ملخص تنفيذي

  • تبرز عمليات إزالة مخلفات النزاع ومن بينها الألغام الأرضية في منطقتي درع الفرات وعفرين، كأحد التحديات التي توجه لها الجهود في سبيل تحقيق التعافي المبكر، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها المعطيات المرتبطة بهذه العمليات.
  • تهدف الورقة إلى محاولة تشخيص واقع عملية إزالة الألغام في هاتين المنطقتين، من خلال التعرف إلى برامج الفاعلين المحليين والدوليين، وتحليل أدوارهم وجهودهم في هذا الصدد، وتفكيك التحديات التي تواجه هذه العملية. والتعرف إلى الآثار التي تشكلها الألغام الأرضية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية.
  • إن الجهود المبذولة لإزالة هذا النوع من الذخائر عبر الأعوام الماضية، يعوزها بشكل واضح غياب التنسيق بين الجهات الفاعلة في هذا الإطار لأسباب عدة. مع غياب الدعم الدولي اللازم في هذا الجانب لأسباب سياسية. إلى جانب غياب جهة عابرة للمجالس والمنظمات، لتنسيق الجهود وحوكمتها في هذا الإطار بما يسهم في معالجة هذا الملف بشكل فاعل.
  • لم تحقق حملات التوعية لتفادي آثار الألغام الأرضية تلك الفاعلية المطلوبة، لأسباب ترتبط بقلة عدد المنظمات المهتمة بهذا الجانب، واقتصارها على عدد محدود جداً. إلى جانب غياب التنسيق بين المنظمات، ووكالات الإعلام، والجهات العاملة، وغيرها من الأسباب الأخرى.
  • إن توفير الدعم الطبي والنفسي والمادي للمتضررين من هذه الذخائر يعد متطلباً أساسياً للتعافي المبكر ضمن المجتمعات المحلية، وهو الشيء الذي ما تزال تفتقده نسبة كبيرة منهم.

 

مقدمة

مع تراجع حدة النزاع المسلح في منطقتي درع الفرات وعفرين، الواقعتين تحت النفوذ التركي، بدأت هاتان المنطقتان تشهدان مؤخراً بضعة خطوات تدريجية نحو التعافي المبكر، ومحاولة الجهات القائمة على هذه المناطق توفير متطلبات البيئة الآمنة، لضمان نجاح هذه الخطوات. وتبرز عمليات إزالة مخلفات النزاع في هذا السياق، كأحد التحديات التي توجه لها الجهود في سبيل تحقيق التعافي المبكر، رغم التحديات الكبيرة التي فرضتها المعطيات المرتبطة بهذه العمليات. ففي فترة خضوعها لكل من "تنظيم الدولة" و"قوات سورية الديمقراطية" قبل عام 2016، قام كل منهما بتفخيخها بالألغام الأرضية، إلى جانب الألغام الأرضية القديمة المتواجدة على طول الحدود التركية المحاذية لها. الأمر الذي شكَّل ويشّكِل مصدر تهديد كبير لحياة السكان واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي ضمن هذه المناطق.  

تأتي أهمية الورقة من محاولة الإحاطة بالتقدم المنجز في عملية إزالة الألغام، في ضوء قلة المعلومات المتوافرة عن الإجراءات التي تتم في هذا الصدد، وأعداد الإصابات، والدعم المقدم لبرنامج إزالة الألغام، والآثار السلبية المرتبطة بها، كأحد الجوانب الهامة في توفير البيئة الآمنة للمواطنين، ونجاح عملية التعافي المبكر. ويتمثل الهدف الرئيس لهذه الورقة في محاولة تشخيص واقع عملية إزالة الألغام، من خلال التعرف إلى برامج الفاعلين المحليين والدوليين، وتحليل أدوارهم وجهودهم في هذا الصدد، وتفكيك التحديات التي تواجه هذه العملية. والتعرف إلى الآثار التي تشكلها الألغام الأرضية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحلية في هاتين المنطقتين.

ختاماً، تحاول الورقة وضع مجموعة من التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذا البرنامج، بما يخدم هدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، اللازم لنجاح عملية التعافي المبكر. 

أولاً: واقع إزالة الألغام في منطقتي درع الفرات وعفرين

تشكل الذخائر غير المنفجرة بمختلف أنواعها أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر، في الدول الخارجة من النزاعات. وفي تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2020، أشارت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن سورية تعد من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011([1])، وصنفت منظمة "الحملة الدولية لتحريم الألغام الأرضية"، في تقريرها الصادر عام 2019 سورية في المرتبة الرابعة من بين الدول المتلقية للمساعدات الدولية لإزالة الألغام. كذلك حذرت الأمم المتحدة في شهر يوليو/تموز 2019 من تعرض حياة أكثر من عشرة ملايين سوري للتهديد بسبب تواجدهم في مناطق ملوثة بالألغام، داعية جميع أطراف النزاع في سورية، للسماح بإزالة مخلفات النزاع من المتفجرات، وضمان احترام وسلامة العاملين في المجال الإنساني، المسؤولين عن إزالة الألغام([2]). مما يدل على مدى تلوث البلد بهذا النوع من الذخائر، غير المنفجرة، وكونها مصدر خطر كبير.

مع تحول النزاع في سورية إلى الطابع العسكري في عام 2012، بدأت القوى العسكرية باللجوء إلى استخدام الذخائر المنفجرة كأداة حرب، ووسيلة لفرض نفوذها العسكري في مناطقها، وعرقلة أي تقدم للقوى المتحاربة معها. ونظراً لسيولة الوضع الأمني في عموم المناطق، واستمرار النزاع في بعضها، فإن من الصعب وضع تقدير دقيق للعدد الإجمالي للألغام المزروعة، مع وجود توقعات بوصول هذا العدد إلى عشرات الآلاف. وتصدرت مناطق الشمال السوري بشكل عام المناطق السورية في مستوى انتشار الذخائر المنفجرة، في محافظات حلب وإدلب واللاذقية، للفترة الممتدة ما بين يوليو/تموز 2013 ومايو/أيار 2019. إذ سُجِلَ ما لا يقل عن 113.107 استخدام للذخائر المتفجرة، شكلت نسبة الذخائر الأرضية المنفجرة منها ما يقارب 50%. وفي محافظة حلب وحدها سُجلَ ما لا يقل عن 58.084 استخدام لهذه الذخائر([3]).

 في تناولنا لواقع الألغام الأرضية في منطقتي درع الفرات وعفرين، الواقعتين في الشمال الغربي من سورية، فإن الوقوف على الإحصاءات الفعلية المرتبطة بهذه الألغام يعد صعباً، نظراً لتعدد القوى العسكرية التي خضعت لها هاتان المنطقتان بعد عام 2011، وقيامها بزرع أنواع مختلفة من الألغام الأرضية والمفخخات. ففي منطقة درع الفرات، وإبان سيطرة تنظيم "داعش" عليها، لجأ الأخير إلى الاعتماد بشكل كبير على زراعة الألغام في غالبية مدنها، معتمداً على خبرة عناصره الأجانب في هذا المجال، لاستهداف المقاتلين على جبهاته. ووفقاً للعديد من الخبراء العسكريين؛ فإن الألغام العائدة للتنظيم تعد من بين الألغام الأشد فتكاً وخطورة، بنوعيها المضادة للأفراد، والمضادة للآليات. ومن بين أنواع هذه الألغام: المسطرة، والمسبحة، واللغم الليزري، والدوسة، والحجر([4]). ويصف بعضهم ألغام تنظيم الدولة بأنها مثلت "فناً عسكرياً" بحد ذاته، من ناحية أنواعها، وطرق وأماكن زرعها، ومدى استفادته منها في مواجهة أعدائه، قبل وبعد خروجه من المناطق التي سيطر عليها([5]). لكنها بالمقابل أودت بحياة العشرات من المدنيين، وسببت إصابات خطيرة للعديد منهم([6])، بعد أن تمكنت قوات المعارضة السورية بمساندة الجيش التركي من تحرير هذه المنطقة من تنظيم داعش في 29 مارس/آذار من عام 2017.

