Omran Center

Omran Center

في مقابلة أجرتها صحيفة عنب بلدي بتاريخ 28 حزيران/ يونيو 2020، مع الباحث معن طلاع حول حزب "البعث العربي الاشتراكي"؛ بين فيها طلّاع أهم التحولات التي طرأت على الحزب منذ ثورة آذار 2011، كما فند بأوراق القوة التي يمتلكها الحزب على المستوى الشعبي والقانوني وذلك كتمهيد لفهم السيناريوهات المتوقعة لمصير الحزب الذي يتم استنهاض مقدراته من قبل النظام للتكيف مع المتغيرات والقدرة على تعزيز التموضع السياسي له في المشهد السوري العام.

المصدر:https://www.enabbaladi.net/archives/396791

 

 

شارك الباحث منير الفقير، بندوة نقاشية افتراضية بعنوان: تغيرات المؤسسة الدينية في دمشق بعد انتفاضة 2011، عقدها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، وذلك بتاريخ 24 حزيران 2020،

غيرت انتفاضة 2011 في سوريا المشهد الديني السني في دمشق بشكل كامل، فمن جهة أخرج النظام شخصيات دينية فاعلة بارزة أُجبرت على تشكيل كيان ديني معارض "المجلس الإسلامي السوري"، ومن جهة أخرى أعاد النظام تشكيل من بقي من المؤسسات الدينية المتنافسة داخل دمشق على عينه. سلب هذا التغيير المؤسسة الدينية داخل دمشق استقلاليتها المالية والإدارية، التي تعد من أهم ميزاتها، وأتاح الفرصة لرجال الدين السنة في ريف دمشق لدخول ساحة المنافسة في المجال الديني، كما وضعت المجلس الإسلامي السوري أمام تحديات كبيرة، أهمها أنه يعمل من المنفى.

ملخص تنفيذي

  • تأتي خطوة استبدال الليرة السورية بالتركية في هذا الوقت متكئة على مطلب ينادي بضرورة المساعدة على الحفاظ على ما تبقى من مدخرات السكان والحفاظ على قوتهم الشرائية، وضمان استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي بحده الأدنى، وبما يخفف من أثر الظروف الأمنية على استقرارهم.
  • يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين للشأن الاقتصادي في هذه المناطق، أن هذه الخطوة، وبغض النظر عن المدى الزمني المتوقع لاستمرارها، تفتقد المقومات اللازمة لضمان نجاحها والتي كان لا بد من القيام بها مسبقاً قبل التوسع في طرح العملة التركية واعتمادها كوسيط للتبادل.
  • ففي حين يرى البعض أن لهذه الخطوة آثار إيجابية على اقتصاد هذه المنطقة، يشكك البعض الآخر بجدواها، في ظل تدهور العجلة الاقتصادية والإنتاجية في هذه المناطق، وعدم قدرتها على تغيير الواقع المعيشي المتردي لسكانها.
  • يلعب موضوع تحديد الأجور بالليرة التركية مقوماً حاسماً لقبول هذه الخطوة من قبل المواطنين، في ظل غياب جهة قادرة على فرض منح أجور العاملين بالليرة التركية، وترك هذا الأمر خاضعاً لمصالح أرباب العمل وتقديراتهم.
  • لم تعد تمثل الليرة السورية بالنسبة للقوى الاقتصادية والمالية في هذه المناطق إلا مجرد وسيط مرحلي يسعون مباشرة للتخلص منه وتبديله بعملات أخرى، بعد أن فقدت الليرة فاعليتها للقيام بوظائفها الأساسية كعملة نقدية.
  • من المتوقع أن تداول الليرة التركية في جزئه الأكبر سيكون مرتبط بالتعاملات اليومية ذات القيم المالية الصغيرة الحجم. في حين سيستمر التعامل بالدولار الأمريكي للصفقات التجارية، وغيرها من المعاملات ذات القيم المالية الكبيرة الحجم.
  • إن القدرة على التخلص من الكتلة النقدية من الليرة السورية في هذه المناطق، من دون إلحاق خسائر كبيرة بحامليها يعد من الأهمية بمكان، ويتطلب وجود خطوات واضحة للقيام بذلك من قبل الفواعل الرئيسية في هذه المناطق.
  • هناك مسؤولية أمنية واقتصادية تترتب على قادة الفصائل العسكرية في هذه المناطق من خلال مساهمتها بعملية التصدي لتهريب القطع الأجنبي، والتصدي لعمليات احتكار دخول وخروج السلع عبر المعابر الحدودية مع النظام والإدارة الذاتية.
  • هناك سعي من قبل الفواعل الرئيسية للتوصل إلى حلول مستدامة لوقف عملية تدوير الليرة السورية بين هذه المناطق وكل من مناطق نظام الأسد والإدارة الذاتية، من خلال البحث عن أسواق خارجية لتصدير المنتجات والمحاصيل الزراعية، وتقليل كمية المستوردات من السلع والمواد من هذه المناطق إلى حدها الأدنى، بحيث يمكن فك التشابك التجاري والاقتصادي بين هذه المناطق، والمساعدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب.

تمهيد

لم تكن فكرة استبدال الليرة السورية بجارتها التركية حديثة الطرح، ففي عام 2015، ونتيجة التدهور المتواصل في قيمة الليرة السورية، قامت نقابة الاقتصاديين السوريين الأحرار بالتعاون مع المجلس المحلي في حلب بطرح مبادرة لاستبدال الليرة السورية بالليرة التركية في المناطق المحررة، في محاولة منها لوقف آثار تذبذب أسعار صرف الليرة السورية وتراجع قيمتها الشرائية على المدنيين. ورغم تأييد معظم الفعاليات الثورية في حلب حينها لهذه المبادرة، إلا أنها لم تلق ذلك القبول الشعبي المطلوب في نسبة كبيرة من المناطق المحررة. ففي حين رأى مؤيدو المبادرة أنها وسيلة جيدة لمواجهة نظام الأسد اقتصادياً من جهة، وفرصة ممكنة لتحقيق استقرار اقتصادي محلي من جهة أخرى، رأى فيها المعارضون أنها تمثل نوعاً من أنواع التمهيد للتبعية الاقتصادية والسياسية لتركيا.

في الوقت الحاضر وفي ضوء التدهور المستمر في قيمة الليرة السورية وتوجس مختلف الجهات في الشمال السوري من تداعيات المرحلة القادمة، مع تردي الوضع الاقتصادي لنظام الأسد، ولجوئه إلى صك كميات كبيرة من الليرة السورية بدون وجود تغطية لها، إلى جانب الآثار السلبية المتوقعة لتطبيق قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" على اقتصاد النظام، تجددت المطالبة باستبدال الليرة السورية بالليرة التركية كإحدى الحلول التي يمكن أن تخفف من تداعيات هذا التدهور  في الحياة الاقتصادية للسكان في مناطق الشمال السوري، وكضرورة للتخلص من التبعية الاقتصادية للنظام.

 وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في خطوة استبدال الليرة السورية، مسلطة الضوء على مقومات نجاح هذه الخطوة في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تحليل مدى توفر مقومات استبدال الليرة السورية بالتركية، ومدى توفر القبول المجتمعي لليرة التركية في الشمال السوري، إلى جانب محاولة استشراف مآل الليرة السورية في هذه المناطق، دون التطرق إلى الدلالات السياسية لهذه الخطوة.

مدى توفر مقومات الاستبدال

تطرح قضية استقرار مناطق الشمال السوري في شقيها الاقتصادي والاجتماعي نفسها في الوقت الحاضر باعتبارها أحد أهم الركائز الأساسية في التعافي المبكر لهذه المناطق([1])، وفي ظل الظروف الأمنية غير المستقرة التي تعايشها، يأمل السكان المحليين من أبنائها والنازحين إليها بحد أدنى من الاستقرار الاقتصادي يخفف من أثر الظروف الأمنية على استقرارهم. وتأتي خطوة استبدال الليرة السورية في هذا الوقت متكئة على هذا التصور الذي ينادي بضرورة المساعدة على تمكين السكان المحليين وضمان استقرارهم الاقتصادي، في وقت بدت فيه حالة تدهور الاقتصاد السوري بشكل عام وتدهور العملة السورية بشكل خاص، حقيقة لا يمكن تجاهلها، وبعد أن بدأت تداعياتها ترخي بضلالها على اقتصاد هذه المناطق، مؤديةً إلى مزيد من التدهور في مؤشراتها الاقتصادية.

لذا يبدو أن هذه الخطوة أصبحت مطلباً ملحاً في الوقت الحاضر، فمن جانب سيتيح هذا الحل الحفاظ على ما تبقى من مدخرات السكان والحفاظ على قوتهم الشرائية، ومن جانب آخر سيحافظ إلى حد ما على الاستقرار الاقتصادي والمعيشي ضمن هذه المناطق التي تعاني بالأصل من مشكلات اقتصادية عدة كارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية.  

يطرح الإعلان الرسمي من قبل الجهات الحوكمية في مناطق الشمال السوري لخطوة استبدال الليرة السورية بالتركية مجموعة من التساؤلات، عن مدى جدواه، وعن مدى توفر المقومات الأساسية اللازمة لنجاح تطبيقه.

لكن في الوقت ذاته يطرح الإعلان الرسمي من قبل الحكومة السورية المؤقتة و "حكومة الإنقاذ" لهذا الحل مجموعة من التساؤلات عن مدى القدرة على تحقيق المطلب السابق، وعن مدى توفر المقومات الأساسية اللازمة لضمان نجاح تطبيقه. فالحل في هدفه المعلن يستهدف الصالح العام في ضمان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، لكن يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين للشأن الاقتصادي في هذه المناطق أن هذه الخطوة، وبغض النظر عن المدى الزمني المتوقع لاستمرارها، تفتقد المقومات اللازمة لضمان نجاحها والتي كان لا بد من القيام بها مسبقاً قبل التوسع في طرح العملة التركية واعتمادها بشكل واسع كوسيط للتبادل، وتشمل هذه المقومات:

  • وجود إدارة اقتصادية موحدة لديها القدرة على رسم السياسات الاقتصادية والتجارية، وبما يضمن تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية ضمن هذه المناطق. فالمشهد العام في الوقت الحاضر يتكون من مجموعة من الكيانات الحوكمية ممثلة بالحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية و "حكومة الإنقاذ" التي تفتقد إلى الكفاءة والتنسيق والترابط فيما بينها بخصوص إدارة الشأن الاقتصادي العام ضمن هذه المناطق بشكل عام، وعملية إدارة النقد بشكل خاص.
  • وجود هيئة أو كيان مالي متخصص ومقبول من مختلف الأطراف كجهة تنفيذية يُعهد إليها عملية إدارة النقد ووضع السياسات النقدية والمالية المناسبة، وذلك وفقاً لمتطلبات وحاجات اقتصاد هذه المناطق. وتكون قادرة في الوقت ذاته على الإشراف على عملية استبدال الليرة السورية بالتركية والتنسيق مع الحكومة التركية بهذا الخصوص لضبط كمية النقد المتداول وضمان توفر الفئات النقدية من الليرة التركية، ومراقبة أسعار الصرف والحد من عمليات المضاربة المتوقعة، والقدرة على ضبط انتشار عمليات تزوير الليرة التركية داخل هذه المناطق، ومراقبة الحوالات المالية من وإلى هذه المناطق، وضبط تسرب القطع الأجنبي، مع ضرورة امتلاك هذا الكيان للخصوصية السياسية والاقتصادية إلى جانب الخصوصية الأمنية لمنح قرارتها إلزامية التنفيذ.
  • وجود هيئة تجارية مستقلة تعنى بإدارة التبادل التجاري داخل مناطق الشمال السوري ومع كل من الجانب التركي ومناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية، وتضع قواعد تنظيمية لذلك بهدف تنظيم وضبط المعابر التجارية الداخلية والخارجية، والحد من عمليات الاحتكار والتحكم بأسعار السلع المستوردة وضبطها من قبل التجار، من خلال تطبيق آليات تنفيذية تتلاءم وظروف المرحلة الحالية داخل هذه المناطق وتؤدي إلى استقرار أسعار السلع والمواد.

لكن من الملاحظ أن الإجراءات التي يتم القيام بها لتنفيذ هذه الخطوة تفتقد إلى حد كبير لهذه المقومات، ويشوبها عدم التنظيم والرقابة. فآلية ضخ العملة التركية تتم من خلال فروع مؤسسة البريد التركي ومكاتب الصرافة مع عدم وجود مؤسسة مالية محلية للتنسيق معها بهذا الخصوص للإشراف على تنظيم ومراقبة هذه العملية([2])، وتحديد الكميات المطلوب ضخها من الفئات الصغيرة لتغطية حاجات السوق النقدي في هذه المناطق، ومراقبة مكاتب الصرافة وإلزامها بسعر موحد عند استلامهم الليرة السورية من المواطنين. أضف إلى ذلك، قيام بعض الجهات الفاعلة المحلية بخطوات تهدف إلى تنظيم هذه العملية، لكنها تبقى في إطار الأجندات الخاصة لها للسيطرة على اقتصاد هذه المناطق([3]). الأمر الذي قد يخلف عدد من التداعيات السلبية مستقبلاً، ومن أبرز هذه التداعيات: حدوث عدم تناسب بين حجم الكتلة النقدية وحجم الكتلة الإنتاجية من السلع والخدمات، وما قد يسببه ذلك إحداث فجوة من نتائجها ارتفاع الأسعار والتضخم. إلى جانب توقع انتشار عمليات المضاربة بشكل كبير مما سيؤثر على المواطنين ذوي الدخل المحدود. وهناك تخوف من قبل السكان من ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على مجاراتها، في ظل عدم وجود جهة قادرة على ضبط الأسعار وفق المستوى الحالي الذي يقل بنسبة تتراوح بين 20-30% عن أسعارها داخل تركيا، ومعاناة السكان من انخفاض مستوى الدخل ومعدل البطالة المرتفع، وعدم وجود دعم متواصل لهذه الأسعار يمكن أن يساعد المواطنين على إمكانية تحملها، وقد ظهر هذا جلياً في تقلبات أسعار مادة الخبز وانقطاعه أحياناً في عموم هذه المناطق([4]).

كذلك فإن غياب القدرة على ضبط الحركة التجارية ضمن هذه المناطق، واستمرار التجار في فرض سيطرتهم على الأسواق من ناحية نوعية وكمية السلع المستوردة ومن ناحية تحديد أسعارها وفقاً لهامش معين، وسعر صرف يحدد من قبلهم، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على استقرار هذه الأسواق وعلى القدرة الشرائية للسكان.    

القبول المجتمعي لليرة التركية (بين المصلحة والمنطق)

مع بدء ضخ العملة التركية في مناطق الشمال السوري، تطرح قضية مدى اعتمادية الليرة التركية من قبل السكان المحليين نفسها كإحدى المقومات اللازمة للنجاح. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن الليرة التركية كانت متداولة في هذه المناطق حتى قبل الإعلان الرسمي عن هذه الخطوة([5])، لكن المستوى المتوقع للاعتماد عليها بشكل كبير سيرتبط حتماً بمستوى القبول الشعبي لها مقارنة بالدولار الأمريكي واليورو. ووفقاً لبعض التقارير الميدانية الواردة من هذه المناطق فإن هناك تباين في تصورات السكان المحليين والمعنيين بالشأن الاقتصادي لجدوى استبدال الليرة السورية بالتركية([6]). ففي حين يرى بعضهم أنه ونتيجة لتدهور قيمة الليرة السورية يبدو خيار التعامل بالليرة التركية ضرورياً لعدم توقف النشاط

لا بد للجهات الحوكمية في مناطق الشمال السوري من تدارك فقدان المقومات الأساسية لنجاح استبدال الليرة السورية بالتركية كحل مؤقت، والسعي الجاد لتنظيم وحوكمة النشاط الاقتصادي ضمن هذه المناطق لضمان نجاح هذه الخطوة.

التجاري المحلي، وتسهيلاً لعملية تداول السلع والخدمات بين المواطنين. حيث بدأ كثير من تجار المواد الغذائية برفض التعامل بالليرة السورية ما تسبب بأزمة أثرت سلباً على حركة البيع والشراء. إلى جانب ذلك، فإن هذه الخطوة سيكون لها آثار إيجابية على اقتصاد هذه المنطقة من خلال تخفيض تكالیف المعاملات التجارية، واستقرار في أسعار السلع وتوافرها([7])، وتشجيع الاستثمار التجاري والصناعي الذي سيضمنه استقرار السوق، خاصة وأن المنطقة تشهد حركة تعافي مبكر.

لكن بالمقابل، تشكك فئة أخرى بجدوى هذا التحول في ظل تدهور العجلة الاقتصادية والإنتاجية في هذه المناطق، وأن هذه الخطوة ستزيد من أعباء سكان الشمال السوري، ولن تغيّر من الواقع المعيشي المتردي. فالنسبة الأكبر من السلع الموجودة في هذه المناطق مصدرها تركيا، وهي مستوردة بالدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يبقى سعرها مرتفعاً، وفي حال استخدمت الليرة التركية، فهذه الأخيرة يتأثر سعر صرفها أيضًا بارتفاع وانخفاض الدولار. مع الأخذ بعين الاعتبار تفاوت المستوى المعيشي بين مناطق الشمال والداخل التركي، وعدم وجود دعم حقيقي للجهاز الإنتاجي ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن عدم القدرة على ضبط حركة البضائع من وإلى هذه المناطق يمنع من تشكّل دورة اقتصادية مستقلة لها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم يراع الأثر المحتمل لهذه الخطوة على المنتجين في هذه المناطق، من جانب القدرة على منافسة المنتجات التركية سواء من حيث الجودة أو من حيث تكاليف الإنتاج. إلى جانب ذلك، ينظر البعض بعين الريبة إلى الأطراف التي قد تستفيد من خطوة الاستبدال، وهم أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية من السوريين الذين وطنوا استثماراتهم في الجنوب التركي، والذين يسعون إلى توسعة حصتهم ضمن أسواق الشمال السوري([8]). أضف إلى ذلك، أن الكثير من البضائع التي يتم توريدها إلى هذه الأسواق لا تمتاز بالجودة المقبولة، وبالتالي ضمان هامش ربح كبير لأصحاب هذه المنشآت، في ظل غياب هيئة تجارية فاعلة قادرة على ضمان جودة المستوردات إلى هذه المناطق.    

كذلك ينظر البعض إلى العملة التركیة كونها غیر مستقرة بدرجة كبیرة في سعر صرفها، وبالتالي فهناك تخوف من قبل أصحاب رؤوس الأموال والتجار المحليين من اعتمادها بشكل كبير في تعاملاتهم التجارية حرصاً على رؤوس أموالهم، وذلك بناء على خبرتهم السابقة بالتعامل بالليرة التركية خلال الأعوام الماضية، والتذبذب الكبير في سعر صرفها([9]). لذا فإن هذه الشريحة سيكون تعاملها بالليرة التركية بحده الأدنى وفقاً لمقتضيات تيسير أعمالهم مع الجانب التركي ليس أكثر، والتي هي في جزئها الأكبر عمليات استيراد. كما أن عمليات التبادل التجاري لم تنقطع بشكل كامل بين هذه المناطق ومناطق النظام والإدارة الذاتية، بحكم الفائض الكبير من المنتجات والمحاصيل الزراعية لديها والتي لا تجد طريقها للتصدير عبر تركيا أو إلى غيرها من البلدان بحكم موقعها الجغرافي. وبالتالي وبكون مناطق النظام والإدارة الذاتية لا تقبل التعامل بالليرة التركية، فإنه يتوجب على التجار التعامل بالدولار الأمريكي والليرة السورية لتنفيذ هذه العمليات.

ولا يمكن إغفال أن هناك شريحة من السكان ضمن هذه المناطق تقدر بالآلاف لا تزال تتقاضى رواتبها من نظام الأسد ومن الإدارة الذاتية، من المتقاعدين والقائمين على رأس عملهم، وهذه الشريحة ستتأثر حتماً جراء تحويل التعامل بالليرة التركية بسبب تقليصها لقدرتهم الشرائية، لذا من المتوقع أن تُظهر رد فعل سلبي اتجاه هذه الخطوة وعدم تقبُل لها([10]). ورغم الانخفاض الكبير بقيمة هذه الرواتب مع التدهور المضطرد في قيمة الليرة السورية، إلا أنها تشكل مصدر الدخل الأساسي للعديد منهم.

من ناحية أخرى، يلعب موضوع تحديد الأجور بالليرة التركية مقوماً حاسماً لقبول هذه الخطوة من قبل المواطنين، إذا ما استثنينا الموظفين الذين يقبضون أجورهم من الجانب التركي([11]). فمع غياب جهة قادرة على فرض منح أجور العاملين بالليرة التركية، وترك هذا الأمر خاضعاً لمصالح أرباب العمل وتقديراتهم، سيشكل ذلك حتماً مشكلة كبيرة لدى العمالة ضمن هذه المناطق([12]). وبالتالي فإن هذا الإجراء قد يحتاج لفترة زمنية لتطبيقه وإلى ضرورة وجود جهة قادرة على ضبط وتنظيم الأجور ضمن سوق العمل.

 مآل الليرة السورية في الشمال (الاضمحلال التدريجي)

انخفض الطلب على الليرة السورية بشكل كبير في مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية، بسبب فقدان فاعليتها للقيام بوظائفها الأساسية كعملة نقدية، مما فتح الباب واسعاً للقوى الاقتصادية والمالية في هذه المناطق التي تمتلك أغلب الموارد أن تقوم بتنفيذ أنشطتها وعملياتها التجارية والاستثمارية بالقطع الأجنبي. ولم تعد تمثل الليرة السورية بالنسبة لهم إلا مجرد وسيط مرحلي يسعون مباشرة للتخلص منه وتبديله بعملات أخرى. ومن المتوقع أن تداول الليرة التركية في جزءه الأكبر سيكون مرتبط بالتعاملات اليومية ذات القيم المالية الصغيرة الحجم، والتي تعتمد عليها النسبة الأكبر من سكان هذه المناطق الذين يصنفون ضمن فئة صغار الكسبة والعاملين بأجر وعمال المياومة. في حين سيستمر التعامل بالدولار الأمريكي للصفقات التجارية والمعاملات ذات القيم المالية الكبيرة الحجم.

 لكن من جانب آخر يحاجج البعض بأن هذه المناطق لا تزال تحوي كتلة نقدية لا يستهان بها من الليرة السورية([13])، وبالتالي فإن القدرة على التخلص من هذه الكتلة من دون إلحاق خسائر كبيرة بحامليها يعد من الأهمية بمكان، ويتطلب وجود خطوات واضحة للقيام بذلك من قبل الفواعل الرئيسية في هذه المناطق. وألا تتحول هذه العملية إلى وسيلة للتكسب من قبل البعض من خلال المضاربة. وقد لوحظ أنه ومع إقبال المواطنين على تحويل ما بجعبتهم من الليرة السورية إلى الليرة التركية ضمن مكاتب الصرافة المنتشرة في هذه المناطق، والتي تقلدت هذا الدور بحكم الوضع الراهن، وقيام العديد منها بعدم التقيد بسعر صرف موحد فيما بينها، وفرض أسعار صرف لما تراه مناسباً لها، وذلك في ظل عدم وجود جهة رقابية قادرة على ضبط هذه العملية، وضمان عدم استغلال حاجة الناس لتصريف ما لديهم من الليرة السوية خوفاً من تدهورها بشكل أكبر وعدم قبول التعامل بها ضمن هذه المناطق. الأمر الذي قد يخلق العديد من التبعات السلبية على مستوى قبول الليرة التركية من قبل المواطنين ذوي المدخرات المحدودة([14])، وعلى مصير الكتلة النقدية من الليرة السورية الموجودة لدى الأهالي.

