لا تشي الإشارات التي تطلقها الجهات الدولية والإقليمية المعنية بالشأن السوري بين الفينة والأخرى حول اللامركزية ودعم البنى المحلية الناشئة إبان الحرب السورية، إلا بتصورات متقاربة لعدد من الفاعلين الدوليين والإقليميين لصيغة الانطلاق صوب الحل في سورية خارج صندوق المعضلات المزمنة (بقاء الأسد – الدستور – ترتيبات التفاوض –الإرهاب – وقف إطلاق النار ..إلخ).

لم تنتظر التسريبات الصحفية لمقترح روسي للدستور في سورية وقتاً طويلاً قبل أن تُطرح مسودته على الوفد العسكري للمعارضة الحاضر في الأستانة ، حيث تحدثت هذه المسودة عن تقييد السلطة المركزية في دمشق لصالح صلاحيات واسعة للمناطق وفق إدارات محلية إضافة إلى بند خاص يراعي منح صلاحيات حكم ذاتي للكرد في مناطق نفوذهم، في حين أضافت تسريبات لاحقة من كواليس المطبخ الروسي التركي معطيات جديدة عن رغبة روسية وحماس تركي لإقامة مجالس محلية منتخبة في مناطق المعارضة (يمكن رد فكرة إقامة مجالس محلية منتخبة في مناطق المعارضة رغم وجود تجارب ناشئة إلى ضعف اطلاع الروس على الأقل على تفاصيل هذه التجربة).

"ملامح خطة الإدارة الأمريكية الجديدة في سورية وتركيزها على دعم البنى الإدارية الناشئة إبان الحرب -كخطوة مبكرة ضمن مسار يفضي أخيراً إلى الإطاحة بالأسد"

تستطيع تدوير عجلة المصالح البينية للمناطق المحررة وتلك الخاضعة لسلطة النظام في دمشق، أما ما سربته وكالة الأسوشيتد بريس أخيراً حول ملامح خطة الإدارة الأمريكية الجديدة في سورية وتركيزها على دعم البنى الإدارية الناشئة إبان الحرب -كخطوة مبكرة ضمن مسار يفضي أخيراً إلى الإطاحة بالأسد ضمن مقاربة تستوجب استدامة المنجزات المحققة من كسب المعركة ذات الأولوية على تنظيم داعش -فمن شأنه أن يكمل أجزاءٍ كبيرة من الصورة المنقوصة لتصور الحل في سورية.

أساسه التحرك بجدية أكبر في مسألة وقف إطلاق النار بعد أن يكتمل رسم حدود مناطق نفوذ تديرها إدارات محلية أكثر طواعية للفاعلين الدوليين والإقليميين (حيث يتكفل هؤلاء الفاعلون بمنحها ما تفتقر إليه من موارد وشرعية دولية الأمر الذي يمنحها القدرة الكافية لتدعيم وجودها المحلي والحصول على الحدود الدنيا للمشروعية المحلية ) في الوقت عينه يتم رسم خارطة التوافقات الدولية بعيداً عن سورية ضمن اتفاق يترجم في دستور جديد يثبت الوقائع اللامركزية الراهنة. 

"إيران تتجه أكثر صوب خلق واقع ديمغرافي جديد في سورية ومناطق نفوذ استيطانية إحلالية بعيداً عن التوجه نحو تمكين الواقع المحلي الناشئ ضمن أنماط حكم أو إدارة لامركزية"

على الأرض وبصرف النظر عن إيران التي تتجه أكثر صوب خلق واقع ديمغرافي جديد في سورية ومناطق نفوذ استيطانية إحلالية بعيداً عن التوجه نحو تمكين الواقع المحلي الناشئ ضمن ضمن أنماط حكم أو إدارة لامركزية، تدعم تركيا بحماس البنى المحلية الناشئة في مناطق درع الفرات وتعمل على تمكينها من النجاح في امتحان الخدمة والإدارة والتنمية وصولاً إلى تحقيق قدر أكبر من المشروعية المحلية، في الوقت الذي يزداد فيه رسوخ البنى الإدارية القائمة في مناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي ضمن الفضاءات التي يوفرها تحالفه مع الولايات المتحدة.

فيما يمكن تلمس توجهات غربية متسارعة نحو دعم اتجاه المجالس المحلية في مناطق المعارضة لتحقيق المزيد من الاستقلالية عن الأجسام العسكرية المتغولة في مقابل توفير حدود جيدة من الدعم ، أما روسيا فتحاول الحفاظ على المحتوى المحلي الجديد للمناطق الخارجة من عمليات التقليم الديمغرافي لتثبيت هذا الواقع ضمن الحدود التي يمكن أن يرسمها تواجد شرطة عسكرية روسية في عدد من هذه المناطق بالشكل الذي يسمح بعودة بعض مؤسسات الدولة ويحد من عودة النظام إليها (يشار هنا إلى بعض الضمانات التي قدمت لمن بقي من سكان منطقتي الزبداني وقدسيا بريف دمشق ودور روسي فيما بعد اتفاقي حلب و الوعر.