في منطقة عفرين، عمدت قوات "قسد" الجناح العسكري للإدارة الذاتية، على زرع وتفخيخ المنطقة بأعداد كبيرة من الألغام الأرضية، منذ استيلائها على المنطقة في أغسطس/آب لعام 2015، في محاولة منها لصد أي تقدم للجيش التركي وقوات المعارضة السورية نحو المنطقة. ومع اقتراب معركة "غصن الزيتون" في عام 2018، زادت هذه القوات من كمية الألغام المزروعة في الأحياء والمساكن والمناطق الزراعية، بهدف إحداث أكبر ضرر ممكن بالقوات المهاجمة، ومنع المدنيين من مغادرة المنطقة، للاحتماء بهم في حال نشوب المعركة، وهو ما كشفت عنه العديد من التقارير الميدانية([7]). وبعد هزيمة قسد في مارس/آذار 2018، شكلت عملية إزالة هذه الألغام تحدياً كبيراً، تطلب تدخل قوات متخصصة من الجيش التركي لتنظيف المدن والأحياء من هذه الألغام، وتجنيب المدنيين المخاطر الناتجة عن انفجارها. ووفقاً للخبراء المختصين في هذا المجال؛ فإن طبيعة الألغام التي تم زرعها في منطق عفرين هي من الأنواع التقليدية، ذات التصميم الروسي. وفي شهر يناير/كانون الثاني في عام 2018 تمكنت القوات المسلحة التركية من تفكيك 80 لغم أرضي، و650 عبوة ناسفة وفقاً لبعض المصادر([8]).

تمثلت أبرز التحديات التي واجهت الجهات القائمة على إزالة الألغام في هذه المناطق، في نوعية الألغام المزروعة، من قبل كل من تنظيم داعش وقوات قسد، وكثافتها، والتكتيكات المستخدمة في زرعها، والتي تطلبت وجود خبراء مختصين للقيام بإزالتها. إلى جانب عدم وجود خارطة يمكن الاسترشاد بها لإزالة هذه الألغام، بأقصر فترة زمنية، وانخفاض مستوى كفاءة الكوادر المحلية التي أوكلت إليها هذه المهمة، في جانبيها العسكري والمدني، سواء من ناحية عدم توفر المستلزمات الحديثة للكشف عن الألغام، أم لعدم توفر برامج التدريب اللازمة لتأهيل هذه الكوادر، وغياب الدعم الدولي اللازم لبرنامج إزالة الألغام في هاتين المنطقتين لأسباب سياسية. أضف إلى ذلك ضعف حملات التوعية للمواطنين في كيفية تجنب أخطار هذه الألغام([9]). وبالتالي ما تزال تشكل بقايا هذه الألغام خطراً يهدد المجتمعات المحلية، مع ما يفرضه ذلك من العمل على زيادة حملات التوعية، والعمل على نزعها بشكل كامل.

أضف إلى ذلك فإن بعض المصادر تشير إلى وجود كميات كبيرة من الألغام على طول الأراضي المحاذية للحدود التركية، زرعها الجيش التركي في الفترة ما بين (1957-1998)([10])، والتي تقدر كميتها ما بين (613.000-715.000) لغماً مضاداً للأفراد، لمنع العبور غير المشروع للحدود([11]). وقد نتج عنها العديد من الضحايا المدنيين، الذين اضطروا للهرب بعد تصاعد حدة النزاع في هاتين المنطقتين([12]). وما تزال هذه الألغام إلى الوقت الحاضر تمثل خطراً يهدد حياة السكان المحليين، سواء منهم العاملين بالزراعة، أم الذين يحاولون اجتياز الحدود التركية عن طريق شبكات التهريب.   

ثانياً: الفاعلون في إزالة الألغام ... الأدوار والفاعلية

مع شيوع حالة شبه الاستقرار الأمني في عدد من المناطق السورية، بدأت تظهر جهود العديد من الفواعل المدنية والعسكرية في عمليات إزالة الألغام، ومخلفات الحرب. وعلى الرغم من وجود التمايز في هذه الجهود، سواء من حيث الدعم المحلي والدولي المقدم لها، أم من حيث كفاءة الكوادر العاملة وتجهيزاتها، إلا أنها تُظهِر مدى أهمية هذه العمليات، كأحد عناصر البيئة الآمنة اللازمة لاستقرار السكان المحليين، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والتعافي من تبعات النزاع. وكغيرها من المناطق السورية؛ فقد برز عدد من الفواعل الذين أسهموا خلال الأعوام الماضية في هذه الجهود، في منطقتي درع الفرات وعفرين، ونستعرض فيما يلي أهم الإسهامات التي قدمها كل منهم:

1.   منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)

كان لمنظمة الدفاع المدني منذ تأسيسها في عام 2015 دور هام في تأمين متطلبات البيئة الآمنة، فقد عملت على محاور عدة في هذا السياق. وفي إطار تناولنا لموضوع الذخائر غير المنفجرة، كان للمنظمة خطوات ملموسة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، عبر قيامها بإزالة هذه الذخائر، وتجنيب المواطنين مخاطرها. وكان لهذه الخطوات أثر كبير في توفير العودة الآمنة للنازحين في هذه المناطق، وتوفير مقومات الحياة الأساسية، عبر إعادة تأهيل المرافق العامة، كالمدارس، والطرقات وغيرها، ووفقاً لآخر إحصاءاتها المنشورة على موقعها الإلكتروني، فقد تمكنت الفرق المتخصصة في المنظمة من إزالة 1243 جسماً قابلاً للانفجار، من مخلفات الحرب منذ 1 يناير/كانون الثاني 2019 حتى نهاية شهر مارس/ آذار لعام 2021، بينها 986 قنبلة عنقودية.

