Print this page

ملخص تنفيذي

  • أثرت الحملة العسكرية التي تشنها قوات النظام وميليشاته والقوات الروسية في ريف إدلب على أنشطة التعافي المبكر بشكل سلبي خلال الفترة المرصودة (1 تموز حتى 31 كانون الأول 2019 )، وساهمت في زيادة أعداد النازحين بسبب القصف والحملة العسكرية، ومع بداية عام 2020 خرجت العديد من المناطق عن سيطرة المعارضة في ريف إدلب الجنوبي مثل جرجناز وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب وباتت تهدد خطوط متقدمة في عمق إدلب وصولا إلى الحدود السورية التركية وسقطت عندان وحريتان وحيان وبيانون وكفر حمرة ومعارة الأرتيق في ريف حلب الغرب وهو ما مكن النظام من السيطرة على الطريق الدولي دمشق - حلب (إم 5).
  • أظهرت البيانات أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب في الفترة المرصودة نحو 568 مشروع، وتركزت معظم المشاريع في قطاعات النقل والمواصلات والنزوح الداخلي والمياه والإسكان والتعمير، وحازت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بمقدار 399 مشروع، مقابل 169 مشروع في إدلب وريفها.
  • تظهر البيانات بين النصف الأول والثاني من 2019 ارتفاع مؤشر التعافي المبكر في المنطقة بدعم من مشاريع النقل والمواصلات والنزوح الداخلي، بعد نزوح أعداد كبيرة من الأهالي من ريف إدلب الجنوبي جراء الحملة العسكرية على مناطقهم، حيث ارتفع عدد المشاريع المنفذة خلال النصف الثاني في قطاع النزوح الداخلي إلى 90 مشروع عن 10 مشاريع في النصف الأول.
  • على الرغم من المعيقات الموضوعية التي تفرضها الهيكلية الإدارية المضطربة في مناطق المعارضة؛ تمكنت المجالس المحلية عبر حالتها التنظيمية من تأسيس شركات مساهمة واستجرار الكهرباء والسلع والخدمات الضرورية، فيما لا تزال تلك المجالس تحتاج لحقن كوادرها بكفاءات ومختصين قادرين على قراءة الواقع وحل الأزمات الاقتصادية للنهوض بالمنطقة؛ كما تمكنت المجالس المحلية والفعاليات المدنية العاملة من خلق نحو 224 فرصة عمل في المنطقة، وتوقيع 19 مذكرة تفاهم في القطاعات الاقتصادية المرصودة.
  • من بين نقاط القوة التي بيّنها التقرير إيصال الكهرباء للعديد من القرى والمدن عقب توقيع مذكرات تفتهم لاستجرار الكهرباء من تركيا. فضلا عن الاستجابة السريعة للنازحين والعمل على خدمتهم بشكل جديد.
  • أوصى التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر وتنسيق جهودها بشكل أوثق للمحاولة لدفع عملية الاستثمارات وترسيخ حالة الاستقرار أكثر في المنطقة.

حول التقرير: المنهجية والأدوات

استكمل التقرير التالي رصد عملية التعافي المبكر في مناطق المعارضة خلال النصف الثاني من عام 2019 بين تموز وكانون الأول، بعد رصد النصف الثاني من عام 2018 والنصف الأول من عام 2019، بغرض تشخيصها وتتبع أنشطتها وعمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها، وبالتالي خلق اتجاه (Trend) يمثل قراءة شاملة للعملية برمتها ومفصلة للقطاعات الاقتصادية، بالشكل الذي يفيد رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي.