ووفقاً لبعض التقديرات، إنه وعلى الرغم من بدء التداول الرسمي للعملة التركية في هذه المناطق، فإن من المتوقع بقاء الليرة السورية متوفرة في مناطق الشمال إلى حين من الزمن. لكن مع الانتقال التدريجي إلى التعامل بالليرة التركية، سيخف الطلب عليها وبالتالي ستتقلص الكتلة النقدية من الليرة السورية في هذه المناطق بحكم الأمر الواقع([15])، مع بقاء كميات منها لدى التجار لتنفيذ الصفقات التجارية مع مناطق النظام. ومع الانتقال التدريجي لاستخدام الليرة التركية بشكل أوسع، ستتراجع قيمة الليرة السورية بشكل أكبر مع انخفاض الطلب عليها وعدم قبولها كوسيط للتبادل داخل هذه المناطق.

وقد تكون هناك محاولات من النظام عبر شبكاته في هذه المناطق لضخ كميات كبيرة من الليرة السورية بهدف استبدالها بالدولار والليرة التركية([16])، إلا أن هذه المحاولات لا يتوقع نجاحها مثل ما حدث خلال الأعوام الماضية، وذلك بسبب تشكل وعي متزايد لدى المواطنين وتنَّبُه نسبة جيدة منهم للسياسة الخفية التي كان يتبعها نظام الأسد عبر وكلائه لاستنزاف مدخراتهم، وبالتالي ضرورة الحفاظ عليها وضمان استقرارهم المعيشي. مع ضرورة التنبه أيضاً إلى الخطوات التي يمكن أن يقوم بها النظام مستقبلاً في هذا الصدد، مثل منع تمرير بعض فئات هذه الكتلة النقدية لمناطقه، والعمل على مراكمتها داخل مناطق الشمال السوري، وبالتالي إلحاق خسائر أكبر باقتصاد هذه المنطقة مع استمرار فقدان هذه العملة لقيمتها.

وهنا تترتب مسؤولية اجتماعية على الجهات الفاعلة في هذه المناطق بتكثيف الحملات التوعوية للمواطنين لتبيان مخاطر التعامل بالليرة السورية في هذه المرحلة، وضرورة الإسراع باستبدال الليرة السورية بعملة أخرى للحفاظ على مدخراتهم. إلى جانب ذلك فإن المسؤولية الاجتماعية والوازع الأخلاقي والديني للتجار في هذه المناطق من الأهمية بمكان في الحد من تدهور الاستقرار الاقتصادي في هذه المناطق، من خلال مساهمتهم في التخلص من الكتلة النقدية من الليرة السورية عبر تمريرها إلى مناطق النظام من خلال الصفقات التجارية المنفذة، وعدم تنفيذ صفقات الاستيراد من مناطق النظام والإدارة الذاتية بالدولار الأمريكي. والابتعاد عن عمليات المضاربة ورفع أسعار السلع داخل أسواق هذه المناطق، وألا يكونوا عامل معرقل لنجاح هذه الخطوة.

إلى جانب ذلك، فهناك مسؤولية أمنية واقتصادية تترتب على قادة الفصائل العسكرية في هذه المناطق بالمساهمة بعملية التصدي لتهريب القطع الأجنبي، والتصدي لعمليات احتكار دخول وخروج السلع عبر المعابر الحدودية مع النظام والإدارة الذاتية([17])، والعمل على تفكيك الشبكات التابعة للنظام والإدارة الذاتية ضمن مناطقها للحؤول دون تسرب القطع الأجنبي من خلال هذه الشبكات.

نظراً لأهمية التوصل إلى حلول مستدامة لوقف عملية تدوير الليرة السورية بين هذه المناطق وكل من مناطق النظام والإدارة الذاتية، لا بد من السعي الجاد والحثيث للبحث عن أسواق خارجية لتصدير المنتجات والمحاصيل الزراعية، وتقليل كمية المستوردات من السلع والمواد من هذه المناطق إلى حدها الأدنى. بحيث يمكن فك التشابك التجاري والاقتصادي بين هذه المناطق، والمساعدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب. حيث يلاحظ وجود خطوات من الجانب التركي في هذا الصدد، وإن لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، لتسهيل عمليات استيراد هذه المحاصيل إلى داخل تركيا([18])-([19])، إلى جانب وجود مساعٍ لدى الحكومة السورية المؤقتة في هذا الجانب وفقاً لإمكانيتها المتاحة للوصول إلى أسواق خارج تركيا. كذلك تبذل المجالس المحلية عبر مكاتبها الزراعية والتجارية جهوداً حثيثة لتمكين المزارعين من تسويق منتجاتهم تجاه الجانب التركي بشكل منظم، وبما يضمن تحقيق قيمة عادلة لهذه المنتجات([20]).   

خاتمة

إن إقدام الفواعل الرئيسية في مناطق الشمال السوري ممثلة بكل من الحكومة السورية المؤقتة، و "حكومة الإنقاذ"، والمجالس المحلية باعتماد هذا الحل كوسيلة لتفادي التبعات السلبية المرتبطة بتدهور الليرة السورية، وسعيها للحفاظ على المصلحة العامة لسكان هذه المناطق بالحفاظ على مدخراتهم وضمان استقرارهم المعيشي، هو من الأهمية بمكان في هذه المرحلة الاقتصادية الحرجة. إلى جانب ذلك، فإن تمكن هؤلاء الفواعل من تحقيق الاستقرار النقدي بحده الأدنى يعد أحد أهم أركان البيئة الجاذبة للاستثمارات سواء أكانت محلية أم أجنبية، وهذه الاستثمارات تمثل المحرك الأساسي لعجلة النشاط الاقتصادي في هذه المناطق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي المطلوب.

 لكن لا بد لهذه الجهات من العمل على تدارك فقدان المقومات الأساسية لنجاح هذا المسعى، والسعي الجاد لتنظيم وحوكمة النشاط الاقتصادي ضمن هذه المناطق، بما يضمن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لسكانها. إلى جانب القيام بمبادرات أخرى بهدف حماية مدخرات المواطنين مثل العمل على طرح مشاريع استثمارية في قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة بما يتلاءم والواقع الحالي، بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية وتحت إشراف الجهات المختصة بهدف تنشيط الاستثمار في هذه المناطق، بحيث يتم الاعتماد بشكل رئيسي على توظيف رؤوس الأموال المحلية في هذه المشاريع، مما ينعكس إيجاباً على المواطنين بتنمية مدخراتهم وعلى التنمية الاقتصادية المستدامة في هذه المناطق، من خلال التوسع في خلق فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المنتجات والخدمات. 


([1]) تقدر مساحة هذه المناطق بنحو 12000 كم2، ويقطنها ما يقارب خمسة ونصف مليون نسمة، وتمثل أجزاء من محافظات حلب، إدلب، الحسكة، والرقة.

([2]) محمد كساح، الليرة التركية تنتشر في اعزاز.. من الذي بدأ الضخ؟، موقع اقتصاد، 10-06-2020:  https://cutt.ly/DiF8Ajs

([3]) في عام 2017 أقدمت شخصيات مقربة من هيئة تحرير الشام على تأسيس ما يسمى "المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك"، بهدف تنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات. وقد أتت هذه الخطوة وفقاً لبيان الهيئة بناءً على مطالبة العاملين في سوق النقد بوضع سياسة لإدارة النقد في إدلب، ولكن المتتبع لتحركات الهيئة للسيطرة على الموارد الاقتصادية في المحافظة، يدرك تماماً أن هذه الخطوة تصب في إطار هذه التحركات للسيطرة على إدارة سوق الحوالات والتحكم بحركة الأموال والتحكّم بمكاتب الصرافة، بعيداً عن مقتضيات المصلحة العامة.

انظر في ذلك: "تحرير الشام" تؤسّس “إدارة نقد” لمراقبة سوق الصرافة، جريدة عنب بلدي، 13-05-2017: https://cutt.ly/RiF8bkc ، بين التبعية والمشروع المُقلّد ... "مؤسسة النقد" تُهيمن على "الصرّافة" بإدلب، شبكة شام، 16-06-2020: https://cutt.ly/GiF8aCj  

([4]) رامي إبراهيم، ارتفاع أسعار الخبز تزيد صعوبة الحياة في الشمال السوري، جريدة زيتون، 05-06-2020: https://cutt.ly/6iF8Mqn

([5]) خالد محمد، مسؤول في "صاغة أعزاز" لـ "اقتصاد": اعتماد "التركية" في التسعير خطوة أولى، موقع اقتصاد، 03-12-2019: https://cutt.ly/UiF4weZ

([6]) تيم الحاج، بين الحاجة للتطبيق ومعوقات التنفيذ: إنهاء محفوف بالمخاطر للتعامل بالعملة السورية في الشمال، جريدة عنب بلدي، 14-06-2020: https://cutt.ly/uiF4a0N

([7]) يرى العديد من التجار أن هذه الخطوة ضرورية جداً، في ظل تدهور أسعار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، واعتمادهم بشكل كامل على الاستيراد من تركيا، وفي ضوء ذلك فإن استقرار أعمالهم يعتمد على تداول الليرة التركية التي يمكن أن تسهم إلى حد كبير في تثبيت أسعار المواد في هذه المناطق.

([8]) محمد السلوم، دعوات تداول الليرة التركية بدلاً من السورية ليست في مصلحة محدودي الدخل، مجلة الغربال، 28-07-2015: https://cutt.ly/biXoKW7

([9]) بلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي في بداية عام 2014 (2.15) في حين بلغ سعر الصرف نهاية شهر يونيو/حزيران لعام 2020 (6.85).

([10]) احتجاجات في منطقة تل أبيض بعد تحديد سعر الخبز بالليرة التركية، جريدة عنب بلدي، 22-06-2020:  https://cutt.ly/MiF4nGl

([11]) وفقاً لبعض التقديرات فإن عدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الجانب التركي في ريفي حلب الشمالي والشرقي يتجاوز 75 ألف موظف، وهي تشكل نسبة بسيطة مقارنة بعدد السكان في هذه المناطق. وتقدر الكتلة النقدية من الليرة التركية المدفوعة من الجانب التركي كرواتب ومصاريف بنحو 70 مليون شهرياً للعاملين في المجالس المحلية والمؤسسات الخدمية المدنية والجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي.

([12]) محمد كساح، ما هو الحل لحفظ حقوق عمال إدلب الذين يعيشون على أقل من (1 دولار) يومياً؟، موقع اقتصاد، 20-06-2020:  https://cutt.ly/CiF4XTm

([13]) لا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم هذه الكتلة النقدية، وقد ذكر وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة أن حجم الكتلة النقدية في مناطق الشمال السوري تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار أمريكي. أنظر في ذلك: ضرورة استبدال العملة في الشمال السوري والصعوبات المُترتِّبة على ذلك، موقع نداء سورية، 20-05-2020: https://cutt.ly/niF46Qj

([14]) محمد كساح، إدلب تشكو: لا سعر موحد لبيع الليرة التركية، موقع اقتصاد، 17-06-2020:  https://cutt.ly/YiF7sbn

([15]) صرّافون في شمال حلب: الطلب على الليرة السورية محدود للغاية، موقع اقتصاد، 25-06-2020: https://cutt.ly/7iHcO6C  

([16])  الشمال السوري: استبدال الليرة السورية بالتركية، جريدة المدن، 04-12-2019:  https://cutt.ly/siF7Wbw

([17])  أحمد زكريا، المعابر الداخلية في شمالي سوريا.. مهمة جداً، لكن تعكرها التجاوزات، موقع اقتصاد، 21-03-2020:  https://cutt.ly/7iGYo1W

([18])  من ريف حلب إلى تركيا.... محاصيل الشمال تسوّق بالليرة التركية، جريدة عنب بلدي، 31-03-2019:  https://cutt.ly/QiF7Spf

([19]) بعد القمح.. بيع العدس إلى تركيا من ريف حلب، جريدة عنب بلدي، 11-06-2020:  https://cutt.ly/WiF7C3j

([20]) شروط تسويق محصول "العدس" من ريف حلب إلى تركيا، جريدة عنب بلدي، 25-03-2019:  https://cutt.ly/JiF74rV

مُلخصٌ تنفيذيّ

  • في إطار تحولاتها التنظيمية، وضمن محاولات التكيّف مع الواقع الذي فرضه اتفاق موسكو في إدلب؛ تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى إعادة تموضعها وفرض نفسها كلاعب رئيسي مجدداً، عبر استثمار وتوظيف عدة ملفات، وعلى رأسها ملف الجهاديين، خاصة الأجانب، في محاولة لإعادة تشكيل الفضاء الجهادي بشكل يخدم مصالحها.
  • ساهمت سياسات الهيئة خلال الأعوام الفائتة، وتحديداً التي تلت انفكاك الجولاني عن "القاعدة"، بتنفير عدد من الجهادين في صفوفها، ما أدى إلى انزياحات متوالية وتسرب بعض القيادات والجماعات، خاصة مع استشعارهم طبيعة التفاهمات الدولية التي تضعهم على أولوياتها، إضافة إلى توجسهم من سلوك الهيئة في سياق تلك التفاهمات.
  • بقدر ما يبدو تجمع "فاثبتوا" مقلقاً للهيئة؛ إلا أنه ووفق حركيّتها يشكل فرصة للاستثمار، إذ بوجوده يقع التمايز بين مجموعات متطرفة وأكثر تطرفاً، وبين جهادي عابر للحدود وآخر محلي، كما أن خروج تلك الكتلة بما فيها من أجانب يخفف عن الهيئة عبئاً كبيراً في إطار محاولات تعويم نفسها كفصيل محلي.
  • لا يبدو أن "تحرير الشام" تخشى تلك الفصائل منفردة، بقدر ما تخشى تجمعها وتشكيلها لبديل أو مأوى جديد للجماعات الجهادية، خاصة الأجانب منهم، وتحديداً ضمن الفضاء الجهادي الذي يسعى الجولاني لاحتكاره، والظرف الحالي الذي تستعد فيه الهيئة لإحداث تحولات حادة على مستوى السلوك والتنظيم.
  • مع ظهور تجمع "فاثبتوا" مقابل صدور بيان المهاجرين المؤيد للهيئة، يعيد الجولاني تشكيل الفضاء الجهادي أو ما تبقى منه في سورية، عبر تقسيمه وكتلة الأجانب ضمنه إلى طرفين؛ تختلف طبيعة علاقة الهيئة مع كل منهما، كما تختلف الأدوات.
  • يبدو أن توتر العلاقة بين "تحرير الشام" ومكونات غرفة "فاثبتوا" قد تتجاوز الاعتقالات إلى الضلوع والتورط بعمليات اغتيالات ضمن صفوف تلك المجموعات، وفقاً لاتهامات بعض الأطراف الجهادية، والتي تستند إلى عدة مؤشرات.
  • لا يقتصر سعي الهيئة على احتكار الفضاء الجهادي فقط، إذ تقوم بالتوازي مع تحركاتها في الجانب العسكري والأمني، بمحاولات احتكار الملفين الإداري والاقتصادي أيضاً، عبر فرض حكومة الإنقاذ كطرف متحكّم ومنع تشكيل أي تجمعات تنافسه أو تستثنيه.
  • بالرغم مما يوحي به استثمار الهيئة في المستويات (الجهادي، الإداري، الأمني، الاقتصادي)، من قوة وقدرة على إدارة وضبط عدة ملفات ومرونة في التعاطي مع الظرف السياسي القائم وتوظيفه لصالحها؛ إلا أنه وبالوقت ذاته يعكس في عمقه حالة من التخبط والضعف.
  • يبدو أن "تحرير الشام" تراهن في المدى القريب؛ على كسب الوقت والتراجع درجة أو أكثر على سلم أولويات المجتمع الدولي لصالح صعود الجماعات الجهادية في الطرف الآخر، وفرض نفسها كجزء من التفاهمات في المنطقة، وتجنب معركة استئصال شاملة. ليبقى السؤال الأهم، على ماذا تراهن الهيئة والجولاني في المدى البعيد؟

مدخل

في إطار تحولاتها التنظيمية التي بدأتها منذ العام 2014، وضمن محاولات التكيّف مع الواقع الحالي الذي فرضه اتفاق موسكو بين روسيا وتركيا في إدلب 5 آذار/مارس 2020؛ تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى إعادة تموضعها وفرض نفسها كلاعب رئيسي مجدداً بعد أن تقلصت أدوارها تدريجياً مع انحسار الجغرافيا إثر العمليات العسكرية الأخيرة للنظام وحلفائه، وما قابلها من دخول أعداد كبيرة للجيش التركي وفصائل المعارضة المدعومة منه إلى إدلب، لتزاحم الهيئة على نفوذها.

 وضمن هذا الواقع تسعى الهيئة بقيادة الجولاني إلى استثمار وتوظيف عدة ملفات، على رأسها ملف الجهاديين، وخاصة الأجانب، في محاولة لإعادة تشكيل الفضاء الجهادي بشكل يخدم مصالحها، إذ تدرك "هيئة تحرير الشام" أن ملف الجهاديين الأجانب من أعقد الملفات الأمنية وأكثرها حساسية، نتيجة تقاطع المصالح الدولية والإقليمية على رفض وجودهم، وكذلك رفض دولهم استقبالهم لما يمثلوه من خطر عابر للحدود.

 ولم تكن سياسات الهيئة خلال الأعوام الفائتة مُرضية للكثير من الجهادين في صفوفها، سواء السوريين أو الأجانب، حيث ساهمت تلك السياسات والتحولات التنظيمية، خاصة التي تلت انفكاك الجولاني عن "تنظيم القاعدة"، بتنفير عدد كبير من الجهاديين الأكثر تشدداً، والذين اتهموا الجولاني بـ"التفريط والتماهي مع التفاهمات الدولية والإقليمية في المنطقة والتفرد بالقرار"، ما أدى إلى انزياحات متوالية داخل بنيتها وتسرب بعض القيادات والجماعات والخروج من عباءة الهيئة كأفراد وتنظيمات، خاصة تلك التي لاتزال ترتبط بتنظيم القاعدة وتعتبره مرجعيتها الجهادية، كتنظيم "حراس الدين".

ولم تكتفي تلك القيادات والتنظيمات بالخروج عن الهيئة والعمل بشكل منفرد، خاصة مع استشعارهم طبيعة التفاهمات الدولية والإقليمية التي تضعهم على أولوياتها، إضافة إلى توجسهم من سياسات الهيئة في سياق تلك التفاهمات، والتي وإن لم تكن خطراً مباشراً حالياً؛ إلا أنها قد تصبح كذلك بعد حين. وفي هذا الإطار اتجهت تلك التنظيمات لإعادة تجميع نفسها في غرفة عمليات جديدة تحت مسمى "فاثبتوا"، وذلك في محاولة لمواجهة انعدام الخيارات وتحسباً لسياسات الهيئة المستقبلية. وضمت تلك الغرفة، بحسب البيان الصادر عنها بتاريخ 12حزيران/يونيو، خمسة فصائل، هي: (تنسيقية الجهاد، لواء المقاتلين الأنصار، جماعة أنصار الدين، جماعة أنصار الإسلام، تنظيم حراس الدين). مشيراً إلى أنّ التشكيل الجديد جاء "دفعاً لصيال المعتدين، وكسراً لمؤامرات المحتلين".

ويتزعم فصيل "تنسيقية الجهاد" القيادي السابق في "هيئة تحرير الشام" أبو العبد أشداء. بينما يتزعم فصيل "لواء المقاتلين الأنصار"، جمال زينية، الملقب بأبو مالك التليّ، والذي أعلن انشقاقه عن الهيئة في إبريل/نيسان الماضي، وظلّ التلي لسنوات أمير "جبهة النصرة" في القلمون الغربي وعضواً في مجلس شورى الهيئة. في حين يتزعم أبو عبد الله الشامي جماعة "أنصار الدين" التي كانت هي الأخرى أعلنت مطلع عام 2018 انفصالها عن "هيئة تحرير الشام" بعد أن كانت أهم الفصائل المنضوية تحتها. بالمقابل يتزعم تنظيم "حراس الدين" سمير حجازي، المعروف بأبو همام الشامي، التنظيم الذي بدأت نواته بانشقاق عدد من المجموعات إثر إعلان "الهيئة" فكّ ارتباطها بـ "تنظيم القاعدة"، ليظهر إلى العلن في أواخر شباط/فبراير عام 2018 وينضم إليه لاحقاً عدة مجموعات متشددة ([1]). وقد انضوى تنظيم "حراس الدين" إضافة إلى باقي التنظيمات والجماعات السابقة في غرفة عمليات "فاثبتوا" التي ضمت عدداً كبيراً من المقاتلين والقياديين المهاجرين إلى جانب الكتلة الأكبر من السوريين، وينتشر مقاتلو التشكيل الجديد في أرياف اللاذقية وإدلب وحماة وحلب.

وبظهور غرفة العمليات الجديدة إلى العلن، وما استتبعتهُ من ردات فعل لـ "هيئة تحرير الشام"؛ تُطرح أسئلة عديدة حول مستقبل التنظيمات الجهادية خارج إطار "تحرير الشام" وأثرها على تموضع الهيئة، مقابل أثر الأخيرة على واقع تلك التنظيمات ومستقبلها. وعليه تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية في موقع "هيئة تحرير الشام" ضمن الفضاء الجهادي في سورية، وطبيعة علاقاتها مع تياراته المختلفة، خاصة الجهاديين الأجانب، وكيفية تعاطيها وإدارتها لهذا الملف وسط المتغيرات التي يشهدها الواقع السوري عموماً والتفاهمات الإقليمية والدولية التي تحكم الشمال بشكل خاص، وذلك لفهم وتحليل سلوك الهيئة في ظل تلك التفاهمات، إضافة إلى استشراف تصوراتها والرهانات المستقبلية لزعيمها.

هيئة تحرير الشام (إدارة الفضاء الجهادي)

بالرغم من أن غرفة عمليات "فاثبتوا" ضمن تركيبتها الحالية وما تضم من فصائل ومجموعات لا تبدو مهدداً حقيقياً لـ"هيئة تحرير الشام" على المستوى العسكري، وغير قادرة على تغيير المعادلة الميدانية لصالحها في الشمال الغربي من سورية؛ إلا أنها وبالوقت نفسه قد تُشكّل منافساً للهيئة خاصة ضمن الفضاء الجهادي الذي يسعى الجولاني لاحتكاره وتقديم نفسه كضابط وحيد لهُ، إذ لا يبدو أن "تحرير الشام" تخشى تلك الفصائل منفردة، بقدر ما تخشى تجمعها وتشكيلها لبديل أو مأوى جديد للجماعات الجهادية، خاصة الأجانب منهم، وتحديداً ضمن الظرف الحالي والمستقبلي الذي تستعد فيه الهيئة لإحداث تحولات حادة على مستوى السلوك والتنظيم، يُتوقع أن يحدث خلالها انزياحات جديدة ضمن بنيتها، تلك التي قد يساهم وجود أي تجمُع بديل بتشجيعها.