ومنذ عام 2017، كان هناك تواجد فعلي لفريق الدفاع المدني في منطقة درع الفرات، بعد تحريرها من تنظيم داعش، فقد عمل على إزالة آلاف الذخائر غير المنفجرة في المدن والبلدات الرئيسية، وقد بلغ عدد الذخائر غير المنفجرة التي تم إزالتها منذ عام 2015 في مناطق الشمال السوري عن طريق منظمة الدفاع المدني 23000([13]). ومع تحرير منطقة عفرين من قوات "قسد" في عام 2018، عمل الدفاع المدني كذلك على الإسهام في إزالة الذخائر غير المنفجرة فيها. وعلى الرغم من المتطلبات التي تحتاجها عملية إزالة هذه الذخائر، عملت المنظمة بما أوتيت من إمكانات محدودة، على تأهيل الكوادر المحلية للإسهام في هذه العملية([14])، إذ يضم كادر المنظمة العامل في إزالة الذخائر مزيجاً من العسكريين، ذوي الخبرة، إلى جانب المدنيين، الذين يتم تدريبهم للعمل على الإزالة بشكل مباشر([15]). وخلال الأعوام الماضية، كان هناك عدد من الإصابات، التي طالت هذا الكادر، وأودت بحياة عدد من طواقمه([16]). إلا أن التحدي الأبرز الذي تواجهه منظمة الدفاع المدني في هذا السياق، يتجسد في قلة الدعم المقدم، على الصعيدين اللوجستي والمادي. إلى جانب محدودية كفاءة وخبرة الكادر العامل، الذي لم يتلقَ التدريب الكافي للعمل في هذا المجال. وفي إطار سعيها لزيادة فاعلية نشاطها، تعمل المنظمة على التعاون والتنسيق مع المجالس المحلية والمجتمعات المحلية للمساعدة على إزالة الذخائر غير المنفجرة، من خلال عمليات تلقي الإبلاغ من قبل المواطنين، في حال اشتباههم بوجود ألغام في مناطقهم، والقيام بالمسح غير التقني، بهدف تقليل الإصابات التي يمكن أن تنتج عن هذه الذخائر إلى الحد الأدنى، وتأمين العودة الآمنة للسكان إلى مناطقهم([17]). لكن من جانب آخر، ووفقاً لمنظمة الدفاع المدني، لا يوجد علاقات تنسيق وتعاون مع الفصائل العسكرية في هذا الصدد، لأسباب خاصة بالمنظمة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تشرذم الجهود، وعدم تكاملها في إطار سياسة موحدة لإزالة ما تبقى من هذه الذخائر.

2.   الجيش الوطني السوري

باعتبارها أحد الفواعل الأساسيين لتوفير مقومات البيئة الآمنة، عملت الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة السورية منذ تواجدها في منطقتي درع الفرات وعفرين، في عامي 2016 و2018 على التوالي، على إزالة مخلفات النزاع العسكري لتمهيد العودة الآمنة للنازحين، وتجنيب السكان المحليين أخطار هذه المخلفات. ومع بدء عملية هيكلة هذه الفصائل في جسم عسكري واحد "الجيش الوطني"، تم تخصيص العناصر ذوي الخبرة في هذا المجال، ضمن ما يعرف بـ"سرية الهندسة" المتخصصة بتفكيك الألغام الأرضية.

بعد تحرير منطقتي درع الفرات وعفرين عملت فرق الهندسة التابعة للجيش الوطني على تفكيك الألغام الأرضية التي خلفها تنظيم داعش وقوات قسد. ووفقاً لتقديرات الجيش الوطني، فإن العدد الإجمالي للألغام بعد انسحاب داعش يقدر بحوالي 60 ألف لغم، هناك حوالي 20 ألف لغم تمت إزالته من قبل سرية الهندسة، التي عملت بإمكانيات بسيطة، ومعدات بدائية، وأجهزة كشف معادن، في حين أن الأعداد الباقية والتي يقدر عددها بـ 40 ألفاً، تم إزالة نسبة كبيرة منها من قبل الفلاحين، والأفراد المدنيين، وجهات أخرى. ويعمل الجيش الوطني على التعاون مع المجالس المحلية والسكان المحليين، وبشكل خاص الفلاحين، لأنهم الأكثر عرضة لمواجهة الألغام، وذلك لكون مناطق الاشتباك كانت في أراضيهم الزراعية([18]).

في جانب التحديات التي تواجه الجيش الوطني في هذا الإطار، يمثل نقص التمويل لتأمين المعدات اللازمة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، وانخفاض مستوى الكفاءات البشرية، وقلة خبرتها في هذا المجال، أحد أهم هذه التحديات، والتي كلفته العديد من الخسائر المادية والمعنوية، لذا تحاول إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني العمل على توعية المقاتلين، بشكل دوري ومستمر، بمخاطر المفخخات والألغام، سواء من خلال الندوات، أم التقارير التوعوية، أم المنشورات. والعمل بشكل متوازٍ على التدريب المستمر للعناصر في مجال إزالة الألغام([19]).

3.   الجيش التركي

منذ بدء العمليات العسكرية للجيش التركي في منطقتي درع الفرات وعفرين، عملت وحدة تفكيك المتفجرات في الدرك التركي على تفجير عدد من الألغام وإزالتها، وعملت كذلك على تعليم قوات الشرطة المحلية على تفكيك المتفجرات، والتعامل مع الأجسام المشبوهة. ففي منطقة الراعي تم إزالة حوالي 10 آلاف و438 جسم متفجر، في عام 2017([20]). كذلك فإن هناك تعاون مستمر بين عناصر الجيش الوطني السوري والجيش التركي في إزالة الألغام، التي زرعتها قوات قسد، في إطار أنشطة تعزيز الأمن في منطقة عفرين. إضافة إلى ردم الخنادق، التي تم تلغيمها، وإزالة أكوام الأتربة التي تؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمدنيين في المنطقة، وذلك بمساهمة من المجلس المحلي لعفرين، وولاية هاتاي التركية([21]).

في السياق ذاته، تنشط القوات المسلحة التركية بتطهير مناطق عدة، بينها الحدود التركية مع سورية، من الألغام، بواسطة فريق مهام خاصة يعرف باسم "صيادي الألغام".  يتم العمل على تطهير حقول الألغام التي جرى تحديدها مسبقاً، والتي هي على طول الشريط الحدودي الذي يبلغ حوالي 150كم2، إضافة إلى الحقول التي يجري اكتشافها. ولتتماشى مع أهداف الأمم المتحدة في "عالم خال من الألغام لعام 2025"، تستمر تركيا في العمل على إزالة جميع الألغام المدفونة، وإزالة الألغام والذخيرة غير المنفجرة، وقد أحرزت تقدماً هاماً في هذا الصدد على حدودها مع سورية([22]). يضاف إلى ذلك تعاونها المستمر مع الجيش الوطني، لتدريب العديد من العناصر بموضوع إزالة الألغام([23]).

4.   المنظمات المحلية

إبان تحرر منطقة درع الفرات برزت مبادرات محلية لإزالة الألغام، كان من أبرزها مبادرة المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب (في أيد أمينة)، الذي تأسس في نهاية عام 2016، وضم أكثر من 50 متطوعاً، يملك بعضهم خبرة سابقة أثناء "الخدمة الإلزامية" في جيش النظام. وقد وضع القائمون عليه سياسات ومعايير وبرامج منظمة، بما يتوافق مع برامج الأمم المتحدة للألغام (UNMAS). وطرح المركز خمسة برامج للتعامل مع مخلفات الحرب في المناطق المحررة، وهي: الاستجابة السريعة، ومساعدة الأهالي، ونزع الألغام، والتوعية بمخاطر الألغام، ودعم ضحايا الألغام، إضافةً إلى تدمير المخزون. وكان للمركز جهود واضحة في عمليات إزالة الألغام، على الرغم من محدودية إمكانياته اللوجستية والمادية. وكان له تنسيق وتعاون واضح مع الهيئات المدنية، متضمنة المجالس المحلية، ولجنة إعادة الاستقرار، والشرطة الوطنية([24]).

