، والذي رافقته عرائض واحتجاجات. وبشكل أكثر وضوحاً مما جرى أثناء المؤتمر السوري العام، الذي تركزت عملية التفاوض فيه داخل قبة البرلمان كما ذكرنا آنفاً. 

انتخبت الجمعية التأسيسية لجنة للصياغة ضمت ثلاثة وثلاثين عضواً، مثلت جميع الكتل الحزبية والمستقلين في الجمعية باستثناء الكتلة الجمهورية. ([66]) تشكلت اللجنة من شاكر العاص، عبد اللطيف يونس، عبد الوهاب حومد، علي بوظو، عارف الطرقجي، عبد الله تامر، عبد الحميد الدويدري، عصمت شاهين، عبداللطيف المقداد، عبد اللطيف السباعي، مصطفى السباعي، ناظم القدسي، لطيف غنيمة، منير العجلاني، محمد خير الحريري، قاسم الهنيدي، جميل العبدالله، محمد الشواف، قدري المفتي، فيضي الأتاسي، هايل السرور، عبد الوهاب سكر، حكمت الحراكي، حامد ناجي، أنور إبراهيم باشا، رزق الله أنطاكي، حامد منصور، أحمد قنبر، دهام الهادي، راتب الحسامي، إسبر يازجي، جادالله عزالدين، زكي الخطيب. انسحب أحمد قنبر وجاء بدلاً منه رئيف الملقي، ومن ثم انسحب عبد اللطيف السباعي وجاء بدلاً منه سعيد حيدر، وانسحب فيضي الأتاسي فحل محله جلال السيد. اجتمعت اللجنة اجتماعها الأول بتاريخ 4 كانون الثاني 1950، وانتخبت ناظم القدسي رئيساً لها، وزكي الخطيب نائباً له، وعبد الوهاب حومد مقرراً للجنة.

طرحت لجنة الصياغة مشروع الدستور لأول مرة بتاريخ 15 نيسان 1950 واضعة مقدمة تختلف اختلافاً جذرياً عن النص النهائي الذي ذكرناه أعلاه. يقول نص المقدمة (الديباجة): "نحن ممثلي الشعب السوري العربي، المجتمعين في جمعية تأسيسية بإرادة الله ورغبة الشعب الحرة، نعلن أننا وضعنا هذا الدستور لتحقيق الأهداف المقدسة التالية: إقامة العدل على أسس قويمة، حتى يضمن لكل إنسان حقه، دون رهبة أو تحيز وذلك بدعم القضاء وتوطيد استقلاله. نشر روح الإخاء والتسامح بين المواطنين في ظل حكم جمهوري ديمقراطي حر، حتى يشعر كل إنسان أنه جزء في بنيان الوطن وأن الوطن في حاجة إليه. ضمان الحريات العامة الأساسية لكل مواطن، والعمل على المعاني التي تتمثل في مفاهيم الشخصية والكرامة الإنسانية، دعم واجب الدفاع عن الوطن والجمهورية والدستور وذلك بمساهمة كل مواطن بدمه وماله وعمله، حين يقتضي الواجب الحفاظ عليها. تحرير المواطنين من ويلات الفقر والمرض والجهل والخوف بإقامة نظام اقتصادي واجتماعي صالح يحقق العدالة الاجتماعية ويحمي العامل والفلاح، ويؤمن الضعيف والخائف، ويوصل كل مواطن إلى خيرات الوطن. كفالة المساواة في الواجبات العامة والحقوق التي قررها الدستور ونصت عنها القوانين، وبصورة خاصة المساواة في الضرائب بنسبة تصاعدية، حتى تكون مساواة في التضحية والقدرة على المساهمة. تقوية الشخصية الفردية وتثقيفها وتعهدها، حتى يشعر كل مواطن أنه المسؤول الأول عن سلامة الوطن وعن حاضره ومستقبله ويعرف أن الوطن هو الحقيقة الخالدة الباقية وأن السوريين جميعاً أمناء عليها حتى يسلموها أولادهم وأحفادهم موفورة الكرامة، منيعة عزيزة الجانب، ويكون ذلك بتثقيف الشعب ثقافة وطنية صحيحة، وبنشر التعليم، وتسهيل أسبابه وبث المبادئ الأخلاقية القويمة، وتنمية الشعور الاجتماعي والتضحية في سبيل المجموع. ونعلن أن شعبنا السوري هو جزء من الأمة العربية بتاريخه وحاضره ومستقبله، يتطلع إلى اليوم الذي تجتمع فيه أمتنا العربية في دولة واحدة وسيعمل جاهداً على تحقيق هذه الأمنية في ظل الاستقلال والحرية. ونعلن أن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ من هذا الدستور وضعت لتذكر المواطنين بالمبادئ التي قام عليها قانونهم الأساسي. وإننا، نحن ممثلي الشعب السوري العربي، لنضرع إلى الله العلي حتى نحقق مثلنا العليا، ونعيد بناء المجد العظيم الذي شاده أسلافنا العظام، ونرسم لأبنائنا وأحفادنا طريق السؤدد والعز." ([67])

كما وضع مشروع الدستور نص المادة الثالثة على الشكل التالي: " 1-الإسلام دين الدولة. 2-الأديان السماوية محترمة ومقدسة. 3-الأحوال الشخصية للطوائف مصونة ومرعية. 4-المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات من غير تفريق بسبب الدين." ([68])

إذاً اختلفت مقدمة الدستور النهائي عن المشروع بإضافة العديد من الإشارات الدينية إليها، وعادت المادة الثالثة لتنص على أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع. بين هذين النصين جرت تفاوضات صعبة داخل وبين التيار الليبرالي ورجال الدين المسيحيين والأعضاء المسيحيين في الجمعية من جهة، وبين التيارات المحافظة المسلمة من جهة أخرى. جرت هذه التفاوضات داخل قبة البرلمان وخارجه كما ذكرنا آنفاً.

3.1 التفاوضات داخل البرلمان

ليس لدينا معلومات كافية عما جرى داخل لجنة الدستور، والتي تقسمت بدورها إلى اللجنة التحضيرية ولجنة النص، لكننا نلحظ من تقرير مقرر اللجنة، الدكتور عبد الوهاب حومد، تجاهله للمادة الثالثة في استعراضه لأهم مواد وفصول الدستور، الأمر الذي قد يعزى إلى خشية حزب الشعب الذي ينتمي له الدكتور حومد، أو انعكاساً لتوترات حول هذه المادة حصلت أثناء إعداد النص. نؤكد أنه ليس لدينا إثبات على أي من الاحتمالين.

توقف نقاش الدستور حتى الجلسة الثامنة والثلاثين بتاريخ 24 تموز 1950. نظراً لأهمية علاقة الدولة بالدين كان افتتاح الجلسة من قبل ثلاثة من النواب المحسوبين على التيار المحافظ وهم الشيخ عبد الوهاب سكر النائب عن حلب وزكي الخطيب وحسن الحكيم. يمكننا أن نستخلص من مداخلات النواب الثلاثة مسائل أساسية عدة:

أولاً، كان هناك عدم رضا داخل أروقة التيار المحافظ عن التراجع عن نص دين الدولة هو الإسلام رغم الإضافات العديدة إلى مقدمة الدستور. تقول مداخلة الشيخ سكر "أخواني، الشعب يريد إقرار ما أقرته لجنة الدستور من أن (دين الدولة الإسلام)، ولم يرض بها بديلاً فرفع مادة أقرتها لجنة الدستور وهي معززة بإرادة الشعب وقوته وليس بالأمر الهين وكل ما جاء من وجوه التعديل فإن الشعب يستنكره ولا يقبله وحقه ذلك بلاد عربية إسلامية وأهلها إسلام من قرون وأجيال طويلة يحملون على عدم إعلان ما هم عليه من دستورهم إن هذا لأمر عظيم. ثم إني لسائل الزملاء المسيحيين ألم يقطعوا على أنفسهم حين ترشيحهم للنيابة كما فعل النواب المسلمون من العهود والمواثيق نحو الشعب وأكثريته الساحقة مسلمين وهل يستطيع أحد من الزملاء المسيحيين أن يقول إنه نجح بدون مساعدة المسلمين له ...... وإني لأعجب أشد العجب من إخواني أعضاء لجنة الدستور كيف قاموا بمناقضة أنفسهم برجوعهم عما كانوا عليه من الحق، ولقد سجل ما قالوه من الحجج والبراهين القوية على أن هناك قاعدة فقهية لو عمل بها وهي حق تقول (كل من قام بنقض ما تم من قبله فنقضه مردود عليه)."

ثانياً، لقد كان واضحاً توجه خطاب التيار المحافظ إلى المسيحيين وليس للبعثيين أو الاشتراكيين أو السوريين القوميين. بمعنى أن الخطاب كان نتيجة التفاوض مع التيار المحافظ المسيحي وليس مع التيارات الليبرالية. يقول حسن في مداخلته: "لما كان المفكرون من إخواننا المسيحيين مطلعين على هذه النصوص والوقائع ومطمئنين بذلك لعدالة الأكثرية المسلمة لم يترددوا في المساهمة في النهضة العربية عندما لاحت تباشيرها في أوائل العصر الحاضر، وقد قدر لهم المتقدمون من المسلمين العرب هذه الحركة الوطنية الطيبة فراحوا ينشطونها ويساهمون فيها بنحو ثانوي متخلين لإخوانهم المسيحيين عن تزعمها وعن مركز الصدارة فيها رغبة في تشجيعهم وفي تبديد مخاوف دهمائهم، ومن الإنصاف أن نعترف بأن الفضل في انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس عام 1913 كان لقبضة من إخواننا المسيحيين".

ثالثاً، تركزت مداخلات نواب التيار المحافظ في تبريرها لضرورة النص على دين الدولة على ثلاثة منطلقات أساسية. الأول هو أن الدين الإسلامي هو دين الغالبية وبالتالي، وبحسب تفسيره للديموقراطية، فإن تحديد الإسلام كدين للدولة هو حق الغالبية المسلمة الديموقراطي. يقول حسن الحكيم: "... ومادامت الأكثرية المسلمة نفسها لا تعارض في تحقيق رغبتهم هذه لعواطفهم وزيادة في اطمئنانهم فمن حق هذه الأكثرية عليهم أن يبادلوها عاطفة بعاطفة فلا يعارضوها في تحقيق رغبتها من جهة النص في الدستور بأن الإسلام دين الدولة لا سيما وأن هذه المادة في مشروع الدستور تنص في نفس الوقت بصراحة تامة على أن الأديان السماوية محترمة ومقدسة، وأن الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات من غير تفريق بسبب الدين...". ثاني هذه المنطلقات، هو دور الإسلام في تشكيل الشخصية القومية العربية. يقول الشيخ زكي الخطيب وهو أيضاً من التيار المحافظ المسلم: "أيها السادة إن التقرير المطبوع من قبل لجنة الدستور بقلم مقررها المفضال وإن كان يخلو من إشارة إلى المادة الثالثة الحساسة، وكانت هناك محاولات شتى ترمي إلى حذف هذه المادة وإلى إبقائها بشكل الجسد الخالي من الروح كل هذا لا يجعلني أشك في حسن نية الباحثين من مخالفين ومؤيدين فأنا لا أريد أيها السادة أن ألفت نظر الجمعية التأسيسية الكريمة إلى أننا نحن العرب لا نستطيع أن نفاخر بعروبتنا إلا إذا اقترنت بالمبادئ السامية التي أتانا بها دين العروبة دين السماء، دين الحق المؤيد مؤيداً للأديان السابقة ولمبادئها ولما فيها من حق وأخوة ونهضة". ثالث هذه المنطلقات هو أن الإسلام، بخلاف المسيحية، هو دين عقيدة وتشريع، ولا يكتفي بالجانب الروحاني بحسب قناعة هذا التيار. جاء هذا المنطلق على لسان مصطفى السباعي في رده على مداخلة النائب إلياس دمر. يقول الشيخ السباعي: "أما الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة بحجة الحفاظ على قومية الأمة فاسمحوا لي أن أقول إن هذه هي الفكرة التي هبطت من وحي أجنبي. لأن ذلك مبدأ أعلنته أوروبا بعد أن تغلبت القومية على الكنيسة وانتصرت عليها، ولأن المسيحية دين خلق كريم وروحانية سامية ولا علاقة لها بالتشريع وتنظيم شؤون المجتمع، وقد أعلن ذلك السيد المسيح بقوله (أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، أما الإسلام فهو عبادة وخلق وتشريع، والتشريع أبرز خصائصه وأكثر أحكامه، والذين يدعون إلى فصل الدين عن الدولة وإنما يدعوننا في الواقع الى أن نبتر الإسلام ونحصره في دائرة ضيقة، فهل هذا هو ما تريدون؟ وهل تطلبون منا ذلك وأنتم في بلد تدين أكثريته الساحقة بهذا الإسلام وتحترم تشريعه احتراماً عميقاً وبالغاً." ([69]) إضافة إلى ذلك، اعتبر الشيخ السباعي أن لا خوف على المسيحيين في بلد مسلم كون الإسلام يعترف بالديانة المسيحية في حين أن العكس غير صحيح.

رابعاً، كان واضحاً تصدر النواب المسيحيين في المطالبة بفصل الدين عن الدولة، وفي مقدمتهم النائب إلياس دمر. اعتمد النائب إلياس دمر على البعدين القومي والحقوقي من جهة، وعلى قضية الاستعمار والعلاقة مع الغرب من جهة أخرى. فمن جهة تحدث النائب إلياس دمر عن القومية العربية بوصفها رابطة تاريخ ولغة جامعة للمسلمين والمسيحيين، معتبراً أن ارتباط الدين بالدولة متناقض مع مفهوم القومية. يقول في مداخلته: "من الوجهة الداخلية نحن دولة مستقلة نؤمن بالفكرة القومية العربية ونسعى لأجلها، ولا يصح والحالة هذه أن نتخذ من الدين ركناً من أركان القومية، فإن هذا يتناقض مع المبدأ القومي بالمعنى الصحيح، وأن نبقي أي أثر للنعرة الدينية أو التحديد الديني في دستورنا المقبل، فهذه النعرة هي من بقايا القرون الوسطى ومن مخلفات المستعمر، فهي بعيدة كل البعد غريبة كل الغرابة عن الروح العربية الأصيلة".

من جهة أخرى قارب النائب دمر قضية الدين والدولة من وجهة نظر حقوقية، معتبراً أن تحديد دين رئيس الدولة هو إنقاص من حقوق المواطنة لغير المسلمين. يقول في موضع آخر من مداخلته: "وقد جد في الدستور الملغى مادة تتعلق بدين رئيس الجمهورية ووجوب كونه مسلماً وربما جاءت مادة مماثلة لها في مشروع الدستور الجديد، أفلا ترون ذلك شذوذاً ومخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية التي سار عليها العالم المتمدن، هل يجوز حرمان المواطنين غير المسلمين من حق شرعي باعتبارهم مواطنين سوريين عرباً، عليهم نفس الواجبات المترتبة على المسلمين ولهم نفس الحقوق؟ ألا ترون أن ذلك يتعارض مع مبادئ الديمقراطية العربية الصحيحة التي هي مبدأ المساواة لأصحاب القومية الواحدة؟ فإن عدم تقييد الدولة ورئيسها بدين معين يفسح المجال أمام الكفاءات التي هي مقومات الرجل لا دينه - هذا مع العلم أن وجود مادة في الدستور أو عبارة مصبوغة بصبغة دينية أو بأي قيد آخر من هذا النوع تترك أثراً نفسياً غير مستحب في كل روح عربي غير مسلم، إذ يشعر هذا غير المسلم العربي الذي يمكن أن يكون مثالاً على الإخلاص والتضحية والوطنية – والذي يجاهد جنباً إلى جنب مع أخيه المسلم بأنه غريب في وطنه، ولا يتمتع بنفس الحقوق التي لأخيه المسلم شريكه بالجهاد والتضحيةـ لا لسبب إلا لأن دينه يختلف عن دين أخيه". أما البعد الثالث الذي حاول النائب دمر التركيز عليه، هو العلاقة مع الخارج، وبأن التمييز بين المسلمين والمسيحيين في الدستور مسألة تسر الغرب وتفتح له باب التدخل في سورية، إذ يقول: "فإنني واثق كل الثقة في أن الغرب يغتبط بأن يرى العرب يشيدون كيانهم القومي على أساس ديني، وأن غير المسلمين في البلاد العربية لا يشعرون بقوميتهم كما يشعر المسلم بها، وأن حقوق غير المسلمين منقوصة حتى يتمكن الغرب من بناء حججه الاستعمارية على هذا الأساس، وإني لأعتقد أن فصل الدين عن الدولة سيكون بمثابة الضربة القاضية لكل دعاية من هذا النوع من الوجهة الداخلية".

خامساً، جاءت مواقف بقية الأحزاب متوافقة مع سياساتها العامة التي ذكرناها آنفاً. فجلال السيد، النائب عن حزب البعث العربي، وجه اعتراضاته على القضايا الأساسية بالنسبة لحزبه وهي الاشتراكية والوحدة العربية، مؤكداً موافقته على النص المقترح. يقول السيد: "إنني أيها السادة أقول لكم إنني لو كنت أعتقد أن الكلمات والفقرات والجمل والمواد التي جاءت من مشروع الدستور والتي تتعلق بدين الإسلام، لو كنت أعتقد أنها غير صحيحة لما وافقت عليها، ولو كان الرأي العام ضدي ويتحمس لها، لأنني لا أريد أن أكون ولو في المسائل غير الحقة مسيراً بالرأي العام، ولكنني في القضايا الحقة أريد أن أكون أنا الموجه والقائد للرأي العام، ولن أبالي بعد ذلك بغضبه أو رضاه، ولذلك أرجو أن تؤخذ هذه القضية بنظرة كريمة لا أثر للعواطف فيها، فنحن قد سجلنا في مشروع الدستور في مقدمته وفي مواده، خاصة في المادة الثالثة، كل ما يقتضينا فضل الإسلام أن نضعه وأن نسجله اعترافاً بقدسيته وفضائله وطهارته والسلام عليكم." أما النائب عصام المحايري، النائب عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، فقد سجل اعتراضه على القضايا التي اعتبرها جوهرية لحزبه وهي علاقة الشعب السوري بالعروبة. أما دين الدولة، فقد أفرد له بضع جمل واعداً بالعودة إليه لاحقاً في اجتماعات مناقشة الدستور، الأمر الذي لم يحدث أبداً وفق محاضر جلسات الجمعية. يقول النائب المحايري: "بقي أمر أخير أثاره الزملاء البارحة وهو أمر دين الدولة. إن رأي القوميين الاجتماعيين الذين لي شرف تمثيل اتجاهاتهم في هذه الندوة رأي واضح جداً كنت أريد أن أبسطه وأتوسع فيه الآن، وأنا أناقش الآراء المخالفة التي بسطها لفيف من الزملاء يوم أمس لولا أني أطلت كثيراً. وإني لأترك مجال البحث في هذا الموضوع والمناقشة فيه حين تعرض هذه المادة للبحث، مشيراً فقط وبنوع خاص إلى أن ما قاله البعض من أن الشعب المسلم في البلاد لا يرضى عن دين الدولة بديلاً أمر خاطئ لأن المحمديين من القوميين الاجتماعيين وأنا منهم يدينون بخلاف ذلك، وليس ينفي هذا عنهم كونهم مسلمون (مسلمين) يؤمنون بالله وبرسوله وباليوم الآخر." ([70]) أما زميله في الحزب، عبد اللطيف يونس، فقد كان موقفه قريباً من موقف المحايري. يقول النائب يونس: "وهناك المادة الثالثة وإنني لا أرغب أن أخوض في بحثها مع العلم بأنني من القائلين، بل أنني من الراجين، بل من المتوسلين، بأن لا توضع هذه المادة في الدستور، ولكنني آمل من أعضاء هذه الجمعية وفي طليعتهم هذا الرجل النبيل المخلص [غالباً ما كان يقصد رشدي كيخيا] الذي عمل كل ما في وسعه ولا يزال يعمل في سبيل لم الشعب، وفي سبيل جمع الكلمة، لتجتمع كلمة الأمة على صعيد واحد متفقة على مبدأ واحد، فلا يختلف فيه مسلم، ولا يختلف فيه مسيحي، وإننا نأمل أن تلقى هذه الوساطة المبذولة من دولة رئيس الجمعية التأسيسية آذاناً صاغية لدى الأعضاء المسؤولين، وإني أناشدهم ذلك وإن كنت أنا في الصف الآخر الذي يقول بعدم وضع دين الدولة في الدستور، والسلام." ([71]) أما حزب الشعب، فلم يتطرق إلى المادة الثالثة إلا في مداخلات عارضة في مناقشة مواد أخرى. على سبيل المثال تحدث مقرر اللجنة الدكتور حومد في الجلسة الأربعين مطمئناً الشارع إلى أن المتحاورين في الجمعية التأسيسية قد وصلوا إلى نص جامع. ([72]) كما أورد النائب فيضي الأتاسي، نائب حمص عن حزب الشعب، ورئيس تحرير صحيفة "السوري الجديد"، ([73]) مقدمة الدستور، والتي تنص على الاستمساك بالإسلام ومكافحة الإلحاد، بوصفها مقيدة، إذا ما وضعت جنباً إلى جنب مع المواد المرتبطة بالأحزاب وتشكيلها، لأحزاب مثل الحزب الشيوعي. 

سادساً، كان لافتاً غياب شبه كامل لقضية حقوق النساء بشكل عام، وارتباط ذلك بالمادة الثالثة بشكل خاص، ولم يذكر هذا الأمر إلا بشكل سطحي في الدفاع عن الأسرة وليس عن حقوق النساء وذلك في مداخلة نائب القلمون، والمقرب من حزب البعث العربي، الدكتور "عبد السلام حيدر"، الذي قال: "العيب الثاني: مشروع الدستور يحوي كثيراً من التناقض بين أحكامه المختلفة وبين أحكام بعض مواده. فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة الثالثة على امتيازات الطوائف الدينية وصيانة الأحوال الشخصية لها، ونصت المادة السادسة عشرة على حماية الدولة للأسرة والزواج وتشجيعه، وإزالة العقبات المادية الاجتماعية التي تعوقه. وبما أنه أقر في المادة الثالثة امتيازات الطوائف فوسائل الحماية اللازمة للأسرة والزواج أصبحت غير متيسرة، كما أن إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه أصبحت متوقفة على خلو هذه الامتيازات منها، وهي كما نعلم ليست كذلك، فالشريعة الإسلامية اشترطت مهر المثل ‘ن لم يكن هنالك مهر مسمى، كما أباحت للزوجة ووليها فسخ عقد النكاح إن كان زوجها غير كفء لها، ومذهب الشيعة يتيح المتعة، والتقاليد المسيحية أخذت بمبدأ الدوطة وجميع ذلك مما يعوق الزواج ويضع في طريقه العقبات المادية والاجتماعية معاً". ([74])

توقفت بعد ذلك المداولات حول المادة الثالثة في الدستور وتم إقرارها بصيغتها الحالية التي ثبتت تقريباً بهذه الصيغة حتى تاريخنا هذا.