لذلك، يبدو أن الهيئة وبقدر ما تتجنب صداماً شاملاً مع تلك الفصائل؛ إلا أنها تحرص على إحباط أي محاولة لتجمعها، أو على الأقل المحافظة عليه بشكله الحالي دون توسع، والسعي إلى عزله واستثمار وجوده لصالحها، خاصة ضمن المناخ السياسي الذي يمر به الملف السوري والظروف الخاصة التي يعيشها الشمال. فبقدر ما يبدو تجمع "فاثبتوا" مقلقاً للهيئة؛ إلا أنه ووفق حركيّتها قد يشكل فرصة مهمة للاستثمار، إذ بوجوده يقع التمايز بين مجموعات متطرفة وأكثر تطرفاً، وبين جهادي عابر للحدود وآخر "محلي"، كما أن خروج تلك الكتلة من الأجانب والسوريين يخفف عن الهيئة عبئاً كبيراً في إطار محاولات تعويم نفسها كفصيل محلي دون ارتباطات عابرة للحدود. بل ويعطيها الفرصة لإثبات جدية تلك التحولات عبر التصدي لهم وضبطهم بما يتوافق مع سعيها لتقديم نفسها كضابط أمن المنطقة.

ولم يمضي أسبوع على إعلان تشكيل غرفة عمليات "فاثبتوا"، حتى جاء رد الهيئة بشكل غير مباشر ولافت، إذ لم يأتِ الرد عبر زعيم الهيئة أو مجلس شوراها، وإنما عبر مجموعات الأجانب التي تدور في فلك "تحرير الشام"، والتي أصدرت بتاريخ 18 حزيران/ يونيو، بياناً تحت عنوان "شكر وتأييد" أعلنوا خلاله: "دعمهم لـلهيئة وسياستها في المنطقة، مؤكدين "أنهم مع ما يقررونه السوريون من طريقة لسياسة البلد"، ومطالبين بـ "لزوم الجماعة، ونبذ الفرقة، ورص الصفوف لصد العدو"([2]). بشكل يشير إلى رفض غرفة العمليات الجديدة والانحياز إلى صف الهيئة في أي تطورات لاحقة.

ولعل تعمُّد الهيئة تصدير البيان باسم المهاجرين لم يكن اعتباطياً، وإنما جاء من ناحية في إطار الرد على مجموعات الأجانب بالجهة الأخرى ضمن إطار احتكار ورقة الجهاد والحفاظ بالحد الأدنى على "الشرعية الجهادية". ومن ناحية أخرى، يبدو أن الهيئة تلوّح عبر هذا البيان بورقة السيطرة والقدرة على ضبط الجهاد العابر للحدود وتحركات المجموعات الأجنبية ضمن صفوفها، والتي أكدت أنها "تخضع للقرار السوري ضمن الهيئة". ولكن من يتتبع الأفراد والمجموعات الموقعة على البيان، سيجد أنها تنقسم إلى قسمين؛ إما مجموعات ذات فاعلية محدودة، أو أُخرى ذات ثقل وفاعلية أوسع لكنها مضبوطة من قبل قوى إقليمية ضمن سياسات الهيئة، كالحزب الإسلامي التركستاني، والذي أكد الجولاني خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية" أنه "يلتزم بسياسات الهيئة"، فبحسب الجولاني، "لم يشكل الحزب أبداً تهديداً للعالم الخارجي، وهو ملتزم فقط بالدفاع عن إدلب ضد هجوم النظام، معتبراً أن "مقاتلي الحزب ليس لديهم أي مكان آخر يذهبون إليه، لذلك هم مرحب بهم هنا طالما أنهم يلتزمون بقواعدنا، وهو ما يفعلونه" ([3]).

ومع ظهور تجمع "فاثبتوا" مقابل صدور بيان المهاجرين المؤيد للهيئة، يعيد الجولاني تشكيل الفضاء الجهادي أو ما تبقى منه في سورية، عبر تقسيمه وكتلة الأجانب ضمنه إلى طرفين؛ تختلف طبيعة علاقة الهيئة مع كل منهما كما تختلف الأدوات. فالأول: يتمثل بغرفة عمليات "فاثبتوا" والتي باتت تحوي إضافة إلى السوريين مجموعات جهاديين أجانب تجمعهم عدة قواسم مشتركة، ويطغى على بعضهم الارتباط التنظيمي بالقاعدة "كحراس الدين"، وعلى بعضهم الآخر نفس القاعدة، إضافة إلى كونهم معارضين لسياسات الهيئة وأدائها الإداري والعسكري والأمني، ناهيك عن رفضهم اتفاقات "سوتشي" و"أستانا" وما تبعهما من تفاهمات روسية-تركية في المنطقة. وتعد طبيعة العلاقة بينها وبين "تحرير الشام" علاقة قلقة وحذرة ومتوترة، خاصة مع تنظيم "حراس الدين"، الذي يمثّل الثقل الحقيقي ضمن هذا التجمع، والذي اصطدم مع الهيئة سابقاً في اشتباكات متقطعة ([4]).

ولم تكتفي الهيئة بالبيانات للرد على تشكيل الغرفة الجديدة، ففي يوم صدور بيان المهاجرين المؤيد للهيئة قامت أمنيتها باعتقال سراج الدين مختاروف، المعروف بـأبو صلاح الأوزبكي، والذي ينضوي تحت "جماعة أنصار الدين" المنضوية تحت تجمع "فاثبتوا"، والمطلوب للانتربول الدولي ويعتبر العقل المدبّر لهجوم مترو "سان بطرسبرغ" في روسيا بتاريخ 3 من نيسان/أبريل 2017، ليتلوه بأربعة أيام 22 حزيران/يونيو اعتقال أبو مالك التليّ، والذي بررت الهيئة اعتقاله بـ"إثارة البلبلة والتشجيع على التمرد ومحاولات شق الصف وتمزيق الممزق"، عبر تشكيله لفصيل جديد وانضمامه لغرفة عمليات "فاثبتوا"([5]). وبعد احتجاز التليّ بيوم واحد، قامت الهيئة أيضاً باعتقال توقير شريف، المعروف بأبو حسام البريطاني، والمشرف على كثير من الأنشطة الإغاثية في مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي ([6]).

وربما اللافت أكثر، أن تلك الاعتقالات سبقها بأيام اغتيال قياديين في فصيل "حراس الدين"، وهما أبو القسام الأردني، وبلال الصنعاني، عبر قصف جوي استهدف سيارتهما 14حزيران/يونيو من قبل طائرة مسيرة يرجح أنها أمريكية ([7])، العملية التي جاءت بعد يومين فقط من إعلان تشكيل فرغة عمليات "فاثبتوا" والتي انضوى ضمنها الأردني والصنعاني.

وعلى الرغم من نعيهما من قبل عضو مجلس شورى "تحرير الشام"، المصري يحيى بن طاهر الفرغلي (أبو الفتح) بشكل منفرد وليس رسمي باسم الهيئة ([8])؛ إلا أن تزامن الاعتقالات على الأرض والقصف من السماء أثار تساؤلات وإشارات استفهام عدة حول التناغم الغريب بين تحركات التحالف الدولي في السماء والاعتقالات التي نفذتها الهيئة على الأرض!، خاصة وأن استهداف التحالف تكرر وسط الاعتقالات التي تشنها الهيئة، ليعود وينفذ في 24 حزيران/يونيو غارة جوية استهدفت سيارة مسؤول الآليات في تنظيم "حراس الدين" أبو عدنان الحمصي، في ريف إدلب الشرقي، ما أدى إلى مقتله([9]).

ويبدو أن توتر العلاقة بين الهيئة ومكونات هذا التشكيل قد تتجاوز الاعتقالات إلى الضلوع والتورط بعمليات اغتيالات ضمن صفوف تلك المجموعات، وفقاً لاتهامات بعض الأطراف الجهادية، والتي تستند إلى مؤشرات غير مباشرة، على رأسها أن أغلب عمليات الاغتيال التي ينفذها التحالف الدولي ضد قيادات تلك المجموعات تتم في مناطق سيطرة الهيئة الأمنية، كالاغتيال الأخير لقادة "حراس الدين" في مدينة إدلب، إضافة إلى استثناء قصف التحالف والولايات المتحدة لمقرات وقيادات الهيئة والتركيز على "الحراس" بالرغم من تصنيف الجهتين كمنضمات إرهابية، بل وتراجع حدة التصريحات الأمريكية التي تدين الهيئة خلال الأشهر الفائتة، خاصة بعد التصريح اللافت للمبعوث الخاص بواشنطن إلى سورية، جيمس جيفري، في تاريخ 5 شباط/فبراير 2020، والذي أوضح خلاله أن "الهيئة ركزت على محاربة نظام الأسد، كما أعلنت عن نفسها، -ولم نقبل بهذا الادعاء بعد -، بأنها تمثل مجموعة معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، كما أننا لم نشهد لهم مثلاً أي تهديدات على المستوى الدولي منذ زمن"([10]) .

إضافة إلى تلك المؤشرات، مثّل الظهور العلني والمتكرر للجولاني في الشمال مجالاً للتساؤل حول الحسابات الأمنية لهذا الظهور، تحديداً في الوقت الذي تتحرك فيه قيادات تلك المجموعات بشكل سري وحذر. كما اتهم بيان من قبل غرفة عمليات "فاثبتوا" الهيئة بتزامن اعتقال قياداتها مع تطبيق بنود التفاهمات الدولية، ملمّحة إلى تنسيق بين الهيئة وقوى إقليمية ودولية ([11])، خاصة وأن الجولاني ألمح لعرض حول هذا التنسيق خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية"، مؤكداً "حرصه على عدم تحول سورية إلى نقطة انطلاق لعمليات خارج الحدود، وإلى ضبط الفصائل الجهادية التي تحمل هذا التوجه".

ويمكن القول؛ إن الهيئة وخلال سعيها لإحباط تجمع (فاثبتوا)؛ فإنها تنظر إليه كمجال استثمار لصالحها ومدخل للتنسيق الدولي والإقليمي، ومجالاً للتمايز وإثبات تحولاتها، وتعد العلاقة بين الطرفين قلقة ومتوترة ومرشحة للانفجار بشكل أكبر مستقبلاً، خاصة بعد الاستنفار الأمني ضمن غرفة عمليات "فاثبتوا" إثر اعتقال قياداتها، والذي تحول إلى اشتباكات متقطعة بين الهيئة وتنظيم "حراس الدين" غرب إدلب، ليتلوه مداهمة الهيئة لمقرات "جبهة أنصار الدين" بريف إدلب الشمالي، عقب اشتباكات بين الجهتين ([12])، والتي انتهت بإعلان اتفاقين متتالين للتهدئة وقع عليهما الطرفان ("فاثبتوا"، الهيئة)، واقتضى الأول وقف الاقتتال ورفع الحواجز والاحتكام لقضاء شرعي، بينما خُصصت تفاصيل الثاني لإيقاف الاقتتال في قرية "عرب سعيد"، واستطاعت الهيئة من خلاله فرض شروطها بأن "يحال بعض المدعى عليهم من قبل الهيئة إلى قضاء التركستان وأن يغلق مقر "حراس الدين" في "عرب سعيد" ويتعهدوا بعدم إقامة حواجز في القرية"([13]). وبالرغم من تلك التهدئة المؤقتة والمحدودة؛ إلا أن أسباب الصراع لاتزال قائمة ومرشحة للانفجار بأي لحظة.

أما بالنسبة للكتلة الثانية من الأجانب الموقعة على بيان الـ "شكر وتأييد"، والتي تدور إلى الآن في فلك "هيئة تحرير الشام" كفصائل ومجموعات من جنسيات مختلفة، فتعد العلاقة بينها وبين الهيئة حتى الآن علاقة احتواء ومصلحة تنظيمية متبادلة، ففي الوقت الذي تنظر فيه تلك المجموعات إلى الهيئة كحامل محلي وكغطاء جهادي عسكري في ظل فوضى الشمال، وتتقاطع مع سياساتها في الفترة الحالية وتخضع لتصوراتها؛ فإن الهيئة بالمقابل، ترى تلك المجموعات أيضاً مجال استثمار لصالحها، سواء لناحية توظيف قوتها ضمن معاركها، أو لناحية الاحتفاظ بها وضبطها والتلويح بها كورقة في إطار تصدير نفسها كضابط أمن للمنطقة وللجهاديين ضمنها. 

وما بين تلك الكتلتين للجهاديين الأجانب، يتفرق بعض المهاجرين كأفراد بين مجموعات عسكرية مختلفة لكن دون وزن أو عدد يذكر، كما أن البعض اعتزل القتال ولايزال داخل سورية يعيش حياة مدنية، مقابل العديد الذين غادروا الأراضي السورية بشكل غير شرعي أو قضوا خلال المعارك، لتبقى الكتلة الرئيسية من الجهاديين الأجانب على اختلاف جنسياتهم مقسومة بين الطرفين المذكورين سابقاً، واللذين يسعى الجولاني و"تحرير الشام" إلى استثمارهما بطرق وأدوات مختلفة،  في إطار سعي الهيئة لإدارة الفضاء الجهادي لصالحها ووفق تصوراتها وسياساتها العسكرية والأمنية والإدارية.

 فقد باتت "تحرير الشام" تفرض شروط ومحددات النادي الجهادي في الشمال الغربي من سورية، والتي لا تنطبق فقط على من هم ضمن صفوفها، وإنما تتعداها لمن يفكر بالخروج عنها، فقد أصدرت الهيئة بياناً إثر اعتقالها لأبو مالك التليّ، حددت خلاله شروط أمام القادة والعناصر الراغبين بالانشقاق عنها، والتي تمثلت بـ"عدم الانشقاق بشكل فوري قبل مراجعة "لجنة الإشراف والمتابعة العليا" حصراً، من أجل "إبراء الذمة"، كما حظرت على المنشقين "تشكيل تجمع أو فصيل مهما كانت الأسباب، أو الانتماء لأي تشكيل أو فصيل موجود في الساحة قبل مراجعة "لجنة الإشراف والمتابعة العليا". لافتة إلى أن "المخالف لتلك الشروط سيتعرض للمساءلة والمحاسبة" ([14]).

الجولاني والمستقبل (رهان التحولات)

بالرغم مما يوحي به استثمار "هيئة تحرير الشام" في الملفات (الجهادي، الإداري، الأمني، الاقتصادي) من قوة وقدرة على إدارة وضبط عدة ملفات ومرونة في التعاطي مع الظرف السياسي القائم وتوظيفه لصالحها؛ إلا أنه وبالوقت ذاته يعكس في عمقه حالة من التخبط والضعف، خاصة وأنه يأتي في سياق تحولات تنظيمية تكتيكية لا تمت بأي صلة للأيديولوجيا ومراجعاتها، وضمن سياق رهانات مستقبلية غير مضمونة النتائج. ففي الوقت الذي تحقق فيه الهيئة مكاسب شكليّة؛ إلا أنها وخلال تلك التحولات تفقد بعض أوراقها تدريجياً.

فعلى المستوى العسكري، انحسر نفوذ الهيئة بشكل كبير بعد العمليات الأخيرة التي قادها النظام وحلفائه على أرياف حلب وإدلب، كما أن خروج أفراد ومجموعات (أجانب/سوريين) متشددة وعابرة للحدود من صفوف الهيئة، وبقدر ما يمثل عاملاً مساهماً في تعويمها كقوى محلية؛ إلا أنه وبالوقت نفسه يعد ضعفاً على المستوى التنظيمي، خاصة مع تحول تلك المجموعات إلى عدو محتمل في الساحة. ناهيك عن الدخول التركي الذي زاحم الهيئة على مناطق نفوذها، إضافة إلى عبور مجموعات مختلفة من "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" إلى تلك المناطق.

أما على مستوى العلاقة مع المجتمع المحلي وما تعتبره الهيئة "حاضنة شعبية"، فتشهد منذ فترة طويلة تراجعاً حاداً يمكن قياسه بعدة مؤشرات، خاصة وأن تلك "الحاضنة" المفترضة كانت تعتمد في وجودها على عامل الأداء القتالي للهيئة ضد النظام والتعويل على أي قوى في الحماية من هجماته، الأداء الذي تشير المعارك الأخيرة إلى تراجعه بشكل لافت، خاصة وسط الحملة العسكرية التي سيطر خلالها النظام على الطرق الدولية (M4،M5) وما تخللها من انسحابات مفاجئة للهيئة، وما سبقها من معارك ريف حماة الشمالي.

 إضافة إلى أن عامل "حماية المدنيين" في الشمال، بات يرتبط بشكل مباشر بالوجود التركي على الأرض والفصائل المدعومة منه، وليس بالهيئة. ناهيك عن سلوك "تحرير الشام" في القمع والانتهاكات المتكررة بحق المدنيين، والتي ليس آخرها قمع الاعتصامات والمظاهرات والتعدي على الإعلاميين، إضافة إلى ملفات الاغتيالات والمعتقلين والمختفين قسرياً لديها والفساد المالي وغيرها العديد من الانتهاكات، والتي بات يعكسها المزاج الشعبي في إدلب من خلال المظاهرات والشعارات التي ترفع ضد الهيئة وزعيمها من قبل شرائح وفعاليات مختلفة ([15]). خاصة بعد توسع هيمنة الهيئة على مختلف قطاعات الحياة في الشمال السوري.

إذ لا يبدو سعي الهيئة مقتصراً فقط على احتكار الفضاء الجهادي، وإنما تقوم بالتوازي مع تحركاتها في الجانب العسكري والأمني، بمحاولات احتكار للملفين الإداري والاقتصادي أيضاً، عبر فرض حكومة الإنقاذ كطرف متحكّم ومنع تشكيل أي تجمعات تنافسه أو تستثنيه. وفي هذا الإطار منعت "هيئة تحرير الشام" تأسيس اتحاد عام للنقابات والاتحادات العامة في الشمال السوري، بعد مقاطعتها وإفشالها للاجتماع الذي دعت إليه أكثر من 12 نقابة في إدلب وحلب بتاريخ 22 حزيران/يونيو، من أجل تشكيل اتحاد يضم النقابات كافة في المنطقة. يترافق ذلك مع توسع الشبكات الاقتصادية للهيئة بطريقة معقدة، تبدأ من المعابر التجارية التي تسيطر عليها، وصولاً إلى نفوذ كبير في الشؤون المدنية والخدمية عبر حكومة الإنقاذ ([16]).

بالمقابل، تدرك الهيئة أن تراجع أولوية الجبهات العسكرية بالنسبة لها لصالح الضبط الأمني والسيطرة الإدارية والاقتصادية، سيكون له انعكاسه وأثره على المجتمع المحلي و"الحاضنة"، وفي هذا الإطار يبدو أنها تسعى إلى محاولات تعويض هذا النقص عبر الظهور المتكرر لزعيمها الجولاني خلال الأشهر الفائتة وتواصله مع الفعاليات المدنية والاجتماعية، والذي بدى أقرب لظهور مرشحي الانتخابات، إضافة إلى تصدير حكومة الإنقاذ كمسؤول مباشر عن إدارة المنطقة واقتصادها ([17]).

 وربما يكون هذا السلوك الإعلامي مفيداً على المدى القريب، لكنه وعلى المدى البعيد قد يعطي نتائج عكسية، إذ إن الهيئة كفصيل عسكري كانت مسؤولة عن الجبهات، وردات فعل المدنيين كانت مرتبطة بتلك الجبهات، بينما اليوم تحاول الهيئة ومن أمامها حكومة الإنقاذ تصدير نفسها كمسؤول عن كل شيء في إدلب، وذلك في ظل ظرف اقتصادي متردي وظروف أمنية متوترة، الأمر الذي سيجعلها مسؤولة عن كل الأخطاء التي تفوق الإمكانات، ما قد يشير مستقبلاً إلى زيادة حنق المدنيين في مناطق نفوذها.

ولا تبدو الهيئة خلال الفترة الحالية معنية بالمدنيين، إلا كورقة بيدها، بقدر ما تبدو معنية بالعبور والنجاة بالتنظيم من هذه المرحلة الحساسة واستثمار كل الوسائل في الحفاظ عليه وتمكينه وعزل المنافسين، عبر فرض نفسها كقوة أمر واقع. وبطبيعة الحال، فإن أي قوة أمر واقع لا تعتمد على شرعية داخلية حقيقية، بقدر ما تفرضها بقوة ذاتية (تغلُّب) أو بدعم وغطاء خارجي. وفي هذا الإطار تنظر "هيئة تحرير الشام" إلى الملفات (الإداري، الأمني، الاقتصادي) في إدلب كأوراق قوة على المستوى الداخلي، تفرضها كرقم يصعب تجاوزه على مستوى مستقبل حوكمة المنطقة، بينما تنظر إلى ملف الجهاديين، خاصة الأجانب، كأحد أهم المداخل للتنسيق الخارجي، ضمن محاولة لفرض نفسها عبر كل تلك الملفات كقوة أمر واقع ليس فقط على المنطقة ومدنييها، وإنما على الاتفاقات والتفاهمات الإقليمية والدولية التي ستحدد مستقبل المنطقة.

ومن خلال هذا السلوك، يمكن القول إن "هيئة تحرير الشام" تراهن في المدى القريب؛ على كسب الوقت والتراجع درجة أو أكثر على سلم أولويات المجتمع الدولي لصالح صعود الجماعات الجهادية في الطرف الآخر، وفرض نفسها كجزء من التفاهمات في المنطقة، وتجنب معركة استئصال شاملة عليها. ليبقى السؤال الأهم، على ماذا تراهن الهيئة والجولاني في المدى البعيد؟ وربما تصعب الإجابة على هذا السؤال حتى داخل صفوف الهيئة ومجلس شوراها، لكن يمكن استنتاج إجابة أوليّة من خلال سلوك الهيئة وزعيمها، والذي بدا أقرب إلى محاولة استنساخ نموذج "حركة طالبان" لناحية صراعها كقوة جهادية محليّة مع القاعدة كتنظيم عالمي، وانفتاحها على المفاوضات مع الولايات المتحدة، وفرض نفسها كطرف رئيس ضمن التسوية السياسية في أفغانستان.

وبالرغم من وجود قواسم مشتركة بين التجربتين في مخيال الهيئة، إلا أن خصوصية الواقع السوري وموقع سورية الأمني في المنطقة والإقليم وتعدد واختلاف اللاعبين الإقليميين والدوليين وكذلك البيئات؛ يفرض تناقضات أكبر بكثير من المشتركات بين التجربتين. كما أن انفتاح قوى إقليمية ودولية على الهيئة وفقاً لتقاطع مصالح مرحلي؛ لا يعني أبداً إمكانية تعويمها مستقبلاً، بقدر ما يشير إلى توظيف واستثمار لقيادة براغماتية تبدي مرونة عالية، مقابل استغلال الأخيرة للظرف القائم والهواجس الأمنية للاعبين الإقليميين والدوليين، وذلك ضمن معادلة تبادل مصالح قد تضمن للهيئة مكاسب في المدى القريب، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك على المدى البعيد.

 ختاماً، لا يمكن النظر إلى استثمار "هيئة تحرير الشام" في الفضاء الجهادي كسلوك أو استراتيجية جديدة، وإنما يمكن اعتباره حلقة من سلسلة بدأت منذ وجود "جبهة النصرة" في سورية بعد انفصالها عن تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومبايعة "تنظيم القاعدة" (الهروب من الفرع إلى الأصل) ومن ثم إزاحة هذا العبء وفك الارتباط عنها والتخلص من تركتها الثقيلة، والتحول من "جبهة النصرة" العابرة للحدود إلى "جبهة فتح الشام" ذات البعد المحلي. ومن ثم تأسيس "هيئة تحرير الشام" والتخلص من أكبر قدر من العنصر الأجنبي والمحلي الذي لم ترضه تلك التحولات،

وخلال تلك التحولات التنظيمية، تجاوزت الهيئة مفهوم السيطرة والدور العسكري فقط، إلى محاولات توسيع النفوذ على عدة مستويات في إطار إطباق السيطرة على إدارة مناطق المعارضة، سواء عبر التغلغل في الإدارة المحلية وتأسيس حكومة الإنقاذ ومحاولة السيطرة على المجالس المحلية، أو على المستوى الاقتصادي عبر السيطرة على المعابر والطرقات الرئيسية والموارد الاقتصادية من خلال شبكاتها، أو على المستوى العسكري والأمني عبر استراتيجية إنهاء الفصائل وابتلاعها والتمدد بالهيمنة والنفوذ، والتي تعيد الهيئة استنساخها اليوم في الفضاء الجهادي.

