Omran Center

Omran Center

حمل استهداف نقاط المراقبة التركية بحسب تحليل الباحث في مركز عمران معن طلاع، لـصحيفة القدس العربي بتاريخ 27 حزيران 2019، عدة دلالات قد تلتقي مع بعضها وقد تتعارض مع بعضها الآخر؛ ومن أبرزها أن النظام يطمح لزعزعة الثقة بالفواعل العسكرية المتحالفة مع أنقرة واستغلال ذلك ميدانياً؛ كما أن هذا الاستهداف بمثابة اختبار ردة فعل أنقرة حيال نية النظام لتغيير قواعد التفاهم الأمني الذي تمت صياغته في أستانة تمهيداً لاتفاق جديد وفق شروط جديدة. إلا أنه من جهة مقابلة تعد هذه الخطوة «تهوراً» حسب وصف طلاع، لأنه من غير المستبعد، خاصة إذ ما تأكدنا من تأزم غرف عمليات جيش النظام؛ ما أن تفتح أبواب المواجهة المباشرة، ما يهدد بانتقالها من مستوى «الوكلاء» إلى مستوى الصراع المباشر، وما يحمله من فرص كبيرة لتحقيق ضغط قوي على أنقرة؛ وهذا ما يعد «مغامرة سياسية قبل أن تكون عسكرية».

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2KTApZE

المقدمة

لا تزال الأسئلة المتعلقة بقطاعي الأمن والدفاع في سورية من أكثر الأسئلة أهمية، وازدادت أهميتها بعد الحراك الثوري، لأن غايات الإصلاح كانت مطلباً رئيسياً في هذا الحراك، كما أنها شهدت وما تزال تحولات عميقة أثرت على بنيتها ووظيفتها، فمن جهة أولى ما تزال معظم هذه الأسئلة دون إجابات معرفية كافية، بحكم أن عملية البحث في هذا المضمار هي عملية "مناهضة للأمن والدفاع" وفق أعراف الأجهزة الأمنية، ومن جهة ثانية فإن مكامن الخلل التي تستوجب تسليط الضوء عليها كثيرة  وقديمة، وقد تراكم فوقها العديد من السياسات والممارسات التي حولت الخلل إلى معضلة صعبة الحل، ومن جهة ثالثة فإن واقع المؤسسة العسكرية الراهن يفرض أسئلة تتعلق بطبيعة وجود هذه المؤسسة ومآلها، خاصة في ظل ما تشهده من تحولات وتبدلات عميقة في تكوينها الاجتماعي ومراكز القوة  والفاعلين الرئيسيين فيها. تبرز الضرورة البحثية لإعادة تعريف هذه المؤسسة في ضوء ما أحدثته تلك التحولات، وبيان أثرها على عملية إعادة التشكل الآخذة بالتبلور، تلك العملية التي تخضع لعدة بوصلات متضاربة ويغيب عنها البعد الوطني.

سيبقى تساؤل حول دور الجيش وأثره في التفاعلات والتحولات المحلية وعلى حركية التحول الديمقراطي سؤالاً مركزياً يواجه عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية، فالخلل البنائي والوظيفي والتشوه الهوياتي الذي اعترى هذه المؤسسة دفعها باستمرار للتدخل في الحياة الاجتماعية والسياسية وفق منطوقٍ يخدُم ويُغذّي فلسفة الفئة الحاكمة. فالعبث العقائدي والتنظيمي والوظيفي بمؤسسات الأمن والدفاع حوَّلها لمؤسسة شديدة الاغتراب عن المجتمع السوري، وفاقدة لمفهوم الحياد السياسي، وقوة مصطفة سياسياً لصالح النظام. والتحدي الأبرز أمام هذه العملية ليس فقط ما هو مرتبط تقنياً ببرامج SSR, DDR وإنما ما هو أيضاً متسق مع الظرف السوري كحزبوية الجيش وعقيدته، وانعدام الأطر المقوننة للعلاقات المدنية العسكرية.

واستكمالاً لمخرجات المشروع البحثي الذي أطلقه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عام 2018 حول تحولات المؤسسة العسكرية السورية وتحدي التغيير وإعادة التشكل، يواصل المركز اهتماماته البحثية في هذا المجال في عام 2019،  مركِّزاً على أسئلة الواقع الراهن وما تستوجبه من تفكيك عدة إشكاليات بحثية، تتعلق بالبُنية التنظمية وطبيعة التشكل الشبكي الذي تشهده هذه البنية، وقد أطلق المركز مشروعه البحثي الثاني في هذا المضمار حول "المؤسسة العسكرية السورية في عام 2019: طائفية وميليشاوية واستثمارات أجنبية"، وأنجز جملة من المخرجات البحثية والتي نجمعها في هذا الكتيب كما هو مبين أدناه:

  1. دراسة ضمن محور التكوين الاجتماعي للجيش: ما الذي تفصح عنه الطائفية في الجيش السوري؟
  2. التجمعات والشبكات العسكرية داخل الجيش السوري: ولاءات متعددة وفكر ميليشياوي (ورقة).
  3. دور ومصير القوى والميليشيات الفلسطينية الموالية للنظام السوري (ورقة).
  4. الفيالق العسكرية المستحدثة في الجيش (تقرير).
  5. اختبار قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج (ورقة).
  6. تحديات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية غير التقنية والفنية(ورقة).
  7. القضاء العسكري في سورية خلال الفترة 1950-2019، (تقرير).

واعتمدت هذه المخرجات البحثية على خمسة جلسات تركيز عُقدت مع مجموعة من الضباط المنشقِّين من مختلف الاختصاصات في عدة مدن جنوب تركيا لمناقشة محورين رئيسين، الأول: ماذا بقي من الجيش؟ والثاني: التطييف وآلياته في الجيش. كما تم إجراء عشرات المقابلات الشخصية مع عدة ضباط منشقِّين.

 

للمزيد عن الكتاب:

النسخة العربية: http://bit.ly/2LvSWum

النسخة الإنكليزية: http://bit.ly/2XiPeGZ

 

الجمعة, 28 حزيران/يونيو 2019 19:08

بدر ملا رشيد | منصة "مسد"

ذهب الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية خلال حديثه لموقع السورية نت، بتاريخ 27 حزيران 2019، حول ما تناقله عدد من الناشطين والإعلاميين السوريين عن مساعي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، المُشكل من حزب الاتحاد الديمقراطيPYD، للانضمام إلى "هيئة التفاوض السورية"، التي نفت بدورها، وجود محادثاتٍ بهذا الشأن، إلى أن هيئة التفاوض "تعيش مرحلة من الجمود"، إذ أنها تعقد اجتماعاتها بفواصل زمنية طويلة " وهو أمرٌ أدى لعدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازٍ فعلي".

وانطق الباحث مما سبق إلى القول، أن انضمام "مسد" أو عدمه "لن يؤثر بشكلٍ كبير على سير المسار التفاوضي، إلا إذا شهدنا تطورات سياسية موازية في مساراتٍ أخرى كمسار أستانة، أو إعادة إحياء جنيف، وحتى خلق مسار حل جديد بالكامل".

أيضاً أشار الملا إلى عدم إمكانية مقارنة انضمام "مسد"، بحالة ضم منصة موسكو لـ"هيئة التفاوض"، كون منصة موسكو، تمثل إطاراً سياسياً "هشاً أو منعدم الفاعلية"، بينما مجلس"مسد"، برأيهِ "يمثل هيكل حكم وسيطرة إدارية وعسكرية ببرنامج سياسي"، مشيراً إلى أن عملية الانضمام، لو تمت "ستكون شائكة أو مبنية بالأساس على توافق إقليمي ودولي كبير ما يعني التجهيز لمرحلة إعلان الحل".

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2RI048g

 

وضَّح الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران خلال حديثه لـ السورية نت، عن الأسباب التي تقف وراء تشكيل المجالس العسكرية من قبل "قسد"، مستعرضاً الهيكلية العسكرية لهذه القوات، منذ النشاط العسكري الأول لها.
وبحسب الباحث فإن "وحدات حماية الشعب" تشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وكانت على نموذج مجموعات وتجمعات قتالية، تفتقر للهرمية العسكرية، وكانت هذه الطريقة فاعلة إلى ما بعد معركة كوباني 2015. وتابع الباحث أن "التحالف الدولي بدأ بتقديم الدعم المباشر وصولاً إلى تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول من 2015، وكانت بنية قسد، مبنية على الفصائلية، وهي بنية ناسبت فترة من المعارك إلى أن وصلت إلى مرحلة السيطرة على مساحات واسعة والتخطيط لمعركة الرقة لتبدأ الإدارة الذاتية بتشكيل أفواج عسكرية بداية العام 2017". كما أوضح أن "دخول مرحلة  إنشاء منطقة آمنة استوجب العمل على تنظيم قسد أكثر، بالترافق مع منع هذه القوات أي فصيل ضمن تشكيلاتها بضم العناصر بشكلٍ منفصل لفصائلهم، بل إلى جسد قسد مباشرة". وأدى ما سبق تقريباً، وفق الباحث إلى "إنهاء حالة الفصائلية ضمن قسد كون وحدات حماية الشعب حافظت على كيان شبه مستقل ضمنها، وهنا يأتي موضوع تشكيل المجالس العسكرية مؤخراً، فالعمليات العسكرية الضخمة انتهت، وتحتاج هذه القوات لمهام مغايرة لمهامها التي نفذتها في معاركها بمواجهة تنظيم الدولة، بالإضافة لضرورة موائمتها لحل المنطقة الآمنة". ستة أهداف حددها الباحث بدر ملا رشيد وراء تشكيل المجالس أولها "تحويل هرمية قسد، وخصوصاً وحدات حماية الشعب من حالة المجموعات والتشكيلات المنفصلة لحالة التشكيلات العسكرية المترابطة والهرمية".
 
الهدف الثاني هو "الدخول لمرحلة الاستقرار والتمكين العسكري، و(الثالث) تثبيت عناصر القوات في مناطقها، إضافةً إلى التجهيز لأي عملية دمج عسكرية لقوات (#البيشمركة) (الجيش السوري المستقبلي)، مع القوة المشكلة الآن في المستقبل ليس ككتل إنما كافراد". وأإضاف الباحث أن الهدف الرابع وراء تشكيل المجالس "هو البدء بإعداد ضباط لتغطية الحاجة الحالية"، بينما يكمن الهدف الخامس "بإضفاء الطابع التنظيمي بما يزيل مخاوف الدول الجارة (تركيا)"، إضافةً إلى هدف أخير "هو الدخول لأية عملية تفاوضية من موقف أقوى".
 
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2XaEHCd
 

اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.

للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB

واجه "النظام السوري" تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة منذ انقلاب البعث في 1963 وحتى اليوم، مارَسَ خلالها أدوات الالتفاف والاحتواء والقفز إلى الأمام واستثمار الحلفاء وغيرها ليصمد بتعريفه الخاص للصمود، وليُبقي على حاجة محيطه إليه من خلال امتلاكه لملفات أمنية عابرة للحدود. كما وازن علاقاته مع القطبين، السوفيتي والأميركي، خلال السنين السابقة، إضافة إلى بناء شبكة محلية يسيطر فيها على الحزب والدولة والمجتمع. ولكن الزلزال الأخير المتمثل بـ "الانتفاضة الشعبية" في عام 2011 -والتي دفع بها لتُصبح فيما بعد صراعًا إقليميًّا ودوليًّا- كَسَر عُمق التكوين البُنيوي للنظام دون أن يُنهيه، وأبقى على عوامل الاحتقان المجتمعي والجذور السياسية. وبالتالي، فإن بنية وأدوات وشبكات النظام الحالية في 2019 تختلف في الشكل وطبيعة التكوين والسلوك عما قبل 2011 -حيث بات محكومًا بتحالفات وسياق سياسي وأمني وميداني جديد- وخاصة بعد التدخل الروسي في 2015 وعودة كثير من الجغرافيا لسيطرة النظام.

ستقوم هذه الورقة بتحليل مآلات النظام السوري من خلال تقدير مدى قوة النظام العسكرية والسياسية والاقتصادية ومدى استدامتها، ومدى قدرته على الاستمرار في تنمية نفوذه في الميدان السوري من عدمه، ومن ثم تقييم قدرته على التأثير في تسوية مقبلة سواء بقدراته أو بتحالفاته أو ما تقدمه ظروف التسوية نفسها.

أولًا: مقاربات الفاعلين الدوليين والإقليميين

لقد تشكَّل مشهد الصراع الإقليمي والدولي في سوريا عبر سلسلة مقاربات دولية جزئية حاولت تجميد الصراع تارة واحتواءه أو تسكينه وتجميده على الوضع الراهن لزمن مطول أو التأقلم مع متغيراته. ومن خلال هذه التدافعات تشكلت مناطق نفوذ أمنية ثلاثة: الأولى: منطقة شرق الفرات، وهي التي تقع تحت حماية الجيش الأميركي (تحت غطاء قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة)، وتوجد قوات فرنسية وبريطانية مساندة إضافة إلى الشريك المحلي وهي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (YPG). الثانية: مناطق درع الفرات (ريف حلب الشمالي) وعفرين وإدلب، والتي يسيطر عليها الجيش التركي، وتخضع لتفاهمات أمنية وإدارة مباشرة في كل من درع الفرات وعفرين)، وإلى نقاط مراقبة تركية واتفاق منطقة منزوعة السلاح خاص لإدلب. الثالثة: باقي المناطق السورية وتخضع لسلطة النظام مع مشاركة إيران في عدة أجزاء (حلب ودرعا وحمص) وروسيا (حميميم وطرطوس ودرعا). ففي حين ركزت المقاربات العسكرية للفاعلين الإقليميين والدوليين على غايات أمنية متباينة ومتعارضة أحيانًا؛ أفرزت تفاعلات هذه المقاربات واقعًا محليًّا جديدًا غير مستقر وشديد التقلب، لكنه منضبط بأطر عامة تتجنب حل جذور الصراع وتتعاطى مع آثاره وتداعياته الأمنية العابرة للحدود، ما حال دون إيجاد أرضية لبيئة آمنة ومحايدة تسهم في الوصول إلى اتفاق سياسي ومن ثمَّ إلى عودة النازحين واللاجئين.

انطلقت السياسة الأميركية من مدخل "محاربة الإرهاب" المتمثل بتنظيم الدولة كأولوية مقابل تغيير النظام أو دعم المعارضة. واعتمدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية عسكريًّا وإداريًّا حتى إعلان نهاية "الخلافة" وبقاء خلايا لتنظيم الدولة، وحينها تركزت السياسة الأميركية الجديدة التي أعلن عنها جيمس جيفري (المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا) على: محاربة تنظيم الدولة وضمان عدم عودته، وإخراج إيران والميليشيات المدعومة من طرفها من سوريا، والدفع بالعملية السياسية حسب قرار مجلس الأمن 2254(1). كما أنها تمضي باتجاه خطوات أكثر تصعيدًا لعرقلة "المشروع الإيراني" (رغم أنه لم يُترجم بعد بخطوات حقيقية) بشكل لا يجر التحالف الدولي للصدام المباشر مع طهران، ولكن هذا لا يعني أن مستويات المواجهة ستبقى مضبوطة بل تحتمل التفجر بمستويات متعددة، خاصة مع الضوء الأخضر الممنوح مسبقًا لـ "إسرائيل" بتوافق روسي وأميركي. كما تصطدم هذه المقاربة بالمحددات الاستراتيجية الأمنية لأنقرة التي ترى في قوات سوريا الديمقراطية غطاء "لشرعنة" حكم ذاتي لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما استوجب من تركيا عدم تنحية الخيارات العسكرية. ولابد هنا، من رصد تطور التفاهمات الأميركية-التركية وحدودها لما له من تأثير بالغ في المسار الأمني والسياسي القادم.

أما روسيا، فبعد تدخلها في 2015 لإنقاذ النظام وجدت نفسها أمام بنية عسكرية وإدارية هشة في مناطق النظام وتنافس إيراني لا يضمن لها الصدارة كوسيط وفاعل إقليمي في حل النزاعات في مقابل الولايات المتحدة. فحاولت تجزئة المعضلة والعمل على ترتيبات ما قبل الاتفاق السياسي من خلال "تسكين" وتهدئة الجبهات في مسار أستانا مع الاستمرار في تقديم الدعم والتوجيه العسكري لقوات النظام وحلفائه. وتصطدم هذه المقاربة بملف إدلب الذي عجزت فيه، وعملت على تجميد جبهته بالاتفاق الثنائي مع تركيا ومع الدول الضامنة في أستانا، وكذلك باتفاق المنطقة العازلة، في سبتمبر/أيلول 2018. ورغم التصعيد الأخير في إدلب، بداية مايو/أيار 2019، لا يُتوقع حاليًّا فتح معركة واسعة لاسترجاع كامل إدلب بسبب التفاهمات الروسية-التركية ويبدو أن هناك قضمًا تدريجيًّا لجزء من إدلب، على صلة بفتح الطرق التجارية الدولية. كما يرتبط ملف إدلب أيضًا بالتطورات الأمنية التركية في ملف التفاوض مع الولايات المتحدة، بخصوص قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة الآمنة شرق سوريا.

وفيما يتعلق بمقاربة إيران، فهي تسعى لـ "حماية المكتسبات وضمان ديمومتها" عبر تدعيم انتشارها في البادية وإبقاء التهديد الأمني للجبهة الجنوبية. كذلك، فإن إيران خففت من حدة ظهورها وأذرعها من خلال الانصهار تحت غطاء مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية وخلق أجهزة ومجموعات كـ"دولة داخل الدولة" بغية "شرعنة" وجودها وحمايتها، وكذلك بناء أذرع محلية سورية تستطيع أن تعطِّل أي حل لا تراه مناسبًا أو تزيد من مكتسباتها السياسية. كما تعمل طهران على تكثيف زخم المقاومة الناعمة لمحاولات موسكو للاستحواذ التام على المشهد العسكري والأمني -حيث تضغط موسكو على حلفائها لتنسيق الدعم وحصره بغرفة حميميم- أو تعمل على استغلال حاجة موسكو للقوة البشرية التي افتقدها النظام وتمتلكها "الميليشيات" الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، فضلًا عن الانخراط -أي انخراط طهران- العضوي ببنية النظام.

وربما تتجلى العلاقة الحذرة بين الطرفين، الروسي والإيراني، من خلال تحليل للتصعيد العسكري الأخير في بداية شهر مايو/أيار 2019 في جنوب إدلب، حيث اعتمد الروس ميدانيًّا على بعض عناصر الفيلق الخامس الموالي لروسيا جنبًا إلى جنب بعض المجموعات الموالية لإيران، نظرًا لافتقار النظام لكتلة عسكرية صلبة. كما "تصطدم مقاربة طهران بمجمل المقاربات الأخرى التي تتفق على ضرورة محاصرتها وتحجيم قواها في سوريا سواء عبر سياسة عقوبات اقتصادية نوعية أو عبر تصنيف حرسها الثوري كقوة إرهابية أو عبر تضافر جهود دول "مؤتمر وارسو" في إنجاز سياسات حصار متعددة الجوانب؛ وهذا كله وإن بدا منضبطًا إلا أنه يحتوي مؤشرات انزلاق لحرب كبرى"(2).

أما تركيا فتتبع سياسة "القفز للأمام" وتجهيز البنية التحتية الأمنية والعسكرية والإدارية، وذلك من خلال تقوية مناطق "خط دفاعها الأمني" (درع الفرات وعفرين) وتدعيم بناها الأمنية بكافة المستلزمات اللوجستية والبرامج التدريبية. كما تهدف أيضًا إلى خلق قوة محلية قادرة على صد أي هجوم لقوى مهددة للأمن العام في تلك المنطقة وللحدود التركية. كذلك، فإن منطقة النفوذ التركية يتم تدعيمها لمواجهة "الإدارة الذاتية" بهدف إعادة تعريف القوة الإدارية المتحكمة في مناطق شمال شرق سوريا وضرب كافة أذرع "حزب العمال الكردستاني"، ورغم أن الصدام المتوقع يبدو محدودًا على الأغلب لكنه مرشح للتوسع والانزلاق بسبب كثرة العوامل الأمنية المهددة، بما فيها تداعيات التصعيد في إدلب. ويطمح النظام إلى استغلال كافة هذه المعادلات لتثبيت سيطرته الأمنية والعسكرية والسياسية على كافة الجغرافيا عبر القضم العسكري تارة والمصالحات "الاستسلامية" تارة أخرى.

أسهمت سياسات الدول الفاعلة في تكريس مناطق النفوذ عبر ترتيبات أمنية جزئية وتأجيل التعاطي مع جذور الأزمة السياسية، ورغم أن هذا أسهم في تهدئة معظم الجبهات القتالية إلا أنه نقل أزمة النظام السياسية إلى تحديات حكومية يعجز عن الوفاء بأقل متطلباتها، ليس فقط بسبب العجز المالي وإنما لعدم امتلاك أدوات الإصلاح الحقيقي بعيدًا عن إجراءات التحكم الأمني المطبق. كما أن عدم قدرة موسكو على تبني استراتيجية خروج سياسية مع استمرارها بتغليب "الحل الصفري" سواء بالمعنى السياسي أو العسكري، عزز احتمالات عودة التصادم ونقله لمستوى إقليمي ودولي بشكل أوضح. وفي ظل مناطق النفوذ المتشكلة؛ فإن عنصر مرور الزمن على اتفاقيات تجميد الصراع وثبات التفاهمات الأمنية لها، يحوِّل الحدود الأمنية رويدًا رويدًا لحدود سياسية ممأسسة لتشكل نظامًا سياسيًّا جديدًا، يكون مدخلًا لبلورة صفقة سياسية يتم إخراجها بصيغة "حل سياسي"(3).

ثانيًا: تحديات وآفاق إعادة التشكل

يمكن تحليل أهم تحديات النظام في المرحلة الراهنة من خلال استقراء التغيرات الأمنية والإدارية التي حدثت في المناطق التي عادت لسيطرته، من حيث قدرته على إعادة بناء المؤسسات وخلق الحد الأدنى من البيئة الآمنة والمستقرة. الواضح -حسب تصريحات رأس النظام وعدد من قياداته- أنه غير مهتم بعودة جميع النازحين إلا عبر مصالحات "استسلامية" وبأطر قانونية جديدة وليس بالضرورة إلى مساكنهم الأصلية. كما أن المخصصات المالية لإعادة الإعمار في موازنة 2019 لا تتجاوز 115 مليون دولار، من دون مخصصات مالية لها في الخزينة ابتداء(4). وبالنظر إلى عدد من المناطق التي استعادها، فقد خلق أنماطًا أمنية مؤقتة وأعاد تشكيل شبكاته من خلال طبقة تجار الحرب الجدد والوسطاء في المصالحات، كما أجرى انتخابات للمجالس المحلية صدَّر فيها وجوهًا جديدة وأعاد تصدير حزب البعث. كل هذا لم يأخذ بعين الاعتبار أهمية توليد ديناميات جديدة للتعاضد المجتمعي والمصالحة المجتمعية. وتطمح تكتيكات النظام لما أسماه "برنامج إعادة الإعمار" لعودة تثبيت التحكُّم المركزي بهدف تصدير صورة وهمية عن قدرته على إدارة ملفات ما بعد الحرب، كما يتبع في هذا الصدد سياسات تهدف إلى تعزيز شبكات تحكمه الأمنية والطائفية، وبعيدة عن أي إصلاح حقيقي. 

ترتسم معطيات أمنية وعسكرية تتوافق مع التعريف الروسي للحل السياسي (الصفري) وفق معادلة لا يمكن لها أن تولد ديناميات سلام يلتف حولها السوريون من جهة ولا بيئات آمنة (تستلزم إصلاحات عدة) دافعة لعودة السوريين، من جهة ثانية. ويمكن الاستدلال كمثال بحجم الاعتقالات والاغتيالات والإحالات القضائية في مناطق المصالحات، إضافة إلى سياسات التهميش الممنهج لمناطق كانت تخضع سابقًا لقوى معارضة. وترتكز عناصر معادلة الحل وفق منظور النظام وحلفائه الروس على استعادة سيطرة "النظام" على كامل الأراضي السورية، وترحيل القوى المعارضة والثورية، وبالتالي تحويل الاستحقاقات السياسية لتحديات حكومية، عبر المضي قدمًا بأستنة جنيف(5).

وبناء على ذلك، يتضح أن مقاربة نظام الأسد لا تعالج المسائل الدقيقة المتعلقة بشرعية المؤسسات وقدرتها، والتي لا توفر الأمن والعدالة والدمج السياسي للمواطنين، كما أنه يعتبر التعافي الاقتصادي فرصة للإثراء الذاتي ولتكريس التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي برزت نتيجة سِنِي الصراع. ويواجه النظام أيضًا معوقات ترتبط بمعايير الاستقرار التي لا يمتلكها، كالبرامج الكريمة لعودة اللاجئين وما تُمليها من استجابة محلية وواقع أمني منضبط؛ وتوافق سياسي وتماسك اجتماعي؛ وإعادة الشرعية وتأهيل الدولة لامتحان إعادة الإعمار. ففي غياب اللحظة السياسية المعترف بها دوليًّا، وفي ظل بنية عالية الهشاشة للجيش السوري وتحكم الروس والإيرانيين بالمشهد العسكري المحلي، فإن النظام سيواجه مشهدًا لا يسمح له بأن يعيد تشكيل نفسه ويحافظ على الاستقرار الأمني والمجتمعي(6).

ثالثًا: إعادة تشكُّل المؤسسة العسكرية نموذجًا

على الرغم من أن الاهتمام في مرحلة ما بعد النزاع ينبغي أن ينصب على امتلاك شروط الاستقرار الأمني والاجتماعي والحد من مُولدات العنف، إلا أن النظام وهو يعيش حالة "الانتصار"، يخيل إليه أنه ليس بحاجة لإجراءات حقيقية لإعادة الدمج وتفكيك المجموعات المسلحة وإعادة التأهيل، وإنما يحدد أولوياته بما يحافظ على كيانه ويُبقي له السلطة الأمنية الحاكمة. ويرى كذلك أن جهوده ينبغي أن تقتصر على إعادة ترميم وإعادة تشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية وليس عبر إصلاح العقيدة الأمنية ودورها المضخم في الحقل العام وضبط العلاقات المدنية-العسكرية. وبالتالي، فحتى عمليات التسريح وإعادة الدمج والتأهيل ستكون مصممة ليس بما يهدف لاستقرار سوريا دولة ومجتمعًا، وإنما خاضعة لمصلحة "النظام" بالدرجة الأولى، ومتكيفة مع جهود حلفائه بالدرجة الثانية، ومستوعبة للمتغيرات التي طرأت على بنية الجيش بالدرجة الثالثة.

وهنا، يبرز سؤال حول تصور النظام للحل وآلياته لإعادة الضبط والتحكم في الجيش(7)، لاسيما أنه باتت تتحكم وتتنافس في بنيته، أي بنية النظام العسكرية، القوات الروسية والإيرانية، ويضع كل منها شروطًا ويمارس الضغوط. فمثلًا تجد الفيلق الخامس مشروعًا روسيًّا بامتياز غير محصور بمنطقة معينة ويُعنى بضم مجموعات قتالية معارضة في مناطق المصالحات، وكذلك مجموعات تم تهميشها من قبل إيران، مثل الدفاع الوطني. وكذلك يعمل النظام على تقوية شبكات جديدة من رجال الأعمال (الفوز والقاطرجي مثالًا) وشبكات التهريب في مناطق القلمون وريف حمص والتي باتت تملك شبكة تتحكم بالمفاصل الأمنية في البلاد. ويتضح عبر تحليل سياسات النظام حول إعادة ترميم وتشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية، أنه لا توجد مؤشرات تدل على أنه يمتلك برنامجًا حقيقيًّا لـ"الهيكلة وإعادة الدمج"، بل هناك رغبة حذرة ومحدودة في كافة القرارات والتوجيهات الصادرة، ولا تزال تحافظ على الهيكلية القائمة والعقيدة القتالية والممارسات الوحشية والتركيز على هدف حماية النظام بشكل رئيس.

فقد اعتمد النظام بشكل انتقائي على بعض الجماعات دون الأخرى، فسمح لقوات النمر بمساحة وحرية للعمل باستقلالية عنه وبالتنسيق مع الروس، بينما تمت اعتقالات لقيادات بعض الميليشيات الأخرى الأصغر (مثلًا: صقور الصحراء التي يرأسها أيمن جابر تم التضييق عليها، بينما تم ضم كتائب الفضل بن العباس إلى ملاك أي إدارة الفرقة الرابعة بهدف ضمها ككيانات -وليس دمجها- في هيكلية الجيش)، تاركًا بذلك علامة استفهام كبيرة حول مصير الفصائل المتبقية. بالإضافة إلى ذلك، كانت مثل هذه الجهود في بعض الأحيان مقتصرة فقط على تصنيف الجماعات شبه العسكرية كقوى تابعة للجيش العربي السوري. وتقوم سياسات النظام على تجميع الميليشيات وليس دمجها وتشكيل جيش محترف، وهو ما يتقاطع مع ما تدفع إليه روسيا عبر تبنيها سياسة دمج المجموعات "المصالِحة" والمجموعات القوية إلى الفيلق الخامس والسادس. تكشف إجراءات النظام الحالية أنه غير جاد بعملية إعادة هيكلة شاملة لأن ذلك يقوض -حسب مخياله- صورته كمنتصر في هذا الصراع، وإنما يكتفي بإجراءات ضم وتجميع شكلي لبعض المجموعات بالتنسيق مع داعميها أحيانًا. ويبدو أن النظام لا يزال لا يرى ضرورة لتشكيل جيش محترف يتبع للدولة بإطار مدني، وإنما يحتاج إلى جيش يبقى أداة للسيطرة السياسية وحتى الاقتصادية.

كما لا تزال "محدودية القدرة" تفرض نفسها على منهجية إعادة التشكيل لدى النظام، وتجعلها محصورة في أوامر النقل والتعيين والتسريح؛ وهذا ما يوحي بأن التنافس الروسي-الإيراني على ملء مراكز القوة في الجيش (كالفرق المدرعة والاستخبارات الجوية والعسكرية والحرس الجمهوري وهيئة الأركان) هو المؤشر الأبرز لفهم مآلات ومخرجات تلك المنهجية. فمن زاوية مصالح النظام، فإن الاستنزاف يتطلب العديد من البرامج والسياسات المكلفة من حيث المال اللازم لإنجازها ومن حيث الجهود الإدارية والفنية التي لا تزال غائبة بحكم إدراك النظام لحجم الخسائر من جهة، وبحكم أنه ليس المتحكم والمقرر الوحيد في منهجية إعادة التشكيل والهيكلة بسبب وجود الروس والإيرانيين وتباين رؤاهم حول هذا الشأن.

وبهذا المعنى؛ فإن الهدف الأوضح للنظام هو زيادة الاهتمام ببيروقراطية الجيش، وهي المدخل الرئيس لفاعليته وتحكمه داخل الجيش. فتارة يستثمر ذلك في زيادة هوامش حركته، وتارة ثانية يجعل الجيش ورقة استثمار يطرحها ما بين الروس والإيرانيين كالاتفاق المبرم مع وزير الدفاع الايراني لإعادة بناء الجيش السوري(8) وقرار تشكيل الفيلق الخامس ومنح إدارته للجيش الروسي والشركات الأمنية المتعاقدة معه، وتارة ثالثة تُتيح له تدعيم شبكاته الأمنية والعسكرية المتحكمة بمسار مؤسستي الدفاع والأمن كالتعاون مع المخابرات الجوية ومنصب رئيس الأركان. بالمحصلة، يتجه النظام بحكم هذه القيود في مقاربته، نحو شكل هجين بين التصور الروسي والإيراني إضافة إلى تصوره للسيطرة المحكمة.

وفي هذا الصدد، لابد من إدراك حالة موضوعية في واقع مؤسسة الجيش السوري، وهي صعوبة العودة إلى جيش ما قبل 2011، لا من حيث القدرة النوعية ولا التمويلية ولا من حيث التماسك البنيوي، والذي يقوم في أساسه على "تحالف الأقليات" الذي صمَّمه حافظ الأسد(9). ويرى النظام ضرورة مقاومة سياسات التغيير الموضوعية وبالشروط الوطنية لأنها ستُفقده إحكام سيطرته على الجيش وتطويعه في صراعاته المحلية. 

من جانب آخر، فإن النظام استمر بفضل تموضعه في ظل واقع عسكري مشرذم منحه صفة الشرعية والسيادة، حيث تكونت ميليشيات سورية تتبع له وأخرى تتبع للروس وثالثة لإيران، وسيطرت على الطرق والمعابر ومسالك التهريب وتحكمت بمناطق إدارية وخطوط الإمداد. أما بعد هدوء الحرب نسبيًّا فسيُواجه سيناريوهات اللامركزية في إدارة وتوجيه مؤسستي الدفاع والأمن. فمن جهة أولى، لا تزال هناك أنماط مغايرة لتلك المؤسسات متحكمة بجزء مهم وحيوي من الجغرافية السورية، ومن جهة ثانية، تفرض متطلبات إدارة التباين الداخلي والميليشيات المتعددة سيرًا إجباريًّا باتجاهات أنماط عدم اللامركزية. وتشير سياسة النظام إلى أنه لن يركز على إنجاز كامل لعمليات الدمج والتفكيك وإعادة التأهيل "للميليشيات"، بل سيقتصر على بعض التسريحات وبعض التسهيلات التنموية المحدودة بهدف خلق "تجمع عصابات" داخل المجتمع. لقد أسهمت هذه المجموعات في فترة الحرب في دعم بقاء النظام وكان يُكافئها بمنحها الغطاء السياسي والقانوني ويشاركها العوائد المالية. أما بعد سكون معظم الجبهات عسكريًّا فسيواجه النظام مشكلة في مشاركته السلطات مع هذه المجموعات، وسيسعى إلى ضم بعضها واحتوائها رغم شح الموارد. وفي نفس الوقت قد يدفع الروس لنموذج "المناطق العسكرية" مما يقيد سلطات النظام مستقبلًا في استخدام بعض القطعات العسكرية لحماية بقائه.