وتتأتى أهمية هذا التقرير من محاولته تلمس أثر التعافي المبكر وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق وإحصاء نشاطات المجالس المحلية، ويفتح التقرير المجال نحو انعكاس هذه المرحلة على مستوى معيشة السكان والثغرات التي تعاني منها القطاعات الاقتصادية في المجتمع وأخيراً توجيه الدعم لسد تلك الثغرات. ويهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:

  • تشخيص واقع عملية التعافي الاقتصادي المبكر داخل سورية من حيث حركية الأعمال والنشاطات في القطاعات الاقتصادية وحجم فرص العمل الموفرة ومذكرات التفاهم الموقعة.
  • تتبع أنشطة التعافي المبكر في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية.
  • عمل مقارنة بين المناطق للوقوف على مستوى التعافي المبكر فيها.
  • إبراز نقاط القوة والضعف في المنطقة وفق واقع عملية التعافي المكبر الذي يبينه التقرير.
  • رسم تصورات مستقبلية لاتجاه عملية التعافي الاقتصادي المبكر ومداها الزمني بشكل مرحلي.

شملت عملية الرصد مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النازحين داخلياً.

تم اتباع عدة أدوات في إطار عملية الرصد ممثلة بـ1) مكاتب المنتدى السوري المنتشرة في المناطق المحررة بإدلب وريف حلب وهي خمسة مكاتب؛ 2) متابعة المعرفات الرسمية للمجالس المحلية على الفيس بوك والتليغرام؛ 3) متابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها على الفيس بوك وتقاريرها الدورية؛ 4) متابعة التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى ذات الشأن في سورية والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة.

من بين المجالس المحلية التي تم رصدها في محافظة إدلب: معرة النعمان، كفرنبل، بداما، أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور؛ وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران، الأتارب. أما المنظمات والمؤسسات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، هيئة ساعد الخيرية، لجنة إعادة الاستقرار، منظمة شفق، منظمة بنفسج، منظمة IHH، منظمة بنيان، تكافل الشام، منظومة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية، الدفاع المدني السوري، وحدة تنسيق الدعم، لجنة إعادة الاستقرار، منظمة التنمية المحلية، منظمة بنيان، منظمة رؤية العالمية، منظومة وطن، منظمة عطاء الخيرية، الرابطة الطبية للمغتربين السوريين، المؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، تكافل الشام، حكومة الإنقاذ، مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية، مؤسسة بناء للتنمية، مؤسسة يدا بيد للتنمية، اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، منظمة اقرأ الخيرية، منظمة رحمة بلا حدود، غراس النهية، مؤسسة قطر الخيرية، منظمة المساعدة السورية، منظمة نقطة، منظمة مضمار، مديرية صحة إدلب، مديرية تربية إدلب، الاستجابة الإنسانية.

يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

القطاع

النشاط /القرار

الخدمات الاجتماعية

·         ترميم وتعديل وصيانة وبناء المدارس والروضات والجامعات والمشافي والحدائق والملاعب والمرافق الإدارية العامة.

·         تنظيف وإزالة النفايات والأنقاض من شوارع المدينة.

·         تجميل أرصفة وطرقات المدينة.

النقل والمواصلات

·         ترميم وتعبيد الطرق في المداينة وخارجها بالبحص والاسفلت.

·         ترخيص المركبات، وتسجيل شهادات السواقة.

الكهرباء

·         ترميم وتعبيد وإصلاح أعمدة وشبكة الكهرباء.

·         تركيب أعمدة وكابلات وشبكة كهرباء.

·         تركيب أعمدة وأضواء تعمل على الطاقة الشمسية.

الماء والصرف الصحي

·         ترميم وتعديل وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي.

·         تمديد شبكات المياه والصرف الصحي.

الإسكان والتعمير

·         ترميم وتأهيل وبناء المنازل والأسواق والمحال التجارية.

·         ترخيص بناء سكني وتجاري (اعتبر البيان الذي يحوي على ترخيص لعدة مساكن أو أبنية على أنه بيان واحد).

·         تنفيذ أعمال العزل وإزالة الأنقاض.

·         مناقصات مشاريع ترميم المنازل.

الزراعة والثروة الحيوانية

·         مشاريع الزراعة ومنح دعم المزارعين بالبذار والمحاصيل والأسمدة والأدوية والأعلاف.

·         تلقيح الأغنام والأبقار.

·         طرح أراضي زراعية للأجار عن طريق المزايدة.

