ملخصٌ تنفيذيّ

  • تشهد خارطة التحالفات في سوريا تغييراً ملحوظاً، حيث بدأت خلافات "ثلاثي أستانة" بالظهور للعلن على عدة مستويات، الأمر الذي يشير إلى احتمالية انفراط عقد أستانة بعد أن أدى الأهداف المشتركة للأطراف الثلاثة.
  • تعتبر الحملة العسكرية التي تشنها روسيا والنظام آخر محطات مسار أستانة، والذي حقق أهدافه العسكرية بالنسبة لموسكو، وفشل في تحقيق نتائج سياسية على مستوى الحل نتيجة لخلافات الثلاثي الراعي للمسار (روسيا، تركيا، إيران) وعرقلة أممية تتمثل بإعادة تفعيل مسار جنيف.
  • تحاول موسكو طي صفحة منطقة "خفض التصعيد" الرابعة على غرار سابقاتها من المناطق، مدفوعة برغبتها في تأمين الطرق الدولية لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك للنظام، ومستغلةً رفع الفيتو التركي عن المعركة.
  • رفع الفيتو التركي عن المعركة والصمت إزاء التصعيد الروسي، ناتج على ما يبدو عن تغيّر أولويات أنقرة بعد التقارب مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة، باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا دون التوغل في العمق السوري.
  • لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة)، بقدر ما يشير إلى رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على عدة مستويات.
  • يبدو من خلال بيانات ومواقف الفصائل العاملة في المنطقة منزوعة السلاح والمعارك التي لاتزال تخوضها ضد قوات النظام وحلفائه؛ أنها ليست جزءاً من تفاهمات أنقرة مع موسكو، ليبقى موقف هيئة "تحرير الشام" ملتبساً، وهي صاحبة السيطرة الأكبر في المنطقة والموقف الأكثر مرونة بين الفصائل الأخرى حول دخول الدوريات الروسية للمنطقة العازلة.
  • الظروف المحيطة بالمعركة سياسياً وعسكرياً، تشير إلى أن العملية ليست لمجرد الضغط فقط لتسيير الدوريات الروسية وفتح الطرق الدولية، وإنما الهدف منها تصفية الفصائل الرافضة للدوريات الروسية عبر قضم مناطقها والتوغل إلى عمق معيّن يؤمن لموسكو عدة أهداف أُخرى.

مدخل

عقب انتهاء أعمال الجولة الثانية عشرة من اجتماع أستانة بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ أطلق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من بكين تصريحات منافية لما تم التوافق عليه في الاجتماع، حيث اعتبر أن "احتمال المعركة على إدلب لايزال قائماً غير أن التوقيت ليس مناسباً"([1])؛ لتبدأ بعد تلك التصريحات عملية تصعيد عسكري من قبل روسيا والنظام لم تشهدها منطقة "خفض التصعيد" الرابعة منذ اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018.

 تمثّل التصعيد العسكريّ بقصف جويّ عنيف على عشرات القرى والبلدات في المنطقة، شمل أرياف حماه الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي بالتزامن مع حشود عسكرية للنظام ومحاولات للتقدم في قرى ريفي حماه الشمالي والغربي، بالمقابل ردت فصائل المعارضة وهيئة "تحرير الشام" المتواجدة في المنطقة بتصعيد حسب إمكاناتها، وتمكّنت من صد بعض هجمات النظام المدعومة بالطيران الروسي المكثّف معلنة موقفاً حاسماً من التصدي لأي محاولة للتقدم. لتبقى المعارك إلى لحظة كتابة هذه الورقة بين كرّ وفرّ من قبل الطرفين، مقابل تقدم النظام في بعض قرى ريفي حماه الشمالي والشمالي الغربي.

يأتي ذلك التصعيد وسط تنديد أمريكي أوروبي خجول، وصمت لافت من الضامن التركي، الطرف المعنيّ باتفاق سوتشي، حيث بدأت تركيا والفصائل المتحالفة معها بالتزامن مع التصعيد الروسي عملاً عسكرياً بدا محدوداً في ريف حلب الشمالي ضد وحدات الحماية الكردية، مما أوحى بوجود تفاهمات حول ما يجري، أو ما اعتبره البعض "صفقة مقايضة" بين موسكو وأنقرة.

وعليه، تسعى هذه الورقة إلى فهم دوافع موسكو لخرق تفاهماتها مع أنقرة حول منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، في الوقت الذي يكاد يسير فيه الملف السوري باتجاه إطلاق العمليّة السياسيّة وطي صفحة العسكرة، مقابل فهم دلالات الموقف الصامت للضامن التركي إزاء هذا التصعيد العسكري على المنطقة. كما تسعى الورقة إلى استشراف حدود هذا التصعيد الروسي عسكرياً وما يمكن أن يفضي إليه من تغييرات في حدود منطقة "خفض التصعيد" الرابعة. إضافة إلى حدوده السياسية وآثاره المحتملة على مستقبل مسار أستانة،

أولاً: الحملة العسكرية (الظروف المُشكّلة للدوافع)

لا يمكن فصل التحرك العسكري لموسكو والنظام في هذا التوقيت عن جملة من المتغيرات على مستوى الملف السوري سياسياً، والتي يمكن أن تشكل دوافع هذا التصعيد الروسي، ولعل أبرزها:

  1. تحالفات جديدة: تشهد خارطة التحالفات في سوريا تغييراً ملحوظاً بعد انحسار الأعمال العسكرية، نتيجة تراجع مساحات سيطرة المعارضة وإعلان نهاية تنظيم الدولة، حيث بدأت خلافات "ثلاثي أستانة" بالظهور للعلن على عدة مستويات، وخصوصاً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، الأمر الذي يشير إلى احتمالية انفراط عقد أستانة بعد أن أدى الأهداف المشتركة للأطراف الثلاثة، والتي باتت تتنافس على تثبيت مكاسبها على الأرض عبر تحالفات جديدة.
  2. فشل سياسي: يبدو أن خلافات الرعاة الثلاثة لأستانة انعكست بشكل فشل الجولة الثانية عشرة في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية وإحالتها إلى جنيف، مما يعني فشلاً في تحويل هذا المسار إلى بديل عن المسار الأممي المتمثل في جنيف. وهذا ما يمكن اعتباره إخفاقاً لموسكو في تحويل النتائج التكتيكية التي أحرزتها من مسار "سوتشي" على المستوى العسكري إلى نتائج استراتيجية على مستوى الحل السياسي، بشكل يمكنّها من الانفراد بمسار هذا الحل وإقصاء (إيران وتركيا) عنه من جهة، إضافة لمجموعة العمل المصغرة (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، مصر، السعودية، الأردن) من جهة أخرى، وهذا ما يؤكده فشل موسكو على مستوى تعويم نظام الأسد عربياً، أو على مستوى إطلاق عملية إعادة إعمار بأموال خليجية وتنشيط عودة اللاجئين، خاصة في دول الجوار السوري.
  3. عجزٌ تركيّ: لم تفلح أنقرة منذ اتفاق أستانة 6 في سبتمبر /أيلول 2017، أي قبل عام من اتفاق سوتشي بتنفيذ التزاماتها اتجاه موسكو، والمتمثلة بتشكيل منطقة عازلة بفصائل منضبطة وتفكيك التنظيمات الإرهابية؛ ليستمر هذا الفشل في تطبيق بنود اتفاق سوتشي المتمثلة بفتح الطرق الدولية (M4، M5)، والذي تجاوز بكثير المهل الزمنية التي نص عليها الاتفاق، مما جعل صبر موسكو ينفد وخلق لها ذريعة لفتح معركة لتحقيق ما لم تنجزه أنقرة على عدة مستويات، دون رد فعل من الشريك التركي في اتفاق سوتشي.

من خلال استعراض العوامل السابقة، والتي يمكن اعتبارها بمجملها دوافع للتصعيد الروسي اتجاه منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، يمكن فهم التحرك الروسي على أنه إعلان بداية نهاية مسار أستانة كمسار عسكري تكتيكي بعد فشله بالتحول إلى مسار سياسي وتصاعد الخلافات بين أطرافه، فموسكو تحاول طي صفحة منطقة "خفض التصعيد" الرابعة على غرار سابقاتها من المناطق كخطوة أخيرة باتجاه طي صفحة مسار أستانة، مدفوعة برغبتها في تأمين الطرق الدولية لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك للنظام، وتأمين قواعدها العسكرية في المنطقة، مستغلةً رفع الفيتو التركي عن المعركة، والناتج على ما يبدو عن تغيّر أولويات أنقرة بعد التقارب مع الولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة باتجاه تأمين الشريط الحدودي مع سوريا دون التوغل في العمق السوري.

ثانياً: المعركة والفصائل (الموقف التركي)

لا يشير الصمت التركي عن التصعيد العسكري الأخير لروسيا والنظام إلى وجود صفقة مقايضة (منطقة مقابل منطقة)؛ بقدر ما يشير إلى  رفع الفيتو التركي (غض طرف) عن عمل عسكري روسي يحقق ما لم تنجزه أنقرة على مستوى ضمان أمن قاعدة حميميم الروسية من هجمات المعارضة، وتأمين ريفي حماه واللاذقية الخاضعين لسيطرة النظام، إضافة لفتح الطرق الدولية وتأمينها عبر دوريات روسية تركية، إذ يبدو أن أنقرة أصبحت معنية أكثر بتأمين شريطها الحدودي بعد ما يشاع عن تسوية خلافاتها مع واشنطن حول المنطقة الآمنة، وبذلك فهي تسعى اليوم لتصفية الجيب الخاضع لسيطرة وحدات الحماية "الكردية" في ريف حلب الشمالي بالتوافق مع موسكو، وهي في هذا الإطار تحاول التنازل عن ملف تفكيك "هيئة تحرير الشام" والمنطقة منزوعة السلاح لصالح موسكو وتوفير جهودها لمعارك ريف حلب الشمالي وترتيبات المنطقة الآمنة، خاصةً وأن جزءاً من فشل أنقرة في تنفيذ بنود سوتشي وأستانة 12 المتعلقة بالدوريات الروسية عائد لعدم قدرتها على ضبط فصائل المنطقة منزوعة السلاح بما فيها "هيئة تحرير الشام"، وهذا ما بدا واضحاً في مواقف تلك الفصائل المتحفظة على اتفاق سوتشي ذاته ([2])، ثم الرافضة لتسيير الدوريات الروسية، إضافة إلى المقاومة الشرسة التي أبدتها فصائل المنطقة المنزوعة السلاح في وجه الهجوم البري الذي شنّته قوات النظام وموسكو.

وعليه يمكن القول بأن الفصائل العاملة في المنطقة التي تتعرض لهجوم موسكو والنظام ليست مُنخرطة في أي تفاهمات روسية-تركية حول المنطقة، وهذا ما سيزيد من صعوبة موقفها العسكري كونها تقاتل دون دعم تركي على المستويين العسكري والديبلوماسي، وفي ظل حملة جوية روسية واسعة وقصف مكثف. وبالمقابل فإن معركة موسكو لن تكون بالسهولة التي اعتادت عليها في معارك الصفقات والتسويات، بحكم أن تلك الفصائل تخوض معركتها الأخيرة. 

ثالثاً: خلاصات

لا يستطيع أحد التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، وما هو حجم التوغل الدقيق الذي تريده موسكو داخل حدود تلك المنطقة، ولكن من خلال ما تم استعراضه يمكن الوصول إلى الخلاصات التالية، والتي قد ترسم بشكل تقريبي صورة المآلات المحتملة:

  1. تعتبر الحملة العسكرية التي تشنها روسيا والنظام آخر محطات مسار أستانة، والذي حقق أهدافه العسكرية بالنسبة لموسكو، وفشل في تحقيق نتائج سياسية على مستوى الحل نتيجة لخلافات الثلاثي الراعي للمسار (روسيا، تركيا، إيران) وعرقلة أممية تتمثل بإعادة تفعيل مسار جنيف.
  2. التقدم في محادثات أنقرة مع واشنطن بخصوص المنطقة العازلة أحدث على ما يبدو تحولاً في أولويات أنقرة؛ يتمثل بالتنسيق مع موسكو حول تصفية جيب وحدات الحماية "الكردية" في ريف حلب الشمالي، وترك تنفيذ بنود اتفاق سوتشي العالقة لروسيا.
  3. انسحاب فصائل "الجيش الوطني" المدعومة من تركيا من القرى الثلاثة التي سيطرت عليها في ريف حلب الشمالي بالتزامن مع فشل قوات النظام بالتقدم خلال اليوم الأول للحملة في ريف حماه؛ يشير إلى أن استحواذ تركيا على أي أراضي جديدة في ريف حلب الشمالي رهن باستحواذ قوات النظام على مناطق داخل المنطقة منزوعة السلاح وبالعمق المحدد بين الطرفين.
  4. يبدو من خلال بيانات ومواقف الفصائل العاملة في المنطقة منزوعة السلاح والمعارك التي لاتزال تخوضها ضد قوات النظام وحلفائه؛ أنها ليست جزءاً من تفاهمات أنقرة مع موسكو، ليبقى موقف هيئة "تحرير الشام" ملتبساً، وهي صاحبة السيطرة الأكبر في المنطقة والموقف الأكثر مرونة بين الفصائل الأخرى حول دخول الدوريات الروسية للمنطقة العازلة، حيث لم ترفض تسيير الدوريات الروسية بالمطلق، ولكنها اشترطت أن ترافقها، إضافة لعدة شروط أخرى ([5]).
  5. الظروف المحيطة بالمعركة سياسياً (تفاهمات موسكو وأنقرة) وعسكرياً (إصرار قوات النظام على التوغل البري)، تشير إلى أن العملية ليست لمجرد الضغط فقط لتسيير الدوريات الروسية وفتح الطرق الدولية وتأمين قواعد روسيا العسكرية في المنطقة، وإنما الهدف منها تصفية الفصائل الرافضة للدوريات الروسية عبر قضم مناطقها والتوغل إلى عمق قد يصل، بحسب خبراء إلى 25 كم لتأمين الطرق الدولية ([6])، ثم التوقف عند هذا الحد الذي يؤمن لموسكو أهدافها بتأمين ريفي حماه واللاذقية من ناحية بما فيها من قواعد ومطارات عسكرية روسية، وفتح وتأمين طرق التجارة الدولية من ناحية أخرى. وبذلك تكون موسكو قد سيطرت على المناطق السهليّة من إدلب وحاصرت هيئة "تحرير الشام" وباقي التنظيمات في جيب جبلي ضيق وكثافة مدنية عالية.

خريطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة، إدلب وما حولها، 10 أيار 2019

خاتمة

تدفع اليوم منطقة "خفض التصعيد" الرابعة ما دفعته سابقاتها من المناطق كثمن لتراكم الأخطاء السياسية والعسكرية، وعلى رأسها خطأ الانخراط في مسار أستانة، والذي أتاح للنظام الفرصة لالتقاط أنفاسه وتجميع قواه والاستفراد في مناطق "خفض التصعيد" الواحدة تلو الأخرى. واليوم وحتى في بوادر نهاية هذا المسار نتيجة لخلافات الثلاثي القائم عليه؛ فإن نظام الأسد لايزال يستفيد من تلك الخلافات والتي أمنّت ولازالت له العديد من الهوامش التي يتنقّل بينها، فالنظام إلى اليوم يعتاش على خلافات القوى الفاعلة المنخرطة في الملف السوري وذات المصالح المتضاربة.