في الوقت الذي يمكن فيه دعم البنى المحلية الناشئة في مناطق النظام والتي ضعف تدريجياً ارتباطها بالمركز لصالح قوى عسكرية محلية أو عابرة للنظام، أما الخطة الأمريكية المشار إليها آنفاً فيمكن أن تترجم إلى مدى القبول بلا مركزيات تساهم في الحفر تدريجياً حول سلطة الأسد على نمط استراتيجية اسقاط النظام العراقي السابق التي استُهلت بإدارات محلية أقرب إلى منظومات الحكم في شماله وجنوبه بعد تحرير الكويت وصولاً إلى إسقاط النظام في 2003.

من جهة أخرى يمكن إدراك التوجهات الدولية والإقليمية نحو اللامركزية في سورية بدوافع تحكمها القناعة بفعالية منح دور أكبر للبنى المحلية في صناعة حل أكثر استدامة أو الرغبة في تصدير تجارب ناجحة في الإدارة اللامركزية ، ويمكن وفق ذلك أن يؤشر التوجه الروسي لدعم اللامركزية في سورية إلى إدراك منطقي لحقيقة التركيبة السورية وتعقيداتها مشفوعاً بتطلعات الكرد الحالية لنمط معين من اللامركزية واحتمال اتضاح تطلعات مكونات طائفية أخرى (الدروز والعلويون) نحو اللامركزية في حال استمر التداعي المطرد لمركزية دمشق، إذا ما قررت روسيا المضي قدماً في رسم خطوط الحل في سورية وفق رؤيتها وبما يمنح هذا الحل فرص الديمومة والاستمرار، وهو أيضاً يلامس ميلاً تركياً للدفع بهذه الرؤية كون أن التعاطي العثماني القديم كان مبنياً على مرونة لامركزية على مستوى كل الولايات تجلت أكثر ما تجلت في النطاق الشامي أحد أهم الأمصار العثمانية وأيضاً في رغبة تركيا المستمرة في تصدير نجاحاتها في مجالات اللامركزية والإدارة المحلية.

ربما يدعمها ما ذكرناه من فرص حقيقية ناجمة عن الحالة التي أوجدها انحسار تراجع مركزية النظام بصورة عامة ، الأمر الذي ربما أدركه الروس بخطوطه العامة وآثاره الواضحة المتجسدة بالشروخ المجتمعية التي تسببت بها حالة الحرب المستمرة في سورية والتي ما كانت لتستمر وتتنامى لولا وجود خلل بنيوي أصيل ومزمن في شكل الدولة في سورية ، في حين تفاوت تجاوب الدساتير السورية الخمسة (1920-1930-1950-1973-2011)مع مسألة شكل الدولة وأيضاً مع الحقائق المجتمعية القائمة على تباينات تحكمها الجغرافيا والثقافة وحتى الاقتصاد.

"المعطيات التاريخية والحالية تشير إلى أن الاستجابة الواقعية لمطلب اللامركزية كفهم حقيقي لطبيعة العلاقات البينية للمجتمعات السورية لم تأتي غالباً من الحكومات السورية القائمة"

إذا نحينا جانباً ما يقال كثيراً في هذه المناسبات عن دفع روسي أو أمريكي أو إقليمي باتجاه التقسيم باعتبار أن الحديث الروسي والأمريكي يدور دائماً حول التركيز أكثر على وحدة سورية ولاعتبارات التخوفات الإقليمية من انتقال عدوى الأحلام الانفصالية إليها، وإذا نحينا أيضاً الحديث المكرر دوماً عن دور فرنسي في خلق الظروف المواتية قديماً على المستوى المجتمعي من خلال تشجيعها للحياة الطائفية مطلع العشرينيات من القرن الماضي إبان انتدابها على سورية وصولاً إلى تقسيم المقسم الوليد من عهد سايكس بيكو إلى خمس دويلات مستقلة عام 1920 (دولة حلب – دولة لبنان الكبير – دولة دمشق – دولة جبل العلويين – دولة جبل الدروز).

باعتبار أن سلطة الانتداب عادت وانقلبت على التقسيم لصالح حالة اتحادية لامركزية رسمتها في سورية الوليدة وسمتها الاتحاد السوري ضمت دولتي دمشق وحلب وجبل العلويين (انفصلت الأخيرة وعادت دولة مستقلة حتى عام 1930 لتنتظم ضمن العقد السوري من جديد ) لتسلم فيما بعد وبصورة تدريجية بدءاً من العام 1924 وحتى توقيع معاهدة الاستقلال عام 1936 ،قياد الدول الخمسة إلى مركزية دمشق (حيث ضاقت ذرعاً بعبء هذه الأقاليم وتفاوتاتها ورغبت بإعادة الحمل إلى المركز)، فإن المعطيات التاريخية والحالية تشير إلى أن الاستجابة الواقعية لمطلب اللامركزية كفهم حقيقي لطبيعة العلاقات البينية للمجتمعات السورية لم تأتي غالباً من الحكومات السورية القائمة.

بل أدركتها الدول التي انتُدبت على سورية رسمياً أو ضمنياً ليس حرصاً على وحدة سورية بقدر ماهو تجاوب غير ناجح مع استحقاقات ديمومة مشاريعها أو رغبة منها في تلبية مطالب مجتمعية فئوية في مقابل تثبيت مكتسبات استراتيجية في البلاد وهو في كل حال منبثق من إعادة غير حميدة لهندسة الخارطة السورية بصورة لاتتماشى مع الامتدادات الطبيعية للبيئات السورية وتداخلاتها -والتي نجحت اللامركزية العثمانية إلى حد كبير في التجاوب معها – بقصد تظهير الأقليات وتفتيت الأكثرية ضمن الكيانات الناشئة.