3.2 التفاوضات خارج البرلمان

 كان الحراك خارج البرلمان لاعباً أساسياً في تحديد علاقة الدين بالدولة بشكل أوسع مما جرى أثناء مناقشة دستور 1920. فقد قاد الحراك المدافع عن فصل الدين عن الدولة خارج البرلمان تياران أساسيان، هما: الحزب الوطني والكنيسة. في حين كان التيار المدافع عن نص "دين الدولة هو الإسلام" رابطة العلماء في دمشق.

كان الصوت الأعلى بين الأحزاب السياسية والمدافع عن فصل الدين عن الدولة هو نجيب الريس، المنتمي إلى الحزب الوطني، والذي كما ذكرنا كان قد قاطع انتخابات الجمعية التأسيسية، معتبراً أن هذا الدستور هو دستور الانقلاب، وأن حزب الشعب متحالف مع الانقلاب للهيمنة على السلطة. ([75]) وقد نشر الريس في جريدة القبس مقالاً رفض فيه ربط الدين بالدولة قال فيه: "لو كانت هذه البلاد للمسلمين وحدهم، لكانوا أحراراً في فرض دينهم على أنفسهم وعلى حكوماتهم وحكامهم، ولكن البلاد ليست لنا وحدنا، بل هي لنا ولغيرنا، وخصوصاً النصارى الذين كانت لهم قبلنا، والذين دخلنا عليهم وهم فيها أصحاب دولة وملك ودين.... إن كنتم لا تقصدون التطبيق فلماذا إذاً هذه المادة التي يثير مجرد وضعها فقط نفوس غير المسلمين في سورية وفي غيرها، ويفتح علينا وعلى بلادنا باباً جديداً من الدعاية في العالم الخارجي نحن في غنى عن فتحه، ولا نعتقد أن أية حكومة تتألف في سورية تستطيع تطبيق أوامر الدين الإسلامي ونواهيه على رعاياها في معاملاتهم، وخصوصاً في هذه الأيام التي تفرض منظمة الأمم المتحدة والعرف الدولي وإجماع الدنيا وجوب المساواة بين المواطنين نساء ورجالاً وأدياناً في كل دولة مستقلة، وسورية عضو في هذه المنظمة ومجبرة على تطبيق قوانينها." ([76]) أحدثت هذه المقالة ضجة في الأوساط الإعلامية السورية واللبنانية منها الصحفي "التائه" و"الصياد" ورافقتها بيانات من المؤتمر الأول لطلاب المدارس الثانوية في سورية، وجاء من المغتربين السوريين في المهاجر الأمريكية بحسب ما تورد سعاد جروس.([77])

لم يتوقف الأمر عند الحزب الوطني، فالحزب الشيوعي السوري والذي لم يكن له ممثلون في الجمعية التأسيسية، أصدر في شهر كانون الثاني بياناً هو الآخر رافضاً تحديد دين الدولة، وعبر بيانه المعنون "المبادئ الأساسية التي يريد أن يجعلها الشعب السوري أساساً للدستور، مذكرة الحزب الشيوعي إلى الجمعية التأسيسية" يقول فيها: "لقد أظهر أبناء الشعب السوري في كل وقت، أنهم متحدون على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم السياسية والاجتماعية، وفي سبيل الأهداف الوطنية والشعبية الكبرى. ولذلك يجب أن يسجل الدستور هذا الإخاء العميق بين جميع المواطنين دون تفريق بإقراره مبدأ فصل الدين عن الدولة، إن لجميع المواطنين حرية الاعتقاد والعبادة، وهذا لا يتنافى مع ما تطلبه جماهير الشعب السوري من جعل دستورنا دستوراً وطنياً لا طائفياً". ([78])

أما بقية الأحزاب فلا نرى لها بيانات واضحة رغم الزخم الاجتماعي الكبير الذي رافق نقاش هذه المادة، وربما للأسباب التي ذكرناها نفسها في الفقرة السابقة لجهة عدم رغبة هذه الأحزاب بخسارة قواعدها الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تحالفها مع الإخوان المسلمين حول قضايا اعتبرتها أكثر أهمية، كقضية العروبة والاشتراكية. على سبيل المثال، كان من الواضح تحالف السباعي وأكرم الحوراني على قضية الاشتراكية "نادى الإخوان المسلمون بوجوب النص على مبدأ تحديد الملكية الزراعية، ودعمت الجبهة الاشتراكية من خلال السباعي ممثلي الحركة الفلاحية في البرلمان الممثلة بأكرم الحوراني وإحسان الحصني نائبي الحزب العربي الاشتراكي"([79]). كما كانت حركة الإخوان "تتبنى شعارات وموافق تتقاطع مع معظم التيارات "التقدمية" في الساحة السياسية، لكن وفقاً لرؤية إسلامية؛ إذ دعا الإخوان إلى وقف التبعية للأجنبي، ودعموا سياسة الحياد الإيجابي، وطالبوا بوضع حد لتحالف الإقطاع والبرجوازية المدينية، ولتحرير العمال والفلاحين من الجهل والفقر، وفسح المجال للعناصر الشابة لدخول الجامعات ومعاهد التعليم العالي لتحسين مستوى المعيشة، ولتصفية الإقطاعية والدعوة إلى طريق تطور لا رأسمالي يقوم على تأميم رأس المال الأجنبي، وفرض قيود على رأس المال المحلي، وتأميم قطاعات الدولة، وحماية النظام الجمهوري للدولة السورية، ولتحرير فلسطين والنضال من أجل الوحدة العربية".([80])

إذاً انكفأت الأحزاب عن مناقشة المادة الثالثة خارج البرلمان وهي أصلاً ناقشتها بخجل داخله، لتترك الساحة للكنيسة لتزعم الحراك. يبدو هذا واضحاً من تحرك السباعي لمفاوضة الكنيسة بشكل مباشر، في حين اكتفى بالبيانات والبيانات المضادة في ردوده على الحزب الوطني وسواه من الأحزاب التي عارضت ذكر دين الدولة. ترأس التفاوض من الجانب المسيحي البطريرك ماكسيموس الرابع الصايغ، الذي ألقى عظة وجه فيها انتقادات شديدة للمادة الثالثة، واصفاً إياها بالتناقض. تذكر سعاد جروس في كتابها آنف الذكر أن السباعي اجتمع مع رجال الدين المسيحيين على "اختلاف طوائفهم وخرجوا بالاتفاق على بناء الدستور على أساس الإيمان بالله والمساواة وحسن الأخلاق"([81])، في حين لا نجد ما يذكر عن اجتماعات بين السباعي والقوى الليبرالية على اختلافها، مما يشي بخشية السباعي من القوى المسيحية وعدم خشيته من القوى الليبرالية.

رغم أن السباعي واجه تعقيدات مع القوى المسيحية أو الليبرالية، إلا أن مواجهته الكبرى كانت مع التيارات المحافظة الأكثر تشدداً. فقد رفضت رابطة العلماء تبني نص المادة المحور من دين الدولة هو الإسلام إلى الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع. يذكر الشيخ سرور زين العابدين، أحد زعماء التيار المحافظ السوري حتى وفاته في العام 2018، في مذكراته "ولقد دعت رابطة العلماء إلى عقد اجتماع عام من علماء المدن السورية ورجال الإصلاح فيها. فتقاطرت الوفود من البلدان وانعقدت عدة اجتماعات وكان في أواخر شعبان من هذا العام 1369هـ اجتماع علمي كبير كمؤتمر إسلامي حضره بعض الوزراء وأعضاء المجلس التأسيسي الموقر، وشهده كثير من الوجهاء وأهل المكانة في العاصمة. فدارت المذاكرات حول المادة الثالثة من مشروع الدستور (دين الدولة الإسلام) التي فازت بتأييد الأكثرية في عدة لجان وجاءت وفقاً لدساتير الدول المجاورة، ومماثلة لدساتير الدول الأجنبية الكثيرة، في النص على ارتباط الدولة بدين الأكثرية، فصدر القرار الإجماعي من المؤتمر بتأييد ألوف العرائض التي قدمتها هذه الأمة، بوفودها الكثيرة إلى المجلس التأسيسي الموقر والمحافظة على المادة الثالثة بنصها المحكم (دين الدولة الإسلام)، والنص الذي ربط الأنظمة والقوانين بروح التشريع أسوة بالحكومات العربية والإسلامية المستقلة من قبل والتي استقلت حديثاً كالباكستان وإندونيسيا"([82]) . لم تكتف رابطة العلماء بالبيانات بل ذهبت حد مطالبة الكتلة الإسلامية الاشتراكية بالاستقالة في حال لم يتم تثبيت المادة بنصها الأساسي.([83])

استدعى هذا الموقف الحازم من الرابطة السباعي لإصدار بيان وجهه للرأي العام المتدين مطالباً إياه بتبني النص الجديد حماية للوطن من انقسامات طائفية خطيرة. ([84])

تمكن السباعي في نهاية المطاف من إقناع جميع المعترضين يميناً ويساراً بالنص النهائي الذي خرج به دستور العام 1950، والذي مثل بطريقة أو بأخرى براغماتية السباعي في سعيه إلى طمأنة الجميع متحاشياً أن يؤدي النقاش حول المادة الثالثة إلى انتخابات جديدة لم تكن كتلة الإخوان المسلمين واثقة من نتائجها. ([85])

ما هو مؤكد أن التيار المحافظ، وإن وافق على بقاء هذه المادة حتى يومنا هذا، لم يكن يوماً راضياً عن إلغاء نص دين الدولة هو الإسلام، كما يورد الشيخ سرور زين العابدين في مذكراته التي ينقل فيها عن الشيخ عدنان زرزور النص التالي: "حدثني والدي رحمه الله أن رأي العلماء ورأي الشيخ حسن - ويعني فضيلة الشيخ حسن حبنكة الميداني - كان أن يقدم السباعي وإخوانه استقالاتهم من المجلس أو الجمعية التأسيسية إذا رفضت المادة المذكورة كتمهيد لتحرك شعبي واسع يجبر المجلس على تبني هذه المادة، وأنهم أو الشيخ حسن كفيل بهذا التحرك وتحقيق هذه النتيجة .... ولكن النواب لم يقدموا استقالاتهم... بل قبلوا بالنصوص الدستورية الأخرى! وكان لسان الحال ولسان المقال أيضاً – كما سمعته من بعض الأطراف -يلوم الأستاذ السباعي ... بل يعرض به وينال منه رحمه الله." ([86])

كما ذكرنا، ظلت المادة الثالثة في موقعها، وتقريباً في نصها، ثابتة في جميع الدساتير اللاحقة باستثناء دستور الوحدة 1958 والدستور المؤقت 1962، ويعود هذا برأينا إلى عدة أسباب: أولاً ظلت هذه المادة ثابتة في جميع الدساتير العربية تقريباً وبالتالي سيكون إلغاؤها في سورية إشكالياً. ثانياً، إن تثبيت مادة ما أيسر من إلغائها، وخصوصاً إذا ما كان ذلك متعلقاً بقضية بالغة الحساسية بالنسبة للمجتمع كقضية الدين، كما سنرى في أحداث دستور 1973. ثالثاً، ظل السبب الأساسي الذي استدعى تثبيت هذه المادة قائماً حتى يومنا هذا، ألا وهو خشية النخبة الحاكمة من المواجهة مع الشارع المحافظ.

4.   دستور 1973

في العام 1970 وفي الثالث عشر من تشرين الثاني، أقدم حافظ الأسد على انقلابه الذي أسماه "الحركة التصحيحية" والذي غير تاريخ سورية الحديث جذرياً. قام حافظ الأسد، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية خلفاً لأحمد الخطيب الذي عينه انقلاب الأسد رئيساً مؤقتاً ريثما يبلغ الأسد سن الأربعين، بإصدار دستور مؤقت، وتعيين مجلس شعب مؤلف من 173 عضواً وعضوة أنيطت به مهمة كتابة دستور دائم للبلاد. تضمن مجلس الشعب غالبية واضحة من أعضاء حزب البعث المقربين من الأسد، من أمثال عبد الله الأحمر، وعبد الحليم خدام، ومحمود الأيوبي، ومصطفى طلاس، ومحمد طلب هلال، كما ضم ممثلين عن حزب الاتحاد الاشتراكي مثل: حسن عبد العظيم وعبد المجيد منجونة، وحركة الاشتراكيين العرب، مثل: عبد الغني قنوت، إضافة إلى عدد من المشايخ المقربين من الأسد وعلى رأسهم الشيخ أحمد كفتارو مفتي الجمهورية. كما ضم ما لا يقل عن 11 مسيحياً و4 سيدات. ([87])

جاء هذا الدستور على خلفية مفاوضات طويلة استمرت بين العامين 1970 و1973 بين حافظ الأسد وما سيعرف بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية من ناحية، وبين ظهور مشروع دستور اتحاد الجمهوريات العربية بين ليبيا وسورية ومصر، والذي ظهر في العام 1972 وشكل عاملاً هاماً في مداولات هذا الدستور من ناحية أخرى.

على عكس دستور 1950، والذي كما ذكرنا زخرت مقدمته بالإشارات الإسلامية، جاءت مقدمة دستور 1973 خالية تماماً من أي إشارة للدين. أما المادة الثالثة فقد جاءت مختصرة أكثر من دستور 1950 لتكتفي بالبندين الأوليين، ناصة على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام، وبأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، محيلة باقي البنود التي كانت واردة في دستور 1950 والتي نصت على أن "حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن ألا يخل ذلك بالنظام العام، الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية" إلى المادة 35.

تركزت مقدمة الدستور على تعزيز الانتماء العروبي ومحاربة الصهيونية والاستعمار والإمبريالية والاستغلال، والسعي إلى تحقيق أهداف حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والاشتراكية وتثبيت ارتباط شكل الدولة بـ “ثورة الثامن من آذار" و"الحركة التصحيحية". أي إن الهوية التي حاول دستور 1973 ترسيخها هي الهوية العربية لسورية دون أي ذكر للهوية الإسلامية.

مرة أخرى كان هناك تباين واضح بين علاقة الدين بالدولة بين مشروع الدستور والنص النهائي، ومرة أخرى كان لصالح ربط الدين بالدولة. فمشروع الدستور خلا من أي إشارة للدين، ([88]) وبدا دستوراً علمانياً، الأمر الذي استفز التيار المحافظ مما دفعه إلى الاحتجاج في الشارع([89])، بطريقة مشابهة لما جرى أثناء كتابة دستور 1950، فعادت لجنة كتابة الدستور إلى نص يخفف الاحتقان. وكحال الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور 1950، كانت التفاوضات التي تناولت المادة الثالثة داخل البرلمان أقل شأناً من تلك التي حدثت خارج البرلمان، بل لا نكاد نرى تفاوضاً حقيقياً داخل البرلمان بالمعنى الحقيقي للتفاوض. فمن تناول الحديث عن المادة الثالثة كانوا من أفراد الحزب الواحد متباينين بشكل طفيف عن بعضهم بعضاً وعن المعنى الحقيقي للنصوص. قد يعود ذلك إلى كون الأحزاب الممثلة في البرلمان هي أحزاب متحالفة سلفاً مع حزب البعث، مسلمة إلى حد كبير بقيادته، وهي الأحزاب التي تشكلت منها " الجبهة الوطنية التقدمية" بقيادة حزب البعث، تاركة زمام التفاوض كله له. إضافة إلى ذلك كانت الشخصيات المسيحية داخل مجلس الشعب صامتة بشكل كامل هذه المرة، وربما أيضاً بسبب تحالفها مع حزب البعث أو انتسابها له، وربما لتحالفها مع حافظ الأسد، الشخصية المنتمية للطائفة العلوية، هذا الانتماء الذي سيلقي بظلاله على جزء هام من التفاوض حول المادة الثالثة. إلا أن هذه المرة كان التفاوض الحقيقي بين السلطة بقيادة الأسد وحزب البعث من جهة وبين التيار المحافظ من جهة أخرى دون تدخل واضح للكنيسة أو الأحزاب اليسارية التي على ما يبدو اختبأت خلف موقف الأسد الداعي لدستور علماني لا يربط الدين بالدولة.

لقد كان الأسد على ما يبدو مطمئناً لعلاقته مع التيار المحافظ عبر شراكته مع الشيخ أحمد كفتارو والشيخ محمد الحكيم مفتي حلب، ([90]) وطبقة التجار في دمشق وحلب التي توسمت خيراً في بعض اللبرلة للاقتصاد بعد أن أنهكتها سياسات التأميم التي سرت منذ عهد عبد الناصر في العام 1958([91]). الأمر الذي جعله يطمئن إلى الدفع بدستور يخلو من نص المادة الثالثة بشكل كامل، ليعود بعد فترة قصيرة بنص مطابق لنص 1950، وإن كان موزعاً في مادتين. الجدير بالذكر، أن الدستور المؤقت الذي صدر بتاريخ 16/2/1971 كان قد تضمن المادة الثالثة بنص اقتصر على بند الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، دون النص على دين الرئيس أو باقي بنود المادة ([92]). كما أن نص مشروع دستور اتحاد الجمهوريات العربية الصادر في العام 1972، يتضمن مادة ستستخدم في التفاوضات على دستور 1973، وتنص هذه المادة على ما يلي: "تؤكد دولة الاتحاد على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع." ([93]) رغم ورود مواد في الدستور المؤقت ومشروع دستور اتحاد الجمهوريات العربية، إلا أن النص الأولي لمشروع دستور 1973 جاء خالياً منها كما ذكرنا، ليعود النص النهائي إلى نص دستور العام 1950.

 سنستعرض فيما يلي التفاوضات داخل مجلس الشعب والتفاوضات خارجه والتي أفضت إلى العودة إلى النص السابق للمادة الثالثة.

ثالثاً: التفاوضات داخل مجلس الشعب

تشكلت لجنة كتابة الدستور بتاريخ 26 آذار 1972، وفق أحكام المادة 48 من الدستور المؤقت الذي وضعه حافظ الأسد بعد انقلابه مباشرة وأصدره في العام 1971 برئاسة فهمي اليوسفي، عضو القيادة القطرية لحزب البعث وعضوية السادة: أدهم مصطفى - غسان شلهوب - حسن عبد العظيم - جورج صدقني - عصام النائب - أديب النحوي - محمود قدور - سعيد الخوري - موريس صليبي - محمود الزعبي - عثمان عدي - غازي ناصيف - جورجيت وردة - محمود عبد القادر - ريس فرحان الفياض - فتح الله علوش - عبدالله موصللي - مدني الخيمي - سميح فاخوري - مهدي حداد، والتي شكلت بدورها لجنة للصياغة من فهمي اليوسفي، وغسان شلهوب، وأديب النحوي، وسميح فاخوري، وغازي ناصيف. ([94]) غابت بعدها مداولات الدستور حتى تاريخ 8 كانون الثاني 1973 والذي خصص لمناقشة تقرير لجنة الدستور ضمن عدة نقاط أدرجت على جدول أعمال تلك الجلسة. من الهام هنا أن نذكر أن اللجنة، وبحسب محاضر اجتماعات مجلس الشعب المؤقت لم تجتمع حتى تاريخ 18 كانون الأول 1972 لتعد النص المطلوب منها. إذاً لم تجتمع اللجنة خلال فترة تسعة أشهر. تذكر اللجنة في تقريرها استنادها إلى دساتير مصر ولبنان وجمهورية ألمانيا الديموقراطية، والاتحاد السوفييتي، ودستور سورية 1950 إضافة إلى تأكيدها على عدم تعارض مشروع الدستور مع مشروع دستور اتحاد الجمهوريات العربية.

لم يكن مفاجئاً تجاهل تقرير لجنة الدستور ذكر المادة الثالثة، ليتركز التقرير على التوجه العروبي والاشتراكي للدولة، دون التطرق إلى علاقة الدين بالدولة. غير أنه كان لافتاً ذكر المادتين 44 و45 المرتبطتان بالأسرة والمرأة. يقول التقرير: "ونصت المادة (44) على أن الأسرة هي خلية المجتمع وأوجبت على الدولة التشجيع على الزواج وحمايته وحماية الأمومة والطفولة ورعاية النشء والشباب. وقد أعطى المشروع للمرأة لفتة خاصة عندما ساواها بالرجل في جميع الحقوق ومنحها حق الترشيح والانتخاب دون أي قيد خاص، وأوجب المشروع بنص المادة (45) على الدولة أن تكفل للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة بكل المجالات وأوجب على الدولة أن تعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع".

تركزت المداخلات بعد التقرير على القضية الأساسية التي كانت تهم الأحزاب المشكلة للجبهة الوطنية، وهي دور الجبهة وعلاقتها بحزب البعث وبالمادة الثامنة التي تضع حزب البعث العربي الاشتراكي في قيادة الدولة والمجتمع. أي إن هذه الأحزاب لم تكن تعترض على ما ورد في المادة الثالثة والمادة الخامسة والثلاثين، على الرغم من التوجه الليبرالي (بمعنى فصل الدين عن الدولة) لهذه الأحزاب، لتقتصر المداخلات، القليلة بطبيعة الحال، على قضايا شكلية في المادة الثالثة، وعلى وجوب توافق نص الدستور مع ما ورد في مشروع دستور اتحاد الجمهوريات العربية. فمداخلة موريس صليبي، عضو مجلس الشعب عن الحزب الشيوعي السوري، تركزت على قضية الاشتراكية والجبهة الوطنية التقدمية، مع إشارة إلى ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة.