(1) بوتين: خيار شنّ عملية عسكرية في إدلب يظل قائماً، موقع TRT عربي، 27 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/3047whD

([2]) انظر، ساشا العلو، اتفاق إدلب في حسابات الربح والخسارة: المقدمات والتحديات والمصير، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12 نوفمبر 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Rspg4T

 ([3]) المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([4]) المرجع السابق.

([5]) ياديون في المعارضة يشرحون ما يحدث في إدلب، جريدة عنب بلدي، 7/5/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VnNBM2

([6]) “الغارديان” تتحدث عن ترتيبات بين روسيا وتركيا بشأن إدلب وتل رفعت، جريدة عنب بلدي، 8/5/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Jm6isa

التصنيف تقدير الموقف
الأربعاء, 13 شباط/فبراير 2019 16:48

ملف إدلب… هل يحسم عسكرياً؟

أجرى موقع القدس العربي حواراً صحفياً مع المحلل العسكري نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، حول جولة آستانا المرتقبة ومخرجاتها المحتملة، وعن هذا الموضوع أوضح أوليفر، أن أجندات ومصالح ثلاثي «أستانة» تتباين تجاه الملفات المطروحة على طاولة المباحثات، وهو ما يقلل فرص التوصل إلى تفاهمات شاملة بين الثلاثي. كما توقع توسيع اتفاق سوتشي الناظم لإدلب، مع إقرار الدول الثلاث لمبادئ عريضة بخصوص الوضع في المنطقة الشرقية، أساسها الناظم «اتفاق أضنة»، الذي يشكل نقطة توافق روسية – إيرانية».

وأضاف أيضاً، أن المعضلة الأساسية التي تحول دون التوصل لاتفاق شامل على مستوى سورية، هي اختلاف أولوية الملفات بالنسبة للدول الفاعلة، إذ أن كل دولة تنظر إلى الملفات بطريقة مغايرة، حسب أهميتها نسبياً، موضحاً أن هذا الاختلاف بالرغم من التوافق على أهمية الملفات هو ما يصعب التوصل إلى مرحلة متقدمة من التسوية المستدامة في سورية.

ويشكل اتفاق أضنة حسب المحلل العسكري، نقطة توافق بين روسيا وإيران كونه «يؤدي إلى احتواء الطرف التركي من وجهة نظر إيران وروسيا واقتصاره على مساحة محددة، بينما يعطي المجال لإيران أكثر بالعمق في الشرق السوري في المنطقة الداخلية، ويسمح لأنقرة بأن تتجه للتنسيق مع النظام السوري وهو بحد ذاته هدف مشترك لروسيا وإيران».

 

رابط المصدر: https://goo.gl/LbaMiK

قام الباحث أيمن الدسوقي بمداخلة صحفية على راديو روزانة للتعليق على القمة المرتقبة بين الرئيسين التركي والروسي، حيث استبعد الباحث حسم ملف المنطقة الآمنة أو العازلة على الحدود التركية-السورية خلال هذه القمة، إذ أن لكل من أنقرة وموسكو روئ مختلفة حيال هذه المسألة، مرجحاً تفاوض الطرفين على رؤية مشتركة تراعي هواجس أنقرة الأمنية من جهة والالتزامات الروسية من جهة أخرى. كذلك اعتبر الباحث أن استمرار اتفاق سوتشي ضرورة لمصالح كلا الدولتين، منوهاً بإمكانية خضوع الاتفاق للتعديل من حيث أطرافه أو الإجراءات المنصوص عليها للتعامل مع الوضع الناشئ في المحافظة عقب تمدد هيئة تحرير الشام، مستبعداً في الوقت نفسه إمكانية حدوث مقايضة من نوع إدلب مقابل شرق الفرات.

المصدر رادية روزانة: https://bit.ly/2FGVofv

في تصريحه لصحيفة القدس العربي بتاريخ 9 كانون الثاني2019، حول تمدد "هيئة تحرير الشام الأخير"؛ وضح الباحث معن طلاع من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أن هذا التمدد هو بمثابة "الانتقال الاستراتيجي" إلى مراحل متقدمة في التمكين المحلي وإنهاء أي صيغ لتوازع السلطة في تلك المنطقة؛ وأنه ليس نتاج رغبة دولية وإن تقاطعت أهدافها النهائية مع تلك الرغبة والمتمثلة في تعجيل عودة إدلب إلى النظام عبر حجة "الهيئة"؛ إذ أن ما حدث يؤكد على أنها رغبة ذاتية للهيئة نابعة من إدراكها لصعوبة خياراتها المستقبلية وضرورة تحسين تموضعها العسكري والإداري والأمني.

أما من حيث السيناريوهات المحتملة لهذا التمدد فأوضح الباحث أنها  تتراوح ما بين احتمال ضئيل لحصول اتفاق أمريكي تركي للقضاء على الهيئة وهذا يستلزم اتفاقاً سياسياً حول "لإدلب ما بعد الهيئة"؛ وما بين المواجهة الجزئية مع النظام مدعومة بالقوات الروسية أو لايرانية للسيطرة على M4 وm5 .؛ أو إعادة تدعيم قوى المعارضة والدخول في معركة استنزاف طويلة.

المصدر صحيفة القدس العربي: https://goo.gl/iXXuei

 

ملخص تنفيذي

  • نسبة كبيرة من المجالس القائمة في المحافظة غير معتمدة من وزارة الإدارة المحلية ومن مجلس المحافظة وفقاً للأنظمة والقوانين المعمول بها؛
  • تجري أغلبية مجالس محافظة إدلب انتخابات دورية؛
  • تختار أغلب المناطق ممثليها في المجالس القائمة في المحافظة عن طريق التوافق، وثمة تدخل لقوى الأمر الواقع في انتخابات عدد قليل منها .
  • لايوجد تمثيل معتمد للنازحين في محافظة إدلب، كما أن مشاركة المرأة في مجالس محافظة إدلب المحلية منخفضة نسبياً، وتصنف مجالس المحافظة بأنها فتية؛
  • توجد نسبة مقبولة من المجالس التي لديها قناعة بالمشاركة في العمل أو الدفع السياسي بشكل أو بآخر، وتذهب غالبية المجالس إلى تفويض جهات سياسية أخرى وفصائل عسكرية في عمليات التفاوض المحلية.
  • تعطي نسبة معتبرة من المجالس أهمية لقطاعات الإغاثة والصحة والتعليم والبنى التحتية على التوازي؛
  • تعاني مجالس محافظة إدلب من فقر كبير في الموارد المادية والبشرية ينعكس على أدائها المؤسسي وضعف قدرتها على التخطيط والتنمية؛
  • لا تسيطر هيئة تحرير الشام على معظم مناطق المحافظة وتتمتع الكثير من المجالس بالاستقلالية التامة عنها وعن حكومة الإنقاذ؛
  • يعد تراجع الدعم وانسحاب الكثير من المنظمات من محافظة إدلب إضافة إلى تشجيع بعض القوى المسيطرة لبعض التجمعات السكانية لتشكيل مجالس جديدة، عوامل مهمة ساهمت في حالة تشظي المجالس المحلية في محافظة إدلب.

عن التقرير

يستعرض هذا التقرير نتائج مسح اجتماعي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع وحدة المجالس المحلية في كل المناطق المحررة خلال الفترة الواقعة بين 15/4/2018 و15/6/2018 ومن هذه المناطق محافظة إدلب. وقد تناول المسح كل الوحدات الإدارية والهيئات التمثيلية في كل التجمعات السكانية الموجودة على امتداد جغرافيا المحافظة عدا المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً، ورغم كل محاولات فريق البحث الميداني الحصول على أدق المعلومات حول المجالس؛ إلا أنه لا يمكن الادعاء بالدقة الكاملة للمعلومات الواردة في التقرير لصعوبات واجهت الفريق خلال عملية جمع البيانات بسبب الوضع الأمني ولتفاوت درجة تعاون المجالس مع عملية المسح ولتدخل بعض القوى العسكرية ومنعها بعض المجالس من التعاون مع فريق المسح، وقد أسفر ذلك عن تأخر إصدار التقرير، إضافة إلى السيولة الكبيرة التي وسمت المشهد الميداني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي تسببت أيضاً في تأجيل إصدار التقرير حتى تستقر الخارطة ولو مؤقتاً، ويتناول التقرير واقع البنى المحلية الإدارية والتمثيلية القائمة من حيث مشروعيتها ومايعنيه ذلك من جودة تمثيلها للمجتمع المحلي وقيامها بالأدوار المنوطة بها ومن حيث شرعيتها التي تقاس بمدى اعتمادها للأنظمة والقوانين واعتماديتها من قبل المستويات الإدارية الأعلى، كما يتناول موارد هذه المجالس وقدرتها على التخطيط للتنمية، إضافة إلى علاقاتها البينية مع القوى العسكرية والمستويات الإدارية المركزية واللامركزية، كما يستعرض التقرير بعض ملاحظات فريق البحث الميداني التي دونها خلال عملية المسح، و يخلص  إلى جملة من الخلاصات والتوصيات.

حول محافظة إدلب ومجالسها المحلية

تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي للجمهورية العربية السورية، وتحاذي جزءاً من الحدود السورية التركية، وقد بلغ عدد سكانها ثلاث ملايين وتسعمائة ألف نسمة بين أبناء المحافظة والمهجرين إليها ([1])، شاركت المحافظة في الثورة منذ أيامها الأولى لتخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل في آذار من العام 2015، بعد سقوط مركز المحافظة بيد قوات المعارضة، فيما بقيت كل من كفريا والفوعة الشيعيتين المحاصرتين تحت سيطرة النظام ورهناً لاتفاقية المدن الأربعة بين إيران والمعارضة، ومع استكمال ترتيبات أستانة واتفاقيات خفض التصعيد بانعقاد اجتماع أستانة 6 في أيلول 2017، تمكن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على أجزاء من شرق سكة الحديد جنوب شرق المحافظة حيث سيطر على حوالي 17.5% من مساحة المحافظة (متضمناً مساحة كفريا والفوعة)، لاحقاً ومع تزايد حشود جيش النظام وحلفائه على المحافظة تم اتخاذ قرار بإخلاء بلدتي كفريا والفوعة ويقدر عدد المجالس المحلية التي سقطت بيد النظام بحوالي 17 مجلساً محلياً معتمداً، كما أصبحت المحافظة ملاذاً أخيراً لعدد كبير من معارضي النظام السوري بعد سقوط مناطق المعارضة تباعاً ( الغوطة الشرقية، جنوب دمشق، القلمون الشرقي، ريف حمص الشمالي، درعا، القنيطرة) بيد النظام السوري وحلفائه، حيث يشكل النازحون ما نسبته 41% من سكان المحافظة([2]). وقد كانت محافظة إدلب على موعد مع حملة عسكرية ضخمة لاستكمال سيطرة النظام على ما تبقى من مناطق المعارضة ، إلا أن اتفاق سوتشي الأخير بين روسيا وتركيا في 17 أيلول 2018 حال دون ذلك ولو مؤقتاً وفتح الباب لتوفير حماية إقليمية لهذه المحافظة، في الوقت الذي وضع الكرة في ملعب الفعاليات المدنية والبنى المحلية لتفعيل برامجها وتمكين مؤسساتها والعمل على حوكمتها وبينما حدد القرار رقم 1378 للعام 2011 والصادر عن وزارة الإدارة المحلية التابعة للنظام([3])، التقسيمات الجغرافية المركزية للمحافظة بـ 6 مناطق تضم 26 ناحية فيما تقسم المحافظة إدارياً إلى 157 وحدة إدارية توزع على 15 مدينة و47 بلدة و95 بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية([4])، إضافة إلى العشرات من القرى والمزارع والتجمعات التي لا تحظى بالشخصية الاعتبارية ولا تشملها التقسيمات الإدارية([5]فإن العدد الفعلي للمجالس القائمة هو 307 مجلساً محلياً بمافيها مجلس المحافظة ومجالس البلدات التي سقطت بيد النظام بعد استيلائه على مناطق شرق السكة في شباط 2016 .

وقد تأسست 83% من مجالس محافظة إدلب قبل عام 2015، العام الذي خرجت فيه المحافظة بالكامل من سيطرة نظام الأسد، وبصورة عامة يعاني المشهد الإداري في محافظة إدلب من هشاشة وتشظي كبيرين، أسهمت فيه تداخلات الحالة السياسية والعسكرية في المحافظة والتي انعكست على الحالة المدنية وأرخت بظلالها على المنظومة المهيكلة للمجالس المحلية بنشوء مجالس غير معتمدة من الحكومة المؤقتة وتضاعف عددها بشكل كبير وتعدد مرجعيات بعضها سواء بتبعيتها لحكومة الإنقاذ أو المؤقتة، يضاف إلى ذلك حالة انفلات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية من عقال الضبط الحكومي.

المشروعية والتمثيل

يعبر عن المشروعية بمدى الرضى الشعبي عن تمثيل المجلس للسكان المحليين، بما في ذلك المرأة والنازحين وشريحة الشباب والفئات المهمشة، إضافة إلى طريقة تشكيل المجلس وأدائه:

الانتخابات والدورات الانتخابية

تجري62 % من مجالس محافظة إدلب انتخابات دورية([6])، بعضها سنوية وبعضها نصف سنوية، كما توجد مجالس تجري انتخابات كل 4أشهر ومجالس تجري انتخابات كل سنتين، وتم اختيار أعضاء 72% من المجالس في محافظة إدلب بالتوافق، فيما اختير أعضاء 13% من المجالس بالانتخاب المباشر من السكان، ولم تتجاوز نسبة المجالس التي عينت أعضائها الفصائل المسلحة الـ1% (تدخلت الفصائل في تعيين أعضاء أربع مجالس محلية في أربع وحدات إدارية اثنتان منهما تحت السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام والثالثة تحت سيطرة فيلق الشام أما الوحدة الأخيرة فهي غير خاضعة لسيطرة أي فصيل )، فيما شكلت 10 % بالمئة منها بالاعتماد على انتخابات الهيئات الناخبة، وتم اختيار 2% من المجالس من خلال مجالس الأعيان والشورى .

 

مشاركة المرأة والشباب والنازحين

لا تزال مشاركة المرأة في مجالس محافظة إدلب المحلية منخفضة نسبياً إذ يوجد حضور للمرأة في 14% فقط من المجالس المحلية سواءً في الجسم التمثيلي أو الوظيفي، حيث تتنوع مشاركتها فيها فتشارك في 5% من المكاتب التنفيذية لهذه المجالس، كما أنها تشغل مناصب وظيفية في 13 % بالمئة من هذه المجالس.

 

وبصورة عامة يمكن اعتبار مجالس محافظة إدلب المحلية مجالساً فتية إذ تتعزز فيها مشاركة الشباب بشكل كبير و تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها بين 25-40 حوالي 61% من مجموع المجالس، فيما تشكل المجالس التي متوسط الأعمار فيها يبن 40-50 حوالي 7 بالمئة فقط، أما بالنسبة للنازحين فلم تسجل أي حالة تمثيل لهم في مجالس المحافظة.