التمويل

·         القروض الحسنة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.

·         النقد مقابل العمل.

·         دعم النفقات التشغيلية.

·         دعم المشاريع التجارية الصغيرة.

·         منح مالية للمجالس المحلية.

الصناعة

·         استدراج عروض لتصنيع أدوات ومعدات.

·         المشاغل والمعامل والمصانع.

التجارة

·         مناقصات لتزويد المجلس بالمياه والمازوت ومواد القرطاسية والطباعة.

·         مزايدة لتأجير محال وأكشاك وأراضي.

·         طرح أصول للاستثمار.

النزوح الداخلي

·         تأهيل المخيمات.

·         تعبيد الطرقات داخل المخيمات.

·         توريد مواد للمخيمات.

·         إنارة الطرق في المخيمات.

·         مشاريع للمياه والصرف الصحي والكهرباء في المخيمات.

الاتصالات

·         ترميم وإصلاح شبكة الاتصالات.

·         تمديد شبكة اتصالات.

 

واجه الراصد عدة صعوبات تمثلت في بعدين مهمين؛ البعد الأول متعلق بتأزم الأوضاع العسكرية في إدلب من جهة، وهو ما أسهم في تأخير عملية جمع المعلومات واهتمام المجالس والمنظمات بنشاطات الإغاثة. والبعد الثاني مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيلها لكل أعمالهم ونشاطاتهم على معرفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصل عند نشرها، ناهيك عن عدم التمكن من الحصول على البيانات المتعلقة بالقطاع الخاص كما يجدر التنويه إلى أن المجالس المحلية لم توثق جميع مذكرات التفاهم المعقودة مع المجالس المحلية، وأن عدد فرص العمل المعروضة في التقرير هي المنشورة في المعرفات المرصودة مع التأكيد أن هذا العدد قد لا يعبر عن الرقم الحقيقي لفرص العمل بسبب تغييب القطاع الخاص والصعوبات التي واجهها الراصد.

أولاً: مؤشرات التعافي المبكر في النصف الثاني من عام 2019

تبين البيانات في الشكل رقم (1) توزع المشاريع على القطاعات المرصودة على منطقتي ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب، حيث تظهر أن النسبة الأكبر للمشاريع المنفذة كانت ضمن قطاعات النقل والمواصلات (123 مشروع) بارتفاع بنسبة 95% عن النصف الأول من 2019، وقطاع النزوح الداخلي (90 مشروع) وقطاع والمياه والصرف الصحي (87 مشروع) بارتفاع بنسبة 107% عن النصف الأول، والإسكان والتعمير (86 مشروع) بارتفاع بنسبة 79% عن النصف الأول. فيما حلت قطاعات الصناعة والتمويل والاتصالات والكهرباء في مراتب متأخرة، واللافت للانتباه هنا ارتفاع حجم قطاع التجارة والنزوح الداخلي عن النصف الأول، إذ حلت عدد المشاريع المنفذة لصالح النازحين في المرتبة الثانية (90 مشروع) بينما كانت في المرتبة قبل الأخيرة في النصف الأول بواقع 10 مشاريع فقط، أما في قطاع التجارة فقد ارتفع عدد المشاريع المنفذة من 24 في النصف الأول إلى 54 في النصف الثاني.

فيما يظهر الشكل رقم (2) توزيع المشاريع على المناطق بتنفيذ 399 مشروع في ريف حلب الشمالي والشرقي بنسبة 70%، وحازت محافظة إدلب وريفها على 169 مشروع بنسبة 30% مرتفعة عن النصف الأول من العام الحالي لسببين: ارتفاع نسبة المشاريع المنفذة لصالح النازحين داخليا من ريف إدلب وريف حماة في المخيمات للتحضير لفصل الشتاء، والسبب الآخر متعلق باعتماد المنظمات والمؤسسات على نظام المناقصات في تنفيذ المشاريع المتنوعة لتوريد الوقود ومياه الشرب وتنظيف الحفر الفنية وتوريد قرطاسية للمدارس وطباعة مناهج تعليمية واحتياجات أخرى حفزت التجار على التقدم للمناقصات المعروضة بهدف التربح.