وكانت مداخلة سليم عقيل، وهي الأولى التي تطرقت إلى المادة الثالثة، لتدافع عن النص الوارد. يقول عقيل: "فقد جاءت المادة بالرغم من الإشارة في تقرير اللجنة أن دستور عام 1950 كان أحد المصادر التي استقت منه اللجنة مشروع الدستور المقدم إلى هذا المجلس، ودستور عام 1950 نص فيه على أن دين رئيس الدولة الإسلام وعلى أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع وعلى احترام الأديان وحفظ حقوق الأحوال الشخصية بالنسبة للطوائف المسيحية أو الطوائف الأخرى، وحتماً سيقال بأن مثل هذا النص يتعارض مع الاتجاه التقدمي ويتعارض مع التطور الذي يسير عليه بلدنا، وأنا أقول أنه (إنه) لا يتعارض إطلاقاً لأن الأكثرية الساحقة في هذا البلد مسلمة، وإذا ما نص على دين رئيس الدولة الإسلام فليست في هذا حركة رجعية أو انعطاف إلى الخلف، بل تقرير لمبدأ ديمقراطي في أن يكون رئيس الدولة هو رئيس الغالبية من هذا الشعب، وأن يكون التشريع الإسلامي  مصدراً من مصادر التشريع ، فمؤتمر لاهاي وهو مؤتمر دولي عالمي اعتبر التشريع الإسلامي أحد مصادر التشريع في العالم فهو يكرمه، لا لأنه إسلامي فقط وإنما يكرمه؛ لأنه تشريع من نتاج الفكر العربي الإسلامي وهو موضع التقدير والاحترام من مختلف الأمم في مجال التشريع". اللافت هنا، هو ذكر مؤتمر لاهاي الذي اعتبر التشريع الإسلامي مصدراً من مصادر التشريع في العالم. اعترض عز الدين ناصر، القيادي في حزب البعث،  واعتبر مداخلة عقيل طائفية، معتبراً ان إرادة التشريع والحكم هي الإرادة الطبقية. يقول ناصر في مداخلته: "لقد تعرض الأخ سليم إلى مواضيع دينية وطائفية وإننا كعمال نفهم أن إرادة التشريع وإرادة الحكم هي الإرادة الطبقية التي نعتبرها هي منبع العمل منبع العطاء ومنبع الإنتاج، ولا يمكن أن تكون الإرادة الطائفية التي هي نبع التفرقة ومنبع عدم الإنتاج، إننا نرجو من زملائنا بأننا سنناقش مجمل ما ورد في مشروع الدستور ونحن كطبقة عاملة لن نبخل مطلقاً لإبداء كل ملاحظة نعتقد أنها تخدم واقع شعبنا، وقد شعرت من كلام زميلي أننا في مجتمع متخلف ولسنا في بلد يسير في خط الاشتراكية."([95])  

لم تكن هذه المداخلة هجوماً على المادة الثالثة بحد ذاتها، وإن كانت المداخلة الوحيدة التي هاجمت فكرة ربط مصادر التشريع بالدين بطريقة غير مباشرة، ناهيك عن ربط التخلف بما ذكره عقيل، وإنما كانت هجوماً على عقيل نفسه الذي انتقد هيمنة حزب البعث على الدولة وانتقد فكرة الجبهة الوطنية وانتقد كذلك الصلاحيات التشريعية لرئيس الجمهورية([96]) . أما عبد الله الأحمر، فلم تكن مداخلته لرفض المادة أو قبولها أو تعديلها، بل على ما يبدو كانت لتأكيد موقف الحزب من الدين والمجتمع مهاجماً خصومه من المحافظين، خارج المجلس وليس داخله، والذين اتهموا البعث بالابتعاد عن الدين. يقول الأحمر: "لست في حاجة إلى التأكيد أن كل من في المجلس يحترمون الأديان ويعتبرون الإسلام (جزءاً من التراث العربي ومصدراً من المناهل الأساسية التي نعتمد عليها في كل التشريعات، ولكن هذا شيء وما نقوم به من إقرار دستور دائم هو شيء آخر. إن الانتماء لأبناء الشعب في هذا القطر ولأبناء الأمة العربية جميعاً هو الانتماء العربي أصلاً، والإسلام جاء موجهاً للعرب قبل غيرهم، وأنا ألتقي مع الأخ سليم بأن الدين للأفراد وليس للدولة، وأن كل فرد له دينه وله معتقده. ونحن نحترم لكل فرد دينه ومعتقده، وتكون له الحرية الكاملة في إقامة الشعائر الدينية، ولم يعكر هذا الأمر إلا المستعمرون عندما كانوا هنا إبان الانتداب، وإذا كانت هناك من رواسب لإثارة النعرات فهي ليست من باب الحرص على الدين، لا على دين رئيس الدولة ولا على دين الدولة؛ لأن الأكثرية هي التي تنتخب رئيسها وتراعي كل الاعتبارات واقعياً ولم نر في يوم من الأيام أن رئيس الجمهورية لم يكن على دين الأكثرية. هذه الأمور كانت تراعى في الواقع إنما كانت تثار ولا نقول عندما تثار وإن كل من يثيرها معني أنه كان مدفوعاً ولكن كان من يريد أن يضع شعبنا في زاوية هو أن يكرس واقعاً قائماً تجاوزه شعبنا منذ أكثر من ربع قرن لأنه عندما تجاوزه لا نقول إنه تجاوز الدين وإنما أن نقول إنه تجاوز الأساليب التي كان الدين من خلالها مصدراً للتجارة سواء عندما كانت تناقش مثل هذه الأمور لتوضع في الدستور أو في شكل آخر ، فأنا حسب تقديري لسنا الآن في صدد مناقشة موضوع الدين ومركز الدين في نفوسنا وإصرارنا على احترام كل الأديان وكل المعتقدات وإنما نثبت في هذا الدستور مبادئ لشعب له انتماء عربي كمجموع، أما الأفراد كأديان فهذا أمر يهم الفرد وهذا ما تؤكده القوانين، ولذلك أرى أن الفقرة كما وردت منسجمة مع دستور دولة اتحاد الجمهوريات العربية أو مع مرحلة التطور التي وصل إليها شعبنا، وأرجو أن يقرها المجلس كما وردت".

إذاً لم يطلب عقيل ولا الأحمر ولا عز الدين تعديلات على المادة. كانت الشخصية الوحيدة التي طلبت التعديل هي فتح الله علوش الذي طالب بتبني النص الوارد في دستور اتحاد الجمهوريات العربية، غير أن التصويت ذهب بسرعة وبشكل واضح باتجاه النص الوارد في المشروع بشكل يوحي بقبول النص قبل عرضه على الأعضاء.


 

نستطيع أن نسلط الضوء على الملاحظتين الآتيتين في مداولات دستور 1973:

أولاً، على عكس دستور 1950، لم تحظ المادة الثالثة بقدر هام من النقاش داخل قبة البرلمان، ويعود هذا برأينا إلى أن جميع الأحزاب قد تعلمت من درس دستور 1950 من جهة، ومن جهة ثانية كانت هذه الأحزاب متفقة على قيادة البعث للعملية على ما يبدو، وأخيراً كان من الواضح أن كل التفاوضات قد جرت خارج المجلس والكل كان جاهزاً على التوقيع على النص المقترح، والأهم هو عدم وجود أحد من التيار المحافظ للدخول معها في تفاوضات!

ثانياً، لم تتقدم الشخصيات المسيحية بأي خطوة تجاه مناقشة المادة الثالثة على عكس فعلها في دستور 1950 ودستور 1920. ربما يعود هذا إلى أن هذه الشخصيات كانت منتمية لأحزاب كجورج صدقني المنتمي لحزب البعث أو موريس صليبي المنتمي للحزب الشيوعي، والذي استدعاها للالتزام بمواقف أحزابها، أو للأسباب نفسها التي دفعت الأحزاب إلى الصمت تجاه هذه المسألة.

ثالثاً، كان لافتاً أن التيار المحافظ ممثلاً بالشيخ أحمد كفتارو ومحمد الحكيم قد تغيب عن مناقشة مواد الدستور. لا يتضح لنا سبب تغيبهم، والذي قد يكون مصادفة، أو لتفادي الدخول في مناقشات هم في غنى عنها وخصوصاً بعد تثبيت المادة بنصها النهائي قبل الدخول إلى القاعة على ما يبدو.

رابعاً: التفاوضات خارج مجلس الشعب

كانت التفاوضات خارج قبة البرلمان أشد بوضوح من تلك التي حدثت داخل البرلمان، ومن تلك التي حدثت في جميع الدساتير السابقة. ففي هذه المرة لم يكن الإخوان المسلمون ممثلين في المجلس، وبالتالي كان تفاوضهم يحدث خارج البرلمان، كما انكفأت الكنيسة عن أي دور بارز تاركة الدور الأساسي للأسد والبعث من ورائه على ما يبدو، إذ إننا لم نصل إلى أدبيات تذكر أي بيان أو دور واضح لها. أما أحزاب المعارضة والتي لم تكن منضمة للجبهة الوطنية، فقد آثرت هي الأخرى الاختباء وراء الطرفين الأساسيين: البعث من جهة، ورابطة علماء الشام ممثلة بالشيخ حسن حبنكة الميداني وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. والهام هنا أيضاً أن قضية الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد قد لعبت دوراً في تعاطي الأطراف مع المادة الثالثة.

يبدو أن حركة الإخوان المسلمين كانت ترى في مشروع الدستور، الخالي من ذكر دين رئيس الجمهورية، فرصة لمهاجمة نظام الحكم بشكل حاسم. يقول سعيد حوى: "عندما قرأت نص الدستور وجدت أنه لا بد من عمل، وأن هذا العمل يجب أن يكون باسم علماء سورية، ورأيت أن طوائف كثيرة ستتجاوب مع هذا التحرك، فالناصريون والاشتراكيون، وحتى جماعة صلاح جديد سيلتقون حول هذا التحرك، وما دام التحرك بقيادة العلماء، فستظهر الحركة كلها بالمظهر الإسلامي، وهذا سيجبر حافظ الأسد على تنازلات وسيعطيه درساً للمستقبل في وجوب مراعاة الإسلام، ورأيت أن علينا نحن الإخوان المسلمين أن نوصل الناس من وراء ستار إلى وضع يندفعون فيه دون أن يكون هنالك ممسك علينا، وعلى هذا الأساس تحركت وأنا أداوم على تدريسي في المعرة، وقد سارت الأمور على ما يرام وبالشكل المخطط له، ولكن لله مراداً." ([97])

بدأ العلماء بالتحرك في دمشق وحلب وحمص وحماة. وكان واضحاً الدور البارز الذي لعبه الشيخ حسن حبنكة الميداني، والذي كان على ما يبدو القائد الفعلي للتيار المحافظ آنذاك والشيوخ عبد الكريم الرفاعي في دمشق، وخالد الشقفة في حماة ومحمد الشامي في حلب (والذي كان مقرباً من السلطة بحسب سعيد حوى) ([98]). من الواضح أن تحرك الشيوخ والاحتجاجات التي رافقت تحركهم في حماة تحديداً والتي هتفت مطالبة بإسلام الرئيس وبمهاجمته كعلوي، قد أحرجت الأسد كثيراً دافعة إياه إلى إصدار بيان يطالب فيه بوضع دين رئيس الدولة هو الإسلام، و"وأصر في الوقت ذاته على رفض "كل تفسير متخلف للإسلام يكشف عن تزمت بغيض وتعصب مقيت. فالإسلام دين المحبة والتقدم والعدالة الاجتماعية. دين المساواة بين الناس جميعاً"([99]).

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت هتافات حماة بحسب سعيد حوى "لا دراسة ولا تدريس حتى يسلم الرئيس"([100])، وشارك الاشتراكيون والناصريون بالدعوة إلى الإضرابات ([101]). دفع كل ذلك حافظ الأسد إلى التحرك ضمن الأوساط العلوية والشيعية كي يبعد شبهة البدع عن الطائفة العلوية. يقول حنا بطاطو: "ولمواجهة التهمة التي يلقيها المتعصبون في وجهه بأنه ينتمي إلى طائفة من أصحاب البدع أصدر ثمانون من رجال الدين العلويين بياناً رسمياً في شأن هذه النقطة يؤكدون فيه على نحو قاطع أن كتابهم هو القرآن وأنهم مسلمون شيعة، وأنهم مثل أغلبية الشيعة اثنا عشرية أي من أتباع الأئمة الاثني عشر. وصادق على بيانهم المفتي الجعفري الممتاز في لبنان عبد الأمير قبلان وأكد الإمام موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان في رأي مرجعي "الوحدة المذهبية" للعلويين مع الشيعة. ([102])

غير أن التفاوض الأبرز كان بشكل مباشر بين الأسد والشيخ حسن حبنكة الميداني الذي عده سعيد حوى وحنا بطاطو القائد الديني الأبرز في تلك الفترة. ينقل عبد الرحمن حبنكة الميداني عن والده قصة لقائه بالأسد الأب في معرض التفاوضات التي رافقت كتابة الدستور: "أراد مجلس الشعب في إحدى دورات حكم الرئيس (حافظ الأسد) وضع دستور للدولة السورية، وكان اتجاه الدولة والحزب أن يكون دستوراً علمانياً، وفق مبادئهم المعلنة، فنهض جميع علماء المسلمين ورجال الحركات الإسلامية يطالبون بأن يوضع في الدستور مادة (دين الدولة الإسلام). وكتبوا في ذلك عرائض وقعها كثيرون، وكان الوالد في مقدمة الموقعين، ووجهوا برقيات لرئيس الدولة ولرئيس مجلس الشعب. وحضر جمع منهم إلى الوالد الإمام، يستحثونه للقيام بالمطالبة بهذا الأمر، فاتّصل بمقر الرئاسة، وطلب موعداً للاجتماع بالرئيس، وحُدد له وقتٌ لذلك. فذهب إليه، وقدر الرئيس (حافظ الأسد) في نفسه أن الغرض من الاجتماع المطالبة بوضع مادة (دين الدولة الإسلام) في الدستور، فأعد نفسه ببعض الأجوبة التي عرضها عليه مستشاروه القانونيون من قيادات حزب البعث. وحصل الاجتماع بينهما في قصر الرئاسة فطالبه الوالد الإمام بوضع مادة (دين الدولة الإسلام) في الدستور، وأبان له مطلب علماء المسلمين والجماهير العريضة الواسعة من الشعب الذي هو مسلم بأكثريته الساحقة. فأجاب الرئيس ببعض الأجوبة تعتمد على المغالطة، فكان من أجوبته المغالطيّة: أن الدولة إنما هي أرض ومبانٍ ودوائر ومؤسسات إدارية وعسكرية، وهي أمور لا تتصف بأنها ذات دين أو غير ذات دين، فلا معنى لذكر مثل هذه المادة في الدستور. فأجابه الوالد فوراً: إن القانونيين الذّين أفهموك هذا يتجاهلون الحقّ، ويبينون لك خلافه ويغالطونك. فقال الرئيس (حافظ الأسد) وكيف ذلك؟ فقال له الوالد الإمام: إنّ الدولة جهاز من أفراد الشعب وهم نائبون عن الشعب في تحقيق مطالبه، ويمثّلون في التعبير عن إرادته، وتحقيق مصالحه، وللشعب الذي تمثله الدولة في الإدارة أرض ومؤسسات وممتلكات. ولو كان الأمر كما زعموا لك، لما كان معنى لأن تقولوا: نحن دولة اشتراكية، ولأن تُعلن كلّ الدول في دساتيرها المبدأ الاعتقادي الذي تؤمن بهو وتعمل بموجبه أحكامها (علماني – ماركسي – اشتراكي – كاثوليكي – بروتستانتي -يهودي) ونحو ذلك. أفكلُّ هؤلاء لا يفهمون القانون، فهم عن جهل يضعون في دساتيرهم ما لا يتلاءم منطقياً مع مفهوم الدولة؟ لقد ظن الذين أملوا على الرئيس هذه المغالطة أن الوالد عالم ديني، رّبما انطلت عليه هذه الحيلة المغالطيّة، وجهلوا أنّ فقهاء المسلمين هم أساتذة رجال القانون في العالم، وأنّ فرنسا أم القانون المدني قد استمدت قانونها أساساً من الفقه الإسلامي، واستفادت أبنيتها القانونية النظرية من تحليلات فقهاء المسلمين. قال الرئيس (حافظ الأسد): لقد مرت على البلاد حكومات كان فيها جماعة من علماء المسلمين ممثلين عن الشعب، وكان فيهم عدد من الإخوان المسلمين، ووضعوا دستوراً ولم يضعوا فيه مادة (دين الدولة الإسلام) واقتصروا على أن يكون الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع. فكيف تطالبوننا بما لم تفعلوه أنتم؟"([103])

عادت بعد هذه التفاوضات المادة إلى النص الذي وضعه السباعي قبل اثنين وعشرين عاماً ليستمر حتى يومنا هذا. وهنا يمكننا أن نلفت الانتباه إلى الملاحظات التالية:

أولاً، كان لافتاً أن حوار التيار المحافظ مع السلطة انحصر في المادة الثالثة ولم يكن هنالك أي نص يذكر أي حوار حول المادة الثامنة، الأمر الذي يدفع إلى الظن أن المادة الثامنة قد كانت ثمن تمرير الأسد للمادة الثالثة. واعتبر التيار المحافظ أنه انتصر بمجرد أن أعاد المادة إلى الدستور، متناسياً المادة الثامنة والصلاحيات المطلقة التي أعطيت لمنصب الرئيس، وجميع مكامن الضعف في الدستور.

ثانياً، كان لافتاً أيضاً غياب التيار المحافظ المؤيد للسلطة ممثلاً بالشيخ أحمد كفتارو عن الحوارات خارج البرلمان، كما كان غائباً عن الحوارات داخله، ولم يكن سوى الشيخ محمد الشامي موجوداً للوساطة بين التيار المحافظ والسلطة. مما يدل على رغبة هذا التيار بالابتعاد عن المواجهة مع الشارع أو مع السلطة تاركاً الأمر بيد المشايخ المناوئين للسلطة وللأسد شخصياً القيام بهذا التفاوض. ليس لدينا ما يشير إلى أن هذا الغياب كان بطلب من الأسد لكفتارو، إلا أن هذه الحوادث قربت بين المؤسسة الدينية الرسمية والسلطة الحاكمة، مما جعل الأسد يضاعف من ميزانية الأوقاف ويوطد العلاقة مع تيار كفتارو حتى وفاته.

ثالثاً، كان غياب التيار الليبرالي، والمطالب بفصل الدين عن الدولة شبه كامل. فلا ذكر لأي دور للحزب الشيوعي ولا الحزب السوري القومي الاجتماعي أو غيرهما من الأحزاب في المطالبة بإلغاء المادة. بل على العكس، فبحسب سعيد حوى ربما وجدت بعض الأحزاب الفرصة سانحة لمهاجمة السلطة من بوابة محاولة الأخيرة إلغاء المادة الثالثة، أي إنها على العكس، طالبت بإعادة المادة الثالثة بغرض إضعاف السلطة الحاكمة.

رابعاً، على عكس تفاوضات دستور 1950، غاب دور الكنيسة تماماً عن التفاوض ولا ذكر لأي بيان أو موقف لها، لا خلال الحوارات داخل مجلس الشعب ولا خلال حراك الشارع، الأمر الذي يمكن عزوه إلى اختبائه خلف الأسد، ورضاه عن النص الموجود في دستور 1950 كونه رآه حلاً وسطاً وصل إليه مع التيار المحافظ.

خامساً، يجب ألا ننسى أن مصر وسورية كانتا تتحضران لخوض معركة تشرين الأول ضد إسرائيل، الأمر الذي قد يكون سبباً وراء تراجع الأسد لحاجته لدعم شعبي في معركته المقبلة من جهة، ووراء استعجاله كتابة الدستور من جهة أخرى.

سادساً، كان لافتاً في هذا الدستور غياب البعد الدولي عن التفاوض على خلاف مقاربات 1920 و1950، والتي إما نادت بمثال الغرب أو بالابتعاد عنه كأداة للتفاوض، خلت كل تفاوضات هذا الدستور من أي مقارنة حول المادة الثالثة مع الدساتير الغربية.

مرة أخرى فشلت النخب السورية في إنتاج حوار حقيقي حول هذه المادة، ولم تستند مقارباتهم دفاعاً عنها أو رفضاً لها إلى أسس علمية تشرح الفرق بين النصوص المتفرقة من جهة، ومن جهة أخرى تفتح الباب على الحوار الهادف الذي يتيح المجال أمام فهم عمومي مشترك للمعاني المختلفة، الأمر الذي أدى إلى انفجارات العام 1979-1982، وربما كان أحد عوامل انفجارات العام 2011.

خامساً: الدين والدستور في الدستور المقبل: أين سيصل الحوار بين المحافظين والليبراليين؟

في بحثنا حول علاقة الدين بالدستور نرى أن هنالك دساتير عربية وغير عربية نصت على دين الدولة، ودساتير عربية وسورية تحديداً نصت على أن مصدر التشريع هو الإسلام، لكننا لم نر أي مرجع يشرح الفرق القانوني بين النصين. فدستور تونس ينص على أن: "تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها."([104]) . في حين ينص دستور مصر على أن: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع." ([105]) علماً أن لدى تونس قانون أحوال شخصية يمنع تعدد الزوجات، والذي تتيحه قوانين مصر وسورية، فأين الأثر الفعلي للنص؟ كما أن مرام التيار المحافظ في سورية خلال العام 1973 و1950 كان دين الدولة وليس مصدر التشريع! وخلو دساتير 1920، 1930، 1958 من تحديد مصدر التشريع أو دين الدولة، لم يؤثر بتاتاً على القوانين التي سنت استناداً إلى هذه الدساتير سواء المدنية أم الجزائية أم غيرها. فباعتقادنا أن الخلاف بين التيار المحافظ والتيار الليبرالي حول النص هو خلاف سياسي لا يستند حقيقة إلى جوهر قانوني لمعنى النصين، كما يؤكد الفيلسوف الدستوري الألماني كارل شميدت أن مثل هذه الاتفاقات حول مشاكل الهوية والتموضع للفرقاء السياسيين توليفات لفظية آنية لتجيير الخلاف من اللحظة الدستورية إلى العمل السياسي اللاحق ([106]).

إن إدراك التيارين لمثل هذه الحقيقة، قد يفتح الباب أمام توافقات محتملة في اللجنة الدستورية التي تعمل على كتابة دستور سورية المقبل.

