Omran Center

Omran Center

توطئة؛

دأبت حكومة النظام على استخدام الرقم الاقتصادي أداة لتمويه الحقائق حول الانهيار الذي ألمَّ بالاقتصاد السوري بعد عام 2011. بعد التراجع الكبير الذي سجلته مؤشرات الاقتصاد الكلي، وانخفاض أداء القطاعات الإنتاجية والخدمية، والتدهور في إيرادات الخزينة العامة وتدني المستوى المعيشي للمواطنين. وقد تبدى هذا التمويه بشكل واضح في الأرقام التي أُعلِنَ عنها في الموازنات العامة السنوية المتتالية مع غياب الشفافية اللازمة حول إجراءات إعدادها وتنفيذها، وخاصة بعد الانكماش الحاد في مصادر تمويلها والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز. ويعكس كل ما سبق السياسة التي يسعى إليها النظام باستخدامه الاقتصاد كوسيلة لشرعنة وجوده وتوطيد سلطته في هذا البلد.   

العجز المتأصل في الموازنة

في موازنتها لعام 2019 والتي بلغت قيمتها (3882) مليار ليرة سورية أي ما يعادل (8.92) مليار دولار أمريكي. وفي جانب العجز الذي يمثل أحد البنود الأساسية في الموازنة العامة أكدت حكومة النظام في بيانها المالي استمرار التدهور في وضعها المالي، حين أقرَّت الموازنة العامة للدولة بعجز بلغت نسبته 42.8% من قيمتها([1]أي ما يساوي 948.3 مليار ليرة سورية و2.18 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام لدى المتابعين والمحللين للوضع الاقتصادي في سورية حول مدى قدرة الحكومة على تغطية هذا العجز. ومع تأكيد الحكومة على أن هذه الموازنة هي الأكبر في تاريخ سورية، إلا أنَّ ذلك لا يعدو كونه تمويهاً إعلامياً للتغطية على تراجع اعتمادات الموازنة خلال السنوات الماضية وانخفاضاً في قيمتها. ففي عام 2011 بلغت قيمة الموازنة 12.96 مليار دولار، وبفارق 4.04 مليار دولار عن موازنة عام 2019، و6.66 مليار عن موازنة عام 2018. ولم تظهر في الموازنة العامة الحالية تفصيلات الإيرادات التي سيتم الاعتماد عليها لتمويل الموازنة وجعلها خالية من العجز. ورغم تأكيد وزير مالية النظام أن مصادر التمويل تعتمد بالكامل على الموارد الداخلية والمديونية الداخلية للمصرف المركزي عن طريق سندات موضوعة في التداول النقدي؛ لكن من المستبعد جداً أن تكون "الحكومة" قريبة من تغطية نفقاتها، في ضوء التراجع الحاد في قيمة هذه الإيرادات خلال الأعوام الماضية عما كانت عليه عام 2010، ممَّ يجعل هذه الموازنة كسابقاتها تعتمد على التمويل بالعجز.

تراجعت نسبة تغطية الإيرادات للنفقات العامة بشكل كبير على مدار الأعوام الماضية، حيث بلغت نسبة العجز في الموازنة عام 2018 (25.3%) من قيمة الموازنة أي ما يساوي(808.4) مليار ليرة سورية وهو ما يعادل (1.616) مليار دولار أمريكي. في حين بلغت هذه النسبة في الأعوام السابقة كما يبين الشكل (1).

 

وتثير هذه النسب الكبيرة للعجز السنوي العديد من التساؤلات التي تمحورت حول مدى قدرة "الحكومة" على تغطية هذا العجز، وما هي الآثار المحتملة لهذا العجز على مستقبل الاقتصاد السوري، على اعتبار أنَّ هذه النسب أكبر من قدرة الاقتصاد السوري على تحملها، بسبب غياب السوق المالية الفاعلة وعدم القدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية للحصول على التمويل. وبعد أن بلغت كلفة الدمار الذي خلفته الحرب نحو 400 مليار دولار أمريكي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة([2]). فضلاً عن ارتباط ملف إعادة الإعمار بالاعتبارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي.       

السعي الحثيث لتغطية العجز

على مدار الأعوام الماضية، وفي سبيل تغطية هذا العجز سعت حكومة النظام جاهدة نحو زيادة إيرادات الخزينة العامة بمختلف الوسائل، ابتداءً من الاستفادة من الضرائب والرسوم عبر استحداث أوعية ضريبية جديدة، وزيادة الرسوم على الأوعية الضريبية الحالية وتحسين إجراءات التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، إلى العمل على زيادة الإيرادات الاستثمارية، مروراً بضبط الإنفاق العام وترشيده، أو بالتضخم عن طريق الإصدار النقدي بدون تغطية، وانتهاءً بالاعتماد على القروض المحلية والخارجية لتمويل إيرادات الموازنة بالعجز. إلا أن هذه الإجراءات لتخفيض العجز تبدو في قسمها الأكبر خارج سيطرة السلطات المالية بشكل كبير، لأسباب ترتبط بالظروف الأمنية الحاضرة وتأثيرها على الظروف الاقتصادية، والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على قطاعي الطاقة والاقتصاد، إلى جانب الخسائر الكبيرة لدى المؤسسات في القطاعين العام والخاص والتي أدت إلى تراجع إيراداتها وعدم قدرتها على تسديد الضرائب.

كما تبدو المشكلة أكثر تعقيداً في ظل غياب خيارات التمويل والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز عبر الاقتراض الداخلي من المصرف المركزي الذي أظهرَ تقرير للبنك الدولي في عام 2016 تراجع احتياطات المصرف من القطع الأجنبي من 20 مليار دولار في بداية عام 2011 إلى 700 مليون دولار([3]). أو اللجوء إلى الاستدانة من المصارف المحلية المتخصصة التي تعاني من مشكلات كبيرة في السيولة والديون المشكوك في تحصيلها. بالإضافة إلى قيام "الحكومة" بتدوير بعض الديون إلى سنوات مقبلة دون أن يرصد لها أي بند في الموازنة. إلى جانب غياب أي معلومات مؤكدة عن مصير احتياطي الذهب لدى المركزي والذي بلغ حجمه في بداية عام 2012 (25.8) طن وما قيمته 1.36 مليار دولار، ووجود تسريبات تفيد بقيام النظام ببيعه لتعويض نفاد احتياطي العملة الصعبة([4]). إلى جانب ذلك فإن ما يتداول عن نية المصرف المركزي طرح سندات وأذونات لا يعدو كونه إجراء لطمأنة السوق، ومن المتوقع ألا يكون هناك إقبالاً لشراء هذه السندات مهما بلغت نسبة الفائدة عليها، في ظل عدم ثقة المستثمرين بالوضع الاقتصادي، لا سيما مع فقدان الليرة السورية لنسبة 1000% من قيمتها منذ عام 2011 والذي لا يمكن أن تجاريه أي فائدة([5]).

وبالتالي فإن تصريح حكومة النظام باللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي لتمويل العجز لا يعدو كونه مجرد وسيلة تتكئ عليها لتفسير كيفية تمويلها للعجز، وتسويقاً لفكرة أن المصرف المركزي لا يزال قادراً على لعب دوره في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة.

التبعات المستقبلية للدين 

إن لجوء هذه "الحكومة" إلى الاعتماد على الاقتراض الداخلي خلال الأعوام الماضية أدى إلى زيادة المديونية الداخلية بشكل كبير، والتي تخطت وفقاً لبعض التقديرات حاجز أربع تريليونات ليرة سورية، أي ما يعادل حوالي 8 مليار دولار أمريكي. مجبراً إياها في الوقت ذاته على اتخاذ إجراءات تقشفية، مثل الضغط على الإيرادات من أجل تخفيض حجم النقد الأجنبي اللازم لتمويل المستوردات، وتخصيص الفائض من أجل تمويل الإنفاق الجاري، واللجوء في المقابل على صعيد الإيرادات إلى احتساب فائض السيولة لدى شركات ومؤسسات القطاع العام، وقسم من أموال التأمينات الاجتماعية وأموال التأمين والمعاشات كمورد من موارد الموازنة على الرغم لما لهذه التدابير من تبعات وآثار سلبية على كل من النمو والنشاط الاقتصادي. وبالتالي أسهم هذا الوضع في زيادة العرض النقدي وظهور تأثيرات تضخمية واضحة، وأدى إلى تشويه الموازنة وانخفاض مستوى الشفافية فيها نظراً لعدم انعكاس هذا التمويل في بنودها بشكل واضح.

إنَّ ما سبق يدلل بشكل واضح أن النظام وفي سبيل استمراره يعتمد بشكل كبير على الاقتراض الخارجي لتمويل موازنته، فبعد القرض الائتماني الأول الذي حصل عليه من إيران في عام 2013، والذي بلغت قيمته 3.5 مليار دولار؛ بدأت عجلة الديون الخارجية بالدوران لتتخطى في نهاية عام 2018 حاجز 60 مليار دولار ترجع في جزء كبير منها لكل من إيران وروسيا([6]). مع عدم وجود أية أرقام معلنة من قبل النظام ودائنيه حول هذه الديون، وقيام أفراد حكومته بالتعمية عليها ومحاولة التقليل من أرقامها بشكل كبير عبر التصريحات المنمَّقة. وبالتالي ستفرض هذه الديون نفسها على الاقتصاد السوري وستشكل أبرز الملفات التي ستواجه مستقبل الأجيال القادمة في سورية، مجبرة إياها على تسديد فواتيرها الضخمة تحت عنوان خدمة الدين العام إلى أن تتمكن بعد عقود عدة من تسديدها. ولتشكل حجر عثرة في طريق نهوض هذا البلد وتعافيه من الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب. يضاف إلى ذلك الارتهان السياسي والاقتصادي للقوى والتكتلات التي ستنخرط في عملية إعادة الإعمار.     

ختاماً يمكن القول، أنه وعلى الرغم من تمَّكن النظام من الاستفادة من القروض المحلية والخارجية والعوامل الاقتصادية الداخلية لتثبيت وجوده خلال الأعوام الماضية لإرساء وتنفيذ موازناته العامة؛ إلا أنه لن يتمكن على المدى المنظور من السيطرة على آثار الاختلال الجاري في توازنات الاقتصاد الكلي إلا بشكل محدود، في ظل التدني المستمر لفاعلية أدوات التدخل المالية والنقدية في الاقتصاد، والتخبط الواضح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي ظل تداعي هذا الاقتصاد وتفككه نتيجة تعرض محركاته الأساسية لضربات قوية أنهكت بنيته وأفقدته الكثير من مقوماته جراء الحرب المستمرة والتدمير الممنهج للبلد إنسانياً وعمرانياً واقتصادياً.


([1]) قراءة أولية في أرقام موازنة 2019 … الحكومة تتوقع زيادة الإيرادات بنسبة 23 بالمئة، جريدة الوطن، 05-11-2018: http://bit.ly/2Gk9nsM

([2])  400 مليار دولار كلفة الدمار في سورية، جريدة الشرق الأوسط، 10-08-2018: https://goo.gl/YHTkdY

([3]) البنك الدولي يعلن انهيار احتياطي سورية من العملات الأجنبية، السورية نت، 20-04-2016:  https://goo.gl/v4SK1X

([4]) الأسد يبيع احتياطي الذهب بأسعار بخسة، بيروت اوبسيرفتر، 18-04-2012: https://goo.gl/voCuWy

([5]) عدنان عبد الرزاق، الليرة السورية تخسر 1000% من قيمتها في سبع سنوات، العربي الجديد، 01-07-2018: https://goo.gl/DttDNL

([6]) نضال يوسف، سورية غارقة بالدم والديون، مجلة صور، 27-05-2017: https://goo.gl/vMG2Ha

ملخص تنفيذي

  • تكتسي زيارة الوفد الحكومي للمنطقة الشرقية أهمية لجهة الرسائل التي تضمنتها، حيث أراد النظام تأكيد حضور "الدولة السورية" في مواجهة تنامي نفوذ إيران في تلك المنطقة، كذلك حرص الحكومة على دفع عجلة الإنتاج النفطي والغازي، تمويلاً لأنشطتها وخفضاً لفاتورة مشترياتها من المشتقات النفطية الخارجية.
  • استحوذ القطاع الزراعي على اهتمام الحكومة وهو ما ظهر بموافقتها على صرف مستحقات للمزارعين المتضررين، وذلك رغبة منها باحتواء المطالب المتزايدة للمزارعين، ودعم الإنتاج الزراعي المعد للتصدير، إلا أن حجم خسائر القطاع الزراعي والمنافسة من دول الجوار يقللان من فاعلية الدعم المقدم.
  • أعلنت حكومة النظام أرقامها لموازنة 2019 بمبلغ وقدره 3882 مليار ل.س (حوالي 9 مليار $) وبزيادة قدرها 695 مليار ل.س عن موازنة 2018 (حوالي 6.37 مليار $)، وهو ما يعني زيادة في حجم الانفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، وفي حين ارتفع الدعم الاجتماعي عموماً في موازنة 2019 مقارنة بــ 2018، إلا أنه اقتصر على دعم المشتقات النفطية دون دعم الدقيق والمعونة الاجتماعية.
  • تطرح موازنة 2019 تساؤلات بخصوص كيفية تمويلها، سيما في ظل بقاء جزء معتبر من الموارد الطبيعية خارج سيطرة النظام، كذلك عدم كفاية الموارد المحلية من ضرائب ورسوم وبدلات استثمار لتمويل الموازنة، الأمر الذي يعزز لجوء النظام إلى التمويل بالعجز، وما يتركه ذلك من مخاطر اقتصادية مستقبلية.
  • أعلنت محافظة دمشق خططها لتنظيم المدينة والبدء بمناطق جوبر والقابون وبرزة خلال 2018، إلا أنها اضطرت لتأجيل إخضاع هذه المناطق للمرسوم رقم 10 لاعتبارات داخلية وضغوط خارجية.
  • يحمل افتتاح معبر نصيب جابر الحدودي مؤشرات هامة من حيث إقرار الدول الإقليمية والدولية بحصرية دور الدولة في تولي الملفات السيادية على حساب الفواعل من غير الدولة، كذلك حاجة الدول لتنشيط الحركة التجارية البينية للتقليل من حدة أزماتها الاقتصادية، رغم استمرار حالة عدم التوافق السياسي فيما بينها.
  • تكتسي زيارة رجل الأعمال محمد حمشو لإيران أهمية نظراً لحجم الوفد واللقاءات والاتفاقيات التي عقدت، وينظر لحمشو على أنه جزء من اللوبي الإيراني داخل سورية.

الواقع الحوكمي وملف الإدارة المحلية

تركزت أولويات حكومة النظام السوري خلال شهر تشرين الأول 2018 على مايلي: 1) متابعة الواقع الخدمي والتنموي في عدد من المحافظات، 2) إقرار سياسات دعم للفلاحين المتضررين، 3) تحديث المنظومة القانونية، 4) إصدار مرسوم العفو وقرارات تتصل بالخدمة العسكرية الاحتياطية. 5) مواصلة الدعم الحكومي لوحدات الإدارة المحلية الناشئة عن "انتخابات أيلول/ 2018".

قام رئيس حكومة النظام وعدد من وزرائه بزيارات ميدانية إلى محافظات منطقتي الساحل والشرقية، حيث افتتحت الحكومة عدداً من المشاريع الخدمية والإنتاجية في طرطوس واللاذقية تتجاوز قيمتها 24 مليار ليرة سورية (ما يزيد عن 55 مليون $، باحتساب سعر صرف 434 ل.س لكل $) بحسب ما هو مرفق بالجدول التالي:

 

كما قام رئيس الحكومة بزيارة إلى المنطقة الشرقية شملت كلاً من دير الزور والجزء الخاضع لسيطرة النظام في محافظة الرقة، حيث تم افتتاح عدد من المشاريع الخدمية والإنتاجية سيما في قطاع النفط والغاز، كما تم تخصيص محافظة الدير بــ 27 مليار ل.س (حوالي 62 مليون$) لإعادة التأهيل في 2018، تم تنفيذ 17 مليار ل.س في حين ما تزال 10 مليارات قيد التنفيذ، كذلك تخصيص مبلغ 4 مليارات ل.س (حوالي 9 مليون 4) لتمويل الخطة الإسعافية للمحافظة.([2])

حظي القطاع الزراعي باهتمام الحكومة على خلفية الأضرار التي لحقت بهذا القطاع جراء الكوارث الجوية سيما في منطقة الساحل ومحافظة السويداء، حيث وافقت الحكومة على الإجراءات المقترحة من قبل "صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية " فيما يتعلق بصرف تعويضات للفلاحين المتضررين بقية 2.7 مليار ل.س (حوالي 6 مليون $) توزعت على المحافظات بحسب الآتي:([3])

واصلت حكومة النظام تحديث المنظومة القانونية، إذ استكملت دراسة المشروع الجديد لقانون الاستثمار تمهيداً لإقراره، كما تمت إحالة مشروع تعديل قانون السير لمجلس الوزراء، يتضمن مقترحات تتعلق بإلغاء نظام النقاط واستبدال عقوبة السجن بالغرامة المالية([4])، كذلك تم استعراض أعمال اللجنة المكلفة تطوير التشريعات سيما تلك المتعلقة بإعادة الإعمار. أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2018 القاضي بمنح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته والمرتكبة قبل تاريخ 9-10-2018([5])، وقد شمل العفو إلغاء دعوات الاحتياط عن 800 ألف شخص مطلوب لخدمة الاحتياط بحسب ما أفاد به مدير إدارة التجنيد العام في ​سوريا​ اللواء سامي محلا.([6])

بالانتقال إلى ملف الإدارة المحلية، أقرت السلطة التنفيذية للنظام عبر مرسومين أصدرهما الأسد أسماء الناجحين في عضوية مجالس المحافظات ومجالس مدن مراكز المحافظات([7])، في حين تولى وزير الإدارة المحلية والبيئة إصدار قرارات تسمية الأعضاء الفائزين في مجالس المدن والبلدات والبلديات. كما واصلت الحكومة تقديم الدعم المالي لمجالس الوحدات الإدارية عبر تقديمها 2.059 مليار ل.س(حوالي 5 مليون$)، توزعت بين إعانات ومساهمات مالية على المحافظات بحسب الأشكال البيانية المرفقة.

أصدر الأسد القانون رقم 33 للعام 2018 القاضي بإعفاء مكلفي الرسوم البلدية والتكاليف المحلية وغرامات مخالفات البناء والنظافة والأنظمة البلدية وأقساط قيمة المقاسم في المدن والمناطق الصناعية وأقساط المساكن المخصصة من قبل الوحدة الإدارية للمنذرين بالهدم وأقساط قيمة العقارات والديون والذمم المالية مهما كان نوعها المستحقة الأداء للوحدة الإدارية العائدة لأي من سنوات 2017 وما قبل من الفوائد والجزاءات وغرامات التأخير المترتبة على عدم تسديدهم الرسوم والغرامات والتكاليف والأقساط والبدلات والديون المحققة، في حال تم تسديد الذمم المالية المترتبة قبيل حلول شهر آذار 2019.

أبرز معطيات الاقتصاد السوري

المالية العامة

  • أعلنت الحكومة مشروع موازنة 2019 بمبلغ وقدره 3882 مليار ل.س (حوالي 9 مليار $ على أساس سعر صرف 435 ل.س لكل $) بزيادة قدرها 695 مليار ل.س عن موازنة العام 2018 (مقارنة بنحو 6.37 مليار $ على أساس سعر صرف 500 لكل $)، توزعت بين 2782 مليار للاعتمادات الجارية و1100 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.
  • بلغت إيرادات المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في النصف الأول من 2018 مليار ل.
  • بلغت إيرادات مديرية نقل ريف دمشق نحو 3 مليارات ل.س (حوالي 7 مليون $).

 

المصارف

  • بلغت نسبة سيولة المصرف العقاري بحسب التقرير الربعي الثالث 68% بكافة العملات، في حين بلغت 69% بالليرة السورية، و52% بالعملات الأجنبية، كما قدرت السيولة القابلة للتوظيف في المصرف بنحو 143 مليار ل.س (حوالي 309 مليون $).
  • بلغت قيمة الودائع في المصرف الزراعي التعاوني نحو 58 مليار ل.س (حوالي 134 مليون $)، لغاية نهاية أيلول 2018، بينما بلغت قيمة القروض الممنوحة من المصرف نحو 71 مليار ل.س (حوالي 164 مليون $).
  • بلغ عدد المستفيدين من قروض مصرف التسليف الشعبي بطرطوس منذ بداية العام لغاية أيلول 2018 نحو 3133 مستفيد، وقد بلغ إجمالي القروض الممنوحة نحو 1.435 مليار ل.س (حوالي 3.5 مليون $).
  • أصدر مصرف سورية المركزي التعليمات الناظمة لعمل مؤسسات الصرافة في سورية.
  • أعلن مصرف سورية المركزي تأسيس مؤسسة ضمان مخاطر القروض المتوسطة والصغيرة، وانتخاب مجلس إدارتها المكون من 3 أعضاء كممثلين عن المصارف العامة، ومثلهم من ممثلي المصارف الخاصة، بالإضافة إلى عضو من مؤسسات التمويل الصغير وأخر كممثل لمجلس النقد والتسليف ووزارة الاقتصاد والتجارة
  • بلغ عدد شركات التأمين العاملة في سورية 13 شركة منها 7 شركات تأمين مساهمة عامة، و6 منها مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، ونحو 6 شركات مساهمة خاصة مازالت خارج البورصة.
  • بلغ عدد الشركات والمصارف المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية 24 تتوزع بين، 15 مصرف و6 شركات تأمين وشركة صناعية وشركة زراعية وشركتي خدمات، في ظل توقعات بإدراج شركتي الاتصالات سيريتل، إم تي إن في سوق الأوراق المالية بنهاية العام.
  • بلغ إجمالي الربح التشغيلي الذي حققته شركات التأمين الخاصة في كافة فروع التأمين في النصف الأول من 2018 حوالي 787 مليون ل.س، وذلك بانخفاض بنسبة 11% عن العام السابق، هذا وحقق فرع تأمين السيارات الإلزامي الحصة الأكبر من الربح التشغيلي بمقدار 598 مليون ل.س، بنمو نسبته 25% عن العام الماضي، تلاه فرع تأمين السيارات الشامل بنحو 339 مليون ل.س، ثم فرع تأمين النقل بربح تشغيلي 94 مليون ل.س بانخفاض 22%، وبعده فرع تأمين الحوادث العامة بربح 76 مليون ل.س، ففرع تأمين الحريق بربح 63 مليوناً وتأمينات الحياة بربح 47 مليون.

الإسكان

  • اقترحت هيئة التطوير العقارية بناء 164260 تستوعب نحو 817144 سمة بتكلفة تقديرية 630.755 مليار ل.س، في حين قدرت مصادر عدد المنازل المهدمة في سورية بــ 1.7 مليون منزل.
  • كشف مدير هيئة الاستثمار والتطوير العقاري أحمد الحمصي عن دراسة عملت عليها الهيئة مع وزارة الأشغال العامة والإسكان تحت مسمى "مدخل إلى شركات التطوير العقاري"، ومما تضمنته الدراسة الإفصاح عن تواجد 53 شركة عقارية مرخصة، منها 3 شركات للقطاع العام: المؤسسة العامة للإسكان، مؤسسة الإسكان العسكرية، مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية، كما أشارت الدراسة إلى تواجد 25 منطقة تطوير عقاري في جميع المحافظات تقدر مساحتها بـــ 4233,31 هكتار، كما اقترحت تعديل القانون رقم 15لعام 2008.
  • تقدمت شركات التطوير العقاري بمقترحات إلى هيئة الاستثمار والتطوير العقاري منها؛ إتاحة الفرصة للمساهمة في المناطق التنظيمية التي ستحدث وفق القانون /10/ لعام 2018، إطلاق مشاريع إزالة التشوه البصري والمعماري للمناطق السكنية المرتبطة بالمناطق التنظيمية لتوحيد الهوية المعمارية للمدن، اعتماد معايير العمارة الخضراء في مشاريع التطوير العقاري بشكل ملزم، تخفيض أسعار الفوائد على القروض الممنوحة من المصارف وزيادة نسب التمويل المصرفي للمشاريع العقارية، توزيع 250 دونماً وما فوق من أملاك الدولة لكل شركة في مختلف المحافظات بشرط أن تقوم هذه الحكومة ببيع هذه الأملاك لاحقاً إلى شركات التطوير لتقوم ببنائها وتقسيط سعر الأرض على عشر سنوات أو الدخول كشريك مع شركة التطوير العقاري مقابل حصة من المشروع ثمن الأرض.
  • تم إلغاء تراخيص 13 شركة تطوير عقارية لم تلتزم بتطبيق تعليمات القانون رقم 15 لعام 2008، بحسب ما أفادت به إدارة الهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري.
  • أعلنت محافظة دمشق بدئها العمل بإعداد دراسات لإنجاز مصورات تنظيمية لمناطق السكن العشوائي في مدينة دمشق، حيث ستشمل الدراسة الأولى في 2018 مناطق جوبر وبرزة والقابون، فيما تشمل الدراسة الثانية في 2019 مناطق التضامن ودف الشوك وحي الزهور، أما الدراسة الثالثة في 2020 فستشمل دمر وحي الورود والربوة، في حين ستشمل المنطقة الرابعة من الدراسة 2021 سفح جبل قاسيون والمنطقة المستملكة في بلدة معربا.

الطاقة والكهرباء

  • توقعت مصادر في وزارة الكهرباء قرب إعلان قرار المباشرة بتأهيل خط حماة ـ حلب بطول 153 كيلو متراً، وسيكون هذا الخط الثاني من نوعه الذي تنفذه الوزارة خلال العامين الماضيين لتأمين التغذية الكهربائية لمحافظة حلب حيث تم إنشاء خط حماة_ حلب بطول 173 كيلو متراً "توتر 400 كيلو فولت" لنقل ما بين 200 ـ 220 ميغا واطاً من الطاقة الكهربائية. ‏
  • أفاد مدير عام المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء بمتابعة المؤسسة مشاريع محطات التوليد الاستراتيجية ذات الأولوية، كمشروع محطة دير الزور والإعلان عن إنشاء مجموعة توليد بخارية باستطاعة 300 ميغاواط تعمل على الفيول و/أو الغاز، ومشروع التوسع الثاني لمحطة توليد دير علي باستطاعة 750 ميغاواط.
  • تم الاتفاق مع شركة هندية على معالجة الصعوبات المتعلقة بمشروع توسيع محطة توليد تشرين بمجموعتين بخاريتين باستطاعة 200 ميغاواط لكل مجموعة، واستئناف العمل في المشروع المتوقع الانتهاء منه 2021.
  • وقع وزير الكهرباء اتفاقاً مع شركة "مبنا الإيرانية" في طهران لإقامة مشروع محطة توليد الكهرباء الغازية في اللاذقية، كما تم التباحث مع شركة "اي بي ار سي" الإيرانية بغرض توفير احتياجات قطاع الكهرباء السوري.
  • قدمت الصين منحة لوزارة الكهرباء شملت 800 محولة كهرباء باستطاعات مختلفة، وكابلات كهربائية.
  • بلغ إنتاج الشركة السورية للنفط 14 مليوناً و35 ألف برميل من النفط الخام منذ بداية العام لغاية أيلول، في حين أنتجت حو 2.7 مليون متر مكعب من الغاز، كما نفذت الشركة أعمال ومشروعات الحفر نحو 14 ألف متر طولي، من إجمالي المخطط والمقدر بحوالي 23 ألف متر طولي، منه 8502 متر طولي حفر استكشافي و5519 متراً طولياً حفراً إنتاجياً.
  • كشفت شركة الفرات النفطية إعداد دراسات فنية للآبار في الحقول المحررة واحتياطها النفطي وذلك من قبل المديرية الفنية في الشركة، وأشارت الشركة في تقرير عن بلوغ كميات الإنتاج من كافة الحقول المحررة حتى الربع الثالث من 2018 نحو 388.1 ألف برميل، بمعدل إنتاج وصل إلى 3 آلاف برميل يومياً، كما أشار التقرير إلى قيمة الخسائر المادية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة مع خسائر نفطية وخسائر تأجيل إنتاج منذ أيلول 2014 ولغاية أيلول 2018، حيث بلغت 13.8 مليار $.

التجارة والصناعة

  • أصدر فرع هيئة الاستثمار السورية في السويداء قرارات بخصوص تنفيذ أربعة مشاريع جديدة في المدينة الصناعية في أم الزيتون بتكلفة 300 مليون ل.س.
  • قال عضو مجلس الشعب السوري فارس الشهابي، إن وزارة الصناعة في موقف لا تحسد عليه، حيث تقدر قيمة الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي بــ 1.8 مليار $، في حين لا تملك الوزارة سوى 60 مليون $، داعياً إلى نوع من من التشاركية وليس الخصخصة، بحيث تحافظ الدولة على ملكيتها العامة بما يشابه التجربة الصينية.
  • كشف وزير الصناعة السوري عن نيل شركة هندية عقد تأهيل معمل الكابلات، مؤكداً استمرارية البحث عن شريك لتأهيل لتأهيل معمل الزجاج في حلب والذي تقدر تكلفة تأهيله بــ 28 مليار ل.س.
  • كشف رئيس غرفة زراعة دمشق عمر الشالط عن تصدير الغرفة بضائع بقيمة 100 مليون دولار أميركي حتى نهاية أيلول 2018، بوزن إجمالي بلغ نحو 65 ألف طن، أما وجهة الصادرات فشملت دول عربية كالكويت والسعودية والإمارات ومصر والأردن، إضافة إلى دول أجنبية منها تركيا ألمانيا إسبانيا السويد وأميركا.
  • منحت مديرية الصناعة في السويداء تراخيص لتشييد أربعة عشر مشروعاً صناعياً ضمن القانون 21 برأسمال 188 مليوناً و582 ألفاً ل.س.
  • وار وفد مكون من رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس، وأمين سر اتحاد غرف التجارة السورية محمد حمشو، وعدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفتين المنطقة الصناعية في القابون، حيث تم الاتفاق على استمرار العمل بالمنطقة الصناعية لحين إصدار القرار النهائي بتنظيم المنطقة.

الزراعة

  • كشف مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في الرقة عن زراعة 30 ألف هكتار بمحصول القطن لهذا الموسم في المحافظة من أصل كامل المساحة المزروعة في القطر والبالغة 46 ألف هكتار، أي إن الرقة تزرع لوحدها ثلثي مساحة القطن في البلاد، أما بخصوص الذرة فقد تم زراعة 10 آلاف هكتار بمحصول متوقع يقارب 50 ألف طن، في حين كان إنتاج المحافظة من الذرة قبل 2011 ما يقارب 75 ألف طن.
  • أفاد مدير الزراعة والإصلاح الزراعي بالحسكة عن زراعة 5 آلاف هكتار من القطن بكمية إنتاج متوقعة تصل إلى 5 آلاف طن، مقارنة بــ 16600 طن بسبب الظروف الجوية وإصابة المحصول بآفات زراعية.
  • استلمت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب 305 آلاف طن من القمح الجديد للموسم الحالي بقيمة تصل إلى أكثر من 52 مليار ل.س من أصل 100 مليار خصصت لشراء القمح في 2018، كما استملت المؤسسة 150 طناً من القمح القديم المخزن لدى الفلاحين، يضاف إلى ما سبق استلام المؤسسة كميات قمح مستوردة من الخارج كان آخرها 27.5 طن من القمح الروسي، مع توقيع عقد جديد لاستجرار 200 ألف طن من القمح الروسي.
  • أعلنت وزارة الزراعة تقديراتها لحجم الثروة الحيوانية في سورية وفق الأرقام الواردة في المخطط البياني التالي.

النقل

  • افتتح معبر نصيب_ جابر الحدودي بين الأردن وسورية، هذا وتم تسجيل 5 بيانات ترانزيت و65 بيان تصدير، كما دخل إلى سورية 1215 سيارة أردنية عامة و1559 سيارة خاصة و7 سيارات أجنبية و15 شاحنة و25 باصاً أي بإجمالي 2821، بينما تم تسجيل خروج 15 باصاً و31 شاحنة و38 سيارة سورية عامة، خلال الفترة الواقعة بين 15-10 و26-10-2018، وقد تحقق عن هذه الحركة إيرادات قدرت بــ 14 مليون ل.س (نحو 33 ألف $).
  • أعلنت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية عزمها تنفيذ عدة مشاريع حيوية في قطاع النقل منها؛ تنفيذ مرفأ جاف في حسياء والشيخ نجار، دراسة عدة خطوط حديدية لتخديم بعض المنشآت الصناعية في مدينة عدرا الصناعية.