ويمكن توصيف النظام في هذا الصدد بأنه لا يزال لا يرى ضرورة لتغيير جذري ويعتقد أنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية ولديه أدوات وتكتيكات لاستعادة السيطرة وفق مفهومه، ويمكن أن يؤجل ويماطل في الحل السياسي ريثما يزيد من قبضته الأمنية والعسكرية، وفي نفس الوقت يستثمر اختلاف الروس والإيرانيين حول هيكلية الجيش المقبلة لتوسيع سلطته.

وبناء على القدرة المحدودة للتشكل واستثماره سياسيًّا، يتجه النظام إلى تبني المنهجية التالية(10):

  1. تغييرات لشخصيات في مراكز القيادة: ومثال ذلك: تعيين قائد الحرس الجمهوري، اللواء طلال مخلوف، قائدًا للفيلق الثاني، وتعيين العميد مالك عليا، الذي كان يرأس منصب رئيس لجنة حلب الأمنية، بدلًا عنه، ويعتبر أحد أبرز الموالين للروس. وكذلك اللواء مراد خير بيك الذي تم تعيينه رئيسًا لأركان الفيلق الخامس، كما تم إبعاد مدير مكتب ماهر الأسد، العميد غسان بلال، في الفرقة الرابعة وذلك من خلال تسليمه قيادة أركان المنطقة الجنوبية. وطالت عملية التصفية كذلك: غرفة العمليات العسكرية بهيئة الأركان، والفيلق الأول، وكلية الحرب الإلكترونية، وبعض أفواج "الدفاع الجوي"، والمحاكم العسكرية، والخدمات الطبية.
  2. تأجيل تطوير رؤية وطنية متكاملة للتعامل مع الميليشيات ضمن خطة "إعادة التأهيل والدمج والتفكيك".  وهنا لا يملك النظام تصورًا متكاملًا عن كيف سيتعامل مع "الميليشيات"، فتارة يرى ضمها ككيان متماس تحت غطاء الجيش المركزي، وتارة يدفع لدمج أو إنهاء مجموعات قتالية، وتارة يفاوض قوات قسد مثلًا على انضمام أفرادها. كما لا يملك خطة لإعادة التأهيل وتمويل تلك العملية، وهل سيتم دمج الميليشيات في الجيش أو الأمن أو المؤسسات المدنية الأخرى، ولا خطة لنزع السلاح وإجراءاته.
  3. تدعيم مراكز القوة بقوة نوعية داخله، كتنظيم يحافظ على كيانه وعلاقاته مع الداعم الدولي وخاصة الإيراني رغم خضوعه نظريًّا وقانونيًّا لمؤسسة الجيش، وذلك وفق نموذج "حزب الله" اللبناني، مثل اللواء 313، ووحدات الدفاع المحلي.
  4. تغييرات روسية لبنية الجيش التنظيمية، تسعى من خلالها لتحويل الفيالق إلى قيادات مناطقية على غرار المناطق العسكرية في الجيش الروسي. ستُقيد هذه الخطة من قدرة الجيش السوري على إعادة التشكل والتعبئة العامة واستخدام المجموعات العسكرية المرتبطة بمنطقة إدارية محدودة في مناطق أخرى. أما الجانب الروسي، فيرى أن هذه الخطة ستخفف من الاحتقان المجتمعي وستحمي الأكراد وغيرهم من الأقليات مستقبلًا.
  5. ترتيبات "حذرة" في "الحرس الجمهوري"؛ باعتباره شبكة عسكرية–أمنية ومن أهم ركائز نظام الحكم. مثال ذلك، تعيين قائد الحرس الجمهوري اللواء طلال مخلوف (ابن خال بشار) قائدًا للفيلق الثاني، وتعيين العميد مالك عليا، الذي كان يرأس منصب رئيس لجنة حلب الأمنية بدلًا عنه، ويُعتبر أحد أبرز الموالين للروس، وكذلك اللواء مراد خير بيك الذي تم تعيينه رئيسًا لأركان الفيلق الخامس. كما تم إبعاد مدير مكتب ماهر الأسد، العميد غسان بلال، في الفرقة الرابعة وذلك من خلال تسليمه قيادة أركان المنطقة الجنوبية. وطالت عملية التصفية كذلك: غرفة العمليات العسكرية بهيئة الأركان، والفيلق الأول، وكلية الحرب الإلكترونية، وبعض أفواج "الدفاع الجوي"، والمحاكم العسكرية، والخدمات الطبية. يحاول النظام من خلال هذه الإجراءات، إظهار نفسه على أنه لا يزال المتحكم بالمفاصل وأنه يقود عملية إعادة "هيكلة وإصلاح إداري" وتغيير في الوجوه، وهي مهارة أكسبته وقتًا مع المجتمع الدولي، بينما في الحقيقة هي تبديل للوجوه بوجوه أكثر شراسة وولاء له في مواقع حساسة، وذلك لتنفيس أية محاولة مستقبلية لإصلاح حقيقي في هذه المؤسسات.
  6. تأجيل استبدال وإقالة القادة المدعومين من إيران أو روسيا، مثل: العميد سهيل الحسن، وفي هذا مداراة لهذه الدول الراعية ويتم تصديرها دائمًا بإطار أنها لا تزال تعمل تحت سيادة الدولة وأنها قادرة في أي لحظة على دمج هذه المجموعات إليه.
  7. إصدار مجموعة من الحوافز قصيرة الأجل لتسريح أو استقطاب أكبر عدد من المقاتلين الثوار، كتكتيك آني فرضته "موجبات" عودة السيطرة من بوابة "المصالحات".

في النهاية، تُمكِّن هذه المنهجية النظامَ من كسب مزيد من الوقت في مواجهة تحدي إعادة التشكل، وكذلك لاستعادة أنفاسه والمراوغة في تجنب أي تنازلات تؤثر في قبضته وبقائه في السلطة، لأن أي تنازل سيفقده عنصر السيادة والتحكم بمخرجات تلك العملية. فيقوم تارة بإجراءات شكلية في تغيير الوجوه والشخصيات، وتارة بجمع الميليشيات دون دمجهم وتارة بالسماح لبعض المجموعات بهامش معين لتمويلها من ممول خارجي صديق. كل هذه يتم استثمارها بهدف التأثير على شكل الحكم فيما بعد الصراع بشكل يستطيع النظام فيه التحكم بالشبكات غير المرئية والقوة الناعمة التي تُفشل أية محاولة حقيقية للإصلاح.

خاتمة

لا يزال النظام وحلفاؤه يرَون نهاية الصراع في سوريا عبر بوابة "المصالحات"، وليس عبر بوابة الاتفاق الدولي المفروض من مجموع الدول الفاعلة؛ ذلك أن المصالحة تُعيد بناء منظومة الجيش عبر عودة العنصر البشري، ولمن يسمح لهم النظام بالعودة بشروطه، فسكان العشوائيات -مثلًا- لا يحق لهم العودة لأماكن سكناهم لعدم توفر إثبات الملكية، وكذلك من تم تهجيرهم وتدمير منازلهم فهم يخضعون لقوانين جديدة لتنظيم الإسكان والمدن الجديدة.

ويحاول النظام احتواء المخاطر الناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، من خلال تبني سياسات وإجراءات تتصل بإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة توجيه الإنفاق العام، والدفع بإصلاح القطاع العام الاقتصادي. وقد أسهمت عدة منظمات دولية مؤخرًا بإعداد "الوثيقة التنفيذية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي"(11). ومما يُلحَظ غياب الاتفاق بين أجهزة الدولة على تعريف وآلية لتنفيذ الوثيقة، وهذا أحد الأساليب التي يتم لاحقًا التنصل فيها من استحقاق الإصلاح دون أن يتعرض النظام لضغط دولي يهدد كيانه. أضف إلى ذلك أن خطط الإصلاح المفرغة من عنصر الإلزام وتفصيل الآليات والأدوات لا تعالج مشكلة شيوع الفساد والافتقاد للموارد المالية والكوادر البشرية. كما تُظهر المعطيات تملص الحكومة من التزاماتها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية المدعومة كالمشتقات النفطية، في ظل بروز مؤشرات على عهد هذه المسؤولية للقطاع الخاص، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية في قطاعات عدة نتيجة لتحرير الأسعار، وإمكانية التلاعب بها من قبل هذا القطاع(12).

إن المشهد السوري بمناطق النفوذ الثلاثة، عدا عن التنافس الروسي-الإيراني في مناطق النظام، يجعل قدرة النظام على إبرام تسوية سياسية مستدامة -في حال توافرت الإرادة لديه- محدودة جدًّا. لكن النظام يعمل حاليًّا على كسب الوقت عبر إعادة هيكلة شكلية للجيش وإطلاق سلسلة من الاجتماعات واللجان للإصلاح الإداري، بهدف استعادة القبضة الأمنية وإعادة تجميع "الميليشيات" بشكل "تجمع ميليشياوي" وليس كجيش محترف. كما أن لدى النظام القدرة على تعطيل الحل الذي يُفرض عليه والتسويف واستثمار خلافات الدول حول التسوية وشكلها. إن هذه السياسات لدى النظام ستُبقي الأزمة في سوريا متأججة وغير مستقرة، وقابلة للاندلاع سواء بشكل العنف أو على الأغلب بصور أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية. فرغم عودة كثير من المناطق عبر "مصالحات" أو عبر الحل العسكري الصفري والتهجير القسري، لا يزال الفشل الحكومي والخدمي والأمني عنوانًا لهذه المناطق.

إن المحاولات لدفع مسار التسوية وفق مخيال النظام لن يوصل البلاد إلى حالة استقرار وسلام مستدام، من دون إصلاح حقيقي ينال الشبكات المتحكمة بالدولة والمجتمع والجيش والأمن. كما أن تمييع المسار الدولي عبر التهرب من تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخاصة 2254، أدى إلى إعطاء فرصة للنظام لأن يعيد تشكيل ذاته ضمن نفس المحددات والأساليب غير الدولتية التي عاش بها منذ تأسيسه وواجه فيها تحديات كبرى سياسية واقتصادية عبر استغلال اختلاف الدول الداعمة له.

وحسب المؤشرات الحالية، لا يبدو النظام راغبًا بتسوية أو إعطاء أي تنازلات بدون ضغط وتهديد وجودي حقيقي، وهذا ما لا يتوافر حتى الآن، وبالتالي سيسعى مع حلفائه لتصدير نفسه راعيًا لمصالحات "استسلامية" محلية وعودة "الشرعية"، وأنه المنصة المناسبة لإجراءات إصلاحية تجميلية لا تُغير من حقيقة وشبكات النظام المتحكمة داخليًّا وشبكاتها العابرة للحدود والقادرة على تفريغ أي تفاهم سياسي يتم. يبقى التحدي الأساس الذي قد يغيِّر المعادلة هو التحدي المالي والاقتصادي نتيجة العقوبات وتحديات بناء الدولة والسلام، خاصة مع الصعوبات المالية التي تعاني منها روسيا وإيران والتردد الصيني في الاستثمار غير المضمون، وهذا ما سيُبقي الاحتمالات القادمة لتطور الصراع مفتوحة وغير مستقرة.

المصدر مركز الجزيرة للدراسات: http://bit.ly/2QIlUYK


 

1-Jeffrey, James, Toward a New U.S. Policy in Syria Ground Zero for Countering Iran and Deterring an Islamic State Revival, The Washington Institute for Near East Policy, July 2018. (accessed 27 May 2019). https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/toward-a-new-u.s.-policy-in-syria-ground-zero-for-countering-iran-and-deter  

2- معن طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.

3- المرجع السابق.

4- الشرق الأوسط، سوريا: البحث عن إعادة إعمار سياسية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، العدد 14606، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2JRdE7l  

5- طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.

6- المرجع السابق.

7- معن طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.

8- فرانس 24، سوريا وإيران توقعان اتفاقية لإعادة "بناء الجيش السوري"، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2ooBhZ1  

9- طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، بتصرف.

10- المرجع السابق، بتصرف.

11- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر مارس/آذار 2019، مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019). https://bit.ly/2JtjTi8  

12- المرجع السابق.

 

ملخص تنفيذي

  • تظهر المؤشرات ازياد اعتماد الحكومة على القطاعات الريعية لتوليد الموارد المالية ورفد الخزينة العامة للدولة، ولهذا الاعتماد ما يفسره من أسباب أبرزها؛ الحاجة الماسة لتوليد الموارد المالية بأقل الكلف في ظل تزايد مطالب القاعدة الموالية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتأثير تحالف رجال الأعمال وأمراء الحرب ذوي الفلسفة الريعية على برنامج عمل الحكومة الاقتصادي.
  • اضطرت أزمة المشتقات النفطية النظام إلى خفض مخصصات حكومته للنصف للمرة الأولى، بما يعكس حجم الأزمة وشدتها، وبما يظهر جلياً انكشاف النظام على المستوى الاقتصادي، وضعف قدراته المالية، وضيق خياراته خارج الاعتماد على حلفائه.
  • لأزمة المشتقات النفطية أسباب عدة أبرزها، ممارسة إيران ضغوط على النظام لدفعه للاستجابة لعدة مطالب أبرزها؛ نيل حق استثمار مرفأ اللاذقية، وتسهيل انسيابية البضائع الإيرانية للسوق السورية، وخفض الدعم الحكومي للمشتقات النفطية الإيرانية الممولة من الخط الائتماني.
  • تظهر أدوات السياسة النقدية الحكومية تخبطها، وضعف قدرتها على ضبط حركة السوق المالية والسيطرة على سعر صرف الليرة السورية، هذا وتميل أولويات السياسة النقدية إلى تعزيز الاحتياطات المالية، عوض الاهتمام عن توظيف الفوائض المالية لدفع عجلة النمو الاقتصادي.
  • أدت المضاربات المالية وزيادة الطلب على القطع الأجنبي لتمويل المستوردات، فضلاً عن تراجع حركة الحوالات المالية الخارجية عقب سيطرة النظام على مناطق المعارضة في محيط دمشق والجنوب السوري وريف حمص الشمالي، إلى انخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، وما أحدثه ذلك من ارتفاع في أسعار السلع الأساسية والحد من القدرة الشرائية للسكان.
  • لا يعتبر إحداث المؤسسة السورية للحبوب ومقرها الحسكة إقرار النظام باللامركزية، أو تقديم تنازلات للإدارة الذاتية، بقدر ما يعكس توجه النظام لكسر احتكار الإدارة الذاتية لملف القمح، وزيادة الضغط على هياكلها الحوكمية.

الواقع الحوكمي والإدارة المحلية

تصدر ملفات أملاك محافظة دمشق، الطاقة والمشتقات النفطية، العمل التشريعي والإدارة المحلية برنامج عمل حكومة النظام السوري خلال شهر نيسان 2019.

قام رئيس الحكومة عماد خميس بجولة ميدانية شملت عدة أمكنة في محافظة دمشق، لتنتهي الجولة باجتماع عقده مع عدد من المعنيين في مجلس محافظة دمشق، تم خلاله إقرار منظومة للارتقاء بعمل القطاعات في المحافظة، ترتكز على تحسين الخدمات والتنمية البشرية والاقتصادية والبنية الاستثمارية، وتطوير واقع النقل والمدارس، وإنجاز المخططات التنظيمية لمناطق برزة والقابون وجوبر ومتابعة العمل بمشروع ماروتا سيتي، وتأمين السكن البديل عن طريق وزارة الأشغال العامة والإسكان، كما تقرر إجراء مراجعة شاملة لأملاك محافظة دمشق وإيقاف جميع مبيعات أملاك المحافظة، كذلك تشكيل فريق عمل لدراسة المشاريع والمباني الاستثمارية غير المكتملة لمعالجتها، ويأتي هذا التوجه في ظل تأكيد رئيس الحكومة خميس بأن دمشق من أغنى المدن في الشرق الأوسط وهي المخولة برفد الخزينة العامة للدولة.

تصدر ملف المشتقات النفطية والطاقة أولويات عمل مجلس الوزراء، حيث استعرض رئيس الحكومة واقع القطاع النفطي وأسباب أزمة المشتقات النفطية، كما أشار إلى دراسة حكومية لتحديد الكميات المخصصة من البنزين والمازوت التي ستقوم الحكومة بدعمها، كذلك نوه إلى انخفاض توليد الطاقة الكهربائية من 4000 ميغا واط في شهر تموز 2018 لتصل إلى 3000 ميغا واط بفعل انخفاض كميات المشتقات النفطية الواردة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.

أقر مجلس الوزراء الوثيقة الوطنية لصياغة التشريعات التي أعدتها اللجنة المشكلة برئاسة وزير العدل، بهدف تنظيم إصدار أي صك تشريعي ليكون وفق أسس وضوابط موحدة وواضحة ومنهجية متطورة بالصياغة والإعداد.

بالانتقال لملف الإدارة المحلية، أقر مجلس الوزراء برنامج العمل والآلية التنفيذية لرؤى ومقترحات الوزارات لتنفيذ التوجيهات التي أطلقها الأسد خلال لقائه رؤساء المجالس المحلية في شهر شباط 2019، حيث تضمنت الوثيقة محورين؛ الأول مجموعة الإجراءات الآنية للتواصل مع المواطنين من مجتمع أهلي وقطاع خاص وغيرهما، إضافة إلى مجموعة من السياسات التي سيتم تبنيها لتكون منهج عمل للمرحلة القادمة، الثاني مجموعة الإجراءات التنفيذية لمقترحات الوزارات وإسقاطاتها على شكل 32 برنامجاً ذا أولوية وموزعة على 6 محاور وفق ارتباطها بالسياسات والإجراءات والغايات الأساسية.

في سياق دعم مجلس الوزراء للوحدات الإدارية، وافق المجلس على منح مبلغ 11.3 مليار ل.س لجميع المحافظات بهدف دعم موازناتها المستقلة وتمكين الوحدات الإدارية من تنفيذ مشاريعها الخدمية والتنموية المتوازنة.

وفي إطار التعاون بين وزارة الإدارة المحلية والبيئة والأمم المتحدة، عقدت الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (برنامج الموئل)، ورشة عمل تدريبية بعنوان "وضع خطط استجابة الأحياء والتعافي المبكر" لعدد من الوحدات الإدارية في محافظات حلب وحماه وحمص، حيث قدم مدير برنامج الموئل في سورية عرضاً حول خطط البرنامج لدعم البلديات في المجالات الفنية لتطوير خطط الاستجابة والتعافي، واشتمل التدريب على محورين، الجانب الإداري كإعداد مؤشرات التنمية المحلية وإعداد خطة التنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية الموارد المالية للوحدات الإدارية، وقانون الإدارة المحلية 107، الجانب الفني والذي تضمن تعريفاً بمشروع دعم المكاتب الفنية في البلديات /MTOS/، وآلية رصد احتياجات المدينة من حيث المكونات والأدوات والطبقات والتطبيقات. كذلك عقد وزير الإدارة المحلية والبيئة مع المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مراد وهبة والوفد المرافق له التعاون القائم بين الجانبين من خلال اللجنة العليا للإغاثة التي تضم كافة الوزارات المعنية، كما بين الوزير الاحتياجات الأساسية في هذه المرحلة وهي إدارة النفايات الصلبة وتدوير الأنقاض وتأهيل الصرف الصحي والطاقات المتجددة وسبل العيش والمشاريع التنموية والدعم بالمعدات اللازمة.

أبرز معطيات الاقتصاد السوري

يتطرق هذا القسم إلى أبرز معطيات قطاعات الاقتصاد السوري، وفق منهجية تقوم على رصد القطاعات الأساسية واستعراض أبرز الأخبار المتداولة، واستخلاص المؤشرات النوعية منها.

المصارف والمؤسسات المالية

  • كشف وزير المالية عن مناقشة رفع رأسمال المصرف العقاري، لكي يتمكن من رفع سقف القروض السكنية، بما يتناسب مع واقع أسعار العقارات الحالي.
  • قال وزير المالية أن العمل جار لبحث قانونين للقطاع المصرفي، الأول فني متعلق بالتعديلات اللازمة لقانون التسويات 26 الذي سمح بجدولة القروض وإجراء التسويات عليها، أما القانون الثاني فهو خاص بإدارة المصارف العامة.
  • أعلن المصرف التجاري السوري عن معدلات جديدة للفوائد على الودائع بالعملات الأجنبية، وحدد المصرف في قراراه معدل الفائدة على الوديعة بالدولار لمدة شهر بـ 3.50 % ولمدة ثلاثة أشهر بـ 3.61 % ولمدة ستة أشهر بـ 3.68 % ولمدة 12 شهراً بـ 4.50 %، في حين حدد معدل الفائدة على الوديعة باليورو لمدة ستة أشهر بـ 0.70 % ولمدة 12 شهراً بـ 1.71 %.
  • أوصى مجلس إدارة بنك سورية الدولي الإسلامي الهيئة العامة لمساهمي البنك بتوزيع أرباح على المساهمين بنسبة 9.47% من رأس مال البنك القائم نهاية عام 2018، على شكل أسهم منحة ليصبح رأس مال البنك عقب هذه الزيادة 15 مليار ل.س.
  • كشف مدير عام المصرف العقاري مدين علي أن المصرف استطاع تسوية نحو 90% من ملفات كبرى القروض المتعثرة.
  • كشف مدير عام المصرف التجاري السوري علي يوسف عن موافقة مصرف سورية المركزي على حزمة من المنتجات المصرفية ذات الطابع الاستثماري وأبرزها؛ قرض إعادة تشغيل المنشآت الصناعية بسقف 5 مليارات ل.س، قرض لتمويل الوحدات السكنية بسقف يصل لمليار ل.س، إضافة لقرض خاص لتأهيل المساكن المتضررة خلال سنوات الحرب.
  • كشف مصدر في المصرف العقاري عن استعداد المصرف لتوظيف 155 مليار ل.س في السوق المصرفية، وأفاد المصدر عن ارتفاع أرصدة الودائع والحسابات الجارية للمصرف لتصل إلى 405 مليارات ل.س موزعة على؛ 258،774 مليار ل.س حسابات جارية، وأكثر من 73 ملياراً و167 مليون ل.س ودائع لأجل، في حين تجاوزت ودائع التوفير مبلغ 58 ملياراً و192 مليون ل.س، وبالعملة الأجنبية مقومة بالليرة، فقد سجلت الحسابات الجارية مبلغ 3 مليارات و60 مليون ل.س، بينما وصلت مبالغ الودائع لأجل إلى ما يقارب 12 مليار ل.س، في حين بلغت كتلة الديون المنتجة 55 ملياراً و894 مليون ل.س.

المالية العامة

  • ذكر مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد" في تقرير له عن تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، حيث سجل 545 ل.س للشراء و550 ل.س للمبيع مقابل الدولار الأمريكي.
  • كشف رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد برق عن ارتفاع الفساد المالي بنسبة تصل إلى حوالي 56% بين عامي 2017 و2018، بقيمة تصل إلى 11.88 مليار ل.س.
  • أعلنت مصادر في الجمارك تنظيم 700 قضية تهريب على مدار شهرين من انطلاق حملة مكافحة المواد المهربة، تجاوزت قيمتها 5.5 مليارات ل.س.
  • كشف مدير مالية ريف دمشق عامر مكي عن ارتفاع معدل التحصيلات الضريبية منذ عام 2014 بنسبة 400%.
  • كشف رئيس الحكومة عن ارتفاع عدد المكلفين ضريباً خلال الأشهر الماضية من 25 ألف إلى 400 ألف.

النقل

  • أعيد افتتاح مركز الانطلاق الموحد عند مدخل مدينة درعا الشرقي، يذكر بأنه وخلال السنوات السابقة تم اعتماد كراج مؤقت يقع بالقرب من مديرية الصحة بدرعا.
  • أصدرت وزارة النقل قراراً أنهت بموجبه إعفاء السيارات الشاحنة السعودية المحملة والفارغة الداخلة والخارجة إلى الأراضي السورية وكذلك العابرة (ترانزيت) من كل الرسوم والضرائب.
  • كشف مدير النقل الطرقي في وزارة النقل محمود أسعد عن مطالبة شاحنات نقل تركية عبر كتب رسمية بالسماح لهم بمرور الترانزيت من سورية، في حين أشار رئيس اتحاد شركات شحن البضائع الدولي في سورية صالح كيشور عن انخفاض أسطول الشحن السوري بنسبة 60% خلال سنوات الأزمة.

الزراعة

  • صدر القانون رقم 11 القاضي بإحداث مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي تسمى المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب (السورية للحبوب) ومقرها مدينة الحسكة.
  • بلغ حجم تخزين سدود محافظة الحسكة أكثر من 724 مليون متر مكعب بزيادة قدرها 611 مليون متر مكعب عن تخزين العام الماضي، حيث بلغت سدود الشهيد الباسل والسفان والجوادية والحاكمية حدها الأعظمي من التخزين، بينما ارتفع مخزون سد الحسكة الشرقي بعد أن عانى من الجفاف منذ 2013.
  • كشف رئيس وزراء حكومة النظام عن مبلغ الدعم المباشر المقدم من الحكومة للحمضيات منذ نهاية 2016 وحتى نهاية 2018، حيث بلغ 5 مليارات ل.س، في حين قدمت الحكومة دعم غير مباشر للحمضيات هذا الموسم عن طريق دعم تصدير هذه المادة.
  • أشار عبد المعين قضماني مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة إلى زيادة المساحات المزروعة بالقمح والشعير للموسم الحالي مقارنة مع الموسم السابق، حيث بلغ إجمالي المساحة المزروعة بالقمح نحو 1352662 هكتاراً يقابلها 1102060 هكتاراً في الموسم السابق، فيما بلغ إجمالي المساحات المزروعة بالشعير 1450000 هكتار يقابلها 1194091 هكتاراً في الموسم السابق.
  • أطلقت وزارة الزراعة مشروع تطوير الثروة الحيوانية وذلك من خلال برنامج قائم على ثلاثة محاور، إيجاد نظام وطني لترقيم الحيوانات ومراقبة إنتاجها وتكاثرها، وعمليات التسويق والولادات وتحسين الوراثة، يذكر بأن المشروع سيستهدف 1260 قرية خلال 8 سنوات.
  • أوضح معاون مدير عام الشركة العامة لصوامع الحبوب حسن المصري أن عدد الصوامع الموجودة 32 صومعة، يوجد منها في الخدمة 11 صومعة فقط بطاقة استيعابية 3 ملايين طن موزعة على مناطق؛ السبينة وحمص وشنشار وطرطوس وتلكلخ وكفربهم.
  • كشف معاون مدير عام الشركة العامة لصوامع الحبوب حسن المصري عن تأهيل صومعة عدرا في ريف دمشق بتكلفة 712 مليون ل.س، وصومعة تل بلاط في ريف حلب بتكلفة 560 مليون ل.س.
  • قامت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بتأهيل 94 بئر، وتأمين أكثر من 434 خزاناً لمياه الشرب النظيفة سعتها الاجمالية 1500 متر مكعب في منطقة الغوطة الشرقية.
  • كشف رئيس اتحاد النحالين العرب في سورية إياد دعبول عن خسارة ما يقارب 70% من الثروة النحلية خلال سنوات الأزمة.
  • أقر المؤتمر السنوي للحبوب الإجراءات اللازمة لضمان استلام محصول الحبوب من الفلاحين، كذلك رصد مبالغ مالية إضافية لاستلام كامل محصول القمح، كما تقرر منح سلفة أولية للمصرف الزراعي بقيمة 25 مليار ل.س لدفع المبالغ المستحقة للفلاحين.

التجارة والصناعة

  • تمكنت الشركة العامة للمنتجات الحديدية والفولاذية في حماة من بيع 1400 طن من الحديد المبروم لجهات القطاع العام، وذلك عقب تخفيض سعر الطن من 305 ألف ل.س إلى 295 ألف ل.س.
  • أقر مجلس الوزراء قائمة المستوردات التي حددتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لتأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين والمواد الأولية اللازمة للصناعة بالسعر الرسمي.
  • كشف وزير الصناعة محمد جذبة أن عدد المنشآت التي عادت للعمل في محافظة حلب 16200 منشأة، منها 15545 منشأة في المدينة، و575 منشأة في مدينة الشيخ نجار الصناعية.
  • بلغ حجم الاستثمار في مدينة الشيخ نجار الصناعية144 مليارات ل.س خلال الربع الأول من 2019، هذا وقد تجاوز حجم الاستثمار التراكمي من تاريخ تأسيس المدينة حاجز 226 مليار ل.س.
  • كشف عضو غرفة تجارة دمشق منار الجلاد أن أكثر من 70% من أرقام التصدير تعود لمصدرين صغار لا يشملهم الدعم الحكومي.
  • بلغ عدد المنشآت الحرفية والصناعية المنفذة في محافظة درعا خلال الربع الأول من 2019 نحو 27 منشأة هندسية وكيميائية وغذائية ونسيجية برأسمال قدره 768.103 مليون ل.س، وفرت نحو 99 فرصة عمل.
  • كشف مدير غرفة تجارة دمشق عامر خربوطلي عن انخفاض أعداد المنتسبين والمسددين لرسومهم من التجار من 9789 تاجر خلال الفترة من 08-01-2018 ولغاية 28-02-2018، إلى 5232 تاجر خلال الفترة نفسها من عام 2019، بانخفاض نسبته قريبة من 47%، الأمر الذي أدى إلى انخفاض إيراد الغرفة من 121.7 مليون ل.س لتصل إلى 36 مليون ل.س.
  • حصرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية استيراد الأقمشة المصنرة من جميع البنود الجمركية وجميع النمر بأصحاب المنشآت الصناعية القائمة، وكانت الوزارة سابقاً تسمح للتجار إضافة للصناعين باستيراد هذه الأقمشة، يذكر بتواجد 1200 معمل متخصص في صناعة الأقمشة المصنرة في حلب، منها 200 معمل قيد العمل و300 معمل تم تأهيله و700 قيد التأهيل.
  • بلغت إجمالي قيمة الصادرات منذ بداية 2019 ولغاية بداية شهر نيسان الحالي من خلال معبر نصيب الحدودي أكثر من مليار ل.س، واشتملت الصادرات على المواد الزراعية والغذائية، أما الأسواق المستهدفة بالتصدير فكانت الأردن والسودان ودول الخليج والعراق.
  • كشفت نتائج المسح الديمغرافي الاجتماعي المتكامل المتعدد الأغراض (2017-2018) الذي نشره المكتب المركزي للإحصاء عن متوسط الإنفاق الشهري للأسرة السورية والذي بلغ 115.9 ألف ل.س، منها 58.5% للغذاء، كما بين المسح أن حوالي 28.7% غير آمنين غذائياً، و38.1 % معرضون لانعدام الأمن الغذائي، و33.2% آمنون غذائياً، كما لوحظ بأن أعلى نسبة للأمن الغذائي كانت في دمشق بمعدل 48 %، وأقلها في حماة بنسبة 11%.
  • بلغ عدد طلبات تسجيل العلامات التجارية والصناعية 2030 علامة خلال الربع الأول من 2019، بزيادة نحو 30 % مقارنة بالفترة نفسها للعام الماضي.
  • كشف تقرير صادر عن مديرية المدن والمناطق الصناعية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة عن تواجد 15 منطقة صناعية وحرفية موضوعة للاستثمار موزعة على المناطق الصناعية في المحافظات، كما أفاد التقرير بتخصيص 25 مليار ل.س من الموازنة الاستثمارية للعام الحالي للمساهمة في إنشاء مناطق صناعيةٍ وحرفيةٍ.
  • كشف زياد عربو رئيس غرفة صناعة حماة أن عدد المنشآت التي انتسبت للغرفة خلال العام 2018 أكثر من مئة ليصبح العدد الكلي للمنشآت الصناعية العاملة في المحافظة 1626 منشأة موزعة على مختلف القطاعات.
  • أعلن الترخيص لبناء 11 معمل لإنتاج الدواء والمستحضرات الطبية في محافظة طرطوس، دخل 4 منها حيز التنفيذ.
  • كشف رئيس الحكومة خميس عن إطلاق 423 مشروعاً متوسطاً فما فوق خلال العامين الماضيين، كذلك إطلاق نحو 9 آلاف مشروع عبر الوحدات الإدارية، وعدد آخر من المشاريع الصغيرة.

الطاقة والكهرباء

  • حددت وزارة النفط والثروة المعدنية شريحة الدعم من مادة البنزين عبر البطاقة الذكية حسب نوع الآليات، على أن يتم بيع كل كمية فوق الكمية المحددة بشرائح الدعم بقيمة 375 ل.س لكل ليتر بنزين، علماً بأن هذا السعر متغير وفقاً لسعر التكلفة.
  • قرر مجلس الوزراء خفض كميات البنزين المخصصة للآليات الحكومية بنسبة 50% ووضع محطات وقود متنقلة وتشغيل المحطات المتوقفة بإشراف مباشر من وزارة النفط والثروة المعدنية، يذكر بأن قيمة دعم المشتقات النفطية قد بلغت نحو 430 مليار ل.س في موازنة 2019.
  • كشف معاون وزير الكهرباء نضال قرموشة عن توجه الوزارة لإتمام تنفيذ محطة توليد اللاذقية الجديدة باستطاعة 540 ميغا، كذلك تنفيذ التوسع الثاني لمحطة "دير علي" باستطاعة 750 ميغا، فضلاً عن تأهيل مجموعتين غازيتين الثانية والثالثة في التيم بدير الزور، والمجموعات البخارية في تشرين. كما كشف عن دراسة عروض لإصلاح بعض المحطات والتفاوض لإعادة تأهيل محطة توليد حلب الحرارية.
  • كشف تقرير صحفي عن حجم استهلاك المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام من المشتقات النفطية، حيث بين التقرير استهلاك نحو 4.5 مليون ليتر من البنزين و6 مليون ليتر من المازوت يومياً، إضافة إلى 7000 طن من الفيول و1200 طن من الغاز، وقدر التقرير فاتورة الحكومة اليومية بـ 8 مليون دولار أمريكي لتأمين هذه المشتقات أي ما يقارب 200 مليون دولار أمريكي شهرياً. أما عن حجم الإنتاج المحلي، فبلغ إنتاج النفط نحو 24 ألف برميل يومياً (الحاجة يومياً نحو 136 ألف برميل)، كما كشف التقرير عن توقف الخط الائتماني الإيراني منذ تاريخ 15-10-2018.
  • انخفض الإنتاج الكلي لمجموعات توليد الكهرباء في بانياس بسبب أزمة المشتقات النفطية من 550 ميغا واط يومياً إلى نحو 250 ميغا واط.