ومن التجارب المفيدة للحالة السورية تمكن الجمعية التأسيسية التونسية من الحفاظ على الهوية الإسلامية لتونس، مستخدمة لغة تماشي لغة العالم. فالنص الدستوري لا يمنع المرأة من شغل مناصب عليا وصولاً إلى منصب رئيس الجمهورية إذ ينص الدستور التونسي في فصل الرابع والسبعين على أن: "الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام." وبالتأكيد سيحتج الليبراليون على فكرة حصر رئاسة الدولة بالمسلمين وحرمان المسيحيين منها، وهذا ينافي حق المواطنة الكاملة لكل سوري وسورية. غير أن الوصول إلى دستور يعطي حق المواطنة لكل المواطنين بغض النظر عن دينهم، يبدو غير ممكن، آخذين بعين الاعتبار التوجه العام لغالبية أعضاء اللجنة من جهة، وتاريخية هذه المسألة من جهة أخرى. زد على ذلك أن دين الرئيس سيكون هاماً في حالة نظام رئاسي، لكن ذلك سيكون أقل أهمية في نظام حكم برلماني يحظى الرئيس بصفة اعتبارية ويكون لرئيس الوزراء الصفة التنفيذية الفعلية. وحتى في نظام شبه رئاسي، سيكون منصب رئيس الحكومة منصباً في غاية الأهمية، وخصوصاً في نظام شبه رئاسي يحظى فيه رئيس الحكومة بصلاحيات واسعة.

أما لجهة قانون الأحوال الشخصية، فمهما كان نص الدستور، سيكون القول الفصل في البرلمانات المنتخبة. فإذا كان الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع فهذا يعني أنه ليس المصدر الوحيد، وسيبقى على التيارات السياسية المختلفة التفكير بلعبة الأغلبية السياسية لتمرير مشاريعها عبر اللعبة الانتخابية.

ناهيك عن وجود تيارات محافظة بدأت تتناول قضية المواطنة والدولة المدنية بشكل جذري ([107]) . فشخصيات مثل فهمي هويدي ومحمد عمارة وسليم العوا، ومحمد مهدي شمس الدين، والقرضاوي لها نصوص متقدمة في المواطنة تتيح ببعض مناحيها شغل المرأة لمنصب الرئيس، ورفض قتل المرتد، والمواطنة الكاملة للمسيحيين وسواها من المسائل التي تشغل التيار الليبرالي ([108]).

قد يكون الأمر هيناً بما يخص المسلمين من الطوائف المختلفة أو الأديان السماوية، أما لجهة أديان مثل الإيزيدية فالأمر بالتأكيد أكثر تعقيداً، وقد يكون هنالك حاجة لنصوص دستورية تحمي مثل هذه الجماعات. وسيصبح الأمر أكثر تعقيداً فيما يخص حرية عدم الاعتقاد بدين محدد وقضية الزواج المدني.

 سيكون برأينا النص المختار للمادة الثالثة دور هام في الحوارات بين المحافظين والليبراليين، ولا نرى الأمر محسوماً تجاه النص المقترح، ولذلك نقترح هنا طيف النصوص المحتملة لها، من النص الأكثر علمانية إلى النص الأكثر محافظة:

  • سورية دولة علمانية: نعتقد أن مثل هذا الخيار ضعيف الحظ، لغياب تيار قوي داخل اللجنة لفرض مثل هذا النص من جهة، ولعدم وجود مثل هذا النص في أي دستور سوري أو عربي أو دساتير الدول ذات الغالبية الإسلامية.
  • عدم ذكر مصدر التشريع: قد يكون هذا حلاً وسطاً، كون الغالبية الكبرى من الدساتير غير العربية والإسلامية، مثل إندونيسيا وماليزيا، لا تذكر أي نص حول مصدر التشريع. لقد كان هذا النص هو نص السباعي الذي استقته منه باقي الدول العربية، عندما تنازل عن نص دين الدولة هو الإسلام كما رأينا.
  • القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية مصدر رئيسي للتشريع: نعتقد أن مثل هذا الخيار ضعيف الحظ أيضاً، لغياب تيار قوي داخل اللجنة لفرض مثل هذا النص من جهة، ولعدم وجود مثل هذا النص في أي دستور سوري أو عربي أو إسلامي، ولكون إخضاع الدستور السوري للمواثيق الدولية قد يكون إشكالياً عند الكثيرين لأسباب لا تتعلق بموضوع الدين وحقوق الإنسان والمواطنة، وإنما بعلاقة الدولة بالنظام العالمي ككل.
  • الإسلام دين الدولة: قد يحظى هذا النص برضى التيارين على غرار ما تم في تونس مثلاً.
  • القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية مصدر رئيسي للتشريع، على ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية: وهذا أيضاً نص قد يحظى ببعض التوافق كونه يضع لأول مرة القانون الدولي والمعاهدات كمصدر للتشريع، رغم تقييده بحدود الشريعة الإسلامية.
  • مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع: إن ذكر مبادئ الشريعة، أو الشريعة هو نص مخفف ربما من وجهة نظر التيار الليبرالي من الفقه الإسلامي.
  • الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع، سواء مرفقة بدين الدولة أم لا، وسواء بألـ التعريف أم دونها: هذا النص، كحال النص السابق، سيكون إشكالياً لدى تيار معقول داخل اللجنة، وإن كنا نرى أن الغالبية قد تكون معه، إلا أنها لن تكون غالبية كافية لفرضه، وبالتالي سيكون ربما من المتعذر القبول به كنص نهائي.
  • الفقه الإسلامي المصدر الوحيد للتشريع، سواء مرفقة بدين الدولة أم لا: هذا النص، سيكون إشكالياً بشكل أكبر من سابقه لدى تيار كبير داخل اللجنة، وبالتالي سيكون مستبعداً جداً القبول به كنص نهائي.
  • مقاصد التشريع هي المرجع الأساسي للتشريع وهذا اقتراح يمكن مناقشته لأن المقاصد يمكن أن تكون مقاصد إنسانية وخصوصًا إذا طورت، وهي قابلة لذلك وثمة محاولات داخل الفكر الإسلامي المعاصر لتطويرها وجعلها أكثر مواكبة للمفاهيم المعاصرة.

سادساً: خلاصة وخاتمة

 لقد كانت علاقة الدين بالدولة قضية مفصلية في الدساتير السورية الثلاثة التي درسناها في هذا البحث، تفوقت في كثير من الأحيان على مواد مهمة ترتبط بصلاحيات السلطة التنفيذية وفصل السلطات وتشكيل الأحزاب والجمعيات، واللامركزية وسواها من القضايا الهامة التي يحددها الدستور عادة. نعتقد أن هذا الأمر كان دوماً بالنظر إلى الدستور من وجهة نظر الهوية والحقوق لا من وجهة نظر البرامج والسياسات العامة كما يشرحها حسن طارق ([109]).

لم تنحصر التفاوضات حول هذه المادة داخل البرلمان فقط، ولم تكن بين التيارات ذاتها في كل مرة تم التفاوض عليها، كما لم تكن القضية دوماً واضحة في تناول هذه المادة كما رأينا في دستور 1920 فقد تركزت المسألة حول حقوق النساء أكثر منها حول علاقة الدين بالدولة.

وعلى الرغم من ظهور التيار المحافظ كطرف مفاوض دائم يدافع عن دين الدولة، كان الطرف الآخر إما تياراً ليبرالياً أو شخصيات مسيحية كما هو الحال في دستوري 1920 و1950. وفي حين كان حضور التيار الليبرالي في الدفاع واضحاً في مداولات دستور 1920 ولكنه كان ضعيفاً في مناداته بفصل الدين عن الدولة في دساتير 1950 و1973 ربما لأسباب تتعلق بقواعده الشعبية التي لا توافق على دستور ليبرالي كما ذكرنا.

ارتكز التيار الليبرالي في مناداته بفصل الدين عن الدولة على مسألتين أساسيتين: الأولى، كانت المسألة الحقوقية، والتي تركزت على حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، ومبدأ المواطنة بين أفراد الوطن بغض النظر عن الدين أو الجنس أو الطائفة. أما المسألة الثانية، فقد كانت العلاقة مع الغرب إما تشبهاً بالغرب المتقدم، أو درءاً لتدخل الغرب تحت ذريعة حماية الأقليات أو حاجة المجتمع السوري "المتخلف" لوصاية أجنبية.

أما التيار المحافظ، فقد استند بشكل أساسي إلى ثلاث مرتكزات: الأولى، هي أن غالبية المجتمع هي من المسلمين، دون ذكر الأقليات الطائفية فيه كالعلويين والدروز والإسماعيليين، وبالتالي فمن حق الغالبية أن تطبع دستورها بالطابع الإسلامي، استناداً إلى مفهوم الديموقراطية كما يرونه. الثاني، كان يرتكز إلى العلاقة مع الغرب أيضاً، من كون الغرب يطبعه الطابع المسيحي وهذا حقه كما هو حق المجتمع ذي الطابع المسلم. القضية الثالثة، كانت ترتكز إلى أن العلمانية منتج مسيحي، ينطلق من أن المسيحية كانت عقيدة وليست شريعة كما هو الحال في الدين الإسلامي، وبأن الإسلام جاء بمنهج شامل للإصلاح وفيه خصائص مرونة وتطور، وأن الإسلام ينهج النهج العلمي والعلم التجريبي، وأن الإسلام في مجال التشريع مدني علماني، وأن الإصرار على الإسلام كدين للدولة هو لتأصيل المفردات وربطها بتاريخ الأمة، وكانت هذه هي مدخل الشيخ مصطفى السباعي بشكل أساسي.

أخيراً، لا بد لنا من ملاحظة انخفاض تأثير العامل الغربي على الدساتير السورية من العام 1920 والذي كان طاغياً خلاله، حتى دستور العام 1973 الذي كان مغيباً تقريباً عن المداولات.

يعود السوريون اليوم مرة أخرى للتداول الكثيف حول هذه المادة، طرف يريد المواطنة بمفهومها الغربي باعتبارها لغة العصر، وطرف يريد المرجعية الإسلامية باعتبارها العلامة المميزة للمجتمع، وطرف ثالث صوته ضعيف هذه المرة، يسعى إلى خطاب يقارب لغة العصر ولغة المجتمع، واللافت هنا أن هذه "الأطراف" عابرة للأطراف السياسية التقليدية، أي إنها عابرة لكتل المعارضة والسلطة والمجتمع المدني.


([1]) زيدون الزعبي، مصادر التشريع بين التيارين المحافظ والليبرالي، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 23-5-2020، الرابط: https://bit.ly/34GEngL

([2]) Elisabeth Thompson, How the west stole democracy from the Arabs: The Syrian Arab Congress of 1920 and the destruction of its historic Liberal-Alliance, Atlantic Monthly Press, New York, 2020.

([3])  ندوة بعنوان "مئوية الدستور السوري الأول 1919/1920: إشكالية العَلمنة" المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات، 2-9-2020، رابط: https://bit.ly/3kONjGs

([4])Rim Turkmani and Ibrahim Draji (2019) the question of religion in the Syrian Constitutions: historical and comparative review. Conflict Research Programme, London School of Economics and Political Science, London, UK, 05-2020. https://bit.ly/384zccC

([5]) حسن طارق، "دستورانية ما بعد انفجارات 2011 قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر"، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الدوحة 2016، ص 209-213.

([6]) ريم تركماني وإبراهيم الدراجي، " المسألة الدينية في الدساتير السورية مسح تاريخي مقارن"، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، 2019، ص 1-3، https://bit.ly/2JuSf5F

([7]) رغداء زيدان، "فلسفة الدستور والمسألة الدينية"، مركز حبر للدراسات، 2020، ص 1-2، https://bit.ly/2HNduzi

([8]) خلت هذه الأسباب من أي إشارة دينية.

([9]) محمد جمال باروت، المؤتمر السوري العام (1919-1920 ) الدستور السوري الأول: السياق، الطبيعة والوظائف، المراحل والقضايا، مجلة تبين، العدد 3، 2013، ص 43-45.

([10]) وهو التعريف الفرنسي للعلمانية، والذي يعدُّ عادة واحداً من التعريفات الأشد تطرفاً للعلمانية. على سبيل المثال، العلمانية البريطانية، تقبل بدين رئيس الدولة، أي الملكة، كما أن الدستور الأمريكي لا يذكر العلمانية ولا خلافها، أما الفرنسي فيذكر العلمانية تسع مرات.

([11]) المرجع نفسه، ص43.

([12]) اللافت هنا أن سعد الله الجابري كان يصلي ويصوم، ولم يفهم العلمانية كإلحاد وكفر. يقول الشيخ معروف الدواليبي في مذكراته الصفحة 110. "لقد كان سعد الله الجابري "شخصاً نقياً، وكان يصلي ويصوم، وهذا ثابت عنه في أيام النضال، وكان يدعوني للإفطار في على مائدته في رمضان دوماً."

([13]) محمد حرب فرزات، " دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها 1908-1955"، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الدوحة، 2019، ص 88-90.

([14]) Elisabeth Thompson, How the west stole democracy from the Arabs: The Syrian Arab Congress of 1920 and the destruction of its historic Liberal-Alliance, pp 238-239. 

([15]) المرجع نفسه، ص: 238-239.

([16]) المرجع نفسه، ص 162

([17]) المرجع نفسه، ص 211

([18]) المرجع نفسه ص 162.

([19])جمال باروت، محاضرة، المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات، بيروت، 2 أيلول 2020.

([20]) ربما كان الدستور العثماني لذلك بجعل كل المواطنين متساوين أمام القانون.

([21]) ماري ألماظ شهرستان، "المؤتمر السوري العام 1919-"1920، دار أمواج، بيروت 2000، ص 194-207.

([22]) المرجع نفسه، ص 194-207.

([23]) مذكرات محمد عزة دروزة: سجل حافل بمسيرة الحركة العربية والقضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1993، المجلد الأول، ص 390 ـ 391.

([24])  ماري ألماظ شهرستان، "المؤتمر السوري العام 1919-"1920، مرجع سابق، ص206.

([25])  يوسف الحكيم، "سوريا والعهد الفيصلي"، دار النهار، بيروت 1986، ص 94-96.

([26]) ماري ألماظ شهرستان، "المؤتمر السوري العام 1919-1920”، مرجع سابق، ص 165.

([27]) Elisabeth Thompson, How the west stole democracy from the Arabs: The Syrian Arab Congress of 1920 and the destruction of its historic Liberal-Alliance, pp 207 – 208.

([28]) يوسف الحكيم، "سوريا والعهد الفيصلي"، مرجع سابق، ص 96.

([30]) محمد حرب فرزات، "الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، ص 235.

([31]) عبد الله حنا، "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،" بيروت، 2018، ص88-91.

([32]) المرجع السابق، ص88-91.

([33]) المرجع السابق، ص88-91.

([34]) خلود الزغير، سورية الدولة والهوية قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963) –، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2020، ص 73.

([35]) الجريد الرسمية. محاضر جلسات الهيئة التأسيسية، 24 تموز 1950.

([36])  Thomas Pierret, Religion and State in Syria, the Sunni Ulama from Coup to Revolution, pp 65-66.

([37]) محمد حرب فرزات "الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق ص 234-235.

([38])  نشوان الأتاسي، "تطور المجتمع السوري بين العامين 1831-2011"، دار أطلس، بيروت 2015، ص 188-191.

([39]) خلود الزغير، سورية الدولة والهوية قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963) مرجع سابق، ص 156-158.

([40]) لا يذكر عبد الله حنا ولا محمد حرب فرزات ما يخالف هذا الزعم، فكلا المؤلفين أكدا على التوجه العروبي والسياسات الاقتصادية والمالية دون الحديث عن علاقة الدولة بالدين.

([41]) وجيه الحفار، "الدستور والحكم"، مطبعة الإنشاء، دمشق 1948، ص 113-118.

([42]) عبد الله حنا، "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية"، مرجع سابق، ص: 113-114.

([43]) سعاد جروس، "سورية زمان نجيب الريس: 1898-1952: من الانتداب إلى الانقلاب". رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،2015، ص: 447-470.

([44]) محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق، ص 262-263.

([45])  موضوع الدستور القديم هو نقطة الخلاف الأساسية التي أدت إلى الحرب الشعواء بين حزب الشعب والحزب الوطني. فبحسب الحزب الوطني فإن الدستور القديم الذي عدل في عام 1947 ليسمح للقوتلي بأن يصبح رئيساً للمرة الثانية كان يجب أن يعاد العمل به بعد أن سقط انقلاب الزعيم وكان من المفروض أن يرجع القوتلي رئيساً ليشرف على عملية إنتاج الدستور الجديد. غير أن التفاف حزب الشعب على الموضوع وبالتعاون مع الحناوي واستقطاب هاشم الأتاسي ليشرف على العملية الانتقالية أزعجا الكتلة الوطنية مما تسبب بمقاطعتها للانتخابات عام 1949 ودخول أعضائها في الانتخابات فرادى.

([46]) كان أغلب أعضاء الكتلة قد ترشحوا عن دمشق. ونقل العديد من أعضائها سجلاتهم ليجمعوا أصواتهم في العاصمة في استراتيجية لمسك أصوات العاصمة لصالحهم. وتحالفوا انتخابياً مع عدد من القيادات المسيحية المحافظة.

([47])  عبد الله حنا، "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، مرجع سابق، ص 139-142.

([48])  محمد سرور زين العابدين، مذكراتي، الجزء الثاني، دار الأصول العلمية، إسطنبول،2020، ص 293.

([49])  خلود الزغير، سورية الدولة والهوية قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963) مرجع سابق، ص155-156.

([50]) المرجع السابق، ص 156.

([51])  المرجع السابق، ص 157-158.

([52])  محمد جمال باروت،" يثرب الجديدة -الحركات الإسلامية الراهنة"، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 1994.

([53])  محمد سرور زين العابدين، مذكراتي، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص 303-310.

([54]) محضر اجتماع الجمعية التأسيسية، ملحق الجلسة الحادية والعشرين، 15 نيسان 1950.

([55]) عبد الله حنا، "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية"، مرجع سابق، ص175.

([56]) المرجع السابق، ص 156.

([57])  المرجع السابق، ص 158.

([58]) خلود الزغير، سورية الدولة والهوية قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري، مرجع سابق، ص 25.

([59]) عبد الله حنا، "صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية"، مرجع سابق، ص 171-172.

([60]) المرجع نفسه، ص 158.

([61]) محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق، ص 244.

([62])  عبد الله حنا، صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، مرجع سابق، ص 173-174.

([63])  محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق، ص 271.

([64])  أنطون سعادة، المحاضرات العشر، المحاضرة السابعة، بيروت، 7-3-1948، https://bit.ly/2HSNPF0

([65])   محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق، ص 272.

([66])  محضر اجتماع الجمعية التأسيسية لدستور 1950، تاريخ 29 كانون الأول 1949، ص 80.

([67]) محضر اجتماع الجمعية التأسيسية، تاريخ 15 نيسان 1950، الجلسة الحادية والعشرون، ص352-355.

([68]) المرجع السابق، ص352-355.

([69]) مذاكرات الجمعية التأسيسية، الجلسة الثامنة والثلاثون، تاريخ 25 تموز 1950، ص 629-644.

(70) مذاكرات الجمعية التأسيسية، الجلسة الثامنة والثلاثون، تاريخ 25 تموز 1950، ص 629 -644.

([71]) محضر اجتماع الجمعية التأسيسية، تاريخ 28 تموز1950، الجلسة الأربعون، ص 657-690.

([72])  محضر اجتماع الجمعية التأسيسية، المرجع نفسه، ص 657-690.

([73])  محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سوريا: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، مرجع سابق، ص 283.

([74]) محضر اجتماع الجمعية التأسيسية، تاريخ 28 تموز، الجلسة الأربعون، ص 657-690.

([75]) سعاد جروس، سورية زمان نجيب الريس: 1898-1952: من الانتداب إلى الانقلاب،" مرجع سابق، ص 447.

([76])  المرجع نفسه، ص 450.

([77])  المرجع نفسه، ص 449.

([78]) خلود الزغير، سورية الدولة والهوية قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري 1946-1963، مرجع سابق، ص 164.

([79])  المرجع نفسه، ص 30.

([80])  المرجع نفسه، ص31.

([81])  سعاد جروس،" سورية زمان نجيب الريس: 1898-1952: من الانتداب إلى الانقلاب،" مرجع سابق، ص: 451-455.

([82])  محمد سرور زين العابدين، مذكراتي، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 279.

([83]) المرجع نفسه، ص: 309

([84]) سعاد جروس، سورية زمان نجيب الريس: 1898-1952: من الانتداب إلى الانقلاب،" المرجع السابق، ص:455.

([85]) Thomas Pierret, Religion and State in Syria, The Sunni Ulama from Coup to Revolution اpp. 189-190

([86]) محمد سرور زين العابدين، مذكراتي، الجزء الثاني، مرجع سابق، ص: 313.

([87]) المرسوم التشريعي رقم 466 الخاص بتشكيل مجلس الشعب وتعيين أعضائه،16-2-1971، الرابط: https://bit.ly/3eaduoq /

([88])  حنا بطاطو، " فلاحو سوريا، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم،" المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات، بيروت 2014، ص: 84.

([89]) سعيد حوى، "هذه تجربتي وهذه شهادتي"، القاهرة، مكتبة وهبة، 1987، ص: 104-115.

([90])  حنا بطاطو، فلاحو سوريا، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم،" مرجع سابق، ص: 479.

([91])  المرجع نفسه، ص: 335.

([92]) مازن يوسف الصباغ، سجل الدستور السوري، دمشق، دار الشرق للطباعة والنشر، 2010، ص: 647.

([93])  المرجع نفسه، ص: 599.

([94])  مذاكرات مجلس الشعب، 8 كانون الثاني 1973، ص: 32.

([95])  مذاكرات مجلس الشعب، الجلسة الثالثة، تاريخ 9 كانون الثاني 1973، ص 79-81.

([96])  عرف عقيل بمعارضته للسلطة مما أدى لاعتقاله في الثمانينيات على خلفية إضراب المحامين ليمضي تسع سنوات في السجن.

([97])  سعيد حوى، هذه تجربتي وهذه شهادتي، مرجع سابق، ص 105-106.