الدور الخدمي والسياسي

تشكل الأدوار التي تقوم بها المجالس المحلية لصالح المجتمعات المحلية واحدة من أهم عوامل بناء مشروعية هذه المجالس. ومن أهم تلك الأدوار التي يمكن للمجالس المحلية أن تلعبها هو دورها في العمل السياسي العام بصفتها ممثلاً للمجتمع المحلي، ومن ذلك المباشرة في الممارسة السياسية بتمثيل إرادة المجتمع المحلي في المحافل الدولية في ظل إشكالية التمثيل السياسي المركزي الذي ينبغي أن تضلع به البنى السياسية على المستوى الوطني، وأيضاً الدفع السياسي أو التأثير في السياسة من خلال اتخاذ المواقف وإصدار البيانات وإقامة الفعاليات والتي تتناول الموقف الشعبي من المتغيرات السياسية المختلفة التي تخص الشأن السوري و إيصال الرسائل السياسية إلى الفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين والمحليين، إذ تشكل المجالس المحلية التي لديها قناعة بالمشاركة في العمل أو الدفع السياسي بشكل أو بآخر 25%، إضافة إلى كون عملية التمثيل على المستوى المحلي وإدارة المجتمع المحلي سواء على مستوى الخدمات والتنمية أو على مستوى العلاقة مع الفواعل المحلية في الوحدة الإدارية أو مع الاستحقاقات السياسية ذات الطابع المحلي شكلاً من أشكال العمل السياسي، ويمكن ملاحظة عزوف الكثير من المجالس المحلية في محافظة إدلب عن الاضطلاع بمهام سياسية مباشرة على المستوى المحلي كتلك المتعلقة بالتفاوض المحلي مع النظام، كما تتفاوت قدرة المجالس المحلية في تلبية احتياجات المجتمعات المحلية على مستوى القطاعات الإغاثية و الخدمية الأساسية:

  • الموقف من الجهة المخولة بالتفاوضات المحلية

ترى 32% من المجالس أن الفصائل هي الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية مع الجهات المعادية في مناطق التماس) 28 % منها يتبع إدارياً لحكومة الإنقاذ(، فيما ترى 20 % من المجالس أن المجالس المحلية هي الجهة الأكثر تأهيلاً للتفاوض، وتذهب 18 % من المجالس إلى أهمية تشكيل لجنة مشتركة من المجالس المحلية والفصائل للقيام بهذه التفاوضات. في حين ترى 17% من المجالس أن مجلس المحافظة هو الجهة الأكثر تأهيلاً لخوض المفاوضات المحلية، وترى 6% من المجالس أن الهيئة السورية للمفاوضات هي الجهة الأكثر تأهيلاً للقيام بالتفاوضات المحلية، فيما ذهب ثلاثة مجالس إلى أهمية تشكيل لجنة من مجلس المحافظة أو المجلس المحلي والهيئة العليا، ورأى مجلس واحد أهمية تشكيل لجنة من المجلس المحلي ومجلس المحافظة والفصائل، وقد امتنع 5 % من المجالس عن الإجابة عن هذا السؤال.

 

  • أهم الخدمات التي تقدمها المجالس

تولي 24% من المجالس أهمية كبيرة لقطاعات الإغاثة والصحة والتعليم والبنى التحتية (مياه، طرق، صرف صحي، كهرباء) على التوازي، فيما تولي 7 % من المجالس في المحافظة أهمية قليلة للقطاعات الأربعة، كما تتفاوت أولويات مجالس محلية أخرى بالنسبة لاعتبارات الأهمية للخدمات التي تقدمها إلا أن ميدان التعليم يعد الأكثر أهمية لحوالي ال45 % من المجالس، فيما تعتبر 41 % من المجالس قطاع الصحة الأكثر أهمية بالنسبة لها. وعدى عن هذه القطاعات تنصرف الكثير من المجالس لإعطاء الأولوية لقطاعات أخرى كالزراعة والثروة الحيوانية، أو الشؤون المدنية والعقارية، أو إزالة الأنقاض وآثار القصف، أو حل المشكلات في المجتمع المحلي، أو فتح الأفران، أو حملات النظافة ومكافحة الحشرات الضارة، أو الأمن المحلي (الإشراف على الشرطة المحلية).

 الشرعية

تكتسب المجالس المحلية شرعيتها عادةً من مدى انتظامها ضمن الهيكل الإداري العام على المستوى الوطني، ما يعني اعتماديتها وفق الأنظمة الصادرة عن الحكومة المركزية وفق المعايير التي تحددها القوانين الإدارية، إضافة إلى عمل المجلس وفقاً للقوانين الإدارية الناظمة، وامتلاك المجلس لدليل تنظيمي يحدد نظامه الداخلي وهيكليته ومهامه، وقدرة المجلس على مد سلطته الإدارية على كل الحدود الإدارية لوحدته وشمل كل القطاعات المحلية بها. وفيما يلي نتائج المسح حول مدى التزام المجالس موضوع المسح بمعيار الشرعية:

  • تبلغ نسبة المجالس (بما فيها مجلس المحافظة) المعتمدة من وزارة الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة وفق القانون 107 والقانون 1378 حوالي 48 %؛
  • تبلغ نسبة المجالس التي تعتمد القوانين والأنظمة الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية حوالي 25%، نسبة 30% منها غير معتمدة وفق القوانين الإدارية؛
  • تبلغ نسبة المجالس التي لا تعتمد نظام داخلي على الإطلاق 50 % (31 % منها معتمدة)؛
  • تبلغ نسبة المجالس المحلية التي تعتمد أنظمة خاصة بها 20%، نسبة من يصرح منها بتابعيته الإدارية للحكومة المؤقتة 29%؛
  • تجدر الإشارة إلى أن 54% من المجالس المحلية تحافظ على هيكلية ثابتة بين الدورات الانتخابية.

 الموارد والتخطيط للتنمية

لاتزال المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعاني من شح في الموارد وفي فرص التنمية نتيجة التحديات الأمنية وسيطرة قوى الأمر الواقع على الكثير من الموارد على حساب البنى الإدارية اللامركزية إضافة إلى غياب سلطة مركزية فعلية، توضح النسب التالية نظرة المجالس المحلية لأولويات سبل العيش المتوافرة في مناطقها:

  • الموارد والواقع الاقتصادي

 ترى 22 % من المجالس أن سبل العيش الأكثر أهمية المتوفرة في مناطقها تتمثل في الإغاثة ودعم المنظمات بالإضافة إلى تحويلات المغتربين والأنشطة الاقتصادية المحلية، فيما تمثل عمليات الإغاثة ودعم المنظمات (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 31% من المجالس بينما تمثل تحويلات المغتربين (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية بالنسبة لـ 24% من المجالس فيما تمثل الأنشطة الاقتصادية المحلية (دون غيرها) سبل العيش الأكثر أهمية برأي 69% من المجالس القائمة في محافظة إدلب.

وبصورة عامة تشكل الزراعة أهم الفعاليات الاقتصادية في الوحدات المحلية بنسبة 81% تليها الفعاليات التجارية بنسبة 75% ثم الحرف بنسبة 66%، فيما تنخفض مساهمة قطاعي الخدمات 33% والصناعة 20% في الفعاليات الاقتصادية القائمة في الوحدات الإدارية التي تديرها المجالس المحلية في المحافظة.

 

 أما فيما يتعلق بالمجالس نفسها فتبلغ نسبة المجالس التي لها موارد 66  %، يحدد الجدول الآتي أهم موارد دخل المجالس المحلية من حيث نسبة مساهمتها في تمويل عمل هذه المجالس وعدد المجالس المستفيدة والنسبة العامة لمساهمة هذه الموارد:

 

 

 

توجد موارد أخرى متفرقة تعتمد عليها الكثير من المجالس المحلية يمكن عرضها في الجدول الآتي:

 

  • التخطيط للتنمية

لا تظهر الأغلبية الساحقة من المجلس مقدرة على بلورة الاحتياجات والأولويات والخطط ووضع الموازنات بناءً على ذلك، فما نسبته 85% من المجالس المحلية في محافظة إدلب لا يوجد لديها موازنة، و77% من المجالس لا يوجد لديها خطة وبرنامج سنوي أو نصف سنوي، رغم قدرة أغلب المجالس على تقييم الاحتياجات من خلال اللقاءات والندوات مع المجتمعات المحلية أو من خلال إجراء المسوح الاجتماعية سواء باعتماد المجالس على نفسها في ذلك غالباً أو بالتعاون مع منظمات مجتمع مدني شريكة ومنظمات دولية.

 

العلاقات البينية

يزيد غياب ناظم مؤسسي حقيقي ومقونن يضبط علاقة المجالس ببعضها وعلاقتها بالمستويات الإدارية الأعلى وعلاقتها أيضاً بالفاعلين المحليين، يزيد من حدة الاستقطاب المناطقي والفصائلي والسياسي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، يمكن هنا استعراض 4 مستويات من العلاقات بالنسبة للمجالس المحلية القائمة، أولها العلاقة بمجلس المحافظة أو المجلس ذو المستوى الإداري الأعلى، ثم العلاقة بالمستويات المركزية وهي تتمثل في حالة محافظة إدلب بحكومتي المؤقتة والإنقاذ، إضافة إلى الوجود الفصائلي في مناطق المجالس وتداخل العلاقة مع هذه المجالس مع العلاقة بحكومتي المؤقتة والإنقاذ:

علاقات المجلس بالمستويات اللامركزية

  • لاتزال علاقة الكثير من المجالس المحلية الفرعية في محافظة إدلب بمجلس المحافظة غير قوية، إذ تشكل المجالس التي تربطها علاقة قوية بمجلس المحافظة ما معدله 31%؛
  • في مقابل ضعف علاقة المجالس الفرعية بمجلس المحافظة فإن علاقتها بمجالس المدن والمجالس الموازية أفضل نسبياً حيث تتصف علاقة 56% منها بأنها قوية؛

علاقة المجلس بالمستويات المركزية

  • تصف 33% من المجالس علاقتها بأنها مستقلة عن الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ؛
  • تصنف 30% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومة الإنقاذ وتتبع إدارياً للحكومة المؤقتة، فيما تصف 13% من المجالس علاقتها مع الإنقاذ بأنها علاقة تعاون قسري؛
  • تصنف 14% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن الحكومة المؤقتة وتتبع إدارياً لحكومة الإنقاذ، فيما تصف 8% من المجالس علاقتها مع المؤقتة بأنها علاقة تعاون وتنسيق؛
  • تصنف 2% من المجالس المحلية التي تتبع إدارياً للمؤقتة علاقتها بالإنقاذ بأنها علاقة تعاون وتنسيق (7 مجالس)؛
  • صرحت ثلاثة مجالس بوجود علاقة تنافس مع حكومة الإنقاذ.

النفوذ العسكري ضمن الحدود الإدارية للمجلس

  • تعتبر 27% من المجالس المحلية مناطقها خاضعة للسيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام؛
  • تعتبر 10% من المجالس المحلية مناطقها خاضعة للسيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام وفصائل عسكرية أخرى؛
  • تعتبر 28 % من المجالس المحلية مناطقها خاضعة للسيطرة العسكرية لفصائل مختلفة (عدى هيئة تحرير الشام)؛
  • تعتبر 29% من المجالس المحلية مناطقها محايدة (غير خاضعة لسلطة أي فصيل عسكري)؛
  • لم يجب 6% من المجالس عن السؤال.

تداخلات علاقات المجالس بحكومتي الإنقاذ والمؤقتة والفصائل العسكرية

  • تشكل المجالس المحلية التي لها تبعية إدارية للحكومة المؤقتة وتقع في مناطق السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام ما نسبته 9% من مجالس المحافظة الفرعية؛
  • تشكل المجالس المحلية التي لها تبعية إدارية للحكومة المؤقتة وتقع في مناطق السيطرة العسكرية لبقية الفصائل (عدى الهيئة) ما نسبته14% من مجالس المحافظة الفرعية؛
  • يوجد مجلسان محليان في المحافظة لهما تبعية إدارية لحكومة الإنقاذ ويقعان في مناطق السيطرة العسكرية لبقية الفصائل (عدى الهيئة)؛
  • توجد 8 مجالس لها تبعية قسرية لحكومة الإنقاذ وتقع في مناطق السيطرة العسكرية لبقية الفصائل (عدى الهيئة)؛
  • تشكل المجالس المحلية التي لها تبعية إدارية للحكومة المؤقتة ولا تقع في مناطق السيطرة العسكرية لبقية الفصائل بما فيها الهيئة مان سبته 9% من مجالس المحافظة الفرعية؛
  • توجد 4 مجالس لها تبعية إدارية لحكومة الإنقاذ وتقع في مناطق محايدة.

 

من ملاحظات فريق البحث الميداني

فيما يلي مجموعة من الملاحظات التي دونها فريق البحث الميداني خلال لقائه بممثلي المجالس المحلية في محافظة إدلب، والتي تناولت جوانب مختلفة من واقع المجالس المحلية في المحافظة:

العلاقات البينية

  • أغلب المجالس تشكو من ضعف مجلس المحافظة؛
  • اغلب المجالس ابدت استعدادها للتعاون مع حكومة الإنقاذ بعد ان قدمت لهم الغاز، في ظل غياب مجلس المحافظة والحكومة المؤقتة؛
  • مع تراجع عمل المنظمات في محافظة إدلب وانعكاس ذلك على تماسك المجالس المحلية، تشجع حكومة الإنقاذ الكثير من التجمعات السكانية على تشكيل مجالس محلية جديدة خارج المعايير القانونية لتشكيل المجالس واعتماديتها والمعمول بها من قبل الحكومة المؤقتة ومجالس المحافظات كالقانون الإداري 107 والقانون 1378، وذلك بهدف زيادة المجالس المحلية التي تتبع لها؛
  • تستغل الفصائل العسكرية الخلافات البينية بين العائلات على تشكيل المجالس وتحاول التدخل في تشكيل المجالس؛
  • في الوحدات الإدارية التي يوجد فصائل متباينة، فإن الكثير من هذه الفصائل يحاول أن يكون له وجود في المجلس القائم من خلال أبناء المنطقة المنتمين لهذا الفصيل أو ذاك، في المقابل يتمكن الأهالي من إقناع الفصائل بجعل المجلس المحلي بعيداً عن تجاذباتها؛
  • أدى عزوف عدد من المنظمات الداعمة بسبب التغول الفصائلية إلى توجه الأهالي في كثير من المناطق إلى الطلب من الفصائل عدم التدخل بعمل المجالس؛
  • لم يتمكن فريق البحث من التواصل المباشر مع ممثلي قرى حيلا وعيناتا وسنقرة وكفرميد في ريف محمبل، حيث صدرت تعليمات من حكومة الانقاذ بحظر التعامل مع فريق البحث؛
  • مكتب هيئة الخدمات التابع لحكومة الإنقاذ يقوم بجولات يومية على المجالس؛
  • يرفع مجلس كفرنبل علم الثورة السورية على مقره، رغم وجود كبير للهيئة في البلدة، ويعاني المجلس من ضعف الموارد ووجود خلافات حوله في المدينة؛
  • مجلس بلدية فريكة بجسر الشغور مستقل إدارياً ولا يتبع حكومة الإنقاذ، كما ينفي المجلس وجود أي مقر أو سلطة لهيئة تحرير الشام ضمن نطاق عمل المجلس؛
  • لاتزال علاقة المجلس المحلي لمعرتماتر ضعيفة مع المجتمع المحلي، ولا يوجد دعم كافي والمجلس لا يداوم وهناك اجتماعات لأعضائه والمجلس وجوده شكلي بشكل عام؛
  • يتبع مجلس بلدية المعلقة إدارياً لمجلس محافظة إدلب الحرة، وهو ملتزم بقررات المجلس ويعبر عن نفيه القاطع للتابعية إلى حكومة الإنقاذ؛
  • يطالب مجلس الزهراء بإعادة هيكلة مجلس المحافظة لعدم فعاليته في المنطقة، وبزيادة الدعم للمجالس لكي تأخذ دورها في المجتمع المحلي؛
  • يطالب مجلس بزيت بتدخل دولي لوقف القصف والاعتداء على المدنيين كونه يقع على منطقة تماس مباشر مع النظام، والمجلس يتبع إدارياً لمجلس محافظة إدلب الحرة الذي يطالبه أيضاً بتأمين الدعم اللازم؛
  • لمجلس كفر عويد مقر وفيه دوام ولكن الناس يشعرون بأنه ضعيف، كما أن تجاوبهم معه أيضاً ضعيف، والمجلس مستقل عن الفضائل إلا أن الهيئة حاولت ابتزازه بتقديم مادة الغاز؛
  • مجلس خان شيخون يعتبر مجلس نشيط وله طموحات بأن يصبح أفضل، الوضع في المجلس بين كر وفر، فأحياناً تبسط الهيئة نفوذها وأحياناً لا؛
  • هناك مجالس لديها استقلالية كاملة ولكنها تتبع فقط بالإغاثة الى مجلس آخر، مثلا مجلس بياطس ومجلس بيرة أرمناز ومجلس كوارو بتبعون بالاغاثة فقط إلى مجلس أرمناز؛
  • رغم انقطاع دعم الحكومة المؤقتة، إلا أن انتظام التجمعات السكانية في المحافظة ضمن مجالس محلية قد تطور بشكل مطرد بسبب دخول المنظمات الإغاثية والتنموية واشتراط عدد منها وجود مجالس محلية لتوزيع خدماتها على المجتمعات المحلية، ومع تراجع عمل هذه المنظمات وضعف ثقة الكثير من التجمعات السكانية في الوحدة الإدارية بالقائمين على عمل المجالس فإن حالة التشظي عادت لتصبح السمة الأبرز إذ بدأت الكثير من هذه التجمعات بتشكيل مجالس خاصة بها ضمن الوحدة الإدارية نفسها.