السياحة

  • أفاد وزير السياحة بارتفاع نسبة القادمين إلى سورية بنحو 34% مقارنة بالعام الماضي، حيث تم تسجيل 4 ملايين ليلة فندقية للعرب والأجانب.
  • تحدث وزير السياحة عن مشروع لتطوير السياحة الدينية في السيدة زينب تشمل دراسة تفصيلية للمقام ومحطيه، كذلك توسيع الطرق وإقامة مولات وأسواق شعبية في المنطقة.
  • منحت وزارة السياحة رخصة تأهيل سياحي لفندق "سيدة الشام" في منطقة السيدة زينب بمحافظة ريف دمشق بكلفة نحو 3 مليار ل.س، كما منحت الوزارة رخصتي إشادة لفندقين 3 نجوم في محافظة طرطوس بكلفة 950 مليون ل.س، ورخص لتأهيل 15 منشأة سياحية منذ بداية العام لغاية أيلول 2018.
  • كشف مدير سياحة إدلب عن خسائر قطاع السياحة بالمحافظة حيث بلغت 250 مليار ل.س (حوالي 576 مليون $)، فضلاً عن خسارة 15600 ألف فرصة عمل كانت تعيل حوالي 64 ألف نسمة.

العمل

  • قالت وزيرة التنمية الإدارية بأن الحكومة لن تستغني عن عمال وموظفين الدولة عند تطبيق مشروع الإصلاح الإداري، في حين دعا الاتحاد العام لنقابات العمال إلى اعتماد قوانين جديدة تضمن حقوق الجهات العامة التي يمثلها العامل، وتؤمن للعامل كامل حقوقه ومستحقاته.
  • أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل برنامج ريادة الأعمال لذوي الاحتياجات الخاصة بشكل تجريبي ضمن مركز الإرشاد الوظيفي.

التعليم

  • كشف معاون وزير التربية عن استمرارية عمل 800 مدرسة في محافظة إدلب تحت إشراف حكومة النظام في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتلك الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة.
  • كشف معاون وزير التربية عن الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي، حيث انخفض عدد المدارس من 525 ألف مدرسة عام 2010 إلى 14.008 ألف مدرسة في 2017، فيما بلغ عدد المدارس التي يصعب الوصول إليها لإعادة تأهيلها 8405 مدارس قدرت كلفتها بـ 126 مليار ل.س، كما قدر حجم خسارة التجهيزات والآلات والمعدات المستخدمة في العملية التربوية والتي سرقت أو خربت بحوالي 48.5 مليار ل.س، وهناك أضرار غير مباشرة وتتمثل بضياع فرص التعليم وقدرت بحوالي 30 ملياراً، كما انخفض عدد الطلاب بنسبة 25% إذ بلغ عدد المسجلين 4001751 عام 2017 فيما بلغ عددهم 5348554 في 2010.

 

إعادة الإعمار والعلاقات الاقتصادية

أقامت حكومة النظام بالتعاون مع غرف التجارة والصناعة عدداً من المعارض الدولية والمحلية بغية تنشيط عجلة النمو الاقتصادي واستقطاب استثمارات خارجية، حيث انعقد معرض "إعادة إعمار سورية" بدورته الرابعة "عمرها 4" على أرض مدينة المعارضة بمشاركة 270 شركة ممثلة لــ 29 دولة من أبرزها لبنان وإيران والصين وروسيا، في حين اقتصرت الدورة الأولى من المعرض على مشاركة 65 شركة ممثلة لــ 11 دولة([9])، كما تم إقامة معرض "صنع في سورية" للصناعات النسيجية بالتعاون بين اتحاد المصدرين السوري واتحاد غرف التجارة والصناعة السورية، بمشاركة أكثر من 152 شركة من مختلف المحافظات.

تواصل حكومة النظام تقديم تسهيلات لرجال الأعمال لتأسيس شركات اقتصادية، وفي هذا الصدد صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 7 شركات في شهر تشرين الأول 2018 بحسب ما هو مرفق في الجدول.

فيما يتعلق بملف العلاقات الاقتصادية مع الدول الصديقة، عقدت لقاءات مشتركة بين الجانبين السوري والروسي، حيث تطرقت إلى مجالات التعاون وخلص بعضها إلى توقيع اتفاقيات اقتصادية ومذكرات تفاهم بين الطرفين، هذا وقد كشف رئيس غرفة تجارة دمشق محمد غسان القلاع عن حجم التبادل التجاري مع روسيا خلال النصف الأول من 2018  والذي تجاوز 226 مليون يورو، وفيما يلي أبرز محطات العلاقات الاقتصادية السورية_ الروسية خلال تشرين الأول 2018:

  • انعقاد "الملتقى الاقتصادي الكبير" في فندق الداما روز بدمشق، بتنظيم من قبل مجلس الأعمال السوري_ الروسي.
  • توقيع مذكرة تعاون في المجال الاقتصادي والتجاري مع جمهورية القرم الروسية، في ختام مباحثات رئيس مجلس الوزراء السوري مع رئيس جمهورية القرم الروسية سيرغي أكسيونوف.
  • الاتفاق على على تأسيس "بيت تجاري سوري في جمهورية القرم" وشركة شحن مشتركة للنقل البحري وتسهيل الإجراءات المالية والبنكية بين البلدين.
  • توقيع "اتفاقية توأمة بين مدينتي يالطا واللاذقية"، وعقد اتفاقات لتشجيع إرسال الصادرات السورية من حمضيات وتبغ وزيت زيتون إلى القرم والدول المحيطة، بالإضافة إلى إقامة مشاريع سياحية في المدينتين.
  • توقيع اتفاق بين وزارة الأشغال العامة والإسكان وشركة "ميغا ستروي بروبكت" الروسية، ينص على تنفيذ الشركة أحد المشاريع السكنية التي تعمل عليها الوزارة في ريف دمشق.
  • قامت حكومة النظام بشراء 200 ألف طن من القمح الروسي بسعر 255 $ للطن متضمنة تكاليف الشحن.
  • الاتفاق مع الجانب الروسي لتوسيع ميناء طرطوس وإنشاء ميناء أخر، كذلك دارسة مقترح لبناء مطار في دمشق.
  • أجرى وزير النفط والثروة المعدنية مباحثات مع نظيره الروسي وعدد من ممثلي الشركات الروسية، حول سبل تعزيز التعاون وتنفيذ الاتفاقات الثنائية بين سورية وروسيا في مجالات الطاقة والنفط والغاز.
  • عقد لقاء بين وزارة الأشغال العامة والإسكان مع وفد من جمهورية أوسيتيا الجنوبية، وقد تم الاتفاق على تقديم الجانب الأوسيتي دراسة فنية لـ 5000 وحدة سكنية مع محطة تحلية للمياه، ليصار إلى دراستها من قبل فنيي الأشغال العامة والإسكان.
  • أعلنت روسيا رغبتها إقامة شركة بناء مشتركة مع سورية لبناء 2000 وحدة سكنية خلال السنوات 3 القادمة.

فيما يخص العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إيران، حفل تشرين الأول 2018 بعدد من اللقاءات والزيارات المتبادلة بين الجانبين، كما تم التوصل لعدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية، وفيما يلي استعراض لأبرز النشاطات الاقتصادية بين البلدين خلال تشرين الأول 2018:

  • تنظيم لقاء بين غرفة صناعة دمشق وريفها والمؤسسة العامة للمناطق الحرة في سورية، ومجموعة من رجال الأعمال والصناعيين الإيرانيين في نادي الشرق بدمشق، على خلفية مشاركتهم في معرض "إعمار سورية 4"، ومن أبرز من حضر اللقاء من الجانبين: سامر الدبس" رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها"، رجل الأعمال بشار النوري، رئيس اللجنة العليا للمستثمرين في المناطق الحرة فهد درويش، السفير الإيراني في دمشق جواد ترك آبادي.
  • إجراء مباحثات بين المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية مع المدير التنفيذي لبورصة فارابورس إيران الدكتور أمير هاموني، تطرقت إلى تعزيز التعاون بين الجانبين وتسهيل إجراءات إدراج الشركات الإيرانية في سوق دمشق للأوراق المالية، والاستفادة من التطور التقني لأنظمة وبرامج بورصة فارابورس إيران واستخدامها في تحديث الأنظمة المتعلقة بالتداول.
  • الاتفاق بين الشركة العامة لتوليد الكهرباء بانياس وشركة "مبنا الإيرانية" على تأهيل العنفة الغازية /34/ م. واط.
  • عقد مباحثات بين وزير الكهرباء السوري وشركة "IPRS" الحكومية الإيرانية، حيث تم الاتفاق على تقديم الشركة الإيرانية عروض فنية ومالية لتأهيل المجموعات الخمس في محطة حلب الحرارية، كما تم إجراء مناقشات مع الجانب الإيراني من أجل تنفيذ مزرعة ريحية لإنتاج الطاقة الكهربائية باستطاعة 50 ميغا واط.
  • شارك وفد مكون من 50 رجل أعمال سوري في الملتقى الاقتصادي السوري الإيراني في العاصمة طهران، حيث توجت اللقاءات بعقد أمين السر العام لاتحاد غرف التجارة السورية محمد حمشو وأمين السر العام لغرفة تجارة طهران الدكتور بهمن عشقي مذكرة تفاهم للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات التجارية والاستثمارية والاقتصادية والإنتاجية، كذلك توقيع حمشو والمهندس علي رضا أشرف أمين السر العام لغرفة تجارة إيران الإطار التنفيذي لمذكرة تفاهم تشكيل الغرفة التجارية المشتركة بين اتحاد غرف التجارة السورية وغرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة في إيران.
  • وقعت جامعة حماة اتفاقيات تعاون علمي مع 3 جامعات إيرانية (جامعة فردوسي لمدينة مشهد، جامعة أمير كبير التقنية، جامعة الزهراء للإناث).

خلاصة تحليلية؛

تجهد حكومة النظام في إظهار قدراتها على توفير الخدمات ودفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث قامت بزيارات ميدانية لعدد من المحافظات للاطلاع على واقعها الخدمي وإطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية فيها، ولعل أهمها الزيارة المخصصة للمنطقة الشرقية لما تضمنته من رسائل متعددة، حيث أرادت الحكومة تأكيد حضور "الدولة السورية" لسكان تلك المناطق وقدرتها على توفير الخدمات، وذلك لاحتواء الحضور الإيراني الخدمي والأمني المتزايد في تلك المنطقة سيما في محافظة دير الزور، إضافة إلى رغبتها في تنشيط عملية إنتاج عملية إنتاج النفط والغاز، لتوفير إيرادات مالية تمكنها من تمويل أنشطتها ومشاريعها، كذلك خفض فاتورة استيرادها للمشتقات النفطية من الخارج.

استحوذ القطاع الزراعي على اهتمام الحكومة، حيث وافقت على صرف تعويضات مالية للفلاحيين المتضررين من الكوارث الطبيعية والآفات الزراعية بمبلغ لا يزيد عن 6 مليون $، وجاءت تلك الموافقة في مساعي من الحكومة لاحتواء المطالب المتزايدة من الفلاحين من جهة، ورغبة منها في دعم الإنتاج الزراعي الموجه للتصدير من جهة أخرى، ولا يتوقع لذلك الدعم أن يحقق المأمول منه سيما في ظل ارتفاع حجم خسائر القطاع الزراعي والتي قدرتها منظمة الفاو بما يزيد عن 16 مليار $، وتدني مطابقة المحاصيل الزراعية للمقاييس المعتمدة للتصدير، وتعرضها للمنافسة من دول الجوار.

أسفرت الانتخابات عن فوز قوائم "الوحدة الوطنية" بغالبيتها البعثية، ليواصل البعث هيمنته على مجالس الوحدات الإدارية عبر السيطرة على مكاتبها التنفيذية، مع ميله لتجديد الثقة بعدد من الرؤساء السابقين لمجالس الوحدات الإدارية، ويكتمل مشهد هيمنة البعث على المحليات بانتماء جميع المحافظين إليه، ليؤكد النظام بسلوكه هذا تغليب اعتبارات الولاء والتحكم على اعتبارات الحوكمة.

لجأ النظام إلى زيادة مخصصات الدعم المالي المقدمة لمجالس الوحدات الإدارية، بما يمكن أعضائها من استمالة السكان المحلين عبر توفير الخدمات لهم، حيث ارتفع الدعم المقدم لمجالس وحدات الإدارة المحلية من 899.98 مليون ل.س (حوالي 2 مليون $) في أيار 2018 لتصل إلى 2 مليار و59 مليون ل.س (حوالي 5 مليون $) في تشرين الأول 2018، ولا يتوقع لهذا الدعم أن يحدث فرقاً فيما يتصل بالواقع الخدمي للمحليات وأداء مجالسها وشرعيتها، لاعتبارات متعددة أبرزها هيمنة البعث على منظومة الإدارة المحلية وتآكلها وتبعيتها للمركز.

أعلنت حكومة النظام أرقامها لموازنة 2019 بمبلغ وقدره 3882 مليار ل.س (حوالي 9 مليار $ على أساس سعر صرف 435 ل.س لكل $) بزيادة قدرها 695 مليار ل.س عن موازنة 2018 (مقارنة بنحو 6.37 مليار $ على أساس سعر صرف 500 لكل $)، ويلحظ من خلال مقارنة موازنتي 2018-2019 ارتفاع حجم الانفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري في موازنة 2019 مقارنة بما كانت عليه في موازنة 2018، كذلك ارتفاع مبلغ الدعم الاجتماعي بشكل عام في موازنة 2019 عن 2018 وإن تركزت هذه الزيادة على دعم المشتقات النفطية، في حين انخفض الدعم المخصص للدقيق وكذلك المعونة الاجتماعية في موازنة 2019 عن نظيرتها 2018، في حين لم يطرأ تغير يذكر على المبالغ المخصصة لإعادة الإعمار وصندوق الإنتاج الزراعي، إذ حافظت على ثباتها في كلا الموازنتين.

تطرح أرقام موازنة 2019 العديد من التساؤلات سيما فيما يتعلق بتمويلها، حيث لا يزال جزء معتبر الموارد المحلية الطبيعية سيما النفطية خارج سيطرة النظام، كما لا تغطي الزيادة في الإيرادات المحلية الناجمة عن الضرائب والرسوم وبدلات الاستثمار سوى جزء من الانفاق العام، ويطرح ما سبق احتمالات التمويل بالعجز، مع الإشارة إلى تضارب الأرقام بخصوص حجم الدين العام لسورية، حيث قدر تقرير صادر عن البنك الدولي International Debt Statistics 2018. حجم ذلك بما لا يتجاوز 3.5 مليارات $([10])، في حين قدرت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات بعنوان " تأثيرات الأزمة في الاقتصاد السوري" حجم الدين العام الداخلي فقط في 2015 بنحو 3400 مليار ل.س (حوالي 7 مليار$).([11])

كذلك تتضمن أرقام الموازنة مؤشرات على أولويات العمل الحكومي في العام المقبل، حيث يلحظ تراجع الدعم الحكومي للطبقات الفقيرة المستفيدة من دعم الدقيق والمعونة الاجتماعية، كما لا تتضمن الموازنة مؤشرات على زيادة كلية لرواتب العاملين في الدولة، ومما يستقرأ من أرقام الموازنة عدم قدرة النظام على تمويل إعادة الإعمار بنفسه، واقتصاره على تأهيل بعض الخدمات على نطاق ضيق للإيحاء بنجاحه على تجاوز مرحلة الازمة وولوجه مرحلة الاستقرار وإعادة الإعمار.

أعلنت محافظة دمشق عن خططها لتنظيم المدينة وفق مراحل تتضمن الأولى مناطق جوبر والقابون وبرزة، وقد خضع ملف منطقة القابون الصناعية للتجاذب بين الحكومة ومحافظة دمشق وممثلي غرف صناعة وتجارة دمشق وريفها وبين مالكي المنشئات الصناعية بالمنطقة، حيث وجهت اتهامات من قبل مالكي المنشئات للحكومة بالتخلي عن برنامجها لدعم صناعي القابون والتي أطلقته في وقت سابق عقب استعادة النظام السيطرة على المنطقة، كما وجهت اتهامات لمحافظة دمشق بإعدادها تقارير غير واقعية حول نسبة الدمار في المنطقة لتبرير عملية التنظيم ونقل الصناعيين إلى منطقة عدرا الصناعية، وفي هذا الصدد أكدت مصادر خاصة قيام المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق بإعداد دراسات مسبقة لا تتطابق مع الواقع الميداني لمنطقة القابون وغيرها لإخضاعها للتنظيم وفق المرسوم رقم 10، وذلك بالتعاون مع رجالات أعمال محسوبين على النظام أمثال سامر الفوز وسامر الدبس ومحمد حمشو ممن يعملون كبوابات لاستقطاب رؤوس الأموال الخارجية للاستثمار سيما في القطاع العقاري.

دفعت اعتبارات داخلية وخارجية مجلس محافظة دمشق والحكومة إلى تأجيل البت بإخضاع منطقة القابون للتنظيم، فمنطقة عدرا الصناعية غير جاهزة بعد لنقل صناعي القابون إليها سيما عقب تضررها جراء فيضان سد الضمير، كما أدت الضغوط الروسية على النظام إلى تعديل القانون رقم 10 فيما يتعلق بالمدة القانونية لإثبات الملكية، وما عناه ذلك من إيقاف مؤقت لمخططات التنظيم.

أعيد افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن إثر إغلاقه لما يزيد عن 3 سنوات عقب سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة، وقد جاء افتتاح المعبر تتويجاً للمفاوضات واللقاءات المباشرة وغير المباشرة بين الجانبين السوري والأردني وبوساطة روسية ودون معارضة إسرائيلية أو أمريكية، كما جاء افتتاح معبر نصيب عقب يوم واحد من افتتاح معبر القنيطرة مع الجانب "الإسرائيلي".

يعتبر افتتاح معبر نصيب حدثاً مهماً لما يحتويه على رسائل متعددة الجوانب، إذ يحمل الحدث في طياته مؤشرات على إقرار إقليمي ودولي بضرورة حصر تدريجي لمسألة إدارة الحدود بالدولة السورية بغض النظر عمن يشغل إدارتها الآن، وما يعنيه ذلك من انحسار متزايد لدور الفاعلين من غير الدولة في إدارة المهام السيادية (الحدود)، كذلك جاء افتتاح المعبر في ظل ما تعانيه اقتصاديات دول المنطقة من أزمات اقتصادية، دفعتها رغم عدائها السياسي إلى الاتفاق فيما بينها على تنشيط حركة التجارة البينية، والاستفادة من المزايا الناشئة عنها من توفير الكلف وتوسيع الفرص وزيادة المداخيل، كذلك يمكن لافتتاح معبر نصيب الحدودي أن يوظف ضمن المساعي الروسية لإعادة اللاجئين من الأردن إلى سورية، وذلك عبر قوننة وتنظيم هذه العملية من خلال المعبر.

تواجه الحركة التجارية وعبور الأفراد من معبر نصيب تحديات أمنية واقتصادية، يرتبط الشق الأول بتمدد إيران في محافظتي درعا والقنيطرة وعلى أطراف الطريق الدولي وعلى مقربة من الحدود بأشكال متعددة بما يقوض الترتيبات الأمنية الناشئة في الجنوب بتوافق روسي_ إسرائيلي_ أردني، كذلك مدى قدرة النظام على ضبط سلوك قواته المنتشرة في هذه المنطقة. أما فيما يتعلق بالشق الاقتصادي، تواجه الحركة التجارية وتجارة الترانزيت عبر معبر نصيب_ جابر الحدودي تحديات تتعلق بقيمة الرسوم المفروضة (قام النظام برفع رسوم الترانزيت من 10$ إلى 62$ على مرور شاحنات نقل البضائع)، كذلك فيما يتعلق بتوافر البنية التحتية من طرق وآليات ومعدات لتسهيل الحركة التجارية.

 شهدت العلاقات الاقتصادية السورية_ الإيرانية تطوراً ملحوظاً في تشرين الأول 2018، وهو ما تمثل بحجم الزيارات واللقاءات المتبادلة بين الطرفين، إضافة إلى التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ولعل الأهم ما تمخضت عنه زيارة محمد حمشو على رأس وفد من رجال الأعمال لطهران من لقاءات واتفاقيات وما حملته من مؤشرات هامة، حيث تعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها لإيران من حيث حجم الوفد (50 من رجال الأعمال وعدد من أعضاء مجلس الشعب) والذي يعتبر بمثابة اللوبي الإيراني في دمشق، وبحسب مصدر مطلع فإن الاتفاقيات واللقاءات التي عقدها الوفد برئاسة حمشو قد تخطت بأهميتها ما تحقق عن زيارات المسؤولين السوريين الرسميين لإيران، وفي هذا الصدد أشار المصدر نفسه إلى حمشو باعتباره أحد أعمدة إيران في سورية سيما عقب دخوله في شراكات اقتصادية مع عدد من الشركات الإيرانية، واعتماد الأخير على إيران في توفير المواد الأولية لمعامله القائمة في سورية.


([1]) بتوجيه من الرئيس الأسد. خميس يفتتح مشاريع تنموية بـ 16 مليار ليرة في طرطوس واللاذقية، موقع تشرين، التاريخ 03-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2PVpNva

([2]) خميس على رأس وفد حكومي يزور المنطقة الشرقية لافتتاح عدد من المشاريع الخدمية والتنموية، موقع صاحبة الجلالة، تاريخ 24-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2qNTMHz

([3]) تعويض الفلاحين عن الأضرار في المحاصيل الزراعية بمبلغ إجمالي 2.7 مليار ليرة، موقع رئاسة مجلس الوزراء، تاريخ 10-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2FjmtpH

([4]) الغرامة بدل النقاط وإلغاء الحبس في بعض المخالفات بقانون السير قيد الدراسة … مجدداً.. مجلس الوزراء يناقش قانون الاستثمار الجديد، الوطن، تاريخ 29-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2DwTZXZ

([5]) الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بمنح عفو عام عن كامل العقوبة لمرتكبي جرائم الفرار الداخلي والخارجي المرتكبة قبل تاريخ 9-10-2018، سانا، تاريخ 10-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2E6tNEn

([6]) مدير إدارة التجنيد العام بسوريا: مرسوم العفو الرئاسي شمل المدعوين للاحتياط، النشرة، تاريخ 30-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2DdxM02

([7]) ‏مرسومان بأسماء أعضاء مجالس المحافظات ومجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وزارة الإدارة المحلية وشؤون البيئة، تاريخ 03-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OCL7Wq

([8]) الأرقام الواردة في الجدول بحسب ما أوردته صحيفة الحل، حسام صالح، موازنة سوريا 2019. لا زيادة في الرواتب وخفض للدعم وإعادة الإعمار تحتاج لنصف قرن!، تاريخ 05-11-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2B0k9zA

([9]) معرض إعادة إعمار سورية يبدأ فعالياته بمشاركة 270 شركة من 29 دولة، سانا، تاريخ 03-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2JWi9vp

([10]) نسرين رزوق، «الدين السوري العام»: تمخّض الجبل فولد فأراً!، جريدة الأخبار، تاريخ 13-06-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2B1qew0

([11]) حجم الدين العام الداخلي 3400 مليار ليرة، سيريا ستيبس، تاريخ 02-11-2016، رابط إلكتروني https://bit.ly/2RKdVcK

حول مشروعه البحثي "إصلاح القطاع العسكري في مرحلة ما بعد الصراع في سورية" عقد مركز عمران للدارسات الاستراتيجية بالتعاون مع مركز كارنيغي وبدعم من الاتحاد الأوروبي وألمانيا كجزء من مبادرة دعم عملية السلام السورية (SPPSI) ورشة عمل لعدد من الخبراء والفاعلين المحليين في الشأن العسكري في إستنبول يوم الخميس 25 تشرين الأول/أكتوبر 2018؛

هدفت الورشة إلى عرض ومراجعة وتحليل نتائج ثلاث أوراق بحثية أعدها مركز عمران ضمن خطة المشروع البحثي؛ حيث افتتحت الورشة بعرض لفكرة المشروع البحثي الهادف لتفكيك مجموعة من الإشكالات المتعلقة بالمؤسسة العسكرية السورية، ويرمي لبلورة السياسات والبرامج التي تعزز من اتساق بنية ووظيفة هذه المؤسسة مع المتطلبات الوطنية والأولويات الأمنية والعسكرية المحلية بما في ذلك قوننة العلاقات المدنية العسكرية؛

جاءت الورشة على ثلاث جلسات استعرض فيها الباحثون الأوراق التالية:

  1. الجيش السوري بعد عام 2011-الدور والوظيفة.
  2. ورقة: البنى والفواعل العسكرية في سورية لعام 2018.
  3. ورقة: الاستقرار والتغيير في سورية: ورقة استشرافية حول مستقبل المؤسسة العسكرية.

تلت العروض جلسات نقاش مفتوحة ساهمت بتعزيز وجهات النظر والتأكيد على أهمية استدراك بعض الأمور التي من شأنها أن تساهم في إصلاح هذا القطاع، واختتم اللقاء بجلسة توصيات ونتائج عامة.

حضر اللقاء 37 شخص من عدة دول عربية وأوربية، اختلفت تخصصاتهم حسب القطاعات ذات الصلة بالمشروع من عسكريين وقانونيين وباحثين وخبراء.

الملخص التنفيذي

  • توضح عملية تحليل البيانات الخاصة بمنطقة درع الفرات عدة أمور أهمها أن الجهات المدنية بواقع 30 محاولة واتبع منفذو عمليات الاغتيال عدة وسائل وطرق لتنفيذ عملياتهم أكثرها عن طريق العبوة الناسفة؛ وأن 26 % من مجموع المحاولات نجحت في اغتيال الجهة المستهدفة؛
  • نفذت مجموعة تطلق على نفسها "غرفة عمليات غضب الزيتون" 20 محاولة اغتيال في منطقة عفرين كلها حققت أهدافها وكانت أداة التنفيذ متشابهة في جميع حالات الاغتيال وهي الإطلاق الناري؛
  • توضح عملية تحليل البيانات بإدلب وما حولها أن هيئة تحرير الشام قد استهدفت ب 36 محاولة؛ والجبهة الوطنية للتحرير ب 10 محاولات؛ وتشير البيانات الى وجود 42 محاولة نفذت بإطلاق ناري ومثلها بعبوة ناسفة، وتظهر البيانات ارتفاع نسبة المحاولات الناجحة مقارنة بتلك الفاشلة،
  • استهدِفت هيئة تحرير الشام خلال شهر تشرين الثاني ب 17 محاولة؛ 7 محاولات منها استهدفت قيادات أجنبية و3 لقيادات محلية، بينما بلغت 4 محاولات للمقاتلين الأجانب مقابل 3 حالات للمقاتلين المحليين؛ وهذا يدل على مؤشرات صراع داخلي على السلطة؛
  • تفيد القراءة الأولية لنتائج تحليل البيانات على تنامي عوامل التدهور الأمني ومؤشرات البيئة غير المشجعة للاستقرار؛ وفشل القوى الفاعلة في تطوير أدواتها وقدرتها للحد من هذه العمليات وكشف ملابساتها ومسبباتها؛ وهو ما سينعكس حتماً على الواقع الأمني وسياسات التعافي المبكر ومتطلبات الاستقرار.

توطئة

لا يزال الملف الأمني في مناطق درع الفرات وعفرين وادلب وما حولها من أكثر التحديات والاختبارات التي تواجه القوى المسيطرة على تلك المناطق؛ فمن جهة أولى فإنه سيكون لتداعيات هذا الملف أثراً واضحاً على استحقاقات هذه المنطقة سواء فيما يتعلق بالبيئة الآمنة أو فيما يرتبط بعمليات التنمية والاستقرار (أو التعافي المبكر)؛ ومن جهة ثانية وفيما يرتبط بالاغتيالات التي تلقي بظلالها على الواقع الأمني فتجعله متعدد الدلالات؛ فإن الاغتيالات التي باتت سمة بارزة للواقع الأمني لم يعد البحث فيها عبارة عم كشف ملابسات جنائية بقدر ما هو محاولة لتلمس إمكانية وجود أسباب سياسية متسقة مع سياسات الاقتتال المحلي، ناهيك عن فهم الأسباب الأمنية المؤدية لتلك الحوادث. وفي محاولة لتتبع هذه القضية وتحليل مؤشراتها وقياس آثارها الأولية، قامت وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتصميم نموذج رصد لهذه العملية ([1])؛ وتحليل بياناته ضمن هذا التقرير الذي يبين توزع عمليات الاغتيالات في الشمال المحرر (إدلب وما حولها، غصن الزيتون، ردع الفرات) منذ شهر تموز وحتى أيلول 2018، كما يشمل التقرير جزء خاص بمحاولات الاغتيالات التي حدثت في المنطقة العازلة بمحافظة إدلب والمناطق المحيطة بها خلال شهر تشرين الأول 2018([2]).

المؤشر العام لمناطق الدرع وعفرين: ارتفاع النسب

بلغت محاولات الاغتيال من شهر تموز حتى أيلول 159 محاولة في مناطق التي تم رصدها؛ وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع التقرير السابق (قراءة أولية... الاغتيالات في مناطق المعارضة والفصائل الجهادية خلال النصف الأول لعام 2018)؛[3] إذ بلغ مجموع تلك المحاولات 212 محاولة خلال فترة رصد لمدة ستة أشهر، بينما تشير الأرقام في هذا التقرير الى وجود 20 محاولة في منطقة غصن الزيتون "عفرين" و46 محاولة في مناطق ردع الفرات، إضافة ل 93 محاولة في باقي المناطق "ادلب وما حولها"؛ (انظر الشكل المجاور) .     

 

 وفيما يخص منطقة درع الفرات تؤكد البيانات أنها شهدت 46 محاولة اغتيال بلغ أقصاها في شهر أيلول بمجموع (38) محاولة؛ تلك المنطقة التي يفترض لها أن تكون أكثر ضبطاً من الناحية الأمنية بحكم اشراف "الضامن التركي" وبحكم مأسسة العمل العسكري والأمني المحلي فيها (الجيش الوطني والشرطة الحرة)، الا أن محاولات الاغتيال من قبل خلايا تتبع للنظام أو تنظيم "داعش" أو الوحدات الكردية مستمرة.

كما توضح عملية تحليل البيانات أن الجهة الأكثر استهدافا بمحاولات الاغتيال هي الجهات المدنية بـ 30 محاولة اغتيال في حين حلت الفصائل المصنفة كمعتدلة في المرتبة الثانية بـ 16 محاولة اغتيال (الشكل رقم 4)؛ ولجأ منفذو عمليات الاغتيال لعدة وسائل وطرق لتنفيذ عملياتهم حيث كانت عن طريق العبوة الناسفة بحصيلة بلغت27 محاولة بينما حلت أداة الاطلاق الناري المرتبة الثانية ب 18 عملية من حيث أدوات التنفيذ وجاء الطعن ثالثاً بحالة وحيدة (الشكل رقم 3)؛ أظهرت نتائج تحليل البيانات ان 26 % من مجموع المحاولات نجحت في اغتيال الجهة المستهدفة بينما فشل المحاولات باغتيال الجهة المستهدفة بلغ 74% من مجموع المحاولات في منطقة درع الفرات (الشكل رقم 5). تبين من خلال الرصد ان 10 محاولات قامت بتنفيذها غرفة عمليات غضب الزيتون بينما بقيت 36 حالة مجهولة المنفذ (الشكل رقم 6).

كما تشهد منطقة عفرين أيضاً ذات المظاهر الدالة على الفلتان الأمني لا سيما من جهة "محاولات الاغتيال" خاصة بعد ظهور غرفة عمليات سميت "غضب الزيتون" التي أصدرت بياناً توضح به عدم تبيعتها لأي جهة سياسية أو عسكرية؛ وأنها لن تتعامل مع العناصر كأسرى حرب إنما سيتم تصفيتهم ميدانياً حتى "تحرير" عفرين. ([4]) إذ نفذت غرفة عمليات "غضب الزيتون" 20 محاولة اغتيال خلال فترة الرصد الممتدة من تموز حتى نهاية أيلول 2018 كلها حققت أهدافها وأدت إلى موت الجهة المستهدفة وكانت أداة التنفيذ متشابهة في جميع حالات الاغتيال وهي الإطلاق الناري[5].