([98])  المرجع نفسه، ص 110.

([99]) حنا بطاطو، فلاحو سوريا، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم، مرجع سابق، ص 480.

([100]) سعيد حوى، هذه تجربتي وهذه شهادتي، مرجع سابق، ص 111.

([101])  المرجع نفسه، ص 109-110.

([102]) حنا بطاطو، فلاحو سوريا، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم،" مرجع سابق، ص 480.

([103]) عبد الرحمن حبنكة الميداني، الوالد الداعية المربي الشيخ حسن حبنكة الميداني قصة عالم مجاهد حكيم شجاع، جدة 2004، ص101.

([104])  دستور تونس 2014.

([105]) دستور مصر2014.

([106]) An Introduction to Carl Schmitt’s Constitutional Theory: Issues and Context, translated and edited by Jeffrey Seitzer and Christopher Thornhill, Duke University Press, 2008,

([107])  مناف الحمد، الدولة المدنية في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الدوحة، 2016، ص11-18.

([108])  المرجع نفسه، ص 25.

([109]) حسن طارق، دستورانية ما بعد انفجارات 2011 قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر، مرجع سابق، ص25-56.


المراجع باللغة العربية:

  1. أمين إسبر، تطور النظم السياسية والدستورية في سورية بين العامين 1946 و1973، دار النهار للنشر، بيروت 197.
  2. أنطون سعادة، المحاضرات العشر، المحاضرة السابعة، بيروت 1948.
  3. حسن طارق، دستورانية ما بعد انفجارات 2011 قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، الدوحة 2016.
  4. حنا بطاطو، فلاحو سورية، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسيات، بيروت، 2014.
  5. خلود الزغير، سورية الدولة والهوية، قراءة حول مفاهيم الأمة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963)، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، بيروت، 2020.
  6. دستور تونس 2014.
  7. دستور مصر 2014.
  8. رغداء زيدان، "فلسفة الدستور والمسألة الدينية"، مركز حبر للدراسات، 2020.
  9. ريم تركماني وإبراهيم دراجي، " المسألة الدينية في الدساتير السورية مسح تاريخي مقارن"، كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، 2019.
  10. زيدون الزعبي، "مصادر التشريع في الدستور السوري بين التيارات المحافظة والتيارات الليبرالية"، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 2019.
  11. سعاد جروس، سورية زمان نجيب الريس: 1898-1952: من الانتداب إلى الانقلاب، دار رياض الريس، بيروت، 2015.
  12. سعيد حوى، هذه تجربتي وهذه شهادتي، مكتبة وهبة، القاهرة، 1987.
  13. عبد الرحمن حبنكة الميداني، الوالد الداعية المربي الشيخ حسن حبنكة الميدانية قصة عالم مجاهد حكيم شجاع، جدة 2002.
  14. عبد القدوس أبو صالح، "مذكرات الدكتور معروف الدواليبي"، مكتبة العبيكان، السعودية، الطبعة الأولى، 2005.
  15. عبد الله حنا، صفحات من تاريخ الأحزاب السياسية في سورية القرن العشرين وأجواؤها الاجتماعية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2018.
  16. ماري شهرستان، "المؤتمر السوري العام 1919-1920”، دار أمواج، سورية، 2000.
  17. مازن يوسف الصباغ، سجل الدستور السوري، دار الشرق للطباعة والنشر، ص 647.
  18. محاضر جلسات الجمعية التأسيسية لدستور 1950.
  19. محمد جمال باروت، المؤتمر السوري العام (1919-1920) الدستور السوري الأول: السياق، الطبيعة والوظائف، المراحل والقضايا، مجلة تبين، العدد 3، شتاء 2013.
  20. محمد جمال باروت، محاضرة 2 أيلول 2020 في المركز العربي للدراسات وأبحاث السياسات.
  21. محمد جمال باروت، يثرب الجديدة -الحركات الإسلامية الراهنة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 1994.
  22. محمد حرب فرزات، الحياة الحزبية في سورية: دراسة تاريخية لنشوء الأحزاب السياسية وتطورها بين العامين 1908 و1955، المركز العربي للدراسات والنشر، بيروت، 2019.
  23. محمد سرور زين العابدين، مذكراتي، الجزء الثاني، دار الأصول العلمية، 2020.
  24. مذاكرات مجلس الشعب، 8 كانون الثاني 1973.
  25. مذكرات محمد عزة سعيد دروزة، المجلد الأول، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993.
  26. المرسوم التشريعي رقم 466 تاريخ 16 شباط 1971.
  27. مناف الحمد، الدولة المدنية في الفكر الإسلامي المعاصر، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، الدوحة، 2016.
  28. نشوان الأتاسي، تطور المجتمع السوري بين العامين 1831-2011، دار أطلس للنشر والترجمة والإنتاج الثقافي، سورية، 2015.
  29. وجيه الحفار، الدستور والحكم، مطبعة الإنشاء، دمشق 1948، ص 113-118.
  30. يوسف الحكيم، سورية والعهد الفيصلي، دار النهار، ط3، بيروت 1986.

المراجع باللغة الإنجليزية:

  1. Seitzer Jeffrey and Thornhill Christopher An Introduction to Carl Schmitt’s Constitutional Theory: Issues and Context, translated and edited by Jeffrey Seitzer and Christopher Thornhill, Duke University Press, 2008.
  2. Thomas Pierret, Religion and State in Syria, the Sunni Ulama from Coup to Revolution, Cambridge University Press, 2013.
  3. Thompson Elisabeth, How the west stole democracy from the Arabs: The Syrian Arab Congress of 1920 and the destruction of its historic Liberal-Alliance, Atlantic Monthly Press, New York, 2020.

 

التصنيف الدراسات

ملخص تنفيذي

  • تعد عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للموارد من أبرز العوامل التي أدت لتدهور مؤشرات الاقتصاد والتي رافقت الثورة خلال أعوامها التسعة الماضية، حيث تسببت في إزهاق أرواح نحو 400 ألف شخص وتشريد 13 مليون داخل البلد وخارجها، وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015، وتراجعت سورية في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 على مستوى الصحة والتعليم والدخل، وتكبّدت البلاد خسائر اقتصادية وصلت إلى 689 مليار دولار حتى العام 2019 مضافاً لها تكلفة النمو ومن المتوقع أن تتجاوز الخسائر ترليون دولار في العام 2020.
  • رسمت عدة مؤشرات اقتصادية مشهداً سوداوياً للاقتصاد السوري في العام 2019 ومن بينها اشتداد حدّة العقوبات الأمريكية والأوروبية، وانخفاض الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، والارتفاع العام في الأسعار، وشلل مستمر في الإنتاج الزراعي والصناعي وأخيراً شح كبير في مواد الطاقة من مازوت وبنزين وغاز وكهرباء تسبب بأزمة كبيرة.
  • في إطار جهود المجتمع الدولي لما سماه "تعديل سلوك " النظام الأمني ومعاقبة دول مثل إيران لخرقها العقوبات؛ استكملت الولايات المتحدة ودول أوروبية فرض عقوبات واسعة الطيف خلال 2019 استهدفت قطاع النفط ومكافحة الإرهاب والأسلحة الكيميائية والتمويل وإعادة الإعمار ومحاسبة النظام. ويواجه النظام في شهر حزيران 2020 بدء سريان أقسى أنواع العقوبات ممثلة بقانون "سيزر" الذي من شأنه جعل سورية بلداً معزولاً عبر معاقبة كل من يدعم النظام مالياً ومادياً ويساعد في إعادة الإعمار. كما لعبت العقوبات المفروضة على ناقلات النفط الإيرانية لمنع إيصال النفط إلى النظام السوري، دوراً مفصلياً في شح مواد المحروقات في السوق المحلية السورية.
  • فشل النظام في تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء. إذ تحتاج سورية يومياً: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً.
  • في قطاع الطاقة هبط إنتاج النفط في عام 2019 بنسبة 94% عن مستويات 2010 ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18%. كما انخفض إنتاج الغاز بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية، وأمام النقص الحاصل للغاز في الأسواق المحلية ارتفعت أسطوانة الغاز في السوق السوداء لأكثر من 10 آلاف ليرة.
  • في قطاع الصناعة بلغ الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء، كما بلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات في القطاع العام كالإسمنت والكابلات والأجهزة الكهربائية والغزل والأقمشة بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ويُعزى هذا التراجع للإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف هذه القطاعات بعد العام 2016.
  • في قطاع الزراعة تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً.
  • وفي قطاع التجارة بلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها في عام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. وقد حازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات.
  • استمر مؤشر أسعار المستهلك في الصعود خلال عام 2019 ملامساً 880 في شهر آب ومن المتوقع أن يشهد المؤشر ارتفاعات متواصلة متجاوزاً الألف بعد التزايد المستمر في أسعار السلع والخدمات، إذ ارتفعت سلة الاستهلاك الأساسية في دمشق لأسرة من خمس أفراد إلى 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019 ومن خلال مقارنة مجموعة من أسعار المواد الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 يظهر ارتفاعاً في الأسعار بين ضعف وأربعة أضعاف. وجراء هذه الارتفاعات في الأسعار وتكاليف المعيشة وبقاء مستوى الأجور الوسطي عند 60 ألف ليرة تربعت سورية على عرش أفقر دولة بالعالم بنسبة 83% من السكان تحت خط الفقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد.
  • واجهت الليرة السورية أربع موجات صعود منذ منتصف 2019 حتى آذار 2020 لامست خلالها أعلى مستوياتها عند 700 ليرة و950 ليرة و1230 وأخيراً 1360 ليرة، ومن بين محركات هذه الموجات العقوبات الدولية على سورية وإيران وقانون "سيزر" والأزمة الاقتصادية في لبنان والعمليات العسكرية في الشمال وإعلان تفشي فيروس كورونا واتخاذ إجراءات حكومية.
  • ومن بين العوامل التي ساهمت في هبوط قيمة الليرة والارتفاع العام في الأسعار على مدار الأعوام التسعة للثورة؛ استنفاذ النظام لاحتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012، والاعتماد المتزايد على التمويل بالعجز في جميع موازنات أعوام الثورة فزادت المديونية الداخلية لأربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وظهور آثار تضخمية واضحة، وتشوه في الموازنة العامة حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019، كما ارتفع الدين الخارجي بنسبة 63% من الناتج المحلي الإجمالي السوري في 2015 جراء اعتماد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها وهو ما يعرض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين.
  • أخيراً، أسهمت مجموعة من الصعوبات خلال الربع الأول من 2020 في زيادة تأزم المشهد الاقتصادي مثل العملية العسكرية التركية في الشمال، وتفشي وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان جراء التعثر في سداد الديون، إضافة لزيادة ضغوط أمريكا لإخراج إيران من سورية.

مقدمة

يشهد النظام منذ بداية 2011 أزمة اقتصادية خانقة تصاعدت حدتها سنة تلو أخرى، فتهاوت قطاعات الاقتصاد وانخفضت قيمة الليرة السورية وارتفع المعدل العام للأسعار ودخل الاقتصاد في ركود تضخمي. وشكل عام 2019 عاماً استثنائياً بسبب باقة من الأمور بينها العقوبات ووصول سعر صرف الليرة مقابل الدولار مستوى غير مسبوق إلى 950 ليرة وشح شديد في المحروقات وانقطاع متواصل في خدمة الكهرباء وقد ساهم هذا في ارتفاع حدة الانتقادات من حاضنة النظام وعدم الرضى الشعبي حيال الظروف المعيشية السيئة.

كشفت هشاشة الاقتصاد السوري والأزمة التي دخل بها ارتباطاً وثيقاً بمسببين هما: العسكرة؛ التي استنزفت البلاد مواردها البشرية والمالية وما تسببت به من تدمير للمرافق والمدن أعادت عجلة التنمية لعشرات السنين إلى الوراء وكبّدت الاقتصاد خسائر قاربت الترليون دولار. وإدارة النظام المتخلّفة للموارد والتي ألحقت بالاقتصاد اختلالات هيكلية وإشكالات لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لها. لذا لم يكن الاقتصاد السوري بعد اندلاع الثورة في 2011 بحاجة إلا للكز الهيكل الهش ليدخل في دوامة من الهبوط.

يهدف هذا التقرير إلى تلمس أبعاد الأزمة الاقتصادية التي واجهها النظام في العام 2019 وتحديد جذورها وتبيان آثارها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويحاول التقرير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 مراجعة مؤشرات الأزمة المرصودة في العام 2019 ورؤية التغيرات فيها، واستشراف وضع الليرة السورية باستخدام أدوات تحليل تقنية لتوقع حركة السعر حتى نهاية العام 2020. ومن ثم سرد مجموعة من الصعوبات التي تواجه الاقتصاد والمواطن بالنظر إلى ما تم تقديمه. ويخوض التقرير في فهم مؤشرات الاقتصاد السلبية في عام 2019 عبر التكوّن التاريخي لهيكل الاقتصاد السوري ما قبل 2019 وقبل الثورة، فيصبح تحليل ما هو آني في إطار الكل التاريخي الذي شكل الاقتصاد ولعب في تكوين هشاشته.

اعتمد التقرير في رصد آثار الأزمة وكشف أبعادها على تقارير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام في العام 2019([1])، فخرج بجملة من الأبعاد التي أسهمت في احتدام الأزمة الاقتصادية في هذا العام ومن بينها: العقوبات الدولية؛ والارتفاع العام في الأسعار؛ وشلل الإنتاج؛ والنقص الكبير في مواد المحروقات؛ وأخيراً تهاوي الليرة السورية.

فرضيات فشلٍ مستمرة

فشلت حكومات النظام المتعاقبة على مدار العقود الأربعة السابقة لانطلاق الثورة؛ في بناء نموذج اقتصادي مستدام وخلق بيئة تنموية تشاركية يحدد لهذه الدولة وسكانها هوية اقتصادية شكلاً ومضموناً. فتقلّب الاقتصاد بين الاشتراكية؛ منذ هيمنة "حزب البعث العربي الاشتراكي" على الدولة في العام 1963، والسوق الحر في أواخر عهد حافظ الأسد على إثر إصدار قانون الاستثمار رقم 10 في العام 1991، والشكل الأخير ظهر مع بداية عهد بشار الأسد بالتوجه نحو ما سمي بـ "اقتصاد السوق الاجتماعي" وبينما كان الهدف خدمة الطبقة السائدة في المجتمع. قادت تلك النماذج إلى خدمة "رأسمالية المحسوبيات" ولإنتاجية ضعيفة وعدم استثمار الإمكانيات الكامنة لسورية اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً.

لازَم الاقتصاد السوري على مدار العقود السابقة، بينها عقد الثورة، افتراضان يعود لهما السبب في هشاشة البينة الاقتصادية السورية ووقوعها دوماً في إشكالات متعددة. يتعلق الأول: بعسكرة الدولة وما أحدثته من استنزاف في كافة الموارد؛ والثاني: يتعلق بأزمة في إدارة الاقتصاد والتي تسببت باختلالات هيكلية.

فمن خلال ثلاثية الدولة العميقة، الجيش والمخابرات وحزب البعث، أحكمت عائلة الأسد هيمنتها على الدولة والمجتمع بعيداً عن السلطة التشريعية والتنفيذية الظاهرية. وعمدت إلى عسكرة الدولة عبر تضخيم المؤسسة العسكرية من حيث الكم والوظيفة، عبر الخدمة الإلزامية والانتشار الكثيف للقطع العسكرية بين البلدات والمدن ونشر الآلات العسكرية في الأحياء وممارسة القمع مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة بينها ما هو محرم دولياً، كما استحوذ الجيش على حصة كبيرة من الموازنة العامة. ومنذ العام 1990 أصبحت نفقات الدفاع تزيد كثيراً على المبالغ التي يمكن لسورية تخصيصها للإنفاق الإنمائي([2])؛ وارتفع الإنفاق العسكري من 14 مليار ليرة سورية في العام 1988 إلى 120 مليار ليرة في العام 2011 وبلغ أعلى مستوى للإنفاق العسكري نسبة للإنفاق الحكومي في العام 1991 عند 30.4% فيما أخفت الحكومة البنود المتعلقة بالديون لتمويل عقود الشراء والصيانة وقطع التبديل والتي إذا أضيفت سترفع من معدلات الإنفاق العسكري بشكل كبير([3]). وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة أيضاً بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015 فضلاً عن ارتفاع معدلات الدين لروسيا وإيران حليفي النظام ومن أسنداه بعملياته العسكرية بالأسلحة والعتاد اللازم.

عرّضت ممارسات النظام العسكرية البلاد لدمار كبير وشلّت قطاعات اقتصادية بأكملها واستنزفت مقدرات البلد الطبيعية والبشرية والمالية، فتراجع الاقتصاد النظامي مقابل ازدهار الأسواق السوداء وانتشرت أعمال ووسائل جديدة وسادت عمليات السلب والابتزاز والتهريب واستغلال السكان والسيطرة على الأصول المربحة.

وبلغت خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب 260 مليار دولار بناء على الدمار التي تعرضت له البلد و689 مليار دولار مع تكلفة النمو الذي لم يحصل على مدار الأعوام الماضية، وستصل الخسائر إلى 1.3 ترليون دولار إذا استمرت الحرب في العام 2020([4]). وفيما يلي بعض المعطيات التي تعكس الحالة الاقتصادية العامة:

  • استنفذ النظام احتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012. وبلغ العجز المالي ذروته في العام 2013 بنسبة 56% من الموازنة العامة وتشير تقديرات لزيادة المديونية الداخلية جراء التمويل بالعجز حاجز أربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وبالتالي ظهور آثار تضخمية واضحة وتشوه في الموازنة العامة([5]).
  • اعتمد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها حيث ارتفع الدين الخارجي من 47% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 63% في عام 2015 وهو ما يسهم في إخلال التوازن في الموازنات العامة وتعريض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين([6]).
  • تراجعت سورية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 في مؤشر التنمية البشرية على مستوى الصحة والتعليم والدخل؛ وذلك جراء قصف النظام الممنهج للأهداف المدنية كالمدارس والمشافي وانخفاض في سنوات التمدرس. فتراجع دليل الصحة بنسبة 30.3% في العام 2015 مقارنة مع العام 2010، وانخفض دليل التعليم بنسبة 34.3% مقارنة مع العام 2010 فنصف الأطفال في سن التعليم الأساسي خارج المدارس منذ عام 2014. وفي عام 2015 تراجع دليل الدخل بنسبة 24.3% مقارنة بالعام 2010 ويعكس هذا الانخفاض في دخل الفرد وتبدد الثروة خلال النزاع، ما وضعها بين مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة([7]).
  • تآكل القوة الشرائية جراء زيادة تكاليف المعيشة لمعظم السوريين، وبات معظم السوريين في نهاية العام 2015 يعيشون في حالة فقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد، وتشير التقديرات أن معدل الفقر الإجمالي بلغ 82.5% مع نهاية العام 2015 مقابل 83.5% في عام 2014 و73.3% في عام 2013. وبلغت نسبة البطالة في العام 2012 حوالي 34.9% ارتفاعاً عن 14.9% في العام 2011 و8.6% في 2010([8]).

ومع بداية العام 2019 دخل النظام السوري منتشياً بانتصاراتٍ ناجزةٍ على الساحة العسكرية على مدار السنوات الماضية ابتداءً من السيطرة على مدينة حلب في أواخر العام 2016 وبسط سيطرته على حزام دمشق في الغوطة الشرقية في نيسان 2018 وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي في أيار 2018 ومحافظة درعا في تموز من نفس العام، متسلحاً بمصالحات هشّة وتهجيرِ من يرفض من الثوار والأهالي إلى الشمال في محافظة إدلب. ومع توسع سيطرة النظام على حساب المعارضة زادت وتيرة تصريحات النظام الداعية لرفع العقوبات وبدء عملية إعادة الإعمار وإعادة شرعيته الإقليمية والدولية وأن الأوضاع الاقتصادية ستؤول للتحسن، إلا أن إيقاع المؤشرات الدولية والإقليمية جاء على غير ما اشتهى له النظام، إذ بدأ العام بعقوبات اقتصادية أوروبية وانتهى بفرض قانون "سيزر" من الولايات المتحدة، وأَفشلَت الأخيرة جهود بعض الدول في إعادة شرعية النظام وعودته لحضن الجامعة العربية.

من بين أبرز الملامح التي ساهمت في رسم مشهد سوداوي للاقتصاد السوري في العام 2019كما في الشكل رقم(1): : إصرار النظام على استمراره في الممارسات الاضطهادية مما أدى إلى ازدياد حدة العقوبات على النظام من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ وتفاقم مشكلة تأمين مواد الطاقة؛ والشلل المستمر في قطاعات الإنتاج؛ والتراجع الملحوظ في مستويات المعيشة وأخيراً تسجيل الليرة السورية سعر صرف غير مسبوق عند 950 ليرة في نهاية العام.

 

عقوبات اقتصادية تخنق النظام وشبكاته

يبين الملحق رقم (1) جميع العقوبات الدولية التي تعرّض لها النظام السوري خلال عام 2019 من أوروبا وأمريكا، وتمت إضافة بعض العقوبات التي مسّت، إيران، حليف النظام؛ لما لإيران من تأثير في تمويل العمليات القتالية وتوفير الدعم المالي والمادي لاقتصاد النظام. ويظهر من العقوبات المفروضة مجموعة من الملاحظات نوردها كما يلي:

أولاً: تشكلت أول ضربة للنظام عبر عقوبات أوروبية على شركات إنشائية مهتمة في أعمال إعادة الإعمار ورجال أعمال لهم علاقات بالنظام ومستفيدين من المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام، من بينهم: سامر فوز، حسام قاطرجي، مازن ترزي، ومن بين الشركات: شركة مطورين المساهمة الخاصة، شركة ميرزا، شركة بنيان، شركة أمان القابضة، شركة روافد التي يمتلكها رامي مخلوف، ليبلغ بهذا عدد الشخصيات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية 270 شخصاً بالإضافة إلى 72 كياناً على صلة بنظام الأسد([9]). ومن ثم جاءت العقوبات الأمريكية في حزيران على سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية، لتُفشِل مساعي النظام في تصدير أشخاص جدد وتبييض صورته أمام المجتمع الدولي. وشكّل قانون "سيزر" الموقّع في 21 كانون الأول 2019 مرحلة جديدة من اشتداد وتيرة العقوبات، إذ من شأن هذا القانون أن يفرض عقوبات على النظام وكل من يدعمه مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً.