"لا تُعنى هذه القوى بحال بضرورة انتظام هذه القطاعات الوليدة ضمن عقد وطني جامع، لكن ما يهم لفت النظر إليه هنا هو البناء على هذه التوجهات وتوظيفها في تعزيز البنى المحلية الناشئة على امتداد الساحة السورية"

في النهاية يمكن أن ندرك بصورة أو بأخرى أن توجهات القوى الكبرى على نحو الخصوص لتثبيت الخرائط الإدارية الناشئة بفعل حالة الحرب ، وتعزيز مكتسبات كل الأطراف ضمن كل قطاع من هذه القطاعات الوليدة، يأتي في سبيل منح التوجهات التي تدفع بها كل من هذه القوى دفعا مجتمعياً تحتياً (من الأدنى إلى الأعلى ) من قبل كل الأطراف، ولا تُعنى هذه القوى بحال بضرورة انتظام هذه القطاعات الوليدة ضمن عقد وطني جامع، لكن مايهم لفت النظر إليه هنا هو البناء على هذه التوجهات وتوظيفها في تعزيز البنى المحلية الناشئة على امتداد الساحة السورية ، والعمل على جعلها أكثر استقلالاً عن تأثيرات القوى العسكرية والبحث عن مقاربات عابرة للثورة والنظام بينها، بمايسهم بإكمال صورة أكثر اتساقاً عن المشهد الإداري في سورية القادمة يتميز بالمرونة والواقعية والاستدامة والقبولية.

سنتناول في المقال القادم عرضاً موجزاً عن الأسس الدستورية للامركزية في سورية من خلال المرور على الدساتير السورية الأساسية التي تم ارساؤها منذ قيام الكيان السوري، باعتبار أن الدستور يمثل بشكل أو بآخر وثيقة العقد الاجتماعي الذي توافقت عليه المجتمعات السورية.

 

المصدر موقع نون بوست: https://www.noonpost.org/content/17763

 

التصنيف مقالات الرأي

أدى تأزم الصراع السوري بفعل التدخل الخارجي إلى تشظي الجغرافية السورية لمناطق نفوذ تديرها عدة قوى خارجية بامتداداتها المحلية، علاوةً عن تفتت النسيج المجتمعي السوري وتآكل الهوية السورية لصالح انبعاث هويات فرعية على أسس مذهبية أو عرقية. وفي حين يبدو الواقع السوري كارثياً بلغة الأرقام من حيث حجم الخسائر في البنية المادية والرأسمال البشري، فإن بناء المستقبل يتطلب معالجة الملفات الكبرى سواءً تلك المؤجلة منذ تشكيل الدولة السورية فيما يتصل باستحقاقات الحكم والتنمية والهوية الوطنية، أو تلك الناجمة عن الصراع وفي مقدمتها التغير الديمغرافي. وفي هذا الصدد، تتجلى أهمية مشروع المجالس المحلية كحامل وطني قادر على التعامل مع الاستحقاقات الكبرى المطروحة، ومنها ملف التغير الديمغرافي لما تمتلكه من كمون يرتكز على شرعيتها وإمكانياتها.  

انخرطت عدة قوى في ممارسات التغير الديمغرافي، ولكن ما يضفي على الممارسات الإيرانية سمة خاصة أنها تعد جزء أساسي من استراتيجية متكاملة للتحكم بسورية من خلال التمكين، حيث تسعى إيران جاهدة ما أمكنها لاستغلال ظروف الصراع لإحداث تغير ديمغرافي في عدد من العقد الاستراتيجية الواقعة ضمن محيط العاصمة دمشق وداخلها وعلى امتداد الخط الذي يصلها بالساحل، إضافة للمناطق الحدودية المحاذية للبنان، والعمل على رعاية تلك المناطق سياسياً وأمنياً، وتضمين المستوطنين الجدد "الوافدين" ضمن مؤسسات الدولة وبالأخص الأمنية والعسكرية منها، بما يعزز قدرتها على التحكم بالجغرافية السورية راهناً من جهة، والتأثير على معادلات السياسية السورية مستقبلاً من جهة أخرى.

يمكن التأريخ لبدء عمليات التغير الديمغرافي مع حملة القصير "أيار 2013"، ليشهد هذا المسار نمواً مضطرداً مع مطلع 2014، حيث يقدر عدد المناطق المستهدفة بالتغير الديمغرافي بما يزيد عن 127 منطقة، كان لمحافظات حمص ودمشق وريفها النصيب الأكبر منها. أما عدد السكان المهجرين قسرياً فيتجاوز 2 مليون نسمة، ومن أكبر عمليات التهجير التي تمت تلك التي شهدها حي الوعر وأحياء حلب الشرقية إضافة للمناطق المشمولة باتفاقية المدن الأربعة. أما الأدوات المستخدمة لإنفاذ عمليات التغير الديمغرافي فمتنوعة وتشتمل على المجازر والحصار والضغط العسكري كآليات عسكرية، إضافة لاتفاقيات الإخلاء والتسوية كآليات سياسية، علاوةً عن الآليات القانونية كشراء العقارات وإحداث مناطق جديدة للتنظيم العقاري، كما هو قائم في المزة وكفرسوسة في محافظة دمشق (المرسوم التشريعي رقم /66/ تاريخ 18/9/2012)، إضافة لمناطق باب عمرو والسلطانية وجوبر في محافظة حمص (المرسوم رقم 5 لعام 1982 وتعديلاته) فيما يعرف باسم مشروع حلم حمص!؟