إلى جانب ما سبق، فقد سُجِلَ وجود بعض المبادرات من المجتمع المحلي، ومنها قيام بعض الصناعيين في المنطقة بتصنيع جرار خاص للحراثة وإزالة الألغام بآن واحد، للمساهمة في تذليل الواقع الذي يعاني منه المزارعون([25]). إضافة إلى العديد من المبادرات الفردية التطوعية، من ذوي الخبرة بنزع الألغام، لتجنيب الأهالي الوقوع كضحايا محتملين لهذه الذخائر غير المنفجرة([26]).

ثالثاً: تداعيات الألغام على المجتمعات المحلية

خلف النزاع في سورية عشرات الآلاف من الألغام والعبوات الناسفة. وما يزال بعضها مدفوناً في أماكن مجهولة، إلى جانب بعض الذخائر غير المنفجرة، وانتشارها في مساحات واسعة من المناطق المأهولة بالسكّان، مما يشكل تهديداً للمدنيين. وما يفرضه هذا الأمر من أثر سلبي مباشر على استقرارهم الاجتماعي والاقتصادي.

على الرغم من عدم وجد آلية شاملة لجمع بيانات دقيقة عن ضحايا الألغام والذخائر غير المنفجرة، فقد أوردت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي لعام 2020 تقديرات للخسائر البشرية بين صفوف المدنيين السوريين التي تسبَّبت بها هذه الألغام، وذلك منذ مارس/آذار 2011 حتى ديسمبر/كانون الأول/ 2020، وأوردت حصيلة الضحايا بمن فيهم الأطفال والنساء، والكوادر الطبية والإعلامية، وكوادر الدفاع المدني، وتوزعهم بحسب المحافظات التي قتلوا فيها، كما استعرضت بعضاً من أبرز الحوادث التي وقعت إثر انفجار الألغام.

وسجَّل التقرير مقتل ما لا يقل عن 2601 مدنياً، من بينهم 598 طفلاً، و267 سيدة، قتلوا عبر المئات من حوادث انفجار الألغام في مختلف المحافظات السورية، منذ عام 2011، وكان من بينهم 8 من الكوادر الطبية، و6 من كوادر الدفاع المدني، و9 من الكوادر الإعلامية. وأشار التقرير أن 703 ضحية من العدد الإجمالي للضحايا كان في محافظة حلب([27]). وقد سجل عام 2018 وفقاً لبعض المصادر، العدد الأكبر من ضحايا الألغام في منطقة عفرين، إذ قتل 55 شخصاً، بينهم 39 طفلاً، فيما تجاوزت عدد الإصابات الكلية إلى 360 شخصاً، وفي عام 2019 كان عدد الأشخاص الكلي 125 شخصاً، أغلبهم في منطقة عفرين وتل رفعت، فيما سُجل العشرات من الضحايا، كذلك في مناطق الباب وجرابلس والبلدات والقرى التابعة لها([28]).

أما على الصعيد الاجتماعي والصحي، وكغيرها من المناطق الأخرى، فإن لهذه الذخائر آثار سلبية على الأفراد القاطنين في منطقتي درع الفرات وعفرين، بزيادة حالات الخوف والقلق لدى فئات كبيرة من المجتمع، إلى جانب انتشار بعض الأمراض النفسية، والاضطرابات السلوكية الناجمة عن ذلك، ومدى القدرة على التعايش والعودة إلى الحياة الطبيعية. وذلك نتيجة للإصابات التي خلفتها هذه الذخائر، والتي أدت في كثير من الأحيان إلى الموت او التشوهات الخلقية، التي وثقتها بعض التقارير الميدانية من هاتين المنطقتين([29]). فأخطار هذه الألغام تطال جميع الفئات السكانية، مع وجود تمايز بين هذه الفئات، من حيث تعرضها لهذه المخاطر، إما بسبب العمر، أو الدور الاجتماعي، أو نمط النشاط الذي تقوم به. أضف إلى ذلك قلة الدعم المقدم من قبل المنظمات المهتمة بمصابي الحرب، بسبب الكلفة المرتفعة الواجب تقديمها لهم لإعادة المصابين إلى حياتهم بشكل طبيعي. وغياب البرامج الخاصة بذلك على الأمد الطويل الأجل، وخاصة ما يرتبط منها بالعلاج الفيزيائي، والدعم النفسي، وتركيب الأطراف الصناعية، وغيرها من المستلزمات الأخرى، التي تعد جزءاً أساسياً في التراتبية العلاجية للمصابين، وخاصة لمن بترت أطرافهم([30])، والذين تقدر أعدادهم بالآلاف في مناطق شمال سورية، بين مدنيين وعسكريين، تتنوع إصاباتهم بين الخفيفة والمتوسطة، والإعاقات الدائمة، التي تحتاج لرعاية طبية على المدى الطويل. ويبين الشكل توزع أعداد الضحايا وفقاً للأعوام في عموم مناطق سورية.                                                                               

إلى جانب ما سبق، ما تزال حملات التوعية الخاصة بمخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة دون المستوى المأمول، سواء من ناحية كيفية التحوط منها، أم من ناحية التعامل مع الإصابات الناجمة عنها، والتي تتسبب في كثير من الأحيان بعاهات جسدية ونفسية دائمة للمصابين، ما لم يتم التعامل معها بالأسلوب الطبي الصحيح. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى النقص الكبير في عمل المنظمات الإنسانية، العاملة في جميع أنحاء المناطق السورية، والمهتمة بهذا الجانب من جوانب التعافي المبكر للمجتمعات المحلية، فقد فشلت العديد منها في رفع مستوى الوعي حول مخاطر الألغام ومخلفات الحرب، ناهيك عن كيفية التعامل معها([31]).

في الجانب الاقتصادي، بدا واضحاً التأثير السلبي للألغام على الحياة الاقتصادية في هاتين المنطقتين، إذا ما علمنا بأن أكثر الأشخاص المعرضين لخطر الوقوع ضحية لحوادث الألغام هم: المزارعون، ورعاة الماشية، والبناؤون، وجامعو الخردة المعدنية، وعمال البناء، والعاملون في المجال الإنساني، والأطفال في طريقهم إلى المدرسة، والمشردون داخلياً، والعائدون إلى منازلهم.

وقد تجلى هذا بشكل واضح في هاتين المنطقتين، اللتين تعتمدان على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل لنسبة جيدة من سكانها، لعدم قدرة المزارعين على استغلال قسم من أراضيهم، بعد أن أصبحت هذه الأراضي مسرحاً للعمليات العسكرية، وقيام الأطراف المتحاربة بزرع الألغام الأرضية كأداة حرب ضد بعضهم. الأمر الذي خلق تحدياً كبيراً للمزارعين، وللجهات القائمة على القطاع الزراعي، في كيفية تنظيف الأراضي الزراعية، والطرقات المستخدمة للنقل الزراعي من الذخائر غير المنفجرة، بما فيها الألغام الأرضية. ومدى قدرتها على تأمين المتطلبات اللوجستية والمادية اللازمة لنزع هذه الذخائر، نظراً لقلة الخبرات المحلية في هذا المجال والكلفة المادية المرتفعة التي تتطلبها عمليات الإزالة([32]).