 

المؤشر العام لمنطقة إدلب وما حولها: استهدافات نوعية

وفقاً للتقرير السابق فقد شهدت منطقة إدلب وما حولها عمليات اغتيالات واسعة لاسيما في شهر نيسان 2018 واستهدفت جهات مدينة بالإضافة إلى مقاتلين من الجبهة الوطنية للتحرير، هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى تم تصنيفها كفصائل متطرفة مثل تشكيل "حراس الدين"؛ بينما بلغت الاغتيالات خلال الفترة المدروسة في هذا التقرير 93 حالة اغتيال خلال الربع الثالث من العام 2018 بلغت أقصاها في شهر أيلول حيث بلغت المحاولات 45 محاولة اغتيال، بينما بلغت في تموز 28 محاولة، وجاء ثالثا شهر أب ب 20 محاولة؛ الشكل رقم (8)

ويوضح تحليل البيانات الخاصة بإدلب وما حولها أن الجهات المدنية هي الأكثر استهدافاً في منطقة إدلب وما حولها ب 47 محاولة اغتيال، في حين حلت هيئة تحرير الشام في المرتبة الثانية ب 36 محاولة اغتيال شملت العسكريين والشرعيين، تليهم ثالثا الجبهة الوطنية للتحرير ب 10 محاولات (الشكل رقم 9)؛ وأن  84 محاولة نفذت بالتساوي من حيث أداة التنفيذ، حيث قام منفذو عملية الاغتيال باستخدام الأدوات التالية (إطلاق ناري – عبوة ناسفة – لغم ارضي – طعن) لتنفيذ عملياتهم، وتشير البيانات الى وجود 42 محاولة نفذت بإطلاق ناري ومثلها بعبوة ناسفة بينما نفذت 4 محاولات عن طريق اللغم الأرضي و5 محاولات نفذت بطعن الجهة المستهدفة (الشكل رقم 10)؛

وفيما يتعلق بنتيجة محاولات الاغتيال، تظهر البيانات ارتفاع نسبة المحاولات الناجحة مقارنة بتلك الفاشلة، إذ بلغت نسبة المحاولات التي نجم عنها موت المستهدف 65%، مقارنة بـــ 35% فشلت في قتل الجهة المستهدفة؛ أي أن ثلث المحاولات فاشلة، (الشكل رقم 11).

 

 

هيئة تحرير الشام كجهة مُستهدَفة أو مستهدِفة فتوضح البيانات أن أكثر المحاولات الحاصلة منفذها مجهول وغير معروف بينما نفذت هيئة تحرير الشام محاولتين اغتيال؛ كما امتاز شهر تشرين الأول\أكتوبر باستهداف قيادات معروفة في صفوف الهيئة وأغلبهم كان من التيار الأجنبي المعروف بأنه الأكثر تشدد والذي أبدى اعتراض واضح على اتفاق إدلب الأخير في اجتماعات الهيئة التي حصلت بعد الاتفاق، حيث بلغ مجموع المحاولات في تشرين الأول 26 محاولة نفذ منها 18 محاولة في إدلب و6 محاولات في حلب ومحاولتين فقط في حماه.؛ واستهدِفت هيئة تحرير الشام ب 17 محاولة، تلاها الجهات المدنية ثانيا ب 5 حالات ثم الجبهة الوطنية للتحرير ب 4 حالات كما هو واضح في (الشكل رقم 12)؛ تلك المحاولات التي استهدفت بها الهيئة خلال شهر تشرين الأول كانت  7 محاولات لقيادات اجنبية و3 لقيادات محلية، بينما بلغت 4 محاولات للمقاتلين الأجانب مقابل 3 حالات للمقاتلين المحليين.

 

الخلاصة: هشاشة واقتتال بيني

تفيد القراءة الأولية لنتائج تحليل البيانات بجملة من الخلاصات التي من شأنها التأكيد على تنامي عوامل التدهور الأمني ومؤشرات البيئة غير المشجعة للاستقرار؛ كما تؤكد تلك النتائج على فشل القوى الفاعلة في تطوير أدواتها وقدرتها للحد من هذه العمليات وكشف ملابساتها ومسبباتها؛ ناهيك عن أن تزايد مؤشرات حالة الفلتان الأمني في مناطق درع الفرات وعفرين على سبيل المثال فإنه سينعكس حتماً على سياسات التعافي المبكر ومتطلبات الاستقرار ويدعم كافة المقاربات المراهنة على فشل المعارضة في التصدي لتحدياتها الأمنية؛ فوجود جهاز موحد للشرطة الحرة غير كافي لفرض الأمن؛ إذ ينبغي العمل على تكثيف الجهود المتعلقة بالجانب الاستخباراتي لا سيما تلك المتعلقة بعمليات غرفة "غضب الزيتون" والذي يتطلب بدوره تطوير الموارد البشرية وزيادة كفاءتها، ناهيك عن تكثيف الحملات الأمنية ( والتي بدأت )

وبقراءة البيانات المتعلقة في منطقة ادلب وما حولها؛ فهي عموماً تشير إلى جملة من العوامل الدافعة إلى ارتفاع نسب الفوضى وتبرز بشكل جلي عدم قدرة الأجهزة المعنية بالعمل الأمني على اكتشاف منفذو الاغتيال ودوافعهم ومحاسبتهم؛ وهو أمر قد تعود مسبباته لانتشار خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية او تابعة لاستخبارات النظام من جهة؛ ولملامح اقتتال داخلي نوعي عابر للعناصر العسكرية ويصل إلى استهداف المدني من جهة ثانية؛ وفيما يتعلق ب "حرب الاغتيالات داخل الهيئة" فإنه لا يمكن اعتبارها إلا حرب سلطة خصوصا بين تيارين (العناصر المحلية والعناصر الأجنبية) من جهة ثالثة. إذاً توضح عمليات الاغتيال وازدياد نسبها في مناطق درع الفرات وعفرين وإدلب الهشاشة الأمنية في هذه المناطق.

ملحق جدول الاغتيالات ضمن نسخة التحميل..


([1])  وفيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة لوحدة المعلومات في الشمال المحرر. 2) التقرير الأمني الخاص من مكاتب منظمة إحسان الإغاثية في الشمالي المحرر؛ 2) الحسابات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (الجبهة الوطنية، هيئة تحرير الشام، حراس الدين وغيرها)؛ 3) الحسابات الرئيسية للوكالات المحلية التي تقوم بتغطية الأحداث في محافظة إدلب وما حولها.

([2])  توضيح: التقرير يقوم برصد محاولات الاغتيالات كافة بغض النظر عن نجاحها أو عدمه

([3])  "قراءة أولية ... الاغتيالات في مناطق المعارضة والفصائل الجهادية خلال النصف الأول لعام 2018"؛ تقرير خاص صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 8/يوليو/2018، الرابط: https://goo.gl/r3GhmM

([4]) وهي وفقاً لتعريفها عن نفسها مجموعة من شباب وشابات عفرين، ويعتقد بأنها تتبع للوحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي يقومون باغتيال المقاتلين الاتراك المتواجدين في المنطقة بالإضافة إلى المقاتلين المحليين المدعومون من تركيا وتدعي هذه المجموعة عبر صفحتها الرسمية قيامها خلال فترة شهري حزيران واب بتنفيذ 26 عملية قتلت من خلاله 45 مقاتل وجرحت 43؛ للاطلاع والتعرف على هذه المجموعة انظر الرابط: http://www.xzeytune.com

([5])  وفيما يلي أبرز الاغتيالات التي تبنتها "غضب الزيتون" مؤخراً: حزيران 2018: اغتيال الناشط الكردي "أحمد مستو" في منطقة عفرين بريف حلب؛ تموز 2018: اغتيال ثلاثة مقاتلين من فرقة السلطان مراد في عفرين؛ آب 2018: اغتيال المدعو عكاش حجي أحمد علي، في قرية دير صوان، بمقاطعة عفرين؛ أيلول 2018: اغتيال أحد عناصر فرقة الحمزة في الجهة الشرقية من منطقة عفرين

الخميس, 22 تشرين2/نوفمبر 2018 19:49

النازحون في سورية وتحدي شظف العيش

تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. بعد أن اضطر السكان المحليين في العديد من المناطق لمغادرتها في رحلة نزوح قسري، أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري وحلفائه بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية. ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين من شتى المناطق ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017، وليمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد. وبذلك أصبحت سورية وفقاً للعديد من التقارير الدولية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم. مع بلوغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً مبلغ (5.3) مليار دولار أمريكي وفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018.

ولم يعد يخفى على المتابع للحالة السورية الوضع الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد بعد أن تناقلت وسائل الإعلام معاناتهم على نطاق واسع. فمع افتقادهم المأوى وظروفهم الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم مرغمة للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، والتي تصنف غالبيتها كمخيمات عشوائية بناها النازحون أنفسهم لتوفير مأوً مؤقت، ويصنف قاطنيها بكونهم من النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم.

ومع استطالة سنوات النزاع شكلَّت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد ازداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر. مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات. إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها. حيث تعتمد نسبة منهم على المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإغاثية لتأمين الاحتياجات الأساسية بحيث تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات، إلا أن الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات. في حين يعتمد البعض منهم على مساعدات الأقارب والسحب من مدخراتهم الشخصية. كذلك يوجد نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال مزاولة بعض الأعمال الحرة مستفيدين من خبراتهم المهنية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم. وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. إلى جانب ذلك يعتمد بعض سكان المخيمات على العمل في الحقول الزراعية المجاورة لهم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة. كذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذه الأعمال إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية.

بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية تنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب والتي يتجاوز عدد سكانها المليوني نازح.

غير أن هناك مجموعة من المعوقات التي تقف في وجه تنمية سبل المعيشة داخل هذه المخيمات، ويتمثل أبرزها في الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات وشعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها، وبالتالي غياب الحافز لديهم للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم. إلى جانب عدم استقرار الأفراد داخل هذه المخيمات لأسباب متعددة. كذلك يعد عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل المنظمات الداعمة من بين المعوقات الهامة لغياب فرص العمل للسكان، مع وجود مبادرات محدودة في هذا الصدد. أضف إلى ذلك عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، في حين يمثل غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات معوقاً إضافياً لتنمية سبل العيش، مع انفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، وافتقادها للخبرة والإمكانيات وتبعيتها لبعض الفصائل العسكرية أو الولاءات القبلية.

وفقاً لما سبق، فإنه لا بد أن تتضافر جهود الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج هؤلاء السكان في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإنسانية، وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهم في مناطق تواجدهم. 

 

المصدر موقع السورية نت: http://bit.ly/2TDL8sn

 

ملخص تنفيذي

  • كانت المركزية المعززة أمنياً خيار البعث في إدارة المجتمع والدولة، وفي حين نجحت هذه المقاربة بتأمين استقرار نسبي للنظام، فإنها تسببت بتآكل الحوكمة وسخط المحليات.
  • تقوضت ترتيبات إدارة المحليات في عهد بشار الأسد، وظهر ذلك جلياً بعجزها عن احتواء حراك 2011، ليلجأ النظام إلى تبني تكتيكات مؤقتة تهدف لترميم وإعادة بناء منظومة التحكم والسيطرة، وفق القواعد القديمة التي أرسى دعائمها حافظ الأسد.
  • أعيد إنتاج دور البعث كقائد للدولة والمجتمع، لكن بدون إقرار دستوري، وذلك بهيمنته على نتائج انتخابات الإدارة المحلية ومكاتبها التنفيذية، ويأتي ذلك رغبة من النظام في تعويم البعث كأداة مدنية للتعامل مع استحقاقات المرحلة القادمة.
  • ولجت إيران لعملية صنع القرار المحلي، مستفيدة من أدواتها الخدمية وميليشياتها المحلية وتأطيرها للشيعة السوريين سياسياً على الصعيد المحلي، وبذلك أصبح لها إمكانية التأثير على استحقاقات المرحلة القادمة عبر قنوات رسمية دولاتية.
  • غلب النظام وما يزال اعتبارات التحكم والسيطرة على اعتبارات الحوكمة في إدارته لشؤون المحليات، الأمر الذي يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية جديدة، قد تحتاج وقتاً للتعبير عن نفسها.

تمهيد

أجريت انتخابات الإدارة المحلية في أيلول 2018 وذلك لأول مرة منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في 2011، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في حين تم تفعيل الإجراءات القانونية والآليات التنظيمية اللازمة في المناطق التي ما تزال خارج سيطرة النظام، لتعلن النتائج ويصار إلى اعتمادها وإعلانها لاحقاً بمرسومين صادرين عن رئيس السلطة التنفيذية.  بغض النظر عن مصداقية الانتخابات ومدى شرعيتها وما اعتراها من مخالفات قانونية وتناقض في الأرقام المتداولة، إلا أنها توضح الآلية والعقلية التي يدير بها النظام المحليات، كما أنها تفصح عن الشبكات المحلية الناشئة للنظام وما هي القوى الوافدة إلى هذه الشبكات، كذلك تكشف عن توجهات النظام للتعامل مع استحقاقات المرحلة المقبلة وما هي التحولات التي طالت بعض هياكل النظام الرسمية.

من هنا تستعرض هذه الورقة التحليلية إدارة النظام للمحليات في سياقات مختلفة، وما هي التغيرات التي طرأت عليها منذ تولي حافظ الأسد السلطة إلى استلام بشار الأسد سدة الرئاسة، وصولاً إلى اندلاع الحراك الاحتجاجي وانتهاء باستعادة النظام السيطرة على عدد من المحليات بفعل التدخل الروسي والدعم الإيراني المباشرين، ليصار إلى تسليط الضوء على انتخابات الإدارة المحلية لما تتضمنه من مؤشرات على آلية النظام وعقليته في إدارة المحليات، وذلك من خلال التطرق إلى إدارة النظام للعملية الانتخابية والسياق الذي جرت فيه، وتحليل أبرز المؤشرات التي كشفت عنها نتائج الانتخابات، وتداعياتها المحتملة على الاستقرار الاجتماعي.

النظام والمحليات: أنماط التحكم والسيطرة في سياقات مختلفة

اعتمد نظام البعث المركزية كنمط والقبضة الأمنية كأداة لإدارة المحليات، في حين لجأ إلى اختراقها عبر نشر شبكات المحسوبية المحلية، والتلاعب بها بإثارة التنافس بين نخبها المحدثة والقديمة وإدارته، وفي حين حافظت الترتيبات على فعاليتها في عهد حافظ الأسد، بدأت بالتضعضع في عهد بشار الأسد وهو ما ظهر بعجزها عن احتواء حراك المحليات 2011، الأمر الذي دفع النظام إلى تبني تكتيكات مؤقتة تصب في استراتيجيته الرامية إلى إعادة بناء منظومة التحكم والسيطرة عبر تبني النموذج القديم لإدارة المحليات مع إجراء تعديلات طفيفة عليه.

التحكم لا الحوكمة في إدارة المحليات

أدرك نظام البعث بأن استقراره في الحكم يستلزم منه اختراق المجتمعات المحلية والهيمنة عليها وإحكام السيطرة على الدولة، لتكون المركزية المعززة أمنياً خيار البعث في إدارة المجتمع والدولة، وفي حين نجحت هذه المقاربة بتأمين استقرار نسبي للنظام، فإنها تسببت بتآكل الحوكمة وسخط المحليات.

سعى نظام البعث منذ استيلائه على السلطة 1963 إلى استبدال طبقة الوجهاء المحليين التي كانت متحكمة بالسياسات المحلية عقب الاستقلال بأخرى موالية له من ذوي خلفيات ريفية، وقد مارس هؤلاء نفوذهم المحلي الذي أتيح لهم باعتبارهم وكلاء للمركز، وساهموا من خلال شبكات المحسوبية والزبائنية التي شكلوها واستثمروا بها بتعزيز هيمنة النظام على المحليات، حيث أصبح بمقدور الوجيه القروي المنتمي لأحد تشكيلات النظام الرسمية وشبه الرسمية (حزب البعث والاتحاد الفلاحي)، الانتفاع بالموارد التي أتاحها له النظام شخصياً ولصالح شبكاته الزبائنية، لكنه بالمقابل توجب عليه إنفاذ توجهات النظام في قريته وحشد الدعم له إن لزم الأمر عبر توظيف مكانته المجتمعية وتفعيل شبكاته الزبائنية.[1]

لجأ النظام إلى تنظيم الإدارة المحلية بشكل مركزي عبر إصدار قانون الإدارة المحلية رقم 15 لعام 1971 وما أعقبه من مراسيم تشريعية وقوانين مكملة[2]، والتي أوجدت هياكل هرمية متمركزة تنحدر جميعها من قيادة النظام نزولاً إلى القرية أو الحي، حيث يعتبر المحافظ المعين بمرسوم صادر عن الرئيس ممثل السلطة التنفيذية على مستوى المحافظة والمسؤول عن أعمال وحدات الإدارة المحلية والإدارات التابعة للوزارات والقطاع العام على مستوى المحافظة[3]، كذلك وظف النظام الأطر الإدارية على المستوى المحلي كقنوات لإدارة التنافس المحلي بين الوجهاء المحدثين والقدامى، من خلال تعيينهم في عضوية مجالس الوحدات الإدارية دون إسناد أي صلاحيات يعتد بها لهم في مجال صنع القرار، والتي بقيت حكراً على دمشق.[4]

علاوةً على ما سبق، قام النظام باختراق المحليات بواسطة ثلاثي البعث ورجل الدين والمخبر المحليين، حيث شغل البعثين مكانة متميزة في عضوية مجالس الوحدات الإدارية[5]، كما تولوا مهام التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية في وحداتهم الإدارية عبر أمناء الفروع، كذلك مراقبة الوحدات المحلية بما أتاحه لهم القانون من صلاحيات[6]، بالمقابل لعب بعض رجال الدين المحليين دوراً في الترويج لخطاب النظام وحشد أنصاره لدعمه عند الضرورة، ليتولى المخبر المحلي مهمة مراقبة المحليات سكاناً وإدارة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والتي تقاسمت فيما بينها وفق ترتيب أقرته قيادة النظام مسؤولية الإدارة الأمنية للمحليات، فكان أن عهد للأمن السياسي الإدارة الأمنية لمدينة التل في ريف دمشق، أما أمن الدولة فكانت له الصدارة في إدارة ملف الحسكة والقامشلي، لتكون المخابرات الجوية الفرع الأقوى في إدارة مدينة حمص.[7]

غلب النظام اعتبارات السيطرة والتحكم في ترتيباته المحلية على اعتبارات الحوكمة، حيث ساعدته هذه الترتيبات على ترسيخ حكمه وحمايته في مواجهة هزات تعرض لها سيما في حقبة الثمانينات، لكنها بالمقابل أفضت إلى مركزية شديدة تعوزها الكفاءة ويغلب عليها الفساد ومنفصلة عن مصالح المحليات.

تآكل الترتيبات المحلية ومفرزاتها

تآكلت ترتيبات إدارة المحليات في عهد بشار الأسد في سياق تقوض العقد الاجتماعي وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما زاد من سخط المحليات معبرة عن ذلك باحتجاجات محلية معزولة تم التعامل معها، لينفجر الموقف بحراك المحليات 2011 وخروج عدداً منها عن السلطة المركزية، ليلجأ النظام إلى تبني تكتيكات مؤقتة مكنته من إعادة بناء ترتيباته المحلية بتغليب اعتبارات التحكم على الحوكمة في إدارته للمحليات.

 تولى بشار الأسد السلطة بحلول 2000، وكان عليه التعامل مع التركة الحرجة التي ورثها عن ابيه فيما يتعلق بحالة الانسداد السياسي وأزمتي النمو الاقتصادي والتنمية وتأكل الحوكمة في الدولة، ليلجأ إلى معادلة الاقتصاد أولاً عبر تبني إجراءات لتحرير الاقتصاد بغية رفع معدلات النمو واسترضاء النخبة الصاعدة من رجال الأعمال، ويمكن ملاحظة ذلك بثورة المراسيم والتشريعات الاقتصادية (بلغت 1200 مرسوم وقرار بين 2000-2005[8]) التي أعادت تعريف الدور الاقتصادي للدولة، وعززت من دور ممثلي التيار التحريري (مؤيدو ورجال القطاع الخاص الذين توزعوا على تحالفين رئيسين هما شام القابضة ([9]) وسورية القابضة ([10])) وحلفائهم في الإدارة والاقتصاد.

انعكس التحول السابق بتعطيل تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة (2006-2010) المصاغة وفق نموذج تحريري للاقتصاد محكوم بضوابط تنموية وبمقاربة إصلاح مؤسساتية، حيث تم حذف شق الإصلاح المؤسسي منها وعرقلة تنفيذ ما تبقى رغم تبنيها وإقرارها بصيغتها المعدلة بالمؤتمر القطري العاشر لحزب البعث (حزيران/ 2005)، في حين تم تبني سياسات ليبرالية محابية لمصالح نخبة رجال الأعمال الجدد المتحالفين مع النظام.[11]

قاد هذا التحول إلى تراجع دور الدولة كمعيل وتقويض العقد الاجتماعي الذي قام عليه النظام، كما ساهم التحرير الاقتصادي ببروز حلفاء لرجال الأعمال على المستوى المحلي، كذلك تقليص دور البعث والمنظمات المتفرعة عنه لصالح دور متزايد للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية[12]، والمحصلة تقويض الترتيبات المحلية التي أرسى دعائمها حافظ الأسد سابقاً، وهو ما انعكس بتغير موازين القوى داخل المحليات وتزايد سخطها تجاه إدارة دمشق، الأمر الذي ظهرت مؤشراته بمواجهات معزولة النطاق بين ممثلي السلطة المركزية والسكان المحليين كما حصل في معربا 2006[13] والرحيبة 2009[14] على سبيل المثال.

تجاهلت قيادة النظام تقارير الأجهزة الأمنية بخصوص سخط السكان المحليين ومطالب المحليات، أو ربما أخفت تلك الأجهزة الوقائع وتلاعبت بالتقارير المرسلة للقيادة[15]، وتخلص كلا الروايتين لنتيجة مفادها عدم إدراك القيادة لحالة الاحتقان القائمة في المجتمع السوري والسخط المتراكم تجاه إدارة النظام وقياداته، وهو ما دفع بشار الأسد للقول بأن سورية محصنة ضد ما حدث في مصر وتونس.[16]

أخطأت قيادة النظام في قراءة الموقف وفشلت محاولاتها في احتواء حراك المحليات، عبر تفعيل شبكاتها المحلية والاعتماد على الوجهاء المحليين ممن فقدوا كثيراً من نفوذهم خلال السنوات السابقة، وكذلك عبر إصدار المرسوم التشريعي رقم 107 المتضمن قانون الإدارة المحلية لعام 2011 بغية استرضاء المحليات ولكن دون جدوى، حيث خرجت العديد من المحليات عن سلطة دمشق وأوجدت بدورها هياكل حوكمية مفرطة بلامركزيتها وطابعها المحلي، وهنا لجأ النظام إلى تكتيكات مؤقتة لإدارة المحليات سواء في المناطق التي بقيت خاضعة لسيطرته أو تلك التي خرجت عن سيطرته، حيث وسع النظام في مناطقه على نحو كبير عدد الوسطاء المحليين_ كل من يقوم بدور الوسيط بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية، وغالباً لا ينتمون لمؤسسات رسمية بمعنى رجل الدين المحلي وكبار العائلات وقيادات العشائر هم وسطاء محليين_ لمساعدته على التصدي إلى الديناميكيات المتغيرة بسرعة للنزاع[17]، كما لجأ إلى تدمير البدائل[18] التي نشئت في المحليات سواءً من خلال التشويش عليها إدارياً وخدمياً وإبقاء السكان المتواجدين فيها معتمدين عليه فيما يتعلق بالحصول على الخدمات الأساسية التي توفرها مؤسسات الدولة كالوثائق الرسمية، أو بتشكيل شبكات محلية موازية في مناطق سيطرة المعارضة مكونة من تكنوقراط وبعثيين سابقين وتجار محليين وقادة دينيين، وتوظيفهم لإيجاد رأي عام محلي مؤيد وداعم لعودة النظام كما حدث في مناطق المصالحات المحلية كمدينة التل، أو بتدمير الهياكل الحوكمية بواسطة الحصار والتدمير العسكري كما حصل في شرق حلب على سبيل المثال.

تمكن النظام من استعادة السيطرة على العديد من المحليات عقب التدخل الروسي، بواسطة القوة العسكرية وتكتيكات الحصار، أو عبر المصالحات المسبوقة بإجراءات عسكرية، وكان يلجأ النظام عقب سيطرته على المحلة إلى تفكيك شبكات المعارضة المحلية وهياكلها التي كانت قائمة باعتبارها مصدر تهديد محتمل، مع الإبقاء على عناصرها كأفراد ممن قاموا بتسوية أوضاعهم أمنياً وتوظيفهم في إجراءات انتقالية ذات طبيعة أمنية، لحين تمكنه من إعادة فرض هياكله وترتيب شؤون المحلة وفق قواعد اللعبة القديمة ذاتها، أي عودة الإدارة الأمنية للمحليات، واختراقها من خلال شبكات المحسوبية المحلية التي توسعت بضمها وافدين جدد من تجار وقادة ميليشيات ورجال دين ووجهاء محليين برزوا خلال الصراع، كذلك ربط المحليات بالمركز من خلال هيمنة البعث على إداراتها المحلية.

يلقي مثال مدينة التل في ريف دمشق الضوء على هذه الديناميكية، حيث قام النظام بحصار المدينة عقب خروجها عن سيطرته منذ منتصف 2012، وجعلها تعتمد عليه خدمياً وإدارياً بما قوض من فرص نجاح معارضتها بتشكيل إدارة محلية ناجحة، وقد وظف النظام هذه الاعتمادية لتعزيز مواقع المواليين له داخل المدينة ممن شغلوا عضوية لجنة المصالحة المحلية (تشكلت بحلول 2013) إلى جانب وجهاء محليين لم يكونوا محسوبين على النظام، وحينما قرر النظام استعادة المدينة لجأ إلى استعراض قوته العسكرية واستثارة الرأي العام المحلي ضد فصائل المعارضة المحلية عبر مواليه، ليتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية 2016 يقضي بخروج فصائل المعارضة المحلية غير الراغبين بتسوية أوضاعهم إلى إدلب، في حين تم استيعاب جزء ممن قاموا بتسوية وضعهم بترتيبات أمنية محلية "لجنة حماية مدينة التل" والتي لم تعمر طويلاً، حيث تم حلها مع عودة جهاز الشرطة والأمن السياسي لممارسة مهامهم في المدينة، كما قام النظام بترميم شبكته المحلية عبر ضم قوى جديدة لها من وجهاء محليين وممثلي عائلات كبرى ومتزعمي ميليشيات محلية برزوا خلال الفترة السابقة والإقرار بدورهم كوسطاء بينه وبين أهالي المدينة، ليتوج النظام سيطرته بهيمنة البعث على مقاعد مجلس مدينة التل ومكتبها التنفيذي.[19]

انتخابات الإدارة المحلية ومفرزاتها: تعويم البعث وولوج إيران المشهد المحلي

أجريت انتخابات الإدارة المحلية في أيلول 2018 لأول مرة منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في حين تم تفعيل الآليات القانونية واتخاذ الإجراءات التنظيمية اللازمة لاختيار ممثلين عن المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام، لتسفر النتائج عن تصدر البعث ونجاح إيران في الولوج إلى عملية صنع القرار المحلي.

إدارة العملية الانتخابية

أجريت انتخابات الإدارة المحلية يوم السادس عشر من أيلول 2018 بمشاركة ما يزيد عن 40 ألف مرشح، تنافسوا على عضوية 18478مقعداً يشكلون بمجموعهم 1444 مجلساً، لتكون الانتخابات الأولى من نوعها منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية 2011، والتي بدء الاستعداد لها على الصعيدين القانوني والتنظيمي منذ حزيران 2018، تاريخ الدعوة لإجراء انتخابات محلية عقب تبلور معطيات سياسية وميدانية شجعت النظام على إجرائها.

أصدر بشار الأسد المرسوم رقم 214 القاضي بتحديد 16 من أيلول 2018 موعداً لانتخاب أعضاء المجالس المحلية[20]، وسبق هذا الإعلان إصدار المرسوم التشريعي رقم 172 القاضي بتعيين اللجنة القضائية العليا للانتخابات[21] باعتبارها المسؤولة عن الإشراف على انتخابات مجالس الإدارة المحلية بموجب المواد رقم (8-17) من قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014.[22]  

جاء الإعلان عن الانتخابات في سياق تعزز الموقفين السياسي والميداني للنظام على حساب المعارضة وربما تم بإيحاء روسي، أما الأهداف المتوخاة من إجراء الانتخابات فمتعددة ومنها: [23]

  • التشويش على المسار السياسي التفاوضي وإفراغه من مضمونه عبر فرض أمر واقع.
  • التحكم بمسارات إعادة الإعمار على المستوى المحلي كما المركزي، من خلال التأكيد على شرعية بنى الإدارة المحلية الناشئة، ودورها كشريك مكمل للمركز في هذه العملية.
  • توسيع الشبكات المحلية للنظام باستيعاب القوى الناشئة والمؤثرة محلياً ودمجهم بالأطر الإدارية للدولة، عبر زيادة عدد وحدات الإدارة المحلية من 1337 وحدة إدارية يشغلها 17588 عضواً في انتخابات 2011، لتصل إلى 1444 مجلساً بعضوية 18478.

اُستكملت الاستعدادات لإجراء الانتخابات بإصدار الحكومة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة عدة قرارات وإجراءات تنظيمية وإدارية تتصل بتحديد نسب تمثيل الفئات والدوائر الانتخابية وعدد أعضاء مجالس الوحدات الإدارية [24]، لتباشر اللجان الانتخابية عملها في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في حين تم تشكيل لجان لمحافظتي الرقة وإدلب في محافظة حماة من قضاة ينتمون للمحافظتين، وفيما يتعلق بإجراء الانتخابات في المناطق التي تم استعادتها ولم يسمح لسكانها بالعودة إليها بعد، فقد أشار رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات إلى مسؤولية وزارة الإدارة المحلية والبيئة لوجستياً عن تحديد المراكز الانتخابية بالتنسيق مع اللجنة كما حدث سابقاً في الانتخابات التشريعية. 

بلغ عدد طلبات الترشيح لعضوية مجالس الوحدات الإدارية نحو 49096، تم قبول 41482 منها ممن استوفوا الشروط القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين الناظمة للانتخابات[25]، وتفيد قراءة حركة الترشح بارتفاع غير مسبوق لطلبات الترشح في الأيام الأخيرة من المدة القانونية المعلن عنها للترشح، وفي حين برر النظام ذلك بعدم استكمال الراغبين بالترشح للأوراق والمستندات القانونية المطلوبة، أفادت رواية أخرى بانخفاض سقف توقعات السكان تجاه هذه الانتخابات ولامبالاتهم حيالها، وهو ما دفع حزب البعث إلى حث أعضائه على الترشح للتدليل على الإقبال الشعبي على هذه الانتخابات.[26]

 

 أدلى ما يزيد عن 4 مليون ناخب[28] بأصواتهم في الانتخابات من أصل 16.349.35، أي ما نسبته 25% ممن يحق لهم التصويت[29]، في حين تفاوتت نسبة المشاركة على مستوى المحافظات فلم تتجاوز حاجز 30% في محافظة حمص[30]، في حين بلغت حوالي 50% في محافظتي طرطوس[31] وحماة[32]، ويعزى سبب انخفاض المشاركة عموماً إلى غياب أجواء المنافسة عقب صدور قوائم "الوحدة الوطنية" للبعث، فضلاً عن انخفاض سقف توقعات الناخبين من مجالس الإدارة المحلية في ظل هيمنة المركز على قراراتها وتحكمه بتمويلها وضعف صلاحياتها، ليتم إعلان النتائج الرسمية واعتمادها لاحقاً بإصدار المرسوم رقم 3044 المتضمن أسماء أعضاء مجالس المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وكذلك المرسوم رقم 305 المتضمن أسماء أعضاء مجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين في انتخابات الإدارة المحلية.[33]

مفرزات العملية الانتخابية

أظهرت نتائج الانتخابات وتشكيل المكاتب التنفيذية لمجالس الوحدات الإدارية هيمنة البعث عليها، بينما ولجت إيران في عملية صنع القرار المحلي، هذا وعكست النتائج تغليب النظام اعتبارات التحكم والسيطرة على الحوكمة في إدارته للمحليات، بما يمهد الطريق لحدوث اضطرابات جديدة.