ويشكل مفصل أكثر يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصود حيث مدينتي الباب واعزاز في المرتبتين الأولى والثانية بـ 99 و 90 مشروع على التوالي لتحافظ كلا المدينتين على مرتبتيهما مقارنة بالنصف الأول من العام 2019، مدفوعة بزخم المشاريع في قطاعي الإسكان والتعمير والنقل والمواصلات فيما قفزت إدلب إلى واجهة المدن التي شهدت أعمالا ونشاطات متنوعة في قطاعات التجارة والنزوح الداخلي بالدرجة الأولى.

فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات في كل قطاع، والدور التشريعي الذي تلعبه في قيادة القطاع نحو مزيد من المأسسة والتنظيم. وقد حاز قطاع التجارة والزراعة والثروة الحيوانية على المرتبة الأولى والثانية بواقع 15 و 14 قرار على التوالي. متفوقة على قطاعي النقل والمواصلات والتجارة في النصف الأول من 2019.                                                                           

يظهر الشكل رقم (5) بشكل جليّ الأثر الذي خلفته الزيادة في المشاريع والأعمال والذي أثر بدوره على خلق فرص عمل أكثر فمن 262 مشروع في النصف الأول إلى 557 مشروع في النصف الثاني، وبالمثل ارتفعت أيضاً مذكرات الأعمال الموقعة من قبل المجالس المحلية مع المنظمات والمؤسسات لتنفيذ مشاريع متنوعة.

فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي يظهر الشكل أدناه تربع مدينة اعزاز بـ18 مشروع في مقدمة المدن والبلدان في تنفيذ المشاريع في هذا القطاع، الحيوي والهام، مقارنة بـ 7 مشاريع في النصف الأول، حيث يُسهم استقرار معدل تدفق المياه إلى المنازل والمشاريع في توطين السكان واستقرار معيشتهم فضلا عن رفد الواقع الاقتصادي بمزيد من المشاريع. وبينما كانت معرة النعمان في إدلب في مقدمة المدن في النصف الأول تراجعت لمؤخرة المؤشر بواقع مشروع واحد فقط وهذا يوضح حجم ما تعرضت له مدينة المعرة ومجلسها المحلي بسبب الحملة العسكري عليها، وسقوطها لاحقاً في نهاية كانون الثاني 2020. 

 

أما في قطاع الكهرباء فقد ارتفع إجمالي المشاريع عن النصف الأول من 13 مشروع إلى 22 مشروع في النصف الثاني، استحوذت مدينة مارع في ريف حلب الشمالي على أكثر المشاريع استعداداً لتغذيتها بالكهرباء من شركة تركية بالتعاون مع "شركة الشمال المساهمة للكهرباء" المحلية، حيث تركزت المشاريع في تأهيل البنية التحتية وصيانة الأضرار في الشبكة المحلية وتشغيل المحطة الرئيسية للكهرباء.

 

بالنسبة لقطاع النقل والمواصلات والذي سبق وحاز على أغلب المشاريع المنفذة في النصف الأول من بين القطاعات الأخرى، حافظ هذا القطاع في النصف الثاني على صدارة المشاريع مرتفعاً من 63 مشروع في النصف الأول إلى 123 مشروع في النصف الثاني ما نسبته 95%، وبقيت مدينة اعزاز صاحبة المرتبة الأولى بين المدن والبلدات المرصودة بواقع 51 مشروع عن 21 مشروع في النصف الأول. وفي المرتبة الثانية والثالثة حلت صوران وأخترين بواقع 20 و11 مشروع على التوالي. والملاحظ ارتفاع الاهتمام بهذا القطاع الاستراتيجي الذي يلعب دوراً محورياً في عملية نقل السلع والخدمات بما يعزز عملية التبادل التجاري بين بعضها من جهة وبينها وبين المدن التركية الحدودية من جهة أخرى، فضلا عن الأهمية التي تشكلها الطرق في تنقل المواطنين بسهولة ويسر بين القرى والمدن. 