إلى جانب ذلك، فقد سُجِلَ العديد من الإصابات في صفوف المزارعين، الذين حاول بعضهم إزالة هذه الألغام بشكل شخصي، إلى جانب الإصابات التي تعرض لها بعضهم وذويهم، نتيجة جهلهم بوجود هذه الألغام، وعدم اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة، بسبب قلة حملات التوعية في هذا الصدد. ففي منطقة درع الفرات لوحظ أن الجهات المعنية بإزالة مخلفات الحرب كانت جهودها مركزة على المباني السكنية والطرق العامة، وعدم منحها الأهمية المطلوبة للأراضي الزراعية، بسبب كثافة الألغام المزروعة فيها، مما كان له تداعيات سلبية على الحياة الاقتصادية للسكان المحليين، الذين تعتمد نسبة كبيرة منهم على الزراعة كمصدر للدخل، وكان جراء ذلك امتناع بعض المزارعين عن زراعة حقولهم خوفاً من التهديد المحتمل لهذه الألغام([33]). ولكن ذلك لا ينفي وجود بعض التجارب الناجحة في إزالة الألغام الأرضية من الأراضي الزراعية في بعض البلدات، كما في بلدة أخترين، والتي تم الإعلان أنها آمنة ونظيفة من الألغام بشكل كامل، بتاريخ 26-01-2017([34]). أما في منطقة عفرين، والتي يتركز الإنتاج الزراعي فيها على زيت الزيتون، فقد شهدت كذلك العديد من الإصابات بعد أن تم تلغيم الحقول الزراعية، على خطوط التماس بين قوات قسد والجيش الوطني، مما كان له أثر كبير على عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى حقولهم، وجني محاصيلهم ضمن هذه المنطقة([35]).   

رابعاً: الفاعلون في الجانب الاجتماعي

إن المخاطر والآثار المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة لا تنتهي بمجرد وجود جهات قائمة للعمل على إزالتها في هذه المناطق. بل إن الأمر يرتبط في جانب كبير منه بمدى وجود جهات قادرة على بث التوعية اللازمة بفاعلية، للحد من الأخطار المحتملة لهذه الذخائر، وقادرة أيضاً على تقديم المساعدة الطبية اللازمة للأفراد المصابين، ليتمكنوا من تجاوز آثار هذه الإصابات البدنية والنفسية.

في عام 2015، وفي ذروة انتشار الإصابات بالذخائر غير المنفجرة في منطقة درع الفرات، أدركت بعض المنظمات ضرورة العمل على نشر حملات التوعية للتنبيه على الأخطار المرتبطة بالألغام، كما قام بعضها أيضاً بتقديم الدعم للمصابين بها. ونظراً للخبرة التي يمتلكها بعض الفاعلين في إزالة الألغام الذين تم الإشارة لهم سابقاً، فقد كان لهم دور ملموس في نشر حملات التوعية بما أوتوا من إمكانات. فقد قامت منظمة الدفاع المدني بحملات توعية ممنهجة، لزيادة فاعلية إزالة الألغام في هاتين المنطقتين، وكان لهذه الحملات آثار إيجابية ملموسة، بتقليلها لعدد الإصابات بين المدنيين. وتم تسجيل استجابة جيدة من قبل المدنيين لهذه الحملات على أرض الواقع، الذين أدركوا المخاطر المرتبطة بهذا النوع من الذخائر غير المنفجرة. كذلك لعبت الفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني دوراً في الأنشطة المرتبطة بحملات التوعية، والندوات الثقافية، بالتعاون مع اتحاد جمعيات الفلاحين والمدارس. وكان لهذه الحملات أثر جيد في زيادة توعية المواطنين، خاصةً أنها تنفذ من قبل بعض العسكريين المختصين بالذخائر غير المنفجرة والألغام الأرضية. وهي ما تعتبر ميزة لهذه الحملات، مقارنة بحملات التوعية التي يقوم عليها بعض المدنيين، ذوي الخبرة القليلة في هذا المجال. إلا أن هذه الحملات لم تتلق الدعم اللازم، إذا ما قورنت بحملات التوعية المنفذة من قبل المنظمات الأخرى، وذلك لأسباب ترتبط بإحجام الداعمين عن التعامل مع فصائل الجيش الوطني، كجهة عسكرية داخل هذه المناطق([36]).

كذلك لوحظ نشاط واضح للمركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب (SMAC)، في منطقة درع الفرات منذ عام 2015، فيما يتعلق بالتوعية من أخطار الألغام، إذ استهدفت حملاتها: المدارس، ومخيمات النازحين، واللاجئين في دول الجوار، والتي هدفت للمساهمة في رفع الوعي حول الألغام ومخلفات الحرب، ومخاطرها وآليات الوقاية منها([37]). فقد قام المركز بتصميم كتيبات صغيرة لتنشر في إطار هذه الحملات. كذلك قام المركز بتنظيم عدد من الندوات والمحاضرات التوعوية([38]).

في السياق ذاته، شهدت منطقتي درع الفرات وعفرين وجود عدد من منظمات المجتمع المدني، الفاعلة في عمليات التوعية، تجاه أخطار الألغام، ومن بينها منظمة "بهار"، التي تنشط في منطقة عفرين منذ ثمان سنوات. إذ قامت بتنفيذ العديد من حملات التوعية للمدنيين، من مخلفات الحرب، عن طريق قيامها بجولات في القرى، والشوارع، والمنازل، مع توزيع منشورات عن آلية الإبلاغ في حال الاشتباه بوجود جسم غريب في المنطقة([39]). إلى جانب ذلك، يقوم فريق التوعية التابع للمنظمة بالمساهمة في عملية إزالة الألغام، من خلال تأشير المناطق الملوثة بالألغام وإغلاقها، والتنسيق مع فرق الهندسة التابعة للجيش الوطني، عبر إبلاغهم للقيام بمسح المنطقة وإزالتها لاحقاً([40]). كما كان لمؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، العاملة في هاتين المنطقتين، مساهمة جيدة في هذا الصدد، من خلال برنامج الحماية التي تعمل عليه المؤسسة، والذي تقوم من خلاله بتدريب أعضاء الفرق الجوالة ضمن هذه المناطق، على نشر التوعية من مخلفات الحرب، باستخدام البروشورات والكتيبات التوضيحية في القرى والبلدات ومخيمات النزوح الداخلي. 

كذلك لوحظ تواجد للمنظمة الإنسانية لمكافحة الألغام التركية (IMFAD) في منطقة درع الفرات، منذ يناير/كانون الثاني 2019، بمشروع توعوي يستهدف 6000 شخص، 95% منهم أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين (6-17) سنة، إلى جانب 5% من البالغين، بما في ذلك قادة المجتمع، والإداريون، وموظفو المؤسسات والمنظمات غير الحكومية، من أجل زيادة الوعي بالمخاطر التي تسببها الألغام والذخائر غير المنفجرة، لمنع تعرضهم للأذى بسبب هذه المخاطر([41]).

في جانب الدعم الصحي المقدم لمصابي مخلفات الحرب، فإن الملاحظ غياب البرامج والمناهج المختصة لرعاية مصابي الحرب في هاتين المنطقتين، ويقتصر تقديم الدعم الطبي لهم على مراكز ومؤسسات طبية غير معنية بهم بشكل أساسي، بالإضافة إلى منظمات خصصت جزءاً من عملها للعلاج الفيزيائي ورعاية المتضررين، بشكل لا يتناسب والحاجة الفعلية لهذه الخدمات الطبية. إذ تعد مشكلة قلة مراكز العلاج الفيزيائي من أبرز المشكلات التي يعاني منها المصابون بمخلفات الحرب، الذين تتفاوت إصابتهم بين الخفيفة والمتوسطة، والإعاقات الدائمة التي تحتاج لرعاية طبية طويلة الأمد. 