تعويم دور البعث

أسفرت نتائج الانتخابات عن هيمنة البعث على مجالس الوحدات الإدارية ومكاتبها التنفيذية، وقد سبق ذلك تغيرات طالت المفاصل التنظيمية للحزب وأعضاء قياداته على مدى سنوات الأزمة، لتتوج عقب الانتخابات بتعديلات جوهرية شملت النظام الداخلي للبعث وهيكليته، لتشكل هذه الترتيبات رافعة لتعويم دور البعث كقائد للدولة والمجتمع للتعاطي مع الاستحقاقات القادمة، لكن بدون إقرار دستوري.

مُنح حزب البعث وضعاً استثنائياً بوصفه "قائداً للدولة والمجتمع" بموجب المادة 8 من دستور 1973، حيث تم توظيف الحزب ضمن البنية السلطوية للنظام باعتباره أداة للرقابة وشبكات الوصاية[34]، في حين شهد دوره تراجعاً ملحوظاً في عهد بشار الأسد مع تنامي حضور التكنوقراط ورجال الأعمال، لتظهر لحظة 2011 مدى تآكل دور الحزب مع عجز قياداته وشبكاته الزبائنية على المستوى المحلي عن احتواء الحراك الناشئ، كذلك انحسار دوره لصالح تزايد دور مؤسستي الجيش والأمن اللتين تصدرتا المشهد للتعاطي مع الحراك.

فقد الحزب مكانته الاستثنائية كقائد للدولة والمجتمع بإقرار دستور 2012، واستمرت معاناة البعث بانهيار هياكله تدريجياً على مستوى المحافظات والمناطق بفعل الحراك، كما خسر دعم قاعدته في العديد من المناطق التي شهدت حركة احتجاجية كما في درعا وحمص[35]، ليجد الحزب نفسه معزولاً مجتمعياً وضعيفاً مؤسساتياً وبدور هامشي ضمن بنية النظام.

حاول البعث احتواء الضغوط وإعادة التأسيس لدوره من جديد من خلال تشكيل كتائب للبعث[36] وإشراكها بالمعارك كقوات رديفة إلى جانب قوات الجيش والتي لم توفق في مهامها بسحق المعارضة المحلية، كما عمل البعث على إعادة ترتيب صفوفه عبر إجراء تعديلات تنظيمية وتعيينات جديدة فيما سميت بــ "التنظيف الذاتي" وفق تعبير بشار الأسد[37]، والتي استكملت لاحقاً بإجراء تعديلات جوهرية (نيسان/2017) طالت أعضاء قيادته القطرية ولجنتيه المركزية والحزبية[38]، أعقبها حل القيادة القومية (أيار/ 2017)[39]، لتتوج هذه الإجراءات بتعديلات شملت النظام الداخلي للبعث خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في تشرين الأول 2018.[40]

أتاح تحول الموقفين الميداني والسياسي لصالح النظام عقب التدخل الروسي المجال أمام البعث لاستعادة زمام المبادرة داخلياً، مستفيداً من ميل النظام إلى تفعيل الأدوات المدنية والسياسية للتعامل مع استحقاقات المرحلة القادمة كإعادة الإعمار، ليبدأ البعث بترتيب أوراقه وحشد أدواته للتماشي مع التوجه الجديد للنظام، وذلك عبر تفعيل دوره المحلي من خلال تنشيط شبكاته المحلية واستقطاب أعضاء جدد ممن برز دورهم خلال الأزمة على الصعيد المحلي، وتمكين سيطرته على مجالس الوحدات الإدارية ومكاتبها التنفيذية من خلال الانتخابات المحلية، ويشار هنا إلى الدور المحوري لقيادات بعثية منها عمار الساعاتي عضو القيادة القطرية رئيس مكتب الشباب القطري في تنظيم ملف الانتخابات المحلية وإعداد قوائم "الوحدة الوطنية" بمعزل عن الحلفاء في الجبهة الوطنية التقدمية ممن أبدى بعضهم تذمره من إقصائية البعث[41]، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التي انحصر دورها في عملية فلترة وتصنيف المرشحين.[42]

أسفرت الانتخابات عن فوز قوائم "الوحدة الوطنية" بغالبيتها البعثية، ليواصل البعث هيمنته على مجالس الوحدات الإدارية عبر السيطرة على مكاتبها التنفيذية، مع ميله لتجديد الثقة بعدد من الرؤساء السابقين لمجالس الوحدات الإدارية[43]، ويكتمل مشهد هيمنة البعث على المحليات بانتماء جميع المحافظين إليه، ليؤكد النظام بسلوكه هذا تغليب اعتبارات الولاء والتحكم على اعتبارات الحوكمة.

 

إيران في المحليات

ولجت إيران لعملية صنع القرار المحلي في عدد من المحليات، مستفيدة من أدواتها الخدمية وميليشياتها المحلية وتفعيلها للشيعة السوريين سياسياً على الصعيد المحلي، ولم يكن ذلك ليتم لولا موافقة النظام الضمنية، وبذلك أصبح لإيران إمكانية التأثير على استحقاقات المرحلة القادمة عبر قنوات رسمية دولتية.

وسعت إيران من نطاق انخراطها وتأثيرها في الجغرافية السورية، بحيث لم تقتصر على الميليشيات الشيعية الوافدة من وراء الحدود ومستشاريها من الأمنيين والعسكريين فقط، وإنما توسعت لتشمل السكان المحليين، حيث عملت إيران على الانخراط في شؤون المجتمعات المحلية مستفيدة من تآكل سلطة الدولة محلياً وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاهها لقلة مواردها، وقد وظفت طهران عدة أدوات لبناء نفوذ لها على صعيد المحليات، حيث وفرت عبر أذرعها الخدمية "جهاد البناء" والإنسانية "مركز الثقلين" مظلة من الخدمات المحلية والرعاية الاجتماعية، تركزت في مناطق تواجد الشيعة السوريين سيما في نبل والزهراء وكلا من ريف دمشق وحمص الغربي وفي حمص  دمشق وحمص الغربي، كما استهدفت الأحياء والمناطق الفقيرة سيما في محافظتي حلب ودير الزور[44]، إضافة إلى تركيزها على مناطق انتشار منتسبي ميليشياتها من الدفاع المحلي[45]، ومن منتسبي الدفاع الوطني ممن تم حرمانهم من الامتيازات التي تقدمها الدولة "لذوي الشهداء" باعتبارهم تشكيلات رديفة وليست نظامية.[46] 

كذلك لجأت إيران إلى تجنيد السوريين ضمن تشكيلات عسكرية تعرف بــ "الدفاع المحلي"، والتي يتركز انتشارها في محافظة حلب كفيلق المدافعين عن حلب ولواء الباقر ويغلب عليها المكون العشائري، وعلاوة على ما سبق قامت إيران بتعبئة المجتمعات الشيعية المحلية من خلال تجنيدهم بحركات كشفية أبرزها كشافة الإمام المهدي والولاية، وتأسيس تشكيلات عسكرية خاصة بهم كقوات الرضا في حلب ولواء الإمام الرضا في حمص، كذلك إنشاء المجلس الإسلامي الجعفري الأعلى في سورية في 2012.

تمكنت إيران وموالوها من نسج علاقات مع مسؤولي النظام المحليين من إداريين وبعثيين وكذلك الوجهاء المحليين خلال نشاطهم المحلي، حيث راعت إيران الترتيبات المحلية وعملت من خلالها، في حين تعاطى المسؤولون والوجهاء المحليون مع إيران وموالوها باعتبارهم القوة الأكثر تحكماً في محلياتهم، كما عملوا على توظيف الخدمات والموارد التي توفرها إيران لتعزيز مكانتهم محلياً ولدى مرؤوسيهم.[47]

استطاعت إيران استغلال علاقاتها الشخصية مع المسؤولين المحليين والبعثيين وثقلها المحلي لترشيح عدداً من مواليها لعضوية مجالس وحدات الإدارة المحلية، ولم يكن لهؤلاء المرشحين أن ينجحوا لولا موافقة النظام وبدعم مباشر من حزب البعث بحسب ما أفادت به بعض المصادر الصحفية[48]، وبذلك بات لإيران موطئ قدم في عدد من المحليات سيما تلك التي يتركز فيها نشاطها المحلي بشكل مباشر أو من خلال وكلائها من السوريين.[49]   

يتيح انخراط إيران في المجتمعات المحلية لها إمكانية دمج هياكلها تدريجياً في صنع القرار المحلي، والتأثير عليه واستغلاله في عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن إمكانية توظيفه مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية.

الخاتمة

أرسى النظام في عهد حافظ الأسد دعائم استراتيجية المركزة الأمنية في إدارة شؤون المحليات، كما عمل على اختراقها عبر نشر شبكات المحسوبية المحلية، والتلاعب بها بإثارة التنافس بين نخبها المحدثة والقديمة وإدارته، وفي حين حافظت الترتيبات على فعاليتها في عهد الأسد الأب ومكنته من تجاوز ضغوط محلية تعرض لها، فإنها بدأت بالتآكل في عهد بشار الأسد في سياق تقوض العقد الاجتماعي وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي، التي طالت بآثارها السلبية المحليات معبرة عن سخطها تجاه المركز باحتجاجات محلية معزولة النطاق تمكن النظام من احتوائها.

انفجر الموقف في 2011 بحراك المحليات الناقمة على السلطة المركزية إدارة وقيادة، وفشلت كل أدوات النظام وتنازلاته في احتواء الموقف، وعوضاً عن تصويب العلاقة بين المركز والمحليات واعتماد مقاربة تشاركية لامركزية كبديل للمركزية المقيتة التي كانت متبعة، لجأ النظام إلى تكتيكات تحكم وسيطرة مؤقتة لحين استعادته السيطرة على المحليات وإعادة ترتيب شؤونها وفق قواعد اللعبة القديمة ذاتها، أي عودة الإدارة الأمنية الإدارة الأمنية للمحليات، واختراقها من خلال شبكات المحسوبية المحلية التي توسعت بضمها وافدين جدد من تجار وقادة ميليشيات ورجال دين ووجهاء محليين برزوا خلال الصراع.

استكمل النظام تشييد ترتيباته المحلية بإجراء انتخابات الإدارة المحلية، بغض النظر عن مصداقية تلك الانتخابات وشرعيتها وما شابها من انتهاكات قانونية، وقد كشفت النتائج عن هيمنة البعث على المحليات من خلال سيطرته على عضوية مجالس وحدات الإدارة المحلية ومكاتبها التنفيذية، كذلك لجوء البعث إلى ترميم شبكاته المحلية بضم شخصيات مؤثرة محلياً، ليستمر البعث بلعب الدور القائد للدولة والمجتمع دون إقرار دستوري، وتأتي هيمنة البعث على المحليات وتعزيز دوره في مؤسسات الدولة في ظل مساعي النظام لإعادة تعويم دور الحزب داخلياً كأداة مدنية وسياسية للتعاطي مع استحقاقات المرحلة المقبلة. 

كذلك كشفت النتائج عن ولوج إيران في المشهد المحلي السوري من خلال عضوية بعض مواليها لعدد من مجالس وحدات الإدارة المحلية، وقد حققت إيران مرادها بما بنته من نفوذ محلي شيدته بأدوات خدمية وعسكرية، تركز في مناطق انتشار ميليشياتها المحلية وفي المناطق المعدومة اقتصادياً، كذلك في مناطق انتشار الشيعة السوريين، ولم يكن لإيران أن تنجح بمسعاها لولا موافقة النظام الضمنية على نجاح مواليها، لتتمكن إيران بذلك من دمج هياكلها تدريجياً في عملية صنع القرار المحلي، والتأثير عليه واستغلاله في عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن إمكانية توظيفه مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية. 

غلب النظام اعتبارات التحكم والسيطرة على اعتبارات الحوكمة في إدارته لشؤون المحليات، ويبدو بأنه لم يستوعب جيداً دروس سنوات الأزمة ونتائجها، وفي حين يمكن لهذه الترتيبات أن تنجح إلى حد ما بتأمين استقرار نسبي النظام، إلا أن بافتقادها للحوكمة والشرعية يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية جديدة، قد تحتاج وقتاً للتعبير عن نفسها بأشكال متعددة.


[1] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحت حكم الأسد، رياض الريس للكتب والنشر، ط1 أذار/ 2012، ص 341

[2] أعاد القانون رقم 15 للإدارة المحلية النظر بالتقسيمات الإدارية المتبعة في سورية والقائمة على، محافظة، منطقة، بلدة، لتصبح وفق القانون الجديد: المحافظة، المدنية، البلدة، القرية، كما تم تطوير القانون (15) بتشكيل وزارة الإدارة المحلية بموجب المرســــــــوم التشريعي رقم 27 (آب 1971)، وإصدار اللائحة التنفيذية للقانون بموجب المرسوم رقم 2297 (1971)، والمرسوم التنظيمي رقم 1349 لعام 1972 وكذلك المرسوم رقم 283 لعام 1983.

[3] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحن حكم الأسد، ص261.

[4] خضر خضور، الحروب المحلية وفرص السلام اللامركزي في سورية، مركز كارنيجي، تاريخ 28-03-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2PatNYi

[5] تنص المادة (10) على أن المجالس المحلية تتكون من ممثلين عن الفئات التالية: (الفلاحين، العمال، الحرفيين، صغار الكسبة، المعلمين، الطلبة، الشبيبة، النساء، المهن الحرة التي تضم؛ الاطباء، الصيادلة، المهندسين، المهندسين الزراعيين، المحامين، أطباء الاسنان، رجال الفكر والفن والصحافة) بالإضافة إلى الفئات الأخرى وتشمل: موظفي الدولة وسائر الجهات العامة، العاملين في الحقول الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من الفئات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وهي تؤكد على أن لا تقل نسبة تمثيل الفلاحين والعمال والحرفيين وصغار الكسبة في المجالس المحلية عن 60%. وبما أن الحزب كان قد هيمن على كل الاتحادات، النقابات والمنظمات الشعبية في البلاد، فقد باتت نتائج الانتخابات المحلية معروفة سلفاً.

[6] للمزيد مراجعة، الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام السوري، دراسة منشورة ضمن كتاب بعنوان حول المركزية واللامركزية في سورية بين النظرية والتطبيق، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 28-09-2018، ص 163-164.رابط إلكتروني https://bit.ly/2N7mnQH

[7] حوارات أجراها الباحث مع سكان من هذه المناطق بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 18-10-2018.

[8] محمد الباروت، العقد الأخير في تاريخ سورية/ جدلية الجمود والإصلاح، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1 2010، ص 48.

[9] شركة شام القابضة، موقع الاقتصادي، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MA8ezS

[10] شركة سورية القابضة، موقع الاقتصادي، رابط إلكتروني https://bit.ly/2BuhiQg

[11] محمد الباروت، العقد الأخير في تاريخ سورية/ جدلية الجمود والإصلاح، ص 49-51.

[12] هايكو ويمن، مسيرة سورية من الانتفاضة المدنية إلى الحرب الأهلية، مركز كارنيجي، تاريخ 22-11-2016، رابط إلكتروني https://bit.ly/2guLsVt

[13] مواجهات بين الشرطة والمواطنين في معربا، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تاريخ 04-04-2006، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NOpHR8

[14] عساف عبود، بعد مواجهات مع الشرطة، عودة الهدوء لبلدة الرحيبة السورية، بي بي سي العربية، تاريخ 03-06-2009، رابط إلكتروني https://bbc.in/2RX25gx

[15] أطلع الباحث على عدة تقارير أمنية بخصوص وضع المحليات بحكم عمله سابقاُ في مركز الشرق للدراسات التي كانت ترد إلى إدارته مثل هكذا تقارير، وبحوار تم بين الباحث وأحد مسؤولي المركز قال الأخير؛ أن عقلية المسؤولين عن الأجهزة الأمنية تحول دون إيصال الصورة الحقيقة للواقع إلى القيادة مخافة أن يؤثر ذلك على مناصبهم".

[16] عادل الطريفي، رأي الأسد في الاحتجاجات المصرية والتونسية، الشرق الأوسط، تاريخ 02-02-2011، رابط إلكتروني https://bit.ly/2AheAMO

[17] خضر خضور، الحروب المحلية وفرص السلام اللامركزي في سورية.

[18]  للمزيد مراجعة، خضر خضور، إمساك نظام الأسد بالدولة السورية مركز كارنيجي، تاريخ 08-07-2015، رابط إلكتروني https://bit.ly/2EtgyOt

[19] اعتمد الباحث على متابعته لملف مدينة التل بحكم كونه من سكان المدينة.

[20] المرسوم رقم /214/ لعام 2018 القاضي بتحديد السادس عشر من أيلول المقبل موعدا لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحلية، موقع رئاسة مجلس الوزراء السوري، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Cr9oYq

[21] سمور إبراهيم، الرئيس الأسد يشكل اللجنة القضائية العليا للانتخابات، موقع سيريانديز، تاريخ 24-05-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ypCjJp

[22] تتولى اللجنة القضائية العليا للانتخابات الإشراف على الانتخابات وتسمية أعضاء اللجان الفرعية وتحديد مقراتها والإشراف على عملها، وتسمية أعضاء لجان الترشيح الخاصة بالانتخابات وتحديد مقراتها والإشراف على عملها والإشراف العام على إحصاء نتائج الانتخابات وإعلان النتائج النهائية للانتخابات.‏‏ أما بالنسبة للجان الفرعية المشكلة فيناط بها تحديد مراكز الاقتراع قبل سبعة أيام على الأقل من يوم الانتخاب بالتنسيق مع الرئيس الإداري، والإشراف المباشر على عمل لجان الترشيح المتعلقة بانتخابات مجالس الإدارة المحلية، وعمل لجان المراكز الانتخابية وقبول انسحاب المرشح لانتخابات مجالس الإدارة المحلية، وإعطاء الكتب المصدقة التي تمكن وكلاء المرشحين من متابعة العملية الانتخابية ومراقبتها والإشراف على إحصاء نتائج الانتخاب الواردة من مراكز الانتخاب في الدوائر الانتخابية التابعة لها والبت في الطعون التي تقدم إليها بشأن القرارات الصادرة عن لجان الترشح ومراكز الانتخاب.

[23] للمزيد مراجعة، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر حزيران 2018، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 12-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OyzYWB

[24] الإدارة المحلية والبيئة تستعد لانتخابات المجالس المحلية، جريدة تشرين، تاريخ 05-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2AEQoGE

[25] تتضمن شروط الترشح، كل سوري أتم الخامسة والعشرين وغير المدان بجرم جنائي أو شائن، والمتمتع بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك بالجنسية السورية منذ 10 سنوات، في حين تم استثناء الذين منحوا الجنسية السورية من المقيدين في سجلات أجانب الحسكة بموجب المرسوم 49 من هذا الشرط

[26] حوار أجراه الباحث مع أحد المنظمين للانتخابات المحلية بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ المقابلة 15-10-2018.

[27] تم تصميم الجدول بناء على تقرير رسمي أطلع عليه الباحث عن حركة الترشح لانتخابات الإدارة المحلية، وقد تم إيراد الجدول مسبقاُ في تقرير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر آب 2018، مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، تاريخ 19-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NX2NLk

[28] محمد منار حميجو، الخاسرون يطعنون بالنتائج خلال 5 أيام من صدور المراسيم والقرارات. جريدة الوطن، تاريخ 23-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Qyj6fu

[29] محمد منار حميجو، الناخبون الإناث أكثر من الذكور... القائد للوطن أكثر من 16.349 مليون مواطن يحق لهم الانتخاب لاختيار مرشيحهم، جريدة الوطن، تاريخ 12-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2yp6PDw

[30] إقبال ضعيف على انتخابات الإدارة المحلية في سوريا، الشرق الأوسط، تاريخ 17-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MzS44U

[31] عضو في اللجنة القضائية للانتخابات: الناخب وحده من يتحمل مسؤولية وصول المرشحين!، موقع سناك سوري، تاريخ 19-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Ce0lKf

[32] 53 % نسبة المقترعين لانتخابات الإدارة المحلية في حماه، موقع سناك سوري، تاريخ 18-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ITAgl8

[33] ‏ مرسومان بأسماء أعضاء مجالس المحافظات ومجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وزارة الإدارة المحلية وشؤون البيئة، تاريخ 03-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OCL7Wq

[34] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحت حكم الأسد، ص 290

[35] سهيل بلحاج، بعث سورية لم يَعُد الحزب الحاكم، مركز كارنيجي، تاريخ 05-12-2012، رابط إلكتروني https://bit.ly/2yQ15C2

[36] للمزيد مراجعة، يزن شهداوي، كتائب البعث ... قوة جديدة لمقاومة الثورة، جريدة الحياة، تاريخ 06-06-2014، رابط إلكتروني https://bit.ly/2EzXUVe

[37] الأسد: البعث "نظف نفسه" والإسلام السياسي سقط، موقع البي بي سي العربية، تاريخ 25-02-2014، رابط إلكتروني https://cnn.it/2NLIRqN

[38] اجتماع موسع للجنة المركزية لحزب البعث، جريدة الوطن، تاريخ 23-04-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2RZN3q6

[39] حل "القيادة القومية" بحزب البعث السوري وتشكيل مجلس جديد، عربي 21، تاريخ 15-05-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Al6ByF

[40] للمزيد حول هذه التعديلات مراجعة، بيان اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الصفحة الرسمية لحزب البعث على الفيس بوك، تاريخ 09-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ySwKm6

[41] في سابقة تاريخية… حزب جبهوي ينسحب من الانتخابات، سناك سوري، 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O7eRqh

[42] حوار أجراه الباحث مع أحد أعضاء حزب البعث بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 15-10-2018.

[43] تم الخلوص إلى هذا الاستنتاج عقب رصد قوائم الوحدة الوطنية وأعضاء المكاتب التنفيذية في عدد من مجالس الوحدات الإدارية.

[44] تعرّف على مهام منظمة "جهاد البناء" الإيرانية في دير الزور، تلفزيون سورية، تاريخ 16-05-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OAwJhx

[45] افتتاح منظمة جهاد البناء الايرانية مشفى لرعاية جرحى الدفاع المحلي بـحلب، الصفحة الرسمية لفيلق المدافعين عن حلب على الفيس بوك، تاريخ 13-12-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2q488D8

[46] جرحى الدفاع الوطني يشكون عدم تسليمهم رواتبهم، موقع سناك سوري، تاريخ 09-01-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2PiOLEN

[47] استغلت إيران وموالوها علاقاتهم الشخصية مع المسؤولين المحليين والحزبيين لدعم ترشيحهم لانتخابات الإدارة المحلية، حيث تولت هياكل الحزب المحلية رفع الأسماء للقيادة المركزية ليتم إقرارها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، حوار أجراه الباحث مع أحد أعضاء حزب البعث بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 15-10-2018.

[48] مجد الخطيب، ماذا تريد إيران من انتخابات الادارة المحلية؟، موقع المدن، تاريخ 16-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OUKpmJ

[49] يذكر هنا نجاح علي النبهان "قائد فوج النيرب-دفاع محلي" كعضو عن مجلس مدينة حلب عن حي النيرب، حيث كان لفوج النيرب وفيلق المدافعين عن حلب دور في متابعة الوضع الخدمي للحي والتواصل مع مجلسي مدينة ومحافظة حلب لمعالجة مشاكل الحي. مثال من متابعة قائد فوج النيرب لشؤون الحي خدمياً، https://bit.ly/2J6HjGX

شارك مركز عمران ممثلاّ بالباحث محمد العبدالله، في حضور مؤتمر عقده معهد William Glasser بالتعاون مع منظمة قدرة في مدينة استنبول بتاريخ 8 و 9  تشرين الثاني 2018 بعنوان: "جودة الحياة في القيادة التربوية: نظرية الاختيار من أجل بناء تعليم فعال في عالمنا".

تمثلت أهداف المؤتمر في تقديم مفهوم جودة الحياة في المجال التعليمي والمدرسي من أجل تشارك أفضل الممارسات في تطوير التعليم والأداء القيادي التربوي، وتطوير بيئات تعلم فعَّالة في المؤسسات التعليمية والمدارس. وذلك من خلال عرض أفضل الأطر لنظرية الاختيار وممارساتها وأطر القيادة المرتكزة على الاختيار والمسؤولية وممارساتها في المؤسسات والهيئات التعليمية وتطبيقاتها وخاصة في المنطقة العربية. 

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • خضعت موسكو بإبرامها اتفاق إدلب مع تركيا لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي حالت دون مُضيها قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه موسكو سابقاً، الأمر الذي قد يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب، وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية.
  • يشكل اتفاق إدلب مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري.
  • ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة.
  • لا يُمثل الاتفاق نصراً لأحد أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي وفرض واقع جديد على المستوى المحلي في إدلب.
  • تشير المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركية جديدة تقوم على تنسيق مشترك يكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية.
  • نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام.
  • تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة.
  • تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب تكريس جهود محلية ودولية لدعم تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.

مُقدمة

أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.

ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:

  1. هل شكَّل الاتفاق تنازلاً روسياً لتركيا على المدى البعيد، وهل يُعتبر الاتفاق تفويضاً دولياً لأنقرة لإدارة الشمال السوري، خاصةً مع الدعم الأوروبي للموقف التركي من معركة إدلب؟
  2. هل يُمكن الوثوق بموسكو من جديد، بالنظر إلى سلوكها خلال الاتفاقات السابقة حول مناطق خفض التصعيد، أم أن مصير إدلب اليوم بات رهناً بقدرة أنقرة على تفكيك "هيئة تحرير الشام"؟
  3. هل تستطيع تركيا منفردة إدارة الشمال السوري (مناطق درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب) وتشكيل كيانات عسكرية وإدارية فيها، بشكل يدعم موقف المعارضة السورية في التفاوض مع النظام على الحل السياسي؟

وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.

أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)

نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.

 على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.

على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.

في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.

مما لا شك فيه أن موسكو  بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.

أما بالنسبة لموسكو فيبدو  أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).

 أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير  من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.

يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.

ثانياً: تحديات الدور التركي

ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:

1.   تحديات متعلقة بالاتفاق

بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).

ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .

وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.

2.   تحديات ما بعد الاتفاق: (الاستدامة)

تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي: 

أ‌.        عقبة عسكرية: (معضلة التوحيد)

يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".

وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.

ب‌.   عقبة إدارية: (معضلة الحوكمة)

لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]). 

هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.

 بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).

ت‌.   عقبة اقتصادية: (معضلة الفقر)

لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).

  يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24] وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.

ثالثاً: النتائج

من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:

  1. لا يُمثل الاتفاق نصراً أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي.
  2. لا يزال شبح احتمال شن حملة عسكرية على إدلب قائماً، خاصةً في ظل مواقف الفصائل المتشددة في المنطقة من الاتفاق، والإصرار الروسي على استعادة إدلب واعتبارها الاتفاق مؤقتاً، حيث تراهن موسكو على العقبات والإشكاليات التي تعاني منها إدلب، والتي يصعب على تركيا منفردة أن تضطلع بها في حدود الإطار الزمني المرسوم لتنفيذ الاتفاق.
  3. تشكل المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركيا جديدة تقوم على التنسيق المشترك، تكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية، ويؤكد ذلك استئناف التنسيق الأمريكي التركي فيما يخص ملف منبج، ولكن مرحلة ما بعد الاتفاق سوتشي وإمكانية انخراط الأوروبيين في عملية إعادة الهيكلة للمنطقة بشكل يؤدي إلى استخدامها كورقة ضغط سياسي على موسكو والنظام تبقى رهناً بمخرجات الاجتماع الرباعي (روسيا، تركيا، ألمانيا، فرنسا) الذي عقد منذ أيام.
  4. تعقيدات المشهد العسكري في إدلب لناحية وجود تنظيمات متشددة أبدت رفضها للاتفاق وتكتلها في كيانات جديدة، يشير إلى أن تركيا قد تسعى إلى طلب تمديد للإطار الزمني للاتفاق بغية استكمال محاولاتها لتحييد الأطراف الأقل تشدداً من تلك التنظيمات، وذلك لتخفيف فاتورة أي عمل عسكري قد تضطر تركيا للقيام به للتخلص من الأجنحة المتشددة والجهاديين الأجانب.
  5. نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام، وهنا تظهر الحاجة التركية إلى تشكيل مظلة دعم سياسي واقتصادي دولي تمكنها من مواجهة الضغوط الروسية وتجاوز العقبات والتحديات التي تمثلها الظروف العسكرية والاقتصادية والإدارية للمنطقة، وذلك في حال رغبت تركيا بالبقاء في المنطقة إلى حين إجراء انتخابات في سورية.

رابعاً: التوصيات

تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:

1.   على المستوى السياسي

تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.

2.   على المستوى العسكري

يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.

بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.

إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.

3.   على المستوى الإداري والاقتصادي

بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.

تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.


 

([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r

([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc

([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi

([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T

([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G

([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB

([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU

([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W

([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk

([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ

([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve

([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.  

([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.

([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw

([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb

([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.

([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01

([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.

([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8

([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.

([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM

أقام مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لقاءً تعريفياً حول كتابه السنوي الرابع المعنون بــ : "حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق”. هدف اللقاء إلى مناقشة فصول الكتاب ومضامينه واستعراض الآراء والأفكار الواردة فيه مع عدد من الباحثين والسياسيين والإعلاميين.

خلال كلمة الافتتاح أوضح المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار القحف، أهمية هذا الكتاب بما يشكلًه من مرجعية نظرية وتطبيقية لمفهوم اللامركزية في سورية، مزيداً بسيناريوهات تطبيقيه تحقق أهداف الشعب السوري في وحدة الأراضي السورية، وإعادة صوغ العلاقة بين الوحدات الإدارية وبين المركز في سورية المستقبل.

فيما قدم الباحثان معن طلاع وساشا العلو شرحاً موجزاً عن ضرورة استعادة الشرعية التي فُقدت لدى الأطراف كافة في سورية، عبر تنظيم أدوات الحكم المحلي المرتكزة إلى تجربة المجالس المحلية التي لم تجنح إلى الفدرالية المفرطة ولا إلى المركزيَّة المستبدة، وذلك من خلال طريق يزيد من قوة البُنى المحلية ويرسم حدوداً لصلاحيات المركز، تعتمد على منح الصلاحيات وليس التفويض الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزيَّة.

بدوره سلط الباحث بدر ملا رشيد الضوء على تجربة الإدارة المحلية في مناطق سيطرة نظام الأسد ومناطق “الإدارة الذاتية”، مبرزاً أهم التحديات التي تقف في وجه تجربة المجالس المحلية.

ومن الجدير بالذكر أن الكتاب جاء على عشرة فصول لعشرة من الباحثين السوريين، وضّحوا في طياته مفاهيم عن اللامركزية وأشكالها وتطبيقاتها في بلدان خرجت من النزاعات، ومدى إمكانية تطبيقها في سورية، متطرقين إلى أشكال من اللامركزية (الاقتصادية، الإدارية، المالية، السياسية)، والرقابة المحلية والحكم المحلي، ومركزين على الوظائف الدستورية والقضائية والتشريعية بحسب أنماط اللامركزية. ومقدمين رؤية حول “اللامركزية النوعية كمدخل رئيسي للاستقرار في سورية” .