الموارد

  • هناك عدد من المجالس كانت تأتيها بعض الموارد لكن حكومة الإنقاذ سيطرت على هذه الموارد ولم تترك للمجالس شيء كمجالس الرصافة ورأس العين، كما استولت هيئة تحرير الشام منذ حوالي السنة على أرض زراعية كان يملكها المجلس المحلي في كفر يحمول كان المجلس يقوم بتأجيرها وتوظيف عائدات الأجرة لمصلحة المجلس؛
  • تعاني الكثير من المجالس كمجلس معرزيتا ضعفا شديداً بسبب قلة الموارد وضعف تجاوب السكان المحليين مع المجلس، كما يعد مجلس ترملا ومزارعها، مجلساً نشيطاً ويحاول أن يعمل وله مقر يداوم فيه أعضاؤه لكن موارد المجلس ضعيفة؛
  • مجلس حزارين: المجلس له مقر ويتم الدوام فيه، ولكن لا يوجد دعم للمجلس بالإضافة إلى ضعف تجاوب السكان المحليين مع المجلس؛
  • يطالب مجلس بلدة الضهر المنظمات بالتوجه إلى المجلس بسبب حرمان المنطقة من أي خدمة أو أي مشروع ويضم مجلس الضهر أكثر من 14 قرية؛
  • أغلب هذه المجالس ليس لديها مقرات فقد يجتمعون في جامع القرية. أو في إحدى المدارس او في أحد البيوت. وتعمل كل المجالس المقيمة عملها الفعلي كما أن المجالس عملها تطوعي بدون مقابل؛
  • يتميز مجلس كنصفرة بفعالية جيدة ولكن موارده قليلة وإمكانية عمله ضعيفه؛
  • تنعدم الموارد المادية لمعظم المجالس المحلية الغير معتمدة من قبل المستويات الإدارية الأعلى من خلال القوانين الإدارية حيث تلجأ هذه المجالس إلى إحدى الطرق الآتية لتأمين بعض الموارد:
    • كل ممثل عائلة يجمع بعض المبالغ من عائلته.
    • تحصيل مبالغ رمزية من الأهالي أثناء تسليمهم سلل الإغاثة.
    • تحصيل مبلغ 500 ل.س سنوياً من كل بيت.
    • أعضاء المجالس يدفعون من جيوبهم الشخصية.
    • قدم أهالي قرية كراتين أرض زراعية مساحتها كبيرة نسبياً لمجلسهم المحلي، بعد أن استعادوها عقب اندلاع الثورة من النظام، ويقوم المجلس المحلي بتأجيرها سنويا والاستفادة من أجارها لتخديم القرية.
  • استطاع مجلس كفرومة تنفيذ مشروع المخطط التنظيمي بالاعتماد على مخططات سابقة بكلف تزيد عن 350 ألف دولار وذلك بالاعتماد فقط على الجباية المحلية.

الأدوار

  • تقوم الكثير من المجالس المحلية بأدوار إغاثية فقط وليس لها مقرات دائمة ولا نشاط خدمي كحالة مجلس أرنبة ومجلس جبالا، ويوجد مجالس أخرى لها مقرات كمجلس معراته وبسقلا ولكن ليس لها مقر وتقوم بأدوار الإغاثة أيضاً، كما يقتصر عمل مجلس بلشون على الإغاثة ويتولى مسؤولية النظافة في القرية بتمويل من الهيئة العامة للخدمات التابعة للإنقاذ، وهناك أيضاً العديد من المجالس التي يقتصر دورها على الإغاثة مثل مجالس بسامس وجوزف التابع لإدارة الخدمات التي تتبع بدورها لحكومة الإنقاذ، ومجلس أورم الجوز؛
  • لا تملك الغالبية الساحقة من المجالس نظاماً داخلياً ولا موازنة ولا خطة عمل متكاملة؛
  • مجلس موزرة: لا يوجد له مقر ولا يوجد دوام للمجلس ويعين المجلس بالتوافق العائلي؛
  • مجلس عين لازور: له مقر ولكن لا دوام فيه، وهو عبارة عن لجنة إغاثة إضافة لبعض الأنشطة؛
  • مجلس معرة حرمة: قلة الدعم جعلت من المجلس شبه مشلول والقمامة تملأ شوارع البلدة بسبب عدم دفع الجباية، والبلدة لا تخضع للهيئة والجيش الحر فيها قوي؛
  • مجلس تجمع ركايا - نقير – سجنة: له نشاطات فقط مع بعض المنظمات وليس له نشاط مدني ودوره إغاثي فقط.
  • مجلس سفوهن ما يزال في بداية تشكيله، خبرة قليلة، له مقر ويداوم أعضاؤه فيه بصورة محدودة وهناك خلافات عائلية في البلدة تضعف من عمل المجلس، والمجلس لا يوجد له دخل فهو بحكم المجمد؛
  • أغلب المجالس إن لم تكن جميعها وغير المعتمدة من المستويات الإدارية الأعلى غير مدركة؟؟ لأدوارها وغير مستوعبة لعمل الادارة المحلية ولا تعرف شيء عن المرسوم/107/ ولا عن اللائحة التنفيذية ولا تعرف ما هو النظام الداخلي ولا ماذا تعني الخطة او الموازنة وبعضها لا يعرف ما المقصود بمجلس المحافظة.
  • يلاحظ عدم إدراك أغلب المجالس في المحافظة وخاصة غير المعتمدة من المستويات الإدارية الأعلى، لأدوارها ولا لطبيعة عمل الإدارة المحلية ولا القانون الإداري 107 واللائحة التنفيذية، كما أن الكثير منها ليس له نظام داخلي أو خطة عمل أو موازنة ولا يدرك أهمية وجود مجلس على مستوى المحافظة ولا طبيعة دوره.
  • يلاحظ أن أغلب المجالس غير المعتمدة تعاني من قلة حملة الشهادات الجامعية بين أعضائها؛
  • مجلس الضهر العام هو الوحيد الذي نظم ما يسمى وثيقة تفاهم بدلاً من النظام الداخلي تتضمن واجبات العضو
  •  وشروط عضوية المجلس وفصل العضو وحسب رئيس المجلس يتم التقيد بتطبيق وثيقة التفاهم بحذافيرها؛
  • مجلس الهبيط ضعيف ويقتصر دوره على العمل الإغاثي؛
  • إن أغلب المجالس غير المعتمدة ينحصر عملها بالإغاثة فقط؛

الانتخاب والتمثيل

  • مجلس تجمع ركايا - نقير – سجنة: فيه ممثل عن كل من القرى الثلاثة؛
  • تتوافق الكثير من المناطق على لجان انتخابية متوافقة مع عدد السكان لانتخاب مجالسها كما حدث سابقاً في كفرنبل وسراقب؛
  • مجلس بيلون في طور التشكل ولا يوجد فيه دوام، حيث يتابع أعضاؤه تنفيذ مهامهم من منازلهم، والذي يدير الوضع في البلدة عضو في مجلس شورى البلدة؛
  • ينعدم التمثيل النسائي في معظم المجالس الغير غير المشمولة بالقانون 1378، باستثناءات قليلة مثل حالة مجلسي الطليحة والضهر العام؛
  • معظم المجالس تم تعينها بتوافق الأهالي على أساس تمثيل العائلات، حيث تعتبر الخلفيات العائلية العامل الأهم في تشكيل المجالس وفي علاقتها مع الفصائل القائمة في منطقها، وقد تشكل أكثر من مجلس في منطقة واحدة في بعض الحالات بسبب الخلافات بين العائلات.
  • تدخل مجلس المحافظة لحل الكثير من القضايا الناجمة عن الخلاف على تشكيل المجالس بين العائلات كما في حالة بلدية سفوهن في ريف كفرنبل قرية دير الشرقي في ريف معرة النعمان الجنوبي.
  • الملاحظ أن بعض المجالس هي نفسها ورئيس المجلس نفس الشخص منذ 2013 وحتى اليوم؛
  • القنية بريف جسر الشغور بلدة مسيحية هجرت هيئة تحرير الشام أهلها قسراً من بيوتهم وأراضيهم ولم يتبق منهم إلا نسبة قليلة موجودة في البلدة تعاني من مضايقات، وقد أجري الاستبيان مع خوري كنيسة البلدة الذي يمثل من بقي من أهلها عملياً؛
  • الغسانية هي بلدة مسيحية أيضاً بريف جسر الشغور هجرت هيئة تحرير الشام أهلها قسراً بشكل كامل جزء خلال التحرير والجزء الآخر بنتيجة المضايقات، ويوجد في الجسر قرى مسيحية أخرى مثل اليعقوبية والجديدة وحلوز؛
  • اشتبرق بلدة علوية بريف جسر الشغور نزح أهلها إلى مناطق النظام بالكامل ولم يبق منها أحد وهي الآن منطقة تماس.

خلاصات وتوصيات

  • يتميز الواقع الإداري في محافظة إدلب بتعدد المرجعيات الإدارية وغياب هيكلية مؤسسية متعددة المستويات تضمن المزيد من عمليات الضبط والإشراف والمأسسة إضاقة إلى تشظي البنى المحلية، ولعل أبرز العوامل المؤثرة في ذلك شح الموارد المادية والبشرية وعدم وجود معايير لعمل منظمات المجتمع المدني وغياب الضبط الحكومي لتدفق الدعم من الجهات المانحة، فضلاً عن تحكم قوى الأمر الواقع بمعظم الموارد، ولعل أبرز ما يمكن التركيز عليه في هذا الصدد هو أهمية تعزيز مجلس المحافظة بالموارد والإمكانيات والسلطة، ليتمكن من حوكمة كل الفعاليات القائمة في المحافظة وضبطها؛
  • تتميز الحالة التمثيلية في المحافظة بأنها مبنية على التوافق وأنها متجددة في الغالب، إلا أن ثمة جوانب سلبية أخرى لذلك تتمثل في كون الكثير من التوافقات مبنية على تفاهمات عائلية أو فصائلية على حساب فئات أخرى مهمشة، وهنا تحقق عملية الانتخابات على المستويات الإدارية الدنيا حالة أكثر قبولية لتمثيل المجتمعات المحلية الصغرى وتأسيس مشروعية راسخة؛
  • تأسست نسبة كبيرة من مجالس المحافظة قبل السيطرة الكاملة للمعارضة محافظة إدلب ومعظم مجالس المحافظة مجالس فتية وتتميز بحد مقبول من الاستقلالية والقدرة على تجاوز إملاءات القوى العسكرية المسيطرة، وهو ما يؤهلها للعب دور أكبر في عملية الدفع السياسي واعلاء صوت المجتمعات المحلية، تمهيداً لخلق مرجعية وطنية تؤسس من الأدنى إلى الأعلى؛
  • لاتزال الكثير من المجالس المحلية بحاجة إلى تأهيل مؤسسي وبناء وعي حوكمي مفاهيمي وتطبيقي خصوصاً فيما يتعلق بأهمية القوننة والهيكلة والتراتبية الإدارية وأيضاً بما يتعلق بالتخطيط والإدارة المالية وإدارة فعاليات التنمية والحوار المجتمعي، وهو ما يدفع بإعادة النظر في خطط وبرامج تمكين المجالس المحلية بناءً على نتائج هذا التقرير؛
  • تشير؟ حالة تشظي البنى المحلية بشكل كبير في محافظة إدلب، إلى أهمية وضع خطة هيكلة إدارية خاصة بمحافظة إدلب تركز على وجود نقاط ارتكاز تمثلها الوحدات الإدارية الرئيسية في المحافظة إضافة إلى الوحدات الإدارية التي اكتسبت أهميتها خلال فترة الحرب، حيث يتم بناء نماذج متقدمة ومحوكمة على مستوى المحافظة تشمل أربع مدن رئيسية و 8 بلدت تتبع لها و16 بلدية تتبع لهذه البلدات؛
  • تتميز علاقة المجالس المحلية الفرعية في المحافظة بالمستويات الإدارية الأعلى بأنها أفضل نسبياً من العلاقة بمجلس المحافظة، وهو ما يحمل بداية مجلس المحافظة مسؤولية مراجعة سياسات مديرية المجالس الفرعية ودعمها بالشكل الكافي لتحظى بتعاون كافة المجالس الفرعية؛
  • تحظى الكثير من المجالس المحلية في محافظة إدلب بمشروعية التمثيل إلا أنها تفتقر إلى مشروعية الإنجاز وهو ما يتسبب بضعف ثقة المجتمعات المحلية بها تدريجياً وصولاً إلى إضعاف مشروعيتها بشكل كامل لصالح منظومات غير وطنية وبناءً على ذلك فإنه يتوجب دعم بناء نموذج حكم أو إدارة محلية راشدة في محافظة إدلب وتحجيم دور الجماعات المتشددة في الحكم والإدارة فقط من خلال دعم مأسسة المجالس المحلية ورفدها بالموارد التي تساعدها على المأسسة وتوفير الخدمة والتنمية؛
  • يلحظ التقرير محاولات تضييق وتهميش للأقليات والنازحين في المحافظة، وهو ما يحتم على مجلس المحافظة بداية والمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني وضع خطة للترميم الاجتماعي تتركز على استعادة الهوية الاجتماعية في المحافظة من خلال الحرص على عودة المهجرين من أبناء الأقليات في المحافظة إليها بشروط من الأمن على أنفسهم وممتلكاتهم، وبتمكين المهجرين في البيئات الجديدة ومنحهم الفرصة الكافية للتعبير عن أنفسهم عبر المجالس القائمة أو من خلال هيئات مستقلة؛
  • لاتزال مشاركة المرأة في المجالس المحلية متواضعة، ويمكن عزو ذلك إضافة إلى الموروث الاجتماعي والعادات والتقاليد إلى أسباب أخرى متعلقة بعدم تمكينها أو انصرافها إلى أنشطة أخرى ضمن الفضاء العام أو الخاص، وتتحمل المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني كل حسب دوره مسؤولية كبيرة في بناء وعي المشاركة الفاعلة للمرأة في عمل المجلس المحلية في المستويات فوق الوظيفية أي بمستويات الإدارة والتمثيل؛
  • لابد من تمكين المجالس المحلية من أجل الإشراف على بناء وإدارة منظومات أمن محلي محوكمة من خلال التفاهم مع الفصائل غير المتشددة التي تأخذ طابعاً محلياً في الغالب.