بعيداً عن “الجدل” الاقتصادي بتأثير تلك العقوبات من عدمها على أنظمة شمولية، تعد هذه العقوبات مع بداية العام رسالة واضحة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بعدم تغيير سياستها المتبعة في معاقبة النظام على سلوكه الإجرامي والقمع الممارس ضد المدنيين، ومن جانب آخر تشير إلى عمق النظرة الأوروبية ومتابعتها الحثيثة في استهداف أركان النظام وقائمة الرجال والشركات الداعمة له والمساهمة في تعويمه. ومع تجديد العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 1 حزيران من العام 2020 ترسل رسالة مفادها أنه لا حل في سورية مع ممارسات النظام العسكرية وانتهاكاته، وأن مصير النظام العزلة الدولية ومزيد من العقوبات للرضوخ للقرارات الدولية. ويتوافق تجديد العقوبات الأوروبية في 2020 مع بدء سريان قانون "سيزر" ليعملا جنباً إلى جنب على خنق النظام واقتصاده أكثر ومعاقبة كل من يدعمه وينفذ مشاريع تعود بالفائدة على النظام.

ثانياً: إفشال حركات النظام في تسويق إعادة الإعمار والترويج لنفسه عبر معرض دمشق الدولي في دورته الـ 61 في شهر أيلول، حيث حذّرت الولايات المتحدة في 23 آب من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في المعرض وتعاملهم مع نظام الأسد بما يعرّضهم للعقوبات، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في المعرض 38 دولة فقط وشغلت إيران وروسيا معظم المساحة المشغولة فيه، وغاب توقيع العقود الكبيرة مع شركات عربية حضرت المعرض مثل الإمارات وسلطنة عُمان خوفاً من التهديدات الأمريكية وجاءت مشاركة دول مثل الصين والأرجنتين والعراق ولبنان وعُمان والإمارات والجزائر شبه شكلية([10]).

ثالثاً: أدت العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بهدف تجفيف إيراداتها من النفط وعزلها عن النظام المالي العالمي، إلى تقييد حركة الناقلات النفطية الإيرانية والأجنبية من وإلى إيران وبالتالي عدم القدرة على إيصال النفط لسورية كما في السابق.

وكانت الولايات المتحدة حذرت في شهر آذار من مخاطر إيصال شحنات النفط للنظام السوري وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية إلى لائحة العقوبات العشرات من الناقلات الجديدة المشارِكة في شحنات النفط غير المشروعة، بما في ذلك 16 ناقلة تشحن النفط إلى سورية وأكثر من 30 تشارك في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة. وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة تسري عليها العقوبات، كما حصل مع الناقلة الإيرانية "غرايس 1" التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى "أدريان درايا 1" وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد "الحرس الثوري الإسلامي" عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذّرت الوزارة من عواقب وخيمة لأي فرد مرتبط بالناقلة.

رابعاً: تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على أذرع مالية مقرّبة من "حزب الله" كما حصل مع بنك "جمال ترست" في لبنان، ومكاتب صرافة وشركات سورية ولبنانية من إثارة مخاوف في سورية للحد من حركة الأموال([11])، وبات من نافلة القول إن لبنان تشكل رئة سورية وبوابتها نحو العالم الخارجي. ومع نهاية عام 2019 واندلاع احتجاجات في لبنان على إثر سوء الأوضاع المعيشية أغلقت البنوك أبوابها وتم تقييد بيع الدولار في شهر آب ومنع المودِعين من سحب مدخراتهم بها، فباتت أموال المستوردين السوريين والودائع في المصارف اللبنانية شبه محجوبة وبالأخص بعد دخول لبنان أزمة مالية جراء تخلّفه عن سداد سندات دولية مقوّمة بالدولار في 9 آذار 2020 وهو ما يعكس الضغوط المالية والاقتصادية الشديدة التي يمر بها لبنان بحسب وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني([12]).

شحٌ شديد في المحروقات

تعرّضت ميزانية سورية لصدمة قوية جراء خسارتها أهم مولّدات الإيرادات ممثلة بالنفط والغاز والمعادن تشكّل 25% من عائدات الميزانية، وعليه لم يتمكن النظام من رفع القدرة الإنتاجية للبلاد، وزادت العقوبات الأجنبية المفروضة على إمدادات الوقود للنظام ورصد أي ناقلة نفط متجهة إلى سورية تحمل وقود وغاز طبيعي من صعوبة الموقف، إذ مدّت إيران النظام معدل ناقلتين كل شهر عبر الخط الائتماني الموقع بين البلدين([13]).

أسهم هذا في عدم قدرة النظام على تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء، إذ تقدر حاجة سورية اليومية من مواد الطاقة: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، وتقدر الفاتورة المالية اليومية 8.8 مليون دولار وعليه تصل قيمة الفاتورة الشهرية إلى 264 مليون دولار و3 مليارات و168 مليون دولار سنوياً، فيما أشارت الحكومة أن قيمة الفاتورة الشهرية لشراء المشتقات النفطية تبلغ 200 مليون دولار([14]). وقد أسهم توقف الخط الائتماني الإيراني نهاية 2018 في عرقلة تسديد فاتورة الطاقة وإمداد البلاد بما تحتاجه من محروقات فتشكلت أزمة كبيرة، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً([15]).

يُظهر الشكل رقم (2) حجم إنتاج واستهلاك النفط من 2010 حتى 2019، ويبدو جلياً هبوط الإنتاج من 385 ألف برميل في 2010 إلى 24500 ألف برميل نفط يومياً مع نهاية العام 2019([16])، وهو أقل من إنتاج عام 2010 بنسبة 94% ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18% إذا عُرف أن الاستهلاك اليومي يبلغ 136 ألف برميل يومياً في 2019.

وجراء عدم قدرة الحكومة على تغطية حاجة السوق المحلية سمحت في 4 آذار 2019 لغرف الصناعة والصناعيين باستيراد الفيول والمازوت براً وبحراً لمدة 3 أشهر وعادت ومددت الفترة لمدة 3 أشهر أخرى، ويفسر هذا الإجراء عجز الحكومة للوصول إلى حلول ضمن الظروف الراهنة ورمي العبء على كاهل التجار، علماً أن هذا الحل يخلق أزمة بحذ ذاته في سوق الصرف، فالنقص في الدولارات لدى المركزي سيحيل التاجر لطلب دولارات من السوق السوداء وهو ما يخلق طلباً متزايداً يؤدي لارتفاع السعر، كما يُفهم من خطوة الحكومة تلك نجاح العقوبات في تقييد وصول المحروقات إلى النظام وحركية النظام المالية في النفاذ للأسواق الدولية، وانكشافه أيضاً على إمدادات الطاقة القادمة من إيران حتى إذا توقفت الإمدادات الإيرانية وقع النظام في فاقة وعجز.

والوضع في قطاع الغاز ليس أفضل حالاً، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية([17]). وتبلغ حاجة الاستهلاك اليومية للغاز حوالي 1200 طن يومياً تشكل نسبة الاستيراد منها 50% يومياً فيما الـ50% الأخرى تأتي من الإنتاج المحلي([18])، وبلغة الاسطوانات تقدر الحاجة اليومية بين 120 – 140 ألف اسطوانة يتم تأمين بين 40 – 50% منها محلياً والباقي يتم استيراده([19]). وما انطبق على أزمة البنزين والمازوت ينطبق على أزمة الغاز من حيث اعتماد النظام على الإمدادات الإيرانية التي توقفت إضافة إلى تشديد العقوبات على النظام وإيران.

 

يُدلل الشكل رقم (3) على أسعار الغاز والبنزين والمازوت، الرسمية، إلا أن الأسواق في الواقع لا تعترف بهذه الأسعار، أمام أزمة العرض، إذ بلغ سعر الاسطوانة في محافظة حلب بالسوق السوداء نحو 17 ألف ليرة بداية 2019، بينما وصل سعرها في مناطق متفرقة في ريف دمشق إلى 11 ألف ليرة سورية، وشوهدت طوابير طويلة جداً لأناس ينتظرون دورهم للحصول على اسطوانة غاز من مراكز التوزيع، والأمر سيّان أمام كازيات البنزين والمازوت، وقد بلغ سعر لتر المازوت 450 ليرة في السوق السوداء([20]). وانتهى عام 2019 بدون إيجاد حلول للأزمة سوى الوعود والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد، إضافة إلى فكرة البطاقة الذكية حيث يمنح حاملها حصته من الغاز كل 23 يوماً؛ وتعتبر هذه الأداة التقنية حلاً لمشكلة الازدحام لا لنقص المعروض.

فيما بقي التقنين في الكهرباء الوضع المتسيّد في مناطق عدة من سورية وعلى رأسها دمشق حيث وصلت ساعات التقنين إلى 20 ساعة يومياً في بعض الأوقات في الكثير من المناطق المتاخمة لدمشق([21])، وفي معظم مناطق ريف دمشق تُقطع الكهرباء بمعدل أربع ساعات ثم تأتي مدة ساعتين ولكن خلال هاتين الساعتين تنقطع مرات عدة([22]). وترجِع أسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى استجرار الكهرباء غير المشروع، وإجراءات الصيانة وإصلاح الاعطال لمحطات الكهرباء؛ جراء تحميلها أكثر من طاقتها بعد زيادة استخدام الكهرباء كبديل عن الوقود في التدفئة والتبريد، إضافة لعدم توفر مواد المحروقات من فيول وغاز والتي تسهم بنسبة 56% في توليد الطاقة الكهربائية؛ يُشار أن توليد 500 ميغا واط من الكهرباء يحتاج إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز و10 آلاف طن من الفيول([23])، فضلاً عن خروج قوة الدفع المائي على نهر الفرات من سيطرة النظام، وخروج 34 محطة توليد من أصل 54 محطة عن الخدمة خلال سنوات الحرب([24]) ([25]). وهو ما يفسر عدم تحسن الكهرباء حتى نهاية 2019 على الرغم من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الروس والإيرانيين وشركات الطاقة التي شاركت في معرض دمشق الدولي بين 2017 و2019. يُظهر الشكل رقم (4) الانخفاض الحاصل في توليد الكهرباء بين 2011 و2019 من 9000 ميغاواط إلى 5000 ميغا واط، بنسبة 45%.

شللٌ في القطاعات والقدرات الإنتاجية

يعد الحديث عن القطاع العام والخاص في سورية بتجلياته من زراعة وصناعة وتجارة خلال سنوات الحرب حديثاً شائكاً، إذ أرخت الحرب بظلالها على قدرات إنتاجية كبيرة تسببت بزيادة معدلات الاستيراد وفقدان ميزة تغطية الحاجات المحلية وسياسة إحلال الواردات، وهو ما خلق حاجة متزايدة للقطع الأجنبي لتغطية طلبات الاستيراد تلبيةً للاحتياجات الأساسية. كما أن الفساد المستشري جعل الموارد الاقتصادية بيد قلة من "الأولغارشيا" المتحكّمة والمقرّبة من السلطة والتي تبحث دوماً عن المال السهل، ومن جهة أخرى أسهمت العقوبات وتحذيرات الولايات المتحدة للدول من مساعدة النظام والتعامل معه من جعل سورية وقطاعاتها الاقتصادية عبارة عن شبه جزيرة معزولة لا تتعامل إلا مع دول قليلة.

وعلى الرغم من السياسات والوعود والإجراءات في تشغيل العجلة الإنتاجية بالبلد إلا أنها لم ترق إلى ما هو كفيل بإحداث تطور ملموس في الحركة الإنتاجية، فبلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ومن بين القطاعات الإنتاجية المتراجعة في القطاع العام: الإسمنت، الكابلات، البرادات والتلفزيونات، الأسمدة، الجلود المدبوغة، الغزل والأقمشة القطنية، التبغ، حليب مبستر، الزيت النباتي، الطحين والخبز([26]). ولا عجب في هذا التراجع بسبب الإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، فصناعة الملابس بحاجة لاستيراد أقمشة وخيوط، والصناعات البلاستيكية بحاجة لاستيراد حبيبات بلاستيكية، والأدوية بحاجة لاستيراد المادة الدوائية الفعّالة، وصناعة الأجهزة الالكترونية بحاجة لاستيراد قطع الكترونية، وكل هذا وغيره متوقف.

يبين الشكل رقم (5) الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء. وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف الصناعات الاستخراجية والكثير من الصناعات التحويلية بعد العام 2016.

وبلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها على مدار العام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات كما يُظهر الشكل رقم (6)، وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. المُلفت للانتباه استحواذ قطاع الخدمات والتجارة على أكثر الشركات المنشأة وهي إشارة إلى انخفاض رؤوس أموال تلك الشركات؛ وعدم المخاطرة والدخول في سوق تعاني من عقوبات وأزمات غير واضحة المعالم وبالتالي الدخول في أعمال ذات طبيعة تجارية وذو كثافة مالية قليلة ولا تحتاج إلى توظيف عاملين كثُر؛ وفشل مقاربة النظام في اجتذاب استثمارات وأموال تسهم في إعادة إعمار البلد على الرغم من التطورات العسكرية على الأرض؛ ويمكن ملاحظة ضعف بطانة وأعوان النظام ورغبتهم في جمع أموال سهلة من خلال التجارة التي تحتوي على طرق فساد كثيرة واستغلال للمواطنين، وعدم المخاطرة في استثمار أموالهم بالصناعة والزراعة في هذا الظرف الذي تمر به سورية.

ومن جملة الشركات التي تم ترخيصها في قطاع الخدمات والتجار: الشحن البري والبحري والاستيراد والتصدير والتجارة العامة والعقارات واللوجستيات والاستثمارات السياحية، في حين كان نصيب قطاع الصناعة 13 شركة عاملة في الاسمنت والأسلاك الكهربائية وصناعة المواد البلاستيكية وصناعة الأدوية، فيما حاز قطاع الزراعة على الحصة الأقل. مع التنويه أن هذا العدد هو ما تم رصده خلال تقارير الواقع الحوكمي الصادرة عن مركز عمران للدراسات. ولا يجب إغفال المشاريع السياحية والعقارية التي تم ترخيصها مثل "ماروتا سيتي" و"جاردن ستي" ومنشآت سياحية في طرطوس واللاذقية في وقت عُدَّت سورية البلد الأفقر في العالم([27]).

وحازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات، ومن ثم العراق والأردن وإيران بـ4 شركات، وجاءت الكويت والإمارات بـ3 شركات، وروسيا وفلسطين وتونس بشركتين، وأخيراً هناك اسبانيا واليمن ومصر والسودان وهولندا بشركة واحدة لكل منها. ويشير اهتمام شركات ذات مكوّن لبناني للعمل في سورية إلى التداخل السوري – اللبناني من خلال مليشيا "حزب الله" الداعم للنظام عسكرياً ومالياً ومادياً، كما يُظهر تركز الشركات في هذه البلدان إلى انحسار انجذاب المستثمرين من بلدان ذات ثقل استثماري مثل أوروبا وأمريكا وبلدان آسيوية، بسبب طبيعة سورية الطاردة للاستثمار جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها وعدم التوافق على حل سياسي يضع حداً للأزمة ويؤذن ببداية مرحلة الانتقال السياسي للسلطة وبدء مرحلة إعادة الإعمار، ويمكن القول أن هذه البلدان بعضها حليف للنظام أو لا مشكلة لديه في بقاءه في السلطة.

يتمثل أحد أوجه القصور في الاقتصاد الكلي في الميزان التجاري، كما يوضح الرسم البياني رقم (7) بشكل لا تخطئه العين الميزان التجاري الخاسر بين الصادرات والواردات حتى عام 2017، وتراجعت الصادرات في عام 2018 بنسبة 1% عن العام السابق وبلغت قيمتها الإجمالية 713 مليون دولار، مع الإشارة أن معظم الصادرات هي عبارة عن مواد خام زراعية إضافة للفوسفات ومعادن مثل النحاس والرصاص([28]). بالرغم من أهمية سورية الاستراتيجية كممر يربط القارات إلا أن الأوضاع الأمنية وشلل قطاعات الإنتاج السوري وسياسات الحكومة المالية المتخبّطة لا تسمح بتحسن هذا المؤشر.

وأدى رفع النظام لرسوم ترانزيت مرور الشاحنات عبر المعابر الحدودية البرية في أيلول 2018 إلى انخفاض الصادرات الأردنية إلى وعبر سورية، في الربع الأول من 2019 بعد تصدير ما قيمته 19 مليون دينار (نحو 27 مليون دولار) مقابل 61 مليون دينار (نحو 86 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من العام 2018 حيث بات مرور الشاحنة الواحدة يكلف ألف دولار([29])، جنباً إلى جنب مع مطالبة الملحق التجاري الأمريكي في السفارة الأمريكية في عمّان بحظر أي نشاط تجاري أردني مع سورية([30]).

ولحق قطاع الزراعة بقطاعي الصناعة والتجارة، حيث تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 كما يبين الشكل رقم (8)، ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً([31]).

ويُعزى التحسن الحاصل في موسم 2019 إلى الهطولات المطرية إذ توسّع الإنتاج البعلي ليصل إلى قرابة مليون طن في موسم 2019 ولا يزال المزارعون يواجهون ظروفاً سيئة، فالكثير من المزارعين لم يعد بإمكانهم الحصول على البذار والأسمدة والمازوت والأكياس والعمالة والآلات إما بسبب عدم توفرها أو بسبب غلاء ثمنها فضلا عن هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب النزوح الداخلي والهجرة خارج البلد، ووجود ألغام في بعض حقولهم، إلى جانب محدودية فرص التسويق([32]).

لم يقتصر فشلُ النظام على التعامل مع إشكال نقص محصول القمح، فهناك حالة مغايرة عبر محاصيل حققت فائضاً كبيراً كما في الحمضيات، فشل النظام في إيجاد أسواق لتصريفها في الداخل أو الخارج. ويكاد خط التصريف المحلي لا يتجاوز دمشق وتشير التقديرات إلى استيعاب السوق المحلية ثلث الإنتاج خلال الموسم ما يترك كميات كبيرة جاهزة للتصدير. وبات المزارعون في الساحل يعانون من فائض إنتاجهم وعدم القدرة على تسويق محاصيلهم بأسعار مُجدية إذ يباع الكيلو دون سعر التكلفة، وهو ما دفع البعض لاقتلاع أشجار البرتقال واستبدالها بزراعات استوائية، إذ بلغ عدد الأشجار المقلوعة في 2016 نحو 5086 شجرة وقفز العدد في عام 2017 لـ 20338 شجرة([33]).

وبقيت وعود النظام لمزارعي الحمضيات حبراً على ورق مثل وعود التصدير وافتتاح معامل لتغليف وتسويق الإنتاج ومشروع العصائر، إضافة لعدم استثمار الفاكهة في مجالات التجفيف والمركبات الطبية والغذائية الصحية، فيما لا يتجاوز مجموع ما تم تصديره إلى روسيا 10 آلاف طن أي لا تشكل أكثر من 1% من فائض الإنتاج، ويُشار أن كميات التصدير في العام 2017 لم تتجاوز عملياً 3000 طن من ثمار البرتقال بحسب منظمة الفاو، فيما بلغت كميات التصدير في 2019 نحو 140 ألف طن ولا تشكل سوى 28% من الفائض المتعارف عليه والمقدر بـ500 ألف طن من الثمار([34]).

تآكل القوة الشرائية

لم تكن نهاية العام 2019 أسهل من بدايتها مع الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات وتهاوي القوة الشرائية للدخول، وهو ما ساهم في تردي الأوضاع المعيشية للمواطن. يشير الرسم البياني أدناه في الشكل رقم (9) مسيرة مؤشر أسعار المستهلك بين 2010 و2018 ويظهر بوضوح الارتفاع المطّرد فيه ونقطة التحول في العام 2015 بعد خسارة النظام لمساحات جغرافية واسعة ضمّت موارد طبيعية لها مساهمة كبيرة في الموازنة العامة، وهو نفس العام الذي تدخلت فيه روسيا لنجدة النظام عسكرياً. وأسهم الاستنزاف في الموارد والتشظي على الأرض بالتأثير على الأسواق عرضاً وطلباً وأدى لارتفاع معدلات التضخم.

والجدير بالذكر أن الواقع يخالف الأرقام الصادرة عن نشرات المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فبعض السلع بلغ الارتفاع فيها أكثر من 1000 و2000%. على العموم أسهمت إجراءات النظام عبر السنوات الماضية في طباعة العملة بدون غطاء إنتاجي أو أصل مالي، إلى زيادة حتمية في معدلات التضخم وللإشارة فقد رفع المصرف المركزي الكمية المعروضة من الليرة في السوق المحلية بأكثر من 289% بين 2010 - 2016 في الوقت الذي بلغ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي 16.1% بين 2006 - 2011([35]). كما أن اعتماد موازنات مالية كما هو موضح في الجدول رقم (1) تقوم على التمويل بالعجز خلال السنوات الماضية كانت بمثابة بيئة خصبة لارتفاع الأسعار، حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019.

العام

2011

2012

2013

2014

2015

2016

2017

2018

2019

الموازنة العامة

1790

2288

1965

842

353

404

519

693

773

النفقات الجارية

771

1420

1459

558

236

252

352

350

371

النفقات الاستثمارية

814

636

387

230

93

104

132

179

219

الجدول رقم (1) الموازنات العامة وبنودها الجارية والاستثمارية بين 2011 و 2019 – الرقم بعشرات الملايين- الوحدة دولار - المصدر: المصرف المركزي السوري

 

لم يحصل أي تطور ملموس في العام 2019 فيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك على الرغم من استعادة النظام لمساحات واسعة من المعارضة وإعادة تشغيل المعارض وفتح المعابر الحدودية، إذ واصل المؤشر الارتفاع خلال العام كما يظهر في الشكل رقم (10) من 790 في نهاية 2018 إلى 880 في شهر آب 2019 علماً أن الأشهر التالية شهدت ارتفاعاً أكثر في الأسعار لذا من المتوقع أن يستمر المؤشر في الارتفاع. ويُفسّر الارتفاع العام بالأسعار بجملة من العوامل من بينها: اشتداد وتيرة العقوبات المفروضة على سورية؛ وانخفاض قيمة الليرة السورية؛ واعتماد موازنات ذات عجز مالي كبير وغلبة الإنفاق الجاري على الإنفاق الاستثماري؛ واستمرار هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلد من زراعة وصناعة مع عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بوعودها؛ وأخيراً عدم جدوى سياسات الرقابة والضبط والإغلاق بالشمع الأحمر وتسيير الدوريات كسياسات حكومية لحماية المستهلك.