وفيما يرتبط بالدعم المقدم لهذه الشريحة من الأفراد، فقد كان لمركز الخطوات السعيدة في مخيّم باب السلامة على الحدود السورية التركية دور هام في مساعدة مبتوري الأطراف في الشمال السوري، كونه كان المركز الوحيد في منطقة أعزاز لتقديم الأطراف الصناعية المجانية للمصابين، وما يزال المركز يقدم خدماته، بما يتوفر لهم من الدعم والتدريب، لخدمة سكان المنطقة([42]). ونشط أيضاً مركز "في أيد أمينة" في تقديم الدعم، عن طريق رفع أسماء المصابين والمتضررين للمنظمات الدولية والحكومة التركية، وقد تمكن من إجراء بعض العمليات الجراحية للمتضررين في أعينهم.

كذلك كان للمجالس المحلية لمناطق درع الفرات إسهام في هذا الصدد، فقد قدم المجلس المحلي لبلدة جرابلس بالتعاون مع الحكومة التركية بالإعلان عن مشروع خيري وإنساني للمتضررين من مخلفات الحرب. تم التركيز من خلاله على تركيب الأعضاء المبتورة كالأرجل والأيدي، يضاف إلى ذلك قيامه بجمع أسماء المتضررين وتسجيلها، عبر مكتبه الإغاثي، لتقديم العلاج لهم في تركيا([43]). وبتاريخ 13-12-2019 افتتحت الرابطة الطبية للمغتربين السوريين "سيما" بالتعاون مع شركاء عدة، مركزاً للأطراف الصناعية في مدينة الباب([44])، لإحياء هذا الجانب الخدمي، ومساعدة فاقدي الأطراف، لإعادة تأهيلهم جسدياً ونفسياً، بشكل مجاني، وتلبية لحاجة السكان والنازحين لخدمات إعادة التأهيل، وتركيب الأطراف الصناعية، التي تخفف عن فاقدي الأطراف صعوبات التنقل لمراكز بعيدة لتلقي العلاج([45]).

توصيات ختامية

مثلت الذخائر غير المنفجرة بما فيها الألغام الأرضية عبر الأعوام الماضية أحد العوامل التي حدّت نسبياً من أنشطة التعافي الاقتصادي المبكر، في مناطق درع الفرات وعفرين. وأفرزت كذلك العديد من التداعيات السلبية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان، سواء من تعرض منهم للإصابة بهذه المخلفات بشكل مباشر، أم حتى أولئك الذين شكلت هذه الذخائر تهديداً أمنياً على حياتهم وعلى سبل عيشهم.

إن المتتبع للجهود المبذولة لإزالة هذا النوع من الذخائر عبر الأعوام الماضية، يلحظ بشكل واضح غياب التنسيق بين الجهات الفاعلة في هذا الإطار. سواء من ناحية تكوين جهة واحدة، يعهد إليها استلام هذه المهمة، تكون قادرة على تصدير أرقام فعلية لما تم إزالته وما هو متبقٍ من الذخائر غير المنفجرة، أم من ناحية تنسيق جميع الجهود والإمكانات والخبرات المحلية واستثمارها بشكل فاعل، لتنظيف هاتين المنطقتين بشكل كامل، من هذه الذخائر، مع غياب الدعم الدولي اللازم في هذا الجانب لأسباب سياسية. وبالتالي لا بد من العمل على تشكيل لجنة عابرة للمجالس والمنظمات، لتنسيق الجهود وحوكمتها في هذا الإطار بما يسهم في معالجة هذا الملف بشكل فاعل.

 أضف إلى ذلك أن حملات التوعية التي تتم في هذا الصدد لم تحقق تلك الفاعلية المطلوبة، لأسباب ترتبط بقلة عدد المنظمات المهتمة بهذا الجانب، واقتصارها على عدد محدود جداً. إلى جانب غياب التنسيق بين المنظمات، ووكالات الإعلام، والجهات العاملة، والمجالس المحلية، لتنظيم حملات إعلامية كبيرة، تستهدف جميع السكان المحليين، والقاطنين في مخيمات النزوح الداخلي، أو القادمين إلى هذه المناطق من خارجها. وبالتالي لا بد من العمل على تكاتف جهود كلّ الجهات المعنية بمختلف إمكاناتها وخبراتها، في ظل غياب الخرائط التي تحدد مواقع هذه الألغام، وهو ما يمثل تحدٍ بحد ذاته لهذه الجهات، وما يتطلبه من جهد ووقت طويل لإزالتها، ومدى القدرة على توفير الدعم الكافي لإنجاز هذه المهمة.    

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن توفير الدعم الطبي والنفسي والمادي للمتضررين من هذه الذخائر يعد متطلباً أساسياً للتعافي المبكر ضمن المجتمعات المحلية، وهو الشيء الذي ما تزال تفتقده نسبة كبيرة منهم. لتكون هذه الشريحة من الأفراد قادرة على تجاوز آثار هذه الإصابات، التي لا يستطيع الغالبية منهم تغطية تكاليفها المرتفعة. وبالتالي لا بد من تضافر جميع الجهود لاستجرار الدعم الدولي اللازم لتنفيذ برامج رعاية طبية طويلة الأمد، وتوفير جميع مستلزماتها. بما يمّكِن المتضررين من ممارسة حياتهم الطبيعية، والتعافي من هذه الآثار. 

 


 

([1]) الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 10-12-2020: https://bit.ly/2SF2Ek9

([2]) محمد طارق، الأمم المتحدة: الألغام ومخلفات الحرب تهدد حياة 10 ملايين سوري: متحدث أممي دعا أطراف النزاع في سورية للسماح بإزالة مخلفات الحرب من المتفجرات، وكالة الأناضول للأنباء، 22-07-2019: https://rb.gy/qrnnqt

([3])  Explosive Munitions in Syria -Report 3, Aleppo, Idleb, and Latakia governorates between July 2013 and May 2019, Syria Conflict Mapping Project, Support for Peace in Syria program, The Carter Center, USA.

([4]) المسطرة والليزري والحجر.. "فن الألغام" لدى "تنظيم الدولة"، جريدة عنب بلدي، 09-03-2017: https://bit.ly/3dTd5YZ

([5]) أين يزرع "داعش" ألغامه، جريدة عنب بلدي، 09-03-2017: https://bit.ly/2QreVYv

([6]) لا توجد أرقام موثقة لحصيلة القتلى بسبب هذه الألغام، إلا أنها تقدر بالعشرات، إضافة إلى وجود الكثير من حالات الإعاقة التي تسببت بها لسكان هذه المنطقة، وفقاً لبعض التقارير الميدانية من هذه المناطق خلال الأعوام الماضية.

([7])  الجيشان التركي و"السوري الحر" يواصلان إزالة الألغام في عفرين، موقع شام، 09-05-2018: https://rb.gy/mjxmzp

([8])  تفكيك مئات العبوات الناسفة وعشرات الألغام في عفرين، موقع بلدي نيوز، 01-05-2018: https://rb.gy/ykaxyf

([9])  مداخلة مجدولة لـلسيد هشام اسكيف من إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني، تم إجراؤها في جلسة مناقشة نتائج الورقة البحثية في مدينة غازي عنتاب بتاريخ: 09-12-2020.