العمل

  • أصدر مجلس الوزراء قراراً بفرز 5861 مهندساً إلى الجهات العامة من خريجي الدورة الأولى والثانية والتكميلية لعام 2016-2017.
  • كشف مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل محمود دمراني عن تعديل عدة بنود من قانون العمل رقم 17 لعام 2010، كما أفاد بتسجيل نحو 240 ألف عامل في القطاع الخاص في التأمينات الاجتماعية منذ شهر أيلول 2018 ولغاية شهر نيسان 2018.

الإسكان

  • من المقرر انطلاق فعاليات المعرض السوري الدولي للاستثمار العقاري والتطوير العمراني بدورته الأولى الذي تقيمه الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري بالتعاون مع شركة رؤيا لتنظيم المعارض والمؤتمرات على أرض مدينة المعارض بدمشق.
  • كشف مدير التسليف في المصرف العقاري أكرم درويش عن منح قرض بقيمة 4.5 مليار ل.س ومعدل فائدة قدره 8% سنوياً لمدة 10 سنوات، لمؤسسة الإسكان العسكري لاستكمال إنشاء ضواحٍ سكنية.
  • أعلنت المؤسسة العامة للإسكان التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان اتخاذها كافة الاجراءات القانونية الأصولية اللازمة لإعادة تفعيل العمل بعقود التنفيذ المتعثرة للمساكن العمالية المبرمة مع المتعهدين من القطاع الخاص.
  • بلغ عدد الأبنية المزالة في مدينة حلب بموجب تقارير لجان السلامة العامة 436 بناء، وهي نتاج العقود الخمسة التي وقعها مجلس مدينة حلب مع مؤسسة الإسكان العسكرية فرع (3).
  • اعتمد المجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي برئاسة رئيس الحكومة البرنامج التنفيذي والزمني للمرحلة الأولى لوثيقة التوجهات الأساسية للإطار الوطني للتخطيط الإقليمي والذي يتضمن، إعداد دليل دراسات التخطيط المكاني، إضافة إلى مشروع تحديث وتطوير مسودة الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، وإعداد الخارطة الوطنية للسكن والإسكان باعتبارها تشكل أولوية في مرحلة إعادة الإعمار.

السياحة

  • بلغ عدد القادمين في 2018 من سياح وزوار اليوم الواحد والمقيمين نحو8 مليون قادم بزيادة قدرها 40% عن 2017، هذا وقد بلغ عدد السياح العرب 1.6 مليون قادم، أما الأجانب فبلغ عددهم 181 ألف قادم، وقد جاء القادمين اللبنانيين في مقدمة القادمين العرب بنسبة 71%، يليهم العراقيين بنسبة 10.8%، في حين احتل الأردنيين المرتبة الثالثة بنسبة 6.1%، بالمقابل زادت حركة القادمين الإيرانيين بنسبة 54% خلال عامي 2017-2018، أما السياح الروس فبلغت نسبتهم 2.4% من العدد الكلي للقادمين سنة 2018.
  • قام عباس أكبري ممثل إيران للتعاون الاقتصادي بزيارة لوزير السياحة محمد رامي رضوان مرتيني بهدف تنشيط العلاقات السياحية السورية الإيرانية، والاطلاع على الفرص الاستثمارية في سورية تنفيذاً للاتفاقية الموقعة عام 2015 التي تتضمن التعاون بين الجانبين في مجال الاستثمار والتطوير السياحي.

إعادة الإعمار والعلاقات الاقتصادية

واصلت حكومة النظام عقد لقاء "الأربعاء الاستثماري" خلال شهر نيسان، حيث نجم عن اللقاء تكليف عدد من الوزارات والهيئات الحكومية عقد اجتماع مشترك لدراسة مذكرة هيئة الاستثمار السورية المتعلقة بالتفويضات والصلاحيات الممنوحة لممثلي الوزارات لدى الهيئة، لتقديم جميع الخدمات والوثائق والتراخيص اللازمة للمستثمرين، ولفت مدير هيئة الاستثمار مدين دياب بأن المرحلة التالية لانتهاء التفويضات من جميع الوزارات ستكون العمل على تأهيل الشبكة وإنجاز الربط الشبكي مع جميع الوزارات للوصول إلى المرحلة الثالثة، والتي تتضمن حصر الخدمات وأتمتها وفق نظام استثماري واحد في الهيئة وجميع الوزارات المعنية بالاستثمار، بحيث يصبح هناك إضبارة واحدة متكاملة مشتركة للمشروع في الجهات كافة، كذلك أشار مدين دياب إلى افتتاح فرع لهيئة الاستثمار في محافظة حلب، على أن يتم افتتاح فرع آخر في محافظة حمص.

صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 34 شركة في شهر نيسان 2019، عرف منها الشركات التالية بحسب ما هو مرفق بالجدول.

 

فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين روسيا والنظام السوري، قال وزير النقل السوري بأن عقد استثمار وإدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس سيوقع مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية الخاصة "STG-ENGINEERING"، على أن يستمر عقد الاستثمار للمرفأ لمدة 49 عاماً بحسب بنود الاتفاق الذي كشفه موقع قناة تلفزيون سوريا، كما أشار نص الاتفاق المسرب إلى تقاسم الأرباح بين الطرفين بنسبة 35% للجانب السوري، و65% للجانب الروسي، إضافة إلى التزام الجانب الروسي المشغل للمرفأ بتوظيف ما نسبته 85% من العمالة في المرفأ من السوريين.

عقد في شهر نيسان عدة فعاليات ولقاءات بين رجال الأعمال الروس والسوريين، حيث شاركت 15 شركة سورية من أصل 1.700 شركة عربية في معرض "أرابيا اكسبو 2019" الذي أقيم في موسكو، كما زار وفد مكون من 28 شخصية ورجل أعمال ومسؤول حكومي سوري شبه جزيرة القرم للمشاركة في "مؤتمر يالطا الخامس الاقتصادي الدولي"، وفي السياق نفسه، زار وفد من "جمهورية القرم الروسية" محافظة اللاذقية بهدف التعرف على مجالات التعاون الممكنة ولا سيما في مجال تأهيل الكوادر والبحث العلمي وخاصة في القطاع الزراعي، كما اشتملت زيارة الوفد الروسي على عدة مواقع سياحية في المحافظة منها؛ كسب والسمرا وبحيرة سد بللوران ومحمية العزر.

بالانتقال إلى العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري، صادقت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم للتعاون في مجال الأشغال العامة والإسكان الموقعة مع وزارة الطرق وبناء المدن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق بتاريخ 28-01-2019، وفي إطار الزيارات واللقاءات المتبادلة، بحث وزير الصناعة محمد جذبة مع السفير الإيراني بدمشق جواد ترك آبادي  آليات تطوير التعاون المشترك بين البلدين في مجال الصناعة، حيث أشار السفير الإيراني إلى أن الشركات الإيرانية ستعمل ضمن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مجالات كثيرة ومنها إعادة تأهيل الشركات الصناعية العامة، بالمقابل أكد وزير الصناعة على ضرورة وضع برنامج زمني للانطلاق وتطبيق الخطوات المتفق عليها بين الجانبين، خصوصاً في مجال تصنيع الأدوية النوعية بالتعاون مع شركة "تاميكو"، ومعمل الألبان والأجبان في القنيطرة ومعمل العصائر في اللاذقية.

كذلك وفي السياق نفسه، قام وفد من رجال الأعمال السوريين برئاسة سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها بزيارة إلى إيران، حيث التقوا مع عدد من المسؤولين الإيرانيين  عرف منهم؛ رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية العراقية دانئي فر، ومعاون وزير الاقتصاد والمالية الإيراني مدير عام الجمارك الدكتور مير أشرفي، ومساعدة الرئيس الإيراني رئيسة منظمة المعايير القياسية نيره بيروز بخت، ومعاون وزير الصناعة الإيراني فرشاد مقيمي، هذا وقد تطرقت المباحثات بين الجانبين السوري والإيراني إلى كيفية تسهيل انسياب حركة البضائع بين الجانبين.

في سياق الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين، أشار معاون مدير عام الشركة العامة لصوامع الحبوب حسن المصري بعدم تواجد أي عقود مبرمة حالياً مع الجانب الإيراني لتأهيل الصوامع، كاشفاً عن مقترح تم إعداده قبل عام لإعادة تأهيل صومعة اللاذقية من قبل الجانب الإيراني وذلك عن طريق الخط الائتماني الإيراني، ولكن التوجه الحكومي جاء بالتريث، كذلك افتتح وزير الصناعة السوري في مقر الشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية "سيرونيكس" خط تجميع الشاشات وأجهزة الإرسال الرقمية بطاقة إنتاجية تصل إلى 40 جهازاً يومياً، هذا ويذكر بأن شركة سيرونيكس قد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة "شهاب" الإيرانية للصناعات الالكترونية تقضي بالتعاون لتوريد مكونات الشاشات التلفزيونية لتصنيعها لدى "سيرونيكس" والاستفادة عبر خط التسهيلات الائتماني الإيراني الثاني.

شارك عدد من الشركات الإيرانية في معرض "سيريا هيلث 2019" الذي أقيم على أرض مدينة المعارض بدمشق، والذي نظمته شركة فقيه غروب بمشاركة نحو 90 شركة محلية وعربية، وقد عرف من الشركات الإيرانية؛ شركة "إحيا ديرمان" الإيرانية التي تعمل في مجال المنافس وأجهزة التخدير وأجهزة الطبقي المحوري وهي تغطي أكثر من 80% من احتياجات السوق الإيراني، كذلك شركة "زردبند" الإيرانية. وفي السياق نفسه، شاركت عدة شركات إيرانية في معرض حلب الدولي بنسخته الثانية، الذي أقيم في المدينة الرياضية بالحمدانية بمشاركة ما يقارب 500 شركة من مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، هذا وقد عرف من الشركات الإيرانية المشاركة في المعرض؛ Pirouz STO، بارزكاني شهيدي "شهيدي للتجارة"، شركة أبان بسبار توسعة، شركة فرشاد للتجارة، شركة Saf Noosh، سبلان سوله کاران، Nik polymer، السفارة الإيرانية، شركة الأنظمة للحلول الذكية التي تساهم فيها شركة "رايان كستر إيرانيان توانا" الإيرانية، إضافة للمستثمرين السورين بشان عون ومضر عباس، مركز الثقلين الخيري، Palaz Moket، حلويات سوهان الإيرانية.

فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين حكومة النظام السوري والدول الصديقة، بحث وزير النقل السوري علي حمود مع السفير الصيني بدمشق فنغ_بياو سبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، حيث أكد الوزير على ضرورة تشجيع وتحفيز الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين الصينيين لدراسة مشاريع "النقل "في سورية ومنها؛ إنشاء مدينة صناعات بحرية في موقع عرب الملك بين طرطوس واللاذقية، مشروع تنفيذ طرق_ دولية (شمال -جنوب) وطريق (شرق-غرب)، مشروع قطار الضواحي الذي يربط مدينة دمشق بالمناطق المحيطة بها، من جانبه قدم السفير الصيني رؤية للاستثمارات الممكنة في قطاعات النقل وضرورة زيادة التبادل التجاري مع الصين، ومشاركتها في إعادة الإعمار في سورية. وعن العلاقات الاقتصادية البينية بين حكومة النظام السوري والعراق، عقدت الدورة التاسعة للجنة الوزارية السورية العراقية المشتركة في دمشق، حيث تم في نهاية انعقاد اللجنة التوقيع على محضر الاجتماعات الذي شمل مختلف قطاعات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والصحة والسياحة والمجالات الأخرى، ويأتي انعقاد هذه اللجنة عقب مضي ثماني سنوات على انعقاد الدورة الثامنة في عام 2011، هذا وقد أشار مدير عام الشركة العامة للسكك الحديد العراقية طالب الحسيني في بيان صدر على هامش اجتماع اللجنة المشتركة بين العراق وسورية، إلى التنسيق مع الجانبين السوري والإيراني لبحث إمكانية تنفيذ الربط السككي بين البلدان الثلاثة (عكاشات -التنفس- خنيفيس)، استكمالاً لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الثنائي المنعقد بتاريخ الخامس من تموز عام 2014.

خلاصة تحليلية

تظهر المعطيات الاقتصادية  ازدياد اعتماد النظام على الريع لتوليد الموارد المالية ورفد الخزينة العامة للدولة، ويأتي هذا الاعتماد في ظل حاجة النظام الماسة للموارد المالية المولدة بسرعة ودون كلف لتغطية التزاماته، سيما في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتزايد مطالب قاعدته الموالية، وتشديد العقوبات الغربية والأمريكية عليه، فضلاً عن تأثير تحالف رجال الأعمال وأمراء الحرب المفضلين للعمل في القطاعات الريعية المدرة للربح السريع (العقار، التجارة) على أجندة الحكومة الاقتصادية، ويظهر الاعتماد الحكومي على الريع بشكل جلي في طريقة عمل حكومة النظام، حيث عملت على إعداد البيئة القانونية التي تمكنها من التحكم بالقطاع العقاري ومن أبرز هذه القوانين القانون رقم 10، كذلك قامت بإعادة النظر ببدلات استثمار أملاك الدولة، وفي هذا السياق يمكن فهم تعويل رئيس الحكومة عماد خميس على أملاك محافظة دمشق لرفد الخزينة العامة للدولة والاستعجال في إخضاع مناطق جديدة للتنظيم وفق القانون رقم 10 كــ جوبر والقابون، إضافة إلى عرض المنشآت الحيوية كالمرافئ والمطارات والموارد المعدنية والبترولية للاستثمار من قبل شركات أجنبية تتبع لحليفيه روسيا وإيران، كما حصل في منح شركات روسية حق استثمار مرفأ طرطوس وقبلها استثمار مناجم الفوسفات، وما يشاع عن منحها أيضاً عقد استثمار مطار دمشق الدولي.

أظهرت أزمة المشتقات النفطية هشاشة النظام الاقتصادية، وضعف قدرته على تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان المتواجدين في منطقة سيطرته، فضلاً عن ضيق خياراته خارج الاعتماد على حلفائه، وقد طالت أزمة المشتقات النفطية وللمرة الأولى الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها، واضطرتها إلى خفض احتياجاتها من المشتقات النفطية للنصف، الأمر الذي يعتبر مؤشراً على حجم الأزمة وشدتها، وترجع مصادر خاصة أزمة المشتقات النفطية بأحد أسبابها الرئيسية إلى  ضغوط تمارسها إيران على النظام لدفعه للاستجابة إلى مطالب عدة قبيل إعادة تفعيل الخط الائتماني؛ 1) الحصول على حق استثمار وإدارة مرفأ اللاذقية، حيث أشارت صحيفة الجريدة إلى توقيع اتفاق إدارة واستثمار المرفأ بالأحرف الأولى بين الجانبين السوري و الإيراني، على أن تتولى وزارتي النقل والاقتصاد الإيرانيتين إدارة هذا الملف عوضاً عن الحرس الثوري المستهدف بالعقوبات الأمريكية، 2) إتاحة السوق السورية أمام البضائع الإيرانية وما يستلزمه ذلك من رفع الحواجز الجمركية ومنح تسهيلات بيروقراطية، فضلاً عن محاربة البضائع التركية المهربة المنافسة للبضائع الإيرانية، وهو ما يفسر الحملة التي شنتها إدارة الجمارك على البضائع التركية المهربة في الفترة الأخيرة، 3) التوقف عن بيع النفط الإيراني للشعب السوري بالسعر المدعوم، بالوقت الذي تعاني فيه الحكومة الإيرانية من ضغوط اقتصادية ومطالب شعبية، وفي هذا السياق ظهرت مؤشرات على تملص الحكومة بشكل تدريجي من دعم المحروقات عبر تحديد كميات المشتقات النفطية التي سيشملها الدعم الحكومي، على أن يتم بيع الكميات الأخرى خارج هذه الشرائح بحسب السعر العالمي.

تظهر المؤشرات مساعي النظام الرامية إلى تعزيز احتياطاته المالية من القطع الأجنبي، من خلال رفع المصارف الحكومية العامة معدلات الفائدة على الودائع بالقطع الأجنبي، وتسهيل عملية فتح الحسابات وقبول الودائع بالقطع الأجنبي في هذه المصارف، وإمكانية سحب مستحقاتها من الفوائد بالعملة نفسها. ويرتبط هذا مع التوجه الذي قام به المصرف المركزي مؤخراً، بقبوله توظيف ما يفيض عن حاجة المصارف العاملة في سورية من ودائع المتعاملين بالقطع الأجنبي لاستثماره لديه إلى جانب شهادات الإيداع شريطة أن تبدأ الوديعة بمليون دولار أمريكي أو يورو، والتي تفسر في أحد جوانبها كإجراء تقوم به الحكومة لجذب أموال السوريين من الخارج.

وفي جانب أخر وفي سبيل تعزيز السيولة المالية للمصارف الحكومية بالليرة السورية، تقوم هذه المصارف بالعمل على معالجة ملفات القروض المتعثرة، من خلال تحسين عمليات الجدولة والتسوية مما أسهم في رفع مستوى التحصيل لديها، إلى جانب قيامها كذلك بإصدار شهادات الإيداع بالليرة السورية لتعزيز هذه السيولة، وعلى الرغم مما تحقق من فوائض في السيولة المالية لدى المصارف الحكومية والخاصة بحسب البيانات الحكومية (قدرت بــ 1500 مليار ل. س في نهاية 2018)، إلا أن المصارف لم تتمكن من استثمار هذه الفوائض وتوظيفها، لأسباب ترتبط بالانخفاض الحاد في مستوى الإقراض لديها، وعزوف نسبة كبيرة من الصناعيين والتجار وغيرهم من الفئات الأخرى عن الاقتراض بسبب غياب البيئة الآمنة للاستثمار، فضلاً عن التعقيدات البيروقراطية وإجراءات منح القروض بعد ارتفاع نسبة القروض المتعثرة في السنوات الأخيرة. 

شهد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار تراجعاً ملحوظاً في شهر نيسان، حيث تخطى سعر الصرف حاجز 550 ل.س في السوق السوداء لأول مرة منذ نيسان2017، وقد عزا خبراء هذا الانخفاض إلى المضاربات على الليرة السورية، فضلاً عن زيادة الطلب على الدولار من أجل تمويل عمليات استيراد الاحتياجات الأساسية سيما المشتقات النفطية، إضافة إلى تراجع الحوالات المالية من الخارج عقب استعادة النظام السيطرة على مناطق المعارضة في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي والجنوب السوري، يضاف لما سبق المخاوف الناجمة عن الوضع الأمني والعقوبات المفروضة على النظام السوري، وقد أدى انخفاض سعر صرف الليرة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، فضلاً عن الحد من القدرة الشرائية للسكان.

أصدر النظام القانون رقم 11 القاضي بإحداث مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي تسمى المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب (السورية للحبوب) ومقرها مدينة الحسكة، ولا يمكن اعتبار هذه الخطوة مؤشراً على قبول النظام باللامركزية، أو تقديم تنازلات للإدارة الذاتية الديمقراطية، بقدر ما يعبر عن توجه النظام للضغط على الهياكل الحوكمية للإدارة الذاتية، وتعزيز وضعه السيادي في المنطقة الشرقية، كذلك كسر احتكار الإدارة الذاتية لإدارة ملف القمح في المنطقة الشرقية، وذلك من خلال تقديم تسهيلات بيروقراطية للفلاحين لتسويق محصولهم من القمح، ومنحهم سعر شراء أعلى مما توفره الإدارة الذاتية، وسبق للنظام أن مارس هذا الأسلوب ضد مناطق سيطرة المعارضة في الجنوب والوسط، ولا يبالي النظام بالاعتبارات الاقتصادية الناجمة عن رفع سعر القمح من حيث استنزاف الموارد المالية لديه، وزيادة مستويات الدين الداخلي، إذ أنه معني أكثر بالاعتبارات السياسية ومسعاه للضغط على نموذج الإدارة الذاتية في الحكم.

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يُلحظُ تغيرٌ واضحٌ في الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري، التغير الناجم عن نهاية التفاهمات القديمة بين تلك الأطراف، الأمر الذي دفع بصراعات وتحالفات جديدة قائمة على تصفية الملفات العالقة وتثبيت مواقع النفوذ.
  • يبدو أن الديناميكية العسكرية الجديدة، ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة.
  • تتوزع مصالح الأطراف الفاعلة على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة إلى مناطق ساكنة ظاهرياً، ولكنها تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات.
  • تتجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي المتخوف من الوجود الإيراني في سورية باتجاه بناء تحالفات واختيار حلفاء جدد لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية التي تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو.
  • في ظل هذا المناخ المتوتر بين مختلف الأطراف، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار تحالفاتها الجديدة بالانحياز إلى أطراف على حساب أخرى.
  • يمكن اعتبار معارك ريفي حماه وإدلب هي آخر محطات مسار أستانة، حيث سيتجه كل طرف من أطرافه الثلاثة باتجاه تثبيت تحالفات جديدة على الأرض تحقق مصالحه، وبشكل يحسن تموضعه السياسي في صيغة الحل النهائي.
  • تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري، ولكل طرف من الأطراف تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها.
  • يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث حالة من الفوضى ذات الدلالات الأمنية والسياسية الخطيرة، فبالرغم من أن الجنوب يبدو هادئاً ظاهرياً تحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع الفاعلين في المنطقة.
  • يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته "سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، حيث ساهمت عدة عوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل تلك المناطق لصالح حلفائه والمليشيات التابعة لها.
  • لا يبدو في المدى القريب أن هناك انفراجه على مستوى الحل السياسي؛ فالصراعات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين بدأت تتصاعد بشكل مواجهات ما تزال محدودة ولكنها مباشرة.
  • تشهد المنطقة برمتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط.

مدخل

عكست نتائج اجتماع أستانة الأخير بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ استمرار حالة ما اعتُبر "جموداً سياسياً" اعترى الملف السوري منذ أمدٍ ليس بقصير، وتجلى في تعثر إعلان اللجنة الدستورية التي تعتبر الخطوة الأولى "باتجاه الحل السياسي" وهدوء نسبي على مستوى الأعمال العسكرية مع انحسار فصائل المعارضة إلى جيب صغير في الشمال وإعلان نهاية تنظيم الدولة، لتعود الديناميكية العسكرية في الملف السوري مجدداً عقب أيام من انتهاء اجتماع أستانة 12، مع الحملة الروسية على ريفي إدلب وحماه، وذلك بالتزامن مع عملية محدودة نفذها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب ضد "وحدات حماية الشعب " التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي  PYD"" والعمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية".

ويبدو أن تلك الديناميكية العسكرية ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة تحدد مصالح كل طرف من الأطراف بشكل يفضي إلى رسم ملامح الحل السياسي في سورية.

 وتتوزع مصالح الأطراف على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً ولكنها، تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات، وتلك المناطق هي: الجنوب السوري والشمال الغربي، إضافة إلى ما تبقى من غرب الفرات بيد "قوات سورية الديمقراطية" وشرقي الفرات، مقابل مناطق سيطرة النظام السوري في الساحل ودمشق، بما فيها مؤسسات النظام وما يدور في تلك المنطقة من صراعات خفية وأزمات اقتصادية متلاحقة.  وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السوري المعقّد، تبعاً لمناطق النفوذ ولاعبيها الإقليميين والدوليين، وصولاً إلى رسم ملامح التفاهمات الجديدة واستشراف ما قد تؤدي إليه من آثار على شكل الحل السياسي المرتقب.

أولاً: أستانة (هزيمة التكتيكي أمام الاستراتيجي)

شكّل تعثر مسار أستانة بجولته الثانية عشر في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وإحالتها إلى جنيف؛ فشلاً في المسعى الروسي لقطف ثمار ما أحرزته موسكو من تقدم عسكري نتيجة لهذا المسار، وتحويله إلى بديل عن مسار جنيف الأممي لإنتاج حل سياسي استراتيجي في سورية.

ويضاف إلى هذا الفشل الناجم عن رفض أمريكي-أوروبي لتفرد موسكو في إنتاج الحل السياسي في سورية؛ فشل آخر يتعلق بإحباط أمريكي لجهود موسكو في عملية إعادة تعويم الأسد وتنشيط ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين يستمر الهدف التكتيكي لمسار أستانة من خلال القصف الروسي ومحاولات التوغل البري في أرياف إدلب وحماه وحلب، وذلك لقضم مساحات جديدة من آخر مناطق سيطرة المعارضة والهيمنة على الطرق الدولية M4- M5، وهو جزء من اتفاق سوتشي لم تنفذه تركيا([1])، وبذلك يكون مؤتمر أستانة قد أتم المطلوب منه عسكرياً وفق بوصلة روسية وإيرانية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية.  الأمر الذي يشير إلى بداية انفراط عقد التحالف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) بعد أن أنجز لأطرافه الثلاثة الأهداف العسكرية المشتركة. حيث بدأت خلافات ثلاثي أستانة بالظهور للعلن على عدة مستويات، خاصةً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، إذ يبدو أن التنافس بدأ لتثبيت المكاسب على الأرض عبر تحالفات جديدة.

موسكو وطهران: (تحالف الأضداد)

أحرز تحالف "الضرورة" بين موسكو وطهران إنجازات هامة بالنسبة لهدف الطرفين المشترك في الحفاظ على بقاء بشار الأسد؛ إلا أن تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب ضيق في الشمال وانحسار الأعمال العسكرية سرعان ما ظهّرَ الخلافات الاستراتيجية بين الطرفين، والمتعلقة برغبة كل طرف بالتحكم بالملف السوري وهندسة الحل السياسي، ويمكن إجمال الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وإيران في عاملين ([2]):

  1. عاملسياسي: والمتعلق برغبة إيران في تحويل سورية إلى امتداد لنفوذها ومشروعها، عبر إبقاء نظام الأسد ضعيفاً لحساب ميليشيات طائفية تتبع لها وتستحوذ على السلطة الفعلية، كما هي الحال في العراق ولبنان، في حين تتمسك موسكو بوجود نظام قوي يتبع لها يسيطر على مفاصل الدولة وليس ميليشيات، كما أن الطرفين يتنازعان على ورقة سورية للمساومة عليها مع الغرب.
  2. عامل اقتصادي: ويتجلى بالتنافس الاقتصادي، فروسيا المتربعة على عرش تجارة الغاز العالمية لن تسمح لأكبر منافسيها بالوصول إلى شواطئ المتوسط وتصدير الغاز عبرها إلى أوروبا، كما أن موسكو وإن كانت ترحب بمشروع طريق الحرير الجديد وتسعى للارتباط مع طهران بسكك حديد تجارية؛ إلا أن ذلك لا يعني أنها تسمح بأن تكمل إيران مشروعها في الوصول إلى المتوسط لتكون بذلك أحد مراكز هذا الطريق الجديد.

بالإضافة إلى العاملين السابقين، أخذت أبعاد الصراع الاستراتيجي الروسي الإيراني تتجلى في عدة ملفات أساسية منها ملف إعادة الإعمار وقطاعات الاقتصاد السوري الحيوية، إضافة إلى ملف إعادة هيكلة الجيش السوري والتحكم به، وفي إطار هذا التنافس تتوجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي (إسرائيل، الخليج، الولايات المتحدة) المتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومقايضة ورقة إيران بورقة بقاء الأسد وتعويمه وتمويل عملية إعادة الإعمار. وهذا ما بدا واضحاً في صمت موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سورية، ومحاولة إدخال إسرائيل على خط الحل السياسي للأزمة السورية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والتي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران ([3]). الأمر الذي قد يشير إلى أن موسكو اختارت التضحية بحليفها التكتيكي (طهران) لصالح حلفاء جدد يساهمون بتحقيق أهدفها الاستراتيجية في سورية (إسرائيل، الولايات المتحدة، محور مصر السعودية الإمارات). بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية، والتي ردت بالاجتماع الثلاثي في دمشق ([4])، والذي جمع رئيس أركانها مع نظيريه السوري والعراقي واستثنى الجانب الروسي من هذا الاجتماع، مما يشير إلى أن إيران تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو بالاعتماد على العراق وسورية ولبنان، وذلك استعداداً لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومحاولات إضعاف وجودها في سورية.

تركيا: (معضلة PYD)

تعتبر تركيا بحكم موقعها كقوة إقليمية على الحدود السورية؛ المتضرر الأكبر من تدخل إيران المباشر ومن ثم موسكو في سورية، حيث أضعف هذا التدخل الدور التركي وساهم بانحساره إلى حماية الأمن القومي التركي من تنظيم "داعش" وميليشيات "PYD" المدعومة من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار انخرطت أنقرة اضطرارياً مع طهران وموسكو في مسار أستانة بالرغم من الخلافات العميقة في رؤى الأطراف الثلاث الاستراتيجية لمستقبل سورية. وعليه فقد كان تعاطيها مع الشريكين الروسي والإيراني ذو طابع تكتيكي تحكمه مقتضيات حماية الأمن القومي؛ فهي تتقارب تارةً مع موسكو على حساب طهران كما حدث إبان اتفاق حلب، وتارةً أخرى مع طهران على حساب موسكو كما حدث حيال الموقف الإيراني الحيادي من معركة إدلب، والذي تجلى بإبعادها عن اتفاق سوتشي.

وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ فمن ناحية تحاول إيران دعم وجود ميليشيات PKK على الحدود التركية مع سورية والعراق بهدف عزل الدور التركي في البلدين، كما تحاول موسكو استغلال وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في مثلث (تل رفعت، عين دقنة، مارع) لفرض تفاهمات جغرافية جديدة مع تركيا حول مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي وعلى رأسهم فرنسا، والذين يحاولون الضغط على تركيا باستخدام الورقة "الكردية" لتحجيم الدور التركي وتطويعه في خدمة رؤيتهم للحل في سورية.

 وفي ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار بين الأطراف الثلاثة، ومن المرجح أن أنقرة رغم مواقفها المتشددة مع الولايات المتحدة حول التزامها بصفقة S400 مع موسكو، ومحاولاتها لتمديد إعفائها من العقوبات على النفط الإيراني؛ إلا أنها ستحسم موقفها إلى جانب الولايات المتحدة في سورية على الأقل، وهو ما قد يشير إليه التقدم الحاصل بين الطرفين على مستوى المنطقة الآمنة شرق الفرات.

ثانياً: شرق الفرات (لُعبة الكبار)

تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري؛ نظراً لمساحتها التي تشكل ثلث سورية وغناها بالثروات الباطنية والغلال الزراعية، إضافة إلى موقعها المجاور لتركيا والعراق. تلك الامتيازات دفعت العديد من الأطراف لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي بعد إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب من سورية، وتنقسم تلك الأطراف إلى أربعة معسكرات:

  • الأول: فرنسا والإمارات والسعودية، والتي تعتبر وجودها في المنطقة تحت المظلة الأمريكية فرصة للحفاظ على دور وإن كان محدوداً في الملف السوري والحل السياسي، إضافة إلى ما يشكله دعمها لقوات "قسد" من ورقة للضغط على تركيا ومنع تمدد إيران في المنطقة بعد الانسحاب الأمريكي.
  • الثاني: روسيا والنظام السوري، واللذان تشكل المنطقة بالنسبة لهما مساحة واسعة من الأرض السورية تساهم استعادتها بتقوية موقف النظام السياسي، ناهيك عن موقفه الاقتصادي، إضافة إلى زيادة فرص موسكو للتحكم في الملف السوري بعد الانسحاب الأمريكي، أما إيران فيبدو أن موسكو في خضم تحالفاتها الجديدة القائمة على تحجيم الوجود الإيراني في سورية لا تضعها في حساباتها الخاصة بشرق الفرات.
  • الثالث: تركيا صاحبة الهواجس الأمنية في المنطقة، والمتعلقة بإبعاد ميليشيات "PYD"عن حدودها ومنع قيام كيان "كردي" في سورية، إضافة لسحب الورقة "الكردية" من يد الأطراف التي تحاول أن تساومها عليها.
  • الرابع: إيران التي تراقب المنطقة بصمت، وتعلم أنها أكثر المناطق خطورة على طريقها البري ومشروعها الاستراتيجي في الربط بين العراق وسورية، ولذلك فهي تدفع باتجاه الانسحاب الأمريكي الكامل وتفعيل اتفاق أضنة مع تركيا، والذي سيتيح انتشار قوات النظام في المنطقة وبالتالي دخولها تحت مظلة تلك القوات.

 ولكل طرف من الأطراف الأربعة تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها؛ فبالنسبة لفرنسا وحلفائها يشكل الوجود الأمريكي ولو بشكل رمزي غطاءً لها للبقاء في المنطقة، وقد نجحت ضغوطها على الإدارة الأمريكية بحرف القرار الأمريكي نحو تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لموسكو والنظام فيحاولان الضغط باتجاه سحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للنظام، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنة مع تركيا لتهدئة مخاوفها، والتفاوض مع النظام بالنسبة لـ "قسد" لتسوية وضعها في ظل عودة النظام إلى المنطقة. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.

وبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه شرق الفرات؛ إلا أن أطراف عديدة تقف متربصة بقواتها على حدوده، فمن ناحية هناك القوات الروسية والنظام السوري، والمليشيات الإيرانية في سورية والحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كما توجد المصالح (السعودية الإماراتية) الممثلة بالوجود العسكري الفرنسي، إضافة إلى الحشود التركية على طول الحدود مع سورية.