وفي صورة أكثر قرباً لتفسير تلك الأرقام وإسقاطها على الوضع الاجتماعي يُظهر الشكل التالي رقم (11) سلّة من المواد الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 5 أفراد في دمشق، حيث احتاجت الأسرة في الربع الأخير من 2019 لنحو 380 ألف ليرة سورية لتغطية تكاليفها شهرياً بحسب "مؤشر قاسيون" لتكاليف المعيشة، بلغت تكلفة الغذاء والمشروبات فيها 147 ألف ليرة أي نحو 38% من التكلفة الإجمالية. حجم المشكلة لا يظهر في ارتفاع الأسعار لوحده بل عند مقارنته بمعدل الأجور، إذ بلغ متوسط الأجور 60 ألف ليرة سورية (67 دولار الدولار يساوي 900 ليرة في نهاية 2019) بحسب الزيادة الأخيرة الصادرة في المرسوم التشريعي رقم 23، علماً أن متوسط الأجر بلغ في 2017 نحو 35500 ألف ليرة (68 دولار) وفي 2010 نحو 11350 ألف ليرة (200 دولار). وبالتالي فإن العامل الذي يتقاضى 60 ألف ليرة يحتاج لمضاعفة أجره مرتين ونصف للحاق بتكاليف الغذاء والمشروبات، وبحاجة لمضاعفته نحو 7 مرات للحاق بتكاليف المعيشة الكاملة البالغة حوالي 400 ألف ليرة، وفي حال عدم حصوله على كامل المبلغ سيلجأ لاتباع استراتيجيات التكيف مع شظف العيش من بينها التقشف والاقتصار على شراء الأساسيات فقط، وبيع الأصول، وإخراج الأطفال من المدارس وزجّهم في سوق العمل، وتزويج البنات باكراً، واللجوء إلى الأعمال غير المشروعة، أو الهجرة من البلد.

لقد أدّت الأوضاع المعيشية المتردية والفجوة بين الأجور والتكاليف إلى وقوع معظم السكان تحت خط الفقر بنسبة بلغت 83% لتكون سورية الأكثر فقراً على مستوى العالم([36]). علماً أن حد الفقر يبلغ 1.9 دولار لكل فرد يومياً و285 دولار شهرياً لأسرة مكونة من 5 أفراد، هذا يعني أن الأسرة بحاجة لـ256,500 ألف ليرة (الدولار 900 ليرة في نهاية 2019) شهرياً لتكون على خط الفقر وبالعودة إلى تكاليف الأسرة المعيشية الشهرية والتي تقارب 380 ألف ليرة أو 422 دولار سيكون خط الفقر السوري اليومي عند 2.8 دولار للفرد يومياً، وهذا الرقم أعلى من الخط العالمي للفقر بنسبة 147% أي أن الأسرة السورية عليها أن تمتلك 1.4 ضعف ما يملكه فقراء العالم لتصبح على خط الفقر العالمي. ومع بلوغ الأجر الوسطي 60 ألف ليرة (67 دولار) سنخلص إلى حاجة رفع الأجر ثلاث مرات وربع لتصبح الأسرة على خط الفقر العالمي في سورية.

لم تُفلح إجراءات الحكومة في ضبط الأسعار ومنع التلاعب والاستغلال من كبح لجام السوق السوداء حيث لجأت إلى زيادة عدد دوريات التموين لمراقبة الأسعار ومخالفة التجار غير المتقيّدين بالأسعار الرسمية أو أصحاب المحلات الممتنعين عن البيع، وتم فرض غرامات باهظة على المخالفين، كما لم يُسهم قرار رفع الأجور والرواتب إلا في زيادة معظم أسعار السلع والخدمات، فالزيادة في الأجر يقابلها زيادة في الأسعار ما يحيل إلى تبخر القوة الشرائية للدخل.

ولو أمكن قياس درجة حرارة الشارع السوري، أو مدى رضى المواطن على توفر الخدمات والسلع وقدرته على الشراء لظهر مدى السخط والإحباط من الظروف المعيشية السيئة بسبب الغلاء وانخفاض القدرة الشرائية للدخل، وقد تبدى ذلك في خروج مواطنين في السويداء الخاضعة للحكومة هاتفين "بدنا نعيش" ورفع شعارات في درعا كُتب عليها "ما بدنا ليرة ولا دولار بدنا تنزل الأسعار" جراء ارتفاع الأسعار لمعدلات وصلت لـ1000% في بعض السلع وتبخر القدرة الشرائية للمواطن وانتشار مخاوف من حصول مجاعة([37]).

سقوط الليرة السورية

يجدر التنويه هنا أنه تم تثبيت الفترة الزمنية لسعر الصرف حتى نهاية آذار 2020 ليتسنى تطبيق أدوات التحليل التقنية والأساسية.

أسهمت جميع المعطيات السابقة في تعطيل قدرة الليرة السورية على الصمود في مستوى سعري ثابت بينما قادت السوق السوداء مسيرة الارتفاع في سعر الصرف أمام الدولار قُدماً مدفوعةً بالعقوبات والمُهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية جنباً إلى جنب مع المضاربة واستغلال تثبيت المركزي لسعر الصرف. وقد شجعت الأوضاع المضطربة والتذبذب الحاصل في قيمة الليرة لزيادة ظاهرة "الدولرة" في الاقتصاد.

لامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في السوق السوداء عند 950 ليرة في كانون الأول 2019 فيما بقي سعر الصرف الرسمي عند 434 ليرة، لتنخفض قيمة الليرة بنسبة 94%. وتخلل هذا العام عدة أمور ساهمت في انخفاض الليرة وصعود سعر الصرف في 3 موجات كما يظهر في الشكل رقم (13) يمكن إيجازها بما يلي:

  • تشكلت الموجة الأولى مع تحريك قانون "سيزر" في أمريكا منذ بداية العام وتجديد العقوبات الأوروبية على سورية وفرضها على عدة مؤسسات ورجال أعمال مقربين من النظام، دافعاً لصعود سعر صرف الليرة في النصف الأول من 2019 بشكل بطيء ليصل إلى مستوى 600 ليرة، مع تنامي المخاوف من قدرة النظام على التحرك مالياً وتأمين العملة الصعبة لتغطية فاتورة الواردات؛
  • زادت العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران بسبب تزويدها المحروقات للنظام السوري، الوضع المالي ضبابية وتطلب اعتماد النظام على موارده لتأمين فاتورة الواردات، بعد تقلّص حجم المساعدات الإيرانية المقدّمة للنظام جراء منع وصول البواخر الإيرانية المحملة بالمحروقات والمواد الأساسية إلى المرافئ السورية؛
  • وقد تبين شُح الدولار لدى البنك المركزي السوري في نهاية شهر أيلول عندما خفّض قائمة المنتجات المستوردة التي يسمح للبنوك بتوريدها أو تمويلها من 40 مادة إلى 13 مادة معظمها مواد غذائية وأدوية؛
  • تفاعلت أزمة الليرة مع ما حدث في لبنان على إثر اندلاع الاحتجاجات في الربع الأخير وما نجم عنها من إغلاق للبنوك والحركة المصرفية بشكل سلبي، جراء اعتماد سورية على البنوك اللبنانية للدخول إلى الأسواق العالمية وشراء السلع عبر النظام المالي العالمي تجنباً للعقوبات، فيما أدى إغلاق البنوك وتقييد حركة السحب والإيداع واستقالة الحكومة اللبنانية لموجة هلع في الأسواق اللبنانية سرعان ما انتقلت المضاربات على الدولار في لبنان وسورية ليضغط على الليرتين، وهو ما جعل سعر الصرف يشكل موجة الصعود الثانية ويلامس مستوى 950 ليرة؛
  • فيما كانت موجة الصعود الثالثة مع توقيع الرئيس الأمريكي على قانون "سيزر" في 21 كانون الأول ليصبح نافذاً ويزيد من زخم الصعود مع تدفق الأخبار السلبية على الليرة ومستقبل الاقتصاد السوري بالعموم.

 ومن الناحية التقنية، شكل وصول السعر إلى 700 ليرة للمرة الأولى مستوى المقاومة الأول واختراق حاجز نفسي مهم كما يظهر في الشكل رقم (13)، ليصبح اختراقه لاحقاً دافعاً للصعود واختبار مستويات جديدة ملامساً أعلى سعر لليرة عند 950 ليرة ويرسم عند هذا السعر خط المقاومة الثاني، فيما كانت خطوط الدعم بعد كل موجة صعود عند 600 ليرة و755 ليرة. ويبدو الاتجاه الصاعد واضح كما في الشكل رقم (14) عند تطبيق "الوسطي الحسابي المتحرك" لمدة 14 يوم (للمدى القريب) و50 يوم (للمدى المتوسط) كون السعر يتحرك فوق الوسطي الحسابي.

 

ظهر متغيرٌ طارئٌ استثنائي أثناء فترة إعداد وإخراج التقرير بصعود سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى فوق 3000 ليرة جراء أزمة رامي مخلوف مع بشار الأسد والتي تفاعلت خلال نهاية شهر نيسان حتى شهر حزيران الحالي، حول قضية الاتهامات الموجهة لشركة "سيريتل" حيث تغيّرت لهجة رامي مخلوف من مناشدة لبشار الأسد في الفيديو الأول إلى رسائل تحذيرية وتهديد في آخر منشور له في 1 حزيران 2020. وجراء تفاعل الأزمة بين الحكومة ورامي مخلوف واشتداد حدة المضاربة خرجت الليرة عن السيطرة لتصعد يومياً بين 100-300 ليرة وتصل عتبة 3175 في 8 حزيران 2020 لتشهد على إثر ذلك الأسعار العامة ارتفاعاً ملحوظاً واضطراباً حلَّ في الأسواق المحلية.

2020 سيناريو الهبوط

دخلت سورية مع بداية العام 2020 مرحلة الهبوط من أوسع أبوابه على كافة المستويات. إذ أضاف الاتحاد الأوروبي في 17 شباط 8 رجال أعمال وكيانين إلى قائمة العقوبات بسبب علاقاتهم مع نظام الأسد وتحقيق أرباح عالية جراء تلك العلاقة، وفي 20 شباط فرض مكتب الأمن القومي الأمريكي عقوبات على 12 شخصاً وشركة بينها شركة هندسة عسكرية ومزوّد صيني للاتصالات اللاسلكية ومنتجات الأقمار الصناعية في إطار دعمها لإيران وسورية وكوريا الشمالية، وطبّقت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على وزير الدفاع علي أيوب تتضمن تجميد أصول وحظر سفر، بسبب مسؤوليته عن العنف والأزمة الإنسانية الكارثية في شمال سورية منذ كانون الأول 2019. ومع اقتراب موعد تطبيق قانون "سيزر" في حزيران 2020 سيكون هناك ضغط أكبر على النظام وداعميه وكل من يتعامل معه على كافة الأصعدة.

ومن المتوقع أن تستمر معاناة النظام في تأمين مواد المحروقات بسبب عدم قدرة إيران على إيصال ناقلات محمّلة بالمحروقات من بنزين ومازت وغاز طبيعي للنظام. كما أن جميع محاولات النظام في تسويق إعادة الإعمار ستبوء بالفشل بسبب تقويضها من الولايات المتحدة عبر قانون "سيزر"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في قطاعي الصناعة والتجارة.

فيما يخص قطاع الزراعة فقد عمد النظام إلى السماح باستيراد القمح جراء العجز المتواصل بين الإنتاج والاحتياج، ما أدخل البلاد في أزمة خبز وأدى نقص المادة في الأسواق إلى ظهور سوق سوداء حيث بيعت ربطة الخبز بـ500 ليرة (10 أرغفة) بينما يبلغ سعرها الرسمي 50 ليرة([38]). ولم تكن موازنة العام 2020 أفضل من سابقاتها ولم يصحح النظام الخطأ الهيكلي في اعتماده على التمويل بالعجز وتحمل ديون محلية وخارجية، إذ اعتمد موازنة بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665) وهي أقل من موازنة 2019 بقيمتها بالدولار وليس بالليرة([39]).

وقفزت أسعار الكثير من السلع التموينية في الأسواق المحلية بشكل غير مسبوق، ولدى مقارنة أسعار عيّنة من المواد في 31 كانون الأول 2019 مع نفس المواد في 28 آذار 2020 ستظهر نسب الارتفاع بين ضعف وأربع أضعاف السعر السابق كما يظهر في الشكل رقم (15). وهي نسب ستؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك ومعدل التضخم، لذا من المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة ساحبة معها تكاليف المعيشة الشهرية للربع الأول في 2020 ارتفاعاً عن 380 ألف ليرة.

لم تكن أسعار الغذاء ما ارتفع فقط، إذ ارتفعت أيضاً أسعار البنزين بكل تصنيفاته بحسب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الأول من آذار 2020، حيث بلغ سعر لتر البنزين المدعوم أوكتان (90) 250 ليرة ارتفاعاً عن 225 ليرة، ومما لا شك فيه أن الارتفاع في أسعار المحروقات ستقود لارتفاع أسعار السلع والخدمات([40]).

وفيما يتعلق بسعر صرف الليرة مقابل الدولار فقد عبّر المرسومين 3 و 4 الصادرين عن بشار الأسد في كانون الثاني من 2020 عن فلسفة النظام الأمنية وتعاطيه مع المعطيات الاقتصادية، إذ تم تشديد الإجراءات الأمنية ضد المتعاملين بغير الليرة، وتصل عقوبة المخالفين حد الاعتقال والسجن 7 سنوات وفرض مبالغ مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة، وتشير قرارات كهذه لعجز البنك المركزي عن استخدام أدوات السياسة النقدية كالتدخل بضح دولار في الأسواق ورفع معدل الفائدة لكبح جماح التضخم وحماية الليرة. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية مع المخالفين إلا أن الليرة استمرت في الهبوط([41]).

وشكل سعر صرف الليرة مقابل الدولار موجة الصعود الرابعة بين كانون الثاني وآذار مسجلاً أعلى سعر في 26 آذار 2020 عند 1360 ليرة كما يظهر في الشكل رقم (16). وساهم في هذا الارتفاع تصاعد وتيرة الأزمة المالية في لبنان طالت الاحتياطات بالعملات الأجنبية وإعلان الحكومة في 8 آذار عن تعليق سداد سندات "يوروبوند" للمرة الأولى في تاريخ لبنان؛ ومن ثم جاء إعلان الحكومة عن أول إصابة بفيروس "كورونا" في سورية في 22 آذار واتخاذ جملة من الإجراءات في إطار الحجر الصحي الجزئي.

ومع تطبيق اتجاه متسارع، trend line exponential على الرسم البياني في الشكل رقم (17) حتى نهاية 2020 سيظهر سيناريو ارتفاع سعر الصرف إلى مستوى 2000 ليرة أمام الدولار.

 

صعوبات كبيرة تمهّد لتنازلات

يواجه الاقتصاد السوري جملة من العوامل خلال عام 2020، تجعل الواقع أكثر صعوبة ويُنذر باستنزاف متزايد لجيوب السوريين وتعبهم ومن بينها ما يلي:

العقوبات: لم تثبت التجارب التاريخية نجاعة العقوبات في تعديل سلوك الأنظمة الشمولية، إلا أن ما طُبّق من عقوبات على سورية وإيران، ومن ثم فقانون "سيزر" كفيل بزيادة الخناق على النظام وتقييد قدرته على التهرب والالتفاف على العقوبات، إذ من شأن القانون فرض عقوبات على  الأفراد الأجانب الذين يبيعون أو يوفرون كميات يُعتدّ بها من سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تيسّر أو توسّع نطاق الإنتاج النفطي السوري الحكومي المحلي، وخدمات بناء أو هندسة وطائرات أو قطع غيار أو خدمات أخرى للحكومة، وبالتالي قد يشهد قطاع الطاقة مزيد من التدهور وشح متزايد في المحروقات، وإيقاف مساعي النظام في تسويق ملف إعادة الإعمار وأخيراً إفشال أي محاولة لإعادة الشرعية للأسد وإعادة العلاقات كما كانت.

تخلي الدولة عن الدعم: تخلّي النظام عن دعم المواد الأساسية من غذاء ومحروقات يخفف عن كاهله مبالغ مالية كبيرة وأعباءً اجتماعية لكنها في نفس الوقت تزيد من ارتفاع الأسعار ومن سخط المواطنين على النظام.

حلفاء الأمس: أسهمت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بسبب مساندتها النظام وتدخلها في سورية، والأزمة الاقتصادية في لبنان، والضغوط الاقتصادية على روسيا، للحد من قدرة تلك البلدان على مساعدة النظام مالياً ومادياً التي لطالما اعتبرها حليفاً له.

كورونا: تشكل جائحة كورونا ضيفاً ثقيل الظل على سورية على مستوى الحكومة والاقتصاد والمواطن، إذ تواجه سورية هذا الفيروس وسط نظام رعاية صحي متردٍ جداً فـ50% من المشافي خارج الخدمة وتراجع إنتاج الأدوية لأكثر من 50% وهرب أكثر من ثلثي العاملين في مجال الرعاية الطبية من البلاد إضافة إلى ارتفاع أسعار مئات الأصناف من الأدوية. ومع انتشار الوباء في سورية ارتفع سعر الكمامة إلى 3500 ليرة من 30 ليرة، وسعر عبوة مطهر اليدين من 250 إلى 500 ليرة وزجاجة الكحول الطبية بلغ سعرها 2500 ليرة بعدما كانت 500 ليرة.

تشظي البلاد: يُسهم استمرار اندلاع عمليات عسكرية كما في العملية التركية "درع الربيع" في آذار 2020 وعدم التوصل لاتفاق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق الفرات، بضغوط متزايدة على الاقتصاد السوري جراء توزع الأدوار والثروات.

خاتمة

أسهمت عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للاقتصاد قبل الثورة لترسيخ إشكالات هيكلية رافقت الاقتصاد السوري خلال العقود الماضية التي سبقت الثورة، ومع تنامي هذين العاملين وتغوّل النظام في الحلول الأمنية وزج أفراد الجيش واستخدام كافة أنواع الأسلحة لقمع المتظاهرين وإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وزاد حجم الإنفاق العسكري فاستنزف الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي وهبطت قيمة الليرة إلى أدنى مستوى لها وتردت مستويات المعيشية وارتفع حجم الديون الخارجية لصالح إيران وروسيا.

واتبع المجتمع الدولي سياسة فرض العقوبات والعزلة الدولية لتعديل سلوك النظام القمعي ومنع أي تحركات إقليمية ودولية لإعادة الشرعية للنظام وتمرير أموال إعادة الإعمار، فراقبت الولايات المتحدة وأوروبا عن كثب الكيانات ورجال الأعمال والمقرّبين من النظام الذين ساهموا في تطوير البلد وإعادة الإعمار وتم تطبيق عقوبات عليهم، وأثّرت العقوبات الأمريكية على إيران على المساعدات المقدمة للنظام فعانت سورية من شح شديد في المحروقات أدى لارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، وأغلقت الأزمة الاقتصادية في لبنان المتنفس الوحيد الذي يستخدمه النظام في تعاملاته المالية والاقتصادية مع العالم. ومع نهاية العام 2019 فرضت الولايات المتحدة على سورية عقوبات شديدة ضمن قانون "سيزر" ليلامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في تاريخه عند 950 ليرة.

ولاحقاً في عام 2020 أصبح الاقتصاد على أعتاب انهيار متسارع بعد ظهور وباء كورونا واشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان واقتراب موعد سريان قانون "سيزر" في شهر حزيران واندلاع عمليات عسكرية في الشمال، وهو ما رسم صورة قاتمة لمستقبل سورية قد يجعلها بلداً معزولة ومتخلفة في كافة المؤشرات.

وبيّن التقرير في تحليل الجانب التقني لسعر صرف الليرة السورية حتى الربع الأول من 2020 سلوك الليرة أربع موجات صعود بعد اختراق مستوى 700 ليرة و950 ليرة و1230 ليرة و1360 ليرة وأظهر استخدام المتوسط المتحرك على المدى القريب والمتوسط والاتجاه المتسارع احتمال صعود السعر إلى 2000 ليرة في نهاية العام 2020.

انعكس تردي أوضاع الليرة والإنتاج على مؤشر أسعار المستهلك ليرتفع حتى شهر آب 2019 إلى 880 ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم مستوى 1000 مع التحديثات التي حصلت على الأرقام والمؤشرات بعد ذلك الشهر. ولدى مقارنة أسعار مجموعة من السلع الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 تبين ارتفاع الأسعار ضعف وأربع أضعاف السعر السابق، وهو ما سيزيد من تكاليف احتياجات الأسرة من 5 أفراد إلى أكثر من 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019، ولم تفلح سياسة زيادة الأجور إلى 60 ألف ليرة إلا لمزيد من ارتفاع المعدل العام للأسعار. وبدورها ساهمت الزيادة في الأسعار والارتفاع في تكاليف المعيشة والانخفاض المتواصل في بيئة العمل، إلى زيادة معدلات الفقر لتتربع سورية على عرش أفقر دولة في العالم بوقوع 83% من السكان تحت خط الفقر.

أخيراً وبعد تسع سنوات من الثورة ومن ممارسات النظام العسكرية وإدارته السيئة للاقتصاد يبدو جلياً أن عام 2019 كان الأسوأ على النظام من حيث فرض مزيد من العقوبات واحتدام أزمة المحروقات وانخفاض قيمة الليرة وفشل جهوده في إعادة الإعمار وعودة الشرعية، والأسوأ على المواطن بعد تزايد الأسعار وتآكل القوة الشرائية وحرماناً متعدد الأبعاد، وهو ما يدخل البلاد في سيناريو كارثي خلال الشهور المقبلة. ولا يمكن الحديث عن أي تغير إيجابي في المؤشرات دون وضع البلد على سكة الانتقال السياسي للسلطة وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، وإيقاف العسكرة وإدارة الاقتصاد من أشخاص ذوي كفاءات عالية قادرين على تصحيح ما آلت إليه الأوضاع.