وقد مثّلت تلك التحولات والانتقالات استثماراً للفضاء الجهادي بحسب ظرف كل مرحلة ومعطياتها. وخلال كل التحولات يبدو أن الهيئة باتت تعاني من قلق هويّة حقيقي، أشبه بذاك الذي وقعت فيه "حركة أحرار الشام" قبلها، والذي يتمثل بمحاولات التمايز والقطيعة مع الفضاء الجهادي العالمي، ولكن وبالوقت نفسه عدم التحول إلى قوة محليّة حقيقية. والمراوحة في برزخ لا هويّة له. الأمر الذي سيترك أثره على الإعداد العقائدي للعناصر وينعكس بشكل إرباك على مستوى التنظيم. ولعل اللافت في كل تلك التحولات أن الثابت الوحيد خلالها هو شخصية الجولاني، والتي باتت تمثل ذاكرة مشتركة وقاسماً مشتركاً بين تلك الانتقالات، لذلك فإن أي تصدير لنسخة جديدة من "هيئة تحرير الشام" ربما يستدعي مسح تلك الذاكرة وقطع الخيط الواصل بين كل تلك المراحل.


([1]) فاثبتوا" والمتمردون على "النصرة": استباقاً للمعركة أو ذريعة لها؟، الموقع الإلكتروني لصحيفة العربي الجديد، 14/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/nmNdA

([2]) وقد وقّع على البيان كل من: (الحزب الإسلامي التركستاني، جماعة التوحيد والجهاد (الأوزبك)، جيش المهاجرين والأنصار (قوقاز)، شام الإسلامية (المغاربة)، جزراوية الهيئة (بلاد الحرمين)، جماعة الطاجيك، حركة مهاجري أهل السنة من إيران، جماعة الألبان، جماعة المالديف). كما وقّع عدد من الأشخاص على البيان، وهم: أبو الحارث المصري، أبو معاذ المصري، أبو الفتح الفرغلي، مختار التركي، أبو حسين الأردني، أبو هاجر التونسي، أبو زيد الجزائري، أبو الوليد المطبري (الكويتي)، أبو قتادة الألباني. للمزيد راجع: مقاتلون مهاجرون في إدلب يؤيدون تولي “تحرير الشام” إدارة المنطقة، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 18/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/w0lKk

([3]) للاطلاع أكثر حول مقابلة زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، مع مجموعة الأزمات الدولية، 20/2/2020، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/dYb5p

 ([4])اشتباكات وخلافات جديدة بين "تحرير الشام" و"حراس الدين"، أخبار الآن، 18/5/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Fl9YZ

([5]) ثلاثة تحركات..."تحرير الشام" تصعّد ضد التيار المتشدد في إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/EOxg8

([6]) تضاربت أسباب اعتقال توقير شريف، المعروف بأبو حسام البريطاني، بين تضامنه مع معتقلي تجمع "فاثبتوا"، وبين رفضه تسليم "هيئة تحرير الشام" قسماً من المساعدات الإنسانية التي تصله من أجل مساعدة المحتاجين والنازحين، حيث تفرض الهيئة على الجمعيات الإغاثية والمنظمات الإنسانية دفع 4 بالمئة لصالحها من المساعدات التي تصل إلى الشمال السوري. للمزيد راجع: بعد "التليّ" هيئة "تحرير الشام" تعتقل "أبو حسام البريطاني" في إدلب، موقع بلدي نيوز، 23/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Uxk9r

([7]) بضربة من طائرة مجهولة...مقتل قياديين مرتبطين بالقاعدة في سورية، الموقع الإلكتروني لقناة الحرة، 14/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/gQrQk

([8]) الجولاني لم يعلّق...شخصيات في تحرير الشام تعزي "حراس الدين" بمقتل الصنعاني والأردني، صحيفة جسر الإلكترونية، 18/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/P0d17

([9]) التحالف الدولي يقصف مجدداً في إدلب، السورية نت، 24/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/8oyGx

([10]) جيفري يشرح سياسة بلاده في سورية ويقدم وصفاً مفاجئاً لهيئة "تحرير الشام"، الموقع الإلكتروني لتلفزيون سوريا، 5/2/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Yj6tp

([11]): غرفة عمليات "فاثبتوا" تطالب "تحرير الشام" بإطلاق سراح "التلي" فوراً، 23/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Jp3Fe

([12]) تجدد الاقتتال بين "تحرير الشام" وغرفة عمليات "فاثبتوا" غرب مدينة إدلب، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 24/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2pzkS

([13]) اتفاق ثانٍ لـ"تحرير الشام" مع "قاثبتوا": وقف النار وإغلاق مقرات للـ"الحراس"، السورية نت، 26/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/aFPG9

([14]) "تحرير الشام" تحدد شروطاً أمام الراغبين بالانشقاق عنها، السورية نت، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/1AQ3r

([15]) "تحرير الشام"...تثبيت وجود أم لفظ أنفاس، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 17/5/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/AxZu3

([16]) خلال اجتماع لتأسيس اتحاد عام للنقابات والاتحادات العامة في الشمال السوري، دخل خلال الاجتماع أحد أمنيين "الهيئة" وطلب فضه ومنع تشكيل الاتحاد، ليعتذر عقب ذلك أحد المسؤولين عن عدم إتمام الاجتماع بسبب وجود دورية أمنية لـلهيئة خارج المقر متخوفاً من اقتحامه. للمزيد راجع: "تحرير الشام" تمنع تشكيل اتحاد عام للنقابات في الشمال السوري، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 22/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/3zOOM

([17]) مراقبون يحللون الظهور المتكرر لزعيم "هيئة تحرير الشام" في إدلب، صحيفة القدس العربي، 10/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/uFQOz

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة نقاشية افتراضية بعنوان: "منظمات المجتمع المدني السوري في بيئة غير مستقرة"، وذلك بتاريخ 24 حزيران/يونيو 2020.

تناولت الجلسة أربع محاور رئيسية جاءت على الشكل التالي:
1. استقلالية منظمات المجتمع المدني وتساؤلاته.
2. واقع الانقسام الإداري لمنظمات المجتمع المدني، التواجد الجغرافي والقواسم المشتركة.
3. العملية السياسية ومسؤوليات منظمات المجتمع المدني.
4. منظمات المجتمع المدني، اختلافاتهم ورؤاهم السياسية المشتركة.

أدار الحوار المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف، وشارك به عدد الخبراء المحليين وممثلين عن منظمات دولية؛ مدير البرامج في GIZ السيد إريك موهنس، الشريك الإداري في MGAL الأستاذة نهى الكمشة، المدير التتنفيذي لمنظمة بيتنا سورية الأستاذ أسعد العشي، ومن ممثلية الاتحاد الأوربي لسورية السيدة فرانشيسا بافاريني.

وقد ساهم الحضور عبر مشاركاتهم ومداخلاتهم بتدعيم الرؤى وإثراء النقاشات، وتقديم إجابات على التساؤلات المطروحة بشكل انعكس إيجابياً على مخرجات الجلسة.

ملخص تنفيذي

  • تعد عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للموارد من أبرز العوامل التي أدت لتدهور مؤشرات الاقتصاد والتي رافقت الثورة خلال أعوامها التسعة الماضية، حيث تسببت في إزهاق أرواح نحو 400 ألف شخص وتشريد 13 مليون داخل البلد وخارجها، وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015، وتراجعت سورية في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 على مستوى الصحة والتعليم والدخل، وتكبّدت البلاد خسائر اقتصادية وصلت إلى 689 مليار دولار حتى العام 2019 مضافاً لها تكلفة النمو ومن المتوقع أن تتجاوز الخسائر ترليون دولار في العام 2020.
  • رسمت عدة مؤشرات اقتصادية مشهداً سوداوياً للاقتصاد السوري في العام 2019 ومن بينها اشتداد حدّة العقوبات الأمريكية والأوروبية، وانخفاض الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، والارتفاع العام في الأسعار، وشلل مستمر في الإنتاج الزراعي والصناعي وأخيراً شح كبير في مواد الطاقة من مازوت وبنزين وغاز وكهرباء تسبب بأزمة كبيرة.
  • في إطار جهود المجتمع الدولي لما سماه "تعديل سلوك " النظام الأمني ومعاقبة دول مثل إيران لخرقها العقوبات؛ استكملت الولايات المتحدة ودول أوروبية فرض عقوبات واسعة الطيف خلال 2019 استهدفت قطاع النفط ومكافحة الإرهاب والأسلحة الكيميائية والتمويل وإعادة الإعمار ومحاسبة النظام. ويواجه النظام في شهر حزيران 2020 بدء سريان أقسى أنواع العقوبات ممثلة بقانون "سيزر" الذي من شأنه جعل سورية بلداً معزولاً عبر معاقبة كل من يدعم النظام مالياً ومادياً ويساعد في إعادة الإعمار. كما لعبت العقوبات المفروضة على ناقلات النفط الإيرانية لمنع إيصال النفط إلى النظام السوري، دوراً مفصلياً في شح مواد المحروقات في السوق المحلية السورية.
  • فشل النظام في تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء. إذ تحتاج سورية يومياً: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً.
  • في قطاع الطاقة هبط إنتاج النفط في عام 2019 بنسبة 94% عن مستويات 2010 ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18%. كما انخفض إنتاج الغاز بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية، وأمام النقص الحاصل للغاز في الأسواق المحلية ارتفعت أسطوانة الغاز في السوق السوداء لأكثر من 10 آلاف ليرة.
  • في قطاع الصناعة بلغ الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء، كما بلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات في القطاع العام كالإسمنت والكابلات والأجهزة الكهربائية والغزل والأقمشة بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ويُعزى هذا التراجع للإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف هذه القطاعات بعد العام 2016.
  • في قطاع الزراعة تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً.
  • وفي قطاع التجارة بلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها في عام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. وقد حازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات.
  • استمر مؤشر أسعار المستهلك في الصعود خلال عام 2019 ملامساً 880 في شهر آب ومن المتوقع أن يشهد المؤشر ارتفاعات متواصلة متجاوزاً الألف بعد التزايد المستمر في أسعار السلع والخدمات، إذ ارتفعت سلة الاستهلاك الأساسية في دمشق لأسرة من خمس أفراد إلى 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019 ومن خلال مقارنة مجموعة من أسعار المواد الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 يظهر ارتفاعاً في الأسعار بين ضعف وأربعة أضعاف. وجراء هذه الارتفاعات في الأسعار وتكاليف المعيشة وبقاء مستوى الأجور الوسطي عند 60 ألف ليرة تربعت سورية على عرش أفقر دولة بالعالم بنسبة 83% من السكان تحت خط الفقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد.
  • واجهت الليرة السورية أربع موجات صعود منذ منتصف 2019 حتى آذار 2020 لامست خلالها أعلى مستوياتها عند 700 ليرة و950 ليرة و1230 وأخيراً 1360 ليرة، ومن بين محركات هذه الموجات العقوبات الدولية على سورية وإيران وقانون "سيزر" والأزمة الاقتصادية في لبنان والعمليات العسكرية في الشمال وإعلان تفشي فيروس كورونا واتخاذ إجراءات حكومية.
  • ومن بين العوامل التي ساهمت في هبوط قيمة الليرة والارتفاع العام في الأسعار على مدار الأعوام التسعة للثورة؛ استنفاذ النظام لاحتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012، والاعتماد المتزايد على التمويل بالعجز في جميع موازنات أعوام الثورة فزادت المديونية الداخلية لأربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وظهور آثار تضخمية واضحة، وتشوه في الموازنة العامة حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019، كما ارتفع الدين الخارجي بنسبة 63% من الناتج المحلي الإجمالي السوري في 2015 جراء اعتماد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها وهو ما يعرض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين.
  • أخيراً، أسهمت مجموعة من الصعوبات خلال الربع الأول من 2020 في زيادة تأزم المشهد الاقتصادي مثل العملية العسكرية التركية في الشمال، وتفشي وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان جراء التعثر في سداد الديون، إضافة لزيادة ضغوط أمريكا لإخراج إيران من سورية.

مقدمة

يشهد النظام منذ بداية 2011 أزمة اقتصادية خانقة تصاعدت حدتها سنة تلو أخرى، فتهاوت قطاعات الاقتصاد وانخفضت قيمة الليرة السورية وارتفع المعدل العام للأسعار ودخل الاقتصاد في ركود تضخمي. وشكل عام 2019 عاماً استثنائياً بسبب باقة من الأمور بينها العقوبات ووصول سعر صرف الليرة مقابل الدولار مستوى غير مسبوق إلى 950 ليرة وشح شديد في المحروقات وانقطاع متواصل في خدمة الكهرباء وقد ساهم هذا في ارتفاع حدة الانتقادات من حاضنة النظام وعدم الرضى الشعبي حيال الظروف المعيشية السيئة.

كشفت هشاشة الاقتصاد السوري والأزمة التي دخل بها ارتباطاً وثيقاً بمسببين هما: العسكرة؛ التي استنزفت البلاد مواردها البشرية والمالية وما تسببت به من تدمير للمرافق والمدن أعادت عجلة التنمية لعشرات السنين إلى الوراء وكبّدت الاقتصاد خسائر قاربت الترليون دولار. وإدارة النظام المتخلّفة للموارد والتي ألحقت بالاقتصاد اختلالات هيكلية وإشكالات لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لها. لذا لم يكن الاقتصاد السوري بعد اندلاع الثورة في 2011 بحاجة إلا للكز الهيكل الهش ليدخل في دوامة من الهبوط.

يهدف هذا التقرير إلى تلمس أبعاد الأزمة الاقتصادية التي واجهها النظام في العام 2019 وتحديد جذورها وتبيان آثارها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويحاول التقرير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 مراجعة مؤشرات الأزمة المرصودة في العام 2019 ورؤية التغيرات فيها، واستشراف وضع الليرة السورية باستخدام أدوات تحليل تقنية لتوقع حركة السعر حتى نهاية العام 2020. ومن ثم سرد مجموعة من الصعوبات التي تواجه الاقتصاد والمواطن بالنظر إلى ما تم تقديمه. ويخوض التقرير في فهم مؤشرات الاقتصاد السلبية في عام 2019 عبر التكوّن التاريخي لهيكل الاقتصاد السوري ما قبل 2019 وقبل الثورة، فيصبح تحليل ما هو آني في إطار الكل التاريخي الذي شكل الاقتصاد ولعب في تكوين هشاشته.

اعتمد التقرير في رصد آثار الأزمة وكشف أبعادها على تقارير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام في العام 2019([1])، فخرج بجملة من الأبعاد التي أسهمت في احتدام الأزمة الاقتصادية في هذا العام ومن بينها: العقوبات الدولية؛ والارتفاع العام في الأسعار؛ وشلل الإنتاج؛ والنقص الكبير في مواد المحروقات؛ وأخيراً تهاوي الليرة السورية.

فرضيات فشلٍ مستمرة

فشلت حكومات النظام المتعاقبة على مدار العقود الأربعة السابقة لانطلاق الثورة؛ في بناء نموذج اقتصادي مستدام وخلق بيئة تنموية تشاركية يحدد لهذه الدولة وسكانها هوية اقتصادية شكلاً ومضموناً. فتقلّب الاقتصاد بين الاشتراكية؛ منذ هيمنة "حزب البعث العربي الاشتراكي" على الدولة في العام 1963، والسوق الحر في أواخر عهد حافظ الأسد على إثر إصدار قانون الاستثمار رقم 10 في العام 1991، والشكل الأخير ظهر مع بداية عهد بشار الأسد بالتوجه نحو ما سمي بـ "اقتصاد السوق الاجتماعي" وبينما كان الهدف خدمة الطبقة السائدة في المجتمع. قادت تلك النماذج إلى خدمة "رأسمالية المحسوبيات" ولإنتاجية ضعيفة وعدم استثمار الإمكانيات الكامنة لسورية اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً.

لازَم الاقتصاد السوري على مدار العقود السابقة، بينها عقد الثورة، افتراضان يعود لهما السبب في هشاشة البينة الاقتصادية السورية ووقوعها دوماً في إشكالات متعددة. يتعلق الأول: بعسكرة الدولة وما أحدثته من استنزاف في كافة الموارد؛ والثاني: يتعلق بأزمة في إدارة الاقتصاد والتي تسببت باختلالات هيكلية.

فمن خلال ثلاثية الدولة العميقة، الجيش والمخابرات وحزب البعث، أحكمت عائلة الأسد هيمنتها على الدولة والمجتمع بعيداً عن السلطة التشريعية والتنفيذية الظاهرية. وعمدت إلى عسكرة الدولة عبر تضخيم المؤسسة العسكرية من حيث الكم والوظيفة، عبر الخدمة الإلزامية والانتشار الكثيف للقطع العسكرية بين البلدات والمدن ونشر الآلات العسكرية في الأحياء وممارسة القمع مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة بينها ما هو محرم دولياً، كما استحوذ الجيش على حصة كبيرة من الموازنة العامة. ومنذ العام 1990 أصبحت نفقات الدفاع تزيد كثيراً على المبالغ التي يمكن لسورية تخصيصها للإنفاق الإنمائي([2])؛ وارتفع الإنفاق العسكري من 14 مليار ليرة سورية في العام 1988 إلى 120 مليار ليرة في العام 2011 وبلغ أعلى مستوى للإنفاق العسكري نسبة للإنفاق الحكومي في العام 1991 عند 30.4% فيما أخفت الحكومة البنود المتعلقة بالديون لتمويل عقود الشراء والصيانة وقطع التبديل والتي إذا أضيفت سترفع من معدلات الإنفاق العسكري بشكل كبير([3]). وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة أيضاً بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015 فضلاً عن ارتفاع معدلات الدين لروسيا وإيران حليفي النظام ومن أسنداه بعملياته العسكرية بالأسلحة والعتاد اللازم.

عرّضت ممارسات النظام العسكرية البلاد لدمار كبير وشلّت قطاعات اقتصادية بأكملها واستنزفت مقدرات البلد الطبيعية والبشرية والمالية، فتراجع الاقتصاد النظامي مقابل ازدهار الأسواق السوداء وانتشرت أعمال ووسائل جديدة وسادت عمليات السلب والابتزاز والتهريب واستغلال السكان والسيطرة على الأصول المربحة.

وبلغت خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب 260 مليار دولار بناء على الدمار التي تعرضت له البلد و689 مليار دولار مع تكلفة النمو الذي لم يحصل على مدار الأعوام الماضية، وستصل الخسائر إلى 1.3 ترليون دولار إذا استمرت الحرب في العام 2020([4]). وفيما يلي بعض المعطيات التي تعكس الحالة الاقتصادية العامة:

  • استنفذ النظام احتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012. وبلغ العجز المالي ذروته في العام 2013 بنسبة 56% من الموازنة العامة وتشير تقديرات لزيادة المديونية الداخلية جراء التمويل بالعجز حاجز أربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وبالتالي ظهور آثار تضخمية واضحة وتشوه في الموازنة العامة([5]).
  • اعتمد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها حيث ارتفع الدين الخارجي من 47% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 63% في عام 2015 وهو ما يسهم في إخلال التوازن في الموازنات العامة وتعريض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين([6]).
  • تراجعت سورية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 في مؤشر التنمية البشرية على مستوى الصحة والتعليم والدخل؛ وذلك جراء قصف النظام الممنهج للأهداف المدنية كالمدارس والمشافي وانخفاض في سنوات التمدرس. فتراجع دليل الصحة بنسبة 30.3% في العام 2015 مقارنة مع العام 2010، وانخفض دليل التعليم بنسبة 34.3% مقارنة مع العام 2010 فنصف الأطفال في سن التعليم الأساسي خارج المدارس منذ عام 2014. وفي عام 2015 تراجع دليل الدخل بنسبة 24.3% مقارنة بالعام 2010 ويعكس هذا الانخفاض في دخل الفرد وتبدد الثروة خلال النزاع، ما وضعها بين مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة([7]).
  • تآكل القوة الشرائية جراء زيادة تكاليف المعيشة لمعظم السوريين، وبات معظم السوريين في نهاية العام 2015 يعيشون في حالة فقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد، وتشير التقديرات أن معدل الفقر الإجمالي بلغ 82.5% مع نهاية العام 2015 مقابل 83.5% في عام 2014 و73.3% في عام 2013. وبلغت نسبة البطالة في العام 2012 حوالي 34.9% ارتفاعاً عن 14.9% في العام 2011 و8.6% في 2010([8]).

ومع بداية العام 2019 دخل النظام السوري منتشياً بانتصاراتٍ ناجزةٍ على الساحة العسكرية على مدار السنوات الماضية ابتداءً من السيطرة على مدينة حلب في أواخر العام 2016 وبسط سيطرته على حزام دمشق في الغوطة الشرقية في نيسان 2018 وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي في أيار 2018 ومحافظة درعا في تموز من نفس العام، متسلحاً بمصالحات هشّة وتهجيرِ من يرفض من الثوار والأهالي إلى الشمال في محافظة إدلب. ومع توسع سيطرة النظام على حساب المعارضة زادت وتيرة تصريحات النظام الداعية لرفع العقوبات وبدء عملية إعادة الإعمار وإعادة شرعيته الإقليمية والدولية وأن الأوضاع الاقتصادية ستؤول للتحسن، إلا أن إيقاع المؤشرات الدولية والإقليمية جاء على غير ما اشتهى له النظام، إذ بدأ العام بعقوبات اقتصادية أوروبية وانتهى بفرض قانون "سيزر" من الولايات المتحدة، وأَفشلَت الأخيرة جهود بعض الدول في إعادة شرعية النظام وعودته لحضن الجامعة العربية.

من بين أبرز الملامح التي ساهمت في رسم مشهد سوداوي للاقتصاد السوري في العام 2019كما في الشكل رقم(1): : إصرار النظام على استمراره في الممارسات الاضطهادية مما أدى إلى ازدياد حدة العقوبات على النظام من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ وتفاقم مشكلة تأمين مواد الطاقة؛ والشلل المستمر في قطاعات الإنتاج؛ والتراجع الملحوظ في مستويات المعيشة وأخيراً تسجيل الليرة السورية سعر صرف غير مسبوق عند 950 ليرة في نهاية العام.

 

عقوبات اقتصادية تخنق النظام وشبكاته

يبين الملحق رقم (1) جميع العقوبات الدولية التي تعرّض لها النظام السوري خلال عام 2019 من أوروبا وأمريكا، وتمت إضافة بعض العقوبات التي مسّت، إيران، حليف النظام؛ لما لإيران من تأثير في تمويل العمليات القتالية وتوفير الدعم المالي والمادي لاقتصاد النظام. ويظهر من العقوبات المفروضة مجموعة من الملاحظات نوردها كما يلي:

أولاً: تشكلت أول ضربة للنظام عبر عقوبات أوروبية على شركات إنشائية مهتمة في أعمال إعادة الإعمار ورجال أعمال لهم علاقات بالنظام ومستفيدين من المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام، من بينهم: سامر فوز، حسام قاطرجي، مازن ترزي، ومن بين الشركات: شركة مطورين المساهمة الخاصة، شركة ميرزا، شركة بنيان، شركة أمان القابضة، شركة روافد التي يمتلكها رامي مخلوف، ليبلغ بهذا عدد الشخصيات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية 270 شخصاً بالإضافة إلى 72 كياناً على صلة بنظام الأسد([9]). ومن ثم جاءت العقوبات الأمريكية في حزيران على سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية، لتُفشِل مساعي النظام في تصدير أشخاص جدد وتبييض صورته أمام المجتمع الدولي. وشكّل قانون "سيزر" الموقّع في 21 كانون الأول 2019 مرحلة جديدة من اشتداد وتيرة العقوبات، إذ من شأن هذا القانون أن يفرض عقوبات على النظام وكل من يدعمه مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً.