وهنا تقع الولايات المتحدة في معضلة إيجاد حل يوازن بين مصالح حلفائها ويحمي مليشيات "PYD" من مواجهة مع تركيا. ويبدو أن الخيار قد حسم باتجاه تشكيل منطقة آمنة، والتي طال التفاوض حولها بالرغم من التفاهم على خطوطها العريضة؛ فمن حيث امتدادها يبدو أن الجانب التركي استطاع فرض تصوره بأن تكون المنطقة الآمنة بطول 460 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية، وستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي: حلب والرقة والحسكة([5])، أما من خلال العمق فلايزال الموضوع محل تفاوض، إذ تريدها تركيا بعمق 32 كم في حين تحاول الولايات المتحدة تضييقها، كما يتفاوض الطرفان على آلية الانتشار المشترك التركي الأمريكي وطبيعة القوات التي ستنشرها تركيا في المنطقة، خصوصاً بعد رفض بريطانيا وفرنسا مقترحاً أمريكياً لنشر قواتهما كفاصل بين "قسد" والجيش التركي. ويجري الحديث عن ثلاثة احتمالات للقوات التي ستنشر في المنطقة ([6]):

  1. قوات المعارضة الموالية لتركيا.
  2. قوات تركية، إضافة إلى قوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي.
  3. سحب وحدات "حماية الشعب" والإبقاء على قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية.

وبغض النظر عن الطرف المحلي الذي سينتشر في المنطقة الآمنة؛ فإن تطبيق تلك المنطقة يبدو أنه بات أمراً واقعاً، وهذا يعني بشكل أو بآخر نهاية الإدارة الذاتية وحلم فيدرالية شرق سورية، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من خلال حل الإدارة الذاتية لهيئاتها السيادية الأبرز ([7]) (هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الخارجية)، إضافة إلى الوساطة الفرنسية للمصالحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي المقرب من تركيا ([8]).

كما أن إقامة المنطقة الآمنة خاليةً من مليشيات "PYD" يعني أن تلك القوات إما سيتم حلها، أو ستنسحب باتجاه العمق السوري خارج المنطقة الأمنة، في مدن الحسكة و الرقة وريف دير الزور، وبذلك ستزداد حدة التوترات مع النظام المسيطر على الحسكة من ناحية ومع العشائر العربية الرافضة للهيمنة "الكردية" على مناطقها من ناحية أخرى، وهذا ما سيدفع إلى مزيد من التوتر  في المنطقة؛ إلا في حال كانت التفاهمات الأمريكية التركية تتجاوز المنطقة الآمنة إلى كامل مناطق سيطرة "قسد"، بشكل يحقق استبدال عناصر "قسد" التابعين لوحدات "حماية الشعب" بعناصر عربية، وهو ما لم يتم الحديث حوله حتى الآن. إضافة لذلك فإن التوافق حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات سيساهم بحلحلة الخلافات التركية الناتوية وتشكيل شريط ناتوي ضخم على طول الحدود التركية السورية، يشمل مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، ومثل هذا التقارب الناتوي لن يكون في صالح روسيا أو إيران، اللتان ترفضان فكرة المنطقة الآمنة، مما سيزيد من نطاق الخلاف مع تركيا.

ثالثاً: جنوب سورية (نار تحت الرماد)

يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث (درعا، القنيطرة، السويداء) حالة من الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح.

وبالرغم من أن الجنوب السوري يعيش ذات الظروف العامة؛ إلا أن الأحداث في محافظة درعا تحمل دلالات سياسية وأمنية خاصة. فمنذ عقد اتفاق المصالحة في يوليو/ تموز 2018 لم يفي النظام بوعوده على المستوى المحلي بالنسبة للأهالي والفصائل والمجالس المحلية التي وافقت على المصالحة، كما أن موسكو لم تفلح بتنفيذ تعهداتها للدول الإقليمية (الأردن، إسرائيل) بعدم تغلغل إيران ومليشياتها إلى حدود البلدين. فعلى المستوى المحلي تعيش درعا وريفها ظروفاً معيشية صعبة تتمثل بندرة المواد الأساسية وتعطل الطرق والمرافق العامة وتدهور الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني الناجم عن صراع بين أجهزة النظام الأمنية وفرقه العسكرية، مما خلق حالة احتقان شعبي، خصوصاً في ظل تلكأ النظام بتنفيذ بنود اتفاق المصالحة المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات.

أما على المستوى الإقليمي فقد فشلت موسكو في منع تغلغل العناصر التابعة لإيران في درعا والقنيطرة ووصولها إلى نقاط قريبة من الحدود الإسرائيلية. حيث لجأت إيران لدمج ميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105، إضافة إلى تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان ([9])، والتي عُرفت باللواء "313" ثم جرى تغيير التسمية إلى "درع الوطن"([10]).

ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة "مثلث الموت"  وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعززت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال "فاطمة الزهراء"،  كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد "دمشق-عمان"، وفي "خربة غزالة" وقرية "نامر" شرقي درعا، وفي "ازرع" والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي "البعث وخان أرنبة" في القنيطرة، و "تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي" ([11])، إضافة لتأسيس "حزب الله" معسكراً للتدريب شمال درعا يسمى "حقل كريم الشمالي" يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني([12]).

ويبدو أن فشل النظام بالوفاء بوعوده لأهالي درعا وعدم قدرته على وقف التمدد الإيراني في المنطقة، قد أدى إلى إحداث شبه تقارب بين روسيا والمجتمع المحلي في درعا على مستويين:

  1. مستوى الحاضنة الشعبية: والتي تحاول موسكو استمالتها مستفيدة من غضبها نتيجة عجز النظام عن تحقيق مطالبهم، وذلك بهدف تثبيت وجود موسكو في المنطقة وقطع الطريق على محاولات إيران التغلغل وسط تلك الحاضنة واستمالتها. حيث سمح الروس للأهالي بالتظاهر -ضمن شروط محددة-وقاموا بحماية التظاهرات في ريفي درعا الشرقي والغربي ([13]).
  2. مستوى قادة فصائل المصالحات: والمنقسمين بين الفرق العسكرية والأفرع الأمنية التابعة لطهران وموسكو، حيث تحاول موسكو عبر أذرعها في المنطقة وقادة المصالحات التابعين لها تطويق نفوذ إيران، ووقف تغلغل ميليشياتها في المجتمع المحلي عبر كسب منتسبين جدد من المتشيعين.

 ويبدو أن موسكو لا تقف وحيدة في هذا المسعى، حيث تذكر تقارير أمنية دوراً للأردن والإمارات مؤيد للجهود الروسية، عبر دعم القيادي في الفيلق الخامس (أحمد العودة)، والذي يتزعم مهام الحد من التمدد الإيراني في الجنوب، ودعم جهود موسكو لتشكيل فيلق سادس بقيادة (عماد أبو زريق). وتشير المصادر أن القياديان زارا الأردن مؤخراً وعقدا اجتماع مع المخابرات الأردنية لبحث سبل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود، إضافة لحديث حول إمكانية تشكيل غرفة جديدة للدعم في عمان على غرار غرفة "الموك" التي تم إغلاقها في العام الماضي ([14]).

وبالرغم من أن الجنوب السوري يبدو هادئاً ظاهرياً وتحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع موسكو وطهران في المنطقة (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، حزب الله)، حيث ازدادت في شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الحالي وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين، كما حدثت احتكاكات مباشرة بين فرق عسكرية مقربة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقربة من طهران.

رابعاً: سورية المفيدة (وهم الدولة)

يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته التي تعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، دفعت تلك الأزمات حاضنته الشعبية إلى التململ ورفع الصوت في وجه الفشل الحكومي على مستوى الخدمات الأساسية، مما حدا ببشار الأسد للإشارة إلى المنتقدين في خطابه أمام أعضاء المجالس المحلية ([15]). ويمكن رد تلك الأزمات إلى ثلاث عوامل رئيسية:

  1. التوسع الجغرافي الكبير: لمساحة سيطرة قوات النظام، والذي أدى إلى زيادة العبء الملقى على عاتق مؤسساته الخدمية، فقد توسعت مساحة سيطرة قوات النظام بشكل سريع وغير محسوب نتيجة الهوامش التي أتاحها له مسار أستانة، الأمر الذي أدى إلى توزيع موارده الاقتصادية المحدودة على عدد أكبر من السكان والمساحة الجغرافية، بالإضافة إلى زيادة نسبة التجنيد في جيشه وضم أعداد من عناصر المصالحات إليه لتغطية النقص العددي في قواته ومسك الأمن في المناطق التي استعادها، وما يترتب على ذلك من تكلفة مادية إضافية.
  2. صراع حليفيه (إيران وروسيا): والذي بدأ يطفو على السطح بشكل تنافس على الاستيلاء على القطاعات الاقتصادية والمؤسسة العسكري، حيث لم يعد خافياً التنافس الإيراني الروسي للاستحواذ على القطاعات الاقتصادية الحيوية في سورية كقطاع الطاقة والموانئ والطرق الدولية، إضافة إلى عقود إعادة الإعمار والتحكم بها. كما أن التنافس على إعادة هيكلة الجيش السوري والأجهزة الأمنية بدأ يأخذ منحى تصعيدي بين الطرفين عبر صدامات وتوترات بين الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية التابعة لكلا الطرفين في درعا وحلب ودير الزور وحمص. حيث ساهمت تلك الصراعات بزعزعة الاستقرار وإضعاف قوة النظام في المناطق التي استعادها، كما ساهم التنافس الاقتصادي بين الطرفين بإضعاف حجم المساعدات الاقتصادية التي يتلقاها النظام، والتي بات كل طرف يربطها بما يحصل عليه من تنازلات من النظام السوري.
  3. الموقف الأمريكي المتشدد اتجاه الأسد، والذي أحبط محاولاته لاستثمار تقدمه العسكري اقتصادياً وديبلوماسياً. إذ تعتمد الولايات المتحدة نهجاً جديداً في التعاطي مع نظام الأسد يقوم على الخنق الاقتصادي عبر وقف شحنات المحروقات الإيرانية للنظام وفرض العقوبات الاقتصادية على شخصيات وكيانات محسوبة عليه، إضافة لمنع تدفق النفط من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق النظام. وعلى الصعيد الديبلوماسي أيضاً أوقفت الولايات المتحدة المساعي العربية للتطبيع مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، كما ساهمت ضغوطها في وقف التطبيع الاقتصادي الأردني مع النظام وإفشال جهود موسكو في إقناع دول الخليج بتمويل عملية إعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي.

ساهمت تلك العوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل مناطق سيطرته لصالح حلفائه (روسيا وإيران) من جهة، ولصالح ميليشياته التي باتت خارجة عن سيطرته وبخاصة في الساحل السوري، حيث باتت التنازلات التي يقدمها لروسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مدعاة للتهكم حتى لحاضنته الشعبية، والتي باتت على ثقة بعجز هذا النظام عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانفلات الأمني والفساد المنظّم الذي يسود مناطق سيطرته.

خامساً: النتائج

يمكن من خلال الاستعراض السابق لواقع المناطق السورية الوصول إلى النتائج التالية حول قابلية التصعيد في تلك المناطق، وخارطة التحالفات الجديدة وما سيتركه ذلك من أثر على الحل السياسي:

  1. تغيير التفاهمات والديناميكيات: لا يمكن اعتبار أن الملف السوري يمر بحالة من الجمود على المستوى السياسي، وإنما هناك تغير في الديناميكيات الدبلوماسية والعسكرية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري. وهذا التغير ناجم عن نهاية التفاهمات القديمة بين تلك الأطراف بحكم نهاية تنظيم الدولة وانحسار المعارضة العسكرية، الأمر الذي دفع بصراعات وتحالفات جديدة قائمة على تصفية الملفات العالقة وتثبيت مواقع النفوذ على الأرض وترجمتها بشكل سياسي واقتصادي. وعليه لا يبدو في المدى القريب أن هناك انفراجه على مستوى الحل السياسي؛ فالصراعات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين بدأت تتصاعد بشكل مواجهات ما تزال محدودة ولكنها مباشرة، ومن المستبعد أن يحدث تقدم على المستوى الحل قبل أن يتم حسم تلك الصراعات لصالح الأطراف الأقوى والتي سترسم ملامح الحل.
  2. أضلاع مثلث أستانة: أبرز ملامح الديناميكيات الجديدة للصراع الديبلوماسي والعسكري في سورية تتجلى في العلاقة بين أطراف أستانة الثلاثة (روسيا، تركيا، إيران)؛ فالخلاف الروسي الإيراني بات واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين في البلدين، وتجاوز حدود التنافس الاقتصادي في سورية لحدود التنافس والتوترات العسكرية عبر أذرع الطرفين في الجيش وأجهزة الأمن السورية، كما أن كلاً من الطرفين بدأ يشكل تحالفات جديدة بعيداً عن الآخر، حيث تتجه موسكو نحو التحالف مع المحور المعادي لوجود إيران في سورية، في حين تحاول إيران تدعيم محورها في العراق وسورية ولبنان عبر اتفاقات عسكرية واقتصادية تمكنها من تجاوز العقوبات الأمريكية والتحايل عليها عبر تلك الدول. أما بالنسبة لتركيا فيبدو أنها في إطار تقاربها مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص المنطقة الآمنة اختارت التضحية بحلفاء أستانة، وهو ما قد يؤكده دعمها لفصائل الشمال في مواجهتها مع موسكو والنظام، وتغيير موقفها من العقوبات على النفط الإيراني وإعلانها الامتثال للعقوبات الأمريكية ووقف استيراد النفط من إيران.
  3. ملامح جبهة ناتويّة: يمكن اعتبار معارك ريفي حماه وإدلب هي آخر محطات مسار أستانة، حيث سيتجه كل طرف من أطرافه الثلاثة باتجاه تثبيت تحالفات جديدة على الأرض تحقق مصالحه، وبشكل يحسن تموضعه السياسي في صيغة الحل النهائي للأزمة السورية، ويبدو أن تغيير تركيا لتحالفاتها باتجاه العودة إلى الصف الناتوي في سورية عبر التفاهم حول المنطقة الآمنة شرق الفرات، سيساهم بخلق جبهة ناتوية تسيطر على مساحة واسعة من الأرض السورية وتمتلك القوة العسكرية الأكبر بين الأطراف اللاعبة على الأرض السورية، مما سينعكس بطبيعة الحال على شكل الحل السياسي ويعيده إلى مسار جنيف الذي غيبه لفترة مسار أستانة ومسار سوتشي.
  4. ساحات مواجهة محتملة: يبدو أن سعي موسكو لمقايضة الوجود الإيراني في سورية بفرض رؤيتها للحل السياسي والتحكم به، ليس بالسهولة التي تتوقعها، فإلى الآن لم تفلح موسكو بالوفاء بتعهداتها حيال الوجود الإيراني أمام حلفائها الجدد في إسرائيل والخليج العربي، وذلك بسبب رغبة موسكو بتجنب الصدام المباشر مع إيران والاعتماد على الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية ومحاولات العزل الاقتصادي والعسكري لإيران في سورية، ولكن يبدو أن المرحلة القادمة بتحالفاتها الجديدة وتصاعد التوتر الإقليمي اتجاه إيران قد تدفعان موسكو إلى المزيد من التصعيد ضد ميليشيات إيران وأذرعها في الجيش السوري، مما يشير إلى إمكانية تحول مناطق النظام إلى ساحات مواجهة بين أذرع إيران وموسكو داخل الجيش السوري، وعلى رأس المناطق المرشحة للتصعيد الجنوب السوري وحلب ودير الزور.
  5. النظام واستثمار الهوامش: لطالما أتاح الصراع الإقليمي هوامش حركة للنظام السوري، حيث يتقن النظام لعبة التنقل بين المحاور واستغلال المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة لإطالة بقائه. وفي إطار تغيّر التحالفات الإقليمية الذي يحدث؛ يحاول النظام الاستفادة من هوامش التنافس الروسي الإيراني من جهة، والتوتر في العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية من جهة أخرى، ولكن يبدو أن الموقف الأمريكي المتشدد هذه المرة اتجاه النظام سيحرمه من استثمار هوامش الصراعات الإقليمية وحصد نتائج ما أحرزه من تقدم عسكري على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، وسيدفع النظام نحو مزيد من التنازلات على مستوى الحل السياسي، خصوصاً مع التوتر الذي تشهده المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران.

خاتمة

تشهد المنطقة برمّتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن الحديث لايزال مبكراً عن نهاية قريبة للحرب في سورية وفرصة إنتاج حل سياسي. ولكن يمكن القول؛ إن الأزمة السورية ببعدها الدولي والإقليمي دخلت في مرحلتها الأخيرة والتي عنوانها تثبيت النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي، أم شكل هذه المرحلة من حيث أدواتها، هل ستكون عسكرية أم ديبلوماسية؟ فهو رهن لقدرة تلك القوى على تسوية خلافاتها واقتسام المصالح على الأرض وعلى المستوى السياسي، بشكل يفتح المجال أمام جلوس الأطراف السورية على طاولة التفاوض مجدداً.


 

[1])) للاطلاع أكثر على بنود اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب (اتفاق النقاط العشر بين روسيا وتركيا حول إدلب)، راجع الرابط التالي: http://cutt.us/dBOo8

[2])) سقراط العلو، الصراع على الثروة السورية بين إيران وروسيا: الفوسفات نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Vkzl1x

([3]) الأسد في طهران... ونتنياهو في موسكو، جريدة الأنباء الكويتية، 28/2/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HnoGxY

([4]) إيران والعراق وسوريا في دمشق لأول مرة، موقع TRT عربي، 17 مارس 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2LCUJ2v

[5])) هذه تفاصيل المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا على الحدود شمال سورية، موقع صحيفة العربي الجديد، 16 يناير2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2EaBabs

[6]))3 مقترحات أمريكية لمنطقة آمنة خالية من "بي كي كي"، موقع ترك برس، 22يناير 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2WR6fsp

 ([7]) بدر ملا رشيد، إلغاء هيئتي الدفاع والخارجية في "الإدارة الذاتية": إعادة هيكلة أم تحجيم وظيفي، مركز عمران للدراسات، 5 نيسان/ أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2vZ5ZeT

[8])) مصادر لـ"عربي21": جهود فرنسية لعقد اتفاق بين أكراد سوريا، موقع عربي21، 23 أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VEtXLD

(([9] المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، تقدير موقف 25 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VQttlH

([10]) الأبعاد والمتغيرات الجديدة للوجود الإيراني في جنوب سوريا، شبكة بلدي الإعلامية، 14 كانون الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ANeTyO

[11])) المرجع السابق.

[12])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.

[13])) درعا: ما هو دور روسيا في التظاهرات؟، موقع جريدة المدن، 15/3/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HrdOR8

[14])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.

[15])) ساشا العلو، رسائلُ خطاب الأسد: عَودٌ على ذي بدء، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 19 شباط 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HxOZ6b

 

 

مُلخّصٌ تنفيذيّ

تتناول هذه الدراسة المسألة الدستورية في سورية من عدة زوايا، أولها: التركيز على أهمية عملية الصياغة الدستورية بحد ذاتها، وذلك بالتأكيد على العناصر الضرورية لشرعنة المنتج النهائي (الدستور). أما القسم الثاني: فيناقش القضايا الخلافية التي ستواجه القائمين على عملية الصياغة، ومن أهمها قضية الهوية، ومساحة الحقوق والحريات، واللامركزية، وشكل النظام السياسي، ويقدم القسم الثالث: خلاصات وتوصيات للمختصين وصانعي القرار.

أولاً: يستعرض القسم الأول أهمية عملية الصياغة الدستورية كمصدر أساسي لشرعية الوثيقة الدستورية، ويوصي بضرورة الاستفادة من التجربة الإنسانية. يتناول هذا القسم بعض التجارب الفاشلة في عملية الصياغة (حالتي العراق ومصر)، وتجربتين ناجحتين (جنوب أفريقيا وتونس)، ويستخلص العناصر المطلوبة لعملية صياغة سليمة.

ثانياً: يستعرض هذا القسم أهم الإشكاليات التي تعاني منها سورية اليوم، وهي: قضية الهوية، وعلاقة الدين بالدولة، وموضوع الحقوق والحريات الأساسية، بما فيها مشاركة المرأة بشكل حقيقي وفعال، وكيفية طمأنة المكونات العرقية والدينية والطائفية، وموضوع اللامركزية، وأخيراً التوافق على تركيبة النظام السياسي. يتم مناقشة هذه القضايا ضمن سياق التجارب الدستورية السورية السابقة، وتجارب بعض الدول العربية المشابهة لها.

ثالثاً: يقدم القسم الثالث مجموعة من الخلاصات والتوصيات بناء على التحليل في القسمين السابقين، أهمها:

  1. فيما يتعلق بعملية الصياغة الدستورية، تخلص الورقة إلى أهمية أن تستند هذه العملية إلى مجموعة من المبادئ الجوهرية، ومنها: الشفافية، والتشاركية، وتغليب روح التوافق والإجماع، والعهدة الوطنية (أن تكون عملية بأيدٍ سورية ومن أجل سورية).
  2. أما الخلاصة والتوصيات بالنسبة للقضايا الخلافية، فتشير التجربة التاريخية والتجارب المماثلة أن التوصل إلى حلول وسطية لقضية الهوية ودور الدين، تقوم على احترام رأي الأغلبية، من دون القفز على حقوق الأقليات، وذلك بتغليب روح التوافق القائم على طمأنة الأغلبية للأقليات. وتوصي الورقة بإعطاء أكبر هامش للحقوق والحريات، مع اعتماد المرجعيات الحقوقية الدولية، وتوسيع تجربة الحكم المحلي التي شهدتها البلاد، بعيد فقْدِ النظام السيطرة على مساحات هامة من البلاد. وأخيراً، توصي الورقة باعتماد النظام السياسي شبه الرئاسي (أو المختلط كما يُسمى أحياناً)، الذي يحتفظ بأهم مزايا النظام البرلماني، ويقسم السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب لفترة محددة، ورئيس وزراء تختاره الأغلبية الحزبية في البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامها.

وختاماً، فإن السياق المنطقي لصياغة دستور جديد لسورية يجب أن يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تشرف على عملية انتخاب جمعية تأسيسية، تقوم بعملية صياغة الدستور، وتدير حواراً مجتمعياً حولها، وذلك في إطار حل سياسي على أساس وثيقة جنيف لعام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وتترافق مع مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإعادة تشكيل للقطاع الأمني.

مقدمة

تشكل مسألة صياغة دستور جديد لسورية المستقبل أحد أهم عناصر الحل السياسي للقضية السورية. ومع أن هذه القضية مدرجة على كافة المستويات، إلا أنها لم تحظ بنقاش واف يتناسب مع أهميتها. ستناقش هذه الورقة أهم أبعاد المسألة الدستورية، وهي: أهمية عملية الصياغة الدستورية وجديتها، ثم تناقش القضايا الخلافية المتوقعة، ومنها مسألة الهوية وشكل النظام السياسي، وأخيراً تخلص إلى بعض التوصيات التي يُؤمل أن تكون مفيدة للمختصين وصانعي القرار حول عملية صياغة الدستور المطلوب.

بداية، فإن الدستور هو القانون الأساسي الذي يحدد شكل النظام السياسي ويحكم سلوك الدولة، على أساس المبادئ المترسخة التي توافق عليها المجتمع من خلال عقد اجتماعي بين مختلف المكونات المجتمعية، وآخر سياسي بين الدولة والمجتمع. وعلى الرغم من اختلاف الدساتير، فإن أغلبها يشتمل على وصفٍ لهيكلة النظام السياسي، وتنظيم علاقة السلطات ببعضها، والقيود المفروضة على وظائف الإدارات الحكومية المختلفة، وذلك من خلال تحديد مدى وطريقة ممارسة سلطاتها السيادية. وتعكس الدساتير الحديثة حدود وممارسات السلطة السياسية من خلال شمولها على آليات مؤسساتية لحماية مصالح وحريات وحقوق المواطنين، بما في ذلك الأقليات.

أهمية العملية الدستورية

تعتبر التجربة الإنسانية في الصياغة الدستورية غنية في تقديم نماذج ناجحة في تحقيق أهدافها، بينما تشير تجارب أخرى إلى فشل كبير أدى إلى تكرار التجربة مراراً قبل الوصول إلى صيغ مقبولة من قِبل القوى السياسية والمجتمعية المشكِّلة لهذه الدول. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى بعض الحالات الاستثنائية التي دفعت القادة المسؤولين عن بناء الدولة إلى تأجيل الخوض في القضايا الخلافية للعملية الدستورية حتى أجل غير مسمى، هذا هو حال التجربة الإسرائيلية التي قرر سياسيوها، بعيد الإعلان عن قيام “كيانهم/دولتهم”، عن تأجيل كتابة دستور لمعرفتهم أن الخوض في مسائل مثل تعريف من هو اليهودي، ومناقشة الخلاف الموجود بين اليهود المتدينين والعلمانيين قد يفجر صراعاً، شعر القادة في ذلك الوقت أن الدولة الناشئة بغنى عنه، وانتهى الأمر بعدم اعتماد دستور مكتوب. وبالطبع، فإن المملكة المتحدة التي تعدُّ أعرق دولة مترسخة في تقاليدها البرلمانية ليس فيها دستور مكتوب، بل مجموعة من الوثائق والأعراف والتقاليد والقوانين والسوابق التي تقوم مقام الدستور بشكله الرسمي.

الدرس الآخر الهام في عملية الصياغة الدستورية هو مدى جدية القوى السياسية الفاعلة في التوصل إلى حالة دستورية حقيقية، تلخص المبادئ والأسس المتفق عليها بين المكونات المجتمعية، وترسي دعائم دولة القانون، وتفصّل دور المؤسسات، وتحدد حقوق وواجبات المواطنة. للتدليل على هذه النقطة من المهم الإشارة إلى أن أغلب الدول الاستبدادية فيها دساتير تحتوي على كافة المتطلبات الأساسية لوثيقة يمكن أن تشكّل نواة لحالة دستورية حقيقية، بيد أن الممارسة العملية بعيدة كل البعد عن ذلك. يلخص ناثان براون في كتابه، الدساتير في عالم غير دستوري، الدوافع الحقيقة لتبني دساتير في المنطقة العربية قبل الربيع العربي، بقوله: "إن الهدف الحقيقي هو دعم مكانة السلطة السياسية في الدولة العربية، وليس إيجاد حالة دستورية أساسها دولة القانون". ويفصّل براون في الأهداف الثلاثة للعملية الدستورية في المنطقة العربية، وهي: 1) استخدام الصياغة الدستورية كرمز لسيادة الدول الناشئة، خاصة في مرحلة ما بعد الاستقلال، 2) الهدف الثاني للعملية الدستورية هو تحديد التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي، ولعل دساتير المرحلة البعثية في سورية مثال على ذلك، 3) أما الهدف الثالث فهو توضيح شكل النظام السياسي وكيفية انتقال السلطة.([1]) ومع ذلك، فقد ساهمت عملية صياغة دساتير في المنطقة العربية في التذكير بأهمية الحالة الدستورية، أي قيام الحكم على أساس من الشرعية قوامها حكم القانون، خاصة فيما يتعلق بتضمين الدساتير العربية على حقوق أساسية للمواطنين، في مقابل السلطة التنفيذية المتغوِّلة. لكن النخب السياسية في الدول العربية، بشكليها الجمهوري والملكي، استطاعت إفراغ هذه النصوص من محتواها باللجوء إلى عدة استراتيجيات، ومنها:

  1. تعليق العمل بالدستور: لقد لجأت بعض الأنظمة السياسية في المنطقة العربية إلى هذا الأسلوب، وذلك من خلال فرض حالة الطوارئ، باسم مجابهة عدو خارجي، أو بذريعة نشر الأمن والاستقرار، أو محاربة الإرهاب، ولعل مثال النظام السوري الذي أبقى على حالة الطوارئ منذ عام 1963 وحتى عام 2012، هو خير مثال على ذلك.
  2. العمل الجزئي بالدستور: غالباً ما لجأت الأنظمة العربية إلى تطبيق بعض المواد التي تخدم مصالحها، خاصة الفقرات التي تعطي رأس السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة. فعندما يكون الرئيس في دستور سورية لعام 1973 هو رئيس الدولة، وهو من يعيّن رئيس الوزراء والحكومة ويعزلهما، إضافة إلى صلاحياته التشريعية والقضائية، وهو القائد العام للقوات المسلحة، والأمين العام للحزب الحاكم، ورئيس الجبهة الوطنية التقدمية، في مثل هذه الحالة يغدو الرئيس "دكتاتوراً دستورياً".
  3. التفسير الدستوري: مع أن أغلب الدساتير في الدول الاستبدادية تنشأ عن سلطة قضائية "مستقلة"، وفي بعض الأحيان تنص على إيجاد محاكم دستورية مهمتها الفصل في دستورية القوانين، فإن الممارسة الحقيقية قد أرست تبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، الأمر الذي أجهض إمكانية قيام السلطة القضائية بمهامها، وأرجع الأمر إلى السلطة التنفيذية من خلال عملية قضائية مشوهة، أو قضاة "تابعين" لرأس السلطة التنفيذية أو أجهزته الأمنية.

الخلاصة، إن العبرة ليست في وجود دستور مكتوب يحتوي على نصوص قد ترسي قواعد حياة سياسية على أساس قانوني، بل في الممارسة الحقيقة وجدية النخب السياسية، وخاصة الفئة الحاكمة منها، في أن تعكس ممارساتها النصوص الدستورية التي أقرَّتها. ومن هنا فإن عملية الصياغة الدستورية في مراحل التحول من الحكم الدكتاتوري إلى دولة القانون هي بداية الطريق إلى الحكم القانوني الشرعي.

يقدم القسم التالي ملخصاً عن بعض التجارب القاصرة والناجحة لعملية الصياغة الدستورية.

أولاً: التجارب القاصرة

  1. تجربة العراق لعام 2005: يعتبر دستور العراق الذي أُقرَّ عام 2005 من الدساتير المتطورة، لاحتوائه على عدة عناصر مهمة لإعادة تنظيم الحياة السياسية في العراق، ومنها الفيدرالية، وإيجاد صيغة يمكن أن تكون مقبولة حول هوية الدولة، وإعطاء حقوقٍ أكبر للمواطن، وأخيراً تبنِّيه للنظام البرلماني في مرحلة ما بعد حكم الحزب الواحد الذي استمر من عام 1968 وحتى عام 2003. تتمثَّل نقطة الضعف الرئيسية في الدستور العراقي في عملية الصياغة التي افتقدت إلى الشرعية، فقد تمت الصياغة في ظل الاحتلال الأمريكي الذي كانت معاقبة العرب السنَّة جزءاً أساسياً من سياسته، بذريعة أن صدام حسين كان عربياً سنيّاً، وأنه أقصى الشيعة العرب والأكراد السنّة من العملية السياسية. وسبق عملية الصياغة خطوات عملية لإقصاء العرب السنّة وإعادة الاعتبار إلى "الأغلبية" الشيعية، منها: إقصاء المنتسبين لحزب البعث من المشاركة في النظام السياسي الجديد، وحلُّ القوات المسلحة، وهو ما انعكس بشكل أساسي في عملية ممنهجة لتهميش العرب السنّة، خاصة الفئة البيروقراطية/التكنوقراطية منها، مع أن فئات من العرب السنّة قد عانوا من حكم صدام كما عانت الطوائف الأخيرة، إذ لم يكن صدام حسين طائفياً عندما يتعلق الأمر بتهديد حكمه، ولعل مقتل ابن خاله عدنان خير الله، وزير الدفاع وقتها، وصهريه حسين وصدام كامل، أمثلة شاهدة على ذلك.

ولعل الرؤية التي حملها أول حاكم أمريكي للعراق -بعيد الاحتلال الأمريكي عام 2003 - بول بريمر بأن نظام صدام حسين أقرب للنظام النازي، وهو فهم مشوه للطبيعة الاستبدادية لذلك النظام، قد ساهمت بعملية إقصاء الطائفة السنيّة من العملية السياسية. هذه الخلفية السياسية لعملية صياغة الدستور ما كان لها أن تكوّن البيئة الصحيحة لعملية لم تستمر أكثر من ثلاثة أشهر، وتمت بمقاطعة شبه كاملة للعرب السنّة (كان 17 عضواً عربياً سنياً من أصل 275 في الجمعية التأسيسية)، ومشاركة عالية من المكونين الآخرين (العرب الشيعة والأكراد)، الأمر الذي دفع بعض العرب السنّة، خاصة من أنصار النظام السابق، إلى اللجوء لاستخدام العنف بعد إقرار الدستور، حيث شهد عاما 2006-2007 أعلى مستويات العنف ضد المحتل الأمريكي وبداية للصراع الطائفي بين السنّة والشيعة.([2])

الدرس العراقي يتلخص بأن إقصاء أي مكون مهما كان حجمه من المشاركة في الصياغة الدستورية، سيسحب جزءاً من شرعية المنتج النهائي، مهما كانت جودة محتوياته. ومع أن الإدارة الأمريكية حاولت تصحيح المسار، من منطلق محاصرة التنظيمات الإرهابية المتنامية، وذلك في عام 2008، عندما قام الجنرال ديفيد بيترايوس بتجنيد أبناء القبائل العرب السنّة لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق، وسميّت تلك القوات بقوات "الصحوات"، إلا أن النجاح كان جزئياً. لأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي جاء من خلال العملية السياسية التي أسّس لها دستور عام 2005، رفض الإيفاء - بحكم خلفيته وتخوفه الطائفي - بوعد كان قد قطعه للأمريكان بإدماج قوات الصحوة ضمن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وكان الهدف من إدماج قوات الصحوة إعادة نوع من التوازن لهذه المؤسسات بعد أن سيطرت عليها الأحزاب الشيعية المؤيّدة لإيران. وكان من نتائج هذا الرفض قيام حركة سلمية شعبية داخل المناطق السنية، تم تجاهل مطالبها، واعتقال قادتها وتصفيتهم، ومن ثم قمع هذا الحراك، كل هذا أدى إلى ظهور النسخة الثانية مما سمي بتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي تسبب في المزيد من العنف والمآسي لكافة مكونات الشعب العراقي، وتطلب تحالفاً دولياً لهزيمته، وكان من نتائجه غير المحسوبة ترسيخ هيمنة إيران على المشهد السياسي العراقي.([3])

  1. التجربة المصرية لعامي 2012 و2014: تم إقرار الدستور الأول بعد ثورة يناير 2011، في ظل رئاسة محمد مرسي، حيث تم التصويت عليه باستفتاء شارك به 33 بالمائة ممن يحق لهم التصويت، وحصل على نسبة 64 بالمائة من أصوات الذين شاركوا في التصويت. ورغم بعض الانتقادات التي وجهت للدستور، خاصة ممن عارضوا حركة الإخوان المسلمين وحكم الرئيس مرسي، فإن كثيراً من المحللين قد اعتبروه الأكثر تطوراً وتقدمية في تاريخ الدساتير المصرية. فمن الأمثلة على ذلك، التوسع في باب الحقوق والواجبات، وفرض قيود واضحة على صلاحيات الرئيس وطريقة اختياره. لا شك أن منتقدي الدستور ركزوا على بعض الغموض الذي كان متضمناً في بعض المواد، كالمادة 219 الشارحة لمبادئ الشريعة الإسلامية، الأمر الذي قد يعطي المفسرين لهذه المواد أدوات لسحب بعض الحقوق التي تم إقرارها، باسم مخالفتها لفهمهم لما هو شرعي.