أما عن مراحل التهجير، فتبدأ بإنزال العقاب الجماعي بحق المناطق المستهدفة، ثم تطهيرها مكانياً من سكانها المحليين لتصبح البيئة جاهزة للمرحلة الأخيرة والأخطر من عملية التغير الديمغرافي وهي الإحلال السكاني، الذي تم جزئياً في مناطق عدة أهمها، القصير والسيدة زينب وداخل أحياء دمشق. ولتمكين المستوطنين الجدد "الوافدين"، يتم العمل على تسخير مؤسسات الدولة لخدمتهم ونقل الملكيات العقارية لهم، واختلاق الأعذار والحجج للحيلولة دون عودة السكان الأصليين من خلال فرض ما يعرف بالموافقة الأمنية.

تتمثل خطورة عمليات التغير الديمغرافي بالآثار الكارثية التي أحدثتها في بنية المجتمع السوري، من حيث ترسيخها لخطوط الانقسام بين السوريين على أسس مذهبية وعرقية، إضافة لعرقلتها إنجاز ملفي عودة النازحين والمهجرين وإعادة الإعمار مستقبلاً.

وفي ظل التعاطي السلبي من قبل المجتمع الدولي، بل وتواطؤه المفضوح في عمليات التغير الديمغرافي، وضعف فعالية المعارضة السياسية في إثارة الملف تفاوضياً، وأمام مثابرة إيران وأذرعها المحلية لنسف ما تبقى من عرى تماسك المجتمع السوري، تبدو المسؤولية كبيرة على عاتق القوى المحلية وفي مقدمتها المجالس المحلية للاعتماد على نفسها، والتعاطي مع ملف التغير الديموغرافي بمسؤولية نابعة من تمثيلها لمجتمعاتها المحلية التي هُجرت والدفاع عن حقوقها. وفي حين تواصل عدة مجالس محلية مهام التوثيق العقاري والمدني من خلال مديريات تُعنى بهذا الأمر، سواءً على مستوى مجالس المحافظات أو المجالس الفرعية كما في دوما، الأتارب، إعزاز، درعا، سراقب والرستن..إلخ، فإن المسؤولية أكبر على عاتق المجالس المهجرة، إذ أنها معنية أكثر من غيرها في حفظ الذاكرة المحلية لمجتمعاتها والاستمرارية بالمطالبة بحقوق سكانها المهجرين، وهو ما يمكن العمل عليه من خلال إعادة تفعيل نفسها من جديد في البيئات التي وفدت إليها، وممارسة دورها في رعاية شؤون سكانها، إضافة لإثارتها لموضوع التهجير القسري في المحافل الدولية الحقوقية والقانونية، علاوةً عن متابعتها لملف الملكيات العقارية في مناطقها.

إضافة لما سبق، يمكن استغلال الاتفاقيات السياسية المؤقتة راهناً "الهدن، مناطق وقف التصعيد" وإدراج بند خاص بالعودة الطوعية للاجئين والنازحين لأماكن إقامتهم الأصلية دون قيد أو شرط وبرعاية أممية تستند لدور محوري للمجالس في عملية التنفيذ، إضافة لمنح المجالس المهجرة الحق بالعمل من جديد ضمن مناطقها الأصلية، كذلك الحد من تسرب السكان المحليين لخارج سورية من خلال العمل على إيجاد مناطق توطين مؤقتة لهم كما في مناطق درع الفرات، علاوةً عن الاستمرار في توثيق جرائم التهجير وجمع القرائن والأدلة اللازمة لتشكيل ملف قانوني متكامل، يتيح إمكانية متابعته دولياً لملاحقة ومحاسبة المسؤولين عن هذه العمليات باعتبارها جرائم حرب.

 

المصدر شبكة شام: https://goo.gl/ZdgtMP

 

التصنيف مقالات الرأي

أصدر مركز عمران كتابه السنوي الثالث الذي يتزامن مع بداية العام السابع من الزلزال السوري بعنوان "تحديات النهوض الوطني إبان التدخل الروسي"، هادفاً إلى تقديم قراءة منهجية لأهم متغيرات الملف السوري في عام 2016 ابتداءً من آثار التدخل الروسي في معادلات المنطقة، وكذلك حركية هذا الوجود الروسي وحدوده وأبعاده، إضافة إلى تسليط الضوء على الكمون الاقتصادي والتنموي في مناطق المعارضة وتحليلاً للبُنى الإدارية المحلية القادرة على ملء الفراغ وضبط الأمن وتوفير جسم قادر على الانتقال السياسي الحقيقي ميدانياً.

وتؤكد الدراسات الواردة على أهمية تقوية المكونات المحلية المدنية وخاصة منظومة المجالس المحلية كجسم تمثيلي شرعي رغم التفاوت في مستوى الأداء بما يهدف إلى ملء الفراغ الإداري وتمثيل رأي المواطنين في الحقل السياسي في مقابل طُغيان غير متوازن للفصائل العسكرية والأجسام السياسية التقليدية في المشهد التفاوضي.