بعيداً عن “الجدل” الاقتصادي بتأثير تلك العقوبات من عدمها على أنظمة شمولية، تعد هذه العقوبات مع بداية العام رسالة واضحة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بعدم تغيير سياستها المتبعة في معاقبة النظام على سلوكه الإجرامي والقمع الممارس ضد المدنيين، ومن جانب آخر تشير إلى عمق النظرة الأوروبية ومتابعتها الحثيثة في استهداف أركان النظام وقائمة الرجال والشركات الداعمة له والمساهمة في تعويمه. ومع تجديد العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 1 حزيران من العام 2020 ترسل رسالة مفادها أنه لا حل في سورية مع ممارسات النظام العسكرية وانتهاكاته، وأن مصير النظام العزلة الدولية ومزيد من العقوبات للرضوخ للقرارات الدولية. ويتوافق تجديد العقوبات الأوروبية في 2020 مع بدء سريان قانون "سيزر" ليعملا جنباً إلى جنب على خنق النظام واقتصاده أكثر ومعاقبة كل من يدعمه وينفذ مشاريع تعود بالفائدة على النظام.

ثانياً: إفشال حركات النظام في تسويق إعادة الإعمار والترويج لنفسه عبر معرض دمشق الدولي في دورته الـ 61 في شهر أيلول، حيث حذّرت الولايات المتحدة في 23 آب من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في المعرض وتعاملهم مع نظام الأسد بما يعرّضهم للعقوبات، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في المعرض 38 دولة فقط وشغلت إيران وروسيا معظم المساحة المشغولة فيه، وغاب توقيع العقود الكبيرة مع شركات عربية حضرت المعرض مثل الإمارات وسلطنة عُمان خوفاً من التهديدات الأمريكية وجاءت مشاركة دول مثل الصين والأرجنتين والعراق ولبنان وعُمان والإمارات والجزائر شبه شكلية([10]).

ثالثاً: أدت العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بهدف تجفيف إيراداتها من النفط وعزلها عن النظام المالي العالمي، إلى تقييد حركة الناقلات النفطية الإيرانية والأجنبية من وإلى إيران وبالتالي عدم القدرة على إيصال النفط لسورية كما في السابق.

وكانت الولايات المتحدة حذرت في شهر آذار من مخاطر إيصال شحنات النفط للنظام السوري وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية إلى لائحة العقوبات العشرات من الناقلات الجديدة المشارِكة في شحنات النفط غير المشروعة، بما في ذلك 16 ناقلة تشحن النفط إلى سورية وأكثر من 30 تشارك في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة. وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة تسري عليها العقوبات، كما حصل مع الناقلة الإيرانية "غرايس 1" التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى "أدريان درايا 1" وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد "الحرس الثوري الإسلامي" عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذّرت الوزارة من عواقب وخيمة لأي فرد مرتبط بالناقلة.

رابعاً: تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على أذرع مالية مقرّبة من "حزب الله" كما حصل مع بنك "جمال ترست" في لبنان، ومكاتب صرافة وشركات سورية ولبنانية من إثارة مخاوف في سورية للحد من حركة الأموال([11])، وبات من نافلة القول إن لبنان تشكل رئة سورية وبوابتها نحو العالم الخارجي. ومع نهاية عام 2019 واندلاع احتجاجات في لبنان على إثر سوء الأوضاع المعيشية أغلقت البنوك أبوابها وتم تقييد بيع الدولار في شهر آب ومنع المودِعين من سحب مدخراتهم بها، فباتت أموال المستوردين السوريين والودائع في المصارف اللبنانية شبه محجوبة وبالأخص بعد دخول لبنان أزمة مالية جراء تخلّفه عن سداد سندات دولية مقوّمة بالدولار في 9 آذار 2020 وهو ما يعكس الضغوط المالية والاقتصادية الشديدة التي يمر بها لبنان بحسب وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني([12]).

شحٌ شديد في المحروقات

تعرّضت ميزانية سورية لصدمة قوية جراء خسارتها أهم مولّدات الإيرادات ممثلة بالنفط والغاز والمعادن تشكّل 25% من عائدات الميزانية، وعليه لم يتمكن النظام من رفع القدرة الإنتاجية للبلاد، وزادت العقوبات الأجنبية المفروضة على إمدادات الوقود للنظام ورصد أي ناقلة نفط متجهة إلى سورية تحمل وقود وغاز طبيعي من صعوبة الموقف، إذ مدّت إيران النظام معدل ناقلتين كل شهر عبر الخط الائتماني الموقع بين البلدين([13]).

أسهم هذا في عدم قدرة النظام على تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء، إذ تقدر حاجة سورية اليومية من مواد الطاقة: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، وتقدر الفاتورة المالية اليومية 8.8 مليون دولار وعليه تصل قيمة الفاتورة الشهرية إلى 264 مليون دولار و3 مليارات و168 مليون دولار سنوياً، فيما أشارت الحكومة أن قيمة الفاتورة الشهرية لشراء المشتقات النفطية تبلغ 200 مليون دولار([14]). وقد أسهم توقف الخط الائتماني الإيراني نهاية 2018 في عرقلة تسديد فاتورة الطاقة وإمداد البلاد بما تحتاجه من محروقات فتشكلت أزمة كبيرة، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً([15]).

يُظهر الشكل رقم (2) حجم إنتاج واستهلاك النفط من 2010 حتى 2019، ويبدو جلياً هبوط الإنتاج من 385 ألف برميل في 2010 إلى 24500 ألف برميل نفط يومياً مع نهاية العام 2019([16])، وهو أقل من إنتاج عام 2010 بنسبة 94% ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18% إذا عُرف أن الاستهلاك اليومي يبلغ 136 ألف برميل يومياً في 2019.

وجراء عدم قدرة الحكومة على تغطية حاجة السوق المحلية سمحت في 4 آذار 2019 لغرف الصناعة والصناعيين باستيراد الفيول والمازوت براً وبحراً لمدة 3 أشهر وعادت ومددت الفترة لمدة 3 أشهر أخرى، ويفسر هذا الإجراء عجز الحكومة للوصول إلى حلول ضمن الظروف الراهنة ورمي العبء على كاهل التجار، علماً أن هذا الحل يخلق أزمة بحذ ذاته في سوق الصرف، فالنقص في الدولارات لدى المركزي سيحيل التاجر لطلب دولارات من السوق السوداء وهو ما يخلق طلباً متزايداً يؤدي لارتفاع السعر، كما يُفهم من خطوة الحكومة تلك نجاح العقوبات في تقييد وصول المحروقات إلى النظام وحركية النظام المالية في النفاذ للأسواق الدولية، وانكشافه أيضاً على إمدادات الطاقة القادمة من إيران حتى إذا توقفت الإمدادات الإيرانية وقع النظام في فاقة وعجز.

والوضع في قطاع الغاز ليس أفضل حالاً، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية([17]). وتبلغ حاجة الاستهلاك اليومية للغاز حوالي 1200 طن يومياً تشكل نسبة الاستيراد منها 50% يومياً فيما الـ50% الأخرى تأتي من الإنتاج المحلي([18])، وبلغة الاسطوانات تقدر الحاجة اليومية بين 120 – 140 ألف اسطوانة يتم تأمين بين 40 – 50% منها محلياً والباقي يتم استيراده([19]). وما انطبق على أزمة البنزين والمازوت ينطبق على أزمة الغاز من حيث اعتماد النظام على الإمدادات الإيرانية التي توقفت إضافة إلى تشديد العقوبات على النظام وإيران.

 

يُدلل الشكل رقم (3) على أسعار الغاز والبنزين والمازوت، الرسمية، إلا أن الأسواق في الواقع لا تعترف بهذه الأسعار، أمام أزمة العرض، إذ بلغ سعر الاسطوانة في محافظة حلب بالسوق السوداء نحو 17 ألف ليرة بداية 2019، بينما وصل سعرها في مناطق متفرقة في ريف دمشق إلى 11 ألف ليرة سورية، وشوهدت طوابير طويلة جداً لأناس ينتظرون دورهم للحصول على اسطوانة غاز من مراكز التوزيع، والأمر سيّان أمام كازيات البنزين والمازوت، وقد بلغ سعر لتر المازوت 450 ليرة في السوق السوداء([20]). وانتهى عام 2019 بدون إيجاد حلول للأزمة سوى الوعود والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد، إضافة إلى فكرة البطاقة الذكية حيث يمنح حاملها حصته من الغاز كل 23 يوماً؛ وتعتبر هذه الأداة التقنية حلاً لمشكلة الازدحام لا لنقص المعروض.

فيما بقي التقنين في الكهرباء الوضع المتسيّد في مناطق عدة من سورية وعلى رأسها دمشق حيث وصلت ساعات التقنين إلى 20 ساعة يومياً في بعض الأوقات في الكثير من المناطق المتاخمة لدمشق([21])، وفي معظم مناطق ريف دمشق تُقطع الكهرباء بمعدل أربع ساعات ثم تأتي مدة ساعتين ولكن خلال هاتين الساعتين تنقطع مرات عدة([22]). وترجِع أسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى استجرار الكهرباء غير المشروع، وإجراءات الصيانة وإصلاح الاعطال لمحطات الكهرباء؛ جراء تحميلها أكثر من طاقتها بعد زيادة استخدام الكهرباء كبديل عن الوقود في التدفئة والتبريد، إضافة لعدم توفر مواد المحروقات من فيول وغاز والتي تسهم بنسبة 56% في توليد الطاقة الكهربائية؛ يُشار أن توليد 500 ميغا واط من الكهرباء يحتاج إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز و10 آلاف طن من الفيول([23])، فضلاً عن خروج قوة الدفع المائي على نهر الفرات من سيطرة النظام، وخروج 34 محطة توليد من أصل 54 محطة عن الخدمة خلال سنوات الحرب([24]) ([25]). وهو ما يفسر عدم تحسن الكهرباء حتى نهاية 2019 على الرغم من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الروس والإيرانيين وشركات الطاقة التي شاركت في معرض دمشق الدولي بين 2017 و2019. يُظهر الشكل رقم (4) الانخفاض الحاصل في توليد الكهرباء بين 2011 و2019 من 9000 ميغاواط إلى 5000 ميغا واط، بنسبة 45%.

شللٌ في القطاعات والقدرات الإنتاجية

يعد الحديث عن القطاع العام والخاص في سورية بتجلياته من زراعة وصناعة وتجارة خلال سنوات الحرب حديثاً شائكاً، إذ أرخت الحرب بظلالها على قدرات إنتاجية كبيرة تسببت بزيادة معدلات الاستيراد وفقدان ميزة تغطية الحاجات المحلية وسياسة إحلال الواردات، وهو ما خلق حاجة متزايدة للقطع الأجنبي لتغطية طلبات الاستيراد تلبيةً للاحتياجات الأساسية. كما أن الفساد المستشري جعل الموارد الاقتصادية بيد قلة من "الأولغارشيا" المتحكّمة والمقرّبة من السلطة والتي تبحث دوماً عن المال السهل، ومن جهة أخرى أسهمت العقوبات وتحذيرات الولايات المتحدة للدول من مساعدة النظام والتعامل معه من جعل سورية وقطاعاتها الاقتصادية عبارة عن شبه جزيرة معزولة لا تتعامل إلا مع دول قليلة.

وعلى الرغم من السياسات والوعود والإجراءات في تشغيل العجلة الإنتاجية بالبلد إلا أنها لم ترق إلى ما هو كفيل بإحداث تطور ملموس في الحركة الإنتاجية، فبلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ومن بين القطاعات الإنتاجية المتراجعة في القطاع العام: الإسمنت، الكابلات، البرادات والتلفزيونات، الأسمدة، الجلود المدبوغة، الغزل والأقمشة القطنية، التبغ، حليب مبستر، الزيت النباتي، الطحين والخبز([26]). ولا عجب في هذا التراجع بسبب الإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، فصناعة الملابس بحاجة لاستيراد أقمشة وخيوط، والصناعات البلاستيكية بحاجة لاستيراد حبيبات بلاستيكية، والأدوية بحاجة لاستيراد المادة الدوائية الفعّالة، وصناعة الأجهزة الالكترونية بحاجة لاستيراد قطع الكترونية، وكل هذا وغيره متوقف.

يبين الشكل رقم (5) الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء. وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف الصناعات الاستخراجية والكثير من الصناعات التحويلية بعد العام 2016.

وبلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها على مدار العام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات كما يُظهر الشكل رقم (6)، وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. المُلفت للانتباه استحواذ قطاع الخدمات والتجارة على أكثر الشركات المنشأة وهي إشارة إلى انخفاض رؤوس أموال تلك الشركات؛ وعدم المخاطرة والدخول في سوق تعاني من عقوبات وأزمات غير واضحة المعالم وبالتالي الدخول في أعمال ذات طبيعة تجارية وذو كثافة مالية قليلة ولا تحتاج إلى توظيف عاملين كثُر؛ وفشل مقاربة النظام في اجتذاب استثمارات وأموال تسهم في إعادة إعمار البلد على الرغم من التطورات العسكرية على الأرض؛ ويمكن ملاحظة ضعف بطانة وأعوان النظام ورغبتهم في جمع أموال سهلة من خلال التجارة التي تحتوي على طرق فساد كثيرة واستغلال للمواطنين، وعدم المخاطرة في استثمار أموالهم بالصناعة والزراعة في هذا الظرف الذي تمر به سورية.

ومن جملة الشركات التي تم ترخيصها في قطاع الخدمات والتجار: الشحن البري والبحري والاستيراد والتصدير والتجارة العامة والعقارات واللوجستيات والاستثمارات السياحية، في حين كان نصيب قطاع الصناعة 13 شركة عاملة في الاسمنت والأسلاك الكهربائية وصناعة المواد البلاستيكية وصناعة الأدوية، فيما حاز قطاع الزراعة على الحصة الأقل. مع التنويه أن هذا العدد هو ما تم رصده خلال تقارير الواقع الحوكمي الصادرة عن مركز عمران للدراسات. ولا يجب إغفال المشاريع السياحية والعقارية التي تم ترخيصها مثل "ماروتا سيتي" و"جاردن ستي" ومنشآت سياحية في طرطوس واللاذقية في وقت عُدَّت سورية البلد الأفقر في العالم([27]).

وحازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات، ومن ثم العراق والأردن وإيران بـ4 شركات، وجاءت الكويت والإمارات بـ3 شركات، وروسيا وفلسطين وتونس بشركتين، وأخيراً هناك اسبانيا واليمن ومصر والسودان وهولندا بشركة واحدة لكل منها. ويشير اهتمام شركات ذات مكوّن لبناني للعمل في سورية إلى التداخل السوري – اللبناني من خلال مليشيا "حزب الله" الداعم للنظام عسكرياً ومالياً ومادياً، كما يُظهر تركز الشركات في هذه البلدان إلى انحسار انجذاب المستثمرين من بلدان ذات ثقل استثماري مثل أوروبا وأمريكا وبلدان آسيوية، بسبب طبيعة سورية الطاردة للاستثمار جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها وعدم التوافق على حل سياسي يضع حداً للأزمة ويؤذن ببداية مرحلة الانتقال السياسي للسلطة وبدء مرحلة إعادة الإعمار، ويمكن القول أن هذه البلدان بعضها حليف للنظام أو لا مشكلة لديه في بقاءه في السلطة.

يتمثل أحد أوجه القصور في الاقتصاد الكلي في الميزان التجاري، كما يوضح الرسم البياني رقم (7) بشكل لا تخطئه العين الميزان التجاري الخاسر بين الصادرات والواردات حتى عام 2017، وتراجعت الصادرات في عام 2018 بنسبة 1% عن العام السابق وبلغت قيمتها الإجمالية 713 مليون دولار، مع الإشارة أن معظم الصادرات هي عبارة عن مواد خام زراعية إضافة للفوسفات ومعادن مثل النحاس والرصاص([28]). بالرغم من أهمية سورية الاستراتيجية كممر يربط القارات إلا أن الأوضاع الأمنية وشلل قطاعات الإنتاج السوري وسياسات الحكومة المالية المتخبّطة لا تسمح بتحسن هذا المؤشر.

وأدى رفع النظام لرسوم ترانزيت مرور الشاحنات عبر المعابر الحدودية البرية في أيلول 2018 إلى انخفاض الصادرات الأردنية إلى وعبر سورية، في الربع الأول من 2019 بعد تصدير ما قيمته 19 مليون دينار (نحو 27 مليون دولار) مقابل 61 مليون دينار (نحو 86 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من العام 2018 حيث بات مرور الشاحنة الواحدة يكلف ألف دولار([29])، جنباً إلى جنب مع مطالبة الملحق التجاري الأمريكي في السفارة الأمريكية في عمّان بحظر أي نشاط تجاري أردني مع سورية([30]).

ولحق قطاع الزراعة بقطاعي الصناعة والتجارة، حيث تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 كما يبين الشكل رقم (8)، ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً([31]).

ويُعزى التحسن الحاصل في موسم 2019 إلى الهطولات المطرية إذ توسّع الإنتاج البعلي ليصل إلى قرابة مليون طن في موسم 2019 ولا يزال المزارعون يواجهون ظروفاً سيئة، فالكثير من المزارعين لم يعد بإمكانهم الحصول على البذار والأسمدة والمازوت والأكياس والعمالة والآلات إما بسبب عدم توفرها أو بسبب غلاء ثمنها فضلا عن هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب النزوح الداخلي والهجرة خارج البلد، ووجود ألغام في بعض حقولهم، إلى جانب محدودية فرص التسويق([32]).

لم يقتصر فشلُ النظام على التعامل مع إشكال نقص محصول القمح، فهناك حالة مغايرة عبر محاصيل حققت فائضاً كبيراً كما في الحمضيات، فشل النظام في إيجاد أسواق لتصريفها في الداخل أو الخارج. ويكاد خط التصريف المحلي لا يتجاوز دمشق وتشير التقديرات إلى استيعاب السوق المحلية ثلث الإنتاج خلال الموسم ما يترك كميات كبيرة جاهزة للتصدير. وبات المزارعون في الساحل يعانون من فائض إنتاجهم وعدم القدرة على تسويق محاصيلهم بأسعار مُجدية إذ يباع الكيلو دون سعر التكلفة، وهو ما دفع البعض لاقتلاع أشجار البرتقال واستبدالها بزراعات استوائية، إذ بلغ عدد الأشجار المقلوعة في 2016 نحو 5086 شجرة وقفز العدد في عام 2017 لـ 20338 شجرة([33]).

وبقيت وعود النظام لمزارعي الحمضيات حبراً على ورق مثل وعود التصدير وافتتاح معامل لتغليف وتسويق الإنتاج ومشروع العصائر، إضافة لعدم استثمار الفاكهة في مجالات التجفيف والمركبات الطبية والغذائية الصحية، فيما لا يتجاوز مجموع ما تم تصديره إلى روسيا 10 آلاف طن أي لا تشكل أكثر من 1% من فائض الإنتاج، ويُشار أن كميات التصدير في العام 2017 لم تتجاوز عملياً 3000 طن من ثمار البرتقال بحسب منظمة الفاو، فيما بلغت كميات التصدير في 2019 نحو 140 ألف طن ولا تشكل سوى 28% من الفائض المتعارف عليه والمقدر بـ500 ألف طن من الثمار([34]).

تآكل القوة الشرائية

لم تكن نهاية العام 2019 أسهل من بدايتها مع الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات وتهاوي القوة الشرائية للدخول، وهو ما ساهم في تردي الأوضاع المعيشية للمواطن. يشير الرسم البياني أدناه في الشكل رقم (9) مسيرة مؤشر أسعار المستهلك بين 2010 و2018 ويظهر بوضوح الارتفاع المطّرد فيه ونقطة التحول في العام 2015 بعد خسارة النظام لمساحات جغرافية واسعة ضمّت موارد طبيعية لها مساهمة كبيرة في الموازنة العامة، وهو نفس العام الذي تدخلت فيه روسيا لنجدة النظام عسكرياً. وأسهم الاستنزاف في الموارد والتشظي على الأرض بالتأثير على الأسواق عرضاً وطلباً وأدى لارتفاع معدلات التضخم.

والجدير بالذكر أن الواقع يخالف الأرقام الصادرة عن نشرات المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فبعض السلع بلغ الارتفاع فيها أكثر من 1000 و2000%. على العموم أسهمت إجراءات النظام عبر السنوات الماضية في طباعة العملة بدون غطاء إنتاجي أو أصل مالي، إلى زيادة حتمية في معدلات التضخم وللإشارة فقد رفع المصرف المركزي الكمية المعروضة من الليرة في السوق المحلية بأكثر من 289% بين 2010 - 2016 في الوقت الذي بلغ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي 16.1% بين 2006 - 2011([35]). كما أن اعتماد موازنات مالية كما هو موضح في الجدول رقم (1) تقوم على التمويل بالعجز خلال السنوات الماضية كانت بمثابة بيئة خصبة لارتفاع الأسعار، حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019.

العام

2011

2012

2013

2014

2015

2016

2017

2018

2019

الموازنة العامة

1790

2288

1965

842

353

404

519

693

773

النفقات الجارية

771

1420

1459

558

236

252

352

350

371

النفقات الاستثمارية

814

636

387

230

93

104

132

179

219

الجدول رقم (1) الموازنات العامة وبنودها الجارية والاستثمارية بين 2011 و 2019 – الرقم بعشرات الملايين- الوحدة دولار - المصدر: المصرف المركزي السوري

 

لم يحصل أي تطور ملموس في العام 2019 فيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك على الرغم من استعادة النظام لمساحات واسعة من المعارضة وإعادة تشغيل المعارض وفتح المعابر الحدودية، إذ واصل المؤشر الارتفاع خلال العام كما يظهر في الشكل رقم (10) من 790 في نهاية 2018 إلى 880 في شهر آب 2019 علماً أن الأشهر التالية شهدت ارتفاعاً أكثر في الأسعار لذا من المتوقع أن يستمر المؤشر في الارتفاع. ويُفسّر الارتفاع العام بالأسعار بجملة من العوامل من بينها: اشتداد وتيرة العقوبات المفروضة على سورية؛ وانخفاض قيمة الليرة السورية؛ واعتماد موازنات ذات عجز مالي كبير وغلبة الإنفاق الجاري على الإنفاق الاستثماري؛ واستمرار هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلد من زراعة وصناعة مع عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بوعودها؛ وأخيراً عدم جدوى سياسات الرقابة والضبط والإغلاق بالشمع الأحمر وتسيير الدوريات كسياسات حكومية لحماية المستهلك.