الإشكال الأساسي كان في عملية الصياغة التي لم تستوفِ شرط المشاركة المناسبة من كافة مكونات المجتمع المصري، الأمر الذي أضعف من شرعية الوثيقة الجديدة. وبتفصيل أكثر، فقد كان هناك اتفاق على أن تتضمن الجمعية الدستورية تمثيلاً متساوياً للقوى الإسلامية والليبرالية، لكن مقاطعة أغلبية القوى غير الإسلامية لعملية الصياغة، دفع بالفريق الآخر للإصرار على الاستمرار بعملية الصياغة، وإتمام كتابة الوثيقة، وإقرارها، وطرحها للاستفتاء العام، وتوقيع الرئيس عليها. هذا الإصرار على إتمام العملية على عجالة أدى إلى معارضة الوثيقة من قبل كافة القوى التي شعرت أنه تم استبعادها - رفضت بعض هذه القوى المشاركة في عملية الصياغة - وأصرت على عدم الاعتراف بشرعية "الدستور" الجديد، رغم إيجابياته الكثيرة. ويمكن الإشارة إلى أن واحداً من مطالب المعارضة التي طالبت برحيل مرسي قبل أقل من عام على حكمه، كانت تعديل بعض المواد التي أثارت حفيظة القوى الليبرالية التي قاطعت عملية الصياغة.([4]) ومع أن كثيراً من التقارير تؤكد قبول الرئيس مرسي بمطلب تعديل المواد المثيرة للجدل في الدستور - بعيد تصاعد المعارضة والتظاهرات ضده - كما قبل مطلب تشكيل حكومة وفاق وطني، إلا أن رفضه التنحي باسم التمسك بالشرعية لم يكن كافياً للمعارضة والمؤسسة العسكرية.([5])

أما بالنسبة لدستور عام 2014، فقد عالج بعض القصور الموجود في دستور عام 2012، خاصة بعض المواد الإشكالية التي تمت الإشارة إليها، إلا أن إقصاء القوة الإسلامية الأساسية المتمثلة في الإخوان المسلمين في أعقاب الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي، قد كرر الخطأ نفسه في عملية الصياغة. ليس هذا وحسب، بل إن الدستور جاء ليكون على قياس المؤسسة العسكرية، برمزها اللواء عبد الفتاح السيسي، ويقنن مرة ثانية لإقصاء الإسلام السياسي بتبني مادة تنص صراحة على عدم السماح بتشكيل أحزاب سياسية على أساس العرق والجنس والدين.([6]) وتكفي الإشارة إلى أن إقرار الدستور الجديد في استفتاء شعبي جاء في أعقاب قرار النظام العسكري الجديد حلّ جماعة الإخوان وتصنيفها كجماعة إرهابية،([7]) وهي الجماعة عينها التي فازت بأكثر من 37 بالمائة من الأصوات في أول انتخابات حرة ونزيهة لمجلسي الشعب والشورى، كما فاز مرشحها محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية تنافسية حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث. المفارقة الثانية، أنه وعلى الرغم من وجود نصٍّ يمنع قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، فقد تم استثناء حزب النور السلفي من هذا الأمر، لأنه ممن أيدوا الانقلاب على مرسي، وتمت مكافأة الحزب بأن "فاز" بعض أعضائه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ظل رئاسة السيسي عام 2015.

ثانياً: التجارب الناجحة

  1. تجربة جنوب أفريقيا: من التجارب الناجحة في الصياغة الدستورية تجربة جنوب أفريقيا التي أعقبت نهاية نظام الفصل العنصري عام 1991. ويمكن تلخيص عناصر النجاح في تلك التجربة في عدة أمور: أولها: أن الطرفين الرئيسيين اللذين قادا تجربة التحول الديمقراطي، وهما: المؤتمر الوطني الإفريقي برئاسة نيلسون مانديلا، ونظام الأقلية البيضاء الحاكم (الحزب الوطني) الذي ترأسه دبليو دي كليرك، توافقا على وثيقة، كانت بمثابة دستور مؤقت، حكمت فترة الانتقال الديمقراطي التي استمرت لمدة عامين، وشملت ملحقاً من 34 مادة لا يجب تجاوزها أو انتهاكها. لقد مثلت هذه المواد مبادئ وضمانات تحقق حكم الأغلبية التي يمثلها المؤتمر الوطني الإفريقي، لكن من دون سحب بعض امتيازات وصلاحيات الأقلية البيضاء، خاصة فيما تعلق بحقوق الملكية الفردية.

العنصر الثاني للنجاح: تمثّل في تصاحب هذا الاتفاق مع آليات قابلة للتطبيق، ومنها تشكيل محكمة دستورية، كان لها صلاحية مراجعة الدستور الجديد، بعد إقراره من قبل الجمعية التأسيسية التي سيطر على تركيبتها الحزب الوطني الإفريقي، وقبلَ طرحه على الاستفتاء العام. وبالفعل فقد تمت مراجعة مشروع الدستور الدائم من المحكمة الدستورية، وتم إرجاعه إلى الجمعية التأسيسية، لوجود مادتين قد خالفتا المبادئ ما فوق الدستورية التي تم التوافق عليها كأساس لعملية الانتقال الديمقراطي. وباختصار، فقد كانت هناك إرادة حقيقية لإرساء قواعد جديدة للعبة السياسية، تضع حداً لنظام الفصل العنصري، وتعطي الأغلبية السوداء الحقوق الأساسية التي حُرمت منها لفترة طويلة، ومنها الحق في تشكيل حكومة أغلبية، لكن من دون أن تهمّش الأقلية البيضاء، وهي المعادلة الدقيقة التي كانت وراء سر نجاح عملية صياغة الدستور في ذلك البلد.([8])

  1. التجربة التونسية 2011-2014: تعتبر التجربة التونسية في عملية صياغة الدستور التي أعقبت الثورة التونسية من التجارب الناجحة التي استفادت من بعض الثغرات التي مرت بها تجارب دول الربيع العربي الأخرى، وعكست بشكل جلي الإرادة السياسية الجادة لأغلب القوى التونسية في إرساء نظام سياسي جديد، على أساس القطيعة مع نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وهما النظامان اللذان قاما على أساس إقصائي للإسلام السياسي، والتستر وراء العلمانية والتقدمية لترسيخ حكم الفرد. وتمثلت خلفية عوامل النجاح في عملية الصياغة الدستورية في الخطوات الصحيحة التي واكبت عملية التحول الديمقراطي، ومنها: انسحاب الجيش وسماحه للقوى السياسية بتشكيل توافقاتها، والترخيص بالعمل السياسي لكافة القوى السياسية، وعلى رأسها حركة النهضة التي كانت تمثّل القوة المعارضة الحقيقة، والدور الذي لعبته الشخصيات التكنوقراطية وقادة المجتمع المدني في لحظات محورية. وعلى غير التجربة الليبية، فلم يمثّل رحيل الرئيس بن علي فراغاً مؤسساتياً، إذ قام بعض التكنوقراط من النظام السابق، وعلى رأسهم رئيس البرلمان السابق، فؤاد المبزع (كرئيس انتقالي)، والوزير السابق والرئيس الحالي الباجي قائد السبسي (رئيس وزراء انتقالي)، بلعب دور في إدارة المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة للحكومة التي أفرزتها انتخابات الجمعية التأسيسية في أكتوبر 2011. أما عناصر النجاح في عملية الصياغة الدستورية،([9]) بعد انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، فقد تمثّلت فيما يلي:
  • الروح التشاركية التي أبدتها حركة النهضة الفائز الأكبر في انتخابات المجلس التأسيسي، فقد حصدت 89 مقعداً من 217. وعلى الرغم من عدم حصول حركة النهضة على أغلبية في المجلس التأسيسي، فقد كان عدد المقاعد التي حصلت عليها أكبر من مجموع ما حصلت عليه الأحزاب الثلاثة التي تلتها. مع ذلك، قررت الحركة، وبإيجابية كبيرة تجاه الأحزاب الأخرى، بإدارة المرحلة الانتقالية - بما فيها عملية صياغة الدستور - بالمشاركة وليس التفرد. وهكذا شكلت حركة النهضة "ترويكا" (أي تحالف ثلاثي)، مع الحزبين الثاني والرابع في المجلس التأسيسي، فاستلم رئاسة الوزارة حزب النهضة، بينما تم التوافق على الناشط الحقوقي وزعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، المنصف المرزوقي لرئاسة الجمهورية، ورئيس تجمع التكتل (الحزب الرابع في الانتخابات) مصطفى بن جعفر لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي.
  • لعل عنصر النجاح الثاني هو روح التفاهم والتوافق والتسويات التي سادت عملية الصياغة. فقد تم تشكيل عدد من اللجان من كافة القوى، أوكل إلى كل منها أحد المواضيع الحساسة والخلافية، وتم تشكيل لجنة وفاقية تألفت من رئيس المجلس ورؤساء الكتل في المجلس للتوصل إلى تسويات مرضية.
  • أما العنصر الثالث فتمثل في قبول الأغلبية (حركة النهضة) التنازل لتطمين الأقلية (القوى العلمانية واليسارية تحديداً) بأنها لا تسعى لاستغلال لحظة أنها تمثل الحزب الأكبر في المجلس لكي تفرض تصورها ورؤيتها على الآخرين، وقد تبدى هذا في قبولها صيغة "باهتة" فيما يتعلق بدور الدين في الدولة، إذ قبلت بعد نقاش داخلي مسؤول أن تتنازل عن المطلب التقليدي للحركات الإسلامية بالإشارة إلى  كون الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، فلقد قبلت حركة النهضة بما نصت عليه الدساتير التونسية السابقة بأن دين الدولة الإسلام، كما نصت على حيادية الدولة الإيجابية تجاه الدين، مع ضمان حرية الاعتقاد ورفض التكفير والحض على الكراهية.([10])
  • العنصر الرابع في نجاح التجربة تمثّل في دور المجتمع المدني، والنقابات المهنية في تسهيل الحوار، في وقت تعالت فيه روح الاستقطاب بعيد اغتيال الناشطين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهيمي، ومحاولة بعض القوى المعارضة التي شكلت جبهة الإنقاذ، للانقلاب على العملية الدستورية، مستغلة التراجعات التي شهدتها دول الربيع العربي، وخاصة مصر بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. لقد لعبت قوى المجتمع المدني، خاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، والهيئة الوطنية للمحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، دور الوسيط في الحوار بين مجموعة "الترويكا" التي كانت تسيطر على الجمعية العمومية، وبين جبهة الإنقاذ التي جمعت كافة القوى المناهضة لأحزاب الترويكا، إضافة إلى ممثلي الدولة العميقة الذين أعادوا تشكيل صفوفهم، وبعض القوى الشبابية التي تم تجنيدها من قوى الثورة المضادة داخلياً وإقليمياً. ولعل التسوية التي قادت إليها وساطة قوى المجتمع المدني قد أنقذت العملية الديمقراطية في تونس، الأمر الذي أهَّل منظمات المجتمع المدني الأربع لنيل جائزة نوبل للسلام.([11]) وعلى الرغم من أن عميلة الصياغة الدستورية في تونس قد استغرقت وقتاً أطول مما كان متفقاً عليه، فإن الدرس المستقى منها أن التأني هو أفضل من التسرع إذا كان على حساب الروح التوافقية والتشاركية، وهما من متطلبات عملية الصياغة.

وباختصار، إن الهدف من عرض بعض التجارب الفاشلة والناجحة للعملية الدستورية التأكيد على أهمية عملية الصياغة، بحد ذاتها، لأنها أحد أهم مصادر الشرعية للوثيقة التي تنبثق عنها، فكلما كانت العملية شاملة لكافة القوى السياسية، وغلبت عليها روح التوافق والتشاركية، وضمنت مطالب الأغلبية من دون أن تكون على حساب أي أقلية - مهما كان حجمها المجتمعي أو السياسي -  كانت الوثيقة أكثر شرعية ومدعاة لاحتكام الجميع إليها. ولو أردنا تطبيق العناصر اللازمة في عملية الصياغة على الدساتير السورية لوجدنا أن أكثر الدساتير اقتراباً من التجارب الناجحة - في الحالة السورية - هو دستور عام 1950، فقد شاركت أغلب القوى السياسية في صياغته، وغلبت عليه الروح التوافقية بين القوى المجتمعية والسياسية، في لحظة نُضجٍ في الممارسة السياسية لم يكتب لها الاستمرار، وأدى التنافس السياسي والإيديولوجي إلى استقطاب دفع بأغلبية القوى السياسية، خاصة القومية الثورية منها، إلى تبرير إقصاء الآخرين بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، الأمر الذي أعطى العقيد أديب الشيشكلي مبرراً للالتفاف على الدستور - الإنجاز، ومحاولة صياغة نظام سياسي "رئاسي" ضمنه الدستور الذي أعقبه وتم تفصيله على مقاسه. أما الدساتير الفاشلة بامتياز، استناداً إلى متطلبات الصياغة الشرعية، فهما دستورا عامي 1973 و2012. وتكفي الإشارة هنا إلى أن الوثيقتين تمت كتابتهما في ظل سيطرة الأب الشاملة على العملية السياسية، ووحشية الابن في قمع أكبر حركة معارضة في تاريخ حكم الأسدين.

القضايا الخلافية في العملية الدستورية

لعل من عناصر النجاح لأي وثيقة دستورية أن تحاول تقديم حلول للإشكاليات السياسية الآنية التي تعاني منها البلاد، وفي الوقت نفسه تعكس توافقات تتجاوز تلك اللحظة، ليُكتب لها نصيب من الاستمرارية والدوام، وتُبقي باب التعديل مفتوحاً لتعالج القضايا المستجدة. وبالنظر إلى أهم الإشكاليات التي تعاني منها سورية اليوم فيمكن تلخيص أهم القضايا السياسية الإشكالية، وهي قضايا مترابطة بـقضية الهوية، وعلاقة الدين بالدولة، وموضوع الحقوق والحريات الأساسية، بما فيها مشاركة المرأة بشكل حقيقي وفعال، وكيفية طمأنة المكونات العرقية والدينية والطائفية، وأخيراً التوافق على تركيبة النظام السياسي. سيتم مناقشة هذه القضايا على ضوء كيفية تعاطي التجارب الدستورية السورية السابقة، وتلك القريبة منها في الدول العربية التي مرت بتجارب متشابهة.

وقبل الخوض في النقاش التفصيلي، لعل من المفيد الإشارة إلى أن الدولة السورية، ورغم حداثتها، قد مرت بعدة تجارب في الصياغة والحياة الدستورية، أهمها:([12])

  1. القانون الأساسي (دستور 1920): كان هذا القانون الأساسي للمملكة السورية التي تنادى أعيان سورية وممثلوها في المؤتمر السوري الأول لعام 1919، بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية، وأقر المؤتمرُ ذلك الدستور في جلساته المنعقدة في الفترة من 3 آذار/مارس 1919 إلى 19 تموز/يوليو 1920.
  2. دستور دولة سورية الصادر في 14 أيار/مايو 1930: وكان هذا الدستور خلاصة المشروع الذي أقرته الجمعية التأسيسية عام 1928 في ظل الاحتلال الفرنسي، وقام المندوب السامي الفرنسي بالاعتراض عليه بحجة تعارض بعض مواده مع وثيقة الانتداب، لكنه لم يلبث أن أعاد إصداره مع إضافة مادة تعطي المندوب حق تعطيله. وقد تم العمل بهذا الدستور بعد الجلاء الفرنسي مباشرة، في 17 نيسان/إبريل 1947، بعد شطب المادة (116)، وهي المادة التي أضافها المندوب السامي الفرنسي.
  3. دستور عام 1950: جاء هذا الدستور نتيجة انتخابات الجمعية التأسيسية التي أعقبت الإطاحة بحكم حسني الزعيم، وتمت بعدها إعادة الحياة الدستورية. وتم العمل بهذا الدستور حتى الانقلاب الثاني للعقيد أديب الشيشكلي، حيث عُطل العمل به في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1951.
  4. دستور عام 1953: تمت صياغة هذا الدستور على عجل ليحل بديلاً لدستور عام 1950، وتم تفصيله على مقاس الزعيم الشيشكلي. وأُقرَّ في 11 تموز/يوليو 1953، وتم إلغاء العمل به بعيد استقالة الشيشكلي في 24 شباط/فبراير 1954.
  5. العودة إلى دستور عام 1950، في الفترة ما بين سقوط حكم الرئيس الشيشكلي إلى قيام دولة الوحدة في 23 شباط/فبراير 1958: وفي هذه الفترة أُعيد البرلمان (الجمعية التأسيسية) المنتخبة عام 1949، لإكمال مدتها على أساس دستور 1950، مع بعض التعديلات.
  6. دستور الجمهورية العربية المتحدة 1958: وهو دستور دولة الوحدة بين مصر وسورية، وتم العمل به بدءاً من 22 شباط/فبراير 1958 وحتى قيام حركة الانفصال في 28 أيلول/سبتمبر 1961.
  7. دستور الجمهورية العربية السورية 1962: وهو دستور عام 1950 مع بعض التعديلات. استمر العمل بهذا الدستور حتى انقلاب 8 آذار/مارس 1963.
  8. دستورا عامي 1964 و1969 (المؤقتان) الصادران بعيد استلام حزب البعث السلطة.
  9. الدستور المؤقت للجمهورية العربية السورية 1971: وقد صدر في أعقاب ما سمي "بالحركة التصحيحية"، في 16 شباط/فبراير 1971.
  10. مشروع دستور (اتحاد الجمهوريات العربية) بين مصر وسورية وليبيا: صدر في 1 أيلول/سبتمبر 1971، وبقي هذا الدستور حبراً على ورق.
  11. دستور عام 1973: ويمكن تسميته بدستور حافظ الأسد، وتم العمل به من وقت صدوره في 13 آذار/مارس 1973، وحتى عام 2012.
  12. دستور عام 2012: دستور بشار الأسد، وجاء كمحاولة لامتصاص بعض مطالب الثورة السورية، مع إبقاء كثير من الفقرات على مقاس بشار الأسد، وقد تم اعتماده في نهاية شهر شباط/فبراير 2012.

إن أهمية استعراض التجارب الدستورية المتنوعة للدولة السورية يكمن في أن هذه التجارب حاولت التعاطي مع القضايا/الإشكاليات السياسية الملحة في وقتها، وقدمت اجتهادات في التعاطي مع القضايا التي ستتم مناقشتها هنا. وعموماً، يمكن تقسيم التجارب الدستورية في سورية إلى ثلاثة نماذج: أولها: لم يُكتب له حظ التطبيق الفعلي كدستور 1920، ودستور اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، ثانيها: الدساتير المؤقتة، ومنها دستور الجمهورية العربية المتحدة، والدساتير المؤقتة التي أصدرها حزب البعث بعد استلامه السلطة، وهي دساتير 1964، و1969 و1971، وهي متشابهة جداً، وأخيراً: الدساتير التي تم العمل بها، وهي دساتير عام 1930، ودستور عام 1950، ودستور عام 1973، وأخيراً دستور عام 2012. وسيتم التركيز على الفئة الثالثة من الدساتير عند معالجة القضايا الخلافية.

أولاً: قضية الهوية ودور الدين في الدولة

تشير أغلب الدساتير إلى هوية الأمة التي تعدُّ المكون الأساسي للدولة. وباستعراض أغلب الدساتير العربية، نرى أنها تشير إلى الهوية العربية/الإسلامية لهذه الدول. من الناحية العملية، تعاني الدولة العربية المعاصرة - ومنها سورية - من أزمة هوية نتيجة أن أغلبية الدول العربية تم تشكليها من قبل قوى استعمارية غربية لم تأخذ بعين الاعتبار رغبات ومطالب السكان المحليين. ويمكن تلخيص أزمة الهوية في الدولة العربية المعاصرة بما اصطلح عليه بعض علماء السياسة بالتناقض والتعارض بين الدولة والأمة (المجتمع السياسي) المكون لها. بمعنى آخر، هناك عدم توافق بين الإقليم المشكِّل للدولة وبين المجتمع السياسي المكون لها.([13]) فمثلاً، عند الحديث عن الدولة الفرنسية، فلا يوجد تناقض بين الأمة الفرنسية والدولة الفرنسية. هذا الواقع مختلف تماماً في أغلب الدول العربية، وعلى رأسها سورية. فلم يكن هناك "أمة سورية"، قبل حصول سورية على استقلالها، بل مجتمعات متنوعة، ذات أغلبية عربية ومسلمة (من الطائفة السنية)، مع وجود أكراد (أغلبهم مسلمون سنة)، وأقليات من الأرمن والشركس، وأقليات دينية من المسيحيين العرب (بأغلبية أرثوذوكسية)، ومن العلويين، والدروز، واليهود (وهذه الأقليات الدينية باستثناء الأرمن عربية بامتياز). وبعد فشل تجربة الحكم الفيصلي المقتضبة - بسبب الاحتلال الفرنسي - تم تقسيم "سورية الكبرى" إلى أربع دول، وهي: سورية، ولبنان، والأردن، وفلسطين. محاولة تشكيل أمة "سورية" واجهتها تحديات من الولاءات الضيقة للشعب السوري، ومنها الولاء للطائفة والإثنية والقبيلة، وولاءات "ما فوق الوطنية"، وهي العروبة والإسلام.

لقد كان تحدي بناء هوية وطنية للشعب السوري بتنوعه، من أكبر التحديات التي واجهت النخب الحاكمة منذ الاستقلال. مع ذلك أدركت النخب الحاكمة أنها بحاجة للإشارة إلى الهوية العربية/الإسلامية لسورية كنوع من الاعتراف بأن الدول "القُطرية" التي أوجدها الاستعمار البريطاني - الفرنسي، هي كيانات مصطنعة، لم يكن لشعوبها دور في إنشائها. ولذا فإن الإشارة إلى الهوية العربية/الإسلامية لسورية لم يكن مجرد انعكاس للواقع الديمغرافي (حوالي 90 بالمائة من العرب، و74 بالمائة من المسلمين السنة)، بل كان محاولة لتعميق استقلال الدولة الناشئة، والسعي إلى تغيير واقع التقسيم الذي أوجده الاستعمار، من خلال إعادة تشكيل الدولة القطرية في إطار "قومي/عروبي" أوسع. ولم يكن غريباً أن تحاول الوثائق الدستورية المتتالية إقرار أن الشعب السوري جزء من "الأمة العربية"، وإلى وجود إشارة إلى الهوية الإسلامية، لتعكس بذلك هوية الأغلبية لكن بشكل غير مرض، حيث اعتبرت بعض الأقليات أنها مُقصاة من هذا التعريف. ولعل أكبر تحد واجه التعريف العربي/الإسلامي لسورية كان من الأقليات التي لم تشعر أنها مشمولة بأحد هذين المكونين للهوية. فمثلاً، لم يستسغ الأكراد، وهم القومية الثانية في سورية، يوماً إطلاق تسمية "الشعب العربي السوري" على السوريين. ولم يكن الحال أفضل بالنسبة لغير المسلمين عندما اشترطت الدساتير المتعاقبة منذ دستور عام 1950 أن يكون رئيس الدولة مسلماً.

لقد حاولت الدساتير المتتالية تقديم صيغ مختلفة لموضوع هوية الدولة السورية ودور الدين في الدولة، لتعكس النقاش الدائر في وقتها حول هذه القضية. فباستعراض سريع للوثائق الدستورية السابقة نرى أن الإشارة إلى الهوية العربية من الثوابت في كافة الوثائق الدستورية، لكنه يحتل مكانة كبيرة في الفترة الممتدة من 1950- 1970، وهي مرحلة المد القومي، إذ لم يكن الحديث عن الهوية العربية أمراً نظرياً، بل شهدت هذه الفترة تجربة الوحدة مع مصر (1958-1961)، وعدة محاولات لإيجاد "اتحادات" عربية، كان آخرها "اتحاد الجمهوريات العربية" في عام 1971 مع مصر وليبيا، وكان من المفروض أن تنضم إليها السودان، لكن هذا الاتحاد لم ير النور إلا في الوثائق التي تم الاتفاق عليها، ولم يدخل أبداً حيز التنفيذ. وفيما يلي عرضٌ موجزٌ لكيفية تعاطي الوثائق الدستورية المختلفة مع قضية الهوية العربية وعلاقة الدين بالدولة:

في أولى محاولات الصياغة الدستورية نص القانون الأساسي (الدستور) الذي وضعه المؤتمر السوري في مواده العامة على أن "حكومة المملكة السورية العربية حكومة مدنية نيابية عاصمتها دمشق الشام ودين ملكها الإسلام".([14]) وحددت المادة الثالثة أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في جميع المملكة السورية. أما بالنسبة لدور الدين في المملكة الوليدة فقد نصت المادة السادسة من الفصل الثاني: "على الملك حين جلوسه أن يقسم أمام المؤتمر يميناً باحترام الشرائع الإلهية وبالأمانة للأمة وبمراعاة القانون الأساسي". وتتكرر الإشارة إلى الصفة العربية، باشتراط أن يكون الحاكم العام للمقاطعة (وهذه إشارة إلى المقاطعات الثلاث المشكِّلة للمملكة هي سورية العثمانية، أي الداخل والساحل والجنوب)، اشترطت أن يكون الحاكم "سورياً عربياً" متصفاً بالصفات المشروطة في عضوية مجلس الشيوخ".([15]) وأخيراً، هناك عدة إشارات إلى "الأمة العربية" في بيان المؤتمر السوري الذي تمت بناء عليه مبايعة فيصل الأول بن الحسين ملكاً على سورية. وتحديداً هناك تصريح من المؤتمرين بأننا "اجتمعنا بصفتنا ممثلي الأمة السورية في جميع أنحاء القطر العربي السوري تمثيلاً تاماً، وقررنا بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية، التي منها فلسطين بحدودها الطبيعية...".([16]) لقد جاء ذكر الهوية العربية لسورية منسجماً مع المرحلة التي كانت تمر بها البلاد، وهي مرحلة خروج القوات التركية من سورية، بدفع وقيادة من الحلفاء الغربيين. ولذا حاولت الوثيقة الإشارة إلى الهوية الجديدة للبلاد لتمييزها عن الدولة العثمانية، حيث كانت الرابطة الإسلامية هي مصدر شرعية الحكم العثماني. كما أن المشاركين في المؤتمر السوري أرادوا من خلال صياغة القانون الأساسي التأكيد على أن الأمة السورية قادرة على نيل استقلالها وحكم ذاتها أمام مطامع الدول الغربية التي لم تمهل الدولة الوليدة أكثر من ثلاثة أشهر، ليحل الاستعمار الفرنسي مكان الحكم العثماني. أما عن دور الدين في المملكة الوليدة، فلقد اقتصر على اشتراط أن يكون الملك "مسلماً"، وعلى أن يحترم مليك البلاد "كافة الشرائع الإلهية"، دون الإشارة إلى دور محدد للشريعة أو الفقه الإسلامي في التشريع. ومع أن القانون الأساسي غير واضح في تبنيه نظام "الملكية الدستورية" بشكله المعاصر، فقد حاول محاكاة هذا النموذج لكن دون تبنّيه بشكل صريح، إذ أُعطي الملك فيصل صلاحيات تنفيذية وتشريعية أكثر من تلك التي استقر عليها ملوك الديمقراطيات الغربية. ومع أن هذا يعني أن منصب "رئيس الوزراء"، وهو المنصب التنفيذي الأول في الملكيات الدستورية، يمكن أن يؤول لغير المسلم لكن حقيقة أن الملك له صلاحيات أكبر من كونه رئيس الدولة الرمزي عنى استبعاد غير المسلمين من هذا الموقع.

وتتراجع الإشارة إلى الهوية العربية لسورية في دستور عام 1930، وهو الدستور الذي صاغته الجمعية التأسيسية التي تم انتخابها في ظل الانتداب الفرنسي في عام 1928. وعلى الرغم من أنه من بين مسؤوليات سلطة الانتداب إيجاد قانون أساسي للبلاد فقد ماطل المندوبون الفرنسيون لسنوات في السماح للسوريين في صياغة دستور لهم، وعندما أقرت الجمعية التأسيسية مشروع الدستور اعترض المفوض السامي الفرنسي على ست مواد نصت على استقلال سورية الكامل ووحدتها، وهو ما اعتبره المفوض السامي يتناقض مع "الانتداب". وأخيراً، وبعد عدة محاولات من تعطيل انعقاد الجمعية التأسيسية التي رفضت تدخلات الحاكم الفرنسي، وجد المفوض الفرنسي نفسه مجبراً على إصدار الدستور كما أقرته الجمعية التأسيسية التي سيطر على تركيبتها نواب "الكتلة الوطنية"، بشرط إضافة مادة أخيرة، تنص على ألا يتعارض أي حكم من أحكام الدستور مع التعهدات التي قطعتها فرنسا - لأنها الدولة المنتدبة المسؤولة أمام عصبة الأمم - على نفسها فيما يختص بسورية.([17])

وبالعودة إلى موضوع الهوية، نص الدستور على المواد التالية:([18])

  1. سورية دولة مستقلة ذات سيادة، لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها.
  2. سورية وحدة سياسية لا تتجزأ.
  3. سورية جمهورية نيابية دين رئيسها الإسلام، وعاصمتها مدينة دمشق.

لقد عكست هذه المواد حرص القادة الوطنيين في ذلك الوقت، على تأكيد حق سورية في الحصول على استقلالها، وعلى المحافظة على وحدتها، بعد أن اُستقطع منها لبنان وفلسطين وإمارة شرق الأردن، وأُعطي لواء اسكندرون نوعاً من الحكم الذاتي، وقسمت سورية الواقعة تحت الانتداب الفرنسي إلى أربع دويلات هي: دويلة دمشق، دويلة حلب، دويلة العلويين، دويلة الدروز. ولعل اللغة التي صاغتها الجمعية التأسيسية للمادة الثانية نصت على أن: "البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية ذات وحدة سياسية لا تتجزأ، ولا عبرة لكل تجزئة طرأت عليها منذ الحرب العالمية حتى اليوم".([19]) ويمكن النظر إلى دور الدين في الوثيقة بحصره في ديانة رئيس الجمهورية، إضافة إلى المادة ما قبل الأخيرة، وهي المادة التي تعطي "الطائفة الإسلامية" حق إدارة الأوقاف الإسلامية، من خلال ممثلين منتخبين يحدد القانون كيفية انتخاب هذه المجالس وصلاحياتها.([20]) ومع أن النظام السياسي الذي قرره هذا الدستور هو أقرب للنظام البرلماني - من غير المستبعد أن يكون متأثراً بالجمهورية الفرنسية الرابعة - فهذا يعني أن منصب رئيس الوزراء مفتوح لكافة أطياف الشعب. لكن وبقراءة متأنية لنصوص الدستور وصلاحيات الرئاسة يبدو أنه يرسخ نموذج النظام شبه الرئاسي، حيث يقتسم الرئيس صلاحيات السلطة التنفيذية مع رئيس الوزراء، الأمر الذي يعني إقصاء غير المسلمين عن هذا المنصب. وعلى غير غرار دستور المملكة السورية، فقد تم العمل بهذا الدستور، ضمن حدود ما سمح به الانتداب الفرنسي، خاصة في الفترة التي أعقبت توقيع معاهدة 1936 بين فرنسا وسورية، حيث جرت انتخابات على أساس هذا الدستور، وتألفت حكومة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي، وترأس الوزارة جميل مردم بك، وكان الملفت فيها تشكيل وزارتين للخارجية والدفاع لأول مرة منذ العهد الفيصلي. واستمرت هذه الحكومة حتى قام المفوض السامي الفرنسي بتعليق الدستور وحل مجلس النواب في تموز/يوليو 1939. وعندما حصلت سورية على استقلالها عام 1946، تم العمل بهذا الدستور، بعد إلغاء المادة 116 التي أعطت المندوب السامي حق تعطيل أي حكم يتناقض مع الانتداب.