التصنيف الكتب

استكمالاً لورش العمل والندوات التي يعقدها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مع الفاعلين السوريين ضمن خطة المشروع البحثي الذي أطلقه المركز حول الرؤية الوطنية في التغيير الأمني (وظيفة – بنية)، عقد المركز في غازي عنتاب – صالة مؤسسة البوصلة للتدريب والتطوير بتاريخ 16/3/2017 ندوة نقاشية مع بعض الفاعلين ضمن مجال الإدارة المحلية (وحدة المجالس المحلية، ممثلين عن الحكومة السورية المؤقتة، ممثلي بعض المجالس المحلية).

وتركز النقاش حول دور المجالس المحلية في ملف الأمن المحلي، باعتباره أحد الجهات التي عنيت بالوظيفة الأمنية إلى جانب الشرطة الحرة والقضاء المحلي وفصائل المعارضة المسلحة، كما تم التأكيد أنه ولتحقيق شروط الأمن والاستقرار ينبغي الدفع باتجاه تبني مرجعية قضائية مستقلة مدنية موحدة على مستوى المحافظة، وتوحيد عمل الشرطة المحلية وربط مراكزها بالمجالس المحلية والتي بدورها ينبغي تعزيز علاقتها مع الحكومة المؤقتة، ناهيك عن ضرورة إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي وحوكمتها بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية.

كما استعرضت الندوة وقيمت البنى الأمنية المتعددة في سورية( مناطق سيطرة النظام السياسية – مناطق المعارضة المسلحة- مناطق الإدارة الذاتية)، وأوضحت الإجراءات التي ينبغي اتباعها قبل الشروع في حوكمة الأمن في سورية، وركزت الندوة  في قسمها الأخير مقترحين  أوليين الأول يوضح الوظائف والأجسام الأمنية القطاعية وعلاقتها مع المركز والطرف بما يعزز شروط التمكين المحلي ويحمي استقرار ووحدة البلاد، والثاني الرؤية الوطنية للتغيير من خلال التغيير القانوني والدستوري والثانية وتطوير البنية الأمنية لتغدو منسجمة مع مفهوم صيانة الوطن والمواطن ضمن قطاع أمني متماسك.

التصنيف الفعاليات

شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار القحف بأعمال المؤتمر الذي عقده منتدى الشرق بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط الإفريقي، بتاريخ 26 كانون الثاني2017، بمدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا تحت عنوان: "تركيا وجنوب أفريقيا: القوى الإقليمية والمسؤوليات العالمية".

تحدث القحف خلاله عن المجالس المحلية التي تهدف إلى بناء الاستقرار واستعادة الدولة محلياً والتفريق بين الدولة ومؤسساتها التي هي ملك للشعب وبين النظام الذي استولى على الدولة بطرق غير شرعية، وأضاف أن الشرعية يمكن أن تبنى من الأدنى إلى الأعلى عبر المجالس المحلية الموجودة على الأرض وأن نموذج جنوب أفريقيا بإعطاء صلاحيات للمجالس المحلية يعطي بعض الإشراقات في هذا الجانب.

عٌقد المؤتمر على ثلاث جلسات؛ الأولى منها ركزت على الطرق والسياسات الحزبية المهيمنة على الديناميات الداخلية والدولية. أما الجلسة الثانية فقد تناولت تقييم أدوار ومسؤوليات كل من تركيا وجنوب أفريقيا نحو منطقة الشرق الأوسط. فيما استعرضت الأخيرة مبادرات وفرص جديدة للشراكة بين تركيا وجنوب أفريقيا.

يجدر بالذكر أن المؤتمر حضره العديد من الخبراء وصناع القرار علاوة عن مسؤولين حاليين وسابقين وممثلين عن الوكالات الدولية.

التصنيف أخبار عمران

في إطار تغطية الشأن  الداخلي السوري، قامت قناة دار الايمان بإجراء اتصال مباشر مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 22-1-2017  للحديث حول دراسة "المجالس المحلية وملف الأمن المحلي/ دور مطلوب لملف إشكالي"، حيث استعرض الباحث أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة فيما يتعلق بدور المجالس المحلية في حفظ الأمن المحلي، واختتم الباحث مداخلته بالحديث عن الأدوات التي تفتقر إليها المجالس في تأديتها لدورها في هذا الصدد.

 

 

<>

 

في إطار تغطية الشأن  الداخلي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي مسجل مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 19-1-2017 للحديث حول انتخابات مجلس مدينة إدلب، حيث تناول اللقاء تقييم إدارة المعارضة لمدينة إدلب ومدى نجاحها في هذا الاختبار، والأسباب الدافعة لقبول جيش الفتح لمبادرة تشكيل المجلس المدني، كما تطرق اللقاء إلى مقومات القوة التي يمتلكها المجلس الجديد لإدارة الشأن الخدمي للمدينة، وما هي التحديات التي تعترض عمله وأهمها إصرار النظام على إجهاض أي تجربة مدنية خدمية ناجحة في المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر استهدافها وتدمير بنيتها التحتية، ليختتم الباحث مداخلته بالحديث عن أسس ومكونات إدارة الإعمار في إدلب كتجربة لباقي المناطق.

