في الأيام الإثني عشر الممتدة من 27 تشرين الثاني/نوفمبر حتى 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، عاشت سورية واحدة من أهم محطاتها التاريخية، لحظة انكسار منظومة الاستبداد التي أثقلت كاهل المجتمع لعقود، وبداية استعادة السوريين لكرامتهم وحقهم الطبيعي في دولة حرة وعادلة. كانت تلك الأيام حدثاً استثنائياً، جمع بين التخطيط المحكم والتحرك السريع وتكلفة بشرية منخفضة، كأن القدر منح السوريين نافذة أمل نادرة بعد سنوات طويلة من الألم.

في هذه اللحظة التاريخية، عمل فريق مركز عمران بالعربية والإنجليزية وعلى مدار الساعة على توثيق وتحليل كل تطور ميداني وسياسي، ليُقدم سردية دقيقة ومسؤولة تسجل هذه الأيام للأجيال المقبلة. لقد تقاسم الفريق الأدوار وارتقى بالجهد البحثي إلى مستوى الحدث الوطني، فكانت الإحاطات اليومية مرجعاً للمتابعين ولصناع القرار، ومصدراً للفخر بفريق أدى دوره في لحظة وطنية مصيرية.


إن أيام التحرير الإثني عشر لم تكن مجرد عمليات عسكرية ناجحة، بل كانت استعادةً لجوهر الكرامة السورية وإعلاناً عن أن الشعب بكل مكوناته قادر على استرداد مكانته وحقوقه. لقد عبرت هذه الأيام عن إرادة السوريين في التحرر من الخوف وفي إعادة بناء وطن تحترم فيه كرامة الإنسان قبل كل شيء، وتعاد فيه صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس العدالة والشفافية والمشاركة.


ويأتي الإنجاز الأكبر لهذه المرحلة في إعادة فتح الباب نحو دولة لكل السوريين، لا تعرف بالولاء السياسي ولا بالهويات القسرية، بل بالمواطنة الجامعة التي تجعل كل فرد جزءاً أصيلاً من المستقبل. وفي هذا الإطار يصبح تنوع المجتمع السوري بكل غناه ثروة وطنية ومصدر قوة.


سورية الجديدة وطن يتسع للجميع: العرب، الكرد، التركمان، السريان، الآشوريون، الأرمن، الشركس، الأرناؤوط، والكلدان، ولكل المكونات الدينية والمذهبية والاجتماعية.


دولة تعترف بلغات أبنائها وبعاداتهم وبخصوصياتهم الثقافية، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على الحوار المجتمعي القويم والعيش المشترك، لا على الإقصاء أو التمييز. لا تضخم قضايا بعينها ولا تختزل هوية سورية في مكون واحد، بل تبنى الهوية الوطنية الجامعة على قاعدة المواطنة المتساوية التي تحمي الجميع وتحتضن الجميع.


هذه المرحلة ليست فقط نهاية الاستبداد، بل بداية مسار طويل لإعادة بناء الثقة بين السوريين، وترميم المجتمع بعد سنوات التشظي، وبناء مؤسسات دولة تستوعب تنوعها وتستجيب لآمال مواطنيها. وهي أيضاً فرصة تاريخية لعودة سورية إلى محيطها الطبيعي كدولة لا تشكل تهديداً لجوارها، بل شريكاً في التنمية، وصلة وصل بين دول المنطقة، وجزءاً من هيكلية أمنية وسياسية واقتصادية جديدة أكثر توازناً واستقراراً.


أما توثيق الأيام الثلاثة عشر، اثنا عشر يوماً من العمليات ويوم ردود الأفعال العالمية، فهو مسؤولية وطنية وتاريخية. إنه ليس مجرد سجل للمعارك، بل شهادة على ولادة سورية جديدة تتبلور ملامحها الأولى اليوم، وتستند إلى إرادة شعب يستعيد مكانه بين الأمم بثقة واستحقاق.


هذه المقدمة ليست فقط افتتاحاً لملف توثيقي؛ إنها إعلان بداية: بداية زمن تصاغ فيه الهوية الوطنية بالشراكة، وتعاد فيه مكانة الدولة، وتبنى فيه سورية التي تستحقها كل هذه المكونات، سورية العادلة الجامعة القادرة والمستقبلية.


رابط الملف كاملاً: https://bit.ly/4pa47ZK