الوثيقة الدستورية الثالثة التي اعتبرت الأكثر "ديمقراطية" في تاريخ سورية المعاصر هي دستور عام 1950. يتضمن الفصل الأول بمواده الأربع الأولى تحديد الهوية للجمهورية الجديدة على النحو التالي: فعلى الرغم من عدم تضمين صفة "العربية" في اسم الجمهورية، إذ تم الاكتفاء بتسمية الجمهورية بـ"الجمهورية السورية"، إلا أن المواد التالية قد نصت صراحة على الهوية العربية - الإسلامية لسورية. فقد نصت المادة الأولى على ما يلي: 1) سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة، 2) وهي وحدة سياسية لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن جزء من أراضيها، 3) والشعب السوري جزء من الأمة العربية. أما المادة الثانية فقد نصت على أن: "السيادة للشعب لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها". وفيما يتعلق بدور الدين، فقد نصت المادة الثالثة على ما يلي: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، 3) حرية الاعتقاد مصونة والدولة تحترم جميع الأديان السماوية وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام، 4) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية. وأخيراً، نصت المادة الرابعة على أن: اللغة العربية هي اللغة الرسمية.([21]) وبتحليل سريع لكيفية تعاطي هذا الدستور مع قضية الهوية يمكن الإشارة إلى الأمور التالية: أولاً: يعتبر هذا الدستور هو الأول الذي تمت صياغته بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الاستعمارية، وجاء نتيجة مداولات الجمعية التأسيسية، وفي لحظة تشاركية وتوافقية فريدة، جعلت كثيراً من السوريين ينظرون إليها بنوع من الحنين إلى الماضي (النستالجيا)، إذ تقدم تلك المرحلة بديلاً واقعياً لممارسات النظام السياسي في مرحلة احتكار حزب البعث، وعائلة الأسد للسلطة. ثانياً: رغم عدم تضمين وصف "العربية" في اسم الجمهورية، فإن الهوية العربية لسورية كانت واضحة لتعكس صعوداً للقومية العربية. ولعل تدليلاً إضافياً على تأثير المد القومي العربي يتجلى في القَسَم المطلوب تأديته من قبل أعضاء مجلس النواب، وهم أصحاب السلطة التشريعية في البلاد، وهذا نصه: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدستور البلاد مدافعاً عنه وعن استقلال الوطن وحريات الشعب ومصالحه وأمواله وكرامته، وأن أحترم قوانين البلاد وأقوم بمهمة النيابة بشرف وصدق وإخلاص وأن أعمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية".([22]) ويتشابه معه قَسَم رئيس الجمهورية في تعهده باحترام الدستور وحريات الشعب والإخلاص للنظام الجمهوري والمحافظة على استقلال الوطن "والدفاع عن سلامة أرضه وأن أعمل على تحقيق وحدة الأقطار العربية".([23]) ثالثاً: وكما هو الحال في دستور عام 1930، استمر تقليد اشتراط أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام، لكن وفي حال التزام النظام السياسي بقواعد النظام البرلماني الصرف، بإعطاء الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء الذي يتم اختياره لأنه باعتباره زعيم أكبر الكتل البرلمانية، فهذا يعني أن منصب رئيس الوزراء هو أعلى منصب تنفيذي متاح لغير المسلمين. ذلك مع بقاء منصب الرئاسة رمزياً، كما هو الأمر في النظام البرلماني الصرف. الجدة فيما يتعلق بهذا الدستور تكمن في نصه على أن الفقه الإسلامي هو "المصدر الرئيسي للتشريع"، يوازيه التأكيد على حرية الاعتقاد، واحترام الدولة لجميع الأديان السماوية، وكفالة حرية القيام بجميع الشعائر. ولعل هذه الإضافة عائدة إلى تأثير الإسلام السياسي الذي كان حاضراً في الجمعية التأسيسية، من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وبعض الشخصيات الإسلامية المستقلة.

ولم يختلف دستور عام 1953 الذي قدمه الزعيم أديب الشيشكلي، عن سلفه، فيما يتعلق بالهوية العربية والإسلامية للجمهورية السورية، ما خلا إضافة إلى المادة الأولى في بندها الثالث لتشير إلى ما يلي: "والشعب السوري جزء من الأمة العربية. وعلى الدولة أن تسعى، في ظل السيادة والنظام الجمهوري لتحقيق وحدة هذه الأمة".([24]) ويمكن تفسير هذه الإضافة إلى شعور الزعيم الشيشكلي بتنامي الشعور القومي في البلاد، فأراد بذلك مجاراة الأحزاب القومية، من بعث وغيره. الأمر الأهم، أنه في الإبقاء على أن "دين رئيس الجمهورية هو الإسلام" في نظام هو الأقرب للنظام الرئاسي، حرمان لغير المسلمين من فرصة الارتقاء إلى هذا الموقع، وهذا أمر مختلف عندما كان النظام أقرب للنظام البرلماني في ظل الأنظمة السابقة.

وبعد استقالة الرئيس الشيشكلي، نتيجة لمطالبات شعبية ومن بعض الوحدات العسكرية، في 25 شباط/فبراير 1954، عاد الرئيس هاشم الأتاسي لسدة الرئاسة لإكمال ولايته الدستورية وتشكيل حكومة تشرف على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، حيث انتخب الرئيس شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في 6 أيلول/سبتمبر 1955، واستمر العمل بدستور عام 1950 حتى قيام دولة الوحدة بين مصر وسورية في شباط/فبراير 1958، بينما اعتُبر الدستور الذي وضع في عهد الرئيس الشيشكلي باطلاً.

عكَسَ دستور الجمهورية العربية المتحدة الذي جاء مقتضباً من 73 مادة اللحظة القومية العاطفية، وتم الإسراع في تشكيل مؤسسات لم تحظ بكثير من التفكير والتدبير بشكل يحفظ مصالح القطرين المشكِّلين للاتحاد. ولم يشمل الجزء المتعلق بالهوية حيزاً كبيراً في الوثيقة الدستورية التي جاءت بها دولة الوحدة، فقد اقتصرت المادة الأولى على أن "الدولة العربية المتحدة جمهورية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة وشعبها جزء من الأمة العربية".([25]) أما الأمر الملفت للنظر فهو غياب أي إشارة إلى دور الدين في الدولة، سواء بالنسبة لهوية الدولة، أو شرط الرئاسة، أو دور الشريعة أو الفقه الإسلامي في التشريع. وانعكست المشاعر القومية العربية بشكل أوضح في بيان إعلان الجمهورية العربية المتحدة، وفي كلمات الرئيسين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر الموجهة إلى مجلسي النواب السوري ومجلس الأمة المصري.

لقد كان فشل أول تجربة اتحادية للدول العربية نكسة للقوى القومية، خاصة الناصرية والبعثية والقوميين العرب. ومع أن فشل دولة الوحدة كان مدعاة لبعض النخب السياسية لتفكّر بشكل عقلاني بالتركيز على تقوية الهوية الوطنية قبل الخوض في تجارب وحدوية غير مدروسة، دفع هذا الفشل بعض الأحزاب القومية، خاصة حزب البعث الذي شعرت قياداته بأنها استُغلت من قبل النظام المصري، إلى تبني التفكير الإنقلابي للوصول إلى الحكم بأي وسيلة، وذلك لتقديم نموذج قومي مختلف عن التجربة الناصرية. ومن هنا كانت تجربة الانفصال وقتية، إذ تعالت لغة المزايدات لدى كافة القوى السياسية العروبية في سورية، مدعية أنها ستعيد تجربة الوحدة، لكن بشكل أفضل وأنضج. ومن هنا لم يتسنَّ لفترة الحكم الانفصالي صياغة دستور جديد بقدر ما اعتمدت دستور عام 1950 بتعديلات جزئية. النقطة المضيئة الوحيدة في فترة الانفصال كانت الانتخابات البرلمانية الحرة النزيهة التي شهدتها البلاد لآخر مرة، ، بمشاركة أغلبية القوى السياسية.

وبعد انقلاب 8 آذار/مارس 1963 وحتى اعتماد دستور 1973، صدر دستوران مؤقتان يمكن تسميتهما بدساتير حزب البعث، أولهما: في 25 نيسان/إبريل 1964، وثانيهما: في 1 أيار/مايو 1969، وتم تعديله بعد انقلاب الأسد في 16 شباط/فبراير 1971. وتتشابه هذه الدساتير المؤقتة في معالجتها لموضوع الهوية بتركيز أكبر على الالتزام بالوحدة العربية، وتحديد النظام السياسي والاقتصادي بأنه نظام "الديمقراطية الشعبية" وتبني النظام "الاشتراكي". فمثلاً تنص المادة الأولى في دستور عام 1964، على ما يلي: 1) القطر السوري جمهورية ديمقراطية شعبية اشتراكية ذات سيادة وهو جزء من الوطن العربي، 2) الشعب العربي في سورية جزء من الأمة العربية يؤمن بالوحدة ويناضل في سبيل تحقيقها، 3) السيادة في القطر السوري للشعب.([26]) أما عن دور الدين في الدولة، فتنص المادة الثالثة على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام (تختفي هذه المادة في الدساتير المؤقتة لعامي 1969 و1971)، والفقه الإسلامي مصدر "رئيسي" للتشريع، وليس المصدر "الرئيسي"، كما نص على ذلك دستور عام 1950. وهكذا يتضح أن الهوية في هذه الدساتير المؤقتة معرَّفة من خلال عدسة حزب البعث العربي الاشتراكي. ولأول مرة تتم إضافة مادة إلى دستور عام 1969 لتتكرر في الدستور المؤقت لعام 1971، ودستور حافظ الأسد لعام 1973، وهي: "الحزب القائد في المجتمع والدولة، هو حزب البعث العربي الاشتراكي".([27]) هناك أيضاً بعض التفاصيل ذات العلاقة بالهوية في التغييرات التي أحدثتها دساتير حزب البعث، ومنها الإشارات المتكررة إلى التزام النظام بتحقيق أهداف الحزب في الوحدة العربية والعمل على تحقيقها. فمثلاً، تنص المادة 37 من دستور 1964 على نوعية القَسَم لأعضاء المجلس الوطني كما يلي: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدستور البلاد مدافعاً عنه وعن استقلال الوطن ومصالح الشعب وأن أحترم قوانين البلاد وأقوم بمهمتي بشرف وأن أعمل لتحقيق أهداف الثورة في الوحدة والحرية والاشتراكية". تراجع دور الدين في الدولة، وهذا متوقع من حزب "علماني تقدمي"، لكن هذا التراجع لم يلغِ دور الدين تماماً، بل تم التقليل منه ليكون الفقه الإسلامي مصدراً "رئيسياً" للتشريع، وليس المصدر "الرئيسي"، كما نصت على ذلك الدساتير السابقة. أمر آخر مثير للنظر، أنه في القَسَم المذكور لأعضاء مجلس الشعب في دستوري 1969 و1971، تم حذف الذات الإلهية من القسم، ليكون على النحو التالي: "أقسم بشرفي ومعتقدي أن أحافظ مخلصاً على النظام الديمقراطي الشعبي وأن أحترم الدستور والقوانين، وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن، وأن أعمل وأناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية".([28])

وأخيراً، هناك تشابه بين دستوري عام 1973 و2012 (دستورا حافظ وبشار الأسد)، في موضوع الهوية ودور الدين في الحياة العامة، مع بعض التغييرات ذات المغزى. ففي دستور 1973، يحدد الفصل الأول في مبادئه السياسية هوية البلاد على النحو التالي: 1) الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية شعبية واشتراكية ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي عضو في دولة اتحاد الجمهوريات العربية، 2) القطر العربي السوري جزء من الوطن العربي، 3) الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية يعمل ويناضل لتحقيق وحدتها الشاملة.([29]) أما دستور عام 2012 فينص في مادته الأولى على: 1) الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، ولا يجوز التنازل عن أيٍّ من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربي، 2) الشعب في سورية جزء من الأمة العربية.([30]) الفارق الواضح بين الصيغتين، غياب وصف "الشعبية الاشتراكية" في الدستور الثاني، وتراجع التزام الشعب السوري في العمل والنضال لتحقيق الوحدة الشاملة. وكلا الأمرين يعكسان أيديولوجية حزب البعث، الأمر الذي يعني التخلي عن هذا الجانب من الأيديولوجية البعثية في دستور الابن. وهناك تباين في القَسَم الدستوري المتضمن تحت المادة السابعة في كلا الدستورين، فهو في دستور 1973 كما يلي: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي، وأن أحترم الدستور والقوانين، وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن، وأن أعمل وأناضل لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية". أما في دستور الابن، فهو: "أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية". ومرة ثانية، هناك تخلٍ عن الأهداف الثلاثة لحزب البعث - حُملت على أنها أهداف الأمة العربية - ألا وهي: الوحدة والحرية والاشتراكية. مع ذلك، يُبقي القَسَم في دستور الابن على تعهد بتحقيق "العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية"، وهي أهداف أكثر غموضاً، لكنها بالتأكيد تخلٍ واضح عن أهداف حزب البعث "الحاكم".

أما عن دور الدين، فهناك تشابه في الصياغة، مع إضافة منطقية في دستور 2012. فقد نص دستور عام 1973 على ما يلي: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع.([31]) ويتبنى دستور 2012 اللغة نفسها في مادته الثالثة، مضيفاً البندين التاليين: 1) تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، 2) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.([32])

ثانياً: الحقوق والحريات

لم تغب الحقوق والحريات العامة عن الوثائق الدستورية السابقة بقدر ما هي مقيدة أحياناً، خاصة في حالة الحقوق السياسية، وأنها الجزء الأكبر الذي لا يطبَّق في هذه الدساتير. والحقيقة فإن تفحصاً دقيقاً لقسم الحقوق والحريات والمواطنة يشير إلى اقتراب أكثر الدساتير من المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرياته. وفيما يلي بعض الملاحظات المقارنة:

  1. من الأمور الملفتة للنظر أن أول التجارب الدستورية (دستور المملكة السورية لعام 1920) كان متطوراً جداً في القسم المتعلق بالحقوق والحريات. فقد جاء الفصل الثالث تحت عنوان "في حقوق الأفراد والجماعات"، ليشمل سبع عشرة مادة متضمنة للحقوق التالية: حق الجنسية، المساواة أمام القانون، احترام الحرية الشخصية، حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، حرمة التعذيب، حق تأليف الجمعيات، حرمة المساكن، احترام الملكية الخاصة، حرية المطبوعات، مجانية التعليم في مراحله الأولى، حق المحاكمة أمام المحاكم المختصة، وحرمة النفي الإداري.([33])
  2. حافظ دستور عام 1930 على الحقوق والحريات عينها المنصوص عليها في الدستور السابق، وفصل في بعضها. ففي مجال حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، على سبيل المثال هناك تفصيل أكبر مما ورد في الدستور السابق. إذ تنص المادة 15 على ما يلي: "حرية الاعتقاد مطلقة. تحترم الدولة جميع المذاهب والأديان الموجودة في البلاد وتكفل وتحمي حرية القيام بجميع شعائر الأديان على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب. وتضمن أيضاً لجميع الأهالي على اختلاف طوائفهم احترام مصالحهم الدينية وأحوالهم الشخصية". وتضيف المادة 28 كفالة حقوق الطوائف الدينية، وحقها بإنشاء مدارس خاصة بها.([34])
  3. يُعتبر دستور عام 1950 الأكثر شمولاً وتفصيلاً في باب الحقوق والحريات. والحقيقة أن الدساتير التي أعقبته بدأت تقليد "التقييد" لبعض هذه الحقوق والحريات، كما سيتضح لاحقاً. يأتي قسم الحقوق والحريات في هذا الدستور في الفصل الثاني، تحت عنوان "المبادئ الأساسية". وما يميز هذا الدستور عن سابقيه أنه يزيد من هذه الحقوق ويغنيها تفصيلاً. فمثلاً، في باب حق التجمع والتظاهر السلمي، يضيف المادة التالية: "للسوريين حق تأليف أحزاب سياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية".([35]) ومثال آخر هو التفصيل المتضمن تحت المادة العاشرة فيما يتعلق بحق المواطن بالمحاكمة العادلة، إذ تشمل المادة على أحد عشر بنداً تفصيلاً، تبدأ بافتراض البراءة، وأسلوب التوقيف، وتجريم التعذيب، وحق الدفاع، ورفض المحاكم الاستثنائية والعسكرية، وأخيراً حق النقض. هذا الحيز الذي احتلته الحقوق والحريات في هذا الدستور، هو أحد أسباب اعتباره الأكثر "ديمقراطية" بين التجارب الدستورية. إذ لم يكتف هذا الدستور بالتأكيد على الحريات العامة، بل أكد على الحقوق الاجتماعية - الاقتصادية، كحق العمل والتعليم والضمان الاجتماعي.
  4. على الرغم من قيام الرئيس الشيشكلي بإلغاء دستور عام 1950، وتقديم دستور بديل عنه، فمن المفارقة أن دستور عام 1953 الذي قدمه كبديل للدستور الملغى قد أخذ الكثير منه. ليس هذا فحسب، بل حاول الرئيس الشيشكلي تحسين بعض الفقرات عن الدستور الملغى. فمثلاً، يعتمد دستور الشيشكلي أكثر المواد الواردة في باب المبادئ الأساسية المستقاة من دستور عام 1953، ويعنونه بـ"الضمانات الديمقراطية"، ويزيد أحياناً في بعض التفاصيل الشارحة للحقوق والحريات. ففي باب حق العمل، وتحت المادة التاسعة والثلاثين، هناك تفصيل لكيفية حماية الدولة لحق العمل، ومن ذلك تحديد ساعات العمل، وتعويض العمال في بعض الحالات الخاصة كالمرض والعجز، وإيجاد الشروط الخاصة بعمل المرأة والأحداث بما يكفل حمايتهم. ويفصل في الفقرة التالية: "جعل أجور النساء في حالة تماثل الظروف مساوية لأجور الرجال".([36]) لكن المفارقة أن هذا الدستور هو الوحيد الذي أشار بشكل صريح على: "لا يُقبل ترشيح المرأة لرئاسة الجمهورية".([37])

يظهر التراجع في الحقوق والحريات في الدساتير اللاحقة، وذلك إما من خلال تقليص مساحتها أو تقييدها، والأهم من ذلك الالتفاف على تطبيقها. ففي دستور الجمهورية العربية المتحدة، مثلاً، يتم اختزال الحقوق والحريات تحت الباب الثالث، بعنوان "الحقوق والواجبات العامة". فإذا تم استثناء المادة 11 التي تتحدث عن واجب الدفاع عن الوطن والجندية الإجبارية، لا يبقى في الدستور إلا أربع مواد، وهي: 1) المساواة أمام القانون، 2) لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، 3) حظر تسليم اللاجئين السياسيين، 4) الحريات العامة مكفولة في حدود القانون.([38]) وتعكس لغة المادة الرابعة الروح التقييدية للحريات، بربطها بحدود القانون الصادر في أغلب الأحيان عن السلطة التنفيذية. وتستمر الدساتير الثلاثة المؤقتة التي صدرت في عهد حزب البعث بتقييدها للحقوق والحريات، لتنسجم مع رؤية حزب البعث الريادية للمجتمع والدولة، ومع إعادة تعريفها لمفاهيم كالحرية لتعني حرية الوطن أولاً ثم حرية الفرد. فلو أخذنا الدستور المؤقت لعام 1969، وهو مشابه لدستوري عام 1964 ودستور 1971، يتم اختزال الحقوق والحريات لتقتصر على المساواة أمام القانون، وتكافؤ الفرص، وحق المحاكمة (لكن يختفي هنا تجريم التعذيب، وعدم اللجوء إلى المحاكم الاستثنائية)، وسرية المراسلات، وعدم جواز إبعاد المواطن، وحق التعليم والعمل، والمساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب، لكن حسب القانون.([39]) فمثلاً، لو أخذنا حق المساهمة في الحياة السياسية لوجدنا أن هذا الحق قد تم تقييده بتبني المادة السابعة التي تنص على أن: "الحزب القائد في المجتمع والدولة، هو حزب البعث العربي الاشتراكي". وبمعنى آخر، وبتبني هذه المادة، وهي المادة المستنسخة من تجارب الدول الشيوعية، فإن الإطار الوحيد للحياة السياسية والعمل النقابي هو من خلال هذا الحزب. فحتى عندما يقدم الدستور المؤقت لعام 1969 إضافة جديدة في الإشارة إلى دعم حق المرأة في المشاركة في الحياة العامة فإنه يأتي ضمن تعريف النظام البعثي للحياة العامة على النحو التالي: "على الدولة أن توفر للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة في الحياة العامة وأن تعمل على إزالة القيود التي تمنع تطويرها، بما يمكنها من المشاركة في بناء المجتمع العربي الاشتراكي".([40])

وينهج دستورا عامي 1973 و 2012 طريقة الدساتير المؤقتة السالفة نفسها في تقييد الحريات والحقوق، مقارنة بدستور عام 1950. ويتضح هذا التقييد في الممارسات التالية: 1) ربط الحقوق والحريات بتوجهات الحزب الحاكم، 2) تعليق العمل بهذه الحقوق والحريات المنصوصة بالاستناد إلى الأحكام العرفية المفروضة منذ عام 1963-2012، 3) تجاهل هذه البنود بشكل كلي أو كامل. من الأمثلة على تراجع بعض الحريات غياب بعض المواد التي تمنع محاكمة المواطنين أمام محاكم استثنائية أو عسكرية. أما من الأمثلة على تحديد الحريات من خلال وضعها بصيغة شرطية المادة التي تتحدث عن حرية التعبير في دستور عام 1973 المتضمنة: "لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى، وأن يسهم في الرقابة والنقد والبناء بما يضمن سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي، وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون".([41]) لكن وللحقيقة، فإن دستوري عامي 1973 و2012 يتضمنان أغلب الحقوق والحريات الموجودة في دساتير الدول المتطورة، لكن الإشكال هو في عدم احترام هذه الحقوق والحريات. فمثلاً، أعاد دستور 1973 المادة المتعلقة بتحريم التعذيب، وكذا دستور 2012، لكن تكفي الإشارة إلى أن سورية، خاصة بعد الثورة السورية عام 2011، قد تكون هي الأسوأ في العالم في نسبة المعتقلين السياسيين الذين تمت تصفيتهم بشكل منهجي تحت التعذيب.([42]) كما أزال دستور عام 2012 شرطية الحقوق والحريات، كما وردت في الدستور السابق، لكنها بقيت مواداً نظرية ليس لها علاقة بالواقع، فمن الحقوق المنصوص عليها: "للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق".([43])

ثالثاً: اللامركزية

ترتبط اللامركزية في الحكم بتركيبة النظام السياسي. فكلما كان النظام ديمقراطياً اتجه إلى إعطاء صلاحيات أكبر للوحدات المشكلة للنظام السياسي. وبالتعريف فإن من سمات الأنظمة السلطوية تفضيل المركزية ليسهل لها السيطرة والتحكم. من الملفت للنظر في قراءة التجارب الدستورية المتنوعة للدولة السورية ميلها إلى الاقتضاب والعمومية عند الحديث عن اللامركزية، وفي أغلب الأحيان إحالة الموضوع إلى قوانين تفصل هذه القضية.

في أول تجربة دستورية قدم ممثلو المؤتمر السوري نوعاً من اللامركزية التي كانت أقرب ما تكون إلى النظام الفيدرالي، إذ شمل الدستور باباً كاملاً حول "المقاطعات"، وهي الوحدات المكونة للمملكة السورية (الداخل والساحل والجنوب: سورية ولبنان وفلسطين والأردن). ففي الفصل الحادي عشر يحدد دستور عام 1919 مبدأ إدارة المقاطعات عن طريق "اللامركزية في إدارتها الداخلية ما عدا الأمور العامة التي تدخل في خصائص الحكومة العامة (المركزية)"، كما تحدد المواد اللاحقة طريقة إدارة المقاطعات عن طريق مجالس نيابية منتخبة وحاكم عام يعينه الملك، وإيجاد آلية لحل الخلافات بين مجالس المقاطعات والحكومة المركزية عن طريق مجلس الشيوخ (المركزي).([44]) وعلى الرغم من أن هذا الدستور لم يطبق فعلياً بسبب الاحتلال الفرنسي لسورية ولبنان، إلا أنه قدم منظوراً متطوراً لفكرة اللامركزية والحوكمة المحلية.

أما دستور عام 1930، فلم يفصل في اللامركزية واكتفى في بابه الأخير تحت عنوان أحكام مختلفة بالنص على: "يوضع قانون خاص بشأن حدود المناطق الإدارية وتنظيمها وصلاحياتها تراعى فيه الحالة الخاصة ببعض هذه المناطق".([45]) وهنا نرى تميزاً في دستور عام 1950 الذي اشتمل على فصل كامل بعنوان "التقسيمات الإدارية"، ولعل أهم عناصره تقسيم أراضي الجمهورية إلى محافظات، تُدار من قبل مجالس يُنتخب ثلاثة أرباعها ويعين الربع الباقي، وتقوم المجالس بانتخاب رئيسها ومكتبها التنفيذي. كما حدد هذا القسم إحدى عشرة صلاحية، ومنها: الصحة ومكافحة الأمية، وتوفير المياه الصالحة، وتنشيط السياحة، ورعاية الأعمال الخيرية، وتنظيم واستثمار الصيد البحري والنهري والبري. وأخيراً، حدد موارد المحافظات، وكيفية الصرف على مشاريعها.([46])

ولعل أكبر فشل في تجاهل أهمية اللامركزية في الحكم قد تجلى في تجربة دولة الوحدة حيث أصر الطرف المصري، وبعض مؤيديه من السوريين، على إقامة دولة وحدة اندماجية بدلاً من نظام فيدرالي يراعي خصوصية القطرين. يرسخ الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة فكرة الدولة الموحدة المركزية، وكذا الممارسة الفعلية التي حرص الطرف المصري على ترسيخها. ولعل من المفيد التذكير بأن أغلبية المتحمسين لفكرة الوحدة مع مصر لم يتخلوا عن الفكرة كمبدأ، وإنما طرحوا فكرة الاتحاد الفيدرالي بين البلدين بدلاً من نموذج الوحدة الاندماجية. وبالطبع، فإن أجواء الانقسامات والمزايدات، إضافة إلى التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، قد دفعت السياسيين والعسكريين السوريين إلى القبول بكافة شروط عبد الناصر للوحدة، ومنها: إجراء استفتاء شعبي على الوحدة، وحل الأحزاب السياسية، وانسحاب الجيش من السياسة. ومع أن بعض هذه الشروط قد تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أن المقصود منها إضعاف وتحييد الزعماء السياسيين السوريين لتأمين تبعية الإقليم السوري لمصر. وتلخص إحدى الدراسات التقييم الذي قدمه كثيرون ممن كتبوا عن تجربة الوحدة بما يلي: "وكان الخطأ الفادح في محاولة المصريين تطبيق النظام المركزي القائم في مصر على سورية، والهدف من ذلك إقامة دولة اندماجية، متجاهلين أو جاهلين خصائص المجتمع السوري، والفروق السياسية والاجتماعية والجغرافية القائمة بين القطرين".([47])

وبعد انقلاب البعث، يدخل مصطلح "الديمقراطية الشعبية" الدساتير المؤقتة الثلاثة للأعوام 1964، و1969، و1971، ليربط الحكم - بما في ذلك الحكم المحلي - بحزب البعث. ويخلو دستور عام 1964 من أي إشارة إلى اللامركزية، بينما يشتمل الدستوران الباقيان على فصل حول "مجالس الشعب المحلية". ويعتمد الدستوران اللغة ذاتها، وذلك بالإشارة إلى أن مجالس الشعب المحلية هي أجهزة الدولة في الوحدات الإدارية، مع تحديد الوحدات الإدارية بقانون، ثم تُفصل ذلك المادة التالية بنصها: "يحدد قانون الإدارة المحلية اختصاصات مجالس الشعب وطريقة انتخابها وتكوينها وحقوق وواجبات أعضائها، وجميع الأحكام المتصلة بها".([48])

ويلحق دستور حافظ الأسد لعام 1973 موضوع اللامركزية بالسلطة التنفيذية، ويعتمد اللغة نفسها المشار إليها في الدستورين السالفين. وبما أن الدستور أحال هذا الموضوع إلى القانون، فقد تم إصدار القانون (15) لعام 1971، الذي وضح التقسيمات الإدارية، وتم فيما بعد تطوير القانون، مع إنشاء وزارة الإدارة المحلية. الملاحظ من خلال القانون وكذا الممارسة العملية في فترة الأسد الأب ما يلي: 1) رغم طرح مبدأ "الديمقراطية الشعبية"، فقد بقيت السمة الغالبة على العلاقة بين الحكومة والمجالس المحلية تميل لصالح المركزية الشديدة؛ 2) هيمنة حزب البعث على الإدارة المحلية بكونه الحزب القائد للمجتمع والدولة،([49]) 3) خضوع الإدارة المحلية، كباقي مفاصل الدولة، للمراقبة الأمنية الصارمة.

ومع أن دستور الأسد الابن أبقى على إحالة موضوع الإدارة المحلية للقانون، فقد كانت الجدة في تبنيه لمبدأ اللامركزية بشكل واضح: "يرتكز تنظيم وحدات الإدارة المحلية على تطبيق مبدأ لا مركزية السلطات والمسؤوليات..."، وأضاف في المادة التالية: "يكون لوحدات الإدارة المحلية مجالس مُنتخبة انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً".([50]) ومع أن قانون الإدارة المحلية الجديد صدر في أجواء ما بعد الثورة المنادية بمزيد من الحقوق والحريات على حساب المركز، فإنه اعتمد رغم أسبقيته على دستور عام 2012، فقد جاء قانون رقم (107) ليعيد النظر في التقسيمات الإدارية إلى: محافظات، مدن، بلدان، بلديات، وأكد على لا مركزية السلطات والمحليات، إلا أن إحدى الدراسات التي رصدت القانون في النظرية والتطبيق قد توصلت إلى خلاصتين: أولاهما: الاستمرار في اعتماد المركزية كنهج في تنظيم الإدارة المحلية، وثانيهما: استمرار تبعية نظام الإدارة المحلية لحزب البعث، على الرغم من إلغاء الدور الاستثنائي لحزب البعث في دستور عام 2012.([51])

رابعاً: النظام السياسي

شهدت سورية عدة نماذج للأنظمة السياسية من خلال دساتيرها المختلفة. ففي الفترة الانتقالية البسيطة بين خروج الأتراك من سورية وبداية الاستعمار الفرنسي، تبنى أعضاء المؤتمر السوري نظام الحكم الملكي النيابي، وتمت المناداة بفيصل بن الحسين ملكاً على البلاد. وكان المنطق السياسي لتبني هذا النظام السياسي يستند إلى حجتين: أولاهما: أن الحكم الملكي النيابي تدرج من الملكية المطلقة المستبدة (متجسدة في الحكم العثماني) إلى النظام الجمهوري الذي قد لا يكون الشعب السوري مستعداً له. أما الحجة الثانية: فتتمثل في مكافأة الدور الذي لعبه الأمير فيصل في تحرير البلاد العربية من الحكم التركي، والخبرة التي كسبها في التعاطي مع الدول الغربية.([52]) وعلى الرغم من أن هذا النظام لم يُكتب له البقاء إلا لأشهر معدودة، إذ وضع إنذار "غورو" الشهير نهاية مبكرة لأول تجربة في الحكم النيابي (الملكي الدستوري)، فإن معالم هذا النظام قد تم تحديدها في حكومة مسؤولة أمام مجلس نواب منتخب بوجود الملك فيصل الذي أُعطي صلاحيات أكبر مما هو معتاد في الملكيات الدستورية، وهو أمر متوقع في مرحلة انتقالية افتقدت فيها القوى السياسية التجربة والخبرة. الأمر المثير الثاني في هذا النظام السياسي: هو تبني نوع من "اللامركزية الإدارية" التي تقترب من الحكم الفيدرالي بين المقاطعات الثلاث المشكِّلة للمملكة السورية، مع إعطاء المقاطعات صلاحيات واسعة، بما في ذلك تشكيل مجالس نيابية خاصة بها، وتعيين "حكام" من قبل الملك، يكونون مسؤولين أمام هذه المجالس. الأمر الأخير: تبنى المؤتمر السوري في هذا الدستور نظام المجلسين للسلطة التشريعية، النواب والشيوخ، مع إعطاء صلاحيات هامة لمجلس الشيوخ، وذلك لإحداث توازن بين المركز والمقاطعات. وبالطبع، فإن عدم تطبيق هذا النظام السياسي قد حرم السوريين من تجربة فريدة، كان من الممكن أن ترسخ حكماً ملكياً دستورياً، أو نموذجاً آخر، بين الحكم المطلق والدستوري، مماثل لتجربة حكم الأسرة الهاشمية في الأردن.