 

 

ملخص تنفيذي

  • وصل عدد النازحين داخلياً في سورية ما يقارب (784) مليون في نهاية عام 2017، فيما يتوقع أن يتجاوز العدد عتبة 8 مليون نازح. تستقر نسبة كبيرة منهم ضمن مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة.
  • يُواجه سكان المخيمات تحديات كبرى أهمها تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات، وغياب فرص العمل وقلة الدعم الذي اقتصر على تقديم السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات.
  • تقوم الدراسة بتشخيص مصادر دخل سكان مخيمات النزوح الداخلي، ومن ثم تحديد المعوقات الرئيسة التي تحد من تنمية سبل العيش.
  • تُقدم الدراسة مجموعة من الآليات والبرامج التي يمكن أن تساعد على تنمية سبل العيش للنازحين.
  • تستند الدراسة على آراء عينة ملائمة ممثلة لمجتمع الدراسة مكونة من (107) مستجوب من الأفراد ممن هم في سن العمل، والمقيمين في مخيم باب السلامة في مدينة إعزاز ومخيم الجبل في مدينة جرابلس في منطقة درع الفرات.
  • توصلت الدراسة إلى نتائج تعكس واقع وتحديات سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، من أبرزها:
    • غياب الحافز لدى نسبة كبيرة من الأفراد القاطنين في المخيمات للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم سببه الوضع النفسي والاجتماعي.
    • عدم استقرار الأفراد القاطنين داخل المخيمات، لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل؛ في مخيمات أخرى أو خارج هذه المخيمات؛ مما يصعب من عملية حصر الأعداد والمؤهلات بشكل دوري.
    • غياب جهات رسمية داعمة لتأسيس مشاريع سبل العيش داخل المخيمات، وعدم قيام المنظمات غير الحكومية بإدراج سبل العيش على سلم أولويات عملها واقتصار تركيزها على الجانب الإغاثي غالباً.
    • عدم وجود البيئة المادية المناسبة ضمن هذه المخيمات لتنمية سبل العيش، وافتقادها المستلزمات المطلوبة للقيام بأعمال مدرة للدخل.
    • غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات، وانفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر عليها لتنمية سبل العيش.
  • اقترحت الدراسة مجموعة من الآليات التي يمكن أن تُساهم في تنمية سبل العيش ضمن هذه المخيمات، وأهمها من جانب المجالس المحلية التالي:
    • تشكيل هيئة إدارية عليا رسمية للإشراف على مخيمات النزوح الداخلي.
    • حشد الموارد والإمكانات لإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية في مخيمات النزوح.
    • وضع استراتيجية لتشغيل اليد العاملة في مخيمات النزوح بالتعاون مع الفواعل الرئيسة في كل منطقة.
    • توفير التسهيلات اللازمة للاستفادة من خبرة الجهات المانحة في تنفيذ مشاريع تنمية سبل العيش.
    • تشكيل حواضن لمشاريع تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح ضمن المكاتب الاقتصادية للمجالس المحلية.
    • القيام بحملات توعوية تهدف إلى نشر ثقافة العمل المنتج والاعتماد على الذات بين سكان المخيمات.
    • قيام مكاتب التعليم في المجالس المحلية بإدراج مخيمات النزوح ضمن الخطة التعليمية في مناطق تواجدها.

أما من جانب المنظمات غير الحكومية:

  • تأسيس شراكات فاعلة مع القطاع الخاص وأرباب العمل في مناطق تواجد مخيمات النزوح بهدف تنمية سبل العيش.
  • منح الأولوية لتنفيذ برامج سبل العيش كثيفة العمالة لتوظيف أكبر عدد ممكن من سكان المخيمات.
  • تنفيذ برامج التشغيل السريع ذات الطبيعة المؤقتة مثل برامج النقد مقابل العمل.
  • التركيز على تنفيذ برامج سبل العيش المستدامة، وتطبيق سياسات تدعم سبل العيش الموجودة وتزيد من استقرارها.
  • التركيز على تطبيق برامج مخصصة للتمكين الاقتصادي للمرأة وللأسر الفقيرة في مخيمات النزوح.
  • تنفيذ دورات دعم وإرشاد نفسي واجتماعي داخل مخيمات النزوح.
  • ابتكار آليات جديدة لتقديم التمويل الصغير ومتناهي الصغر لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر داخل المخيمات.
  • قيام المنظمات والوكالات الدولية بالمساعدة على تطوير آليات لاستدامة برامج ومشاريع سبل العيش وضمان نموها لسكان المخيمات.
  • العمل على تطوير قاعدة بيانات مشتركة بين منظمات الإغاثة والتنمية المهتمة بدعم مخيمات النزوح.
  • استهداف مخيمات النزوح ببرامج محو الأمية بالتعاون مع الجهات ذات الصلة.

تمهيد

مع اندلاع النزاع في سورية في 2011، وجد السكان المحليون أنفسهم مضطرين لمغادرة مناطقهم في رحلة نزوح قسري أججها تصاعد وتيرة العمليات العسكرية والاستهداف الممنهج للمدنيين من قبل قوات النظام السوري في المناطق الثائرة ضده. حيث أجبرت هذه الظروف ملايين السوريين بمختلف الشرائح العمرية على هجرة مدنهم وقراهم، بحثاً عن مناطق أكثر أمناً داخل سورية. إلا أن تبدل السيطرة العسكرية على المناطق في العديد من المحافظات السورية، أفرزت حالة من عدم استقرار السكان النازحين في هذه المناطق، إلى جانب إجبارها أعداد متزايدة من السكان على ركوب موجة النزوح. ومع توالي سنوات النزاع ازداد عدد الأفراد النازحين ليصل إلى ما يقارب (6.784) مليون نازح في نهاية عام 2017([1]).

اتسمت موجات النزوح الداخلي في العديد من المناطق السورية بصفة النزوح المؤقت، بعد أن لجأ العديد من السكان للنزوح إلى المناطق القريبة من مناطقهم الأصلية على أمل الرجوع إليها قريباً بعد انتهاء الأعمال العسكرية. إلا أن واقع الحال أجبرهم على تكرار تجربة النزوح لأكثر من مرة مما فاقم من معاناتهم وضعفهم الاجتماعي على مدار السنوات السبع الماضية. وليس خفياً على المتابع للحالة السورية الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه هذه الكتلة البشرية من النازحين على مختلف الصعد، فمع غياب المأوى والظروف الاقتصادية الصعبة اضطرت نسبة كبيرة منهم للعيش في مخيمات تفتقد لأدنى مقومات الحياة الكريمة، منها ما أقيم بشكل عشوائي والبعض الآخر أقيم ضمن تجمع تشرف عليه بعض منظمات المجتمع المدني. وشكلت هذه المخيمات مستوطنات واسعة الامتداد يزداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر، مع افتقار غالبيتها إلى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الحياتية الأخرى. إلا أن التحدي الأكبر الذي يواجه سكان هذه المخيمات يتمثل في تأمين سبل عيشهم مع طول أمد وجودهم داخلها، وفي ظل غياب فرص العمل وقلة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة التي اقتصر دعم الكثير منها على تقديم بعض السلال الغذائية والصحية، مع وجود بعض المبادرات المحدودة لنشر سبل العيش ضمن هذه المخيمات. إلى جانب أن الكثير من العائلات المقيمة في هذه المخيمات تفتقد المعيل مما يفاقم من بؤسها واحتياجها، ولتشكل هذه المخيمات أحد أبرز التحديات في مناطق تواجدها مع قلة الإمكانات المادية المتاحة لدى المنظمات واللجان المحلية لتلبية احتياجاتها أو دمجها في المجتمعات المضيفة. ووفقاً لخطة الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 2018 فقد بلغ حجم التمويل المطلوب لتلبية احتياجات النازحين داخلياً 5.3 مليار دولار أمريكي.

بناءً على ما سبق، فإن طرح قضية سبل العيش في الوقت الحاضر أصبح من الأهمية بمكان، بعد أن اقترب النزاع داخل سورية من نهايته، وبعد أن تحولت العديد من المخيمات إلى مدن وقرى صغيرة تعج بالحياة وتستلزم من ساكنيها السعي نحو تأمين الرزق لمواصلة حياتهم وتأمين متطلبات أسرهم، وخاصة تلك المخيمات المقامة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب.

تهدف هذه الدراسة إلى توصيف وتحليل واقع سبل العيش للسكان في مخيمات النزوح الداخلي، من خلال العمل بداية على تشخيص مصادر دخل سكان المخيمات، ومن ثم تحديد أهم المعوقات الرئيسية التي تحد من تنمية هذه السبل، وصولاً إلى وضع مجموعة من الآليات والبرامج التي يمكن أن تساعد على تنمية سبل العيش للسكان داخل هذه المخيمات. كذلك تهدف الدراسة من جانب آخر إلى التعرف على الدور الذي يمكن أن تلعبه مختلف الأطراف في تنمية سبل العيش، وتقديم مجموعة من التوصيات للتخفيف من أثر المعوقات التي تحد من تنمية سبل العيش وبما يعزز من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان ضمن هذه المخيمات.   

يتقدم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بجزيل الشكر والتقدير للجهود التي بذلتها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية لمساعدتها في تنفيذ الجانب الميداني للدراسة من خلال مكتبها في مدينة إعزاز.

أولاً: منهجية الدراسة

1.   مجتمع الدراسة والعينة

يتكون مجتمع الدراسة من الأفراد المقيمين في مخيمات النزوح داخل سورية من الذكور والإناث ممن هم في سن العمل، وهم يمثلون وحدة التحليل في هذه الدراسة.

تتكون عينة الدراسة من (107) مستجوب تم اختيارهم وفق تقدير الباحث بطريقة الملاءمة، وقام الباحث باستهداف العينة في مخيم باب السلامة في مدينة إعزاز ومخيم الجبل في مدينة جرابلس في منطقة درع الفرات. وقد تم اختيار هذين المخيمين كونهما من المخيمات المكتظة بالنازحين، ووجودهما في منطقة تمتاز نسبياً بالاستقرار الأمني، ووجود نوع من التنظيم والإشراف على مخيمات هذه المنطقة. كما أن هاتين المدينتين أخذتا تشهدان حالة من عودة الحياة الاقتصادية إليهما ووجود توجه من الحكومة التركية لإعادة الإعمار الاقتصادي لهذه المناطق وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان. وبالتالي تتيح لنا هذه العوامل دراسة وتقييم واقع وتحديات سبل العيش للأفراد القاطنين في مخيمات النزوح بشكل أفضل.

مع الأخذ بعين الاعتبار الحدود الزمنية والمكانية لإنجاز الدراسة والتي بذل القائمون على إعدادها جهود كبيرة لضمان تمثيل العينة المختارة لمجتمع الدراسة، إلى جانب الصعوبات التي واجهتهم في اختيار العينة الملائمة ضمن هذه المخيمات نتيجة عدم رغبة الكثير من النازحين لملء الاستمارة والتعاون مع الباحث. بسبب خصوصية موضوع الدراسة الذي يتعلق بدمج القاطنين في المخيمات اقتصادياً واجتماعياً مع مناطق تواجدهم. ولشعور عدد منهم بأن الهدف منه سياسي، وتحديداً التوطين وتجاهل حق العودة لمناطقهم الأصلية. إلى جانب عدم ثقة قسم منهم بجدوى مثل هذه الدراسات.  

تحتوي منطقة درع الفرات على تجمعين للمخيمات أحدهما في مدينة إعزاز وهو الأقدم منذ النشأة، إذ أنه أنشأ مع بدء تدفق النازحين إلى المناطق المحررة في ريف حلب الشمالي عام 2012 عندما اكتمل تحرير معظم الريف الشمالي. بينما يقع التجمع الآخر في ناحية جرابلس وهو حديث نسبياً، حيث تم إنشاؤه بعد تحرير الناحية من قوات تنظيم الدولة في الأشهر القليلة التي تلت بدء عملية درع الفرات في شهر آب لعام 2016. في حين استمر تدفق النازحين إلى هذه المناطق في فترات وظروف مختلفة من تاريخ النزاع حتى الوقت الحاضر. بسبب تفضيل الكثير من النازحين والجهات المانحة على حد سواء مدينتي إعزاز وجرابلس نظراً لبعدها عن خطوط الجبهات وقربها من الحدود التركية والمجال الجوي التركي، الأمر الذي جعلها بمنأى عن التعرض للقصف والغارات الجوية إلى حد كبير مقارنة بغيرها من المناطق. ويحتوي تجمع إعزاز على 20 مخيم يوجد داخلها 97000 نازح، في حين يوجد 5 مخيمات في تجمع جرابلس يوجد داخلها 17000 نازح([2]).  ويبين الشكل (1) والشكل (2) تفصيل أكثر عن الشرائح العمرية لسكان هذه المخيمات. إلى جانب ذلك يوجد عدد من النازحين الذين يعيشون مع أسرهم خارج أسوار هذه المخيمات في خيم عشوائية أو في سياراتهم الخاصة. ويبلغ عددهم في جرابلس حوالي 814، بينما لا تتوافر احصائيات عن عددهم في مدينة إعزاز([3]).  كذلك يبين الشكل (1) عدد ونوع الفئات المستضعفة ضمن هذه المخيمات.

 

2.   أداة البحث المستخدمة

تم استخدام المنهج الوصفي التحليلي في هذه الدراسة في وصف وتفسير وتحليل واقع سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، حيث يمكن من خلال هذا المنهج جمع البيانات من مجتمع الدراسة لمحاولة تحديد الواقع الحالي لسبل العيش والتحديات التي تحول دون تنميتها، ومن ثم تحليل مضمون البيانات التي تم جمعها وصولاً إلى عرض النتائج.

أما بالنسبة لطرائق جمع البيانات فقد تم الاعتماد على نوعين من البيانات:

  • البيانات الثانوية: وهي التي تم الحصول عليها من الدراسات السابقة والتقارير الإحصائية والإعلامية ذات الصلة.
  • البيانات الأولية: وهي التي تم الحصول عليها بالاستبانة التي تم تطويرها لهذا الغرض، والتي احتوت مجموعة من المؤشرات التي يمكن أن تستخدم لمعرفة واقع وتحديات سبل العيش لسكان مخيمات النزوح الداخلي من منظور السكان القاطنين داخلها.

ثانياً: نبذة عن مخيمات النزوح في الشمال السوري

لا توجد أرقام دقيقة لعدد النازحين داخل سورية، لكن بعض المصادر تحدد ولو بشكل تقريبي أرقاماً نسبية لهذا العدد، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدم استقرار النازحين وانتشار وجودهم في كافة أنحاء سورية وخاصة في المناطق شبه الآمنة.               

منذ بداية النزاع أجبر أكثر من نصف سكان سورية على ترك منازلهم، وشهدت الأعوام 2011-2018 تزايداً متفاوتاً في حركة النزوح. ويقدر أن حوالي 8684 شخصاً أجبروا على مغادرة منازلهم أو مناطق إقامتهم يومياً في عام 2018. كما أن هناك ما لا يقل عن 5.2 مليون شخص لجؤوا إلى دول الجوار حتى نهاية آذار/مارس 2018. في حين بلغ عدد النازحين داخل سورية وفقاً لمركز مراقبة حركة النزوح الداخلي (6.6) مليون بتاريخ 15-04-2018، ويمثل الأطفال تقريباً ما لا يقل عن نصف هذا العدد، بينما يشكل الذكور والإناث نسبة 49% و51% على التوالي([4]). وبذا تعد سورية الآن البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم([5]).

كما يبين الشكل (4) كثافة التوزع النسبي للأفراد النازحين في مختلف مناطق سورية والعدد التقريبي للأفراد ذوي فترة النزوح طويلة الأجل في المحافظات السورية.

 توزعت مخيمات النزوح في معظم أرجاء سورية على اختلاف مناطق السيطرة العسكرية، واتسمت غالبيتها بالعشوائية وفقدانها لأدنى مقومات الحياة والنقص الكبير في تقديم المساعدات الإنسانية. وقد أدى تبدل السيطرة العسكرية على بعض المناطق إلى إزالة البعض من هذه المخيمات أو اضطرار سكانها إلى النزوح إلى أماكن أخرى لدواعي أمنية. ويبين الشكل (5) توزع مخيمات النزوح في سورية في بدايات عام 2018. إلا أن التركز الأكبر لمخيمات النزوح السوري كان في مناطق الشمال السوري التي احتضنت العدد الأكبر منهم منذ بداية اندلاع النزاع في بدايات عام 2011 حتى الوقت الحاضر.

ويُشير الواقع الحالي لمخيمات النازحين في الشمال السوري إلى وجود نوعين من المخيمات، وهي المخيمات النظامية التي تكفلت منظمات محلية ودولية برعايتها وتقديم الحاجات الأساسية لها، والمخيمات العشوائية التي أقامها الأهالي لتأمين مكان آمن يختبئون فيه بعيداً عن دائرة المعارك فاعتمد البعض منهم على الخيم القماشية فيما اعتمد آخرون على استخدام المرافق العامة كالمدارس وغيرها ملاذاً له. وتصنَّف غالبية هذه المخيمات في الشمال السوري تحت مسمى المخيمات العشوائية وفق تصنيف قطاع وإدارة تنسيق المخيمات. وقد بلغ عدد النازحين في هذه المخيمات بتاريخ 4 نيسان من عام 2018 (857324) نازحاً. في حين بلغ عدد مخيمات النزوح في الشمال السوري في 4 نيسان من عام 2018 (790) مخيماً. ويقدر عدد النازحين في مخيمات ريف حلب بـ (303790) نازحاً وبنسبة (35.01%) من عدد المقيمين في مخيمات النزوح في الشمال السوري. كذلك يبلغ عدد النازحين في مخيمات إعزاز وجرابلس (224923) نازح.

 

يندرج القسم الأكبر من مخيمات النزوح الداخلي ضمن مسمى المخيمات العشوائية وهي المخيمات التي يتم إنشاؤها من قبل النازحين أنفسهم بشكل ارتجالي نتيجة اضطرارهم لمغادرة مناطقهم بشكل مفاجئ دون أن يكون هناك أي إشراف من قبل أي جهة على هذه المخيمات. ونتيجة لانتشارها الكبير في مناطق الشمال السوري وتقاربها من بعضها نشأت مشكلة تداخل حدود هذه المخيمات، الأمر الذي يستحيل معه رسم خارطة دقيقة لها، أضف إلى ذلك حالة عدم استقرار هذه المخيمات التي يتم إزالة بعضها بعد تأسيسها أو انتقالها لمنطقة أخرى لأسباب متعددة. فضلاً عن عدم انطباق معايير الحياة السليمة فيها وعدم توفر الخدمات الأساسية للنازحين مما يزيد في معاناتهم اليومية. ووفقاً لتصنيف قطاع إدارة وتنسيق المخيمات فإن نسبة المخيمات العشوائية تبلغ 85.9%([7])-([8]). وتعزى هذه النسبة المرتفعة لمجموعة من العوامل التي تتمثل بعدم وجود إدارة مركزية للإشراف على هذه المخيمات وتقديم معلومات إحصائية دورية ومتكاملة عن أعداد المخيمات والقاطنين داخلها، والتراجع الكبير في دعم ملف المخيمات من قبل الوكالات والمنظمات الدولية، إلى جانب التقصير الكبير من قبل المنظمات المحلية لتلبية متطلبات هذه المخيمات وعدم إيلاءها الاهتمام الكافي بتخصيص جزء مناسب من موازناتها لذلك. مما تسبب بحرمان نسبة كبيرة من هذه المخيمات من المساعدات الإنسانية([9]). وقد كان لتفشي الفقر والبطالة الطويلة الأمد تداعيات سلبية كبيرة على قطاعي الصحة والتعليم مع النقص الحاد في الأدوية وارتفاع أسعارها. ويُقدر أن 82% من أماكن تجمع النازحين تعتمد بشكل كامل على المساعدات الإغاثية لتلبية حاجاتها الأساسية، فيما يقدر بأن 85% منهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الشهرية من دون هذه المساعدات([10]).

ونظراً لغياب أفق واضح لمصير هذه المخيمات واستطالة وجودها، بدأت ترتسم معالم وجود توجه يقتضي بأن يطبق على هذه المخيمات معايير المجتمعات الثابتة وليس معايير sphere ([11]). وذلك لكون المخيمات الحالية أصبحت مجتمعات ثابتة، وقد مر على إنشائها سنوات تجاوز الستة في كثير منها، إلى جانب تحول العديد من التجمعات التي تحتوي على هذه المخيمات إلى ما يشبه القرى الصغيرة المتناثرة، واتخذت تسميات باتت تُعرف بها من قبل جميع السكان في مناطق وجودها، فضلاً عن تشكل الأسواق التجارية المتكاملة وتوفر الكهرباء والمياه والطرق وغيرها من الخدمات الأخرى([12]).  

في الجانب القانوني، ينص القانون الدولي على وجوب تمتع الأشخاص المهجرين داخلياً بكامل حقوقهم إلى جانب المساعدة الإنسانية والحماية وهو ما يقع على عاتق الدولة، وتصبح المساعدة والحماية الدولية ضرورة عندما تكون السلطات الوطنية غير قادرة أو غير راغبة بالوفاء بالتزاماتها، أسوة بحماية حقوق اللاجئين والتزامات الدول المنصوص عليها ضمن أحكام المعاهدة الدولية الخاصة باللاجئين لعام 1951، والتي تشمل في حالة النازحين المساعدة في توفير الطعام والمأوى الملائم والرعاية الصحية والتعليم، وتسهيل تطبيق الحلول الدائمة الطوعية المتمثلة في العودة إلى الديار الأصلية([13]).

إلا أن واقع الحال يشير إلى أن المجتمع الدولي قام بتطبيق ما ورد في هذه المعاهدة في حدوده الدنيا على النازحين داخل سورية خلال السنوات الماضية، على الرغم من زيادة عدد النازحين داخلياً في سورية عن ضعفي عدد اللاجئين خارجها، ورزوحهم تحت خطر يفوق التخيل. حيث تذرعت الأمم المتحدة بالوضع الأمني لأماكن وجودهم ووجود مخاطر في عملية إيصال المساعدات إلى داخل سورية، وعدم قدرتها على العمل في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية المتشددة. مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي لهؤلاء النازحين في جميع القطاعات مع طول أمد وجودهم في هذه المخيمات. أضف إلى ذلك قيام الأمم المتحدة بتقديم المساعدات لإيصالها لأماكن النزوح عبر مؤسسات حكومة نظام الأسد، الذي كان المتسبب الرئيسي في نزوحهم من مناطقهم، الأمر الذي حرمهم من الاستفادة من هذه المساعدات بعد قيام هذه المؤسسات بسرقتها وبيعها في السوق السوداء وفق للعديد من التقارير الميدانية([14]). وقد أدى قيام الأمم المتحدة باعتماد النظام كأحد أطراف النزاع لإدارة توزيع مليارات الدولارات الأمريكية من المساعدات الدولية إلى التسبب في مصرع آلاف المدنيين بسبب التجويع أو الأمراض الناتجة عن سوء التغذية أو عدم الوصول إلى المساعدة الطبية. إلى جانب ذلك فقد أعلن تحالف مؤلف من 73 منظمة غير حكومية ومجموعة مساعدات تعمل في مناطق سيطرة المعارضة السورية في 8 أيلول من عام 2016 عن انسحابه من آليات رقابة مشتركة يديرها مكتب الأمم المتحدة في دمشق، وذلك احتجاجاً على ما وصفه بميول الأمم المتحدة الموالية لنظام الأسد وفقدانها الثقة بطريقة عمل المنظمة. وكانت رسالة الانسحاب هذه إشارة سياسية واضحة من هذه المنظمات ذات الصلة بمجموعات معارضة أو حكومات موالية للمعارضة السورية والتي تقدم المساعدات لأكثر من سبعة ملايين نسمة في سورية والدول المجاورة. الأمر الذي أدى عملياً إلى عدم تمكن الأمم المتحدة من الاستمرار في مواكبة ما يجري في شمال سورية وفي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حيث تقوم المنظمات الأهلية بالجزء الأكبر من عملها([15]). وقد أدى ما سبق إلى تفاقم الوضع الإنساني في هذه المخيمات. إلا أن المشكلة المستمرة تكمن في عدم قدرة الأفراد على تأمين لقمة العيش، فهناك نقص حاد للواردات الغذائية ومعظم سكان هذه المخيمات من العاطلين عن العمل أي لا دخل لديهم لتأمين احتياجاتهم التي لم تستطع المعونات المقدمة سد رمقهم فيها.

ثالثاً: الواقع الاقتصادي والإداري في منطقة درع الفرات  

تقع منطقة درع الفرات في الشمال السوري، وتمتد على طول الشريط الحدودي الذي يفصل بين سورية وتركيا بمساحة تقدر بحوالي 2269 كم2، ويشكل نهر الفرات الحدود الطبيعية الشرقية لها مما يجعلها غنية بالمياه الصالحة للشرب والزراعة. وقد عانت هذه المنطقة من تبعات النزاع في سورية الذي أدى إلى دمار كلي في البنية التحتية لها وهجرة رؤوس الأموال الصناعية إلى المدن التركية؛ فضلاً عن هجرة اليد الماهرة منها إلى تركيا وأوربا، كما أنها عانت من الانكماش التجاري نتيجة الحصار الذي تخضع له من جانب قوات نظام الأسد جنوباً، إلى جانب ضعف حجم التبادل التجاري مع تركيا الذي اقتصر خلال الفترة الماضية على استيراد المواد الأساسية وإدخال المواد الإغاثية.

إن الانتعاش في الحياة الاقتصادية لمنطقة درع الفرات غير متوازن من حيث القطاعات. إذ يتركز النشاط الاقتصادي في هذه المنطقة في الفترة الحالية عموماً حول النشاط التجاري نظراً لقرب مناطقها من الحدود التركية وتوافر فرص التبادل التجاري والاستقرار الأمني الذي تعيشه المنطقة. ويتركز هذا النشاط بشكل أساسي في كل من مدن إعزاز والباب وجرابلس والراعي نظراً لوجود ثلاث معابر على الحدود مع تركيا كما يبين الشكل(6).

 

وتشهد المعابر حركة عبور كبيرة للبضائع من الأراضي التركية إلى المنطقة وعبرها إلى المناطق والمدن المجاورة؛ الأمر الذي أسهم في حل جزء كبير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة من خلال زيادة تدفق رؤوس الأموال إليها وإحياء النشاط التجاري والصناعي. إذ يتم تصدير بعض المنتجات الزراعية بشكل محدود واستيراد البضائع التركية والمواد الخام اللازمة للأنشطة الصناعية، ولتجد هذه البضائع طريقها إلى مناطق الريف الشمالي ومدينة حلب عن طريق مجموعة من التجار والوسطاء الذين يشكلون دوراً هاماً في تأمين المواد الأساسية للسكان مثل المواد الغذائية ومواد البناء وبعض السلع الأخرى. وتتصدر تجارة المواد الغذائية الحركة التجارية بنسبة 35%، تليها تجارة الحبوب بنسبة 19%، ثم تجارة البذور والأسمدة بنسبة 14% لكل منهما وتجارة مواد البناء بنسبة 12%([16]). إلا أن الملاحظ هو كون هذه الحركة في غالبيتها هي باتجاه واحد من تركيا إلى هذه المناطق؛ مما يوجب العمل على دعم قطاعي الزراعة والصناعة لتنشيط دورة الحياة الاقتصادية وتأمين فائض للتصدير.

تشهد المنطقة بوادر لعودة النشاط الصناعي، فقد شجع مناخ الاستقرار النسبي الذي تعيشه المنطقة على إعادة تفعيل بعض المصانع القائمة وافتتاح مصانع جديدة في بعض المدن. ففي مدينة الباب تم افتتاح عدد من المصانع لمواد البناء وإنتاج البطاريات الصناعية والمنتجات الغذائية ومواد البناء والعديد من المنتجات الأخرى. وبالمقابل أعاق دمار البنية التحتية والنقص في الخدمات العامة افتتاح عدد من المصانع والورشات الموجودة، وحالت دون افتتاح مصانع وورشات جديدة. أضف إلى ذلك النقص في الموارد الخام وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وعدم توافر الوقود في الكثير من الأحيان وعدم توافر التيار الكهربائي، في حين تنشط في بعض المدن الأخرى بعض الورش الصناعية الصغيرة مثل ورشات الحدادة والأحذية والخياطة وصناعة المنظفات وورش صناعة مواد البناء، وورش إصلاح الآليات إلى جانب انتشار بعض معاصر الزيتون. حيث تؤَّمِن هذه الورش مصادر للدخل وتغطية الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية لنسبة من سكان هذه المنطقة.

فيما يتعلق بالنشاط الزراعي تعد المنطقة زراعية بامتياز. ونتيجة لما شهدته هذه المنطقة من أعمال عسكرية فقد تقلصت مساحة الأراضي القابلة للزراعة. ويعتمد السكان في الوقت الحاضر على زراعة بعض المحاصيل الزراعية مثل الحبوب وبعض الأشجار المثمرة. ويعاني القطاع الزراعي من ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي والحيواني، إلى جانب انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية، وصعوبة تصدير بعض المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وعدم وجود أسواق لتصريفها، الأمر الذي أدى إلى إحجام المزارعين عن زراعتها. وقلة عدد المنظمات التنموية المعنية بتنمية النشاط الزراعي والحيواني في المنطقة. ونظراً للطابع الزراعي لهذه المنطقة شهدت الآونة الأخيرة دخول إحدى أكبر الشركات التركية الزراعية إليها مع وجود توجه لدى الحكومة التركية لتمكين المنطقة اقتصادياً، وسيترافق دخول هذه الشركة مع دخول شركات أخرى تعمل في مجال دعم المشاريع الصغيرة. وتسعى الشركة إلى افتتاح مكتب لها في الداخل السوري، وذلك لتسهيل استثماراتها في المنطقة، في حين أن تعاملها سيكون بشكل مباشر مع المجالس المحلية بالتنسيق مع المكاتب الزراعية لديها([17]).

إلى جانب ذلك، ساهمت الحاجة الكبيرة إلى السكن بسبب ازدياد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة في إحياء وازدهار قطاع البناء الذي استطاع توفير الكثير من فرص العمل للسكان([18]). كذلك كان هناك انعكاس إيجابي لهذا الازدياد من خلال قيام عدد من الوافدين في دعم اقتصاد المنطقة عبر ضخهم لكمية من رؤوس الأموال في هذا القطاع.

نظراً لحاجة المنطقة إلى مشاريع تنموية كبيرة لإعادة تنشيط وإنعاش الحياة الاقتصادية فيها؛ تحاول المجالس المحلية العمل على توفير الظروف المناسبة لإطلاق مشاريع تنموية وخاصة في قطاع الزراعة، نظراً للإمكانيات التي تتمتع بها المنطقة من حيث طبيعة الأراضي الخصبة والجو الملائم لزراعة بعض المحاصيل. مما سيسهم في توفير فرص العمل والحد من البطالة، واستثمار الطاقات البشرية والخبرات الموجودة لدى المقيمين والنازحين على حد سواء لتنمية هذه المنطقة ومساعدة السكان على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.       

بالنسبة للجهات الناظمة للحياة الاقتصادية في المنطقة، فتنشط المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار في مناطق الدرع في محاولة منها لتنظيم القطاعات الاقتصادية وإعادة الإعمار الاقتصادي. إذ تحاول المجالس الإسهام في تنظيم هذه القطاعات عبر إحداثها بعض المكاتب التخصصية(([19])). إلى جانب قيام الحكومة التركية بتقديم الدعم الفني لهذه الجهات للتسريع في عملية إنعاش هذه المنطقة اقتصادياً عبر إطلاقها جملة من المشاريع الاقتصادية مثل مشاريع الإسكان، ومشروع تأسيس مدينة صناعية في مدينة الباب في 10 شباط من عام 2018. والتي من المتوقع أن تعمل على جذب معظم الصناعيين والتجار في المنطقة خلال الفترة المقبلة وإيجاد آلاف فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل([20]). بعد أن عانت المنطقة خلال السنوات الماضية من غياب المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تساعد على تشغيل الأيدي العاملة وتقليل نسب البطالة.

يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي (987845) شخص يتوزعون في تسع مدن رئيسية كما يبين الشكل (7). وهذا الرقم في تزايد مضطرد بسبب حركة النزوح الداخلي باتجاه هذه المنطقة وعودة اللاجئين السوريين من تركيا. ويبلغ عدد المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة 10 مجالس، يتبع لكل منها مجالس صغيرة تتلقى الدعم منها، ويتعامل الجانب التركي مع المجالس المحلية الرئيسية في المنطقة بصفتها حكومات محلية بيدها إدارة شؤون المنطقة كاملة، وتعتبر قوات الشرطة والأمن العام ذراعاً تنفيذية في كثير من الأحيان في الأمور التنظيمية وتطبيق القوانين التي تفرضها المجالس على الأهالي. ويشرف الجانب التركي بشكل شبه كامل على المجالس المحلية في المنطقة منذ أن بدأ بصرف رواتب شهرية لموظفيها، وبعد أن تولت "إدارة الطوارئ والكوارث التركية/آفاد" مسؤولية الإشراف الكامل على العمل الإنساني والإغاثي في المنطقة ومنعت أي منظمة أجنبية أو محلية من العمل فيها من دون إشرافها عليها. وتتبع المنطقة إدارياً إلى ولايتي غازي عينتاب وكيليس جنوبي تركيا. وانتدب الجانب التركي ممثلاً عنه في كل مجلس يحمل الصفة الرسمية: "مساعد والي"، وهو بمثابة والٍ على المدينة التي تتبع لها قرى ومزارع، وهذا المنصب يتسلمه 10 أشخاص هم بمثابة صلة الوصل بين المجالس المحلية والوالي([21]).