 

  

الخميس, 29 كانون1/ديسمبر 2016 17:42

مشهد ما بعد غياب المجالس المحلية في سوريا

شكلت المجالس المحلية القائمة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أحد العناصر الرئيسية المتضمّنة في أطروحات الحل السياسي المجمّد، وفي الترتيبات المرافقة لاتفاقيات التفاوض المحلي الجارية، إلا أن حضورها فيما سبق تراوح بين القبول بها أو رفضها ولكل اعتباراته في ذلك، حيث ينطلق موقف الدول والمنظمات المؤيدة لإشراك المجالس المحلية للمعارضة في الترتيبات السياسية المحلية منها وعلى المستوى الوطني، من اعتبارات واقعية مفادها توظيف المجالس كإحدى آليات التدخل للتعامل مع الاحتياجات الطارئة للمجتمعات المحلية، وبالشكل الذي يخفف من حدة المأساة لا إلغائها من جهة، وكرافعة للحل السياسي على المدى البعيد لما تحوزه من كمون نابع من شرعيتها التمثيلية من جهة أخرى.

على الرغم من تلك الأهمية التي تحوزها المجالس، لا تقوم الدول والجهات المانحة بما يتوجب عليها لتقوية المجالس من حيث دعمها وإسباغ الشرعية القانونية عليها واعتمادها كقناة مركزية للتعامل مع المجتمعات المحلية، بل يلجأ بعض أنصار هذه المقاربة إلى إضعاف المجالس لصالح كيانات موازية أو تحويلها لمجرد وكلاء محليين، وكأنهم بذلك يفصحون عن مخاوفهم من تحول المجالس إلى فاعل مركزي لا يمكنهم السيطرة عليه، ليغلب على موقف هذا التيار بشكل عام احتواء المجالس وإبقاؤها تابعةً لا مستقلة، ومنفذةً فقط لا مبادرة.

بالمقابل يرفض النظام وحلفاؤه فكرة المجالس المحلية الشرعية انطلاقًا من إدراكهم للتهديد الذي تمثله على مصالحهم وسرديتهم، فمن جهة تعتبر المجالس المنتخبة والمعبرة عن إرادة مجتمعاتها ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في التاريخ السوري الحديث، من حيث إنها تؤسس لشرعية حقيقية عبر تمكين السوريين من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب والترشح الحر والرقابة والنقد لأعمال المؤسسات العامة، وهو ما كان مغيبًا عن السوريين منذ استلام البعث للحكم وبالتالي كسر ادعاء النظام تمثيلَه للسوريين وإعادة إنتاج النظام السياسي والمجتمعي وفق قواعد جديدة مدنية وديمقراطية، الأمر الذي يدرك النظام خطورته على المدى البعيد.

كذلك تبقي المجالس الظاهرة المدنية للثورة متقدةً من حيث مساهمتها في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للحراك الثوري بما تقدمه من خدمات تحول دون لجوء السكان إلى خيارات النزوح أو الهجرة أو التطرف بحثًا عن متطلبات المعاش اليومية، وبالتالي نسف سردية النظام وحلفائه بأن ما يواجهونه في سورية هو فقط إرهاب.

انطلاقًا مما سبق، يرفض النظام التعامل مع المجالس المحلية باعتبارها منظومة واحدة، وإن اضطر للتعامل معها أحيانًا فضمن اعتبارات الواقعية ليس إلا، وباعتبارها فاعلًا ثانويًا من جملة فاعلين محليين آخرين، أما الموقف الثابت للنظام فهو نسف فكرة المجالس بأدوات عسكرية وسياسية، حيث رفض النظام عبر وزير خارجيته مقترح الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المقاومة الوطنية المتضمن بقاء المجلس المحلي لمدينة حلب ومجالس الأحياء قائمة، كما أكد في اتفاقيات التفاوض المحلي التي يديرها حلفاؤه نيابةً عنه على أولوية حل هياكل الحوكمة المحلية، وترحيل كوادرها لمناطق أخرى كما حدث في داريا والمعضمية وقدسيا والهامة وحلب وغيرها من المناطق التي شملتها اتفاقيات التفاوض المحلي.

ومما يؤكد تعمد النظام وحلفاؤه نسف فكرة المجالس استهدافهم مقراتها وقياداتها بعمليات القصف الجوية المكثفة، التي يؤكد الخبراء العسكريون غياب البعد العملياتي العسكري لها وارتباطها بأهداف تخريبية بهدف زيادة الضغط على هياكل الحوكمة المحلية بالشكل الذي يضعف استجابتها تدريجيًا ويغيبها عن المشهد المحلي بالضرورة، أمام هذا الواقع المحكوم بين مقاربة لا تمنح المجالس مَنَعَةً وأخرى تريد إلغاءها، يطرح التساؤل التالي عن مآل المشهد المحلي بعد غياب هياكل الحوكمة المحلية.

للأسف لم تتم إثارة هذا التساؤل في خضم تداول نكسة حلب، حيث تركز النقاش على الجانب العسكري وعلى حسابات القوى الإقليمية والدولية التي قادت لهذه الخسارة، كما لم يتم التطرق إليه في معرض استشراف المرحلة المقبلة وخياراتها المتاحة.