([1]) بحسب تقديرات مجلس محافظة إدلب بناءاً على سؤال موجه لرئيس المجلس بتاريخ 25/10/2018، خلال استكمال عمليات مسح مجالس إدلب.

([2]) النازحون في إدلب.. بين مأساة الحاضر وهواجس المستقبل"، محمد العبد الله، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ11/10/2018، الرابط الالكتروني: https://goo.gl/Zaqtzv

([3]) اعتمد القرار 1378 على القانون الإداري 107 المتضمن معايير تقسيم الوحدات الإدارية بحسب عدد السكان في كل منطقة، كما اعتمد على الإحصاء السكاني للمكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام للعام 2004 وتعديلاته للعام 2011 وفق معدل النمو السكاني في سوريا.

 ([4]) يقصد بالشخصية الاعتبارية تمتع الوحدة الإدارية بالذمة المالية المستقلة والأهلية القانونية للقيام بالتصرفات القانونية المختلفة كإبرام العقود وحق التقاضي أمام القضاء وامكانية مقاضاتها من الغير، والموطن المستقل عن الأفراد المكونين لها، ووجود شخص يعبر عن إرادة هذه الوحدة ويتصرف باسمها ويمثلها، إضافة إلى تمتعها بالمسؤولية المدنية والإدارية الكاملة.

(5) الحكومة السورية المؤقتة ومنظمة التنمية المحلية، أطلس المعلومات الجغرافي، مرجع سابق.

([6]) تم احتساب انتظام الدورات تبعاً لمقارنة عمر المجلس بعدد الدورات المصرح عنها ومدة الدورة الواحدة في المقابلة حيث يتم اعتبار أن المجلس يجري دورات انتخابية منتظمة إذا كان عمر المجلس مساوياً عدد الدورات أو عددها ناقصاً 1، حيث يتم مراعاة تأخير اجراء الانتخابات لمدة سنة على الأكثر بسبب الأوضاع الأمنية.

([7]) بحسب جدول المجالس الفرعية التابعة لمجلس المحافظة والذي حصل عليه الباحث من مكتب شؤون المجالس الفرعية في محافظة إدلب.

([8]) يُتعارف في الكثير من مناطق محافظة إدلب على تسمية العوائل بالطوائف.

التصنيف تقارير خاصة

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • خضعت موسكو بإبرامها اتفاق إدلب مع تركيا لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي حالت دون مُضيها قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه موسكو سابقاً، الأمر الذي قد يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب، وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية.
  • يشكل اتفاق إدلب مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري.
  • ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة.
  • لا يُمثل الاتفاق نصراً لأحد أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي وفرض واقع جديد على المستوى المحلي في إدلب.
  • تشير المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركية جديدة تقوم على تنسيق مشترك يكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية.
  • نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام.
  • تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة.
  • تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب تكريس جهود محلية ودولية لدعم تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.

مُقدمة

أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.

ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:

  1. هل شكَّل الاتفاق تنازلاً روسياً لتركيا على المدى البعيد، وهل يُعتبر الاتفاق تفويضاً دولياً لأنقرة لإدارة الشمال السوري، خاصةً مع الدعم الأوروبي للموقف التركي من معركة إدلب؟
  2. هل يُمكن الوثوق بموسكو من جديد، بالنظر إلى سلوكها خلال الاتفاقات السابقة حول مناطق خفض التصعيد، أم أن مصير إدلب اليوم بات رهناً بقدرة أنقرة على تفكيك "هيئة تحرير الشام"؟
  3. هل تستطيع تركيا منفردة إدارة الشمال السوري (مناطق درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب) وتشكيل كيانات عسكرية وإدارية فيها، بشكل يدعم موقف المعارضة السورية في التفاوض مع النظام على الحل السياسي؟

وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.

أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)

نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.

 على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.

على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.

في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.

مما لا شك فيه أن موسكو  بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.

أما بالنسبة لموسكو فيبدو  أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).

 أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير  من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.

يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.

ثانياً: تحديات الدور التركي

ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:

1.   تحديات متعلقة بالاتفاق

بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).

ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .

وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.

2.   تحديات ما بعد الاتفاق: (الاستدامة)

تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي: 

أ‌.        عقبة عسكرية: (معضلة التوحيد)

يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".

وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.

ب‌.   عقبة إدارية: (معضلة الحوكمة)

لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]). 

هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.

 بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).

ت‌.   عقبة اقتصادية: (معضلة الفقر)

لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).

  يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24] وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.

ثالثاً: النتائج

من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:

  1. لا يُمثل الاتفاق نصراً أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي.
  2. لا يزال شبح احتمال شن حملة عسكرية على إدلب قائماً، خاصةً في ظل مواقف الفصائل المتشددة في المنطقة من الاتفاق، والإصرار الروسي على استعادة إدلب واعتبارها الاتفاق مؤقتاً، حيث تراهن موسكو على العقبات والإشكاليات التي تعاني منها إدلب، والتي يصعب على تركيا منفردة أن تضطلع بها في حدود الإطار الزمني المرسوم لتنفيذ الاتفاق.
  3. تشكل المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركيا جديدة تقوم على التنسيق المشترك، تكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية، ويؤكد ذلك استئناف التنسيق الأمريكي التركي فيما يخص ملف منبج، ولكن مرحلة ما بعد الاتفاق سوتشي وإمكانية انخراط الأوروبيين في عملية إعادة الهيكلة للمنطقة بشكل يؤدي إلى استخدامها كورقة ضغط سياسي على موسكو والنظام تبقى رهناً بمخرجات الاجتماع الرباعي (روسيا، تركيا، ألمانيا، فرنسا) الذي عقد منذ أيام.
  4. تعقيدات المشهد العسكري في إدلب لناحية وجود تنظيمات متشددة أبدت رفضها للاتفاق وتكتلها في كيانات جديدة، يشير إلى أن تركيا قد تسعى إلى طلب تمديد للإطار الزمني للاتفاق بغية استكمال محاولاتها لتحييد الأطراف الأقل تشدداً من تلك التنظيمات، وذلك لتخفيف فاتورة أي عمل عسكري قد تضطر تركيا للقيام به للتخلص من الأجنحة المتشددة والجهاديين الأجانب.
  5. نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام، وهنا تظهر الحاجة التركية إلى تشكيل مظلة دعم سياسي واقتصادي دولي تمكنها من مواجهة الضغوط الروسية وتجاوز العقبات والتحديات التي تمثلها الظروف العسكرية والاقتصادية والإدارية للمنطقة، وذلك في حال رغبت تركيا بالبقاء في المنطقة إلى حين إجراء انتخابات في سورية.

رابعاً: التوصيات

تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:

1.   على المستوى السياسي

تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.

2.   على المستوى العسكري

يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.

بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.

إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.

3.   على المستوى الإداري والاقتصادي

بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.

تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.


 

([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r

([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc

([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi

([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T

([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G

([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB

([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU

([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W

([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk

([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ

([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve

([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.  

([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.

([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw

([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb

([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.

([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01

([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.

([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8

([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.

([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM

التصنيف الدراسات

يركز هذا التقرير على توصيف المشهد الميداني قبل الاتفاق والسياق العسكري الذي أفضى إلى اتفاق المنطقة العازلة ويوضح طبيعة هذا الاتفاق ودوافعه ومواقف القوى الميدانية حياله، مستعرضاً أبرز التحديات التي تعترضه لا سيما تلك المتعلقة بالميليشيات الإيرانية المنتشرة على محيط المنطقة او تلك المرتبطة بمصير هيئة تحرير الشام.

ما قبل الاتفاق: معركةٌ قاب قوسين أو أدنى

شهد مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2018، تمركز حشود من قِبل قوات النظام وبعض الميلشيات المحسوبة على إيران بالقرب من إدلب، وتحديداً على الجبهات الاستراتيجية في محافظة إدلب([1])؛ إذ أكد النظام وحلفائه (مراراً وتكراراً) أنهم ماضون باتجاه استرجاع محافظة إدلب وذلك ضمن إطار استكمال استراتيجية "بسط السيطرة والنفوذ"؛ ومما عزز دوافع هذا الاسترجاع المتخيل أهمية المحافظة ودورها في تحسين ظروف التنمية التي تشكل أبرز تحديات النظام الراهنة؛ تلك الظروف التي ستتحسن باسترجاع  الطريقين الدوليين (M5)، (M4) وما سيشكله عودة الزخم التجاري من أثر مادي.

ناهيك عن نية النظام استثمار سيناريو "المصالحات" وتطبيقه على إدلب بغية إخراج المعارضة المسلحة هناك عن معادلات الصراع وبالتالي تجاوز أسئلة صراع النظام والمعارضة والانتقال إلى مستويات جديدة؛ وفي سبيل ذلك بدأت خطط الانتشار والتمركز والتي كان أغلبها قريباً من نقاط المراقبة التركية في إدلب، الأمر الذي استدعى من الجانب التركي بإرسال تعزيزات عسكرية على نقاط مراقبتها في كلٍ من:

 

زادت الحشود العسكرية من الجانب التركي والقوات الموالية نسبة التوتر في المنطقة، وارتفعت نسبة العمليات العسكرية من قبل الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام من جهة وقوات النظام والميلشيات الإيرانية من جهة أُخرى.

بالعموم تشكلت مجموعة من الهواجس الروسية والتركية والتي ساهمت في اختبار الأدوات السياسية للحل، فعلى الجانب التركي ارتفعت وتيرة الحذر من تبعات تلك العملية على المستوى الإنساني التي سترتد بالدرجة الأولى على تركيا لا سيما بتلك المتعلقة بالقدرة على استيعاب موجة اللجوء والتي سوف تترافق مع هجوم قوات النظام، حيث يبلغ عدد سكان محافظة 3 ملايين مدني، ثلثهم من النازحين داخلياً بسبب النزاع المستمر منذ سبع سنوات؛ ناهيك عن الهاجس الأمني التركي الذي يرى بالعملية تهديداً لخطوط الدفاع الأمامية لمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون  وهي مناطق النفوذ التركي المشكلة كواقع صد ضد طموحات الPYD الذي لا يزال يسير بمفاوضات مع النظام؛ لذلك تعد خسارة إدلب أو انسحاب تركيا من نقاطة مراقبتها الـ 12 بمثابة إيعاز بقرب انسحاب تركيا من الشمالي السوري، لذا حاولت تركيا قبل 17 أيلول/ سبتمبر إلى الوصول إلى اتفاق يرضي أطراف الأستانة ولا يضر بمصالحها في الشمال السوري.

أما الهواجس المتعلقة بالجانب الروسي فتتمثل بالدرجة الأولى بعدم رغبة موسكو في إفشال اتفاق الأستانة بحكم اعتباره التحالف الدولي الأقوى الأن في سورية؛ كما تعي روسيا بأن وقوفها ضد الجانب التركي سوف يؤدي إلى تقوية العلاقة الأمريكية-التركية، وهذا أمر قد ينعكس على روسيا بشكل سلبي في سورية؛ كما طمحت موسكو في اختبار الأدوات السياسية بغية الحد من هجمات الطائرات المسيرة (Drones) على المواقع العسكرية الروسي في مطار حميميم وسهل الغاب؛ ناهيك عن أن العدد المحدود للقوات الروسية البرية أو القوات المحلية الموالية لها سيجعل الميليشيات الإيرانية هي القوات الأكثر قدرة على ملء أي فراغ في إدلب،  وهو أمر قد لا ترغب رسيا بحدوثه، خاصة بعد تجاربها في ريف حلب الشرفي، ريف الرقة الجنوبي، ومحافظة دير الزور.

ساهمت تلك الهواجس التركية والروسية في الدفع باتجاه عقد قمة طهران التي جرت في 7 أيلول/سبتمبر 2018 بهدف الوصول إلى مخرج يراعي كافة الهواجس؛ وعلى الرغم من وضوح الخلافات بين تلك الدول في هذه القمة؛ إلا أنه يمكن اعتبارها بمثابة "الخطوة الأولى" ضمن حركة الوصول لاتفاق المنطقة العازلة في إدلب والذي أعلنت عنه كلٍ من روسيا وتركيا في 17 أيلول/ سبتمبر 2018.

منطقة عازلة: تأجيل المعركة أم تزمين مناطق النفوذ

مع إعلان الاتفاق بين روسيا وتركيا حول إنشاء منطقة عازلة في إدلب، نشرت بعض الجهات الرسمية من الجانبين الروسي والتركي مواصفات تلك المنطقة؛ وكان الحديث في بداية الأمر على أنه سيتم اقتطاع 7.5 إلى 10 كم من مناطق الثوار ومثلها من مناطق النظام، أي ممنوع تواجد قوى الثورة السورية وقوات للنظام في هذه المنطقة، وسيتم تسيير دوريات تركية روسية مشتركة فيها، فيما سوف تقوم تركيا بدعم مناطق قوى الثورة السورية لوجستياً، وتبقى روسيا المشرفة على مناطق النظام([3]).

فيما بعد تم توضيح بند انسحاب الفصائل من المنطقة العازلة، وتم التأكيد أن الانسحاب يشمل "القوات المتشددة" بسلاحها الخفيف والثقيل، فيما يحق لقوى الثورة السورية البقاء ولكن تحت إشراف القوات التركية في المنطقة.

تمتد المنطقة العازلة من شمال غرب حلب بالقرب من بلدتي نبّل والزهراء والتي تعتبر من أبرز معاقل الميليشيات الموالية لإيراني في الشمال الحلبي وحتى بلدة صوران شمال حماة، وتلامس المنطقة العازلة حدود مدينة حلب ومعظم الأوتوستراد الدولي (M5) المار بمناطق سيطرة قوى الثورة السورية، وثم تمتد المنطقة العازلة من بلدة صوران شرقاً وحتى السقيلبية، أما الحدود الغربية للمنطقة العازلة فتمتد على طول سهل الغاب الأوسط وحتى جبل التركمان، وكذلك شهدت هذه المنطقة بناء مراكز للشرطة العسكرية الروسية والتي حدث على إثرها خلافات حادة مع قوات الفرقة الرابعة وقوات الدفاع المحلي الموالية لإيران.