([10])  سورية/تركيا – ألغام أرضية تودي بحياة المدنيين الفارين من كوباني، هيومن رايتس ووتش، -04-12-2020: https://rb.gy/noqqzm

([11]) Thousands of landmines planted along Turkish-Syrian border, Middle East Monitor, 10-01-2014: https://rb.gy/rsdov5

([12]) انضمت تركيا إلى اتفاقية حظر الألغام في 2003، وهي ملزمة كدولة طرف، بضرب نطاق حول جميع المناطق الملغومة، ورصدها، وتسويرها في أقرب موعد ممكن، "لضمان استبعاد المدنيين على نحو فعال. كما أنها كانت ملزمة بموعد نهائي مبدئي في مارس/آذار 2014، لرفع جميع الألغام، إلا أنها حصلت على تمديد حتى مارس/آذار 2022. وصرحت وزارة الدفاع التركية أنها أوقفت في عام 1998 زرع الألغام الأرضية، وبدأت أنشطتها في العام نفسه لإزالة الألغام الأرضية، التي تم زرعها على حدودها مع سورية. 

([13]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة لدى منظمة الدفاع المدني محمد سامي المحمد، بتاريخ: 18-09-2020.

([14]) قامت المنظمة بتدريب 6 فرق، مكونة من 72 عنصر مؤهل، للتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، موزعةً بين ريف حماة وإدلب ومنطقة درع الفرات وعفرين منذ 2016 حتى الوقت الحاضر. 

([15]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة في الدفاع المدني السوري، مرجع سابق.

16 لغم أرضي يودي بحياة 3 من متطوعي "الخوذ البيضاء"، زمان الوصل، 14 كانون الأول 2019: https://www.zamanalwsl.net/news/article/118887/

([17]) من مقابلة تم إجراؤها مع منسق ملف الذخائر المنفجرة في الدفاع المدني السوري، مرجع سابق.

([18]) الجيش الحر يواصل نزع ألغام "داعش" من ريف حلب الشمالي، وحدة تفكيك الألغام فككت أكثر من 5 آلاف لغم وعبوة ناسفة، منذ تحرير مدينة جرابلس، وكالة الأناضول للأنباء، 27-12-2016: https://cutt.ly/YbigJnc

([19]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد عناصر الجيش الوطني السوري، بتاريخ: 25-09-2020.

([20]) الدرك التركي يدمر 10 آلاف جسم متفجر في بلدة "جوبان باي" السورية، موقع Yeni Şafak، 26 ديسمبر2017: https://bit.ly/3aH2C15

([21]) عمر قوباران، الجيشان "التركي" و"السوري الحر" يواصلان إزالة الألغام في "عفرين"، وكالة الأناضول للأنباء، 09.-05-2018: https://bit.ly/3edJzxA

([22]) كرم قوجه لر، عزت ماضي، "عين الأناضول" ترصد أنشطة "صيادي الألغام" على الحدود السورية، وكالة الأناضول، 22.06.2020 : https://bit.ly/37o1y0R

([23]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد عناصر الجيش الوطني، مرجع سابق.

([24]) حسن مطلق، مركز ناشئ يزيل الألغام ومخلفات الحرب شمال سورية، جريدة عنب بلدي، 12-03-2017: https://cutt.ly/2biuF0u

([25])مزارعو ريف حلب يحجمون عن الموسم.. الألغام لا ترحم، جريدة عنب بلدي، 2017-10-29 : https://rb.gy/v0ncj3 ,

([26]) مصطفى أبو شمس، تنظيم الدولة ينسحب مخلفاً الألغام، مجلة عين المدينة، 05-03-2017: https://cutt.ly/xbilt2P

([27]) سورية من أسوأ دول العالم في كمية الألغام المزروعة منذ عام 2011 على الرغم من حظر القانون الدولي استخدامها، تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان،  10-12-2020: https://bit.ly/3nmW6AV

([28]) الألغام غير المنفجرة ما تزال تدمّر حياة الأطفال في شمال وشرق سورية، موقع مركز توثيق الانتهاكات في شمال سورية، 10-04-2019: https://bit.ly/2RmEREo

([29]) عمر قوباران، إصابة طفلين شمالي سورية إثر انفجار لغم من مخلفات "داعش، الانفجار وقع في مدينة الباب بحسب مصادر محلية، وكالة الأناضول للأنباء، 29-06-2020: https://bit.ly/3aGseei

([30]) نور عبد النور وآخرون، مصابو الحرب في سورية .... ضحايا على قيد الحياة، جريدة عنب بلدي، 12-08-2018: https://bit.ly/3eDwcp8

([31]) ""monitorينشر تقريراً عن ضحايا الألغام في سورية، موقع السوري اليوم، 12-04-2021: https://bit.ly/3e7Vr46

([32]) تتراوح كلفة إنتاج لغم مضاد للأفراد بين (3 -30) $، بينما كلفة تعطيله او نزعه بين (300 -1000) $، وهذا بدوره يستنزف الاقتصاد المحلي، ما لم يتم الاتفاق على خطة دولية للعمل عليه.

([33]) مزارعو ريف حلب يحجمون عن الموسم.. الألغام لا ترحم، مرجع سابق.

([34]) ريف حلب.. إزالة 400 لغم من مخلفات التنظيم في "أخترين"، جريدة زمان الوصل، 30-01-2017: https://cutt.ly/cbuKC11

([35])  حسين الخطيب وحفصة جودة، موسم الزيتون في سورية.. تراث قديم ومصدر رزق ولكن، موقع نون بوست، 08-11-2018: https://rb.gy/3kgeha

([36]) في مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع أحد العناصر في الجيش الوطني، مرجع سابق.

([37]) للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت، http://www.syrmac.org/

([38]) “المركز السوري للألغام” يبدأ حملة لتوعية أطفال مدارس حلب، جريدة عنب بلدي، 09-05-2017: https://bit.ly/2RgdVpZ

([39]) للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت: https://bahar.ngo/home

([40]) من مقابلة تم إجراؤها عبر الهاتف مع مدير المكتب الإعلامي في منظمة بهار أمير خربوطلي بتاريخ:  20-09-2020.

([41])  للاطلاع أكثر يمكنك زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت، https://www.imfad.org/

([42]) لبنى سالم، أطراف صناعية محلية... سوريون يأملون بأيدٍ وأرجل بديلة، موقع العربي الجديد، 21-03-2017: https://bit.ly/3gVXQ3G

([43]) مشروع لتركيب أعضاء لمبتوري الأطراف شمالي حلب، جريدة عنب بلدي، 25-09-2017:  https://enabbaladi.net/archives/174867

([44]) يعد هذا المركز أحد فروع المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية، المنشأ في عام 2013، في مدينة الريحانية جنوب تركيا، وذلك بدعم من الرابطة الطبية للمغتربين السوريين سيما ومجموعة من الشركاء.

([45]) "سيما " تفتتح مركزاً للأطراف الصناعية في ريف حلب الشمالي، موقع سيما العالمية، 14-12-2019: https://bit.ly/339yAyS

 

التصنيف أوراق بحثية

بتاريخ 8 شباط 2021 استضافت إذاعة وطن أف أم نوار شعبان الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في مركز عمران ضمن حلقة حملت عنوان "مستقبل الملف الأمني في سورية.. أسباب وحلول"، والتي تحدث بها عن مشروع مركز عمران " مؤشرات الاستقرار الأمني في سورية وارتباطه بعودة اللاجئين والنازحين".