وفي صورة أكثر قرباً لتفسير تلك الأرقام وإسقاطها على الوضع الاجتماعي يُظهر الشكل التالي رقم (11) سلّة من المواد الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 5 أفراد في دمشق، حيث احتاجت الأسرة في الربع الأخير من 2019 لنحو 380 ألف ليرة سورية لتغطية تكاليفها شهرياً بحسب "مؤشر قاسيون" لتكاليف المعيشة، بلغت تكلفة الغذاء والمشروبات فيها 147 ألف ليرة أي نحو 38% من التكلفة الإجمالية. حجم المشكلة لا يظهر في ارتفاع الأسعار لوحده بل عند مقارنته بمعدل الأجور، إذ بلغ متوسط الأجور 60 ألف ليرة سورية (67 دولار الدولار يساوي 900 ليرة في نهاية 2019) بحسب الزيادة الأخيرة الصادرة في المرسوم التشريعي رقم 23، علماً أن متوسط الأجر بلغ في 2017 نحو 35500 ألف ليرة (68 دولار) وفي 2010 نحو 11350 ألف ليرة (200 دولار). وبالتالي فإن العامل الذي يتقاضى 60 ألف ليرة يحتاج لمضاعفة أجره مرتين ونصف للحاق بتكاليف الغذاء والمشروبات، وبحاجة لمضاعفته نحو 7 مرات للحاق بتكاليف المعيشة الكاملة البالغة حوالي 400 ألف ليرة، وفي حال عدم حصوله على كامل المبلغ سيلجأ لاتباع استراتيجيات التكيف مع شظف العيش من بينها التقشف والاقتصار على شراء الأساسيات فقط، وبيع الأصول، وإخراج الأطفال من المدارس وزجّهم في سوق العمل، وتزويج البنات باكراً، واللجوء إلى الأعمال غير المشروعة، أو الهجرة من البلد.

لقد أدّت الأوضاع المعيشية المتردية والفجوة بين الأجور والتكاليف إلى وقوع معظم السكان تحت خط الفقر بنسبة بلغت 83% لتكون سورية الأكثر فقراً على مستوى العالم([36]). علماً أن حد الفقر يبلغ 1.9 دولار لكل فرد يومياً و285 دولار شهرياً لأسرة مكونة من 5 أفراد، هذا يعني أن الأسرة بحاجة لـ256,500 ألف ليرة (الدولار 900 ليرة في نهاية 2019) شهرياً لتكون على خط الفقر وبالعودة إلى تكاليف الأسرة المعيشية الشهرية والتي تقارب 380 ألف ليرة أو 422 دولار سيكون خط الفقر السوري اليومي عند 2.8 دولار للفرد يومياً، وهذا الرقم أعلى من الخط العالمي للفقر بنسبة 147% أي أن الأسرة السورية عليها أن تمتلك 1.4 ضعف ما يملكه فقراء العالم لتصبح على خط الفقر العالمي. ومع بلوغ الأجر الوسطي 60 ألف ليرة (67 دولار) سنخلص إلى حاجة رفع الأجر ثلاث مرات وربع لتصبح الأسرة على خط الفقر العالمي في سورية.

لم تُفلح إجراءات الحكومة في ضبط الأسعار ومنع التلاعب والاستغلال من كبح لجام السوق السوداء حيث لجأت إلى زيادة عدد دوريات التموين لمراقبة الأسعار ومخالفة التجار غير المتقيّدين بالأسعار الرسمية أو أصحاب المحلات الممتنعين عن البيع، وتم فرض غرامات باهظة على المخالفين، كما لم يُسهم قرار رفع الأجور والرواتب إلا في زيادة معظم أسعار السلع والخدمات، فالزيادة في الأجر يقابلها زيادة في الأسعار ما يحيل إلى تبخر القوة الشرائية للدخل.

ولو أمكن قياس درجة حرارة الشارع السوري، أو مدى رضى المواطن على توفر الخدمات والسلع وقدرته على الشراء لظهر مدى السخط والإحباط من الظروف المعيشية السيئة بسبب الغلاء وانخفاض القدرة الشرائية للدخل، وقد تبدى ذلك في خروج مواطنين في السويداء الخاضعة للحكومة هاتفين "بدنا نعيش" ورفع شعارات في درعا كُتب عليها "ما بدنا ليرة ولا دولار بدنا تنزل الأسعار" جراء ارتفاع الأسعار لمعدلات وصلت لـ1000% في بعض السلع وتبخر القدرة الشرائية للمواطن وانتشار مخاوف من حصول مجاعة([37]).

سقوط الليرة السورية

يجدر التنويه هنا أنه تم تثبيت الفترة الزمنية لسعر الصرف حتى نهاية آذار 2020 ليتسنى تطبيق أدوات التحليل التقنية والأساسية.

أسهمت جميع المعطيات السابقة في تعطيل قدرة الليرة السورية على الصمود في مستوى سعري ثابت بينما قادت السوق السوداء مسيرة الارتفاع في سعر الصرف أمام الدولار قُدماً مدفوعةً بالعقوبات والمُهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية جنباً إلى جنب مع المضاربة واستغلال تثبيت المركزي لسعر الصرف. وقد شجعت الأوضاع المضطربة والتذبذب الحاصل في قيمة الليرة لزيادة ظاهرة "الدولرة" في الاقتصاد.

لامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في السوق السوداء عند 950 ليرة في كانون الأول 2019 فيما بقي سعر الصرف الرسمي عند 434 ليرة، لتنخفض قيمة الليرة بنسبة 94%. وتخلل هذا العام عدة أمور ساهمت في انخفاض الليرة وصعود سعر الصرف في 3 موجات كما يظهر في الشكل رقم (13) يمكن إيجازها بما يلي:

  • تشكلت الموجة الأولى مع تحريك قانون "سيزر" في أمريكا منذ بداية العام وتجديد العقوبات الأوروبية على سورية وفرضها على عدة مؤسسات ورجال أعمال مقربين من النظام، دافعاً لصعود سعر صرف الليرة في النصف الأول من 2019 بشكل بطيء ليصل إلى مستوى 600 ليرة، مع تنامي المخاوف من قدرة النظام على التحرك مالياً وتأمين العملة الصعبة لتغطية فاتورة الواردات؛
  • زادت العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران بسبب تزويدها المحروقات للنظام السوري، الوضع المالي ضبابية وتطلب اعتماد النظام على موارده لتأمين فاتورة الواردات، بعد تقلّص حجم المساعدات الإيرانية المقدّمة للنظام جراء منع وصول البواخر الإيرانية المحملة بالمحروقات والمواد الأساسية إلى المرافئ السورية؛
  • وقد تبين شُح الدولار لدى البنك المركزي السوري في نهاية شهر أيلول عندما خفّض قائمة المنتجات المستوردة التي يسمح للبنوك بتوريدها أو تمويلها من 40 مادة إلى 13 مادة معظمها مواد غذائية وأدوية؛
  • تفاعلت أزمة الليرة مع ما حدث في لبنان على إثر اندلاع الاحتجاجات في الربع الأخير وما نجم عنها من إغلاق للبنوك والحركة المصرفية بشكل سلبي، جراء اعتماد سورية على البنوك اللبنانية للدخول إلى الأسواق العالمية وشراء السلع عبر النظام المالي العالمي تجنباً للعقوبات، فيما أدى إغلاق البنوك وتقييد حركة السحب والإيداع واستقالة الحكومة اللبنانية لموجة هلع في الأسواق اللبنانية سرعان ما انتقلت المضاربات على الدولار في لبنان وسورية ليضغط على الليرتين، وهو ما جعل سعر الصرف يشكل موجة الصعود الثانية ويلامس مستوى 950 ليرة؛
  • فيما كانت موجة الصعود الثالثة مع توقيع الرئيس الأمريكي على قانون "سيزر" في 21 كانون الأول ليصبح نافذاً ويزيد من زخم الصعود مع تدفق الأخبار السلبية على الليرة ومستقبل الاقتصاد السوري بالعموم.

 ومن الناحية التقنية، شكل وصول السعر إلى 700 ليرة للمرة الأولى مستوى المقاومة الأول واختراق حاجز نفسي مهم كما يظهر في الشكل رقم (13)، ليصبح اختراقه لاحقاً دافعاً للصعود واختبار مستويات جديدة ملامساً أعلى سعر لليرة عند 950 ليرة ويرسم عند هذا السعر خط المقاومة الثاني، فيما كانت خطوط الدعم بعد كل موجة صعود عند 600 ليرة و755 ليرة. ويبدو الاتجاه الصاعد واضح كما في الشكل رقم (14) عند تطبيق "الوسطي الحسابي المتحرك" لمدة 14 يوم (للمدى القريب) و50 يوم (للمدى المتوسط) كون السعر يتحرك فوق الوسطي الحسابي.

 

ظهر متغيرٌ طارئٌ استثنائي أثناء فترة إعداد وإخراج التقرير بصعود سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى فوق 3000 ليرة جراء أزمة رامي مخلوف مع بشار الأسد والتي تفاعلت خلال نهاية شهر نيسان حتى شهر حزيران الحالي، حول قضية الاتهامات الموجهة لشركة "سيريتل" حيث تغيّرت لهجة رامي مخلوف من مناشدة لبشار الأسد في الفيديو الأول إلى رسائل تحذيرية وتهديد في آخر منشور له في 1 حزيران 2020. وجراء تفاعل الأزمة بين الحكومة ورامي مخلوف واشتداد حدة المضاربة خرجت الليرة عن السيطرة لتصعد يومياً بين 100-300 ليرة وتصل عتبة 3175 في 8 حزيران 2020 لتشهد على إثر ذلك الأسعار العامة ارتفاعاً ملحوظاً واضطراباً حلَّ في الأسواق المحلية.

2020 سيناريو الهبوط

دخلت سورية مع بداية العام 2020 مرحلة الهبوط من أوسع أبوابه على كافة المستويات. إذ أضاف الاتحاد الأوروبي في 17 شباط 8 رجال أعمال وكيانين إلى قائمة العقوبات بسبب علاقاتهم مع نظام الأسد وتحقيق أرباح عالية جراء تلك العلاقة، وفي 20 شباط فرض مكتب الأمن القومي الأمريكي عقوبات على 12 شخصاً وشركة بينها شركة هندسة عسكرية ومزوّد صيني للاتصالات اللاسلكية ومنتجات الأقمار الصناعية في إطار دعمها لإيران وسورية وكوريا الشمالية، وطبّقت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على وزير الدفاع علي أيوب تتضمن تجميد أصول وحظر سفر، بسبب مسؤوليته عن العنف والأزمة الإنسانية الكارثية في شمال سورية منذ كانون الأول 2019. ومع اقتراب موعد تطبيق قانون "سيزر" في حزيران 2020 سيكون هناك ضغط أكبر على النظام وداعميه وكل من يتعامل معه على كافة الأصعدة.

ومن المتوقع أن تستمر معاناة النظام في تأمين مواد المحروقات بسبب عدم قدرة إيران على إيصال ناقلات محمّلة بالمحروقات من بنزين ومازت وغاز طبيعي للنظام. كما أن جميع محاولات النظام في تسويق إعادة الإعمار ستبوء بالفشل بسبب تقويضها من الولايات المتحدة عبر قانون "سيزر"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في قطاعي الصناعة والتجارة.

فيما يخص قطاع الزراعة فقد عمد النظام إلى السماح باستيراد القمح جراء العجز المتواصل بين الإنتاج والاحتياج، ما أدخل البلاد في أزمة خبز وأدى نقص المادة في الأسواق إلى ظهور سوق سوداء حيث بيعت ربطة الخبز بـ500 ليرة (10 أرغفة) بينما يبلغ سعرها الرسمي 50 ليرة([38]). ولم تكن موازنة العام 2020 أفضل من سابقاتها ولم يصحح النظام الخطأ الهيكلي في اعتماده على التمويل بالعجز وتحمل ديون محلية وخارجية، إذ اعتمد موازنة بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665) وهي أقل من موازنة 2019 بقيمتها بالدولار وليس بالليرة([39]).

وقفزت أسعار الكثير من السلع التموينية في الأسواق المحلية بشكل غير مسبوق، ولدى مقارنة أسعار عيّنة من المواد في 31 كانون الأول 2019 مع نفس المواد في 28 آذار 2020 ستظهر نسب الارتفاع بين ضعف وأربع أضعاف السعر السابق كما يظهر في الشكل رقم (15). وهي نسب ستؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك ومعدل التضخم، لذا من المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة ساحبة معها تكاليف المعيشة الشهرية للربع الأول في 2020 ارتفاعاً عن 380 ألف ليرة.

لم تكن أسعار الغذاء ما ارتفع فقط، إذ ارتفعت أيضاً أسعار البنزين بكل تصنيفاته بحسب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الأول من آذار 2020، حيث بلغ سعر لتر البنزين المدعوم أوكتان (90) 250 ليرة ارتفاعاً عن 225 ليرة، ومما لا شك فيه أن الارتفاع في أسعار المحروقات ستقود لارتفاع أسعار السلع والخدمات([40]).

وفيما يتعلق بسعر صرف الليرة مقابل الدولار فقد عبّر المرسومين 3 و 4 الصادرين عن بشار الأسد في كانون الثاني من 2020 عن فلسفة النظام الأمنية وتعاطيه مع المعطيات الاقتصادية، إذ تم تشديد الإجراءات الأمنية ضد المتعاملين بغير الليرة، وتصل عقوبة المخالفين حد الاعتقال والسجن 7 سنوات وفرض مبالغ مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة، وتشير قرارات كهذه لعجز البنك المركزي عن استخدام أدوات السياسة النقدية كالتدخل بضح دولار في الأسواق ورفع معدل الفائدة لكبح جماح التضخم وحماية الليرة. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية مع المخالفين إلا أن الليرة استمرت في الهبوط([41]).

وشكل سعر صرف الليرة مقابل الدولار موجة الصعود الرابعة بين كانون الثاني وآذار مسجلاً أعلى سعر في 26 آذار 2020 عند 1360 ليرة كما يظهر في الشكل رقم (16). وساهم في هذا الارتفاع تصاعد وتيرة الأزمة المالية في لبنان طالت الاحتياطات بالعملات الأجنبية وإعلان الحكومة في 8 آذار عن تعليق سداد سندات "يوروبوند" للمرة الأولى في تاريخ لبنان؛ ومن ثم جاء إعلان الحكومة عن أول إصابة بفيروس "كورونا" في سورية في 22 آذار واتخاذ جملة من الإجراءات في إطار الحجر الصحي الجزئي.

ومع تطبيق اتجاه متسارع، trend line exponential على الرسم البياني في الشكل رقم (17) حتى نهاية 2020 سيظهر سيناريو ارتفاع سعر الصرف إلى مستوى 2000 ليرة أمام الدولار.

 

صعوبات كبيرة تمهّد لتنازلات

يواجه الاقتصاد السوري جملة من العوامل خلال عام 2020، تجعل الواقع أكثر صعوبة ويُنذر باستنزاف متزايد لجيوب السوريين وتعبهم ومن بينها ما يلي:

العقوبات: لم تثبت التجارب التاريخية نجاعة العقوبات في تعديل سلوك الأنظمة الشمولية، إلا أن ما طُبّق من عقوبات على سورية وإيران، ومن ثم فقانون "سيزر" كفيل بزيادة الخناق على النظام وتقييد قدرته على التهرب والالتفاف على العقوبات، إذ من شأن القانون فرض عقوبات على  الأفراد الأجانب الذين يبيعون أو يوفرون كميات يُعتدّ بها من سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تيسّر أو توسّع نطاق الإنتاج النفطي السوري الحكومي المحلي، وخدمات بناء أو هندسة وطائرات أو قطع غيار أو خدمات أخرى للحكومة، وبالتالي قد يشهد قطاع الطاقة مزيد من التدهور وشح متزايد في المحروقات، وإيقاف مساعي النظام في تسويق ملف إعادة الإعمار وأخيراً إفشال أي محاولة لإعادة الشرعية للأسد وإعادة العلاقات كما كانت.

تخلي الدولة عن الدعم: تخلّي النظام عن دعم المواد الأساسية من غذاء ومحروقات يخفف عن كاهله مبالغ مالية كبيرة وأعباءً اجتماعية لكنها في نفس الوقت تزيد من ارتفاع الأسعار ومن سخط المواطنين على النظام.

حلفاء الأمس: أسهمت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بسبب مساندتها النظام وتدخلها في سورية، والأزمة الاقتصادية في لبنان، والضغوط الاقتصادية على روسيا، للحد من قدرة تلك البلدان على مساعدة النظام مالياً ومادياً التي لطالما اعتبرها حليفاً له.

كورونا: تشكل جائحة كورونا ضيفاً ثقيل الظل على سورية على مستوى الحكومة والاقتصاد والمواطن، إذ تواجه سورية هذا الفيروس وسط نظام رعاية صحي متردٍ جداً فـ50% من المشافي خارج الخدمة وتراجع إنتاج الأدوية لأكثر من 50% وهرب أكثر من ثلثي العاملين في مجال الرعاية الطبية من البلاد إضافة إلى ارتفاع أسعار مئات الأصناف من الأدوية. ومع انتشار الوباء في سورية ارتفع سعر الكمامة إلى 3500 ليرة من 30 ليرة، وسعر عبوة مطهر اليدين من 250 إلى 500 ليرة وزجاجة الكحول الطبية بلغ سعرها 2500 ليرة بعدما كانت 500 ليرة.

تشظي البلاد: يُسهم استمرار اندلاع عمليات عسكرية كما في العملية التركية "درع الربيع" في آذار 2020 وعدم التوصل لاتفاق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق الفرات، بضغوط متزايدة على الاقتصاد السوري جراء توزع الأدوار والثروات.

خاتمة

أسهمت عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للاقتصاد قبل الثورة لترسيخ إشكالات هيكلية رافقت الاقتصاد السوري خلال العقود الماضية التي سبقت الثورة، ومع تنامي هذين العاملين وتغوّل النظام في الحلول الأمنية وزج أفراد الجيش واستخدام كافة أنواع الأسلحة لقمع المتظاهرين وإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وزاد حجم الإنفاق العسكري فاستنزف الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي وهبطت قيمة الليرة إلى أدنى مستوى لها وتردت مستويات المعيشية وارتفع حجم الديون الخارجية لصالح إيران وروسيا.

واتبع المجتمع الدولي سياسة فرض العقوبات والعزلة الدولية لتعديل سلوك النظام القمعي ومنع أي تحركات إقليمية ودولية لإعادة الشرعية للنظام وتمرير أموال إعادة الإعمار، فراقبت الولايات المتحدة وأوروبا عن كثب الكيانات ورجال الأعمال والمقرّبين من النظام الذين ساهموا في تطوير البلد وإعادة الإعمار وتم تطبيق عقوبات عليهم، وأثّرت العقوبات الأمريكية على إيران على المساعدات المقدمة للنظام فعانت سورية من شح شديد في المحروقات أدى لارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، وأغلقت الأزمة الاقتصادية في لبنان المتنفس الوحيد الذي يستخدمه النظام في تعاملاته المالية والاقتصادية مع العالم. ومع نهاية العام 2019 فرضت الولايات المتحدة على سورية عقوبات شديدة ضمن قانون "سيزر" ليلامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في تاريخه عند 950 ليرة.

ولاحقاً في عام 2020 أصبح الاقتصاد على أعتاب انهيار متسارع بعد ظهور وباء كورونا واشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان واقتراب موعد سريان قانون "سيزر" في شهر حزيران واندلاع عمليات عسكرية في الشمال، وهو ما رسم صورة قاتمة لمستقبل سورية قد يجعلها بلداً معزولة ومتخلفة في كافة المؤشرات.

وبيّن التقرير في تحليل الجانب التقني لسعر صرف الليرة السورية حتى الربع الأول من 2020 سلوك الليرة أربع موجات صعود بعد اختراق مستوى 700 ليرة و950 ليرة و1230 ليرة و1360 ليرة وأظهر استخدام المتوسط المتحرك على المدى القريب والمتوسط والاتجاه المتسارع احتمال صعود السعر إلى 2000 ليرة في نهاية العام 2020.

انعكس تردي أوضاع الليرة والإنتاج على مؤشر أسعار المستهلك ليرتفع حتى شهر آب 2019 إلى 880 ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم مستوى 1000 مع التحديثات التي حصلت على الأرقام والمؤشرات بعد ذلك الشهر. ولدى مقارنة أسعار مجموعة من السلع الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 تبين ارتفاع الأسعار ضعف وأربع أضعاف السعر السابق، وهو ما سيزيد من تكاليف احتياجات الأسرة من 5 أفراد إلى أكثر من 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019، ولم تفلح سياسة زيادة الأجور إلى 60 ألف ليرة إلا لمزيد من ارتفاع المعدل العام للأسعار. وبدورها ساهمت الزيادة في الأسعار والارتفاع في تكاليف المعيشة والانخفاض المتواصل في بيئة العمل، إلى زيادة معدلات الفقر لتتربع سورية على عرش أفقر دولة في العالم بوقوع 83% من السكان تحت خط الفقر.

أخيراً وبعد تسع سنوات من الثورة ومن ممارسات النظام العسكرية وإدارته السيئة للاقتصاد يبدو جلياً أن عام 2019 كان الأسوأ على النظام من حيث فرض مزيد من العقوبات واحتدام أزمة المحروقات وانخفاض قيمة الليرة وفشل جهوده في إعادة الإعمار وعودة الشرعية، والأسوأ على المواطن بعد تزايد الأسعار وتآكل القوة الشرائية وحرماناً متعدد الأبعاد، وهو ما يدخل البلاد في سيناريو كارثي خلال الشهور المقبلة. ولا يمكن الحديث عن أي تغير إيجابي في المؤشرات دون وضع البلد على سكة الانتقال السياسي للسلطة وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، وإيقاف العسكرة وإدارة الاقتصاد من أشخاص ذوي كفاءات عالية قادرين على تصحيح ما آلت إليه الأوضاع.

ملحق: جدول بالعقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام خلال عام 2019

التاريخ

البلد

القطاع/النوع

الوصف

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

محكمة الاتحاد الأوروبي تفرض عقوبات على شركة بنا العقارية وشام القابضة

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

إضافة 11 رجل أعمال و5 مؤسسات للعقوبات لدعم/استفادة من النظام من خلال المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام.

21 كانون الثاني

أوروبية

محاسبة

إضافة 9 أشخاص ومؤسسة للعقوبات المفروضة على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، تشمل تجميد أصول ومنع سفر.

21 كانون الثاني

ألمانية

مكافحة إرهاب

منع خطوط الطيران الإيرانية "mahan air" من تشغيل رحلات الركاب من وإلى مطاراتها بسبب نقل المليشيات ومعداتهم إلى سورية وبلدان الشرق الأوسط الأخرى التي تشهد نزاعات.

24 كانون الثاني

أمريكية

مكافحة إرهاب

فرض عقوبات على مليشيات مدعومة من إيران لها مقرات في سورية، فاطميون ولواء زينبيون، لتقديم الدعم المادي لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، قدس.

6 شباط

أمريكية

محاسبة

أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية قانون سيزر القاضي بفرض عقوبات على النظام وداعميه.

8 شباط

أوروبية

تجارة وصناعة

تجديد العقوبات السنوية على رجل الأعمال وائل عبد الكريم وشركة الكريم للتجارة والصناعة في سورية.

4 آذار

أوروبية

محاسبة

الاتحاد الأوروبي يضيف سبع وزراء لقائمة العقوبات السورية (حجز أصول ومنع سفر) على خلفية التغييرات الحكومية في سورية.

7 آذار

أوروبية

محاسبة

المحكمة الأوروبية ترفض رفع العقوبات عن مؤسسات مرتبطة برامي مخلوف هي: شركة صروح، والمشرق للاستثمار، ودريكس تكنولوجي.

27 آذار

أمريكية

النفط

نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تقريراً حول المخاطر التي تواجه الأطراف المشاركة في شحنات النفط للحكومة السورية بغض النظر عن مواقع أو جنسية أولئك الذين يسهلون هذا الدعم.