ومع نهاية شهر أيلول\سبتمبر 2018، نشرت بعض المواقع الموالية للنظام خبراً تتحدث فيه بأن المنطقة العازلة لن تكون بالمناصفة بين مناطق سيطرتي قوى الثورة والنظام[4]، وأكد الخبر أن المنطقة سوف تكون في مناطق قوى الثورة السورية بعق 15 كلم بدأً من نقاط التماس وهو الأمر الذي تم نفيه من قبل الجبهة الوطنية للتحرير وفيلق الشام([5]).

 

أما فيما يتعلق بمواقف القوى العسكرية المتواجدة في إدلب فترى الجبهة الوطنية للتحرير (على لسان عمر حذيفة الشرعي العام) أن أمر ترسيم المنطقة العازلة هو حل مرحلي وليس نهائي، ولذلك فإن الدخول التركي للمناطق المحررة بحدودها الآنية هو قرار دولي ولن يتم الانسحاب إلا بقرار دولي آخر؛ كما صرح النقيب ناجي المصطفى "المتحدث الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير" بأن  النقاط العسكرية التابعة لفصائل قوى الثورة السورية ستبقى تحت سيطرتها، وبكامل جاهزيتها "لأن النظام السوري والميليشيات الموالية لا تلتزم بالعهود والمواثيق".

من جهته وضح العقيد مصطفى بكور "المتحدث الرسمي لجيش العزة" بأن جميع نقاط جيش العزة توجد ضمن المنطقة العازلة، ولكنه ما زال وسيبقى بنقاطه العسكرية، وأي قرار بشأن سحب السلاح الثقيل أو تسليم النقاط سيُحدد لاحقاً خلال اجتماع مجلس الشورى الخاص بالجيش وبما يتناسب مع مصلحة الثورة([6])، ورفض الجيش (على لسان الرائد جميل الصالح القائد العام لجيش العزة) تسيير دوريات روسية في الجانب المحرر من المنطقة العازلة التي تم التوصل إليها في اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، وأكد أن جيش العزة لن يقبل بأن تكون المنطقة العازلة من الجانب المحرر فقط وطالب بأن تكون مناصفة بين مناطق الثوار ومناطق النظام، مع التأكيد على رفض قيادة الجيش فتح الطرق الدولية في الشمال السوري (M5-M4) إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام.

تنفيذ الاتفاق: صعوبات مركبة

يعتبر الاتفاق "أفضل سيناريو" في الوقت الحالي بالنسبة لكل من تركيا وروسيا، وعلى الورق لا تشوب الاتفاق لا أي شائبة، لكن تنفيذه لن يكون مهمة سهلة، إذ أنه يجب أخذ عدة نقاط في الاعتبار قبل نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 من قِبل الجانب التركي والروسي؛ فأبرز تحديان على الجانب التركي يتمثلان في الآتي:

  • لا تخضع مناطق قوى الثورة السورية في إدلب فقط إلى سيطرة الجبهة الوطنية للتحرير، فهناك العديد من الفصائل والتي تم تصنيفها دولياً على أنهم فصائل متطرفة (هيئة تحرير الشام، حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش)، وهذا التشرذم والتعقيد بواقع السيطرة في إدلب يصعب من المهمة التركية ويفرض عليها التأني بالتعامل مع الواقع الأمني داخل المحافظة، فأي خلل أمني من الداخل يعتبر أخطر بأضعاف مضاعفة من الخطر الخارجي.
  • حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام تسيطر على 68 وحدة إدارية في محافظة إدلب والمواقع المحيطة بها، مقابل 180 وحدة إدارية مستقل أو تابعة للحكومة المؤقتة([7])، ولكن ما يعزز نفوذ حكومة الإنقاذ هو سيطرتها على الحدود الدولية، المعابر الداخلية مع مناطق سيطرة النظام، بالإضافة إلى سيطرتها على موارد المنطقة الرئيسية، لذا توجب على الجانب التركي بإيجاد صيغة وألية تسحب السيطرة المطلقة من حكومة الإنقاذ كمرحلة أولى، والعمل على تكوين جسم إداري جديد مكونه الأساسي هو من الكوادر المدنية التي لا تتبع لأي جهة دولية.

بينما على الجانب الروسي يعد الاختبار الأثقل هو التحكم في الميليشيات الإيرانية والسيطرة على قرارها؛ حيث عَجِزَت موسكو من تحقيق ذلك في عدة مناسبات سابقها ولعل أبرزها كان في محافظتي حلب ودير الزور، فما الذي يميز هذا الاتفاق؟ وما هي الضمانات الروسية على عدم محاولة الميليشيات بالاستفادة من تحول خطوط الدفاع الأولى في إدلب إلى منطقة عازلة منزوعة أو محدودة السلاح؟ خاصة أن الميليشيات الموالية لإيران تتمركز في مدينة حلب وأريافها، بعض المواقع في ريف حماه الشمالي، وقاعدة جورين في سهل الغاب. ويفيد الجدول أدناه بحجم هذا التواجد في المناطق المحيطة بالمنطقة العازلة وصعوبة ضبطه روسياً.

 

واقع الاتفاق واتجاهاته المحتملة 

لعل ما ميز المرحلة ما بعد إعلان اتفاق إدلب هو إسراع الجانب الروسي إلى تسويق جديته في تطبيق الاتفاق، حيث نشرت عدة وسائل إعلام روسية رسمية خبر انسحاب قوات النظام وعدة ميليشيات من جورين في سهل الغاب، كرناز في حماه الشمالي، وأبو دالي في ريف حلب الجنوبي، وهذا الأمر ليس كما نشره الروس([8])، حيث واجهت الشرطة الروسية عدة صعوبات في التعامل مع قوات النظام والميليشيات ولعل أبرزها كان في قاعدة جورين بسهل الغاب، حيث رفضت قوات الدفاع المحلي الموالية لإيران الانسحاب من مواقعها وكاد أن يصل الوضع إلى الاشتباك المباشر مع الشرطة العسكرية الروسية([9]). وفي نهاية المطاف رضخت روسيا إلى مطلب قوات الدفاع المحلي وأنشأت مركز صغير للشرطة العسكرية داخل القاعدة، طريقة تعامل روسيا مع هذه الحادثة من أهم المؤشرات التي تبرهن عدم قدرة روسيا ضبت الميليشيات الموالية لإيران([10]).

على صعيد الاستهداف العسكري، فلوحظ غياب الطيران الروسي بشكل كامل من بعد توقيع الاتفاق مع انخفاض نسبة الاستهداف الصاروخي من قبل قوات النظام، وغالبا ما يعلل إعلام النظام تلك الضربات بسبب وجود القوات المتطرفة أمثال هيئة تحرير الشام وحراس الدين. وفيما يتعلق بالواقع الأمني داخل مناطق سيطرة قوى الثورة السورية، لم يحدث أي تغير على صعيد الاغتيالات والمفخخات، فسياسية التصفية وإضعاف الهيكلية الأمنية موجودة في مناطق قوى الثورة منذ شهر نيسان/أبريل 2018، لذا لا يمكن ربط حوادث الاغتيالات والمفخخات التي حدثت في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر باتفاق المنطقة العازلة في إدلب.

 

ويعد ملف هيئة تحرير الشام وهو الملف الأكثر اختباراً للاتفاق؛ وهو أمر تعاملت معه الهيئة بشديد من الحرص فعلى الرغم من ظهور انقسام داخلي إلا أن الموقف العام اتى على شكل موافقة على الاتفاق على الأقل في الوقت الحالي؛ وتمثل بانسحاب هيئة تحرير الشام من محيط نقاط المراقبة التركية في ريف إدلب الجنوبي وتسليمها لفيلق الشام؛ وصد الهيئة بالتعاون مع الجبهة الوطنية لمحاولة بعض الميلشيات الموالية لإيران من التقدم على جبهة جبل التركمان؛ ومنعت فصيل حراس الدين من أن يقوم بعمل مضاد يستهدف مواقع النظام؛ كما سمحت حكومة الإنقاذ لبعض المنظمات بمعاودة نشاطها في مناطق مختلفة من إدلب، بعدما كانت تحظر أي نشاطٍ لها في إدلب([11]).

وفي هذا الصدد يوضح المطلعون على بنية الهيئة تنامي تيارين داخلها الأولى بقيادة (أبو محمد الجولاني) أمير التنظيم، ويبدي جاهزيته للانخراط في الجبهة الوطنية للتحرير، بينما التيار الثاني يقوده "أبو اليقظان المصري" ويرفض ذلك تماما، ويدفع نحو رفض الاتفاق، ولعل ما يؤكد ذلك هو حملة الاعتقالات التي قام بها الذراع الأمني لهيئة تحرير الشام واعتقلت مقاتلين من الجنسية المصرية من هيئة تحرير الشام دون توضيح سبب الاعتقال. وفي هذا السياق ينبغي التوضيح على أنه هناك ست مجموعات غادرت مع قياداتها إلى جهات أكثر تشدداً مثل حراس الدين وأنصار الإسلام.[12]

وعموماً في حال عملت الهيئة على المستوى الميداني على عرقلة الاتفاق فإنه يرجح إحدى السيناريوهين إما بدء عمل عسكري على هيئة تحرير الشام من قبل تركيا والجبهة الوطنية للتحرير؛ أو اقتناص الروس الفرصة ودعم النظام وحلفائه للدخول إلى إدلب مما يجعل تداعيات هذا الأمر مفتوحة وبالغة الحدية.

 

ختاماً؛ ينبغي التأكيد على أن هذا الاتفاق والذي أقل السيناريوهات ضرراً فإنه يحمل في طياته تحديات بالغة الأهمية تتطلب تعاملاً نوعياً حيالها؛ والبناء على هذا الاتفاق لضمان إعادة تمتين القوة الدفاعية وضبط البنية المحلية أمنياً وإدارياً؛ حيث أن التعاطي مع أن هذا الاتفاق على أنه اتفاق نهائي فإن معطيات الواقع الميداني تدلل على مؤشرات لا تزال قيد الاختبار.

 


 

([1]) سهل الغاب (جورين) – ريف اللاذقية الشمالي – ريف حماه الشمالي – ريف إدلب الجنوبي الشرقي.

([2]) مواصفات مدفعية الـ T-155: https://goo.gl/5UWkS3

([3]) سوريا: ما هي بنود اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب؟ - BBC - 18 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/dPyMh2

([4]) ارتباك في صفوف المعارضة مع اقتراب تطبيق اتفاق إدلب – جريدة الحياة – 1 تشرين الأول - https://goo.gl/TGLUkC

([5]) إدلب.. فيلق الشام ينفي الانسحاب من المنطقة العازلة – العربية - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/YVqNfz

([6]) “جيش العزة” يرفض شروط المنطقة العازلة في اتفاق إدلب – عنب بلدي - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/bvEcRB

([7]) المعلومات هي نتائج تقرير خاص غير منشور من مسار الإدارة المحلية في مركز عمران قبل نهاية عام 2018

([8]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 3 تشرين الأول مقابلة مع المتحدث الإعلامي في الجبهة الوطنية للتحرير والذي أكد على أن انسحاب الميليشيات الإيرانية يجري ببطء وليس كما يصرح الإعلام الروسي.

([9]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 1 تشرين الأول مقابلة مع مصدر خاص مقرب في مناطق النظام بسهل الغاب والذي أكد حدوث خلافات بين الشرطة العسكرية الروسية وقوات الدفاع المحلي الممولة من إيران.

([11])أكد أحد كوادر المجالس المحلية في جبل الزاوية بتاريخ 2 تشرين الأول أن حكومة الإنقاذ سمحت لبعض المنظمات الإغاثية بمعاودة مزاولة نشاطاتها ولكن بشكل مراقب.

 

التصنيف تقارير خاصة

لم يكد يُعلن نبأ التوصل إلى تفاهم بين أنقرة وموسكو مؤخراً بخصوص محافظة إدلب حتى سادت حالة من الهدوء النسبي في جميع أرجائها. وبعيداً عن النتائج المتمخضة عن هذا الاتفاق في بعديها السياسي والعسكري؛ شكل البعد الإنساني الوجه الأبرز لهذا الاتفاق في تمكنه من الحؤول دون وقوع كارثة إنسانية كانت ستعد الأكبر في تاريخ النزاع الدائر في سورية عبر الأعوام السبع الماضية. بعد أن باتت المحافظة موئلاً أخيراً للنازحين والمهجرين داخلياً ممن ركبوا موجة النزوح لأكثر من مرة إلى أن استقر بهم المطاف في هذه البقعة من الأرض السورية مبتغين الحفاظ على أرواحهم وعائلاتهم بعد أن اختبروا أهوال الحرب وقسوة الحياة في مناطق سيطرة نظام الأسد، وليشكلوا فيها كتلة بشرية يقترب عددها من مليوني شخص.

تعد قضية النازحون في إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي، وهم الذين تبلغ نسبتهم 41% من السكان الحاليين في المحافظة، ويتوطن نصفهم تقريباً في مخيمات منتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا يربو عددها على 280 مخيم، وتمثل المخيمات العشوائية القسم الأكبر منها بنسبة تقارب 86%. ولم يعد يخفى على المتابع لمجريات النزاع في سورية الظروف الإنسانية الصعبة التي يقاسيها سكان هذه المخيمات بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والنفسية التي أفرزت وستفرز العديد من التداعيات السلبية عليهم.

فقد شكلَّ طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وأعدادهم المرتفعة والمتزايدة عاملاً أثقل كاهل المنظمات الإغاثية والإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتنوعة لهذه الكتلة البشرية الضخمة، إلى جانب غياب أي رؤية مستقبلية لمصيرهم من قبل الجهات الدولية والمحلية. وما سيشكله ذلك من تحدي مستقبلي في توطينهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهم بعد أن أضحت عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مثار تخوف وريبة على مصيرهم، بعد أن بسط النظام وحلفائه سيطرتهم عليها وهم في غالبيتهم من المحسوبين على الفئات المعارضة للنظام في شقيها العسكري والسياسي. وليخلق هذا بالتالي أزمة إنسانية كبيرة تتفاقم تبعاتها وتأثيراتها السلبية يوماً بعد يوم على النازحين أنفسهم وعلى السكان المحليين في مناطق نزوحهم. 

يبقى مستقبل النازحون في محافظة إدلب رهناً للاتفاقات الدولية والإقليمية والتي غالباً ما تخضع لتفاهمات بين الفواعل الرئيسية في الملف السوري. لذا فمع استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه ووجود حالة من الاستقرار النسبي في مناطق مخيمات النزوح؛ يبدو من الأهمية بمكان قيام الجهات ذات الصلة بالنظر في مستقبل قضية النازحين وآليات التعاطي معها من مختلف الجوانب، ووضع تصور مستقبلي حول ذلك يتضمن الإجابة على مجموعة من التساؤلات الجوهرية التي باتت تؤرق النازحين فضلاً عن السكان المحليين.

وتدور هذه التساؤلات حول حقهم في العودة إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وما هي الضمانات الأمنية والاجتماعية المقدمة لهم في حال عودتهم. وهل سيتم وضع خطط لإدماج النازحين ضمن مجتمعاتهم المحلية الجديدة وما هي متطلبات ذلك وفرص نجاحه، وإلى أي مدى ستتمكن المنظمات الإنسانية من الاستمرار في توفير الدعم اللازم لهذه الكتلة البشرية من النازحين مع عدم وجود أفق واضح بشأن حل قضيتهم وتضاءل الدعم الإنساني المقدم من قبل الجهات المانحة.