لا يمكن النظر إلى المدن في مناطق درع الفرات بأنها ذات سوية واحدة في توافر الخدمات والبنية التحتية، ويوجد اختلاف بين مدينة وأخرى، وهناك جهود تبذل من قبل الحكومة التركية بالتعاون مع المجالس المحلية ولجنة إعادة الاستقرار لتغطية جميع هذه المدن بالخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والاتصالات والنقل وغيرها من الخدمات وإعادة تأهيل البنية التحتية لها بهدف توطيد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لسكان هذه المناطق([22]). وتأمين العودة الكريمة للاجئين السوريين من هذه المناطق من المقيمين في تركيا.  ويعود الاختلاف في ذلك إلى ارتباط المجالس المحلية في بعض المدن كالباب وجرابلس مع ولاية غازي عنتاب التي تلقت عناية أكبر، من ناحية حجم الخدمات المقدمة ونوعيتها وكثافتها. مقارنة بمجالس المدن المرتبطة بولاية كيليس كمدن إعزاز ومارع وصوران الذي يعود إلى فوارق الإمكانيات بين الولايتين.

تتركز مشكلات سكان منطقة درع الفرات بشكل أساسي في نسبة البطالة المرتفعة والارتفاع في معدلات الفقر وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير، إلى جانب عدم توفر السكن مع ارتفاع الحاجة له بعد تزايد أعداد الوافدين والعائدين إلى المنطقة. مما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجارات السكن بشكل لا يتناسب وإمكانات السكان المادية مع قلة فرص العمل وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية. الأمر الذي انعكست آثاره السلبية بشكل أكبر على المهجرين والنازحين إلى هذه المناطق، مما أدى إلى بقاء العديد منهم ضمن المخيمات أو اضطرارهم للسكن في منازل مدمرة غير صالحة للسكن، ناهيك عن عدم تمكن نسبة كبيرة منهم من الحصول على أي فرصة عمل. 

فيما يتعلق بمصادر دخل السكان، فقد أفرزت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية انعكاسات سلبية على حياة الأفراد نتيجة التدهور الكبير في مؤشرات سوق العمل، وفقدان نسبة كبيرة منهم لسبل عيشهم. بحيث أصبح اهتمامهم الرئيس في الوقت الحاضر منصباً على البحث عن عمل يقيهم شظف العيش بعد أن أصبح عبء تكاليف المعيشة ثقيلاً عليهم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يكابدونها. ونظراً لطبيعة المنطقة الزراعية كما بينا سابقاً، فقد احتلت الزراعة المصدر الأول للدخل وفقاً لتقييم أعدته وحدة تنسيق الدعم في عام 2017 في المدن الرئيسية لهذه المنطقة. كما شملت مصادر الدخل الأخرى العمل في المهن الحرة والتجارة والصناعة والإسكان والعمل اليدوي وبيع المواشي ومنتجاتها والاعتماد على الحوالات المالية الواردة من الأقارب، إلى جانب الاعتماد على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية. وبات استخدام أكثر من وسيلة لكسب العيش لدى الأسر هو الشكل الأكثر شيوعاً في المنطقة([23]). نتيجة للتغيرات الكبيرة في جودة الحياة وطرق كسب العيش، وبعد أن أصبح الدخل المتولد من العمل وحده غير كاف لتغطية نفقاتها في كثير من الحالات نتيجة للانخفاض الكبير في مستوياته إلى جانب ارتفاع الأسعار، بحيث بات السكان ينفقون أكثر مما يكسبون. مما دفع الكثير من هذه الأسر إلى الاعتماد على مزيج من العمل والمساعدات الإنسانية لمقابلة احتياجاتها. إلى جانب الانتشار الواسع للأعمال غير الرسمية وغير المشروعة مثل تهريب البضائع. كذلك لوحظ انتشار بعض الأنشطة غير المقبولة اجتماعياً بهدف كسب العيش، كما برزت ظاهرة التوظيف لدى منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة.

ويبين الشكل (8) أهم مصادر دخل السكان في المدن الرئيسية لمنطقة درع الفرات، والتي تتركز بشكل كبير في قطاعي الزراعة والتجارة.

 

  رابعاً: تحليل البيانات

فيما يلي تحليل لإجابات أفراد عينة الدراسة على الاستبانة البحثية المقدمة لهم.

1. خصائص العينة

أ. الجنس

أظهرت المعطيات الميدانية أن أفراد عينة الدراسة تتكون من الذكور بنسبة (90%) بينما بلغت نسبة الإناث (10%) كما يبين الشكل (9)، ويرجع انخفاض نسبة مساهمة النساء في عينة الدراسة إلى النظرة الاجتماعية المتحفظة تجاه عمل المرأة لدى العديد من العائلات السورية المقيمة داخل مخيمات النزوح، والتي تنتمي في غالبيتها إلى مجتمعات مدنية وحضرية ذات طابع محافظ. كذلك مثلت العوامل المرتبطة بالعادات الاجتماعية مانعاً من مشاركة الإناث في الاستجابة للمشاركة في تنفيذ الدراسة عبر ملء الاستبانة.

ب. الفئة العمرية

تركزت غالبية أعمار عينة الدراسة في فئة (30-19) وبنسبة (41%)، تلتها الفئة العمرية (40-31) بنسبة (34%)، وتمثل هاتين الفئتين الشريحة العمرية من الأفراد المقيمين في المخيمات والباحثة عن تأمين سبل العيش والتي تستهدفها هذه الدراسة بشكل أساسي. بينما حلت الفئة العمرية (أكبر من 40) في المرتبة الثالثة بنسبة (22%)، في حين حلت في المرتبة الأخيرة الفئة العمرية أقل من (18%) كما يبين الشكل (10).

وتعكس الفئة العمرية لعينة الدراسة تنوعاً في أعمار المستجوبين وتوازناً منطقياً من حيث النسب المئوية، مما يساهم في إغناء النتائج التي ستقدمها الدراسة. 

ت. مستوى التعليم

بينت نتائج الدراسة الميدانية انخفاض المستوى التعليمي لدى عينة الدراسة، حيث بلغ مجموع نسبة حملة الشهادة الجامعية والمعهد المتوسط نسبة 23% فقط، في حين بلغت نسبة حاملي الشهادة الثانوية وما دون نسبة 77%. كما يبين الشكل (11). مما يؤشر إلى أن غالبية الأفراد من حملة الشهادات الجامعية من النازحين يقيمون خارج هذه المخيمات، بعد أن تمكن قسم كبير منهم من تأمين فرص عمل مكنَّتهم من تغطية تكاليف معيشتهم والاستقرار خارج مخيمات النزوح. ويفرض هذا بدروه تحدياً كبيراً على الجهات المهتمة بتنمية سبل العيش داخل هذه المخيمات للأفراد ذوي المستوى التعليمي المتدني التي تتطلب جهود وتكاليف أكبر لتأهليهم لسوق العمل. فضلاً عن وجود نسبة من الأفراد الأميين داخل هذه المخيمات.

  • عدد سنوات الإقامة في المخيم

تبين المعطيات أن غالبية أفراد العينة تراوح عدد سنوات وجودهم في مخيم النزوح بين (1-3) سنوات وشكل نسبة (64%) منها. في حين أن نسبة (28%) منهم تقل فترة وجودهم في المخيم عن السنة، بينما بلغت نسبة من تجاوزت فترة وجوده في المخيم (3) سنوات نسبة (8%) كما يبين الشكل (12). وتفسر هذه النسب بأن الأفراد الذين هم في سن العمل لا يستقرون لفترات طويلة داخل هذه المخيمات مقارنة بالنساء وكبار السن والأطفال. نظراً لصعوبة الحياة المعيشية واضطرارهم للبحث عن العمل خارج هذه المخيمات لإعالة عائلاتهم.

 

ث‌.   مصادر دخل السكان في المخيم

يمكن تصنيف مصادر دخل سكان المخيم ضمن مجموعتين، تشمل المجموعة الأولى المصادر المعتمدة على المساعدات والإعانات المقدمة من قبل الجهات والمنظمات المهتمة بدعم سكان هذه المخيمات، إلى جانب بعض المصادر التي تشمل المدخرات الشخصية واعتماد بعض السكان على أنفسهم في تأمين متطلباتهم الشخصية. ويبين الشكل (13) أهم مصادر التمويل ضمن هذه المجموعة.

ترى نسبة (42%) من عينة الدراسة أن المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية تأتي في مقدمة هذه المصادر من حيث الاعتماد عليها إلى حد كبير، بينما ترى نسبة (22%) منها أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليها، بينما ترى النسبة الباقية (43%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. وتتركز هذه المساعدات بشكل أساسي على تقديم وجبات الطعام للمقيمين في المخيمات كمساهمة منها للتخفيف من النفقات المتعلقة بالغذاء، حيث أقام العديد منها مطبخ رئيسي في كل مخيم لتوزيع الوجبات المطبوخة والخبز على السكان، نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفرها داخل بعض المخيمات مما يجبر النازحين على صرف جل دخلهم على الغذاء. في حين تشكل المساعدات المقدمة من المنظمات المحلية غير الحكومية وفقاً لـ (25%) من العينة أحد المصادر التي يعتمد عليها هذه المصادر إلى حد كبير، و(26%) إلى حد متوسط، في حين ترى نسبة (56%) منها أن هناك اعتماد إلى حد منخفض على هذه المساعدات كمصدر للدخل. تنشط العديد من المنظمات المحلية لتقديم المساعدات في هذه المخيمات من خلال توزيع السلال الغذائية والمواد الصحية ومواد التنظيف لتأمين المتطلبات المعيشية الضرورية. وبذلك تسهم هذه المساعدات في تغطية جزء من نفقات هذه العائلات. ووفقاً لغالبية سكان المخيمات فإن المساعدات التي يتلقونها تعد أكبر قيمة مما يمكن أن يوفروه لعائلاتهم إن هم حاولوا العودة إلى مناطقهم دون تأمين وظيفة أو سبيل للعيش؛ لذا يتشبث الكثير منهم بالبقاء في هذه المخيمات. إلا أن الواقع الحالي وفقاً للعديد من سكان هذه المخيمات يشير إلى وجود حالات فساد لدى بعض إدارات هذه المخيمات في توزيع المساعدات للسكان بشكل عادل أو سرقتها في بعض الأحيان، مما يؤثر بشكل كبير على مدى قدرتهم على مواجهة النفقات المعيشية نتيجة لغياب جهة رقابية رسمية للإشراف على هذه الإدارات، وأدى ذلك إلى تشكل مجموعات من المتنفعين من هذه المساعدات خلال السنوات الماضية سواء من المشرفين على هذه المخيمات أو حتى من قبل المنظمات التي يقوم البعض منها بتوزيع هذه المساعدات بغرض المتاجرة بمعاناة سكانها([24]). وبالتالي وعلى الرغم من تأقلم وتكيف السكان مع روتين الحياة في هذه المخيمات، لا يزال الكثير منهم يواجه تحديات خطيرة بسبب عدم الوصول المنتظم للمساعدات الإنسانية وبسبب عدم كفاية الموارد لدى المنظمات الداعمة، مما يجعل العديد من العائلات تكافح جاهدة من أجل إيجاد مصدر لكسب الرزق، وهو أمر يرتبط بقضايا عمالة الأطفال والزواج المبكر المستمرة في هذه المخيمات.

كذلك تمثل المساعدات المقدمة من الأقارب أحد هذه المصادر، حيث ترى نسبة (18%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط عليه، بينما ترى النسبة الباقية منهم (82%) أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض عليه. يعتمد بعض سكان المخيمات على تلقي المساعدات من أقاربهم المقيمين خارج سورية لتأمين الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية إلى جانب قيام البعض منهم بالاستلاف من أقاربهم وأصدقائهم. إلا أنه ونظراً لطول فترة مكثهم في هذه المخيمات أصبح من الصعب الاعتماد على هذا المصدر لتغطية نفقات المعيشة.                                                

من جانب آخر يعتمد سكان المخيمات على السحب من مدخراتهم الشخصية، فترى نسبة (25%) من العينة أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (6%) منها إلى أن وجود اعتماد كبير عليه، في حين ترى النسبة الأكبر من العينة (76%) إلى وجود اعتماد منخفض عليه. وتفسر النسب السابقة بكون السكان المقيمين في هذه المخيمات من الطبقات الاجتماعية الفقيرة التي ليس لديها القدرة على استئجار المنازل والعيش في المدن، بعد أن فقد الكثير منها أصولهم المادية ومدخراتهم نتيجة لنزوحهم من مناطقهم واستهلاك معظم هذه المدخرات مع استطالة أمد النزوح التي تجاوزت الأربعة أعوام لدى العديد من سكان المخيمات، وعدم القدرة على العودة إلى مناطقهم السابقة. مما تسبب بنفاذ معظم هذه المدخرات التي جلبوها معهم عند قدومهم. 

كذلك ترى نسبة (16%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط من قبل السكان على بيع ممتلكاتهم الخاصة لتغطية متطلباتهم المعيشية، في حين أن ترى نسبة (3%) فقط أن هناك اعتماد كبير على هذا المصدر، وترى نسبة (81%) من العينة أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر لتغطية تكاليفهم المعيشية. فمع بدء رحلة النزوح اضطر الكثير من الأفراد بالتضحية بممتلكاتهم الخاصة كالسيارات والحلي وغيرها من المقتنيات لإعالة أنفسهم وتأمين نفقات عائلاتهم، وقد لعب طول فترة مكثهم في المخيمات وانقطاع سبل العيش لدى الكثيرين منهم دوراً كبيراً في استنزاف قيمة هذه الممتلكات وزيادة فقرهم ومعاناتهم. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى اضطرار البعض من السكان المقيمين في بعض المخيمات إلى شراء خيمهم وتجهيزها من أموالهم الخاصة مما أثر بشكل كبير على نفاذ مدخراتهم نتيجة لانتشار المحسوبية في توزيع الخيم لدى بعض إدارات مخيمات النزوح. بينما لا تزال نسبة من سكان المخيم تتلقى راتبها من حكومة النظام السوري من المتقاعدين وممن لا يزال ضمن الملاك الوظيفي لبعض المؤسسات الحكومية للنظام. إذ ترى نسبة (18%) من عينة الدراسة أن هناك اعتماداً متوسطاً على هذا المصدر، بينما ترى نسبة (3%) أن هناك اعتماداً إلى حد كبير عليه، في حين ترى غالبية عينة الدراسة (86%) منها أن الاعتماد على هذا المصدر هو في حد منخفض. وهم في غالبيتهم من المتقاعدين والمعلمين، إلا أن هذا المصدر بدأ بالتلاشي هو أيضاً مع قيام حكومة النظام بإيقاف صرف الرواتب للمقيمين خارج مناطق سيطرته واشتراطه الحضور الشخصي لقبض هذه المرتبات وما يحمله ذلك من المخاطرة الأمنية لسكان هذه المخيمات.

إلى جانب مصادر الدخل السابقة لسكان المخيمات، فإن نسبة لا بأس بها من هؤلاء السكان تعتمد على نفسها لتأمين سبل عيشها من خلال عملها في بعض القطاعات كما يبين الشكل (14). ووفقاً لعينة الدراسة تأتي الأعمال الحرة في مقدمة هذه المصادر، إذ ترى نسبة (14%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذه الأعمال، بينما ترى نسبة (34%) منهم أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليها، وترى النسبة الباقية (52%) وجود اعتماد إلى حد منخفض عليها. فنظراً لقلة فرص العمل المتاحة ضمن هذه المخيمات يلجأ السكان إلى ابتكار سبل عيش جديدة لتغطية نفقاتهم اعتماداً على خبراتهم الوظيفية السابقة قبل نزوحهم من مناطقهم.

وتتركز هذه الأعمال بشكل أساسي على الحرف اليدوية مثل مهن الحلاقة والخياطة والإكسسوارات. وقد قامت الكثير من النساء في هذه المخيمات بتحويل خيامهن إلى ورش عمل صغيرة لأشغال الخياطة والصوف والخرز وأعمال الصنارة والإبرة من أجل إعالة عائلاتهن بدلاً من استجداء المساعدات. على الرغم من الغياب الكبير لدعم المبادرات الإبداعية داخل هذه المخيمات وتنمية هذه الأعمال التي يمكن أن تشكل دعامة أساسية للكثير من الأسر في تأمين نفقاتها المعيشية([25]). وبالتالي لا بد من القيام بوضع برامج خاصة لتنمية هذه الأعمال وتقديم الحوافز المادية والمعنوية لنشرها داخل مخيمات النزوح، والعمل على تأمين جميع المستلزمات المطلوبة للأفراد الراغبين في تعلمها وكسب قوتهم منها. إلى جانب تأمين مستلزمات نجاحها عبر تقديم التدريب المهني المناسب وتقديم التمويل المتناهي الصغر لدعم الأفراد وتوفير التسهيلات المناسبة لتصريف المنتجات المصنَّعة. 

في حين يشكل العمل في قطاع التعليم أحد مصادر كسب الرزق من خلال العمل في المدارس المنشأة داخل هذه المخيمات والمتبناة من قبل بعض المنظمات غير الحكومية، إذ ترى نسبة (13%) من العينة إلى أن هناك اعتماد إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين يرى قسم آخر من العينة نسبته (20%) أن السكان يعتمدون على هذا المصدر إلى حد متوسط، بينما ترى النسبة المتبقية منها (67%) إلى وجود اعتماد بحد منخفض على هذا المصدر، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن المدارس التي تم إنشاؤها في هذه المخيمات تمت بمبادرات من قبل الأهالي حفاظاً على تعليم أبنائهم، لذا فإن غالبية المعلمين في هذه المدارس هم من المتطوعين الذين يقيمون في المخيمات وهم من أصحاب الكفاءات والخبرات التعليمية وذوي المؤهلات الجامعية، مع وجود بعض المنظمات الداعمة التي تكفلت بتغطية جزء من رواتبهم وتأمين مستلزمات هذه المدارس. إلا أن هذا الدعم وعلى مدار السنوات الماضية اتسم بمحدوديته وتوقفه في أحيان كثيرة، مما شكَّلَ عبئاً كبيراً في مدى القدرة على ديمومة التعليم في هذه المدارس، واضطر الكثير من الكادر التعليمي إلى التخلي عن مهنة التدريس والنزوح بين المخيمات للعمل بمهن أخرى لا تخدم المصلحة التعليمية([26]). الأمر الذي كان له تداعيات سلبية على ارتفاع نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم إلى مستويات كبيرة في مخيمات النزوح([27]). حيث تبرز بشكل واضح ظاهرة عمالة الأطفال في مخيمات النزوح الداخلي كأحد أبرز المظاهر السلبية التي تحمل العديد من التداعيات السلبية في حاضر ومستقبل أطفال هذه المخيمات. ولعل أحد أهم أسباب تسرب الأطفال من التعليم يرجع في جزء كبير منه إلى الظروف المادية الصعبة التي تعانيها العائلات القاطنة في هذه المخيمات مع غياب المعيل لدى الكثير منها؛ مما يجبر هذه العائلات على وضع اعتبارات أخرى مثل عمالة الأطفال لدعم الأسرة كأولوية أعلى من التعليم نظراً لعدم توفر الدخل الكافي اللازم لتغطية احتياجاتها المعيشية، إلى جانب غياب وجود المنظمات التي تتبنى تعليم هؤلاء الأطفال ودعم عائلاتهم([28]). 

يمثل العمل في قطاع الزراعة وفقاً لرأي عينة الدراسة أحد مصادر كسب الرزق، فترى نسبة (6%) منها إلى أن هناك اعتماداً إلى حد كبير على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (20%) منها أن هناك اعتماداً إلى حد متوسط عليه، بينما ترى بقية أفراد العينة (74%) منها أن هناك اعتماداً منخفضاً على هذا المصدر. يعتمد بعض سكان المخيم على العمل في الحقول الزراعية ومزارع الزيتون المجاورة للمخيم كعمال مياومه بأجور بخسة نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين متطلبات المعيشة، ويتكون العمال بشكل أساسي من النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالعمل في قطاع التجارة فترى عينة الدراسة بنسبة (5%) فقط أن هناك اعتماداً إلى حد كبير من قبل السكان على ممارسة العمل التجاري كمصدر للرزق، في حين ترى نسبة (21%) منهم أن هناك اعتماد إلى حد متوسط على هذا المصدر كوسيلة لكسب الرزق، بينما ترى غالبية أفراد العينة (74%) منهم وجود اعتماد إلى حد منخفض على هذا المصدر. حيث يمثل العمل في التجارة أحد وسائل كسب الرزق ويتركز في جانب كبير منه على افتتاح دكاكين صغيرة داخل هذه المخيمات والتي تتركز بشكل أساسي على المواد الاستهلاكية والألبسة. حيث تتشارك النساء مع الرجال العمل في هذه المهنة التي يتطلب العمل بها قليلاً من رأس المال للبدء به، وتعمل النسوة على تأمين الطلبيات من المراكز التجارية في المدن القريبة وإيصالها إلى المخيمات مقابل هامش ربح معين. وقد تطور الأمر بهذه الدكاكين حتى تحولت من دكاكين للبقالة، إلى محلات تجارية فيها كل المستلزمات، وشكلت سوقاً تجارياً متكاملاً في العديد من مخيمات الشمال السوري، ولم يعد هناك حاجة لذهاب النازحين إلى المدن الكبيرة للحصول على احتياجاتهم([29]). 

إلى جانب ذلك تبرز ظاهرة الباعة الجوالون بين المخيمات للمتاجرة بالبضائع والسلع الجديدة والمستعملة، ورغم محدودية المكاسب المحققة من هذا النشاط إلا أن امتهانها من قبل العديد من النازحين أسهم في تغطية جزء من نفقاتهم المعيشية([30]).  

كذلك تمثل الأعمال الخدمية أحد مصادر كسب الرزق لسكان المخيمات وترى نسبة (7%) من العينة أن هناك اعتماداً كبيراً على هذا المصدر، في حين ترى نسبة (16%) منها أن هناك اعتماداً متوسطاً عليه، بينما ترى النسبة الأكبر من العينة (84%) محدودية الاعتماد على هذا المصدر. كذلك ترى غالبية عينة الدراسة أن هناك اعتماداً إلى حد منخفض على الأعمال غير القانونية كمصدر لكسب الرزق كالعمل في التهريب عبر الحدود مع تركيا. إلى جانب هذه المصادر ينخرط سكان المخيمات في مهن أخرى متنوعة لتأمين سبل عيشهم، ووفقاً لعينة الدراسة فإن (10%) منها ترى أن السكان يعتمدون على هذه المهن إلى حد مرتفع، بينما ترى نسبة (15%) منهم اعتماد السكان عليها إلى حد متوسط، في حين ترى غالبية أفراد العينة (75%) منهم إلى وجود اعتماد محدود من قبل سكان المخيمات على هذه المهن لتغطية معيشتهم. وتتركز هذه المهن بشكل أساسي في العمل لدى الفصائل العسكرية التابعة للجيش السوري الحر، ويعمد من يملك سيارة إلى نقل الركاب والبضائع، وكذلك يقوم البعض بالعمل لدى منظمات الإغاثة غير الحكومية المعنية بتقديم الدعم والإغاثة لمخيمات النازحين، حيث تقوم بعض هذه المنظمات باستقطاب بعض الأفراد من هذه المخيمات للعمل لديها ومنحهم أجور تمَّكِنهم من تأمين احتياجاتهم المعيشية، غير أنه ووفقاً لبعض التقارير يتسم العمل في هذه المنظمات بعدم ديمومته في كثير من الأحيان، إلى جانب انتشار المحسوبية والواسطة في استقطاب الأفراد لها مما يؤثر بشكل كبير على كفاءة أداء العمل الإغاثي، وفقدان أصحاب المؤهلات من القاطنين في المخيمات لفرصهم في شغل هذه الوظائف([31]).

ج‌.    معوقات وجود سبل العيش

بعد التعرف على مصادر دخل سكان المخيمات، لا بد من تشخيص أهم المعوقات التي تحول دون تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ويعرض الشكل (15) أهم هذه المعوقات.

يمثل الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات أحد أبرز معوقات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح الداخلي، إذ يعيش معظم السكان في ظروف بعيدة عن ظروف الحد الأدنى للعيش الإنساني الكريم، إلى جانب شعورهم بالخوف وعدم الأمان من البيئة المحيطة وعدم القدرة على التكيف في إطارها. ووفقاً للعديد من الدراسات تٌشَّكِل حركات النزوح الداخلي مصدراً لكثير من المشكلات الاجتماعية الخطيرة مثل انتشار حالات التوتر وانعدام الثقة وعدم الاطمئنان والقلق الجماعي، إلى جانب دورها في إحداث التمزقات التي تطال بنية النظام الاجتماعي، وإسهامها كذلك في ارتفاع نسبة الأمراض الاجتماعية كالعنف والجريمة والسرقة والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى فقدان الثقة في المجتمع بل وأحياناً معاداته([32]). كما يعتبر النزوح بيئة خصبة لكثير من الأمراض النفسية الخطيرة على الفرد والمجتمع بعد أن تحولت إقامة الأفراد في هذه المخيمات من الوضع المؤقت إلى الوضع الدائم وعدم قدرة البعض منهم على تقبل فكرة نقلهم من بيئتهم وحاضنتهم الاجتماعية إلى هذا المكان الذي يفقد فيه الكثير منهم خصوصيته وينتابه الشعور بفقدان كرامته. ويتفق أكثر من (70%) من عينة الدراسة على أهمية هذا العامل باعتباره أحد المعوقات الأساسية لعدم تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، بسبب غياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم نتيجة للصدمات النفسية التي لم يتمكن الكثير منهم من التعافي منها بعد، وركون الكثير منهم إلى الاعتماد على المساعدات المقدمة من المنظمات الداعمة أو الاعتماد على عمل أطفالهم.

تواجه مخيمات النزوح الداخلي مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين مخيمات النزوح من حيث الدعم المقدم للقاطنين وتوافر البنية التحتية للإقامة، وتوافر الخدمات التعليمية والصحية وغيرها من الخدمات ذات الصلة. إلى جانب ذلك يميل النازحون من مناطق معينة إلى التجمع بالقرب من بعضهم البعض لصعوبة التكيف مع النازحين من مناطق أخرى. ونظراً للاكتظاظ الحاصل في بعض المخيمات لا يجد البعض منهم الفرصة لاختيار مخيم النزوح قريباً من أبناء منطقته، الأمر الذي يخلق العديد من المشكلات الاجتماعية بين القاطنين في المخيمات بسبب اختلاف العادات والتقاليد فيما بينهم إلى حد ما. مما يضطر البعض منهم لمغادرة هذه المخيمات والنزوح إلى المدن والقرى القريبة رغم صعوبة وضعهم الاقتصادي. وترى عينة الدراسة بنسبة قاربت (80%) منها أن عدم استقرار الأفراد داخل مخيمات النزوح أسهم بشكل كبير في عدم القدرة على حصر الكفاءات والمؤهلات التي يحوزها القاطنين فيها بشكل متكامل، وبالتالي كان لذلك تأثير سلبي على عدم قدرة إدارات هذه المخيمات للاستفادة من إمكانياتهم ومساعداتهم لتأمين فرص العمل.

في حين يبرز عامل عدم وجود جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيم من بين أهم المعوقات لتنمية سبل العيش وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة (75%). تعد منظمات الإغاثة الجهة الوحيدة والرئيسية الداعمة لمخيمات النزوح الداخلي منذ تأسيسها، نظراً لحجم المساعدات الكبير المطلوب تقديمه لهذه المخيمات والتي ازداد عدد سكانها بشكل كبير منذ بداية وجودها في عام 2012، وعدم تبني دعم هذه المخيمات من أي جهة حكومية أو دولية رسمية بشكل مباشر. إلى جانب ذلك فقد تركَّزَ دعم المنظمات لها في غالبيته على الجانب الإغاثي باعتبار وجود هذه المخيمات حالة طارئة وغير دائمة، مع عدم لحظ مخصصات واضحة لتنمية سبل العيش في أجندات وخطط هذه المنظمات على مدار الأعوام الماضية؛ وبالتالي فإن عدم إدراج سبل العيش على سلم أولويات عمل هذه المنظمات شكل عائقاً هاماً في مدى قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة تجاوزت (72%). الأمر الذي فاقم لاحقاً من مشكلة عدم قدرة هذه المنظمات على تلبية احتياجات القاطنين في هذه المخيمات بشكل دوري ومتواصل كون أغلب المنظمات المعنية بتقديم الإغاثة مرتبطة بمنظمات ومتبرعين من الخارج. وبالتالي خلق هذا الأمر نوع من الاتكالية من قبل بعض سكان هذه المخيمات للاكتفاء بما يقدم لهم من المواد الإغاثية. إلا أن بعض هذه المنظمات تنبهت لهذه المشكلة وقامت بتدخلات تنموية لتشغيل الأفراد القادرين على العمل في هذه المخيمات وقد شملت هذه التدخلات برامج النقد مقابل العمل إلا أن انتشارها كان محدوداً ولم تسهم إلا بتشغيل نسبة بسيطة جداً من القاطنين في هذه المخيمات. إلى جانب أن عدم القدرة على تغطية تكاليف استمراريتها أو انسحاب المنظمات الداعمة كان له العديد من التداعيات السلبية على سكان المخيمات بعد فقدان فرص عملهم وهذا ما حدث مع منظمة "MEDICAL" التي قامت بتوظيف نحو 1120 موظفاً وعاملاً من أبناء أحد المخيمات ليشكل انسحابها من المخيم مشكلة كبيرة عليهم وعلى الحياة الاقتصادية داخل المخيم([33]). وإلى جانب المنظمات الداعمة لم تولِ إدارات هذه المخيمات قضية تنمية سبل العيش الاهتمام المطلوب في أجندات عملها بحيث كان تركيزها منصباً على الجانب الإغاثي وكيفية استقطاب دعم المنظمات الإغاثية للمخيمات. وقد لعبت إدارات هذه المخيمات دوراً أساسياً في تردي أوضاعها من حيث عدم قيامها بوضع الأسس والضوابط والسياسات الناظمة لإدارة هذه المخيمات منذ بداية تأسيسها، إلى جانب عدم قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض بواقعها وتطوير حلول فاعلة ومستدامة للمشكلات التي تعاني منها؛ ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى عدم امتلاك هذه الإدارات للخبرات والمؤهلات الإدارية والفنية المطلوبة للقيام بذلك. ومن جانب آخر أسهم غياب التعاون والتنسيق الفاعل بين إدارات هذه المخيمات ومنظمات الإغاثة والمجالس المحلية وغيرها من الأطراف ذات الصلة في تردي الجانب التنظيمي والإداري والخدمي ضمن هذه المخيمات، مما أدى إلى تفاقم المشكلات وتردي حياة السكان داخلها بشكل كبير. حيث أن كثير من المنظمات الإغاثية التي وجهت برامجها لتقديم الدعم الإنساني لمخيمات النزوح انسحبت منها ولم تواصل تقديم الدعم لأسباب ترتبط بسوء التنظيم والإدارة، وعدم مصداقية الإحصائيات وتقارير تقييم الاحتياجات المقدمة من جانب إدارات هذه المخيمات([34]). إلى جانب غياب الشفافية وعدم تقديم الكشوفات المالية اللازمة، وارتباط بعض هذه الإدارات بشبكات من المنتفعين والمتنفذين في مناطق وجودها.  يضاف إلى ذلك أن وجود البعض من هذه المخيمات في أماكن تسيطر عليها بعض الفصائل العسكرية الإسلامية المتشددة كان له تأثيراً سلبياً في إحجام المنظمات الداعمة عن تقديم التدخلات التنموية والإغاثية لهذه المخيمات، بسبب تدخل هذه الفصائل في عمل إدارات هذه المخيمات وتعيين أشخاص مقربين منها لإدارتها، إلى جانب فرض أجنداتها عليها في كيفية التعامل مع منظمات الإغاثة واستلام المواد الإغاثية منها وتوزيعها ضمن هذه المخيمات، مما أسهم إلى حد كبير في انتشار حالات الفساد وعدم التوزيع العادل لهذه المساعدات الإغاثية.  