ثم شهدت سورية أولى تجاربها مع الحكم الجمهوري النيابي، والذي تجسد من خلال دستوري عام 1930 و1950. وفي كلا النموذجين تتوضح معالم نظام أقرب للبرلماني، لكن فيه بعض خصائص النظام المختلط (شبه الرئاسي)، إذ يعطي في كلا الحالتين صلاحيات أكبر لرئيس الجمهورية (المنتخب من خلال مجلس النواب) من تلك المعروفة في النظام البرلماني الصرف. فمثلاً: من صلاحيات رئيس الجمهورية عقد المعاهدات والتوقيع عليها، كما نص ذلك دستور عام 1930، وهو يختار رئيس الوزراء والوزراء بناء على اقتراح رئيسهم، وله حق حل مجلس النواب بموافقة مجلس الوزراء.([53]) ويضاف إلى ذلك صلاحيات أخرى لرئيس الجمهورية في دستور عام 1950، وهي إعلان الحرب وعقد الصلح، بقرار من مجلس الوزراء بعد استشارة مجلس الدفاع الوطني، إضافة إلى أن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش وهو رئيس مجلس الدفاع الوطني.([54]) كما أن غياب إشارة واضحة إلى أن الرئيس ملزم باختيار رئيس وزراء - يكون رئيس الأغلبية البرلمانية أو ائتلاف حاكم يتمتع بدعم الأغلبية - تعطي الرئيس في كلا الحالتين دوراً أكبر في النظام السياسي على حساب رئيس الوزراء. مع ذلك، فإن النظام السياسي الجمهوري النيابي كما تم تحديد مبادئه العامة في كلا الدستورين قد شكل خطوة متقدمة جداً في تبني نظام ديمقراطي، لم يتسنَّ له الاستمرار بسبب تدخل العسكر في السياسية، وذلك مع الانقلابات الثلاثة التي شهدتها سورية في عام 1949، والانقلاب الرابع (الثاني للعقيد الشيشكلي في عام 1951)، ثم صعود الأحزاب القومية "العقائدية"، ومزايداتها التي دفعت بأغلبية القادة السياسيين لتسليم حكم البلاد إلى الرئيس جمال عبد الناصر تحت مسمى دولة الوحدة. وأخيراً، كان للتدخلات الخارجية لكل من محوري العراق من ناحية، والسعودية ومصر من ناحية ثانية دور كبير في تعميق الخلافات والانقسامات الداخلية للأحزاب والقوى السياسية السورية التي شعرت أنها بحاجة لدعم الدول العربية في وجه تنامي المطامع الإسرائيلية.([55]) لكن وقبل المضي قدماً في الحكم على التجارب اللاحقة، من المهم التركيز على مزايا النظام الجمهوري النيابي، على الرغم من عدم مجاراته للنظام البرلماني الصرف. في كلتا الحالتين، صاغ مشروعي الدستورين جمعيةٌ تأسيسيةٌ منتخبة، سيطر عليها الوطنيون - حتى في ظل الانتداب الفرنسي - الأمر الذي دفع سلطات الانتداب للضغط من أجل تعديل بعض الفقرات التي تركز على استقلال ووحدة البلاد، أو تعطيل العمل بالدستور تماماً، كما فعل المندوب السامي عدة مرات. الأمر الثاني: أن ممثلي الشعب السوري في الجمعيتين كانوا على وعي بالقضية الأساسية التي واجهتهم (الاستقلال ووحدة الأراضي السورية في دستور 1930)، والتركيز على سيادة الأمة والأهداف الأساسية التي تم تحديدها في مقدمة دستور 1950، وهي: إقامة العدل، ضمان الحريات الأساسية للمواطنين، نشر روح الإخاء وتنمية الوعي الاجتماعي بين المواطنين، دعم واجب الدفاع عن الوطن والجمهورية والدستور، تحرر المواطنين من الفقر والمرض والجهل، كفالة المساواة في الواجبات والحقوق، تقوية الشخصية الفردية. الخاصية الثانية للنظام الجمهوري البرلماني، كما جاء في دستور عام 1950، هو نصه الواضح على أن "السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها".([56]) ومع إضافة بند في المبادئ الأساسية المتضمنة في الحقوق والحريات على حق السوريين في حق تأليف الأحزاب، بشرط أن تكون غاياتها ووسائلها سلمية وذات نظم ديمقراطية، يكون الدستور قد رسخ أكثر المعايير ديمقراطية للممارسة السياسية. ملاحظة أخرى حول النظام الجمهوري النيابي: إن إعطاء رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات التنفيذية له مزايا وسلبيات، من المزايا الواضحة أن دور رئيس الجمهورية المنتخب من قبل مجلس النواب قد يكون هاماً في المراحل الانتقالية، وعندما تكون الحياة الحزبية ضعيفة يمارس الرئيس دوراً "وطنياً" جامعاً، فوق الأحزاب والمناكفات السياسية. لكن الخطورة في حالة عدم وجود قيود واضحة على صلاحيات الرئيس أو فترة حكمه يمكن أن يتحول الرئيس بسهولة إلى "ديكتاتور". لقد كان المشرعون على وعي بهذا الاحتمال في كلا الدستورين، فمن الضمانات لعدم تحول الرئيس إلى حاكم مستبد في دستوري 1930 و1950 النص الواضح على تحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات، لا يجوز تمديدها إلا بعد مرور خمس سنوات كاملة على انتهاء فترة الرئاسة.([57]) لكن الغموض في دستور عام 1950 يتمثل في عدم نصه على أن رئيس الجمهورية محكوم باختيار رئيس الوزراء بالأغلبية البرلمانية أو ائتلاف الأغلبية، كما هو متعارف عليه في الأنظمة البرلمانية. وباختصار، فإن تركيبة النظام السياسي، بشكله الجمهوري النيابي، والتوسع في الحقوق والحريات، وإيجاد صيغ توافقية لقضايا الهوية، وعدم السماح لأي فرد أو جماعة باحتكار تمثيل الشعب، ورفع القيود عن تشكيل الأحزاب السياسية، كل ذلك جعل من دستور عام 1950 الدستور الأكثر "ديمقراطية" في تاريخ سورية.

وعلى الرغم من إبقاء العقيد الشيشكلي على كثير من مواد دستور 1950، إلا أنه حوَّر تركيبة النظام السياسي باتجاه النظام الرئاسي. فلكي يقوي من منصب الرئاسة جعل دستور الشيشكلي انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وألغى منصب رئيس الوزراء، وحصر السلطة التنفيذية كلها في رئيس الجمهورية، يمارسها نيابة عن الشعب، ووسع من صلاحيات الرئيس بشكل كبير.([58]) وبالطبع فقد افتقد هذا الدستور إلى الشرعية، وذلك للطريقة التي تم بها تمريره، إذ قام العميد الشيشكلي، بكونه اعتباره رئيساً للأركان، بإرسال الدستور إلى رئيس الوزراء، اللواء فوزي سلو، ليتم العمل به بدلاً من دستور 1950. وعلى الرغم من إجراء انتخابات رئاسية جرت في أجواء مقاطعة عامة من القوى السياسية، نجح فيها الشيشكلي، فقد كان الإجماع في العودة إلى دستور عام 1950، بعيد استقالة الشيشكلي ومغادرته البلاد. وتم اعتبار الدستور الذي تبناه الشيشكلي ونظامه السياسي الرئاسي لاغياً.

وأما النظام السياسي للجمهورية العربية المتحدة، فقد كان نظاماً رئاسياً، لم يكن مجلس الأمة المعين ليشكل نوعاً من الرقابة والتوازن مع الصلاحيات الرئاسية (checks and balances)، الأمر الذي عنى، خاصة مع وجود شخصية كاريزامتية كعبد الناصر، تحول النظام السياسي إلى نظام "استبدادي". ولم تساعد المركزية العالية: (حيث تحكمت القاهرة بأغلب القرارات، وغابت الحياة الحزبية) على تقبل السوريين للنظام السياسي الوحدوي.([59])

ومع انقلاب 8 آذار/مارس عام 1963 دخلت سورية نفق النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، والمتأثر بتجارب الدول الشيوعية. وتُعتبر الفترة بين الانقلاب الأول (1963) وانقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970 مرحلة انتقالية، شهدت بداية تخلص حزب البعث من شركاء انقلاب آذار/مارس من الناصريين والمستقلين، ثم تخلص أعضاء القيادة القطرية من القيادة "اليمينية" التقليدية (ومنها المؤسسون للحزب)، بعد عام 1966. وأخيراً حُسم الصراع بين صلاح جديد وحافظ الأسد لصالح الأخير، الذي تمكن أخيراً من تأسيس نظام سياسي فريد، سيتم التوسع في عناصره وتركيبته، على أساس من دستور عام 1973.

يحدد دستور 1973، (دستور حافظ الأسد)، خمسة منطلقات رئيسية للنظام السياسي، وهي: 1) إن الثورة العربية ضرورة لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، 2) لا يمكن تحقيق إنجازات حقيقية لأي قطر عربي في ظل واقع التجزئة، 3) يُعتبر النظام الاشتراكي الضرورة الأساسية لتأطير نضال الجماهير في معركتها ضد الصهيونية والإمبريالية، 4) الحرية حق مقدس، و"الديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً". وترتبط حرية المواطن بحرية الوطن التي لا يصونها إلا المواطنون الأحرار و"لا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي"، 5) إن حركة الثورة العربية جزء أساسي من حركة التحرر العالمي.([60])

باستثناء النقطة الرابعة التي تؤطر قضية "الحرية" بنظام "الديمقراطية الشعبية"، تبقى النقاط الأربعة الأخرى أقرب للشعارات التي كانت رائجة ضمن الأدبيات الحزبية للأحزاب القومية في تلك الفترة. الديمقراطية الشعبية كما ترجمتها أغلب الممارسات للأنظمة السياسية التي تبنت هذا الشكل من الحكم، ما هي إلا كناية عن رفض النظام الديمقراطي التمثيلي (بشكله الغربي)، وتبني نظام استبدادي باسم الحزب الواحد، أو الحاكم الملهم، أو مجلس قيادة الثورة. في حالة دستور الأسد فإن هذه الممارسة مؤطرة من خلال احتكار حزب البعث للعملية السياسية، أضاف إليها الأسد بعض الشخصيات التي قبلت هذا الأمر الواقع من بقايا الأحزاب القومية الأخرى، والتي تم تضمينها في "الجبهة الوطنية التقدمية".([61])

السمة الثانية للنظام السياسي، كما صاغه الأسد، يتمثل في: المركزية الشديدة للنظام "الرئاسي"، لكن من دون وجود المراقبة والتوازن بين السلطتين التشريعية والقضائية مع السلطة التنفيذية أو في تقييد فترة حكم الرئيس. لقد أطر دستور 1973 الصيغة "القانونية" لاستمرار الأسد في الحكم مدى الحياة، وكذلك تمركز كافة السلطات في يديه. ومن هنا تأتي أهمية "الحزب الحاكم" ومجلس الشعب في إيجاد أداة "شرعية" للاستفتاءات الرئاسية التي كانت تتم كل سبع سنوات، وفاز فيها الأسد الأب بنسبة لم تقل أبداً عن نسبة (99.9%) المعهودة. الأمر الثاني الذي حاول الدستور التفصيل فيه هو: تعدد الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية والحزبية الواسعة لرئيس الجمهورية. وعلى الرغم من أوجه التشابه بين النظام السياسي للأسد وتلك الأنظمة السلطوية التي اعتمدت تجربة الحزب الواحد، فقد تميز النظام السوري بالخصائص التالية: 1) تحكم فرد واحد، وهو الرئيس الأسد، بالنظام السياسي، ونجاحه في استئصال أو ترويض كافة أشكال المعارضة السياسية، منهياً بذلك عقوداً من الاضطرابات والفوضى السياسية، 2) الدور المحوري للمؤسسة الأمنية والعسكرية في ضمان استمرار واستقرار النظام، 3) التوازن الدقيق بين عمل الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها شخصيات من الطائفة العلوية وبين المؤسسات الحزبية والبيروقراطية (المذكورة في الدستور)، والتي تعكس تمثيلاً يكاد يقترب من التركيبة السكانية، مع تفضيل أبناء الريف على حساب أهل المدينة في كلتا الحالتين.([62])

لقد رسخ حافظ الأسد "الازدواجية" في تركيبة النظام السياسي بين المؤسسات الرسمية التي نص عليها الدستور (مجلس الشعب للسلطة التشريعية، ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية العليا للسلطة القضائية، وحزب البعث كحزب حاكم) وبين الأجهزة الأمنية المتشعبة، ومسؤولي الأمن في المؤسسة العسكرية الذين تربطهم "عصبية" الانتماء الطائفي والعائلي مع الرئيس الأسد. وهكذا أوجد الأسد نوعاً من "التقسيم الوظيفي" بين المؤسسات الرسمية وبين دائرة صنع القرار الحقيقية (الرئيس ومساعديه من قادة الأجهزة الأمنية)، وبين باقي مؤسسات الدولة والحزب التي اقتصرت على تنفيذ وتبرير توجهات وسياسات النظام. ملاحظة أخيرة: في ظل نظام الأسد الأب، لم يكن من السهولة فهم تركيبة وآلية عمل النظام السياسي من خلال قراءة الدستور، وذلك بسبب "الباطنية السياسية" التي اعتمدها النظام في الممارسة. من الأمور المعروفة أن النسخة الأولى من مشروع دستور عام 1973 حذفت كل ما تعلق بالدين، كاشتراط أن يكون الرئيس مسلماً أو أن يكون للفقه الإسلامي دور في التشريع كما نصت الدساتير السابقة، لكن عندما قامت معارضة شعبية واسعة من المجتمع السوري، قبِل الأسد الرضوخ إلى المطالب الشعبية. ولحل إشكالية الخلفية الطائفية للأسد - منحدر من الطائفة العلوية - أوعز الأسد لمفتي الجمهورية حينها، الشيخ أحمد كفتارو، ولرئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، موسى الصدر، بإصدار فتاوى تؤكد أن الطائفة العلوية هي طائفة مسلمة تنتمي إلى المذهب الشيعي الجعفري (الإثنا عشري)، وبذا تم حل الإشكال الدستوري.([63]) المثال الثاني حول انفصال الدستور عن الواقع يتمثل في: تعطيل القسم المتعلق بالحريات والحقوق عن التنفيذ، إما استناداً إلى حالة الطوارئ السائدة منذ عام 1963، أو إلى تجاهل كامل لهذه النصوص باسم أولويات أخرى كمقاومة العدو الصيهيوني والإمبريالي أو التصدي للمؤامرات الخارجية.

لقد ورث بشار الأسد نظاماً سياسياً، كان يدرك أن أي محاولة لإصلاحه قد تؤدي إلى تقويضه. وشهد العالم لحظة غير مسبوقة في "المرونة الدستورية"، تمثلت في تعديل المادة 83 من الدستور السوري، في أقل من عشرين دقيقة، فقد تم تغيير المادة المتعلقة بعمر الرئيس من أربعين سنة إلى أربع وثلاثين سنة. وعلى الرغم من المطالب الشعبية بضرورة الإصلاح السياسي المتدرج للانتقال إلى نظام تعددي يضع حداً لتجربة حكم الحزب الواحد وذلك بإلغاء المادة الثامنة، كأضعف الإيمان، ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات، لم يستجب الأسد لأي من هذه المطالبات إلا بعد قيام الثورة السورية بأكثر من عام.

وبدراسة متأنية للتغييرات في النظام السياسي لدستور عام 2012، يتضح أن بشار الأسد أراد البرهنة على أنه أجرى تعديلات أساسية تتجاوب مع كثير من المطالب الشعبية، فقدم بعض التنازلات النظرية، كإنهاء حكم الحزب الواحد، إلا أنه تم تفصيل الدستور الجديد على مقاس الأسد لضمان استمراره في الحكم حتى عام 2028 على أقل تقدير. فمن بين التنازلات المتعلقة بالنظام السياسي، كما أشار إليها الدستور الجديد، ما يلي: 1) تشمل مقدمة الدستور إشارات إلى حكم القانون، ومجموعة من المبادئ الأساسية، منها حكم الشعب القائم على "الانتخاب والتعددية السياسية والحزبية وحماية الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي والحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وسيادة القانون"،([64]) 2) إلغاء المادة الثامنة التي كانت متضمنة في الدساتير البعثية السابقة، واستبدالها بمادة تنص على أن النظام السياسي يقوم على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة الديمقراطية عبر الاقتراع،([65]) 3) كفالة الدستور الجديد للتنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته، وتعدد روافده باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية،([66]) 4) التخلي عن النظام الاقتصادي الاشتراكي،([67]) 5) التوسع في باب الحقوق والحريات، وإضافة فصل حول سيادة القانون، 6) اعتماد مبدأ الانتخابات الرئاسية التنافسية، بدلاً من طريقة الاستفتاء على المرشح الأوحد التي اعتمدها النظام منذ عام 1973.

لكن كثيراً من هذه الإيجابيات - من الناحية النظرية - تتلاشى بتقييد الحياة الحزبية من خلال اشتراط البند الرابع من المادة الثامنة على ما يلي: "لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون".([68]) ومع أن بعض هذه التقييدات قد تكون منطقية بالنسبة لنظام سياسي جاد في عملية الانتقال الديمقراطي، إلا أن الهدف العام منها في حالة دستور بشار هو إقصاء تيارات سياسية كاملة عن العمل السياسي، كتيارات الإسلام السياسي، أو الأحزاب الكردية أو أي حزب لا يتفق مع أجندة الجهات المختصة المناط بها تقرير كيفية تطبيق هذه المادة. أما تفصيل هذا الدستور على مقاس بشار الأسد فهو في كيفية اختيار الرئيس، فبالإضافة إلى اشتراط أن يكون الرئيس "مسلماً"، ومتماً الأربعين من عمره، تضيف المادة الرابعة والثمانون ما يلي: أن يكون متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، وغير محكوم بجرم شائن ولو رد إليه اعتباره، ألا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح. إضافة إلى ذلك، فإن الطريقة الوحيدة للترشيح للرئاسة تتم عن طريق حصول المرشح على تأييد 35 عضواً من مجلس الشعب.([69]) إن أي متابع للكارثة السورية يعلم علم اليقين أن هذه المواد والاشتراطات ما هي إلا لحرمان السوريين الذين عارضوا بشار الأسد واضطروا إلى مغادرة البلاد من حق المنافسة على المنصب الأهم في النظام السياسي، وبالتالي إقصاء أغلبية المعارضين من حق الترشح. وكما أظهرت التجربة السورية وغيرها من التجارب العربية، فإن من يُسمح لهم بالترشح من الداخل عادة من عملاء النظام، وذلك بهدف إعطاء عملية الاقتراع مسحة التنافس. وهكذا، فلو تجاوزنا افتقاد الدستور إلى الشرعية بسبب غياب العملية الدستورية، فإن الفشل الكبير في هذا الدستور في المواد المشار إليها، والهادفة إلى إلغاء مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وهو التقليد الذي قامت ثورات الربيع العربي لوضع حد له. ما يقدمه دستور الابن تنازلات في قضايا لا تؤثر على تركيبة النظام السياسي، وتحاكي تلك التنازلات التي قدمها النظام المصري في عام 2005، وهي التي سمحت بتعدد المرشحين الرئاسيين، لكنها لم تُصغ بهدف إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي.

خلاصة واستنتاجات

إن نقطة البداية في أي عملية صياغة دستورية تكمن في التسليم بأن الوثيقة النهائية تستمد جزءاً كبيراً من شرعيتها من العملية نفسها. النقطة الثانية: تتمثل في قناعة المصممين بأنه يمكن التوصل إلى حلول توفيقية لكافة القضايا العالقة والجدلية إذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى المكونات المجتمعية الرئيسية ممثلة بقوى سياسية مسؤولة ولديها قيادات تتجاوز اهتماماتها المسائل الآنية. ثالثاً: فإن أي عملية دستورية لا تضع غايتها تغيير قواعد النظام السياسي للانتقال من دولة الاستبداد والفساد وحكم العائلة والمافيا إلى سعة الديمقراطية ودولة القانون، وترسخ مبدأ التبادل السلمي للسلطة، محكوم عليها بالفشل. وفيما يلي بعض التفصيل لهذه النقاط الثلاث:

أولاً: أهمية العملية الدستورية

يمكن لأي فرد أو مجموعة بحثية كتابة مجموعة من المبادئ والأحكام المنظمة لعمل منظومة سياسية، قد تجاري بمحتواها عنان القيم المثالية والأهداف المنشودة، وتكون أساساً لوثيقة دستورية، لكن مثل هذه الجهود لا يمكن أن ترقى إلى ما يُصطلح عليه بالعملية الدستورية السليمة، لأن الاحتكام لهذه المبادئ والقيم يستند إلى التسليم والقبول بعملية الصياغة. هذه الفكرة البسيطة كانت فتحاً في عام 1918، عندما طرحها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في محاضرته الشهيرة "السياسة كمهنة"، وحدد فيها أنواع الشرعية الثلاثة، أولها: الشرعية المستمدة من القيم التقليدية، وثانيها: القائمة على الإمكانيات الاستثنائية للشخصية الكاريزماتية، وأخيراً: الشرعية القائمة على أساس "القواعد القانونية المقبولة".([70]) لقد كان فيبر محقاً بأن التطور البشري يسير باتجاه الشرعية العقلانية القانونية المستندة إلى القبول بـ "قواعد اللعبة"، وهو ما يتم مأسسته من خلال العملية الدستورية. إن ما أعطى شرعية لدساتير عام 1919 و1930، وخاصة دستور عام 1950، أنها تمت من خلال عملية ساهمت فيها أغلب مكونات المجتمع السياسي السوري في وقتها، ومرت بمراحل الصياغة القانونية والنقاش السياسي من خلال مجالس تأسيسية، تم انتخابها لهذا الغرض (في 1928 و1950)، وأخيراً أخذت حظها من الحوار والنقاش، حتى تم إقرارها في الجمعيات التأسيسية ومن خلال استفتاءات شعبية لاحقاً.

واستناداً إلى دراسة التجربة السورية، وبعض التجارب المعاصرة، فقد قام فريق اليوم التالي الذي اجتمع على مدار أكثر من ستة أشهر في بدايات الثورة السورية في النصف الأول من عام 2012، بهدف تقديم خارطة طريق للانتقال الديمقراطي في سورية، قدم الفريق المعني بالتصميم الدستوري بعض التوصيات للعناصر المطلوبة في عملية صياغة دستورية شرعية، ومن أهمها:

  1. يجب أن تتجاوز عملية صياغة الدستور مجرد كتابة دستور جديد، إلى المساهمة في تقوية هوية وطنية سورية، وترعى مبدأ الوحدة الوطنية، وتعمق الثقة بين كافة مكونات المجتمع السياسي السوري.
  2. يجب أن تستند عملية الصياغة الدستورية إلى مجموعة من المبادئ الجوهرية، ومنها: الشفافية، والتشاركية، وتغليب روح التوافق والإجماع، والعهدة الوطنية (أن تكون عملية بأيدٍ سورية ومن أجل سورية).
  3. إيجاد إطار قانوني انتقالي يضمن حقوقاً وحريات جوهرية، ويقدم خارطة طريق لعملية التفاوض على صياغة الدستور الدائم، وضمانات دستورية (مبادئ فوق دستورية) يتم التوافق عليها.
  4. يجب صياغة ومناقشة الدستور في جمعية تأسيسية منتخبة، تُمثل فيها كافة مكونات المجتمع السوري، إلى أقصى حد ممكن، ويمكن أن يُطرح الدستور بعد ذلك على استفتاء شعبي (حقيقي وليس صوري كما كانت تفعل الأنظمة السلطوية).
  5. هناك ضرورة لوجود برنامج للتوعية والتواصل مع المكونات المجتمعية خلال كافة مراحل الصياغة الدستورية.([71])

وبالانتقال إلى الواقع السياسي، لا بد من التعليق على النقاش والجهود الدولية الجارية حول الدستور بأنها لم تصل إلى أي نتيجة ملموسة، وذلك إما لأنها حاولت سحب الأمر من يد السوريين، عندما قدم الطرف الروسي "دستوراً" جاهزاً للمفاوضين السوريين في الآستانة يضمن بقاء الأسد في السلطة،([72]) أو عندما حاول بعضهم اختزال العملية السياسية في "السلة الدستورية"، وأخيراً محاولات اختزال السلة الدستورية في اقتراح تعديلات على دستور عام 2012، لتقليص صلاحيات الرئيس لحساب رئيس الوزراء، ونقل بعض الصلاحيات إلى المجالس المحلية، وتأسيس غرفة برلمانية ثانية، والتأكيد على حياد المؤسسة العسكرية والأمنية.([73]) إن أغلب الجهود المذكورة تقف وراءها القيادة الروسية، لتحويل "النصر العسكري" التي أحرزته مع حليفتها إيران ووكيلها النظام السوري إلى نصر سياسي. من الواضح أن كافة هذه الجهود قد باءت بالفشل، إما لأنها حاولت الالتفاف على السوريين، أو أنها خالفت متطلبات عملية الصياغة الدستورية، ومنها التسلسل المنطقي للأشياء. فمثلاً، قبلت الأطراف السورية المعارضة، ومنها الائتلاف الوطني وهيئة المفاوضات الأولى والثانية بمرجعية وثيقة جنيف لعام 2012، والقرارات الأممية المتعلقة بقضية الانتقال السياسي في سورية، وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254، لأنها قدمت سياقاً منطقياً قائماً على أساس تشكيل هيئة حكم انتقالي، بصلاحيات تنفيذية كاملة، تقوم بقيادة مرحلة انتقالية، يكون من عناصرها إجراء انتخابات لجمعية تأسيسية، تقوم بصياغة دستور جديد للبلاد، يرافقه مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإصلاح للقطاع الأمني، ومن ثم تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساس الدستور الجديد.

إن المحاولات القائمة على تحوير هذا السياق من شأنه إطالة عمر الأزمة لأنها تتعاطى مع أعراضها، لكنها لا تقدم حلولاً جذرية لها. هذه القضية كانت حاضرة في وعي السوريين الذين تم استطلاع آراءهم على أولوية صياغة دستور جديد، فقد رأت أغلبية ساحقة ممن تم استطلاع آراءهم في مناطق النظام والمعارضة ومناطق سيطرة الأكراد والسوريين في الخارج، بأن الأوضاع الحالية (تم الاستطلاع في عام 2017)، غير مناسبة لصياغة دستور كامل للبلاد، وأن الأولويات تتمثل في وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار، وهزيمة داعش، وإخراج المقاتلين الأجانب، بينما كان موضوع صياغة دستور دائم لسورية في ذيل الأولويات، وأيدها (18%) فقط من المُستطلع رأيهم.([74]) وكبديل، فقد كان تفضيل أغلبية المستجيبين لتبني دستور مؤقت، أو إعلان دستوري يحكم المرحلة الانتقالية. وبالنسبة لطريقة صياغة الدستور، فقد كان التفضيل لطريقة التوافق بين القوى السياسية، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية (40.6%)، بينما كان الخيار الثاني صياغة دستور عن طريق جمعية تأسيسية منتخبة (30.3%)، وجاء خيار لجنة خبراء متخصصة في الدرجة الثالثة (25.3%).([75]) أخيراً، لا يمكن الحديث عن أي عملية سياسية، لها علاقة بالانتقال السياسي، بما في ذلك الصياغة الدستورية، من دون إيجاد الآليات المناسبة لإشراك ما يقرب من 6 ملايين لاجئ سوري في هذه العملية، وعدد أكبر من النازحين داخل البلاد. وبالطبع، فهذا يتطلب جهوداً دولية كبيرة، وتعاوناً من الدول المستضيفة للاجئين.

ثانياً: القضايا الخلافية

أما الخلاصة والتوصيات بالنسبة للقضايا الخلافية، فتشير التجربة التاريخية والتجارب المماثلة أن التوصل إلى حلول وسطية يتطلب إشراك كافة القوى السياسية، وتغليب روح التوافق القائم على تطمين الأغلبية للأقليات. وفيما يلي اقتراحات مستخلصة من التجربة الدستورية السورية حول أهم القضايا الخلافية:

  1. هوية سورية: كما هو واضح فإن الإجماع الذي رأيناه في ذكر الهوية العربية في كافة الوثائق الدستورية المتعاقبة، كان انعكاساً للواقع الديمغرافي للبلاد (حيث لم تقل نسبة العرب في أي مرحلة عن 90 بالمائة من السكان)، ومحاولة للتعاطي مع أزمة الهوية الناشئة من تشكيل الدولة القطرية من قبل الدول الاستعمارية. أما في فترة الخمسينيات إلى السبعينيات من القرن المنصرم فلقد كانت هناك مبالغة كبيرة في تحديد أهداف سورية من خلال أيديولوجية حزب البعث والحديث عن "الوحدة العربية"، بينما كانت الممارسة الواقعية ترسيخاً للتجزئة، وحكم الأقلية/العائلة منذ السبعينيات. لقد أنتجت الإشارات/المزايدات المتكررة عن الهوية العربية، وخاصة وصف السوريين بالشعب العربي، نوعاً من رد الفعل عند القومية الثانية في سورية، وهي القومية الكردية. وترافق ذلك مع الممارسات القمعية المزدوجة التي تعرض لها المواطنون الكرد، باعتبارهم "رعايا" لدى نظام لا يعترف بالمواطنة، وهذا هو الظلم العام الذي وقع على أغلبية السوريين، وظلم خاص لأنهم "أكرادٌ". فلقد تم حرمان الأكراد من حقوقهم الأساسية، ومنها الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وفوق كل ذلك حرمان جزء من المكون الكردي من حق الجنسية في قضية الإحصاء الشهيرة عام 1962.

لقد دفعت الممارسات التمييزية ضد الأكراد السوريين إلى رد فعل معاكس، يصل إلى مداه الأقصى في مطالبة بعض السياسيين الأكراد بتشكيل كيان كردي منفصل عن سورية. ومع أنه من حيث المبدأ لا يجوز حرمان أي شعب من حق تقرير المصير، فإن الواقع الإقليمي قد عقَّد من هذا الأمر، خاصة لانقسام الشعب الكردي بين دول أربع: إيران والعراق وتركيا وسورية. وعلى مدى عقود طويلة اختلفت معاناة الأكراد من قطر لآخر، إلا أن المطالبة بالحقوق المتساوية بقيت هي القاسم الأعظم. في الحالة السورية، تعالت الأصوات الكردية بالمطالبة بالحقوق العادلة، بدءاً بحقوق المواطنة وانتهاء بالمطالبة بدولة كردية مستقلة. ومع انطلاق الثورة السورية، كانت أغلبية المكون الكردي ضمن الحالة المعارضة، وناضلت في كافة المفاصل للحصول على تعهدات من الفصائل العربية المعارضة بحقوق حُرمت منها لعقود طويلة. وعلى الرغم من الحدة في النقاشات والعناد والمكابرة من الطرفين فقد تم التوصل إلى بعض التفاهمات التي تصلح أن تكون أساساً للحديث عن موضوع الهوية في سورية المستقبل.

وللحقيقة فإن أحد الدروس المستفادة من تجربة المعارضة أن الحدة في النقاش والتطرف في المطالب لم تخلق أجواءً صحيةً دائماً للتوصل إلى توافقات مقبولة من الجميع، فعلى سبيل المثال دفعت الفصائل الكردية المعارضة إلى المطالبة بحذف صفة "العربية" من اسم سورية ليكون "الجمهورية السورية"، كما عليه الأمر مع دستور عام 1950. ومع أن عدم وجود هذه الصفة لن يغير هوية الأغلبية العربية ولن يؤثر على "عروبتهم"، كما أن وجودها في باقي المراحل لم يعط القوى السياسية العربية مزايا إضافية أمام نظام الأسدين. مع ذلك تبقى الحقائق الديمغرافية والشفافية والحوار الهادئ أساساً للتوصل إلى تفاهمات حول هذه القضية. ومن هنا، فإن الإبقاء على عروبة سورية، في عنوان الجمهورية، أو في المبادئ الأساسية، قد يكون مقبولاً من المكون الكردي وباقي المكونات غير العربية مهما كانت صغيرة، إذا قابلها اعتراف بالتنوع وشمول لباقي هذه المكونات. فمن الأمثلة التوافقية لحل هذه القضية، الاقتراحات التي قدمها فريق عمل الورشة الدستورية في مشروع "اليوم التالي"، في الحديث عن مبادئ أساسية للدستور القادم. فمقابل الاعتراف بوحدة سورية واستقلالها، وأنها جزء من العالم العربي - يرفض بعضهم مصطلح الوطن العربي - يمكن النص على شمول سورية لكافة المكونات، وعلى رأسها المكون الكردي. فقد جاءت الصيغة المقترحة كما يلي: "الاعتراف بالأكراد والتركمان والسريان والآشوريين والشركس والأرمن كجزء من النسيج الوطني السوري".([76]) وباختصار، فإن التشاركية المؤدية إلى توافق هو الطريقة الوحيدة للتوصل إلى حل لهذه القضية. فمثلاً، إن مطالبة المكون الكردي قد تلقى قبولاً من بعض القوى السياسية العربية (خاصة الليبرالية منها) بحذف أو "تخفيف" الإشارة إلى الهوية العربية، لكن الإصرار والحدة في طرح هذه القضية قد يولد تطرفاً مقابلاً، والحسم في هذه الحالة في الاحتكام إلى الاستفتاء الذي لن يكون في صالح الأقلية.

هذا ما يقد يُفسر دعم أغلبية المستجيبين لاستطلاع فريق اليوم التالي الأخير حول الهوية العربية، إذ طالبت نسبة (77.8%) بضرورة حضور الهوية العربية في الدستور القادم، بينما عارضت نسبة (67%) حذف كلمة "العربية" من الاسم الرسمي للجمهورية السورية.([77])

  1. دور الدين في الدولة: كما ورد في عرض التجربة الدستورية التاريخية فإن الدين كان حاضراً دائماً بشكل أو بآخر في الدساتير السابقة. وهنا لابد من الإشارة إلى عدة أمور، أولها: ضرورة التفريق بين الإشارة إلى الدين، وخاصة الدين الإسلامي، وعلاقته مع الدولة كنوع من الهوية، وبين دور الدين كمصدر للتشريع. ففي الحقيقة عندما تؤكد أغلبية دساتير الدول العربية على أن دين الدولة "الإسلام" فهذا مؤشر على أن الإسلام هو دين الأغلبية في هذه البلدان، وهو إشارة إلى الهوية أكثر منه مؤشر على دوره في إدارة الدولة. مع ذلك، لم تشر الدساتير السورية السابقة، بما فيها دستور عام 1950، إلى أن دين الدولة الإسلام، مع أن المكون المسلم في سورية يشكل الغالبية العظمى. تشير أغلب الإحصائيات الغربية إلى أن المسلمين السنّة يقتربون من 80 بالمائة من السكان، وإذا تم إدماج المكون العلوي تحت الدين الإسلامي (كما كان الحال مع الأسدين الأب والابن) لوصلت النسبة إلى أكثر من 90 بالمائة، وفي هذا انعكاس لتراجع نسبة المكون المسيحي منذ الاستقلال، من هنا فقد استبدلت الدساتير السورية الإشارة إلى أن دين الدولة الإسلام، بمقولة إن دين رئيس الدولة - باعتباره من الأغلبية الساحقة - هو الإسلام.

وعندما حاول حافظ الأسد الالتفاف على هذا النص، قامت مظاهرات واسعة، اضطر بعدها إلى إعادة النص كما هو في الدساتير السابقة، وحرص دائماً على الإقرار بالشهادتين، خاصة في أوائل الثمانينيات أثناء الحملة على الأخوان والمكون الإسلامي، وأداء الصلوات في المناسبات الدينية مع "أرباب الشعائر الدينية". وكما ذكرنا سابقاً، فإن النص على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام في ظل نظام برلماني صرف، لا يحمل تمييزاً كبيراً، خاصة وأن المنصب التنفيذي الأهم، رئاسة الوزراء، متاح للجميع. الإشكالية في تبني النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي، حيث يتمتع الرئيس بصلاحيات تنفيذية، في هذه الحالة هناك حرمان لغير المسلمين (مهما كانت نسبتهم) من شرف التنافس على هذا المنصب. ولا يحتاج المرء إلى خيال خصب ليتصور أن أغلبية السوريين، بمن فيهم المسلمون الملتزمون، سيفضلون رئيساً ديمقراطياً، ولو كان غير مسلم، على رئيس مسلم ديكتاتوري.