وفي هذا الصدد يمكن القول إن غياب المجالس المحلية الشرعية سيضعف من الحالة المدنية للحراك الثوري، ويدفع بالكثيرين الفاقدين الأمل بالبدائل المدنية للجنوح إلى التطرف، كما من المتوقع أن يفضي غيابها إلى تصاعد موجات النزوح والهجرات داخل الجغرافية السورية وخارجها بحثًا عن الأمن ومتطلبات المعاش اليومية، وهو ما سيلقي بأعبائه على دول الجوار القريب وحتى على النظام نفسه، الفاقد للقدرة وللإمكانيات لإدارة شؤون السكان وتوفير احتياجاتهم الأساسية.

وبالتالي يمكن القول إن غياب المجالس المحلية سيؤدي إلى تعميق حالة الفوضى المحلية التي لا يملك أحدٌ القدرة على التنبؤ بمساراتها المستقبلية.

انطلاقًا مما سبق وأمام ما يفرضه علينا واجبنا تجاه سورية فإننا مطالبون كسوريين مؤمنين بالتغيير، بالحفاظ على المجالس المحلية ودعمها لأنها ما تبقى لنا من جمالية الثورة، وأملنا في الحفاظ على جذوتها متقدةً، وهي حصنها الأخير المتبقي لها بعدما طغت عليها الفصائلية المقيتة والتفرق ولم ينصت أيٌ لكلمة الحق أن توحدوا أو ارحلوا.

التصنيف مقالات الرأي

انطلاقاً من ضرورات إعادة التشكيل العميق لعامل الحسم غير المرئي في الملف السوري وهو "هيكلية الدولة السورية".  عقد مركز كارنيغي للشرق الأوسط بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 2016، ندوة عامّة على مدار جلستين متواليتين حول اللامركزية والإدارة الذاتية في سورية، بالتعاون مع مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group). تناولت الجلسة الأولى الآليات التي تؤثّر من خلالها اللامركزية على الفاعلين الأساسيين على الأرض في سورية من جهة، وكيف يستغلّها الفاعلين من جهة أخرى.

أما الجلسة الثانية فتمحورت حول تأثير هذه الديناميكيات المحلية على الاستراتيجيات والسياسات التي تنتهجها الجهات الفاعلة الخارجية، وتتطرّق إلى التحديات التي ستواجهها والفرص التي ستتيحها في المستقبل.

برزت خلال الندوة مشاركة الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية. إذ ركز على تجربة المجالس المحلية في مختلف مناطق سورية لاسيما مناطق سيطرة المعارضة السورية كونها الوحيدة التي تعتمد على الشرعية السكانية بوضوح من حيث الانتخاب 35٪‏ والتوافق 62٪‏، إضافة لقيامها بأعباء وظائف مؤسسات الدولة ضامنة بذلك استمرار مؤسسات الدولة. مُدللاً على أهمية دعم وتمكين هذه المجالس كونها شرعية وبديلة عن النظام الحاكم. مبرزاً قدرة المجالس المحلية على إنجاح برامج إعادة الاستقرار محلياً وعلى مستوى المحافظات، في حال تم ذلك بالتوازي مع وقف إطلاق النار ومسار انتقال سياسي ولو تدريجي. لأن ذلك كفيل بضمان وحدة أراضي سورية عبر عقد اجتماعي جديد وآليات لامركزية موسعة أو غيرها من النماذج التي يتوافق عليها السوريون.

حظيت الندوة بمشاركة واسعة من قبل باحثين ومحليين ومستشارين كان من أبرزهم؛

ماريا فانتابيه: باحثة أولى حول الشؤون العراقية في مجموعة الأزمات الدولية، وسام هيلر: باحث في مؤسسة Century Foundation، مالك العبدة: مستشار في مركز الحوار الإنساني، نوا بونسيه: محلّل بارز في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر هارلينغ: مؤسس ومدير شركة Synaps.

تجدر الإشارة أنه بختام الندوة تم عرض ملخص عن آخر استطلاع رأي قام به مركز عمران لــ 105 من المجالس المحلية.

التصنيف أخبار عمران

لكي تمارس المجالس الدور المرجو منها حاليًا وفي المرحلة الانتقالية فإنها بحاجة إلى مقومات العمل الضرورية وفي مقدمتها توفر التمويل واستقراره، فبقدر ما تتوافر للمجالس موارد مالية متنوعة ومستقرة، فإنها تتمكن من أداء مهامها وترسيخ مكانتها في المجتمع المحلي كجهة مركزية في توفير الخدمات للسكان المحليين، في حين أن غياب الاستقرار المالي يجعل المجالس مهددة بالتوقف عن العمل أو تقليص حجم دورها في إدارة مجتمعاتها المحلية، الأمر الذي يفتح المجال أمام قوى أخرى لا تعبر بالضرورة عن مصالح المجتمع المحلي ككل للتدخل وأخذ زمام المبادرة.

منذ أن انبثقت تجربة المجالس المحلية في المناطق غير الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد وهي تخضع لدراسات وبحوث معمقة حول نشأتها ودورها وواقعها الراهن وما يمكن أن تؤديه في المرحلة الانتقالية، وغني عن البيان القول بأن المجالس أصبحت إحدى المسلمات الأساسية التي يستدعيها الحل السياسي للأزمة السورية باعتبارها أحد أبرز الفاعلين المنفذين لتفاصيل الاتفاق السياسي المنتظر، إن كان على المستوى المحلي أو الوطني وبغض النظر فيما إذا كانت سورية دولة موحدة تدار من خلال اللامركزية الإدارية الموسعة، أو من خلال فيدرالية تحكمها وحدات سياسية محلية.