في ذات السياق تفرض البيئة المادية لمخيمات النزوح نفسها على مدى قدرة الأفراد الراغبين للعمل للمباشرة بمزاولة أي مهن مدرة للدخل، إذ تفتقد غالبية هذه المخيمات الظروف الملائمة لذلك، من حيث عدم توافر التيار الكهربائي والمياه والنقل والمستلزمات الأخرى، وعدم قدرة الأفراد على تحمل تكلفة تأمين المكائن والمعدات اللازمة للمباشرة بأي نشاط إنتاجي داخل المخيم. فترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل يعد من بين معوقات تنمية سبل العيش في المخيمات. ويحتاج تأمين هذه المستلزمات إلى تدخل المنظمات وتوفير البيئة المادية الملائمة للعمل عليها. إلى جانب ذلك ترى عينة الدراسة بنسبة (68%) منها أن عدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات من بين المعوقات التي أدت إلى غياب فرص العمل عن مخيمات النزوح. فنتيجة لانهيار الشبكات الاجتماعية للمجتمعات المحلية للنازحين بعد انتقالهم للعيش في مناطق جديدة، إلى جانب الاكتظاظ السكاني الكبير في مناطق الشمال السوري بشكل عام؛ بات الحصول على فرصة عمل للسكان في طليعة احتياجاتهم نظراً لارتفاع تكاليف الحياة المعيشية في هذه المناطق وعدم وجود أفق واضح لمدة وجودهم في هذه المناطق. وبالتالي ينظر السكان المحليون للنازحين إلى مناطقهم بأنهم شكلوا ضغطاً مادياً كبيراً عليهم من حيث مزاحمتهم للسكان المحليين على فرص العمل المتاحة وقبولهم بأي أجر في سبيل العمل، ووجود الكثير من حالات استغلال سكان المخيمات من قبل السكان المحليين للعمل بأجور بخسة وضمن ظروف عمل قاسية. إلى جانب تسببهم بارتفاع مستوى تكاليف الحياة المعيشية واستنزاف الموارد المحلية والبنية التحتية لهذه المناطق. إلى جانب ذلك ينظر العديد من السكان المحليين إلى عدم وجود عدالة في توزيع المساعدات بين سكان المخيمات والسكان المحليين، فمع ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الفقر في جميع هذه المناطق يطالب السكان المحليين بتخصيصهم بجزء من هذه المساعدات أسوة بسكان المخيمات. حيث ولَّدَ كل ذلك اتجاهاً سلبياً من قبل السكان المحليين نحو النازحين في مناطقهم وأثراً سلباً على تنمية سبل العيش في هذه المخيمات. ومن بين المعوقات الأخرى التي ترى عينة الدراسة بأنها ذات تأُثير في هذا المنحى هو الصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات، نظراً للقوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية، مما حرم الكثير من القادرين على العمل من الوصول إلى المدن المجاورة في حال تمكنهم من تأمين فرص العمل. إذ أن الإقامة في هذه المخيمات تخفف العبء المادي للعوائل القاطنة داخله من حيث عدم قدرتهم على تحمل تكاليف السكن في المدن، وبالتالي فإن الحد من قدرتهم على التحرك سيؤثر سلباً على وضعهم المعيشي وزيادة ضعفهم المادي وزيادة اعتمادهم على المساعدات الإغاثية.

مع انتشار غالبية مخيمات النزوح الداخلي في مناطق خارج سيطرة النظام في الشمال السوري، ومع غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات، تنفرد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها. مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات لأسباب ترتبط بالولاءات القبلية أو التبعية للفصائل العسكرية المسيطرة على منطقة وجود المخيم والتي غالباً ما تتدخل لفرض إدارات محددة موالية لها، وأصبح هناك من يمارس دور السلطة وسط هذه الكتل البشرية المتضخمة. الأمر الذي تسبب في مشكلات اجتماعية كثيرة داخل هذه المخيمات لا سيما عدم التكيف؛ مما اضطر آلاف العائلات للتنقل بين مخيم وآخر بحكم التجمعات المناطقية والعشائرية والولاءات والقوانين غير المعلنة([35]). وقد أسهم بُعد المجالس المحلية عن الإشراف على هذه المخيمات إلى انتشار حالات الفساد الإداري في العديد منها الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى الخدمات المقدمة لسكانها وعدم قدرة الإدارات الموجودة على تقييم واقع هذه المخيمات بشكل حقيقي لوضع حلول فاعلة للمشاكل التي تعاني منها. ووفقاً لبعض المصادر فإن هناك اجتماعاً سنوياً لمدراء المخيمات يتم عقده بحضور منظمة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "AFAD"، ويتم فيه إطلاع المنظمة ورئيس دائرة المخيمات على جميع المشكلات التي يعاني منها سكان المخيمات. إلا أن النتائج المتمخضة عنه تنحصر في غالبها على الدعم الإغاثي للسكان وعدم معالجة المشكلات المزمنة التي يعانون منها وفي مقدمتها تأمين سبل العيش لهم.  إذ ترى نسبة (73%) من عينة الدراسة أن عدم تمكن المجالس المحلية من الاضطلاع بدورها في هذا الصدد أثر بشكل كبير على تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي لسكان المخيمات من خلال عدم منحهم الفرصة للانخراط في الحياة الاقتصادية في مناطق تواجدهم. وكون المجالس المحلية تمثل السطلة الإدارية في هذه المناطق فهي الأقدر على تلمس احتياجات السكان في كافة مناطقها وتقديم الحلول الآنية والمستقبلية لمشكلات السكان بالتعاون مع الجهات الحكومية والمدنية والعسكرية.   

2.   آليات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح

إن المتتبع لواقع مخيمات النزوح يلحظ بشكل واضح أن هناك انتقال تدريجي للعديد من هذه المخيمات من الحالة المؤقتة إلى حالة الاستدامة الجزئية بعد مرور سنوات على إنشائها. بعد أن قام ساكنو هذه المخيمات بتحويل خيامهم إلى غرف إسمنتية تقيهم ظروف الطقس وتمنحهم مزيداً من الاستقرار. وبالتالي أصبحت هذه المخيمات بحاجة إلى جهة عليا لتنظيم أمورها ووضع خطط مستقبلية لها، ولم تعد تفي قدرات إدارة المخيمات الحالية للاضطلاع بهذا الدور بعد أن كان دورها محصوراً بتنظيم العلاقة بين سكان المخيم والمنظمات الداعمة. فثمة مشكلات اجتماعية جديدة تبلورت مع طول أمد وجود السكان في هذه المخيمات، تتطلب خططاً تنموية للتعامل معها ويأتي في مقدمتها ثنائية البطالة والجريمة. فالبطالة التي تغزو هذه المخيمات تصنف في إطار البطالة الطويلة الأمد والتي سيكون لها أثار سلبية جسيمة على بنية المجتمع المحلي، وبخاصة تلك المتعلقة بالآثار الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية وانعكاساتها على حاضر ومستقبل سكان هذه المخيمات. لذا يبدو من الأهمية بمكان العمل على تدارك هذه الظاهرة والحد من تداعياتها السلبية من خلال العمل على تلمس آليات لبناء وتنمية سبل العيش في هذه المخيمات والبناء عليها لتصميم برامج ملائمة تتناسب وظروف هذه المخيمات من مختلف الجوانب، أضف إلى ذلك أن أي تغير في البناء الاقتصادي يتبعه مباشرة تغير في البناء الاجتماعي، وبالتالي لا بد من التفكير بآليات اقتصادية جادة في سبيل تحقيق خطوة نحو الاندماج الاقتصادي لمخيمات النزوح الداخلي في البيئة المحيطة بها. حيث يشكل الاندماج الاقتصادي الخطوة الأولى في طريق الاندماج الاجتماعي والثقافي والخدماتي.

ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) بأن من أهم آليات تنمية سبل العيش في مخيمات النزوح يتمثل في تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل، كما يبين الشكل (16). إذ أصبح من الأهمية بمكان تجاوز الدور التقليدي الذي عكفت عليه إدارات هذه المخيمات خلال الأعوام الماضية بتقلد وظيفة المنسق بين المنظمات المانحة والقاطنين في المخيمات لتأمين المواد الإغاثية، والعمل على تطوير حلول مستدامة لمشكلات السكان والتي تعد عملية تأمين سبل العيش لهم في مقدمتها. ويقتضي ذلك منها تأسيس مكاتب فرعية لديها لحصر مؤهلات وقدرات الأفراد المقيمين في المخيمات، واستحداث برنامج توظيف للاستفادة من هؤلاء الأفراد. والعمل على زيادة التنسيق والتواصل مع الجهات والمنظمات المهتمة بتنمية قطاع سبل العيش في هذه المخيمات. ويمكن تأسيس كيان أو وحدة داخل المخيم مسؤولة عن وضع تصورات لمشاريع إنتاجية وتأمين الدعم المالي لها وتوفير الفرص من التدريب لضمان نجاح هذه المشاريع.        

كذلك لا بد من قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، يتم من خلالها إطلاعهم على فرص العمل المتاحة في المخيمات، وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم، وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم، والعمل على تضمين هذه الحملات بالتحفيز اللازم لانتشال الأفراد من الحالة النفسية والاجتماعية المزرية التي يعيشونها منذ قدومهم إلى هذه المخيمات بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة، وكيفية التعافي من السلوكيات السلبية التي اكتسبوها أثناء وجودهم في هذه المخيمات والناتجة عن ظاهرة تفشي البطالة بشكل كبير بين صفوفهم. وتتفق عينة الدراسة على أهمية هذا العمل لتنمية سبل لعيش في المخيمات بنسبة تتجاوز (70%).    

في ذات السياق ترى عينة الدراسة بنسبة تتجاوز (70%) أن على منظمات المجتمع المدني أخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، وأن تقوم بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية، فخلال الأعوام الماضية كان تركيز هذه المنظمات منصباً على تزويد السكان بالمواد الإغاثية لتأمين مستلزمات الحياة الأساسية لهم. وقد يكون هذا مبرراً في بدايات توافد النازحين إلى هذه المخيمات؛ إلا أنه ومع استطالة فترة وجودهم فيها أصبحت المواد الإغاثية تمثل عاملاً ذو تأثيرٍ سلبيٍ على حياتهم بعد أن استكان العديد منهم للاعتماد على هذه المساعدات للعيش، مع انعدام فرص العمل وحاجة الكثير لإعادة التأهيل والتدريب للانخراط في الأعمال المنتجة والتي تقع في جزء كبير منها على عاتق هذه المنظمات من خلال برامجها المهنية والتشغيلية لانتشالهم من براثن البطالة.

إن تحسين الوضع الاقتصادي في مخيمات النزوح يرتبط بأحد جوانبه بتطوير البيئة المادية لهذه المخيمات، نظراً لأهمية البيئة المادية للعمل المنتج، وترى عينة الدراسة بنسبة تصل إلى (65%) ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات. ويمكن الاستفادة في هذا الصدد من تجربة العديد من الدول التي حولت مخيمات النزوح الداخلي لديها إلى مخيمات للعمل المنتج بهدف دمج سكان هذه المخيمات اقتصادياً واجتماعياً في البيئة الحضرية المجاورة بالاعتماد على آليات دمج محددة.

إن غالبية السكان في مخيمات النزوح لا يتمتعون بأي ملكية أو قدرة على توفير مثل هذه الملكيات، وبالتالي لا يشكل السكان في المخيم وحدة إنتاجية فلا أرض في المخيم يعتاش السكان من زراعتها، ومجالات العمل وسط المخيم ضئيلة لا تتعدى محلات البيع المتواضعة وبعض ورش العمل البدائية. وهذا يؤكد الحاجة الماسة للمساهمة الفعالة من أطراف ذات علاقة بالتنمية الاقتصادية، وذلك من خلال عدم اقتصار المخيم على توفير السكن والأنشطة التجارية البسيطة، بل تجاوزها إلى أنشطة اقتصادية حيوية وفعالة تفتح الأفق أمام النازح. ويعتمد تحسين الوضع الاقتصادي لمخيمات النزوح في جانب كبير منه على الدعم الدولي الذي يتم تخصيصه من الوكالات والمنظمات الدولية لتنفيذ برامج سبل العيش، وترى نسبة (60%) من عينة الدراسة أهمية هذا الدعم لتنمية سبل العيش، فخلال السنوات الماضية كان تركيز هذه الوكالات موجهاً إلى جميع قطاعات الإغاثة المشمَّلة في خطط الاستجابة الاستراتيجية للأزمة السورية منذ عام 2012 مع محدودية كبيرة للدعم المخصص من أجل قطاع سبل العيش في هذه الخطط داخل سورية بشكل عام ولمخيمات النزوح الداخلي بشكل خاص([36]). الأمر الذي أدى إلى الكثير من التداعيات السلبية على سكان هذه المخيمات من حيث عدم تمكنهم من القيام بالعمل المنتج وتراجع مستوى مهاراتهم وقدراتهم الإنتاجية. ونظراً لكون قطاع سبل العيش من القطاعات التي تحتاج تنميتها إلى جهود دولية فلا بد من قيام هذه الوكالات بتخصيص نسبة جيدة من دعمها لتنمية برامج سبل العيش لسكان هذه المخيمات. ويمكن استثمار هذا الدعم بالشكل الأمثل من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية بالقرب من مخيمات النزوح، مما يتيح الفرصة للسكان للاستفادة من فرص العمل والحد من البطالة، والحصول على مكان سكن أفضل.

ويمكن كذلك تنفيذ برامج للتمويل الصغير والمتناهي الصغر من خلال إتاحة الفرصة لسكان المخيمات بالحصول على القروض الميسرة والمساعدات المادية لتأسيس مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر بضمانات تتناسب مع قدراتهم المحدودة. ويعتمد نجاح تطبيق هذه البرامج عبر قيام هذه الوكالات بوضع منهجية عمل تتلاءم مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية لسكان المخيم من حيث تقديم التمويل والوصول إلى السكان المستهدفين من هذه البرامج. والعمل على بناء قدرات السكان من خلال تنظيم دورات لتوفير الدعم المهني والتعليم المالي لهم، وصولاً إلى تحقيق التمويل المستدام على المدى البعيد، من خلال نجاح مشاريعهم الصغيرة والمتناهية الصغر. إلى جانب توفير المستلزمات الأخرى الكفيلة بنجاح هذه المشاريع مثل تقديم الاستشارات الفنية وخدمات التسويق وغيرها من المستلزمات الأخرى. كذلك يمكن للوكالات الدولية العمل على بناء قدرات المنظمات غير الحكومية السورية بشأن تنفيذ برامج ومشاريع سبل كسب العيش والرصد والتقييم في هذا القطاع.

غير أن الصعوبة التي تكتنف نجاح مسعى الوكالات الدولية في توطين برامج سبل العيش كما أسلفنا سابقاً يكمن في أحد أوجهه في عدم وجود جهة عليا واحدة مركزية ذات إشراف مباشر على مخيمات النزوح يمكن لهذه الوكالات التنسيق والتعاون معها بشكل مباشر لتنفيذ برامجها. إذ تحجم العديد من هذه الوكالات عن العمل مباشرة مع إدارة كل مخيم بشكل منفرد لأسباب مرتبطة بالناحية التنظيمية وموثوقية هذه الإدارات وارتباطاتها مع جهات أخرى. وقد كان هناك محاولات عدة لتشكيل جسم مركزي موحد للإشراف على مخيمات النزوح خلال الأعوام الماضية لم يكتب لها النجاح، في حين تعد الإدارة العامة لشؤون المهجرين التابعة لحكومة الإنقاذ في محافظة إدلب كأول جسم إداري واضح المعالم تم تشكيله للإشراف على مخيمات النزوح وكل ما يدخلها من مساعدات أو مشاريع بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على إدارة المخيمات، مع افتقادها للإمكانات والموارد البشرية والمادية التي تؤهلها للنجاح في إدارة هذا الملف؛ إلى جانب عدم تقبل بعض المنظمات للعمل مع هذا الجسم الإداري؛ الأمر الذي أدى إلى انسحاب بعض من المنظمات الداعمة عن الاستمرار في تقديم دعمها في المحافظة([37]). غير أن هذه التجربة يبقى وجودها تبعاً لتغير ميزان القوى العسكرية داخلياً بين الفصائل وكونها عرضة للزعزعة كما حدث مع غيرها سابقاً.

ضمن هذا الإطار ترى عينة الدراسة بنسبة (62%) أهمية وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات. نظراً لتوطن كمية كبيرة من رؤوس الأموال والخبرات السورية في الخارج فلا بد من العمل من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج تنموية فاعلة تتضمن إحداث مشاريع استثمارية في مناطق تواجد هذه المخيمات تهدف بشكل أساسي إلى تأمين فرص العمل لسكانها والحد من بطالتهم وجعلهم أكثر قدرة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطق وجودهم. إلى جانب نشر برامج تدريب وتأهيل مهني متخصصة يشارك فيها المغتربون السوريون بخبراتهم تكون موجهة للنازحين وسكان المجتمعات المستضيفة على حد سواء لتنشيط عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي في هذه المناطق. إن الدور المنوط بالمجالس المحلية لتنمية سبل العيش في مخيمات النزوح أصبح من الأهمية بمكان، فمع تقلد هذه المجالس للوظائف الحكومية في مناطق تواجد مخيمات النزوح الداخلي، بات لزاماً على هذه المجالس وضع خطط بالتعاون مع الجهات الفاعلة للعب دورها في مساعدة سكان هذه المخيمات للاندماج الاقتصادي والاجتماعي في مناطقها، من خلال مساهمتها الفاعلة في إعادة التأهيل المهني للسكان عبر إلحاقهم بدورات مهنية تتناسب ومتطلبات فرص العمل في مناطق تواجدهم. وقد حاز هذا العامل على نسبة (63%) من الأهمية وفقاً لرأي عينة الدراسة كأحد آليات تنمية سبل العيش. كذلك فإن قدرة المجالس المحلية على تأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة في مساعدة النازحين تعد ذات أثر فاعل في تنمية سبل العيش لهم وفقاً لرأي عينة الدراسة وبنسبة تقترب من (50%). فمع ارتفاع أعداد السكان داخل هذه المخيمات ومحدودية الدعم المقدم لهم من قبل المنظمات وانقطاعه في أحيان كثيرة يحاول بعض الأهالي من سكان مناطق تواجد هذه المخيمات الإسهام في التخفيف من معاناة النازحين عبر استقطاب العمالة من سكان هذه المخيمات كعمال مياومة في الحقول الزراعية وغيرها من الأعمال اليدوية والحرفية، إلى جانب قيام البعض بتقديم مساعدات عينية بشكل مباشر لهم. لذا فإن قدرة المجالس المحلية على تنظيم هذه العلاقة بين السكان المحليين وسكان المخيمات من شأنه أن يسهم في ضمان حقوق العمالة في هذه المخيمات وخلق نوع من الاستقرار النسبي في مثل هذه الأعمال. نظراً لوجود إقبال كبير على مثل هذه الأعمال من قبل سكان المخيمات لانعدام فرص العمل، وقيام البعض من أرباب العمل باستغلال حاجة هؤلاء السكان للعمل ومنحهم أجور منخفضة لا تتناسب ومستوى الجهد المقدم من قبلهم. إلى جانب قيام المجالس بالتعاون مع إدارات المخيمات بضمان التوزيع العادل للمساعدات العينية لسكان هذه المخيمات.  

في حين ترى نسبة (58%) من أفراد عينة الدراسة أن امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. نظراً لحالة الفوضى التنظيمية والإدارية التي تسود الكثير من مخيمات النزوح، فإن التنظيم الشخصي للأفراد والتزامهم بالقوانين والتعليمات المفروضة يلعب دوراً هاماً في نجاح الجهات والمنظمات المشرفة على هذه المخيمات في تشخيص مؤهلات وقدرات الأفراد ولحظهم في خططها ذات الصلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.   

3.   برامج تنمية سبل العيش

يُنظر إلى برامج سبل العيش كونها برامج تنموية محورها فرص العمل، وتشمل مجموعة من السياسات التي يمكن أن تزيد إلى أقصى حد ممكن من توليد الوظائف المنتجة. ويعتمد وضع برامج فاعلة لتنمية سبل العيش لمخيمات النزوح على التفكير جيداً بمدى ملاءمتها للظروف داخل وخارج هذه المخيمات، ومدى إمكانية تطبيقها وجني ثمارها على الأمدين القصير والبعيد، إلى جانب توافقها واتساقها مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد أن يتم إعداد وتصميم وتنفيذ هذه البرامج بالتشارك والتعاون مع جميع الأطراف المشاركة بعملية التنمية في هذه المناطق، والعمل كذلك على تحديد المخاطر المرتبطة بتطبيق هذه البرامج وكيفية إدارة هذه المخاطر. ويتمثل الهدف النهائي لهذه البرامج في مدى قدرتها على المساهمة في تمكين سكان هذه المخيمات من تحقيق تطلعاتهم في تأمين مصادر الرزق والتقليل من اعتمادهم على المساعدات الإغاثية قدر الإمكان.

يأتي برنامج التعليم والتدريب المهني في مقدمة هذه البرامج وفقاً لرأي عينة الدراسة بنسبة أهمية قريبة من (80%) كما يبين الشكل (17). إذ تلعب المساعدة المعرفية للأفراد في المجال المهني داخل المجتمعات الهشة دوراً هاماً في تنمية مهارات وقدرات الأفراد ضمن هذه المجتمعات، ويجب النظر إلى أهميتها بالتوازي مع أهمية المساعدة المالية والدعم المادي المقدم لهذه المجتمعات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون هذه المساعدة مرتكزة على الكفاءة في تقديمها وأن تكون موجهة بشكل دقيق للحصول على فرص العمل، وأن تكون متناسبة مع السياق الاجتماعي واحتياجات سوق العمل المحلي لمناطق تواجد هذه المخيمات، بحيث تسهم بشكل فاعل في الحد من الفقر وضمان إدماج سكان المخيمات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناطق تواجدهم. وأن تسهم كذلك في عملية إعادة تأهيل وترميم الاقتصاد المحلي.  

 

وتعد برامج التدريب المهني في هذه المناطق واحدة من الأدوات القوية لإبقاء الناس متجذرين في مناطقهم ومساعدتهم على الحفاظ على الحد الأدنى لجودة الحياة. ويمكن تنفيذ برامج التدريب المهني من خلال بعض أو جميع الخطوات التالية:

  • تقييم سوق العمل.
  • تقييم فرص العمل المتاحة.
  • توافر المراكز التدريبية وورش العمل.
  • فئات المهن المطلوبة.
  • تصميم وحدات التدريب.
  • اختيار المستفيدين.
  • تنفيذ البرامج التدريبية.
  • إنشاء حاضنة مشروعات صغيرة.
  • دعم مشاريع المتدربين وأبحاثهم مالياً.
  • تشجيع مجموعات التدريب وورش العمل الجماعية.

 

يبين الشكل (18) مجموعة من دورات التدريب المهني ورأي أفراد عينة الدراسة حول مدى أهميتها لسكان المخيمات، حيث يوجد تقارب في مدى أهمية هذه الدورات نظراً لتنوع الخلفيات المهنية للأفراد القاطنين في هذه المخيمات، إلى جانب وجود حاجة فعلية لمثل هذه الدورات يمكن تلمسها بشكل واضح من خلال نسب الأهمية التي حازتها من قبل أفراد العينة. ويرجع التباين النسبي المحدود في درجة أهمية هذه الدورات إلى تقديرات خاصة بأفراد العينة لمدى الأهمية الفعلية لكل دورة مقارنة بغيرها من الدورات المهنية، كذلك يعكس تنوع الاهتمام بهذه الدورات إلى مدى الحاجة لها. ويعتمد نجاح هذه الدورات إلى حد كبير على مدى التعاون والتنسيق القائم بين الأطراف المعنية بتنمية سبل العيش في هذه المخيمات، من خلال توفير مقومات نجاح هذه الدورات وتوظيف مخرجاتها في الاقتصادات المحلية لمناطق تواجد المخيمات. إلى جانب خلق الحوافز المادية والمعنوية لدى سكان هذه المخيمات للالتحاق بهذه الدورات والاستفادة منها لتعزيز قدراتهم المهنية وتمكينهم من الانخراط في المجتمع المحلي بشكل أكبر، ومساهمتهم في عملية الإنعاش الاقتصادي في مناطق تواجدهم.  

في حين حل برنامج محو الأمية في المرتبة الثانية من حيث الأهمية النسبية بنسبة (74%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. حيث تعد مشكلة تفشي الأمية في مخيمات النزوح من المشكلات التي باتت متأصلة في هذه المخيمات نتيجة انقطاع نسبة كبيرة من الأفراد عن مواصلة تعليمهم بعد انتقالهم للعيش داخلها، وعدم قدرتهم على مواصلة تعليمهم بسبب افتقار هذه المخيمات لسبل التعليم؛ مما عمَّق من معاناتهم فارضاً في الوقت ذاته جملة من التحديات المرتبطة بتأمين سبل عيشهم. لذا ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج محو الأمية لإكساب الأفراد المتسربين من التعليم القدرة الكافي من المعرفة التي يمكن أن تساعدهم في الاستجابة بشكل أكبر لبرامج سبل العيش والاستفادة من مخرجاتها.    

تعد مخيمات النزوح من أكثر الأماكن التي تشهد معدلات فقر مرتفعة نظراً لفقدان سكان هذه المخيمات القدرة على العمل المنتج واعتمادهم بشكل كبير على المساعدات الإغاثية مما فاقم من معدلات الفقر بينهم. ترى عينة الدراسة أهمية تطبيق برنامج تمكين اقتصادي للأسر الفقيرة، وقد حل هذا البرنامج في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (80%). ويهدف البرنامج بشكل أساسي إلى توسيع فرص سبل العيش أمام الأسر الفقيرة وبناء قدرتها على الاستفادة من تلك الفرص إلى جانب تحديد مستويات الفقر وكيفية علاجها، والتخفيف من معاناتها ومساعدتها في تجاوز جزء من الصعوبات التي تواجهها. ونظراً لخصوصية الظروف المادية المحيطة بهذه الأسر داخل وخارج المخيمات؛ فإن تصميم برنامج تمكين اقتصادي خاص بها يتطلب استخدام تدخلات تنموية خاصة، تستهدف بداية تقديم الحماية الاجتماعية للأسر التي لا تستطيع تغطية احتياجاتها الأساسية بشكل دائم وهي الشريحة الأكبر في هذه المخيمات، مثل أسر الأيتام وأسر ذوي الاحتياجات الخاصة والأسر التي يعجز معيلها عن العمل، والمساهمة في إعفاف هذه الأسر وإغناءها عن ذل السؤال أو اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لإعالة نفسها. بينما يتم تقديم مساعدات تنموية على شكل تمويل متناهي الصغر للأسر تحت خط الفقر وتأهيلها مهنياً والعمل على زيادة فرص حصولها على مورد دخل ثابت عبر تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية واستثمار الموارد المتاحة لديها. وهي الأسر القادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية بشكل جزئي إلا أنها تعاني من ضعف في مواردها المالية والاجتماعية نتيجة فقدانها لشبكاتها الاجتماعية بعد خروجها من مجتمعاتها الأصلية.

 في حين حل برنامجي ريادة الأعمال والمشاريع الصناعية الصغيرة في المرتبة الثالثة بنسبة أهمية قريبة من (60%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ يلعب الاستهداف الفعال للسكان في المخيمات بمشاريع صناعية صغيرة ومتناهية الصغر وتبني مبادرات ريادة الأعمال، إلى جانب بناء قدرات أصحاب هذه المشاريع والمبادرات وتقديم الحلول لهم دوراً هاماً في إيجاد مصادر الدخل والتقليل من نسب الفقر والبطالة وتعزيز سبل العيش المستدامة. كما تسهم هذه المشاريع والمبادرات في تنشيط عجلة الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المخيمات. ولا بد لنجاح هذا المسعى من ضرورة إنشاء حاضنات أعمال تشاركية بين الجهات المهتمة بدعم هذه المخيمات لتوفير خدمات متكاملة استشارية إدارية وفنية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وتقديم الدعم اللازم لرواد الأعمال ذوي الأفكار الصناعية والتجارية لتأسيس مشاريعهم الجديدة في هذه المخيمات والتي تم التفكير بها بناءً على معرفتهم بظروف هذه المخيمات وما هي المشاريع المدرة للدخل التي يمكن تأسيسها داخلها لتحقيق النجاح المنشود منها. 

إضافة إلى البرامج السابقة ترى العينة أهمية تطبيق برنامج التمويل الصغير والمتناهي الصغر للمشاريع، وقد حل في المرتبة الرابعة من حيث درجة الأهمية النسبية بنسبة تقترب من (60%). إذ يلعب هذا البرنامج دوراً هاماً في إشراك الفئات الفقيرة والمهمشة في الدورة الاقتصادية لمناطق تواجد مخيمات النزوح، ويشكل عاملاً مساعداً للسكان في تحمل الآثار الناجمة عن النزاعات وتخفيف موجات النزوح المتكررة، من خلال تمكينهم ودعم قدرتهم على مواجهة الصدمات الاقتصادية عبر إطلاق مشاريع تنموية صغيرة ومتناهية الصغر داخل وخارج المخيمات تؤمن فرص عمل لعدد كبير من السكان. كما يمكن لهذا البرنامج أن يمثل أحد الإجراءات التدخلية التي يمكن أن تشجع النشاط الاقتصادي المحلي على النمو وتدعم عملية إعادة الإنعاش الاقتصادي، من خلال البحث عن الأنشطة الاقتصادية الملائمة لسكان المخيمات والتركيز على تقديم الائتمان الإنتاجي لهم مما يسهم في تحريك عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي بحدها الأدنى. إلا أن القدرة على تأمين هذا التمويل هو تحدي بحد ذاته. فنظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مناطق مخيمات النزوح يعد إيجاد مورد تمويل محلي أمراً صعباً، لذا فإن جميع عمليات التمويل في الوقت الحاضر تعتمد على المنظمات غير الحكومية الدولية أو الدول الأجنبية التي تواجه صعوبات في الوصول إلى هذه المناطق. وهناك تحدي آخر يواجه المشاريع الصغيرة هو العائد المنخفض منها نظرا لعدم وجود سوق لتصريف المنتجات، وارتفاع تكلفة المواد الخام، وقضايا الأمن والبضائع المهربة التي تتنافس مع المنتجات المحلية. وينبغي النظر كذلك في ارتفاع معدل الفائدة على قروض التمويل الصغير. ومعظم مؤسسات التمويل الأصغر تطبق رسوم معدل فائدة مرتفعة بسبب ارتفاع مخاطر هذه القروض على هذه المؤسسات وخاصة في المناطق غير المستقرة كمخيمات النزوح.

في المرتبة الخامسة حل برنامج التمكين الاقتصادي للمرأة بنسبة أهمية بلغت (52%) وفقاً لرأي عينة الدراسة. إذ تعد النساء من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثراً بالنزاع الدائر في سورية. وتعد مخيمات النزوح مأوى للكثير من النساء الأرامل والمعيلات لأسرهم اللواتي يكافحن في صراع شاق لتأمين سبل العيش ويواجهن تحديات كبيرة لرعاية أسرهم وتوفير أبسط الحاجات الأساسية معتمدات فقط على المساعدات الإغاثية ومساعدات الأقارب ومساعدات أهل الخير. ولم يكن سهلاً بالنسبة لهن تقبل هذا الأمر إلى جانب عدم ديمومة هذه المساعدات في كثير من الأحيان. لذا لا بد من أن يكون لهن الأولوية في الاستهداف عن غيرهن من الفئات الأخرى ببرامج سبل العيش وتعزيز الصمود الاقتصادي بعد الزيادة المتصاعدة لهذه الفئة من النساء والنفاذ المحدود لمصادر الدخل بسبب قلة فرص العمل وعدم تقبل المجتمع لعمل المرأة في غالبية مناطق مخيمات النزوح. ويرتكز برنامج التمكين الاقتصادي بشكل أساسي على توسيع الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء ومساعدتهن في الولوج إلى سوق العمل من خلال مجموعة من التدابير تشمل بناء المهارات والمعارف والقدرات الإنتاجية لها عبر التدريب المهني. مما يسهم في تعزيز ثقة المرأة بنفسها من حيث كونها قادرة على تحسين مستواها الاقتصادي والاعتماد على نفسها في تأمين نفقاتها وعدم الركون بشكل كامل للبقاء أسيرة للمساعدات الإغاثية، ولجعلها في مأمن من الاستغلال وسوء المعاملة وجعلها أكثر قدرة على المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع المحلي.