ويبقى التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق متمحوراً حول مدى أولوية قضية النازحين في إدلب بالنسبة للدول الضامنة للملف السوري وقيامهم بإدراجها في أي تسوية سياسية قادمة. حيث سترسم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى ذات الصلة صورة أكثر وضوحاً عن مستقبل النازحين، وما يتطلبه ذلك من وضع آليات للتعامل مع هذا الملف الشائك.  

رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بمصير محافظة إدلب وعدم حسمه بشكلٍ نهائي، ستبقى قضية النازحين فيها من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من الإسراع في وضع حلول مستدامة لها وتحديد مصير هذه الكتلة البشرية الضخمة داخل وخارج مخيمات النزوح. والتي يبدوا أن استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات والتي تتطلب لحظها من جميع الجهات ذات الصلة والتنبيه إلى تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجد هذه المخيمات. وذلك في ظل وجود بيئة أمنية غير مستقرة يمكن أن تسَّهِل من عملية استقطاب الأفراد داخل وخارج هذه المخيمات من قبل بعض التنظيمات التي لا تزال فلولها منتشرة في هذه المناطق مستغلة الظروف المادية القاسية لهم وغياب أفق واضح يحدد مصيرهم. 

 

المصدر السورية نت: https://goo.gl/EC59Tf

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • تعد قضية النازحين في محافظة إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي. وهم الذين بلغ عددهم (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%، في حين شكلَّ عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة.
  • يعاني النازحون من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها.
  • جنَّبَ التفاهم الأخير الذي توصلت إليه روسيا وتركيا بخصوص محافظة إدلب من وقوع كارثة إنسانية كبيرة تعد الأكبر في سياق النزاع السوري عبر الأعوام السبع الماضية، نظراً لكون هذه المحافظة تحتضن في ثناياها العدد الأكبر من المهجرين قسرياً والنازحين داخلياً عبر هذه الأعوام من مختلف بقاع الجغرافيا السورية.
  • تسلط الورقة الضوء على البعد الإنساني في محافظة إدلب، وبشكل أكثر تحديداً التركيز على واقع ومصير النازحين بغية وضع حلول استباقية لما يمكن أن تؤول إليه أوضاعهم وفقاً للتطورات المستقبلية المحتملة لمصير المحافظة.
  • تبقى قضية النازحين في محافظة إدلب من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، وتتطلب وضع حلول مستدامة لهذه الكتلة البشرية داخل وخارج مخيمات النزوح. إذ أنَّ استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات، والتي تتطلب التنبيه من تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجدها.

مدخل

تعد قضية النازحين في محافظة إدلب من القضايا الشائكة ذات البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي، وهم الذين تبلغ نسبتهم 41% من السكان الحاليين في المحافظة، ويتوطن نصفهم تقريباً في مخيمات منتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا يربو عددها على 280 مخيم، وتمثل المخيمات العشوائية القسم الأكبر منها بنسبة تقارب 86.4%([1]). في حين تمثل النسبة الباقية مجموعة من المخيمات المخططة ومخيمات الاستقبال والمراكز الجماعية. وعلى امتداد الأعوام الماضية بدأت الكثير من هذه المخيمات تنحو تدريجياً نحو الاستقرار والاستدامة بعد أن تحولت الكثير من الخيم إلى أبنية اسمنتية وتحولت المدن إلى ما يشبه القرى الكبيرة بمسميات أصبحت معروفة من قبل جميع سكان هذه المناطق. أضف إلى ذلك الكثافة السكانية المرتفعة ضمن هذه المخيمات بفئاتها العمرية المتنوعة، ولتشكل مجتمعات جديدة خلقتها ظروف الحرب واضطرار الأهالي للإقامة داخلها.

تعيش محافظة إدلب اليوم حالة من الهدوء النسبي على وقع نتائج الاتفاق الذي جمع كل من أنقرة وموسكو لإنهاء الحراك العسكري عليها. وقد عدً هذا الاتفاق وفقاً للمراقبين بمثابة تسوية سلمية مؤقتة لملف المحافظة يختبر من خلالها بنك الأهداف الأمنية المتفق عليه بين كل من روسيا وإيران وتركيا وفقاً لتفاهمات معينة فيما بينها. ومجنباً بالتالي المحافظة معركة عسكرية كبيرة كانت تهدد في حال وقوعها بكارثة إنسانية يمكن أن تتسبب بأعداد كبيرة من القتلى والجرحى من المقيمين والنازحين، فضلاً عن موجات نزوح جديدة ستعد الأكبر منذ اندلاع النزاع في سورية بداية عام 2011.

وعليه تحاول هذه الورقة قراءة واقع ومصير النازحين داخل محافظة إدلب في ظل المتغيرات العسكرية على الأراضي السورية بعد سيطرة نظام الأسد على الجنوب السوري والغوطة الشرقية التي أدرجت سابقاً ضمن ما يسمى مناطق خفض التصعيد، وما تبع ذلك من عودتها لسيطرة النظام نتيجة للتوافقات بين الفواعل الإقليمين والدوليين ذوي الصلة، وليطرح ذلك تساؤلاً عن مصير محافظة إدلب المندرجة حالياً ضمن مناطق خفض التصعيد. وذلك سعياً لمعرفة أثر التطورات العسكرية المحتملة على مستقبل النازحين فيها، وسط تعقيد وتشابك مصالح اللاعبين الدوليين والإقليمين فيها.

أولاً: النازحون في إدلب ... الواقع والتحديات

لم تهدأ الحملة العسكرية على محافظة إدلب من قبل النظام وحلفائه منذ خروجها عن سيطرته، وشهدت العديد من بلداتها حملات قصف جوي ومدفعي واشتباكات على أطرافها([2]). وبهدف تخفيض حدة التصعيد ووقف إطلاق النار قامت كل من تركيا وروسيا وإيران بالاتفاق على إدراج المحافظة ضمن مناطق خفض التصعيد في اجتماع الاستانة السادس في 15 أيلول من عام 2017. حيث تم تقاسم الأدوار والنفوذ بين هذه الدول لتطبيق ذلك، إلا أن القصور الذي شاب بعض نقاط الاتفاقية وخاصة ما تعلق منه بالملف الأمني، منح الفرصة للنظام والمليشيات الموالية له لاقتحام مناطق جنوب شرق المحافظة في كانون الأول/ديسمبر من عام 2018. ليسيطر على مساحة تقدر بـ 17.5%([3]).  

شهدت المحافظة خلال الأعوام الماضية استقبال موجات كبيرة من النازحين من شتى بقاع الجغرافية السورية بعد تحررها من قبضة النظام السوري، ومشَّكِلة مقصداً اجتذب مئات الآلاف من النازحين إليها فيما بعد، متضمنة حملات التهجير القسري التي اتبعها نظام الأسد على مدار هذه الأعوام لنقل معارضيه من مناطقهم الأصلية لتوطينهم فيها. حيث استقر قسم منهم في مدنها وبلداتها وداخل المخيمات؛ بينما فضَّل البعض الآخر منهم العبور إلى الأراضي التركية. وقد أدى قيام تركيا بإغلاق حدودها في وجه تدفق النازحين إليها مؤخراً إلى ارتفاع الكثافة السكانية فيها بشكل كبير مفاقماً بالتالي من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي للسكان، وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل العيش لدى نسبة كبيرة من النازحين ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع، أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة. وليخلق هذا بالتالي أزمة إنسانية كبيرة تتفاقم تبعاتها وتأثيراتها السلبية يوماً بعد يوم على النازحين أنفسهم وعلى السكان المحليين في مناطق نزوحهم.  

وفقاً للعديد من التقارير والإحصاءات الميدانية، بلغ عدد السكان في محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي في شهر آب من عام 2018 ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([4]). ويقيمون في المخيمات المنتشرة في مناطق المحافظة القريبة من الحدود التركية، والتي تفتقد غالبيتها لأدنى مقومات العيش الكريم، ويقاسي سكانها مرارة العيش وعوز الحاجة وقسوة الفقر والمرض والجهل. ولتمثل هذه المخيمات الوجه الأبرز لمعاناة النازحين داخلياً، فسكانها هم من النازحين الأشد فقراً ومن بين الفئات الاجتماعية الأشد ضعفاً من النساء وكبار السن والأطفال، والذين يشكلون بمفردهم نصف عدد سكان هذه المخيمات. أضف إلى ذلك أن النسبة الأكبر من هذه المخيمات هي من المخيمات العشوائية التي تشكل نسبة تزيد عن 86% منها كما ذكرنا سابقاً، والتي بناها النازحون بأنفسهم، والتي لا يتم لحظها غالباً من قبل المنظمات الإغاثية نظراً لكثرة عددها وانتشارها العشوائي واكتظاظها الكبير بالسكان مُشَّكِلة مستوطنات واسعة الامتداد يزداد أعداد النازحين فيها يوماً بعد آخر([5]).

لم يعد يخفى على المتابع لمجريات النزاع في سورية الظروف الإنسانية الصعبة التي يقاسيها سكان هذه المخيمات بمختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية والمعيشية والنفسية التي أفرزت وستفرز العديد من التداعيات السلبية عليهم. فقد شكلَّ طول أمد وجودهم في هذه المخيمات وأعدادهم المرتفعة والمتزايدة عاملاً أثقل كاهل المنظمات الإغاثية والإنسانية عن تلبية الاحتياجات المتنوعة لهذه الكتلة البشرية الضخمة، إلى جانب انتشار حالات الفساد في العديد من هذه المخيمات والعراقيل المرتبطة بإيصال المساعدات إليها مع تنوع الفصائل العسكرية المسيطرة على مناطق هذه المخيمات خلال الأعوام الماضية، وغياب إدارة مركزية موحدة معترف بها للإشراف عليها. أضف إلى ذلك غياب أي رؤية مستقبلية لمصير النازحين داخل وخارج المخيمات من قبل الجهات الدولية والمحلية. وما سيشكله ذلك من تحدي مستقبلي في توطينهم وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لهم بعد أن أضحت عودتهم إلى مناطقهم الأصلية مثار تخوف وريبة من قبل غالبيتهم على مصيرهم، بعد أن بسط النظام وحلفائه سيطرتهم عليها وهم في غالبيتهم من المحسوبين على الفئات المعارضة للنظام في شقيها العسكري والسياسي.

ثانياً: النازحون بين معاناة الحاضر وهواجس المستقبل   

في حين يُنظر إلى التفاهم الذي توصلت إليه كل من أنقرة وموسكو يوم 17 أيلول/سبتمبر الجاري بكونه مجرد اتفاق مرحلي ولا يمكن اعتبار بنوده إلا حلاً مؤقتاً بانتظار التفاهم الجديد أو النهائي بين أنقرة وموسكو([6])، إلا أنه أسهم في تفادي اندلاع معركة كبرى على محافظة إدلب. والتي وصفها الكثير من المراقبين بأنها لو وقعت لكانت من بين أكثر المعارك تأثيراً على الوضع الإنساني في سياق النزاع السوري على مدار الأعوام السبع الماضية، نظراً لما تحمله هذه المعركة من دلالة رمزية لهذه المحافظة التي تحتضن في ثناياها العدد الأكبر من المهجرين قسرياً والنازحين داخلياً عبر هذه الأعوام من مختلف بقاع الجغرافيا السورية([7]). وهم الذين ركبوا موجة النزوح لأكثر من مرة إلى أن استقر بهم المطاف في هذه البقعة من الأرض السورية مبتغين الحفاظ على أرواحهم وعائلاتهم بعد أن اختبروا أهوال الحرب وقسوة الحياة في مناطق سيطرة النظام. لذا فإن تسليط الضوء على واقع ومصير النازحين يعد من الأهمية بمكان بغية وضع تصور لما يمكن أن تؤول إليه أوضاعهم وفقاً للتطورات المستقبلية المحتملة التي يمكن رسمها بناءً على المعطيات المتغيرة المرتبطة بمصير المحافظة.  

على مدار الأعوام الماضية لم يسلم النازحون في محافظة إدلب داخل وخارج مخيمات النزوح من استهداف قوات النظام وحلفاؤه لهم بالقصف الجوي والمدفعي والطائرات المسيرة التي أودت بحياة مئات المدنيين ضمن هذه المخيمات([8]). ولتشكل هذه الهجمات دليلاً إضافياً على المجزرة التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق المدنيين العزل، على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بعدم استهداف هذه المخيمات واحترام الطبيعة المدنية والإنسانية لسكانها. لذا كان هناك تخوفاً من سكان هذه المخيمات فيما لو تمكنت قوات النظام من دخول المحافظة لكانت التكلفة مرتفعة للغاية على المستوى الإنساني، لأنها لن تتوانى عن استعمال سياسة الأرض المحروقة كما فعلت في مناطق أخرى سابقاً. وستعمد إلى استهداف هذه المخيمات، سيما وأنها تعد الحاضنة الشعبية للكثير من المعارضين للنظام السوري. من خلال قيامها بحملات اعتقال واسعة وملاحقات أمنية ضمنها وزج الذكور المتواجدين داخلها للالتحاق بها، وغيرها من الممارسات اللاإنسانية.

وأشارت المعطيات الواردة من داخل هذه المخيمات إلى وجود حالة من الترقب والتخوف الكبير لدى السكان مع اقتراب قوات النظام والمليشيات المساندة له من المحافظة للسيطرة عليها. مما كان سيفرض على النسبة الأكبر من النازحين والقاطنين في هذه المخيمات ركوب موجة نزوح جديدة، يشاركهم فيها السكان المقيمين الذين سيشكلون كتلة جديدة من النازحين. إلا أن هذه الموجة لو حصلت لكانت أصعب من سابقاتها على النازحين القدامى الذين عانى الكثير منهم من تجربة النزوح لأكثر من مرة نظراً لانعدام مقاصد النزوح المتاحة أمامهم وانسداد أفق الحركة لديهم باتجاهاتها المختلفة، وما سيحمله ذلك من مخاطر عليهم في حال تم المجازفة بالتوجه إليها. وفيما يلي توضيح لأبرز هذه الاتجاهات المحتملة:  

1.   التوجه نحو منطقتي درع الفرات وعفرين

تعد منطقة درع الفرات وعفرين من بين الوجهات الأهم التي كان من المتوقع أن يقصدها العدد الأكبر من النازحين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد، إلى أي مدى ستكون هذه المناطق قادرة على استقبال هذه الموجات الكبيرة من النازحين داخل وخارج المخيمات والتي تقدر بأكثر من مليوني نازح كما يبين الشكل. وهي المناطق التي كانت مقصداً للنازحين بعد وقوعها تحت إشراف الجانب التركي منذ عام 2016، واحتوائها على العديد من النازحين داخل وخارج المخيمات الذين يتجاوز عددهم 400000 نازح تقريباً. ناهيك عن ظروفها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تحتاج الكثير من الوقت والجهد والكلفة المادية لتحسينها من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني لسكانها بعد تحريرها من تنظيم داعش وتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD). أضف إلى ذلك أن استقبال هذه الموجة الكبيرة من النازحين سيفاقم من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للسكان والنازحين الموجودين داخلها. ناهيك عن وجود توجه لدى الحكومة التركية لتسهيل عودة اللاجئين السوريين لديها إلى هذه المناطق. لذا فإن هذه الموجة الكبيرة من النازحين كانت ستتسبب في أزمة إنسانية كبيرة من حيث عدم القدرة على تأمين المأوى والمستلزمات الأساسية لهذا العدد الكبير منهم وهم في غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن([9]).