ولكي تمارس المجالس الدور المرجو منها حاليًا وفي المرحلة الانتقالية فإنها بحاجة إلى مقومات العمل الضرورية وفي مقدمتها توفر التمويل واستقراره، فبقدر ما تتوافر للمجالس موارد مالية متنوعة ومستقرة، فإنها تتمكن من أداء مهامها وترسيخ مكانتها في المجتمع المحلي كجهة مركزية في توفير الخدمات للسكان المحليين، في حين أن غياب الاستقرار المالي يجعل المجالس مهددة بالتوقف عن العمل أو تقليص حجم دورها في إدارة مجتمعاتها المحلية، الأمر الذي يفتح المجال أمام قوى أخرى لا تعبر بالضرورة عن مصالح المجتمع المحلي ككل للتدخل وأخذ زمام المبادرة.

وضمن هذا السياق، فقد أكدت أغلب نتائج الدراسات ذات الصلة، مركزية إشكالية التمويل التي تعاني منها المجالس المحلية، ومنها ما أصدرته منظمة اليوم التالي ضمن دراسة مسحية بعنوان "المجالس المحلية في عيون مجتمعاتها" جاء فيها، أن أربعة مجالس من أصل خمسة شملهم المسح البياني قد وضعت التمويل في مقدمة المشاكل التي تواجهها، وتعتبر هذه النتيجة واقعية في ظل ما تواجهه المجالس من عجز مالي ناجم عن ضعف استقرار الإيرادات المالية من جهة وصعوبة ضبط النفقات - لاعتبارات عديدة تتعلق بالوضع الأمني وحجم الأزمات الخدمية التي تحتم على المجالس لعب دور فيها - من جهة أخرى.

وإن كانت المجالس تتباين من حيث تنوع مواردها المالية واستقرارها فإنها لا تخرج عن مصدرين رئيسين هما، الدعم الخارجي بشكليه العيني والمادي الذي تقدمه الجهات المانحة إضافة إلى الدعم المقدم لها من قبل هيئات المعارضة الرسمية كالائتلاف والحكومة السورية المؤقتة، وإن كان قد تضاءل إن لم يكن اختفى كليًا نتيجة العجز المالي الذي تشهده هذه المؤسسات، يضاف إلى ما سبق الدعم المادي الذي يوفره الأفراد والقوى المحلية العسكرية منها والمدنية لتلك المجالس.

وإلى جانب الدعم الخارجي فقد تمكنت المجالس من توفير موارد ذاتية شملت الضرائب والرسوم المحلية وما تحقق لها من عائدات المشاريع التنموية التي أسستها، علمًا أن المجالس قد حققت نجاحات لا يمكن إنكارها على صعيد تنمية مواردها الذاتية خصوصًا على صعيد الجباية المحلية التي بدأت كتجربة خجولة في 2014 في حلب وإدلب لتعمم تدريجيًا على بقية المجالس القائمة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وإن كانت ما تزال تواجه تحدياتٍ تحول دون بلوغها المستوى المأمول في تمويل المجالس، إلا أنها وبدون شك خطوة تحسب لها.

ما يلفت الانتباه في الدراسة التي أصدرتها منظمة اليوم التالي، ميل العينة لتأييد تمويل المجالس المحلية مؤقتًا من الخارج، وفي الوقت الذي يمكن تبرير هذه النتيجة بضعف الثقة في الآليات المتبعة من قبل المجالس لتنمية مواردها الذاتية والنتائج المتحققة عنها من جهة - علمًا أن ذلك يحتاج إلى وقت طويل وبيئة مستقرة وتفاعل مجتمعي إيجابي مع جهود المجلس -، والرغبة في حلول سريعة تحقق الاستقرار المالي لها من جهة أخرى، إلا أنه يجب التنويه إلى مخاطر استمرارية اعتماد المجالس على الدعم الخارجي، إذ إنه يفتح الباب أمام تبعيتها للجهات المانحة التي تنفذ برامجها الخاصة والتي قد لا تتوافق بالضرورة مع أولويات المجتمعات المحلية، أي تحوّل المجالس إلى وكلاء محليين مرتبطين بأجندات خارجية سواءً كانوا يعون ذلك أم لا، علاوة على تقويض الجهود التنموية التي تقودها المجالس لتعزيز مواردها الذاتية.

أمام هذا الواقع ولكي نحمي مشروع المجالس المحلية من عبث أيادي الخارج وتفويت الفرصة على الطامعين فيها ممن يريدون تحويلها إلى مجرد واجهات لمصالحهم أو وكلاء محليين لسياساتهم، ولكي نحفظها بعيدًا عن التدخلات التي يمكن أن تقوض تجربتها، ولنعزز دورها واستقلاليتها حاليًا وعلى المدى البعيد، فإن الدعوة موجهة لتضافر جهود القوى الوطنية من أجل دعم المجالس بما يضمن تفعيل مواردها الذاتية بالشكل الذي ينعكس إيجابًا على المجتمع المحلي، هي دعوة لإبقائها أملًا للسوريين فهي أجمل ما أفرزته الثورة، وهي مستقبلنا الذي نسعى أن نحقق من خلاله مطالبنا التي خرجنا لأجلها بالحرية والكرامة والعدالة.

التصنيف مقالات الرأي