كما أوضح شعبان ماهية البيئة الأمنة في جميع مناطق السيطرة في سورية ومدى تأثير الفلتان الأمني في تلك المناطق على عودة اللاجئين.

رابط المقابلة: http://bit.ly/2Z9PNGl

رابط الأوراق البحثية: http://bit.ly/2J4iYWV

الخميس, 17 كانون1/ديسمبر 2020 02:32

واقع العلاقات المدنية العسكرية في سورية

مقدمة

تتفق جل الأدبيات المتعلقة بحقل العلاقات المدنية العسكرية بأنها خضوع القوات المسلحة لقيادة مدنية ديمقراطية، وهي عملية معقدة تتطلب إصلاحاً تشريعياً شاملاً، وإصلاحاً للقطاع الأمني بأكمله، وإجراء العدالة الانتقالية، وبناء المؤسسات الديمقراطية، وتعميقاً للمثل للديمقراطية، فالعلاقات المدنية العسكرية سلسلة طويلة متعددة الحلقات والمراحل ومتشابكة مع التحول الديمقراطي، وليست منفصلة عنه، وهي جوهرة التاج في التحول الديمقراطي في الواقع؛ ولذلك فإن أدق مرحلة في التحول الديمقراطي لأي دولة هي إدارة العلاقات المدنية العسكرية، فإن لم تُحسن إدارة هذا الموضوع المتشابك والمعقد فإنه بمثابة إعلان عودة إلى الحالة السلطوية التي كانت عليها قبل عملية التحول الديمقراطي، وبالتالي تعطيل كل استحقاقات التحول، وعلى رأسها عودة اللاجئين والنازحين، وانخراطهم ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

تدفع العلاقة العضوية بين البيئة الآمنة - وما تتطلبه من سياسات معززة للعلاقات المدنية العسكرية - وملف العودة الكريمة والطوعية باتجاه البحث المستمر عن مؤشرات تلك البيئة في الجغرافية السورية التي تتقاسمها قوى وفواعل متباينة، واختبار جهوزيتها لتنفيذ الاستحقاقات السورية المؤجلة، وفي ظل غياب "المرحلة السياسية الجديدة" بحكم الاستعصاء الذي تشهده العملية السياسية وما رافقه من "تجميد حذر" في المشهد الميداني الذي أفرز "أنماط حكم متباينة" تدعمها قوى دولية وإقليمية، فإن قياس تلك المؤشرات سينعكس على الحالة المُتشكلة ضمن تلك الأنماط؛ ومن هنا تستمد الورقة إشكاليتها في اختبار جهوزية البيئات الأمنية في المناطق التي تتحكم بها تلك الأنماط، وتبيان أثر نتائج هذا الاختبار على استحقاق العودة الآمنة، لتركز على تساؤل مركزي إلى أي مدى يشكل واقع العلاقات المدنية العسكرية عاملاً دافعاً لعودة اللاجئين.

وإذ تركز الورقة على مناطق سيطرة النظام بشكل مكثف، فمرد ذلك تبيان ملامح واقع العلاقات المدنية العسكرية فيها باعتبار أن النظام يسيطر على الدولة (قانونياً ومؤسساتياً) من جهة، وبحكم أن مقارباته الأمنية هي موضع الاهتمام، وسيكون لها أثر في تحديد الانطباع العام لمستقبل العلاقات المدنية العسكرية وتأثيرها على عودة قرابة ستة ملايين لاجئ ومثلهم نازح؛ ورغم ذلك تطل الورقة على تلك المؤشرات في مناطق خارج سيطرة النظام نظراً لما أفرزته حالات الاستقرار الهش في المشهد الميداني ولاختبار إمكانية توفر بيئات آمنة للعودة.

لقراءة المادة انقر هنا

التصنيف الكتب

تمهيد

يُشكل ملف التهجير والنزوح المحلي واللجوء الخارجي عبئاً وتحدياً على البُنية الأمنية في سورية. فمن جهة أولى ما يزال التعثر دون استراتيجية متكاملة سمة سلوك الفاعلين الرئيسيين (المعنيين بدفع العملية السياسية) في تذليل أسباب هذه الهجرة سواء تلك المتعلقة بغياب المناخات الآمنة للوجود أم المرتبطة بانتفاء مساحات التفاعل والتمكين والأمان المحلي. ومن جهة ثانية ما استلزمه هذا الملف من تحديات أمنية مرتبطة بتوفير بيئات خدمية آمنة تستجيب لمتطلبات المهجرين، أو لجهة ثالثة مرتبطة بعدم توحيد الجهود المحلية أو الدولية في إطار العملية السياسية لتبني حزم إجراءات تدفع باتجاه برامج "العودة الكريمة".  وفي حين أنه ما تزال أيضاً تغيب تلك الاستراتيجيات عن الفواعل الأمنيين بحكم التحديات والمهددات المتنوعة التي تشهدها تلك المناطق، أو بحكم تدخلهم السلبي وغير الداعم لجهود الإغاثة والتنمية والاستجابة المبكرة والتعافي الأمني.

وإذا ما ربطنا مدى ارتباط الاستقرار الأمني بنجاعة الأدوار التي يلعبها "القطاع الأمني"، الذي تأثر بشكل بنيوي ووظيفي بتعدد أنماط الحكم الأمني في سورية من جهة، وتفاوت الأداء الحوكمي فيها من جهة ثانية، وأثر كل ذلك على عودة اللاجئين والنازحين؛ فإنه تبرز إشكالية هذه الورقة والمتمثلة بتلمس كافة المعطيات الدالة على البيئة الآمنة الدافعة باتجاه إبراز التحديات وإنجاز الاستحقاقات الوطنية بالطريقة المانعة لعودة تأجيج الصراع. ومن هذه الإشكالية تتبلور أسئلة عدة تحاول الورقة الإجابة عنها مثل: ما واقع البيئات الأمنية المتشكلة، وما مقاربة النظام وحلفائه لاستحقاق البيئة الآمنة، وصولاً لسؤال متعلق بملامح الرؤية العامة والوطنية لمفهوم البيئة الآمنة ضمن السياق السوري.

يمكن عد هذه الورقة خلاصة مشروع بحثي كامل أطلقه المركز في هذا الخصوص منذ بداية عام 2020، سعى من خلاله إلى تسليط الضوء على هذه الإشكالية من زوايا عدة؛ ترتبط الأولى بمنظور اللاجئين لقضية العودة وارتباطاتها الأمنية، وتتعلق الزاوية الثانية بمفهوم العلاقات المدنية الأمنية باعتباره الناظم القانوني والمؤسساتي والحوكمي للبيئة المستقرة والآمنة، بينما تم التركيز في الزاوية الثالثة على المؤشرات الأمنية التي تؤثر على حياة المواطن بشكل عام، فتم رصد كافة العمليات الأمنية المتعلقة بالاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والخطف في عموم سورية. كما استندت الورقة إلى مجموعتي تركيز تم عقدهما في الداخل السوري، في مناطق استردها النظام بعد عام 2018، وذلك لاختبار مقاربته حول الاستحقاقات الوطنية إضافة لورشة حوارية ومقابلات فردية في تركيا.

لقراءة المادة انقر هنا

التصنيف الكتب