 

الشكل رقم 1: يبين أعداد النازحين في محافظة إدلب ومقاصد النزوح المحتملة

المصدر: صُممت الخريطة بواسطة مركز عمران وتم الاستناد على الأرقام الصادرة عن منسقو الاستجابة في الشمال السوري.

 

 2.   التوجه نحو دخول الأراضي التركية

تعد محافظة إدلب إحدى المناطق الحيوية الهامة لتركيا لتوضعها على حدودها، وتفرض أنقرة في الوقت الحاضر إجراءات مشددة للدخول إلى أراضيها على جانب حدودها مع سورية، وهي التي تستضيف ما يقارب من أربعة ملايين لاجئ سوري لديها وفق الأرقام غير الرسمية. مما يجعل من احتمالية عبور هذا العدد الكبير من النازحين إلى الأراضي التركية أمراً مستبعداً في الوقت الحاضر بناءً على المعطيات الحالية في تركيا لعدم استقبال المزيد من اللاجئين السوريين. في وقت تتعرض فيه الحكومة التركية لضغوط داخلية وأوروبية للحد من تدفق اللاجئين اليها، ومعاناة أنقرة من تحديات اقتصادية هي الأكبر على الاطلاق منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002([10]). إلى جانب وجود تخوف لدى أنقرة من أن يتم ممارسة ضغوط عليها لفتح حدودها أمام النازحين استجابة للحالة الإنسانية التي ستحدث على حدودها لو تم اندلاع هذه المعركة. ومن جانب آخر فإن توجه النازحين للخروج من سورية يتعارض مع جهود موسكو التي تسعى جاهدة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من دول الجوار، والذي قد يمثلَّ أحد عوامل التوافق بين البلدين لوقف هذه المعركة. لذا تسعى أنقرة جاهدة لمنع انفجار موجة نزوح وتهجير جديدة لسكان هذه المحافظة.

3.   التوجه نحو مناطق نظام الأسد

قبيل توجه قواته إلى محافظة إدلب، بدأ النظام يروج لفكرة المصالحات والممرات الإنسانية ومراكز إيواء النازحين، وهو نفس السيناريو الذي عمل عليه سابقاً في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي ودرعا تحت إشراف روسيا. ومع استمرار زخم قدوم معركة إدلب بدأت آلة إعلام النظام تروج لقيامه بتجهيز مراكز إيواء لاستقبال النازحين من محافظة إدلب في حال توجههم إلى مناطقه عبر فتح الممرات الإنسانية([11]). وهو الطرح الذي تبناه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا مؤخراً، من أجل إجلاء السكان المدنيين قبيل هجوم وشيك يعد له النظام وحلفاؤه([12]). ولا تختلف تصريحات المبعوث الدولي كثيراً عن روسيا وافتتاحها ما يسمى "المعبر الإنساني في أبو الظهور" وهو مشاركة حقيقية في عمليات التهجير القسري التي تمارسها روسيا وقوات النظام في مختلف أرجاء سورية. إلا أن هذا الطرح لم يلقَ قبولاً لدى نسبة كبيرة من السكان المقيمين والنازحين، لعدم ثقتهم بمصيرهم ضمن هذه المراكز التي تعد أشبه بمراكز أو معسكرات اعتقال كبيرة، وتخوفهم من ردود فعل انتقامية من مقاتلي ومؤيدي النظام السوري. هذه الحقيقة التي تجسدت بشكل حقيقي في مراكز الإيواء التي أقامها النظام للنازحين من الغوطة الشرقية والتي تحولت لمراكز اعتقال للنازحين داخلها بعد أن فرض النظام عليها حصاراً مطبقاً مانعاً الدخول والخروج إليها إلا بموافقات رسمية من قبله وبعد أن جرَّدَ الداخلين إليها من بطاقاتهم الشخصية بهدف إجراء عملية التدقيق الأمني عليها. إلى جانب كون هذه المراكز غير مهيأة لاستقبال المدنيين بسبب نقص التجهيزات والمستلزمات المعيشية ضمنها التي لا تفي والأعداد الكبيرة للمقيمين داخلها([13]). ومن جانب آخر فإن مصير العديد من الشباب ممن هم في سن الخدمة العسكرية ضمن هذه المراكز يبقى مجهولاً في ظل وجود إشاعات تفيد بقيام النظام بتجنيدهم إجبارياً ضمن قواته أو اعتقالهم في فروعه الأمنية([14]).   

يبقى مستقبل النازحون داخل وخارج مخيمات النزوح في محافظة إدلب رهناً للاتفاقات الدولية والإقليمية والتي غالباً ما تخضع لتفاهمات بين الفواعل الرئيسية في الملف السوري. وقد أرسى التفاهم الروسي التركي الأخير حول مصير المحافظة جواً من الاستقرار النسبي للسكان في مرحلته الأولى. وما سيتبع ذلك من مراحل قادمة ستعمل فيها أنقرة على التفرغ لضبط المحافظة أمنياً وعسكرياً، في حين من المتوقع أن يكون هناك ترتيبات وتوافقات مع الفواعل المحلية لكيفية إدارة المحافظة على غرار ما هو حاصل في منطقة درع الفرات. أو قد يتم الاتفاق على سيناريو يتضمن عودة مؤسسات الدولة السورية لتقلد الجانب الإداري في هذه المحافظة وبقاء الجانب الأمني بيد أنقرة وفقاً لصيغ إدارة مشتركة بين الجانبين.    

لذا فمع استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه في محافظة إدلب ووجود حالة من الاستقرار النسبي في مناطق مخيمات النزوح، يبدو من الأهمية بمكان قيام الجهات ذات الصلة بالنظر في مستقبل هذه المخيمات وآليات التعاطي معها من مختلف الجوانب. وهذا الدور يقع جزء كبير منه على الحكومة التركية لوضع تصور مستقبلي حول ذلك بالتعاون ما بين الأطراف الدولية والمحلية ذات الصلة. ومن المفترض أن يتضمن هذا التصور جملة من التساؤلات حيال النازحين داخل وخارج المخيمات، والتي يمكن حصرها بما يلي:

  • هل سيتم وضع خطط لإدماج سكان هذه المخيمات ضمن مجتمعاتهم المحلية الجديدة وما هي متطلبات ذلك وفرص نجاحه؟
  • ماذا عن حق النازحين في العودة إلى مناطقهم الأصلية التي نزحوا منها بعد تعرضهم للتهجير القسري، وهل سيتم تقديم الضمانات الأمنية والاجتماعية لهم في حال عودتهم إليها؟
  • إلى أي مدى ستتمكن الجهات الداعمة من توفير الدعم اللازم لهذه الكتلة البشرية من النازحين مع عدم وجود أفق واضح بشأن حل قضيتهم؟
  • هل سيتم لحظهم في أي تسوية سياسية قادمة بين الدول الضامنة للملف السوري؟

سترسم الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها من التساؤلات الأخرى ذات الصلة صورة أكثر وضوحاً عن مستقبل النازحين داخل وخارج المخيمات، وما يتطلبه ذلك من وضع آليات للتعامل مع هذا الملف الشائك.   

خاتمة

مع التوصل إلى تفاهم أولي بين أنقرة وموسكو على محافظة إدلب، يؤجل فصل جديد من فصول المأساة الإنسانية على بقعة جغرافية أخرى من الأرض السورية، إلا أن هذا الفصل كان من المتوقع أن يكون الأكثر إيلاماً في حال وقوعه مخلفاً أزمة إنسانية غير مسبوقة، نظراً لتكدس ما يقارب من أربعة ملايين نسمة في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تعد آخر معاقل المعارضة السورية. غير أن الوجه الأكثر إيلاماً في هذه الأزمة هم الأفراد النازحين داخل وخارج المخيمات، وهم من الفئات الاجتماعية الهشة من النساء والأطفال وكبار السن الذي اضطرتهم ظروف الحرب عبر الأعوام الماضية للنزوح من مدنهم وقراهم من مختلف بقاع الجغرافية السورية قاصدين هذه البقعة هرباً من بطش الآلة العسكرية للنظام وحلفائه.

لذا فإن التحديات الإنسانية كانت ستمثل الوجه الأبرز لهذه المعركة في حال وقوعها، وهو ما يفرض على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تحمل مسؤولياتهم اتجاه النازحين، وقيامهم بوضع الخطط الإغاثية للتخفيف من حجم المعاناة الإنسانية لهم. مع ما يتطلبه ذلك من فاعلية مدنية تعمل على تحييد المدنيين بوجود قوات فصل أو منظمات دولية لحمايتهم، أو بالدفع باتجاه تشكيل مناطق محايدة منزوعة السلاح يشرف عليها – أمنياً وإدارياً – فعاليات محلية للتخفيف من حدة موجات النزوح الداخلي للسكان المدنيين باتجاه مناطق بعيدة في حال اندلاع أي مواجهات عسكرية، والعمل على تأمين مستلزماتهم المعيشية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الإغاثية.      

رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بمصير محافظة إدلب وعدم حسمه بشكلٍ نهائي، ستبقى قضية النازحين فيها من التحديات الكبيرة في حاضرها ومستقبلها، مع ما يتطلبه ذلك من الإسراع في وضع حلول مستدامة لهذه القضية وتحديد مصير هذه الكتلة البشرية الضخمة داخل وخارج مخيمات النزوح. والتي يبدوا أن استمرارها بالشكل الحالي لم يعد مقبولاً لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الأخلاقية، بعد أن تردى الوضع الإنساني فيها إلى مستوى لا يمكن تصوره، ناهيك عن الإفرازات الاجتماعية السلبية ضمن هذه المخيمات والتي تتطلب لحظها من جميع الجهات ذات الصلة والتنبيه إلى تداعياتها السلبية على حاضر ومستقبل السكان أنفسهم وعلى مناطق تواجد هذه المخيمات. وذلك في ظل وجود بيئة أمنية غير مستقرة يمكن أن تسَّهِل من عملية استقطاب الأفراد داخل وخارج هذه المخيمات من قبل بعض التنظيمات التي لا تزال فلولها منتشرة في هذه المناطق مستغلة الظروف المادية القاسية لهم وغياب أفق واضح يحدد مصيرهم. 


([1]) Humanitarian Response,  CCCM Cluster: IDP Sites Integrated Monitoring Matrix (ISIMM), July, 2018: https://goo.gl/LukmBf

([2])  تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي لسورية المحاذي للحدود التركية، وتحيط بها محافظة حلب شرقاً ومن الجنوب محافظة حماة ومحافظة اللاذقية من الغرب. وتبلغ مساحة المحافظة 6100 كم2، وتقسم المحافظة إلى خمس مناطق إدارية وهي مركز المحافظة (مدينة إدلب)، ومعرة النعمان، وجسر الشغور، وأريحا وحارم. وبلغ عدد سكان المحافظة عند تاريخ 31-12-2010 (2.071) مليون نسمة بحسب سجلات الأحوال المدنية. وقدر عدد السكان المقيمين بنحو (1.535) مليون نسمة. وكانت محافظة إدلب من أولى المحافظات التي شهدت مظاهرات ضد حكومة نظام الأسد وخرجت عن سيطرتها في آذار من عام 2015.

([3])  عمار قحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، 24-05-2018، مركز الجزيرة للدراسات. م

([4])  منسقو الاستجابة في شمال سورية، 12-08-2018.

([5])  أوضاع معيشية مأساوية للنازحين في إدلب، موقع ديارنا، 10-09-2018: https://goo.gl/LG6ARL

([6])  قراءة ميدانية في التفاهم الروسي – التركي: هدنة بانتظار حل، جريدة الشرق الأوسط، 22-09-2018: https://goo.gl/awzWWa

([7])  التكلفة الإنسانية للهجوم على إدلب.. هل تدخل في الحساب؟، هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية، 31-08-2018: https://goo.gl/kncCEt

([8])  قصف يوقع مجزرة في مخيم للنازحين جنوبي إدلب، جريدة عنب بلدي، 20-03-2018: https://goo.gl/i2tzie

([9])  يونيسف: الهجوم على إدلب يضع مليون طفل سوري في خطر، وكالة رويترز للأنباء، 31-08-2018: https://goo.gl/nPiBcG

([10]) علي باكير، لماذا تعارض تركيا عملية إدلب؟، 06-09-2018، جريدة القبس الإلكتروني: https://goo.gl/U92icU

([11])  ساعات ما قبل معركة إدلب... افتتاح معبر أبو الضهور يوم الخميس لخروج المدنيين، وكالة سبوتنيك، 15-08-2018: https://goo.gl/AvWoBx

([12])  دي مستورا يعرض الذهاب إلى إدلب لتأمين ممر إنساني، جريدة الحياة، 30-08-2018: https://goo.gl/LvgLHM

([13])  الأمم المتحدة: "وضع مأسوي" في مراكز إيواء نازحي الغوطة الشرقية، إذاعة مونت كارلو الدولية، 21-03-2018، https://goo.gl/d9Hiuw  

([14]) مراكز إيواء نازحي الغوطة .. “احتجاز مؤقت، جريدة عنب بلدي، 28-03-2018: https://goo.gl/Fsc3sj

التصنيف أوراق بحثية

أجرت الجزيرة نت حواراً صحفياً مع الدكتور عمار قحف المدير التنفيذي لمركز عمران، بعنوان: "هل يفلح اتفاق إدلب بإنهاء حالة الحرب؟

 حيث أشار القحف: إلى إن تركيا تملك وبشكل عام القدرة على تنفيذ بنود الاتفاق من طرفها أكثر من الروس الذين تقف أمامهم تحديات أكبر تتعلق بالقدرة على ضبط عناصر النظام السوري أو المليشيات الداعمة له التي ترتبط بجهات مختلفة.

وتوقع خلال حديثه للجزيرة نت أن تحاول إيران تعطيل تنفيذه رغم التصريحات السياسية المغايرة لذلك، لأن الاتفاق سيؤخر إضفاء الشرعية على النظام السوري الذي سيحاول الالتفاف على بنود الاتفاق دائماً، وأضاف القحف أن نجاح الاتفاق يعتمد على مراحل تنفيذه التي ستكون صعبة جداً بالنظر إلى مدى قدرة أطرافه على التعامل مع الجهات المختلفة الرافضة له، وعلى تأسيس منظومة حكم محلي في إدلب تتوافق مع التفاهمات الدولية أو على الأقل لا تتناقض معها.

وحول مستقبل المنطقة في المدى البعيد رأى القحف أن الجانب التركي تلقى تفويضاً بإدارة المنطقة من الجانبين الأمني والعسكري لكنه تساءل عن الجانب الإداري والحوكمي.

وقال إنه ثمة نماذج كثيرة يمكن أن تطبق في إدلب منها نموذج درع الفرات أو نموذج آخر يعطي إدلب استقلالاً إدارياً بحيث ترتبط المحافظة مع النظام بمعزل عن الأمور الأمنية والعسكرية، ولم يستبعد تطبيق نموذج قبرص الشمالية في إدلب أيضاً.

 

المصدر الجزيرة نت: https://bit.ly/2DheRDi