من هنا، فإن التوصية بأنه لا مانع من الإبقاء على شرط الإسلام لرئيس الدولة، في حالة النظام البرلماني الصرف، ففي هذه الحالة لن تكون سورية أكثر ديمقراطية أو أقل تديناً من المملكة المتحدة. أما إذا كان تفضيل السوريين للنظام الرئاسي أو شبه الرئاسي الذي يعطي صلاحيات تنفيذية لمنصب الرئاسة، فالأولى بسورية أن تلغي هذا الشرط، وتصر على المحددات الدستورية التي تمنع الرئيس، مهما كان دينه من إساءة استخدام سلطاته. الأمر الثاني: وتماشياً مع الاتجاه نحو العلمانية التي يتغنى بها النظام السوري، عندما تكون مناسبة، فقد تم التخفيف من دور الدين في دساتير ما قبل حكم البعث إلى ما بعده ليصبح "الفقه الإسلامي مصدراً رئيسياً للتشريع"، بدل أن كان "المصدر الرئيسي" للتشريع، كما هو حال دستور عام 1950.

وفي كلتا الحالتين لم تتحول سورية في ظل البعث إلى دولة مدنية علمانية بالمعنى الحقيقي، فلقد شهدت سورية تنامي ظاهرة المد الإسلامي، كما كان هو الحال في باقي دول المنطقة، إضافة إلى تحكم النظام واستغلاله للمؤسسة الدينية الرسمية. وعلى الرغم من أن نظامي الأسد الأب والابن حاولا تحييد الدين، كما يفهمه تيار الإسلام السياسي، عن الحياة العامة، فلم يستطيعا وضع حد لانتشار ظاهرة التدين في المجتمع السوري على مدى العقود الماضية. وكما هو الحال مع القسم المتعلق بالحقوق والحريات، فإن القسم المتعلق بدور الفقه الإسلامي "كمصدر للتشريع"، لم ينل حظاً كبيراً من التطبيق، في نظام حافظ وولده. وأخيراً، لم يكن "إسلام" حافظ الأسد وولده، والنص على دور الفقه الإسلامي كمصدر للتشريع ليقف في وجه الرئيسين "المسلِمَين" لمنعه من انتهاك حقوق المسلمين، والإسلاميين تحديداً، وهم الذين مثلوا الأعداء التاريخيين للنظام، وعانوا على يديه ما لم يعانه أي مكون آخر.

تواجه سورية اليوم نوعين من الضغوط في هذه القضية، أحدهما خارجي، تقوده روسيا وبعض الدول الغربية التي حرصت على تحييد دور الدين في الوثائق التي صاغتها، وأصرت على التأكيد على "علمانية" الدولة السورية، باسم المحافظة على الأقليات، وخاصة الأقلية العلوية، وتؤيد هذا التوجه الأقليات الدينية والعرقية، بما فيها بعض المكونات المسلمة كالعلويين والدروز، وغير المسلمين (المسيحيون تحديداً)، وحتى بعض السنة كقسم كبير من المكون الكردي، وأخيراً العلمانيون العرب السنة. مقابل ذلك، هناك المكون السني من المتدينين والملتزمين، أو المنتمون إلى الإسلام السياسي، إضافة إلى التيارات السلفية التي نمت في ظل قمع نظام الأسد للثورة السورية، ترى هذه الفئات – وهي ليست صغيرة من حيث العدد والوزن - ضرورة نص الدستور القادم على دور للإسلام في الحياة العامة، فلم يكن غريباً أن تكون نسبة المؤيدين من المستجيبين لاستطلاع اليوم التالي، على مدار عام 2017 قد بلغت (77.9%) من الراغبين بنص الدستور على أن تكون الشريعة مصدراً "رئيسياً" للتشريع،([78]) وفي ذلك استمرارية لكافة الدساتير السابقة، بما فيها دستور بشار الأسد لعام 2012.

أمام هذا الخلاف، فإن بعض التوصيات التي توصل لها فريق اليوم التالي في عام 2012، قد تكون مفيدة. العنصران اللذان تم التوافق عليهما من الفريق الذي ضم ممثلين لتيارات فكرية ودينية وسياسية متنوعة، هما: 1) الشريعة الإسلامية والديانة المسيحية والرسالات الدينية والإنسانية الأخرى مصادر ملهمة للتشريع، 2) الدولة محايدة فيما يتعلق بمسألة الدين، تحترم قيمه ولا تجبر الناس عليه أو تمنعهم عنه.([79]) وبالنسبة للإسلاميين فإن هذه الصيغة هي أضعف مما جاء في دستور بشار الأسد لعام 2012، الذي نص في مادته الثالثة على: 1) دين رئيس الجمهورية الإسلام، 2) الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، 3) تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام، 4) الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية.([80]) التوافق العام الذي قبلت به أغلبية من الإسلاميين هو في القبول بسورية دولة "مدنية ديمقراطية". ومع أن بعضهم يفهم من الدولة المدنية أنها المقابل لحكم العسكر (فحكم العسكر بالتعريف غير ديمقراطي)، فإن مصطلح المدنية كان أقرب إلى أنها الدولة غير الدينية (الثيوقراطية)، وهذا المصطلح كان أكثر قبولاً عند الإسلاميين من مصطلح العلمانية سيء السمعة، خاصة وأنه يرتبط بأذهانهم بالتجربة التركية في ظل أتاتورك، وتجربة إيران/الشاه.

لعل من شروط التوصل إلى توافق في هذه القضية القيام بحملة توعية في صفوف الإسلاميين للتفريق بين العلمانية التي تعادي الدين (العلمانية اللايكية) التي جاءت من التجربة الفرنسية، وبين النموذج (الأنكلوسكسوني) للعلمانية، وهو النموذج الذي لا يعادي الدين، بل يتعامل معه بحيادية إيجابية. ولعل هذا ما نص عليه النموذج الأمريكي الذي لا يتبنى ديناً (أو تفسيراً مسيحياً معيناً)، وإنما يحترم جميع الأديان. ولعل من المفيد هنا تذكير الإسلاميين بأن الإنجاز الذي حققه حزب العدالة والتنمية في تركيا تمثل في إعادة تعريف "العلمانية" من العلمانية المعادية للدين إلى العلمانية المحايدة تجاه الدين. ولعل هذا هو السبب الرئيس في نجاح الحزب، (ذو المرجعية الإسلامية) من حكم هذا البلد العلماني العريق.

  1. الحقوق والحريات: لعل من الآثار الجانبية للحكم الاستبدادي أنه يقوي الإحساس لدى ضحاياه بضرورة احترام حقوق وحريات الإنسان الأساسية. في هذه النقطة، لن يكون من الصعوبة التوسع في تبني حقوق الإنسان وحرياته، والاستفادة من آخر تجارب الشعوب التي ناضلت في سبيل حريتها وكرامتها. في هذا الإطار، هناك ثلاث نقاط تستوجب الإشارة، وقد تكون بحاجة لمزيد من النقاش المستفيض، الأولى: ما المرجعية المقبولة لحقوق الإنسان في الدستور المقبل؟ والثانية: ما الضمانات الدستورية اللازمة لحماية حقوق الأفراد والأقليات الدينية والعرقية؟ والثالثة: ما درجة التمثيل السياسي النسائي التي تعكس التوجه إلى المساواة الجندرية في الدستور بين الرجل والمرأة؟ في الموضوع الأول، وبالنسبة لشعب عانى الأمرين في ظل حكم الأسدين، فلا عجب أن تحتل هذه القضية أولوية مطلقة، فمن أجل حريته وكرامته قدم الشعب السوري التضحيات الغالية من القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين، ما لم يقدمه شعب آخر. ولذا فمن المنطقي التوقع بأنه إذا أُعطي السوريون الحرية في هذه القضية، فإنهم سيدفعون إلى أن يتضمن الدستور كافة الحقوق والحريات السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي وردت في الدساتير السابقة، وأن تكون الشرعية الدولية لحقوق الإنسان هي المرجعية، بحيث لا يتمكن حاكم قادم من الالتفاف حول الحريات السياسية والحقوق المدنية، باسم الخصوصية الثقافية، أو المقاومة والصمود، أو تحت أي شعار آخر. ولعل مؤشراً واضحاً في الاستطلاع الذي أجراه فريق اليوم التالي قد رسخ هذه النتيجة، إذ أيدت أغلبية ساحقة (91.6%) من المستطلع رأيهم، الذين تم سؤالهم عن نص الدستور حول ضرورة التزام الدولة السورية بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان.([81]) الأمر الثاني: كلما نص الدستور على ضمانات أكبر للمكونات ذات الأقلية العددية كانت التجربة الدستورية أدعى للنجاح. إن التجربة العملية للدولة السورية منذ الاستقلال لم تأخذ طابع تمييز الأغلبية ضد الأقليات، ما خلا تمييز النظام البعثي (الأقلوي) ضد المكون الكردي.

لقد استأثر المكون العلوي منذ انقلاب البعث عام 1963 بامتيازات استثنائية، تمثلت في احتكار هذا المكون للمؤسسة الأمنية، والسيطرة التدريجية على المؤسسة العسكرية، ومن خلالها تمت السيطرة على كثير من المفاصل السياسية والبيروقراطية في الدولة، وأخيراً على الأنشطة الاقتصادية الكبرى في البلاد، من خلال رمرمة الاقتصاد (نسبة إلى احتكار رامي مخلوف لأهم الأنشطة الاقتصادية في ظل بشار الأسد). الضمانات المطلوبة للأقليات في أي دستور مقبل هامة لطمأنتها، وبشكل خاص طمأنة المكون العلوي تحديداً بأنه لن يكون هناك عمليات انتقامية من ضحايا العنف الذي مارسه نظام الأسد ضد أغلبية الشعب السوري. ولعل أفضل ضمان أن تترافق الضمانات الدستورية مع عدالة انتقالية ومصالحة وطنية.

أما بالنسبة لباقي الأقليات، فمن المهم معالجة الظلم الذي وقع على المكون الكردي، وطمأنة المكون المسيحي للتمسك ببلاده، وعدم إشعاره بالغربة في وطنه. وبالنسبة لأغلبية الشعب السوري، وعلى رأسه الأقليات العددية، فإن تبني اللامركزية الإدارية سيكون مكملاً عملياً للحقوق والحريات. أما بالنسبة للقضية الثالثة وهي موضوع المساواة بين المرأة والرجل: فهناك تطورات إيجابية يمكن الإفادة منها. أولى هذه الإيجابيات أن المرأة قد ساهمت في الثورة السورية وضحت كالرجل أو أكثر. لقد فتحت الثورة السورية آفاقاً جديدة للمرأة السورية، وأخرجتها من دائرة استغلال النظام الأسدي لقضية المرأة باسم العلمانية والتقدمية، لتصل إلى قناعة أن المساواة الجندرية يجب ألا تبقى حكراً ً على الأنظمة "التقدمية"، كما أنها ليست مضمونة بشعارات من قبل قوى معارضة تنادي بالحرية والديمقراطية. لقد بلورت بعض الناشطات السوريات مطالبهن بضرورة تحقيق التمثيل النسوي الفعلي في كافة مفاصل العملية السياسية، بما في ذلك عملية البحث عن حل سياسي، وصياغة الدستور، والتمثيل في المؤسسات السياسية لسورية المستقبل.

ومن الجهود المبذولة في عملية التحضير لعملية دستورية متوافقة مع النوع الاجتماعي (الجندر) اقترحت بعض الناشطات الممثلات لجمعيات نسوية سورية بعض المبادئ الدستورية الحساسة لموضوع مشاركة المرأة، ومنها: 1) يكفل الدستور تحقيق المساواة التامة بين النساء والرجال في حقوق المواطنة بما يضمن تمتعهن بكافة الحقوق والحريات، 2) يكفل الدستور وتلتزم الدولة بتمكين النساء من المشاركة في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضمان حق متساوٍ للنساء والرجال في شغل جميع المناصب في الدولة وجميع مراكز صنع القرار.([82]) كما نجحت نساء سوريات في فرض نسبة تمثيل للمرأة لا تقل عن ثلاثين في المئة في بعض مؤسسات المعارضة، وهذا ما التزمت به هيئة المفاوضات في رؤيتها التي طرحتها للحل السياسي. وأخيراً، لا بد من وضع إطار قانوني لحماية حقوق المرأة، بعد إقرار الدستور، ومنها إيجاد الآليات المساعدة للمرأة لخوض المعترك السياسي، وذلك من خلال توفير فرص التعليم والتدريب والدعم الأسري. ولعله من المفيد في المراحل الأولى، إيجاد نوع من التمييز الإيجابي من خلال إلزام الأحزاب السياسية بتخصيص مواقع متقدمة للنساء على قوائمها الانتخابية، كما تفعل كثير من دول شمال أوروبا.

  1. النظام السياسي: بالانطلاق من التجربة التاريخية لسورية، يتضح أن البلاد قد تبنت، ولو لفترات بسيطة، أشكالاً عديدة للأنظمة السياسية، ومنها البرلماني، وشبه الرئاسي، والرئاسي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النظام السياسي الذي هندسه حافظ الأسد على أساس من دستور عام 1973، واستمر في عهد ولده لم يكن نظاماً رئاسياً حقيقياً.

فالنظام الرئاسي الذي يمثل نظام الولايات المتحدة نموذجه، يقوم على أساس (checks and balance) المراقبة والتوازن بين السلطات المستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية. في النظام الأسدي، كان هناك سلطة واحدة متغولة لشخص الرئيس على كافة السلطات، وتلعب المؤسسات التشريعية (مجلس الشعب)، والقضائية (المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء) أدواراً تزينية لهيكل نظام يشبه ما تعارفت عليه الدول بالأنظمة السياسية. ويكاد توصيف تقرير الأمم المتحدة عن حالة الحرية في العالم العربي يقترب من إدراك طبيعة النظام السوري عندما يصف تغول السلطة التنفيذية على باقي السلطات بحالة "الثقب الأسود" في الفضاء تدور باقي المؤسسات في فلكه، إضافة إلى اعتماد المؤسسة الرئاسية على أجهزة القمع بكافة أشكالها، لتجسد حالة الاستبداد المطلق.([83])

ومن هنا، فإن التحدي الأكبر في بناء حياة دستورية حقيقية لسورية المستقبل تكمن في تبني نظام سياسي تتوفر فيه شروط أساسية أهمها تخفيض صلاحيات السلطة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة. ولذا لم يكن غريباً أن تتجه المعارضة السورية، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، إلى الإشارة إلى تفضيلها للنظام البرلماني، باعتباره النموذج المقابل للنظام الرئاسي، إضافة إلى الحنين إلى النظام السياسي الذي جسده دستور عام 1950 الذي اعتبر الأكثر ديمقراطية في تاريخ البلاد. وللحقيقة، فإن النقاش حول النظام السياسي الأفضل للدول التي تمر بانتقال ديمقراطي لم يكن حاسماً في أفضلية النظام البرلماني على الرئاسي. ومن الأمثلة على الأدبيات المتوفرة حول توصية تبني النظام البرلماني على الرئاسي في الفترات الانتقالية، ما كتبه آرند ليبهارت بعنوان: "خيارات دستورية للديمقراطيات الجديدة". يؤكد ليبهارت أن الأنظمة الرئاسية، مع نظام انتخاب الدوائر الفردية، تميل إلى تقوية نموذج ديمقراطية حكم الأغلبية التي غالباً ما تكون الفائز الوحيد في حال تبني هذا النظام في المراحل الانتقالية.

أما الأنظمة البرلمانية، وهي التي يوصي بها ليبهارت، إذا ما ترافقت مع نظام الانتخاب النسبي، فإنها تشجع روح التوافق في الحياة السياسية، وتحفز التشاركية بين القوى السياسية. ويخلص ليبهارت إلى تفوق النظم البرلمانية في المجالات التالية: حقوق الأقليات، وتزايد نسبة المشاركة السياسية، وتقليل نسبة التفاوت الاقتصادي بين المكونات المجتمعية.([84]) ومع أن توصيات ليبهارت كانت بشكل أساسي لدول أمريكا اللاتينية، فقد تبنت أغلب هذه الدول في مراحل تحولها النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي. النقطة الأساسية في النقاش - بغض النظر عن تبني أي من الأنظمة السياسية - أن تكون السلطة التشريعية منوطة ببرلمان منتخب، يمارس صلاحيته التشريعية بشكل كامل، كما يمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية. لكن نقطة الضعف الكبيرة في تبني نظام برلماني في لحظة التحول، فيما لو طُبقت على الحالة السورية، تكمن في عدم وجود أحزاب سياسية قوية، وهي عماد نجاح النظام البرلماني. لذا، فإن التوصية في تبني النموذج شبه الرئاسي (أو المختلط كما يُسمى أحياناً)، الذي يحتفظ بأهم مزايا النظام البرلماني، ويقسم السلطة التنفيذية بين رئيس منتخب لفترة محددة، ورئيس وزراء تختاره الأغلبية الحزبية في البرلمان، ويكون مسؤولاً أمامها.

ويمكن تلخيص مزايا هذا النظام بما يلي: 1) يقدم هذا النظام حلاً وسطاً بين النظامين الرئاسي والبرلماني، ويحاول تجاوز سلبيات كل منهما، 2) يُضعف هذا النظام الصلاحيات الرئاسية، مما يخفف من احتمال استبداد الرئيس، 3) يقلل من احتمالات عدم الاستقرار في مرحلة الانتقال، بوجود رئيس فوق الأحزاب يكون بمثابة الضابط لتنافسها، 4) يحقق توازناً للسلطات بين الجهات السياسية الثلاث: الرئيس، والبرلمان، والحكومة برئاسة رئيس الوزراء الذي تختاره الأغلبية البرلمانية. وبالطبع فلهذا النظام سلبياته، خاصة في حالة وصول رئيس ذي توجهات شعبوية (بوتين)، أو في حالة تحكم جهة كالمؤسسة العسكرية بالرئيس (بوتفليقة)، ومع ضعف البرلمان والحياة الحزبية يمكن أن ينحرف هذا النظام إلى نظام استبدادي. ومما يعزز من فرص نجاح النظام شبه الرئاسي، استقلالية السلطة القضائية، وتبني اللامركزية الإدارية، التي يمكن أن يعززها وجود برلمان بغرفتين (نواب وشيوخ)، يكون فيه مجلس الشيوخ ممثلاً للمحافظات، ووجود رئيس توافقي.

والخلاصة، فإن صياغة دستور جديد لسورية يتطلب من الناحية النظرية عملية تتحقق فيها التشاركية والتوافق والملكية الوطنية، تبدأ بهيئة حكم انتقالي محايدة وشاملة لكافة مكونات المجتمع السوري - مهما كان حجمها - وتشرف على عملية انتخاب جمعية تأسيسية، مهمتها صياغة دستور جديد قائم على التجربة التاريخية للبلاد وعلى تجارب الدول الناجحة، تقدم مسودتها إلى استفتاء حقيقي، تسبقه عملية حوار جاد وتوعية حول العملية الدستورية ونشر ثقافة التوافق. ومن الطبيعي أن تكون هذه العملية في سياق حل سياسي على الأسس التي تبنتها الأمم المتحدة، تترافق مع مصالحة وطنية، وعدالة انتقالية، وإعادة تشكيل للقطاع الأمني. وأخيراً، فإن عملية الصياغة الدستورية السليمة هي بداية لحياة دستورية ترسي دعائم دولة القانون، وتحفظ حقوق وحريات مواطنيها، وتطلق طاقات أبنائها في التنمية والإبداع. وبما أن الأنظمة الديمقراطية - نتاج الحياة الدستورية -  عرضة للتراجع فهي بحاجة للرعاية المستدامة. 


([1]) Nathan J. Brown, Constitutions in a Nonconstitutional World: Arab Basic Laws and the Prospects for Accountable Government (Albany, NY: State University of New York Press, 2002), p. 195-6

([2]) حول العملية الدستورية في العراق، انظر:

Jonathan Morrow, “Iraqi Constitutional Process II: An Opportunity Lost,” USIP Special Report 155, November 2005; and Julia Choucair-Vizoso, “Iraq” in Ellen Lust, ed. The Middle East, 14th ed. (Thousand Oaks, CA: SAGE, 2017), pp. 498-9.

([3]) حول علاقة ظهور داعش وعلاقتها بتهميش المكون السني، انظر:

“The Rise of ISIS,” Frontline, 28 October, 2004. https://www.pbs.org/wgbh/frontline/film/rise-of-isis/

([4]) انظر ملخص الأزمة الدستورية في عهد مرسي:

“Q & A Egypt Constitutional Crisis,” BBC News, 24 December 2012. https://www.bbc.com/news/world-middle-east-20554079

([5]) انظر على سبيل المثال: "الساعات الأخيرة قبل الانقلاب.. كيف أدار السيسي لعبة "الخداع الاستراتيجي" ضد مرسي؟"، الجزيرة نت، 24 فبراير 2019، https://www.aljazeera.net/programs/al-jazeeraspecialprograms/2019/2/24/

([6]) المادة الرابعة والسبعون، دستور مصر الصادر عام 2014https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2014.pdf?lang=ar

([7]) تم تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية في ديسمبر 2013، بينما تم إقرار الدستور الذي يمنع تشكيل أحزاب على أساس الدين في 18 يناير 2014.

([8]) حول ملخص لعملية الصياغة الدستورية في جنوب أفريقيا، انظر:

“The Drafting and Acceptance of the Constitution,” South African History Online, no date

https://www.sahistory.org.za/article/drafting-and-acceptance-constitution

([9]) انظر على سبيل المثال،

Laryssa Chomiak & Robert Parks, “Tunisia,” in Ellen Lust, ed. The Middle East, 14th ed. (Thousand Oaks, CA: SAGE, 2017), pp. 808-854.

Mohamed-Salah Omri, “The Tunisian Constitution: The Process and the Outcome,” Academia, February 12, 2014.

https://www.academia.edu/6166557/The_Tunisian_Constitution_The_process_and_the_outcomes

([10]) المادة الأولى والسادسة، دستور تونس، https://majles.marsad.tn/uploads/documents/TnConstit_final_1.pdf

([11]) لقد استحقت اللجنة الرباعية الفوز في جائزة نوبل للسلام لعام 2015 لدورها المحوري في إنقاذ عملية التحول الديمقراطي، انظر على سبيل المثال، "الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس...نوبل للسلام"، الجزيرة نت، 11/10/2015، http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2015/10/11

([12]) تم جمع الدساتير السورية، حتى دستور عام 1973، في: مازن يوسف صباغ، سجل (الدستور) السوري. دمشق: دار الشرق للطباعة والنشر، 2010.

([13]) من الكتب التي عالجت خصوصية التناقض بين الأمة والدولة:

Raymond Hinnebusch, The International Politics of the Middle East. 2nd edition. Manchester: Manchester University Press, 2015.

([14]) المادة الأولى من الفصل الأول للقانون الأساسي- الدستور- للمملكة السورية، متضمن في كتاب مازن يوسف صباغ، سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 81.

([15]) المادة 134.

([16]) نص البيان متضمن في كتاب مازن يوسف الصباغ، ص. 69-75.

([17]) المادة 116، من دستور عام 1930.

([18]) المواد الثلاث الأولى، وبالإضافة إلى المادة الرابعة التي تتحدث عن العلم السوري، هي الأحكام الأساسية للفصل الأول، في الدولة وأراضيها، دستور عام 1930.

([19]) المادة الثانية كما جاءت في مشروع الدستور لعام 1928، لكن المفوض السامي الفرنسي عدلها عندما أصدر الدستور عام 1930.

([20]) المادة 114.

([21]) نص الدستور متضمن في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 245-298.

([22]) المادة السادسة والأربعون.

([23]) المادة الخامسة والسبعون.

([24]) المادة الأولى من دستور 1953.

([25]) الباب الأول الدولة العربية المتحدة، من دستور الجمهورية العربية المتحدة، متضمن في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 429-446.

([26]) نص دستور 1969 متضمن في المرجع السابق، ص. 518-533.

([27]) تأتي هذه المادة تحت رقم المادة السابعة في دستوري 1969 و1971، لكنها تتعدل في دستور الأسد لعام 1973، لتنص على ما يلي: "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية". المادة الثامنة.

([28]) المادة 51 في كلا الدستورين.

([29]) البنود من واحد إلى ثلاثة من المادة الأولى، دستور 1973.

([30]) المادة الأولى من دستور 2012.

([31]) المادة الثالثة من دستور 1973.

([32]) البندان الثالث والرابع من المادة الثالثة، دستور 2012.

([33]) الفصل الثالث: في حقوق الأفراد والجماعات، من المادة التاسعة وحتى السادسة عشر.

([34]) الحقوق والحريات متضمنة في الفصل الثاني من الدرس، بعنوان "في حقوق الأفراد"، دستور عام 1930.

([35]) البند الأول للمادة الثامنة عشر، دستور عام 1950.

([36]) الفقرة هاء من البند الثالث، المادة التاسعة والثلاثون، دستور عام 1950.

([37]) المادة الثانية والثمانون من دستور عام 1953.

([38]) المادة السابعة إلى العاشرة، في الباب الثالث، دستور الجمهورية العربية المتحدة، عام 1958.

([39]) المواد 21 إلى 41 تحت باب حقوق وواجبات المواطنين والتنظيمات الجماهيرية والجمعيات التعاونية، الدستور المؤقت للجمهورية العربية السورية، 1969.

([40]) المادة 24 من الباب الثاني، دستور عام 1969.

([41]) المادة 34، من الفصل الرابع، دستور عام 1973.

([42]) انظر على سبيل المثال

“If the Dead Could Speak: Mass Deaths and Torture in Syria’s Detention Facilities,” Human Rights Watch, December 16, 2015.

https://www.hrw.org/report/2015/12/16/if-dead-could-speak/mass-deaths-and-torture-syrias-detention-facilities#

([43]) المادة الرابعة والأربعون، من الباب الثاني: الحقوق والحريات وسيادة القانون، دستور عام 2012.

([44]) المواد 122-144، دستور عام 1919.

([45]) المادة 109، دستور عام 1930.

([46]) الفصل السادس، التقسيمات الإدارية، دستور عام 1950.

([47]) أمل مخائيل بشور، دراسة في تاريخ سورية السياسي المعاصر. بيروت: توزيع جروس برس، بلا تاريخ، ص. 455.

([48]) الفصل الثالث، مادة 67 و68، الدستور المؤقت لعام 1969، وعام 1971.

([49]) وحدة المعلومات بمركز عمران، "في واقع الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام المركزية"، مجموعة من الباحثين، حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق. الكتاب السنوي الرابع، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 2018، ص. 162.

([50]) المادة الحادية والثلاثون بعد المئة، دستور عام 2012.

([51]) "في واقع الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام المركزية"، مرجع سابق، ص. 166-168.

([52]) انظر، "مضبطة الأسباب الموجبة للدستور (القانون الأساسي) التي أقرت من قبل المؤتمر السوري، متضمنة في سجل (الدستور) السوري، مرجع سابق، ص. 109-132.

([53]) المواد 74-77 من دستور عام 1930.

([54]) المادة 82 و83 من دستور عام 1950.

([55]) حول الدور الذي لعبته الدول الإقليمية في هذه الفترة، وعلاقة القوى السورية معها، انظر:

Patrick Seale, The Struggle for Syria: A Study of Post-War Arab Politics 1945-1958, 2nd ed., (London: I B Tauris, 1986)

([56]) البند الثاني من المادة الثانية، دستور عام 1950.

([57]) المادة 68 في دستور 1930، و73 في دستور 1950.

([58]) انظر، الفصل الثاني (السلطة التنفيذية)، رئيس الجمهورية، دستور 1953.

([59]) كان هذا أحد شروط عبد الناصر للوحدة، وهو حل الأحزاب السياسية، بما فيها حزب البعث، وتأطير الحياة الحزبية من خلال حزب واحد حاكم.

([60]) المقدمة، دستور 1973.

([61]) المادة الثامنة، دستور 1973.

([62]) للتفصيل حول تركيبة النظام السوري، نجيب الغضبان، "الاستمرارية والتغيير في النظام السوري"، ملف الأهرام الاستراتيجي، السنة السادسة، العدد 67، تموز/يوليو 2000.

([63]) الرواية موثقة في أكثر من دراسة، ومنها:

Patrick Seale, Asad of Syria: The Struggle for the Middle East (Berkeley: University of California Press, 1988), p. 173.

([64]) المقدمة، دستور 2012.

([65]) المادة الثامنة، دستور 2012.

([66]) المادة التاسعة، دستور 2012.

([67]) الفصل الثاني، "المبادئ الاقتصادية"، دستور 2012.

([68]) البند الرابع في المادة الثامنة، دستور 2012.

([69]) المادتان: الرابعة والثمانون والخامسة والثمانون، دستور 2012.

([70]) Max Weber, “Politics as a Vocation,” from H. H. Gerth and C. Wright Mills, eds. Trans. From Max Weber: Essays in Sociology (New York: Galaxy, 1958), pp. 77-87

([71]) مشروع اليوم التالي، "الفصل الخامس: التصميم الدستوري"، دعم الانتقال الديمقراطي للسلطة في سورية، منظمة اليوم التالي، 2012، ص. 79-93.

([72]) تعقيباً على ذلك قامت أربعون منظمة وهيئة سورية بالتوقيع على بيان يؤكد أن السوريين هم المعنيون بكتابة دستور بلادهم، ورفضوا أن يتم الحديث عن دستور دائم في هذه الظروف. انظر، اليوم التالي، أي دستور تحتاج سورية؟ استنبول: اليوم التالي، تموز/يوليو 2018، ص. 1.

([73]) تم نسب ورقة تفاوضية، تقدمت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن والسعودية إلى المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، بعنوان "الإصلاح الدستوري"، قبيل لقاء فيينا في بداية غام 2018.

([74]) اليوم التالي: أي دستور تحتاج سورية؟ مرجع سابق، ص. 7-8.

([75]) المرجع السابق، ص. 9-10.

([76]) مشروع اليوم التالي، مرجع سابق، ص. 89.

([77]) أي دستور تحتاج سورية؟ مرجع سابق، ص. 20.

([78]) المرجع السابق، ص. 19.

([79]) مشروع اليوم التالي، مرجع سابق، ص. 89.

([80]) المادة الثالثة، دستور عام 2010.

([81]) أي دستور تحتاج سوريا؟ ص. 19.

([82]) تجمع سوريات من أجل الديمقراطية، المبادئ الدستورية المتوافقة مع النوع الاجتماعي (الجندر)، بروكسل 2016، ص. 3 .

([83]) UNDP. Arab Human Development Report 2004. (New York, NY: UNDP, 2005).

([84]) Arend Lijphart, “Constitutional Choices For New Democracies,” in Larry Diamond and Marc F. Plattner, eds. The Global Resurgence of Democracy (Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 1996), pp. 162-74.

الأربعاء, 10 نيسان/أبريل 2019 15:24

مشروع بحثي بعنوان: سورية والأمن العالمي

أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية نتائج مشروعه البحثي والذي بدأه بتاريخ 3 كانون الثاني 2018، بعنوان: "سورية والأمن العالمي"، هادفاً من خلاله إلى توليد معرفة موضوعية عن مواقف وتوقعات كل طرف من الأطراف المعنية في سورية، من أجل تقييم وتطوير سبل صنع السلام وبناء الدولة بعد الحرب. اشترك في إدارة مشروع الحوار المتعدد الأطراف كلاً من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومركز جنيف للسياسة الأمنية. موفرة ورشات العمل المرتبطة بالمشروع منصة للخبراء والباحثين لتطوير فهم مشترك لاهتمامات بعضهم البعض وبناء الثقة المتبادلة الضرورية لحل الأزمة.


أوراق المناقشة:

  • آفاق التعاون في استعادة الاستقرار والإصلاح المؤسسي في سورية" جنيف، 21-22 سبتمبر 2017

آفاق التعاون في استعادة الاستقرار والإصلاح المؤسسي في سورية (بالإنكليزية) -تقرير ورشة العمل

  •  الديناميات الأمنية الناشئة والتسوية السياسية في سورية"، سيراكيوزا، إيطاليا، 18-19 أكتوبر 2018

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 1.

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات(بالروسية) -ورقة مناقشة 1.

الشرطة العسكرية الروسية في سورية: الوظيفة والمآلات (بالعربية) -ورقة مناقشة 1.

- إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 2.

- إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات(بالروسية) -ورقة مناقشة 2.

إيران في سورية: الجهات الفاعلة صانعة القرار، والمصالح، والأولويات (بالعربية) -ورقة مناقشة 2.

تمويل تنظيم الدولة والنصرة وإنهاء الحرب السورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 3

تمويل تنظيم الدولة والنصرة وإنهاء الحرب السورية (بالعربية) -ورقة مناقشة 3

إصلاح الجيش العربي السوري: رؤية روسية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 4

إصلاح الجيش العربي السوري: رؤية روسية (بالعربية) -ورقة مناقشة 4

  •  السياسة وطرائق إعادة الإعمار في سورية"، جنيف، سويسرا، 7-8 فبراير 2019

- لن ننتظر أحداً: آفاق وتداعيات إعادة الإعمار العشوائية في سورية (بالعربية) -ورقة مناقشة 5

- لن ننتظر أحداً: آفاق وتداعيات إعادة الإعمار العشوائية في سورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 5.

- الخبرة التركية حول عودة اللاجئين إلى سورية (بالإنكليزية) -ورقة مناقشة 6

- الخبرة التركية حول عودة اللاجئين إلى سورية - (بالعربية) -ورقة مناقشة 6