29 آذار

أوروبية

محاسبة

دول مقدونيا وصربيا وألبانيا والبوسنة توافق على قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات على سورية

8 نيسان

بريطانيا

مكافحة غسيل الاموال

نشرت بريطانيا لوائح بموجب قانون العقوبات ومحافظة غسل الأموال لعام 2018 بشأن سورية والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

9 أيار

أمريكية

محاسبة

تجديد العقوبات على سورية لمدة عام بسبب وحشية النظام وقمع الشعب السوري وما يتعلق باستخدام الاسلحة الكيميائية

10 أيار

أوروبية

محاسبة

رفضت المحكمة الأوروبية طلب عمار شريف لإلغاء العقوبات الخاصة به 

17 أيار

أوروبية

محاسبة

تجديد العقوبات المفروضة على سورية لمدة عام حتى 1 حزيران 2020 على خلفية العنف الممارس من النظام ضد المدنيين

23 أيار

بريطانية

التمويل

مصادرة 25 ألف جنيه استرليني من ابنة أخت بشار الأسد، أنيسة شوكت، بعد استخدام حسابها المصرفي للتهرب من العقوبات والاحتفاظ بأموال النظام السوري.

29 أيار

بلجيكية

الأسلحة الكيميائية

أدانت المحكمة الجنائية في بلجيكا 3 شركات وشخصين من مدراءها الإداريين بانتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي لتصدير مواد كيميائية إلى سورية دون ترخيص، احتوت 24 عملية تسليم للنظام بينها 160 طن من مكونات غاز السارين

12 حزيران

أمريكية

إعادة الإعمار

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكية، سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية.

24 حزيران

أمريكية

محاسبة

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على خامنئي وثمانية من كبار القادة العسكريين في إيران. واستهدفت تصفير إيرادات النفط الإيرانية ومنع أي دولة وشركة للتعامل معها في هذا المجال.

4 تموز

بريطانية

النفط

الاستيلاء على ناقلة عملاقة "غرايس 1" شرق جبل طارق يشتبه أنها خرقت عقوبات الاتحاد الأوروبي عن طريق نقل النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سورية.

8 تموز

بريطانية

النفط

اعتمد جبل طارق لوائح قانون العقوبات لعام 2019 والاعتراف والتنفيذ التلقائي لجزاءات الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة.

15 آب

أمريكية

النفط

طلبت وزارة العدل الأمريكية الاستيلاء على الناقلة الإيرانية "جريس 1" التي احتجزتها في جبل طارق للاشتباه في اختراق عقوبات أوروبا على سورية

16 آب

أمريكية

النفط

أشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد الحرس الثوري الإسلامي عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذرت الوزارة من عواقب وخيمة على أي فرد مرتبط بالناقلة

23 آب

أمريكية

محاسبة

حذرت الولايات المتحدة من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري وهو ما قد يعرضهم للعقوبات.

29 آب

أمريكية

محاسبة التمويل

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بنك جمال ترست على لائحة العقوبات لتقديمه خدمات مصرفية لحزب الله ومؤسسة الشهداء في إيران.

2 أيلول

أمريكية

النفط

طبق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ناقلة "أدريان درايا 1" كممتلكات محجوزة، وربان الناقلة كومار أخليش من الحرس الثوري الإيراني.

6  أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة. وهؤلاء هم شبكة تتألف من مسؤولين وشركات شحن وتأمين يديرها الحرس الثوري الإيراني الداعم للنظام السوري.

10 أيلول

أمريكية

محاسبة والتمويل

عاقب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قائمة من الأشخاص والشركات بتهمة تقديم الدعم المالي لجماعات مصنفة إرهابية، ومن بينها شركة سكسوك للصرافة في تركيا ولبنان وسورية، وشركة الحرم للصرافة، والخالدي، والحبو للمجوهرات.

11 أيلول

بريطانية

النفط

اتهمت إيران بتسليم النفط لنظام الأسد في انتهاك لتأكيداتها أنها لن تسلم النفط لأي كيان في سورية أو مكان آخر يطبق عليه عقوبات في أوروبا بعد إطلاق سراح سفينة "أدريان داريا 1". 

20 أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

استهداف البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية الوطنية الإيرانية وشركة اعتماد للتجارة.

23 أيلول

بريطانية

محاسبة

اتهام شركة دان بونكيرنع بانتهاك العقوبات على سورية في أوروبا من قبل المدعي العام الدينماركي، بزعم أن الشركة باعت ما لا يقل عن 30 ألف طن من وقود الطائرات لنظام الأسد.

30 أيلول

أمريكية

النفط

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كيان (شركة مارتيم) و3 أشخاص و5 سفن قيل إنها سهلت إيصال وقود الطائرات إلى القوات الروسية في سورية.

14 تشرين الأول

أمريكية

الأسلحة الكيميائية

مدد المجلس الأوربي التدابير التقييدية التي تتناول استخدام الأسلحة الكيميائية وانتشاراها حتى 16 تشرين الأول 2020، وتشمل حظر السفر وتجميد الأصول على 9 أشخاص وكيان، 5 منهم مرتبطين بنظام الأسد. 

25 تشرين الأول

كندية

محاسبة

تطبيق عقوبات على المواطن السوري الكندي نادر محمد قلعي، بسبب خرقه التدابير الاقتصادية الخاصة بسورية بعد دفع ما يعادل 140 ألف دولار كندي إلى شركة العقارات والاتصالات السورية.

28 تشرين الأول

بريطانية

محاسبة

فرض مكتب العقوبات المالية عقوبة قدرها 146,341 ألف جنيه استرليني على شركة تاليا المحدودة للتوظيف لخرقها لوائح العقوبات على سورية.

19 تشرين الثاني

أمريكية

مكافحة الإرهاب

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 2 من وكلاء المشتريات في "داعش" ومقرهما تركيا و4 شركات مرتبطة بـ"داعش" تعمل في سورية وتركيا والخليج وأوروبا لتقديم الدعم المالي واللوجستي لـ"داعش".

18 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون "سيزر لحماية المديين السوريين عام 2019" يسمع بفرض عقوبات على مسؤولين وقادة عسكريين ومدنيين سوريين وكل من يثبت تورطه في الأعمال الوحشية في سورية.

21 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

ترامب يوقع على قانون سيزر ليصبح ساري المفعول

 الجدول رقم (1) العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري خلال 2019 المصدر:

Enab Baladi, US department of treasury, European sanctions


([1]) استقى الباحث فكرة التقرير وبيانات كثيرة للاقتصاد السوري على التقارير الصادرة خلال عام 2019 من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مؤشرات الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام السوري خلال عام 2019 انهيار متواصل، واعتمادية متنامية، رابط:  https://t.co/tf26VRsiug?amp=1

([2])  المحمود حمود، اقتصاد الحرب في الصراع السوري: تكتيك "دبر راسك"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 23 تموز 2015، رابط:

 https://carnegie-mec.org/2015/07/23/ar-pub-60273

([3])  الإنفاق العسكري في سورية من 1988 – 2011 ونسبتها من الإنفاق الحكومي ومن الناتج المحلي الإجمالي، معهد ستوكهولم للسلام، المصدر:

https://www.sipri.org/databases/milex

([4]) خسائر الاقتصاد السوري تقترب من ترليون دولار والتعافي يحتاج 20 عاماً، cnbc  عربية، رابط يوتيوب: https://bit.ly/2Use3kQ

([5]) الموازنة العامة في سورية لعام 2019: أداة لتمويه الواقع الاقتصادي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 24 كانون الأول 2018، رابط مختصر: https://bit.ly/2YOJxVi

([6]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015، شباط 2016.

([7]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، مصدر سابق.

([8]) المصدر السابق مباشرة.

([9])  رجال أعمال "ماروتا سيتي".. تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي، المدن، 22 كانون الثاني 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/33WNIPv

([10]) معرض دمشق الدولي نجاح إعلامي تكذبه الأرقام، عنب بلدي، 6 أيلول 2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/326378

([11]) واشنطن تفرض عقوبات على شركات سورية مختصة بتحويل الأموال، عنب بلدي، 11 أيلول 2019، رابط:  https://bit.ly/2AZZnT6

([12])يازجي جهاد، مصائب سورية الاقتصادية المتزايدة: الأزمة اللبنانية، قانون قيصر، ثم فيروس كورونا، 26 آذار 2020، مبادرة الإصلاح العربي، رابط: https://bit.ly/2w9bADc

([13]) هكذا تغزو إيران سورية اقتصادياً، إيران انسايدر، رابط مختصر: https://bit.ly/2X4qdTr 

([14]) تصريح لرئيس الحكومة عماد خميس في مجلس الشعب، كانون الثاني 2019، موقع الحل السوري، رابط مختصر: https://bit.ly/3azasaX

([15]) أزمة البنزين: الائتمان الإيراني متوقف.. بانتظار التنازلات؟، المدن، 17 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2UQ3Uhp

([16]) تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية، علي غانم أثناء مداخلة للوزير في مجلس الشعب في أكتوبر 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11938/

([17])  أخبار النفط والغاز السوري، تشرين الأول 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11935/

([18])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12859/

([19])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12917/

([20]) اسطوانة الغاز تنخفض إلى 7 آلاف ليرة في السوق السوداء، 12 كانون الثاني 2019، عنب بلدي، رابط: https://bit.ly/2AZZnT6

([21]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، 21 آذار 2019، اقتصاد، رابط: https://www.eqtsad.net/news/article/24384/

([22]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، 15 نيسان 2019، درج، رابط: https://daraj.com/16640/

([23]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، مصدر سابق.

([24]) مكية أسامة، قطاع الكهرباء في سورية ينهار تحت وطأة الحصار، 12 آذار 2016، الحل، رابط مختصر: https://bit.ly/33XlXXd

([25]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، مصدر سابق.

([26]) ما هي أهم الصناعات العامة المتوقفة والمتراجعة؟، قاسيون، 24 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2WXoS0t

([27]) سورية الأكثر فقرا في العالم، عنب بلدي، 22 شباط 2002، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([28]) محمود عشتار، الصادرات السورية خام ومتراجعة في 2018، قاسيون، 6 آب 2019، رابط: https://kassioun.org/economic/item/62551-2018

([29]) مرور الشاحنة الواحد عبر سورية يكلف ألف دولار، بروكار برس، 26 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/3ayoKsl

([30]) أمريكا تطالب تجار الأردن بمغادرة أسواق النظام بأسرع وقت، بروكار برس، 24 آذار 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2youxT6

([31])الطقس غير المستقر والنزاع الذي طال أمده يلحقان الضرر بالإنتاج الزراعي في سورية، 9 تشرين الأول 2018، منظمة فاو الدولية، رابط مختصر: https://bit.ly/2JGfkzj

([32]) موسم 2019 مليونا طن من القمح ومثلها من الشعير، 9 أيلول 2019، قاسيون، رابط: https://www.kassioun.org/economic/item/62853-2019

([33]) موسم الحمضيات الحقول عامرة بالخير ماذا عن التسويق، 10 كانون الأول 2018، سانا، رابط: https://www.sana.sy/?p=859529

([34]) توزع عوائد الحمصيات بين المنتجين والتجار والمصدرين، قاسيون، 3 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2QXNHpq  

([35]) ظاهر جوزيف، الأسباب العميقة لتدهور قيمة الليرة السورية، 31 كانون الثاني 2020، مسارات الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3bJDS6u

([36]  سورية الأكثر فقراً في العالم، 22 شباط 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([37]) احتجاجات السويداء تتمسك بـ«مطالب معيشية» وتبتعد عن السياسة، 19 كانون الثاني 2020، الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3dPE9Xp

([38]) السماح باستيراد الطحين للجميع أزمة خبز مستمرة في سوريا، 30 آذار 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/373805 

([39]) حداد وجيه، موازنة 2020 السورية: التمويل بالعجز، 29 تشرين الأول 2019، المدن، رابط: https://bit.ly/2V4CeFR

([40]) سوريا ترفع أسعار البنزين، 1 آذار 2020، روسيا اليوم، رابط: https://bit.ly/2xEthLi

([41]) مراسيم الأسد لمواجهة "الدولرة"... صارمة لكنها هشة، عنب بلدي، 2 شباط 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/359970

تمهيد

لا تزال تواجه محافظة إدلب والمناطق المحيطة العديد من المهددات الأمنية الداخلية والخارجية، وترسم مشهداً مليئاً بالارتكاسات المحتملة؛ ومن بين تلك المهددات والتحديات ملف تنظيم "حراس الدين" الذي يتسم بآليات عمل ذاتية خاصة؛ وديناميات متعددة في العلاقة مع الفواعل الآخرين؛ وتصاعدت أهمية هذا الملف من خلال انتقال العلاقة مع هيئة تحرير الشام من علاقة مضطربة محكومة بالمصلحة إلى المواجهة العسكرية. وفي ظل أسئلة التحديات الداخلية للمحافظة وما يشكله من عبء و"حجج" تدخل عسكري تزيد من الأعباء السياسية والاجتماعية والأمنية المحلية؛ يحاول هذا التقرير تبيان ماهية تنظيم "حراس الدين" وأبرز تحولاته وعلاقاته المحلية؛ محاولاً الوقوف على الاتجاهات العامة المتوقعة لمستقبل صراعه مع "الهيئة". ([1])

البطاقة التعريفية

كانت الانطلاقة الرسمية للتنظيم في 27 شباط 2018، حيث اندمجت سبع مجموعات متشددة في إدلب ومحيطها (كما هو موضح بالجدول(،([2]) وشكلت جسم عسكري واحد سُمي بـ "تنظيم حراس الدين"، انضمت إليه 10 تشكيلات أخرى كانت أغلبها تجمعات محلية صغيرة أو منشقة من فصائل أخرى، وتتسم كل الفصائل المنضوية للتشكيل الجديد بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة مع تنظيم القاعدة.[3] وهو أمر ساهم في اعتبار التنظيم الجديد أحد مكونات تنظيم القاعدة التي تُعرف بولائها لزعيم التنظيم أيمن الظواهري. ([4])

اسم الفصيل

قيادة أجنبية

عناصر أجنبية

القوة العسكرية حينها (1 إلى 10)

علاقة مع القاعدة

العلاقة مع تنظيم داعش

جيش الملاحم

لا

نعم

6

نعم

لا

جيش الساحل

لا

لا

2

نعم

لا

جيش البادية

لا

لا

3

نعم

لا

سرايا الساحل

لا

نعم

3

نعم

لا

سرايا كابل

نعم

نعم

2

لا

نعم

جند الشريعة

نعم

نعم

1

لا

لا

جند الأقصى

نعم

نعم

4

لا

نعم

خريطة (1): السيطرة الشاملة في محافظة إدلب -28 أيار 2020 ([5])

يفتقر التنظيم لهيكل إداري مركزي؛ وتتوزع بنيته إلى مجموعات صغيرة في أجزاء مختلفة من شمال سورية. وتعمل كل مجموعة على اجتذاب المهاجرين (المقاتلين الأجانب) وكذلك المقاتلين المحليين الذين غادروا "هيئة تحرير الشام". وفي الفترات الأولى من تشكيل التنظيم كان ما لا يقل عن نصف أعضاء المجموعة البالغ عددهم 700-2500 من المقاتلين الأجانب فيما وصل عدد مقاتليها في 2020 إلى 3500 مقاتل منهم 60% إلى 70% أجانب. ([6])

تزعم التنظيم منذ الإعلان سمير حجازي الملقب بأبو همَّام الشامي، بينما تولى قيادته العسكرية أبو همَّام الأردني. أمّا أبرز علمائه الشرعيين فهُما الأردنيان سامي العريدي وأبو جليبيب الأردني. كما يضم العديد من "الشخصيات الجهادية" مثل أبو بصير البريطاني وأبو أنس السعودي وحسين الكردي وأسماء أخرى معروفة في المشهد الجهادي ومعروفة بولائها لتنظيم القاعدة.

 

في 30 حزيران 2019 أكدت وزارة الدفاع الأمريكية عن قيام أحد مسيراتها باستهداف بناء في جنوب حلب ضمن مواقع سيطرة المعارضة؛ حيث كان يجتمع فيه  عدد من قادة "حراس الدين" وغيرها من الفصائل المتشددة وذلك من أجل حل نزاعات داخلية. ([7])  وبعد شهر ( في 31 آب 2019) أعلنت الوزارة مرة أخرى عن استهدافها لمعسكر تدريبي يستخدمه كل من "حراس الدين" و"أنصار التوحيد"، وأسفر الاستهداف عن مقتل أحد أهم قادة الأنصار وهو ليبي الجنسية وملقب بأبو أسامة الليبي.([8]) وفي 10 أيلول 2019 ؛ أدرجت الولايات المتحدة التنظيم وزعيمه المؤسس سمير حجازي على لائحة قوائم الإرهاب وأعلنت حينها عن مكافأة وصلت إلى 5 مليون دولار أمريكي لمن يقدم أي معلومات عن التنظيم أو أحد قادته،([9]) وجاءت هذه القوائم بعد 10 أيام فقط من تنفيذ الولايات المتحدة لغارتها الجوية الثالثة في غضون شهرين ضد التنظيم في محافظة إدلب السورية.  وفي 22 تشرين الثاني 2019 أعلن تنظيم "حراس الدين" عن مقتل أحد أهم قادته الأردنيين "بلال خريسات" وذلك بعد استهداف موقع تواجد عن طريق مسيرة أمريكية. ([10])

ديناميات الموقف والقرار العسكري

لا يعتبر التنظيم، من التنظيمات التي تمتلك قدرة وقوة عسكرية بحد ذاته، لذلك غالباً ما يلجأ إلى التحالفات مع تنظيمات أخرى عند قيامه بهجمات عسكرية على المناطق الخارجة عن سيطرته، كجماعة "أنصار التوحيد" و"جبهة أنصار الدين" وغيرهم، ولا يمتلك "التنظيم" قيادة مركزية فعلية، وإنما كل مجموعة تابعة له تقوم بإدارة شؤونها وتخطط وتنفذ لعمليات الخطف أو القتل بحسب ما تراه أنه يحقق أهدافها.

يتواجد التنظيم وينتشر بشكل مُكثف وقوي في 14 نقطة (قرية/بلدة) في مناطق سيطرة المعارضة بإدلب، 14 موقع من أصل 206 موقع تحت سيطرة الجبهة الوطنية أو الهيئة أي يعني 7٪ من النسبة الكاملة لسيطرة المعارضة، وغالبية تلك المواقع متواجدة في الجنوبي الغربي مما تبقى للمعارضة في المنطقة (انظر الخريطة أدناه)، وتجدر الاشارة هنا إلى أنه لا يمكن توصيف تواجدهم في تلك المناطق بالسيطرة بحكم ديناميات عملهم فهم يعتمدون على التحرك السريع والانتشار المؤقت في مواقع أخرى ولفترة قصيرة جداً من أجل تحقيق أهداف معينة، من الممكن وصف هذا الانتشار (بالانتشار الطيار) والذي حصل 9 مرات منذ تشكيل التنظيم وكان غالباً يترافق بعمليات خطف أو اغتيالات في المنطقة. ([11])

مع بداية عام 2019 وعلى الرغم من صغر حجم الفصيل من ناحية العتاد؛ بينت حسابات موالية للحراس بأن التنظيم نفذ أكثر من 200 هجوم في محافظات إدلب واللاذقية وحماة وحلب على مواقع للنظام، ولكن دائماً ما كان التنظيم يشترك بتلك العمليات مع مجموعات أخرى، أمثال "حزب الإسلام التركستاني" أو "أنصار التوحيد"، وحتى "هيئة تحرير الشام" في بعض الأحيان على الرغم من أن العلاقة آنذاك بين التنظيم و” الهيئة” كانت تشهد توتراً قابلاً للانفجار.

ملحق خريطة السيطرة والنفوذ في محافظة إدلب وما حولها/نيسان 2020

ترتبط بوصلة الموقف العسكري للتنظيم  حيال العلاقة مع الفواعل المحلية بمحدد "قرب تلك الفواعل من فكر وهيكلية تنظيم داعش بالدرجة الاولى وتنظيم القاعدة بالدرجة الثانية"؛ بينما ترتبط في باقي الفواعل بعلاقة براغماتية تتغير وفق طبيعة الظرف الأمني العام والحركة العسكرية ضد النظام؛ ففي حين اندمج التنظيم في  28 نيسان 2018  مع فصيل "أنصار التوحيد" (جند الأقصى سابقاً) تحت مسمى حلف نصرة الإسلام  بدوافع أيديولوجية،([12]) بالإضافة إلى اندماجه مع بقايا تنظيم داعش؛ اضطر – بحكم الدوافع البراغماتية - في 26 نيسان 2018 للقيام بشن هجمات مشتركة مع أنصار التوحيد (وهو فصيل غالبيته من جند الأقصى) وجيش العزة، على قوات النظام السوري في ريف محافظة حماة الشمالي، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يتعاون فيها حرس الدين مع فصيل من الجيش الحر بشكل مباشر.

من جهة أخرى؛ وعلى الرغم ما تظهره العلاقة الراهنة من توتر مع هيئة تحرير الشام؛ فقد أصدر التنظيم في 29 شباط 2018 بياناً يوضح فيه معارضته للقتال الحاصل بين الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام، وبيّن بذات السياق أنه سوف يهاجم الجبهة الوطنية في حال قررت الهجوم على مواقع “الهيئة” في كل من "محمبل، بسنقول، وكفرشلايا" وهي مواقع ينتشر فيها تنظيم "حراس الدين" بكثافة.  إلا أن هذا الموقف البراغماتي لم يمنع هذا التنظيم في 30 كانون الأول 2019 من رفض اقتراح “الهيئة” بتشكيل مجلس عسكري مشترك في إدلب، تحت إشراف قادة عسكريين وشرعيين من "الهيئة".([13]) وفي 10أيار 2020 نُشر بيان منسوب للقائد العام لتنظيم "حراس الدين" أبو همام الشامي"، يحذّر فيه عناصر "هيئة تحرير الشام" من القبول بالعمل تحت راية الجيش التركي، أو ضمن اتفاقات سوتشي وغيرها من التوافقات الدولية.

تدلل بعض المحطات في حركية هذا التنظيم على خصوصية العلاقة مع تنظيم داعش على الرغم من قيام الأخير بتكفير "حراس الدين" في مطلع عام 2018، ويمكن استنتاج هذه الخصوصية من خلال عدة مؤشرات؛ أولهما حين قتل أحد أهم قادته (أبو جليبيب الأردني) في 28 تشرين الثاني 2018 قتل في درعا حيث رجح أنه كان بمهمة تتعلق بالتواصل مع خلايا تنظيم داعش المتبقية في المنطقة. وثاني تلك المؤشرات يتأتى من مقتل مقاتلي "حراس الدين" برفقة "البغدادي" في 27 تشرين الأول 2019. ([14])

خلاف مرجعي ومصلحي مع "هتش"

لم تشن "الهيئة" عمل عسكري أو أمني واسع على "حراس الدين" خلال عامي 2018 و2019، لا بل كانت تتعاون معها في بعض الأحيان، ويعود السبب لرغبة "الهيئة" في عدم فتح جبهة داخلية وتأجيل التصعيد  إلى انخراطها باقتتال مستمر مع الجبهة الوطنية للتحرير وتشكيلات محلية من الجيش الحر. ومركزة بذات الوقت على الانتفاضة المدنية ضد الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ بالإضافة إلى الوضع غير المستقر مع جبهات النظام، عموماً ولفهم طبيعة العلاقة المعقدة يمكن تفنيد أسباب الخلاف في ثلاثة محاور: .([15]) ([16])

المحور الأول: اختلاف المرجعيات: على الرغم من أن غالبية تنظيم حراس الدين هم من المنشقين عن هيئة تحرير الشام إلا أن الخلافات البينية تتمركز إلى حد كبير على مستوى القيادة وجراء قضية رئيسية تتمثل بقيام هيئة تحرير الشام اعلان فك ارتباطها بالقاعدة. وما استلحقته "الهيئة"  في 27 تشرين الثاني 2017 من اعتقال لكل من (سامي العريدي، الرئيس السابق للمجلس الشرعي لجبهة النصرة، أبو جليب الأردني قائد جبهة نصرة في الجنوب (درعا)، إياد نظمي صالح خليل قائد عسكري، أبو خديجة الأردني، وأبو مصعب الليبي)، ([17]) وهي أسماء امتازت بعلاقة وطيدة مع تنظيم القاعدة، وبعد هذه الاعتقالات، استقال العديد من أعضاء هيئة تحرير الشام، وهددت العديد من الفصائل المنضوية في "الهيئة" بالانفصال عنها، مما دفع الجولاني إلى تجديد المفاوضات مع القاعدة، التي لم تؤد في النهاية إلى أي شيء.  إذاً يتمسّك تنظيم حراس الدين بمرجعية تنظيم القاعدة الأم وبالولاء للظواهري كأمير التنظيم ولـ "أبو محمد المقدسي" كمرجعية أيديولوجية، أما الهيئة فتتمسك بمشروعه الخاص، وتستند إلى "أبو قتادة الفلسطيني"، بوصفه المرجعية الجهادية الداعمة لفكّ الارتباط.