ملحق: جدول بالعقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام خلال عام 2019

التاريخ

البلد

القطاع/النوع

الوصف

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

محكمة الاتحاد الأوروبي تفرض عقوبات على شركة بنا العقارية وشام القابضة

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

إضافة 11 رجل أعمال و5 مؤسسات للعقوبات لدعم/استفادة من النظام من خلال المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام.

21 كانون الثاني

أوروبية

محاسبة

إضافة 9 أشخاص ومؤسسة للعقوبات المفروضة على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، تشمل تجميد أصول ومنع سفر.

21 كانون الثاني

ألمانية

مكافحة إرهاب

منع خطوط الطيران الإيرانية "mahan air" من تشغيل رحلات الركاب من وإلى مطاراتها بسبب نقل المليشيات ومعداتهم إلى سورية وبلدان الشرق الأوسط الأخرى التي تشهد نزاعات.

24 كانون الثاني

أمريكية

مكافحة إرهاب

فرض عقوبات على مليشيات مدعومة من إيران لها مقرات في سورية، فاطميون ولواء زينبيون، لتقديم الدعم المادي لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، قدس.

6 شباط

أمريكية

محاسبة

أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية قانون سيزر القاضي بفرض عقوبات على النظام وداعميه.

8 شباط

أوروبية

تجارة وصناعة

تجديد العقوبات السنوية على رجل الأعمال وائل عبد الكريم وشركة الكريم للتجارة والصناعة في سورية.

4 آذار

أوروبية

محاسبة

الاتحاد الأوروبي يضيف سبع وزراء لقائمة العقوبات السورية (حجز أصول ومنع سفر) على خلفية التغييرات الحكومية في سورية.

7 آذار

أوروبية

محاسبة

المحكمة الأوروبية ترفض رفع العقوبات عن مؤسسات مرتبطة برامي مخلوف هي: شركة صروح، والمشرق للاستثمار، ودريكس تكنولوجي.

27 آذار

أمريكية

النفط

نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تقريراً حول المخاطر التي تواجه الأطراف المشاركة في شحنات النفط للحكومة السورية بغض النظر عن مواقع أو جنسية أولئك الذين يسهلون هذا الدعم.

29 آذار

أوروبية

محاسبة

دول مقدونيا وصربيا وألبانيا والبوسنة توافق على قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات على سورية

8 نيسان

بريطانيا

مكافحة غسيل الاموال

نشرت بريطانيا لوائح بموجب قانون العقوبات ومحافظة غسل الأموال لعام 2018 بشأن سورية والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

9 أيار

أمريكية

محاسبة

تجديد العقوبات على سورية لمدة عام بسبب وحشية النظام وقمع الشعب السوري وما يتعلق باستخدام الاسلحة الكيميائية

10 أيار

أوروبية

محاسبة

رفضت المحكمة الأوروبية طلب عمار شريف لإلغاء العقوبات الخاصة به 

17 أيار

أوروبية

محاسبة

تجديد العقوبات المفروضة على سورية لمدة عام حتى 1 حزيران 2020 على خلفية العنف الممارس من النظام ضد المدنيين

23 أيار

بريطانية

التمويل

مصادرة 25 ألف جنيه استرليني من ابنة أخت بشار الأسد، أنيسة شوكت، بعد استخدام حسابها المصرفي للتهرب من العقوبات والاحتفاظ بأموال النظام السوري.

29 أيار

بلجيكية

الأسلحة الكيميائية

أدانت المحكمة الجنائية في بلجيكا 3 شركات وشخصين من مدراءها الإداريين بانتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي لتصدير مواد كيميائية إلى سورية دون ترخيص، احتوت 24 عملية تسليم للنظام بينها 160 طن من مكونات غاز السارين

12 حزيران

أمريكية

إعادة الإعمار

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكية، سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية.

24 حزيران

أمريكية

محاسبة

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على خامنئي وثمانية من كبار القادة العسكريين في إيران. واستهدفت تصفير إيرادات النفط الإيرانية ومنع أي دولة وشركة للتعامل معها في هذا المجال.

4 تموز

بريطانية

النفط

الاستيلاء على ناقلة عملاقة "غرايس 1" شرق جبل طارق يشتبه أنها خرقت عقوبات الاتحاد الأوروبي عن طريق نقل النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سورية.

8 تموز

بريطانية

النفط

اعتمد جبل طارق لوائح قانون العقوبات لعام 2019 والاعتراف والتنفيذ التلقائي لجزاءات الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة.

15 آب

أمريكية

النفط

طلبت وزارة العدل الأمريكية الاستيلاء على الناقلة الإيرانية "جريس 1" التي احتجزتها في جبل طارق للاشتباه في اختراق عقوبات أوروبا على سورية

16 آب

أمريكية

النفط

أشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد الحرس الثوري الإسلامي عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذرت الوزارة من عواقب وخيمة على أي فرد مرتبط بالناقلة

23 آب

أمريكية

محاسبة

حذرت الولايات المتحدة من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري وهو ما قد يعرضهم للعقوبات.

29 آب

أمريكية

محاسبة التمويل

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بنك جمال ترست على لائحة العقوبات لتقديمه خدمات مصرفية لحزب الله ومؤسسة الشهداء في إيران.

2 أيلول

أمريكية

النفط

طبق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ناقلة "أدريان درايا 1" كممتلكات محجوزة، وربان الناقلة كومار أخليش من الحرس الثوري الإيراني.

6  أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة. وهؤلاء هم شبكة تتألف من مسؤولين وشركات شحن وتأمين يديرها الحرس الثوري الإيراني الداعم للنظام السوري.

10 أيلول

أمريكية

محاسبة والتمويل

عاقب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قائمة من الأشخاص والشركات بتهمة تقديم الدعم المالي لجماعات مصنفة إرهابية، ومن بينها شركة سكسوك للصرافة في تركيا ولبنان وسورية، وشركة الحرم للصرافة، والخالدي، والحبو للمجوهرات.

11 أيلول

بريطانية

النفط

اتهمت إيران بتسليم النفط لنظام الأسد في انتهاك لتأكيداتها أنها لن تسلم النفط لأي كيان في سورية أو مكان آخر يطبق عليه عقوبات في أوروبا بعد إطلاق سراح سفينة "أدريان داريا 1". 

20 أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

استهداف البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية الوطنية الإيرانية وشركة اعتماد للتجارة.

23 أيلول

بريطانية

محاسبة

اتهام شركة دان بونكيرنع بانتهاك العقوبات على سورية في أوروبا من قبل المدعي العام الدينماركي، بزعم أن الشركة باعت ما لا يقل عن 30 ألف طن من وقود الطائرات لنظام الأسد.

30 أيلول

أمريكية

النفط

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كيان (شركة مارتيم) و3 أشخاص و5 سفن قيل إنها سهلت إيصال وقود الطائرات إلى القوات الروسية في سورية.

14 تشرين الأول

أمريكية

الأسلحة الكيميائية

مدد المجلس الأوربي التدابير التقييدية التي تتناول استخدام الأسلحة الكيميائية وانتشاراها حتى 16 تشرين الأول 2020، وتشمل حظر السفر وتجميد الأصول على 9 أشخاص وكيان، 5 منهم مرتبطين بنظام الأسد. 

25 تشرين الأول

كندية

محاسبة

تطبيق عقوبات على المواطن السوري الكندي نادر محمد قلعي، بسبب خرقه التدابير الاقتصادية الخاصة بسورية بعد دفع ما يعادل 140 ألف دولار كندي إلى شركة العقارات والاتصالات السورية.

28 تشرين الأول

بريطانية

محاسبة

فرض مكتب العقوبات المالية عقوبة قدرها 146,341 ألف جنيه استرليني على شركة تاليا المحدودة للتوظيف لخرقها لوائح العقوبات على سورية.

19 تشرين الثاني

أمريكية

مكافحة الإرهاب

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 2 من وكلاء المشتريات في "داعش" ومقرهما تركيا و4 شركات مرتبطة بـ"داعش" تعمل في سورية وتركيا والخليج وأوروبا لتقديم الدعم المالي واللوجستي لـ"داعش".

18 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون "سيزر لحماية المديين السوريين عام 2019" يسمع بفرض عقوبات على مسؤولين وقادة عسكريين ومدنيين سوريين وكل من يثبت تورطه في الأعمال الوحشية في سورية.

21 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

ترامب يوقع على قانون سيزر ليصبح ساري المفعول

 الجدول رقم (1) العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري خلال 2019 المصدر:

Enab Baladi, US department of treasury, European sanctions


([1]) استقى الباحث فكرة التقرير وبيانات كثيرة للاقتصاد السوري على التقارير الصادرة خلال عام 2019 من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مؤشرات الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام السوري خلال عام 2019 انهيار متواصل، واعتمادية متنامية، رابط:  https://t.co/tf26VRsiug?amp=1

([2])  المحمود حمود، اقتصاد الحرب في الصراع السوري: تكتيك "دبر راسك"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 23 تموز 2015، رابط:

 https://carnegie-mec.org/2015/07/23/ar-pub-60273

([3])  الإنفاق العسكري في سورية من 1988 – 2011 ونسبتها من الإنفاق الحكومي ومن الناتج المحلي الإجمالي، معهد ستوكهولم للسلام، المصدر:

https://www.sipri.org/databases/milex

([4]) خسائر الاقتصاد السوري تقترب من ترليون دولار والتعافي يحتاج 20 عاماً، cnbc  عربية، رابط يوتيوب: https://bit.ly/2Use3kQ

([5]) الموازنة العامة في سورية لعام 2019: أداة لتمويه الواقع الاقتصادي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 24 كانون الأول 2018، رابط مختصر: https://bit.ly/2YOJxVi

([6]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015، شباط 2016.

([7]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، مصدر سابق.

([8]) المصدر السابق مباشرة.

([9])  رجال أعمال "ماروتا سيتي".. تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي، المدن، 22 كانون الثاني 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/33WNIPv

([10]) معرض دمشق الدولي نجاح إعلامي تكذبه الأرقام، عنب بلدي، 6 أيلول 2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/326378

([11]) واشنطن تفرض عقوبات على شركات سورية مختصة بتحويل الأموال، عنب بلدي، 11 أيلول 2019، رابط:  https://bit.ly/2AZZnT6

([12])يازجي جهاد، مصائب سورية الاقتصادية المتزايدة: الأزمة اللبنانية، قانون قيصر، ثم فيروس كورونا، 26 آذار 2020، مبادرة الإصلاح العربي، رابط: https://bit.ly/2w9bADc

([13]) هكذا تغزو إيران سورية اقتصادياً، إيران انسايدر، رابط مختصر: https://bit.ly/2X4qdTr 

([14]) تصريح لرئيس الحكومة عماد خميس في مجلس الشعب، كانون الثاني 2019، موقع الحل السوري، رابط مختصر: https://bit.ly/3azasaX

([15]) أزمة البنزين: الائتمان الإيراني متوقف.. بانتظار التنازلات؟، المدن، 17 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2UQ3Uhp

([16]) تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية، علي غانم أثناء مداخلة للوزير في مجلس الشعب في أكتوبر 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11938/

([17])  أخبار النفط والغاز السوري، تشرين الأول 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11935/

([18])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12859/

([19])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12917/

([20]) اسطوانة الغاز تنخفض إلى 7 آلاف ليرة في السوق السوداء، 12 كانون الثاني 2019، عنب بلدي، رابط: https://bit.ly/2AZZnT6

([21]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، 21 آذار 2019، اقتصاد، رابط: https://www.eqtsad.net/news/article/24384/

([22]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، 15 نيسان 2019، درج، رابط: https://daraj.com/16640/

([23]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، مصدر سابق.

([24]) مكية أسامة، قطاع الكهرباء في سورية ينهار تحت وطأة الحصار، 12 آذار 2016، الحل، رابط مختصر: https://bit.ly/33XlXXd

([25]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، مصدر سابق.

([26]) ما هي أهم الصناعات العامة المتوقفة والمتراجعة؟، قاسيون، 24 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2WXoS0t

([27]) سورية الأكثر فقرا في العالم، عنب بلدي، 22 شباط 2002، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([28]) محمود عشتار، الصادرات السورية خام ومتراجعة في 2018، قاسيون، 6 آب 2019، رابط: https://kassioun.org/economic/item/62551-2018

([29]) مرور الشاحنة الواحد عبر سورية يكلف ألف دولار، بروكار برس، 26 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/3ayoKsl

([30]) أمريكا تطالب تجار الأردن بمغادرة أسواق النظام بأسرع وقت، بروكار برس، 24 آذار 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2youxT6

([31])الطقس غير المستقر والنزاع الذي طال أمده يلحقان الضرر بالإنتاج الزراعي في سورية، 9 تشرين الأول 2018، منظمة فاو الدولية، رابط مختصر: https://bit.ly/2JGfkzj

([32]) موسم 2019 مليونا طن من القمح ومثلها من الشعير، 9 أيلول 2019، قاسيون، رابط: https://www.kassioun.org/economic/item/62853-2019

([33]) موسم الحمضيات الحقول عامرة بالخير ماذا عن التسويق، 10 كانون الأول 2018، سانا، رابط: https://www.sana.sy/?p=859529

([34]) توزع عوائد الحمصيات بين المنتجين والتجار والمصدرين، قاسيون، 3 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2QXNHpq  

([35]) ظاهر جوزيف، الأسباب العميقة لتدهور قيمة الليرة السورية، 31 كانون الثاني 2020، مسارات الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3bJDS6u

([36]  سورية الأكثر فقراً في العالم، 22 شباط 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([37]) احتجاجات السويداء تتمسك بـ«مطالب معيشية» وتبتعد عن السياسة، 19 كانون الثاني 2020، الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3dPE9Xp

([38]) السماح باستيراد الطحين للجميع أزمة خبز مستمرة في سوريا، 30 آذار 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/373805 

([39]) حداد وجيه، موازنة 2020 السورية: التمويل بالعجز، 29 تشرين الأول 2019، المدن، رابط: https://bit.ly/2V4CeFR

([40]) سوريا ترفع أسعار البنزين، 1 آذار 2020، روسيا اليوم، رابط: https://bit.ly/2xEthLi

([41]) مراسيم الأسد لمواجهة "الدولرة"... صارمة لكنها هشة، عنب بلدي، 2 شباط 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/359970

التصنيف تقارير خاصة

تعتبر العقيدة العسكرية جزء أساسي في عملية بناء أي جيش واستثماره، كما تعتبر إحدى محفزات العسكريين، للاستمرار في عسكريتهم والخدمة بها على أكمل وجه، وعلى هذا الأساس تستثمر القيادات العسكرية حول العالم في هذه المفاهيم، من أجل ترسيخ الأفكار التي تراها مناسبة في عقول وضمائر العسكريين، وذلك لضمان تنفيذ المهام والأوامر دون أدنى تشكيك ودونما أي تردد، وكبقية جيوش العالم ومن المنظور الخاص بهذه الزاوية، حاولت القيادة السياسية/ العسكرية في سورية تأسيس عقيدة خاصة بالجيش السوري، إلا أن هذه العقيدة تغيّرت عدّة مرات قبل أن تصل لما هي عليه اليوم.

بشكل عام، فإن معنى كلمة "عقيدة"، يدل على ما عقد عليه القلب والضمير، كمبدأ، ويرتبط المعنى بالروحانيات والايمان الراسخ بقضية ما، أما "العقيدة العسكرية" فهي مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية، وتختلف توظيفات هذه العقيدة بحسب الحاجة التي تفرضها محددات الأمن القومي، أو شكل الحكم القائم أو طبيعة المجتمعات الموجودة في الدولة.

في سورية، طرأ على مفهوم العقيدة في الجيش السوري عدّة تغيرات أهمها: تحوله من مفهوم الجيش الوطني إلى مفهوم الجيش العقائدي، وذلك بعد استيلاء حزب البعث على الحكم بتاريخ 8 آذار/ مارس 1963، حيث تم ربط الجيش السوري بعقيدة حزب البعث وأفكاره، كما تمت مصادرة إرادة الجيش لصالح الحزب طبقاً لما حصل مع الدولة نفسها، وسبق لحافظ الأسد القول: "إن جيشنا ليس جيشاً حزبياً ولا حزباً سياسياً، وإنما هو جيشٌ عقائدي مؤمن بعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ويعمل على ما تخططه القيادة المسلحة من أجل مصلحة الشعب".

أما التغير الثاني والذي يمكن القول بأنه انحراف عن المسار السابق، هو تغلغل فكرة القائد وتقديسه، والذي بدء بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سورية بعد انقلابه على رفاقه الحزبيين في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، حيث استمر هذا التقديس بعد مماته وتوريث الحكم لبشار الأسد عام 2000.

بما يتعلق بحافظ الأسد، لا يمكن القول بأن الرجل لم يبذل جهوداً لسنوات، في سبيل استيلاءه على حكم سورية، والذي تم له لمدة 30 عاماً، ولاحقاً تمهيده توريث السُلطة لأحد أبناءه بشكل مماثل لما هو قائم في الدول الملكية في بلد يعمل بالنظام الجمهوري، إلا أن هذا التقديس حصل ويحصل عليه بشار الأسد، بالرغم من أنه مجرد وريث للسلطة فقط.

يملك الجيش السوري على المستوى العقائدي منظومة متكاملة من المفاهيم والكلمات المختلطة، بما هو حزبي "بعثي"، ومفاهيم اجتماعية تحمل في طياتها عدة طبقات مختلفة، يمتد بعضها حتى للاقتباس من الكتب المقدسة، وتغلفُ تلك المفاهيم بصمة بصرية واضحة (صور – رسومات – شعارات مكتوبة) تُسيطر على المشهد، وتشكل بمجموعها أساس العقيدة العسكرية (الجانب غير التقني) حيث يمكن استنتاج هذه العقيدة بالكلمات الموجودة على مداخل الثكنات العسكرية وجدرانها وقاعاتها ومكاتبها ومحارسها، كما تُسطر كلمات القائد وكلمات تقديسه بالإضافة لمفاهيم البعث في كل حيز يمكن استغلاله في سبيل ذلك، حتى الشعارات الصوتية الحماسية التي يتم ترديدها،  فهي موجهة لشخص هذا القائد، وحتى إن تغير أو مات فالكلمات والرسوم والشعارات جاهزة من أجل خدمة القائد الجديد، وهو ما حدث ما بين حافظ وبشار الأسد، "بالروح بالدم نفديك يا......" على سبيل المثال.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن خدم في صفوف الجيش قبل عام 2011، يعلم جيداً كمية العبارات التي تقدس وتمجد القائد وتردد العبارات التي دأب ضباط التوجيه السياسي المنتشرون في الوحدات العسكرية على إلقاءها على مسامع الجنود، لا بل تتحول تلك العبارات لنظام معين مع النظام المنظم (المنضم) تملئ حناجر الجنود، وبالأخص الأغرار منهم والأمثلة كثيرة على ذلك، "لعيونك يا بو سليمان بدنا نحرر الجولان"؛ "موزوناً أمة عيد، أمة؛ عربية؛ واحدة؛ ذات رسالة خالدة؛ أو  "الدورة نزلت عالساحة...تحيي أسد القرداحة"، "الجيش العربي السوري ، وحوش، وحوش، وحوش"؛ "موزوناً بشار عيد، بشار؛ بشار؛ عربية ؛ واحدة: وعلى ذات النهج يتم أحياناً استبدال "بشار" بـ "باسل" بالرغم من وفاته في عام 1994، وكأنما الأمة تختزل بشخص "القائد"، حتى أن الفرقة الرابعة لها عباراتها الخاصة والتي تمجد اللواء ماهر الأسد، حتى قبل أن يتم تعيينه قائداً للفرقة بشكل رسمي.

في المقابل هناك كم كبير من العبارات المُهينة التي يتلاقها الجنود من مرؤوسيهم أو حتى ممن هم أقدم منهم من الجنود، وهذه العبارات يطال بعضها الذات الإلهية ولا مشكلة في ذلك لديهم، طالما أنها لا تطال مقام القائد، بالإضافة لمحاولة الكثيرين تقليد لهجة أهل الساحل كونها اللهجة المتعارف عليها للعلويين، في محاولة منهم لإضفاء القليل من "الواسطة" لأنفسهم والإيحاء بأنهم من أبناء البيئة الموالية.

بالطبع بعد بداية الثورة عام 2011 سرعان ما انهارت تلك العقيدة، عند الآلاف الذين أنشقوا عن الجيش، بالمقابل ظهرت حقيقة تلك العقيدة في صفوف من بقي في ذلك الجيش، الذي تحول اليوم إلى خليط من بقية الجيش وعدد كبير من الميليشيات المحلية والأجنبية، حيث رافق تلك الفترة انتشار الكثير من عبارات التحدي للشعب كعبارات "الأسد أو لا أحد"؛ "الأسد أو نحرق البلد"؛ "حاربوك ونسيوا مين أبوك"؛ "إن عدتم عدنا" وهذه الأخيرة مقتبسة من الآية الثامنة من سورة الاسراء ولا مشكلة في الاقتباس من القرآن الكريم طالما أنه يخدم غايتهم.

وطن؛ شرف؛ إخلاص، ثلاث كلمات هي شعار الجيش السوري منذ تأسيسه، ويتم وضعها على سواعد العسكريين بمختلف اختصاصاتهم ورتبهم، كما أنها موجودة على أعلام الجيش السوري والقوى الرئيسية إلا أن الواقع يقول أن الجيش يفتقر لهذه الكلمات في ممارسته العملية، حتى عبارة "حماة الديار" والتي يبدأ بها النشيد الوطني خص بها نفسه دون غيره وجيرها في خدمته، علماً أن القصيدة كتبها الشاعر خليل مردم بك في عام 1936، أي قبل عشرة سنوات على تأسيس الجيش السوري،  وعلى الرغم من مرور عشرين عاماً على موت حافظ الأسد، ما زالت عبارة "لعيونك يا بو سليمان" تصدح في الحناجر ولكن لا الجولان تحرر ولا بقي "الأسد للأبد" في ظل وجود سورية تحت احتلال قوات من سبعة دول أجنبية على الأقل وعشرات الميليشيات العابرة للحدود.

المصدر السورية نت: https://bit.ly/3gM45Vc

 

التصنيف مقالات الرأي