ويمكن وضع مجموعة من التوصيات الخاصة بتمكين النساء تشمل:

  • تحليل أوضاع المرأة في مخيمات النزوح وتحديد الاحتياجات والتحديات والتوصيات وفقاً لذلك([38]).
  • تشكيل مجموعات نسوية وقوى ضاغطة لرفع أصواتهن داخل مخيمات النزوح([39]).
  • نشر البرامج المجتمعية لرفع مستوى الوعي حول النوع الاجتماعي والعمل على قبول النساء في المجتمع المحلي وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد.
  • الاستفادة من حالات وتجارب البلدان التي لديها ظروف مشابهة والبناء عليها لتحقيق النجاح في التمكين الاقتصادي للمرأة.
  • تقديم برامج المساعدات النقدية والنقد مقابل العمل للأسر التي تعيلها نساء.
  • تشجيع ودعم دور المرأة في صنع السلام والمصالحة المجتمعية.
  • دمج الجمعيات النسائية المدنية والرسمية والمنظمات في برامج التمكين الاقتصادي.
  • التدريب المهني للنساء القاطنات في المخيمات.
  • القيام بحلقات عمل تدريبية في مجال محو الأمية المالية والتعريف بالأسواق المحلية للمحافظة على الأعمال التجارية الصغيرة.
  • تقديم برامج الدعم النفسي والاجتماعي للمرأة بالتوازي مع برنامج التمكين الاقتصادي.
  • تخصيص صندوق كبير لتمكين المرأة من خلال المنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية، والجهات الفاعلة في مناطق تواجد المخيمات. إلى جانب قيام هذه الجهات بتقديم برامج تدريبية في مبادئ حماية النساء والممارسات الفضلى.

في المرتبة الأخيرة حل برنامج النقد مقابل العمل بدرجة أهمية نسبية قريبة من (40%) وفقاً لرأي العينة. ويعد برنامج النقد مقابل العمل أحد أهم أشكال المساعدة الإنسانية التي يتم تقديمها في المناطق المتضررة من النزاعات. ويتمثل هدف البرنامج في تسهيل حصول المجتمعات المحلية الهشة على استقلالها من المساعدات الإنسانية طويلة المدى في أسرع وقت ممكن ودعم الاقتصاد المحلي في مناطق تواجد هذه المجتمعات.  ويمكن للمنظمات غير الحكومية أن تعقد شراكات مع الوكالات والمنظمات الدولية لتوفير فرص عمل قصيرة الأجل لبعض سكان هذه المخيمات بهدف توفير فرص عمل على المدى القصير خصوصاً في الأشغال العامة التي تحسن البنية التحتية الاجتماعية الأساسية للمخيم كالملاجئ والحمامات وشبكات الصرف الصحي، بهدف تسهيل سبل العيش اليومي للنازحين والتخفيف من معاناتهم المعيشية، وتحسين الوضع البيئي والصحي للمخيمات.

وغالباً ما تنطوي معظم فرص العمل المقدمة في هذا البرنامج على العمل اليدوي، لذلك فإن غالبية المستفيدين منها هم من الرجال، وبالتالي تستفيد أسرهم بأكملها من الدخل الذي توفره هذه الوظائف على المدى القصير. كذلك يمكن لهذا البرنامج أن يقدم فرص عمل مؤقتة للنساء مثل أنشطة التوعية المتعلقة بالصحة في مراكز التوزيع. كما يمكن لهذا البرنامج أن يؤمن فرص عمل مؤقتة خارج المخيمات وفقاً لظروف مناطق تواجدها، كأن يتم إقامة مشاريع مؤقتة لاستصلاح الأراضي الزراعية وإزالة الأشجار الضارة. وقد قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتطبيق هذا البرنامج في مناطق خارج المخيمات مثل منظمة بنفسج التي قامت بتنفيذ مجموعة من المشاريع في عدد من المناطق ضمن هذا البرنامج بالتنسيق مع المجالس المحلية والهيئات المجتمعية بعد قيامها بإجراء تقييم أولي للمناطق المستهدفة. كذلك قامت المنظمة بوضع معايير لاختيار المستفيدين من هذه المشاريع تضمنت وجود حاجة ماسة للشخص، وألا يكون للأسرة دخل ثابت، ولا تمتلك أصولاً وأملاكاً، كما تفرض أن يكون الشخص قادر على العمل وتجنب جمع شخصين من أسرة واحدة في المشروع. ويرى الأهالي أنه وعلى الرغم من قلة المشاريع المنفذة في هذا الإطار ووجود بعض المحسوبيات لدى القائمين عليها في اختيار الأفراد لفرص العمل إلا أنها تبقى أفضل من السلال الغذائية التي عودت الكثير منهم على ترك العمل والشجار للحصول على المساعدات والمعونات([40]). كذلك قامت مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بإطلاق مشروع النقد مقابل العمل في ريف حمص الشمالي من خلال قيامها بإعادة تأهيل الفرن الآلي في مدينة الرستن والاستفادة من جهود 250 عامل لتنفيذ هذا المشروع([41]). واستجابة لنداء السكان في منطقة سهل الغاب التابعة للريف الشمالي الغربي في محافظة حماة قامت مؤسسة إحسان بإطلاق مشروع هدف إلى إعادة تأهيل حوالي 35 كم من البنى التحتية لقنوات الري لتسهيل وصول المياه واستمرار تدفقها ضمن برنامج النقد مقابل العمل، حيث أسهم المشروع في تأمين فرص عمل لحوالي 1600 شخص ضمنه([42]). كما أن هناك تجربة مميزة لمنظمة "people in need" التي قامت بتنفيذ برنامج النقد مقابل العمل في محافظات حلب وإدلب منذ شهر نيسان 2015، حيث تمكنت أكثر من 1930 أسرة سورية من كسب لقمة العيش وتوفير المأكل والملبس لأسرهم ودفع الإيجارات المترتبة عليهم([43]). إلى جانب وجود بعض المبادرات من قبل بعض المنظمات الأخرى. وعلى الرغم من أن غالبية هذه المشاريع تنفذ خارج مخيمات النزوح إلا أنه يمكن إشراك سكان المخيمات في الاستفادة من مخرجاتها في مناطق تواجد مخيماتهم. أو تخصيص مشاريع خاصة بهم ضمن برنامج النقد مقابل العمل. 

خامساً: الاستنتاجات

1.    الخصائص العامة للأفراد في مخيمات النزوح الداخلي

تشكل الفئة العمرية ما دون 18 سنة نسبة (50%) تقريباً تليها الفئة العمرية (19-50) ما نسبته (40%) تقريباً وتشكل الفئة العمرية (أكبر من 50) النسبة المتبقية. ويشكل الذكور نسبة (45%) من سكان المخيمات في حين تشكل الإناث نسبة (55%) تقريباً. في حين يبلغ عدد الأفراد في مخيمات النزوح (1050000) تقريباً في مخيمات الشمال السوري، منه (225923) تقريباً في مخيمات منطقة درع الفرات. ووفقاً لتقديرنا هناك نسبة (40%) تقريباً من سكان المخيمات ممن هم في سن العمل. والذين يتركز غالبيتهم في الفئة ذات التعليم المحدود وما دون الثانوي لكلا الجنسين. نتيجة لانقطاع نسبة كبيرة منهم عن مواصلة تعليمهم، وانتقال نسبة كبيرة من الفئات المتعلمة للسكن خارج هذه المخيمات. في حين تتجاوز نسبة البطالة في صفوف المقيمين في هذه المخيمات حاجز (80%). حيث تتركز النسبة الأكبر من مصادر دخل الأفراد في الاعتماد على المساعدات الإنسانية، يليها الاعتماد على الأعمال الحرة والعمل في الزراعة والتجارة والتعليم بشكل أساسي.  

2.   واقع سبل العيش في مخيمات النزوح

توصلت الدراسة إلى وجود مجموعة من المعوقات التي أثرت سلباً على تنمية سبل العيش لمخيمات النزوح، يأتي في مقدمتها الوضع النفسي والاجتماعي للأفراد القاطنين في المخيمات، وغياب الحافز لدى الأفراد للقيام بأي نشاط في سبيل تأمين معيشتهم. تلتها مشكلة عدم استقرار الأفراد القاطنين داخلها في كثير من الأحيان لأسباب ترتبط بالبحث عن ظروف معيشية أفضل نظراً للتمايز الموجود في بعض الأحيان بين المخيمات. إلى جانب ذلك يشكل غياب جهات رسمية داعمة لتأسيس سبل العيش داخل المخيمات، وعدم قيام المنظمات غير الحكومية في إدراج سبل العيش في سلم أولويات أجندات عملها وتركيزها على الجانب الإغاثي. ومن جانب آخر شكلت البيئة المادية لهذه المخيمات معوقاً إضافياً لعدم التمكن من إطلاق سبل العيش، مثل عدم وجود المستلزمات المطلوبة للقيام بأي أعمال مدرة للدخل، وعدم تعاون سكان المدن والقرى القريبة من المخيمات مع سكان هذه المخيمات، والصعوبة التي تواجه القاطنين في التنقل من وإلى هذه المخيمات بسبب القوانين التي تفرضها إدارة هذه المخيمات بتقييد حرية التنقل لأسباب أمنية وتنظيمية. في حين مثلَّ غياب سلطة رسمية للإشراف المباشر على هذه المخيمات وانفراد الإدارات المشرفة عليها باستخدام سلطتها لتنظيم حياة الأفراد القاطنين داخلها، مع عدم تمكن المجالس المحلية من الإشراف المباشر على هذه المخيمات عوائق إضافية أخرى في عدم قدرة سكان المخيمات على إيجاد فرص العمل.

بناءً على المعوقات التي تم تحليلها في هذه الدراسة، فإنه يمكن اعتماد مجموعة من الآليات لتنمية سبل العيش، والتي يمكن أن يشترك فيها العديد من الفواعل على المستوى المحلي والدولي. ويأتي في مقدمة هذه الآليات تشكيل لجنة داخل إدارة المخيم مسؤولة عن تأمين فرص العمل التي تعد إحدى المشكلات المستدامة للأفراد. إلى جانب قيام إدارات المخيمات بحملات توعوية للأفراد القادرين على العمل، لاطلاعهم على فرص العمل المتاحة وكيفية الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم في العمل المنتج لدعم عائلاتهم وإحاطتهم بمخاطر البطالة وتأثيراتها السلبية على مستقبلهم. ومن بين الآليات الأخرى قيام منظمات المجتمع المدني بأخذ دورها في تنمية سبل العيش داخل مخيمات النزوح، من خلال قيامها بإدراج قطاع سبل العيش في خططها التنموية وزيادة مخصصات هذا القطاع. كذلك قيام الوكالات والمنظمات الدولية بتحسين الوضع الاقتصادي للسكان عن طريق توجيه جزء كبير من الدعم المقدم من قبلها لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من ضرورة تهيئة البيئة المادية المناسبة داخل مخيمات النزوح لتكون قادرة على توطين بعض الصناعات التي تتناسب وظروف العيش في هذه المخيمات. 

من الآليات الأخرى التي يمكن تبنيها في هذا الصدد، ضرورة وجود آلية لتفعيل الاستفادة من الأموال والخبرات السورية المهاجرة لتنمية سبل العيش لسكان المخيمات من قبل جميع الفواعل ممثلة بالمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني على بناء شراكات مع أصحاب رؤوس الأموال من السوريين في تركيا وغيرها من الدول لتنفيذ برامج سبل العيش. كذلك لا بد من تفعيل دور المجالس المحلية في إشرافها وتنظيمها لهذه المخيمات ومنح القدرة لسكانها على الاندماج الاقتصادي من خلال إسهامها في تنمية سبل العيش، وقيامها بتأطير المشاركة الشعبية لسكان المناطق ممن لديه الرغبة والقدرة لمساعدة النازحين، مما يؤثر بشكل فاعل في تنمية سبل العيش لهم. في حين يمثل امتثال الأفراد الراغبين في تأمين فرص العمل داخل المخيمات للتعليمات والإجراءات من العوامل الهامة في تنمية سبل العيش. حيث يساعد ذلك على تشخيص مؤهلاتهم وقدراتهم ولحظهم في أي خطط ذات صلة بتأمين فرص العمل والتأهيل المهني.  

سادساً: التوصيات والمقترحات

يمكن إيراد مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يمكن أن تسهم في إنجاح تنمية سبل العيش للقاطنين في مخيمات النزوح الداخلي، ونظراً لتنوع الجهات التي يمكن أن يكون لها دور في تنفيذ آليات وبرامج سبل العيش، سيتم تصنيف هذه الحلول وفقاً لهذه الجهات كما يلي:

1.   المجالس المحلية

  • العمل على تشكيل هيئة إدارية عليا رسمية معترف بها من جميع الجهات الداخلية والخارجية للإشراف على مخيمات النزوح الداخلي، ووضع استراتيجية للإشراف على هذه المخيمات وتنظيمها إدارياً.
  • العمل على تأسيس مكتب مختص بشؤون النازحين ضمن كل مجلس يتم من خلاله تقديم إحصاءات دورية متكاملة عنهم بالتعاون مع وحدة تنسيق الدعم، وحل المشكلات التي تعاني منها مخيمات النزوح بالتنسيق والتعاون مع إدارات هذه المخيمات.
  • حشد الموارد والإمكانات لإعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية في مخيمات النزوح بحيث يتم توفير البيئة المادية الملائمة لنجاح تنفيذ برامج سبل العيش.
  • وضع استراتيجية لتشغيل اليد العاملة في مخيمات النزوح، من خلال تحديد الفرص المتاحة في القطاعات الاقتصادية في مناطق تواجد المخيمات وكيفية استثمار قدرات الأفراد في المخيمات لشغل هذه الفرص.
  • حصر تعامل الجهات المانحة لمخيمات النزوح مع المجالس المحلية عند قيامها بتقديم المساعدات الإغاثية باعتبارها أطراً إدارية شرعية؛ مما يسهم في الحد من عمليات الفساد الإداري داخل هذه المخيمات.
  • المساهمة في دعم مشاريع تنمية سبل العيش الخاصة بمخيمات النزوح وفق إمكاناتها المتاحة، من خلال التعاون والتنسيق مع الجهات المانحة، مما يمنح هذه المشاريع الفرصة للنجاح ويسهم بالتالي في تحقيق الإنعاش الاقتصادي في المناطق التي تحوي هذه المخيمات.
  • اعتماد آليات لوجستية فعالة ومناسبة وذات موثوقية لإيصال الدعم المالي لمشاريع تنمية سبل العيش لمخيمات النزوح، بما يقلل من نسب الهدر والفساد؛ ويضمن تحقيق النتائج المتوخاة من هذه المشاريع.
  • تسهيل عملية التواصل والتنسيق بين الجهات المانحة والجهات القائمة على مشاريع تنمية سبل العيش المدعومة من قبلها، للاطلاع على مراحل تنفيذ هذه المشاريع والنتائج المحققة؛ مما يعزز من ثقة هذه الجهات ويحفزها للاستمرار في دعمها لمشاريع جديدة.
  • توفير التسهيلات اللازمة للاستفادة من خبرة الجهات المانحة في تنفيذ مشاريع تنمية سبل العيش في الجانب الإداري والفني، بحيث لا يكون دورها مقتصراً فقط على تقديم الدعم المادي، مما يعزز من عملية المشاركة والتعاون معها.
  • إجراء مسوحات أو استطلاعات وإعداد تقارير دورية عن واقع وتحديات سبل العيش بالتعاون مع إدارات المخيمات لوضع تصور أولي عن برامج سبل العيش الملائمة وفقاً للإمكانات الاقتصادية للمناطق وإمكانيات السكان القاطنين في مخيمات النزوح. بحيث يكون هذا التصور كدليل عمل يمكن البناء عليه من قبل الجهات المانحة لاختيار المشاريع وتصميم برامج لتنمية سبل العيش.
  • استكمالاً للمقترح السابق، فلا بد من قيام المجالس المحلية بتشكيل حواضن لمشاريع تنمية سبل العيش ضمن المكتب الاقتصادي للمجالس تقوم بما يلي:
  • إجراء دراسات جدوى اقتصادية وتوفير الإحصائيات والبيانات والتشريعات اللازمة لتأسيس مشاريع سبل العيش.
  • توفير المستلزمات الأساسية لمشاريع تنمية سبل العيش بما يتوافر لديها من إمكانات.
  • متابعة مشاريع تنمية سبل العيش وتذليل عقبات تنفيذها ومعالجة أية مشكلات قد تواجهها.
  • التنسيق والتعاون مع الهيئات المحلية المدنية والعسكرية لحماية هذه المشاريع وإدامتها.
  • زيادة مستوى التنسيق والتعاون بين المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأخرى ذات الصلة في مجال بناء قدرات الأفراد النازحين داخل وخارج المخيمات، من خلال إقامة دورات تأهيل في عدة مجالات بناء على تقييم احتياجات هؤلاء الأفراد
  • قيام المكاتب الإعلامية للمجالس المحلية بحملات توعوية تهدف إلى نشر ثقافة العمل المنتج والاعتماد على الذات، وتجاوز ثقافة الاتكالية التي ترسخت بفعل أنماط الدعم الإنساني المتبعة داخل مخيمات النزوح.
  • قيام مكاتب التعليم في المجالس المحلية بإدراج مخيمات النزوح ضمن الخطة التعليمية في مناطق تواجد هذه المخيمات، بهدف القضاء على ظاهرة التسرب من التعليم وعمالة الأطفال. عبر إتاحة الفرصة لتسجيل الأطفال ممن هم في سن التعليم في المدارس القريبة من المخيمات، أو إنشاء مدارس خاصة بهم داخل المخيمات بالتعاون والتنسيق مع الجانب التركي ووزارة التربية في الحكومة السورية المؤقتة.

2.   منظمات الإغاثة والتنمية

  • وضع آليات تدخل محددة لبرامج سبل العيش بما يتناسب مع سكان المخيمات في كل منطقة ومواردها المتاحة ونطاق تدخلها الجغرافي والحاجة الفعلية.
  • تأسيس شراكات فاعلة مع القطاع الخاص وأرباب العمل في مناطق تواجد مخيمات النزوح بهدف تنمية برامج سبل عيش يتم من خلالها تأمين فرص عمل لسكان هذه المخيمات.
  • العمل على تطوير قاعدة بيانات مشتركة بين منظمات الإغاثة والتنمية المهتمة بدعم مخيمات النزوح، بهدف زيادة فاعلية الأنشطة والبرامج المتعلقة بسبل العيش المنفذة داخل هذه المخيمات.
  • منح الأولوية لتنفيذ برامج سبل العيش كثيفة العمالة لتوظيف أكبر عدد ممكن من سكان المخيمات مما يسهم في تحفيزهم للاندماج في المجتمع المحلي وضمان الحد الأدنى من أمنهم الاقتصادي.
  • تنفيذ برامج التشغيل السريع ذات الطبيعة المؤقتة التي تستهدف بشكل خاص فئات الشباب المعرضين للخطر من النازحين ضمن المخيمات بهدف منع استقطابهم في الأعمال غير القانونية، مما يعزز الأمن والاستقرار داخل مناطق تواجد المخيمات.
  • التركيز على تنفيذ برامج سبل العيش المستدامة، وتطبيق سياسات تدعم سبل العيش الموجودة وتزيد من استقرارها وتسهم في توسيعها بما يزيد من قدرة سكان المخيمات للاعتماد على الذات، ويقلل من الاعتماد الكامل على المساعدات الإغاثية.
  • ضرورة تخصيص موازنات محددة لنشاطي الإغاثة والتنمية لدى المنظمات، ونقل سكان المخيمات بشكل متدرج من الاعتماد الكامل على المساعدات الإغاثية إلى الاعتماد على الذات عبر توطين برامج سبل عيش تمكنهم من تحقيق ذلك.
  • التركيز على تطبيق برامج مخصصة للتمكين الاقتصادي للمرأة وللأسر الفقيرة في مخيمات النزوح، لمساعدتهم على خلق فرص عمل تعينهم على تحمل النفقات المعيشية.
  • تنفيذ دورات دعم وإرشاد نفسي واجتماعي داخل مخيمات النزوح لتمكين الأشخاص من تجاوز المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعانون منها، بغية إشراكهم في أنشطة مدرة للدخل وتمكينهم من الاندماج في مجتمعاتهم المحلية الجديدة.
  • قيام المنظمات والوكالات الدولية بمساعدة منظمات الإغاثة والتنمية المحلية على تطبيق برامج سبل العيش لسكان المخيمات ودعمها إدارياً وفنياً بناءً على خبرتها في هذا المجال.
  • ابتكار آليات جديدة لتقديم التمويل الصغير ومتناهي الصغر لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر داخل المخيمات بالتعاون مع المجالس المحلية ومنظمات الإغاثة والتنمية المحلية.
  • قيام المنظمات الدولية بالمساعدة على تطوير آليات لاستدامة برامج ومشاريع سبل العيش وضمان نموها، مع ضرورة التوسع في إنماء مشاريع وبرامج جديدة وتطوير ما هو قائم منها في مناطق مخيمات النزوح.
  • قيام المنظمات المحلية والدولية باستهداف مخيمات النزوح ببرامج محو الأمية بالتعاون مع الجهات ذات الصلة بهدف تمكين الأفراد من اكتساب الحد الأدنى من التعليم الذي يمكنهم ويدعم من فرصهم للحصول على سبل العيش.

خاتمة

تعد قضية النزوح الداخلي إحدى أبرز القضايا الإنسانية التي تعكس تبعات النزاع الدائر في سورية منذ بداية عام 2011. فوفقاً للعديد من التقارير الدولية أصبحت سورية البلد ذات العدد الأكبر من النازحين داخلياً في العالم، ويمثل الأطفال ما لا يقل عن نصف هذا العدد. إلى جانب ذلك يمثل النازحين الفئة الأكبر من السكان المحتاجين للمساعدات الإنسانية العاجلة كونهم من المجموعات الأكثر ضعفاً في المجتمع والتي هي بأمس الحاجة إلى الحماية والمساعدة لتأمين النقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية؛ ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية التي يعانون منها والتي سيكون لها العديد من التداعيات السلبية على حاضرهم ومستقبلهم.  

تمثل مخيمات النزوح الوجه الأبرز لمعاناة النازحين داخلياً، وهي المخيمات المنتشرة في العديد من المناطق السورية، والتي تؤوي النازحين الأشد فقراً الذين ضاقت ذات يدهم لتأمين المسكن المناسب في مناطق نزوحهم. فلجأ البعض منهم للإقامة في مخيمات نظامية تشرف عليها بعض المنظمات غير الحكومية، في حين لجأ البعض الآخر إلى بناء مخيمات عشوائية بمفرده ممثلة النسبة الأكبر في مخيمات النزوح. تلك المخيمات التي تفتقد لأدنى مقومات الحياة والعيش الكريم. إلى جانب الإهمال الذي وصل إلى مرحلة عدم الاكتراث الإنساني، بحيث باتت معاناة القاطنين داخلها كواحدة من أصعب المآسي التي يتعرض لها الشعب السوري.

مع استطالة وجود هذه المخيمات وغياب أفق واضح لمستقبل قاطنيها، فإن التحدي الأكبر لهم يكمن في مدى قدرتهم على تأمين سبل العيش والاعتماد على الذات لتغطية نفقاتهم المعيشية. تلك القدرة التي يجب أن تتضافر في سبيلها جهود العديد من الفواعل المحلية والدولية المهتمة بالإشراف على هذه المخيمات ودعمها. من خلال التعاون فيما بينها لبناء سياسات مستقبلية لتنمية سبل العيش لسكان هذه المخيمات عبر آليات وبرامج مدروسة تتناسب وظروف هذه المخيمات وقدرات ومؤهلات سكانها، وتذليل جميع المعوقات التي تعترض تنفيذ هذه البرامج. بحيث يمكن البناء عليها والاستفادة من مخرجاتها لدمج سكان المخيمات في محيطهم الاجتماعي وانتشالهم من دوامة الفقر والاعتماد على المساعدات الإنسانية. 

تبقى القضية الأهم التي تطرح نفسها في هذا الصدد تتمحور حول مستقبل هذه المخيمات بعد انتهاء النزاع في سورية وآليات التعامل معها، وهل سيتم إدماج ساكنيها في مجتمعاتهم المحلية الجديدة، وهل سيتم لحظهم في أي تسوية سياسية قادمة، وماذا عن حقهم في العودة إلى مجتمعاتهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم إليها. هذه الأسئلة وغيرها تؤشر بشكل واضح إلى أي مدى تعد قضية النزوح الداخلي في سورية من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي. والتي تحمل في ثناياها العديد من التداعيات السلبية على النازحين أنفسهم وعلى المناطق التي نزحوا إليها، إلى جانب تداعياتها السلبية في المستقبل فيما يتعلق بالعودة الطوعية للنازحين لمناطقهم، ومدى إمكانية إعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لهذه المناطق بعد انتهاء النزاع والبدء بعملية إعادة الإعمار.


([1]) Internal Displacement Monitoring Center: https://goo.gl/rWaucz

([2])  ldp sites integrated monitiring matrix: https://data2.unhcr.org/ar/dataviz/13

([3]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.

([4])  Humanitarian Needs Overview 2018: https://goo.gl/a8gw1w

([5])  Erin Mooney, The inside story: internal displacement in Syria, Forced Migration Review, September 2014: https://goo.gl/gKFPqu  

([6]) United Nations office for the coordination of humanitarian affairs (OCHA): http://www.unocha.org/syria 

([7])  قطاع إدارة وتنسيق المخيمات هو أحد قطاعات العمل الإنساني وفقاً لتصنيف الأمم المتحدة، ويشمل كل من نشاطي تنسيق المخيمات وإدارة المخيمات. حيث يتمثل الهدف الرئيسي في الوصول إلى الوضع الإنساني الملائم للإيصال الفعال للمساعدات وتحقيق مبادئ الحماية. في حين يتركز نشاط إدارة المخيمات على تنسيق الخدمات، وإنشاء آليات إدارية بديلة وحشد المجتمع المحلي، والحفاظ على البنية التحتية للمخيم، وجمع المعلومات ومشاركتها وتقديم الخدمات ورصد ومراقبة جهات التسليم. 

([8])  Humanitarian Response,  CCCM Cluster: IDP Sites Integrated Monitoring Matrix (ISIMM), June, 2018: https://goo.gl/oXyRb3

([9])  Syria crisis, Camps and informal settlement in northern Syria, humanitarian baseline review, June, 2014.

([10]) هارون محمد ومروة مقبول، 82% من تجمعات النازحين تعتمد كلياً على المساعدات الإنسانية، صوت العرب من أمريكا، 06-06-2018: https://goo.gl/h73oG2

([11])  تم المباشرة بمشروع sphere في عام 1997 من قبل مجموعة من الوكالات الإنسانية غير الحكومية إلى جانب الحركة الدولية للصليب الأحمر بهدف تحسين جودة أعمالهم، واستعدادهم لقبول المساءلة عن ذلك. وتم تحديد مجموعة من المعايير الدنيا في قطاعات رئيسية منقذة للحياة. وتغطي هذه المعايير الأنشطة التي تلبي الحاجات العاجلة اللازمة للبقاء على قيد الحياة للسكان المتضررين من الكوارث والنزاعات، ولا سيما في السياقات التي تنطوي على حالات انعدام الأمن والنزوح.

([12])  طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 21-01-2018: https://goo.gl/xpPmqU

([13]) علاء رشوان، مأساة النزوح الداخلي في سورية، المجلة الإلكترونية، ع 21، 2014، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منظمة العفو الدولية،

([14]) عبدو الفضل، مساعدات الأمم المتحدة إلى السوريين تجارة يسيرها مسؤولو النظام، وكالة سمارت للأنباء، 25-05-2017، https://goo.gl/tt12Jy

([15]) Aron Lund، The UN enters Syrıa`s moral labyrinth, 09-09-2016, Carnegie  Middle East Center: https://goo.gl/d5KrZg

([16]) تقرير داينمو درع الفرات، وحدة تنسيق الدعم، تشرين الثاني 2017.

([17]) شركة زراعية عملاقة تعتزم دخول درع الفرات، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 17-02-2018: https://goo.gl/2FpqPg

([18]) إحدى ثمار الأمن .. ازدهار قطاع الأمن بمنطقة "درع الفرات" شمالي سورية، صحيفة يني شفق، 29-07-2018:  https://goo.gl/m9hGkt

(([19])) أحمد الصوراني، دعماً للمشاريع الزراعية الصيفية قام المجلس المحلي بمدينة إعزاز بريف حلب بتقديم البذار والسماد والمياه لمساعدة المزارعين الذين يعيشون  أوضاع اقتصادية حرجة، موقع أورينت نيوز، 19-06-2015: https://goo.gl/qPja1g

([20]) خالد الخطيب، البدء ببناء المدينة الصناعية الأولى في منطقة درع الفرات قرب الباب برعاية تركيا، موقع المونيتور، 01-03-2018: https://goo.gl/ev6qzV

([21]) خالد الخطيب، "درع الفرات": حكومات محلية تدعمها تركيا، جريدة المدن الإلكترونية، 01-07-2018: https://goo.gl/R9Uzic

([22]) شركة تركية تتكفل بإعادة الكهرباء لـ إعزاز على مدار 24 ساعة، تقارير خاصة، موقع اقتصاد، 02-03-2018: https://goo.gl/mcauBa    

([23]) Understanding livelihoods in northern Syria: how people are coping with repeated shocks, constant change and an uncertain future, an assessment using a Household Economy Approach and hazard mapping to better understand livelihoods in northern Syria, save the children, January 2015.

([24]) الضيف الثقيل حل... الشتاء يهدد حياة النازحين في الشمال ويزيد معاناتهم، شبكة شام، 03-012-2016: https://goo.gl/vxUdGz

([25]) سارة الحاج، بصنارات النازحات في ريف إدلب ... قبعات تباع في أسواق دول مجاورة، موقع الحل، 01-02-2018: https://goo.gl/aDT2CC  

([26]) محمود علي، عدم الاستقرار المادي لمدارس مخيمات النزوح يهدد استمراريتها، موقع أمية برس، 03-10-2016:  https://goo.gl/99FFfm

([27]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، جريدة سوريتنا، 06-06-2016: https://goo.gl/Wb2ZsG

([28]) مدارس المخيمات تصبح سكناً لنازحين جدد.. أكثر من 10 آلاف طالب محرومون من التعليم في ريف حلب الشمالي، موقع سوريتنا، 14-04-2016: https://goo.gl/1j8iNz  

([29]) طارق أبو زياد، مخيمات النزوح من خيام متناثرة إلى مدن منظمة، جريدة عنب بلدي، 19-01-2018: https://goo.gl/rbrd1U

([30]) ريف حلب: جولة في مخيم باب السلامة الحدودي للنازحين. عرضت على قناة الجزيرة مباشر،2014-12-20: https://goo.gl/ftFHHD

([31]) انظر في ذلك: مظاهرات عارمة في عموم مخيمات الشمال السوري في المناطق الحدودية وذلك تنديداً بمنظمة ACTED والتي وصفها المتظاهرون بالفساد: https://goo.gl/dZSWNW

([32]) مأمون سيد عيسى، دراسة في الأوضاع الصحية لمخيمات النازحين في الشمال السوري، 15-05-2018، جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية.  

([33]) سالم الحجي، موسم اللجوء إلى "هناك".. نزوح نحو مخيمات الموت، مصدر سابق. 

([34]) سلطان جلبي، تجمعات النازحين في الشمال السوري .... فوضى الاجتماع وتحديات الإدارة، جريدة الحياة الإلكترونية، 20-03-2016: https://goo.gl/nGKiuq

([35]) لبنى سالم، حياة المخيمات ... هذه يوميات النازحين السوريين في الداخل، موقع العربي الجديد، 10-04-2017: https://goo.gl/rMwGDP

([36]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، 24-12-2015، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. 

([37]) سطوة هيئة تحرير الشام تقيد عمل "المنظمات الإنسانية" وتخنق المساعدات، شبكة شام، 09-11-2017: https://goo.gl/X5e4QS

([38]) - بنت البلد.. أين أصبحت في الثورة السورية، 19-09-2016، عنب بلدي  https://goo.gl/ouW5tH

([39]) - هيئة نسائية لدعم المرأة والطفل”.. في مدينة إدلب، 22-01-2017، سوريتنا برس: https://goo.gl/gjoKw3

([40])  "النقد مقابل العمل".. مشاريع قصيرة الأجل لتشغيل أهالي إدلب، جريدة عنب بلدي، 23-07-2017: https://goo.gl/AxKpbS

([41]) مشروع النقد مقابل العمل – ترميم الفرن الآلي في الرستن، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 22-02-2028: https://goo.gl/89t7aC

([42]) إطلاق مشروع النقد مقابل العمل في سهل الغاب، مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، 06-10-2017: https://goo.gl/7FEJNc

([43]) مساعدة العائلات السورية من خلال برنامج "الأجر مقابل العمل"، المساعدات الإنسانية والحماية المدنية، المفوضية الأوروبية، 27-04-2016:  https://goo.gl/czjdnq