المحور الثاني: المحور الاقتصادي؛ لا يمكن إغفال العنصر المالي والموارد الاقتصادية من خارطة الصراع البينية؛ إذا تتعزز المعطيات باتجاه تكوين مقاربة مفادها أن جذور الخلاف هو من جهة "حراس الدين" البحث عن موارد تعينه على التماسك التنظيمي وتوفر له قدرة على زيادة هوامش حركته العسكرية حيث تعد مسالة نقص التمويل وانخفاض مستويات التسلح إحدى مظاهر الضعف في التنظيم؛ ومن جهة الهيئة هو حماية مصالحها وما تعتبره مواردها من المخاطر الداخلية. ([18])

المحور الثالث: خلافات في المصالح لاسيما المرتبطة بمسائل السلاح والأمن المعلوماتي، وتمظهر هذا الخلاف على سبيل المثال في اتهام "حراس الدين" لبعض قياديين "الهيئة" بإرسال مواقع جغرافية لقادتهم الأجانب إلى التحالف الدولي (أمريكا)، بالإضافة إلى اتهام مباشر لـ "أبو محمد الجولاني"، بالتعامل مع الأتراك والأمريكيين، والوشاية بالقيادات الأجنبية لـــ "حراس الدين". ([19]) ([20])

في بداية شهر شباط عام 2018؛ وقعت المناوشة العسكرية الأولى بين التنظيمين، بعد حرب إعلامية وتبادل للاتّهامات بين الطرفين واتهام "حراس الدين" للهيئة بالانحراف عن المشروع الإسلامي الجهادي، وأعلن هذا التنظيم عن نيته بالبدء باستهداف العدو القريب والبعيد في آن معا، إشارة منه على بدأ مرحلة العمل العسكري ضد الهيئة ([21])، تلك الأحداث أسفرت عن حصول تنظيم "حراس الدين" على تأييد من معظم منظّري التيار السلفي الجهادي، وحظي بدعم وتمويل مباشر من القاعدة، واستقطب عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب الذين  حاول "أبو محمد الجولاني" التخلّص منهم. وفي 10 شباط 2018، تجددت الاشتباكات العسكرية بين "حراس الدين" و"الهيئة"، وتحديداً في بلدة "تل حدية" بريف حلب الجنوبي، وامتدت المعارك إلى مناطق في ريفي حماه واللاذقية، انتهت بعد وساطة من بعض الشرعيين. ([22])

في 13 كانون الأول 2019 توصل كل من "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين"، إلى اتفاق لحل الخلاف بين الطرفين في محافظة إدلب شمالي سوريا. بوساطة من "جماعة أنصار الإسلام"، بهدف وقف الخلاف بين "تحرير الشام" و"حراس الدين"، ونص الاتفاق حينها على إطلاق سراح الموقوفين والمحتجزين من الطرفين، وتشكيل لجنة قضائية مشتركة برضاهما، مع مهلة 24 ساعة للاتفاق على "مرجح النزاع". وشدد الاتفاق على تسليم جميع الموقوفين للجنة المشّكلة، كما أشارت بنود الاتفاق على أن شخص يلقب "الشيخ أبي عبد الكريم" المقرب من الهيئة سيكون المشرف على عمل اللجنة وبضمان من "جماعة أنصار الإسلام".

المواجهة المؤجلة 

لا شك فقد شكل الموقف المصلحي للهيئة حيال الاتفاق التركي الروسي نقطة توجس للحراس؛  خاصة مع قيام الهيئة في مطلع آذار 2020 بإعادة النظر في أساس علاقتها الحالية وكيفية التعامل معهم بشكل ينعكس على الهيئة بشكل إيجابي، خاصة وأن "حراس الدين" كرر في أكثر من بيان له على عدم موافقته وعلى عدم تقيده بأي اتفاق وقف اطلاق نار في المنطقة وحرص على نشر تهديداته ضد أي جهة دولية تعمل بشكل يخالف أو يعارض تطلعاته الجهادية، وبزر ذلك بعد قيام عناصر من هذا التنظيم باستهداف رتل تركي في إدلب بعبوة ناسفة بالقرب من بلدة محمبل مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الأتراك. ([23])

استغلت "الهيئة" تلك الحادثة، وعمدت على التصعيد الفوري على مواقع "حراس الدين" في المنطقة بالتزامن مع حملة إعلانية من قبل حسابات تتبع "للهيئة" تضمنت رفضها لمثل تلك الهجمات على المواقع التركية، إذ عمدت  الهيئة على الايحاء بـ "أنها جزء من الحل وليست جزء من المشكلة" وذلك عن طريق تأمين سير اتفاق الـ M4 ومهاجمة أي تنظيمات تعرقل الاتفاق أو تستهدف النقاط التركية،  حيث ترتجي قيادات الهيئة أن يشكل هجومها على "حراس الدين" بوابة من أجل أن يتم قبولها أو الاعتراف بها كالقوة الوحيدة المحلية في إدلب على الأقل في الوقت الحالي، وستعمل "الهيئة" على استغلال وجود  هذا التنظيم ومعارضته لاتفاق وقف اطلاق النهار وهجماته على طريق الـ M4  لترسل عدة رسائل مرتبطة بالإيحاء على الانضباط وفهم قواعد اللعبة عبر موقفها المستعد للتعاون  لمواجهة المهددات الداخلية. ([24])

يمكن اعتبار مطلع عام 2020 بأنه مرحلة المواجهة المؤجلة حيث شهدت مدينة أرمناز في ريف إدلب الشمالي الغربي توترا أمنياً بين "الهيئة" و"حراس الدين" وسط انتشار واسع لعناصر الطرفين في محيط المدينة وحول المواقع والمقار العسكرية. حيث حاولت الهيئة فرض خطة أمنية تفضي بإغلاق عدد من مقار "حراس الدين" في المدينة لكنهم فشلوا بعد رفض التنظيم إخلاء أي مقر عسكري وهدد بالرد على أي إجراء بالقوة،([25]) بينما أرسلت "الهيئة" رتلاً عسكرياً للضغط على هذا التنظيم مما أجبره على الانسحاب من المنطقة. وفي 27 أيار 2020 جددت هيئة تحرير الشام من هجماتها على مواقعه وذلك بعد استهداف رتل تركي في نفس اليوم بعبوة ناسفة. ([26])

ختاماً

كما أنه من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة باستهداف التنظيم في المرحلة المقبلة؛ فإنه من المتوقع أيضاً أن تدخل تركيا وبقوة على خط المواجهة مع هذا التنظيم إما بشكل مباشر أو دعم الجيش الوطني في تنفيذ هذه العملية لا سيما بعدما زادت مؤشرات تعرض "حراس الدين" أمن نقاطها وأفرادها العسكرية؛

من جهة اخرى بات واضحاً أن المؤشرات الأولية  تدل على استمرار المواجهة بين "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" خاصة في ظل عدم وجود "مشروع تصالح جدي"؛ وبكن ستبقى  "حراس الدين" تعول على فشل الهيئة في تحقيق غاياتها المتمثلة في تحصيل "القبول الدولي والمحلي" لتعيد  فرض شروطها على الهيئة من بوابة وحدة المصير وما تمليه من مراجعات تنظيمية وفكرية، وهذا يؤكد وبوضوح ان اختطاف المحافظة وتطويعها لغايات هذين التنظيمين إنما هو خطر وجودي لن يستقم دون وجود مواجهة قوى الثورة والمعارضة لهذه المشاريع العابرة للمصلحة الوطنية.


([1]) ارتكز التقرير على تقارير الرصد بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالإضافة إلى 3 مقابلات عبر السكايب أجراها الباحث مع (عنصر سابق في الدفاع المدني لمدينة سراقب – قيادي في الجبهة الوطنية للتحرير – ناشط في المجال الصحي) بتاريخ   20 أيار 2020– تم التركيز في المقابلات على طبيعة خارطة السيطرة المحلية في مناطق سيطرة المعارضة بعد انتهاء حملة النظام العسكرية الأخيرة

([2]) مقابلة أجراها الباحث مع إعلامي في الجبهة الوطنية وتم الحديث فيها عن المراحل الأولى من تشكيل تنظيم حراس الدين والصفات التي ميزت الفصائل التي شكلت التنظيم، 10 أيار 2020.

([3]) الصراع بين الجهاديين وولادة حرّاس الدين، تشاتم هاوس، نيسان 2018، https://bit.ly/36PVtIx

([4]) أعلن تنظيم الحراس عن إطلاق المؤسسة الإعلامية الناطقة باسمه " مؤسسة شام الرباط للإنتاج الإعلامي"، شباط 2018.

([5]) توضح الخريطة مواقع انتشار تنظيم حراس الدين من دون السيطرة الفعلية وهو ينتشر في مواقع تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام بشكل مباشر أو غير مباشر

([6] ماذا تعرف عن قادة "حراس الدين" الأردنيين في سوريا؟ حفريات، 26 آذار 2020، https://bit.ly/2ySyCzs

([7]) قتل خلال عملية الاستهداف ستة من قادة التنظيم، عرف منهم، أبو عمر التونسي، أبو ذر المصري، أبو يحيى الجزائري، وأبو دجانة التونسي، وأصيب في الهجوم أربعة عشر عنصر أخر، غالبيتهم من تونس ومصر.

([8]) Syria's war: US 'targets al-Qaeda leaders' in rebel-held Idlib, Aljazeera En, 01 Sep 2019, https://bit.ly/3cLJ9Ky

([9]) Designation of Hurras al-Din as a Specially Designated Global Terrorist, federal register, 09 Sep 2019.  https://bit.ly/37egLzW

([10]) Jihad and Terrorism Threat Monitor (JTTM) Weekend Summary, December 21-28, 2019, https://bit.ly/30ltRtr

([11]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع عسكري منشق متواجد في إدلب وتم مناقشة فيها الاستراتيجية التي يتبعها تنظيم حراس الدين، 5 أيار 2020.

([12]) تشكيل جديد في إدلب تحت مسمى “حلف نصرة الإسلام”، عنب بلدي، 29 نيسان 2019، https://bit.ly/2AUlLNG

([13])  أصدر أبو همام الشامي والدكتور سامي العريدي، وكلاهما موالين لتنظيم القاعدة، بياناً من صفحتين يرفض فيه اقتراح هيئة تحرير الشام.

([14]) Nowhere left to run: how the US finally caught up with Isis leader Baghdadi, The guardian, 27 Oct 2019 , https://bit.ly/37bcVaF

([15] ( اشتباكات بين «حراس الدين» و«تحرير الشام» في إدلب، الشرق الأوسط، 20 شباط 2020، https://bit.ly/3gKCC6k

([16])  قاسم الصالح، "حراس الدين" ترد على مضايقات "تحرير الشام" وتعتبرها لمصلحة النظام السوري، أخبرا الأن، 23 نيسان 2020، https://bit.ly/2XoaT3v

([17]) حفريات -ماذا تعرف عن قادة "حراس الدين" الأردنيين في سوريا؟، حفريات، 26 آذار 2020، https://bit.ly/2ySyCzs

([18]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع أيمن الدسوقي الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 أيار 2020.  

([19]) اشتباكات بين «حراس الدين» و«تحرير الشام» في إدلب، الشرق الأوسط، 20 شباط 2020، https://bit.ly/3gKCC6k

([20]) قاسم الصالح، "حراس الدين" ترد على مضايقات "تحرير الشام" وتعتبرها لمصلحة النظام السوري، أخبرا الأن، 23 نيسان 2020، https://bit.ly/2XoaT3v

([21]) إدلب: صدام وشيك بين "حراس الدين" و"تحرير الشام"؟ المدن، 19 نيسان 2020، https://bit.ly/3clFtPK

([22]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع عسكري منشق متواجد في إدلب وتم مناقشة فيها الاستراتيجية التي يتبعها تنظيم حراس الدين، 5 أيار 2020.

([23]) استهداف رتل تركي على طريق اللاذقية – حلب الدولي وسط تحليق طيران روسي، القدس، 27 أيار 2020، https://bit.ly/3ckDv25

([24]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع قيادي في فيلق الشام وفيها تم مناقشة وضع الاتفاق التركي والروسي وطبيعة الهجمات العسكرية التي استدفت مواقع تركية في إدلب بالقرب من طريق الـ M4، 27 أيار 2020.

([25]) مرجع سابق.

([26]) قتيل وجرحى.. عبوة ناسفة تستهدف دورية للجيش التركي في إدلب، SY24، 27 أيار 2020، https://bit.ly/37cU7Ys

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومركز دراسات الشرق الأوسط - أورسام ندوة مشتركة بعنوان: "واقع العملية السياسية وآفاق الحل في سورية"، وذلك بتاريخ 4 حزيران / يونيو 2020.

هدفت الورشة لمناقشة عدد من المحاور المتعلقة بالعملية السياسية في سورية ومداخل الحل وكان من أبرزها؛
- رؤية الفاعلين الدوليين للعملية السياسية: روسيا، أمريكيا، تركيا.
- اللامركزية كمدخل للحل في سورية.
- آخر تطورات عمل اللجنة الدستورية.

أدار الحوار المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف، مشاركاً بالحوار عدد من أعضاء اللجنة الدستورية منهم؛ الدكتورة بسمة قضماني، والدكتورأحمد طعمة و الدكتورة رغداء زيدان، بالإضافة إلى رئيس مركز أورسام الدكتور أ. د. أحمد أويصال.

كما أجابت الندوة في ختامها على عدد من الأسئلة التي طرحها الحضور عبر رابط البث المباشر.

الخميس, 04 حزيران/يونيو 2020 00:47

ندوة بحثية بعنوان: تشريح الجمود السوري

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة افتراضية بعنوان "تشريح الجمود السوري" وذلك في 03 حزيران/ يونيو 2020، هدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الجهود الجارية لحل "الجمود السوري" عبر جهودات المجتمع الدولي لإنهاء الجمود السياسي الحالي.

عُقدت الجلسة بمشاركة السفير د. ألكسندر أكسينوك (نادي فالداي ، RIAC) والدكتور كونستانتين تروفتسيف (معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم) في تحليلهم وتصوراتهم للأحداث الأخيرة في سورية ، بما في ذلك اتفاق خفض التصعيد في إدلب، قسد، علاقات النظام ، اندلاع كوفيد 19 ، الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها نظام الأسد.

تعتبر العقيدة العسكرية جزء أساسي في عملية بناء أي جيش واستثماره، كما تعتبر إحدى محفزات العسكريين، للاستمرار في عسكريتهم والخدمة بها على أكمل وجه، وعلى هذا الأساس تستثمر القيادات العسكرية حول العالم في هذه المفاهيم، من أجل ترسيخ الأفكار التي تراها مناسبة في عقول وضمائر العسكريين، وذلك لضمان تنفيذ المهام والأوامر دون أدنى تشكيك ودونما أي تردد، وكبقية جيوش العالم ومن المنظور الخاص بهذه الزاوية، حاولت القيادة السياسية/ العسكرية في سورية تأسيس عقيدة خاصة بالجيش السوري، إلا أن هذه العقيدة تغيّرت عدّة مرات قبل أن تصل لما هي عليه اليوم.

بشكل عام، فإن معنى كلمة "عقيدة"، يدل على ما عقد عليه القلب والضمير، كمبدأ، ويرتبط المعنى بالروحانيات والايمان الراسخ بقضية ما، أما "العقيدة العسكرية" فهي مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية، وتختلف توظيفات هذه العقيدة بحسب الحاجة التي تفرضها محددات الأمن القومي، أو شكل الحكم القائم أو طبيعة المجتمعات الموجودة في الدولة.

في سورية، طرأ على مفهوم العقيدة في الجيش السوري عدّة تغيرات أهمها: تحوله من مفهوم الجيش الوطني إلى مفهوم الجيش العقائدي، وذلك بعد استيلاء حزب البعث على الحكم بتاريخ 8 آذار/ مارس 1963، حيث تم ربط الجيش السوري بعقيدة حزب البعث وأفكاره، كما تمت مصادرة إرادة الجيش لصالح الحزب طبقاً لما حصل مع الدولة نفسها، وسبق لحافظ الأسد القول: "إن جيشنا ليس جيشاً حزبياً ولا حزباً سياسياً، وإنما هو جيشٌ عقائدي مؤمن بعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ويعمل على ما تخططه القيادة المسلحة من أجل مصلحة الشعب".

أما التغير الثاني والذي يمكن القول بأنه انحراف عن المسار السابق، هو تغلغل فكرة القائد وتقديسه، والذي بدء بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سورية بعد انقلابه على رفاقه الحزبيين في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، حيث استمر هذا التقديس بعد مماته وتوريث الحكم لبشار الأسد عام 2000.

بما يتعلق بحافظ الأسد، لا يمكن القول بأن الرجل لم يبذل جهوداً لسنوات، في سبيل استيلاءه على حكم سورية، والذي تم له لمدة 30 عاماً، ولاحقاً تمهيده توريث السُلطة لأحد أبناءه بشكل مماثل لما هو قائم في الدول الملكية في بلد يعمل بالنظام الجمهوري، إلا أن هذا التقديس حصل ويحصل عليه بشار الأسد، بالرغم من أنه مجرد وريث للسلطة فقط.

يملك الجيش السوري على المستوى العقائدي منظومة متكاملة من المفاهيم والكلمات المختلطة، بما هو حزبي "بعثي"، ومفاهيم اجتماعية تحمل في طياتها عدة طبقات مختلفة، يمتد بعضها حتى للاقتباس من الكتب المقدسة، وتغلفُ تلك المفاهيم بصمة بصرية واضحة (صور – رسومات – شعارات مكتوبة) تُسيطر على المشهد، وتشكل بمجموعها أساس العقيدة العسكرية (الجانب غير التقني) حيث يمكن استنتاج هذه العقيدة بالكلمات الموجودة على مداخل الثكنات العسكرية وجدرانها وقاعاتها ومكاتبها ومحارسها، كما تُسطر كلمات القائد وكلمات تقديسه بالإضافة لمفاهيم البعث في كل حيز يمكن استغلاله في سبيل ذلك، حتى الشعارات الصوتية الحماسية التي يتم ترديدها،  فهي موجهة لشخص هذا القائد، وحتى إن تغير أو مات فالكلمات والرسوم والشعارات جاهزة من أجل خدمة القائد الجديد، وهو ما حدث ما بين حافظ وبشار الأسد، "بالروح بالدم نفديك يا......" على سبيل المثال.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن خدم في صفوف الجيش قبل عام 2011، يعلم جيداً كمية العبارات التي تقدس وتمجد القائد وتردد العبارات التي دأب ضباط التوجيه السياسي المنتشرون في الوحدات العسكرية على إلقاءها على مسامع الجنود، لا بل تتحول تلك العبارات لنظام معين مع النظام المنظم (المنضم) تملئ حناجر الجنود، وبالأخص الأغرار منهم والأمثلة كثيرة على ذلك، "لعيونك يا بو سليمان بدنا نحرر الجولان"؛ "موزوناً أمة عيد، أمة؛ عربية؛ واحدة؛ ذات رسالة خالدة؛ أو  "الدورة نزلت عالساحة...تحيي أسد القرداحة"، "الجيش العربي السوري ، وحوش، وحوش، وحوش"؛ "موزوناً بشار عيد، بشار؛ بشار؛ عربية ؛ واحدة: وعلى ذات النهج يتم أحياناً استبدال "بشار" بـ "باسل" بالرغم من وفاته في عام 1994، وكأنما الأمة تختزل بشخص "القائد"، حتى أن الفرقة الرابعة لها عباراتها الخاصة والتي تمجد اللواء ماهر الأسد، حتى قبل أن يتم تعيينه قائداً للفرقة بشكل رسمي.

في المقابل هناك كم كبير من العبارات المُهينة التي يتلاقها الجنود من مرؤوسيهم أو حتى ممن هم أقدم منهم من الجنود، وهذه العبارات يطال بعضها الذات الإلهية ولا مشكلة في ذلك لديهم، طالما أنها لا تطال مقام القائد، بالإضافة لمحاولة الكثيرين تقليد لهجة أهل الساحل كونها اللهجة المتعارف عليها للعلويين، في محاولة منهم لإضفاء القليل من "الواسطة" لأنفسهم والإيحاء بأنهم من أبناء البيئة الموالية.

بالطبع بعد بداية الثورة عام 2011 سرعان ما انهارت تلك العقيدة، عند الآلاف الذين أنشقوا عن الجيش، بالمقابل ظهرت حقيقة تلك العقيدة في صفوف من بقي في ذلك الجيش، الذي تحول اليوم إلى خليط من بقية الجيش وعدد كبير من الميليشيات المحلية والأجنبية، حيث رافق تلك الفترة انتشار الكثير من عبارات التحدي للشعب كعبارات "الأسد أو لا أحد"؛ "الأسد أو نحرق البلد"؛ "حاربوك ونسيوا مين أبوك"؛ "إن عدتم عدنا" وهذه الأخيرة مقتبسة من الآية الثامنة من سورة الاسراء ولا مشكلة في الاقتباس من القرآن الكريم طالما أنه يخدم غايتهم.

وطن؛ شرف؛ إخلاص، ثلاث كلمات هي شعار الجيش السوري منذ تأسيسه، ويتم وضعها على سواعد العسكريين بمختلف اختصاصاتهم ورتبهم، كما أنها موجودة على أعلام الجيش السوري والقوى الرئيسية إلا أن الواقع يقول أن الجيش يفتقر لهذه الكلمات في ممارسته العملية، حتى عبارة "حماة الديار" والتي يبدأ بها النشيد الوطني خص بها نفسه دون غيره وجيرها في خدمته، علماً أن القصيدة كتبها الشاعر خليل مردم بك في عام 1936، أي قبل عشرة سنوات على تأسيس الجيش السوري،  وعلى الرغم من مرور عشرين عاماً على موت حافظ الأسد، ما زالت عبارة "لعيونك يا بو سليمان" تصدح في الحناجر ولكن لا الجولان تحرر ولا بقي "الأسد للأبد" في ظل وجود سورية تحت احتلال قوات من سبعة دول أجنبية على الأقل وعشرات الميليشيات العابرة للحدود.

المصدر السورية نت: https://bit.ly/3gM45Vc