 

وبالنظر إلى قطاع الإسكان والتعمير الذي حاز على المرتبة الثالثة من حيث حجم المشاريع المنفذة بين القطاعات المرصودة، بواقع 86 مشروع مرتفعا عن 48 مشروع في النصف الأول. ولا تزال مدينة الباب حاضرة في المرتبة الأولى بـ 61 مشروع في حركية البناء السكني والتجاري، علماً أنه تم تنفيذ 34 مشروع في المدينة بالنصف الأول. الملفت للنظر في هذا القطاع جحم التفاوت بالمشاريع بين مدينة الباب والمدن والبلدات الأخرى فبين المرتبة الأولى والثانية هناك فارق 53 مشروع، وهو إن دل على شيء فهو يدل على حركة البناء التي تشهدها مدينة الباب على الصعيد السكني والتجاري واستمرار هذه الأنشطة سيجعل من المدينة قاطرة المنطقة في العمران وقد يؤهلها هذا للعب دور أكبر في المستقبل بعد تحرك قاطرة النمو الاقتصادي واجتذاب رؤوس الأموال إليها، والأمر الآخر يظهر التفاوت في حركية الإعمار والبناء بين المدن ويعود هذا التفاوت إلى عدة أسباب بينها استقرار الأهالي وابتعادها عن خط التماس مع النظام وانضباط الأمن فيها؛ ورؤوس الأموال المتوفرة لدى أهالي المدينة والتي تمكنهم من التشييد والبناء؛ وفرة الخدمات المتنوعة التي تلعب دور في قرار الاستقرار والبناء؛ احتوائها على منطقة صناعية تضم معامل ومصانع توفر فرص عمل ونشاط تجاري وصناعي؛ وأخيراً نشاط المجلس المحلي والمنظمات المحلية والأجنبية في المدينة.   

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 41 مشروع في المنطقة، حازت منها بلدة بزاعة على أكثر المشاريع المنفذة، بفارق الضعِف عن النصف الأول، ويُعنى هذا القطاع بتشييد المرافق العامة من مشافي ومدارس وحدائق ومجالس وملاعب ومؤسسات تعنى بالشأن العام.

على أهمية قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لا يزال يحظى باهتمام قليل مقارنة بالقطاعات الأخرى من جهة وبالأزمة المعيشية التي تعاني منها المنطقة من جهة أخرى والتي تتعلق بارتفاع أسعار معظم السلع الغذائية بشكل يضغط على تكاليف المعيشة، ومن ثم حجم ما قد يوفره قطاع الزراعة من فرص عمل. نفذ 43 مشروع خلال النصف الثاني مرتفعاً بالضعف عن النصف الأول. ومن بين الأسباب التي يمكن سوقها في سياق ضعف هذا القطاع هو ضعف قيمة الليرة وعدم استقرار سعر صرفها مقابل الدولار وهو ما يضغط على أسعار المواد الأولية الزراعية وعلى جدوى الزراعة بحد ذاتها وسط نقص الدعم للأرض والفلاح؛ هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب الحملة العسكري على ريف إدلب حلب وحالة عدم الاستقرار الأمني التي تعيشها المنطقة ساهمت في تعطيل العمل بالزراعة؛ ضعف تسويق المحاصيل الزراعية.

بالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي والذي شهد نقلة نوعية عن النصف الأول إذ ارتفعت عدد المشاريع من 10 مشاريع إلى 90 مشروع في كل من ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، ويعزى هذا إلى تنفيذ مشاريع أكبر للنازحين القادمين من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي بواقع 71 مشروع، على إثر العملية العسكرية التي يشنها النظام بالتعاون مع حلفاءه الروس والإيرانيين، وقد حاز  محافظة إدلب وريفها على الحصة الأكبر من المشاريع المنفذة، والسبب الآخر يعود إلى الاستعداد لفصل الشتاء وتأهيل البنية التحتية للمخيمات بكل ما تحتاجه تجنباً لوقوع كوارث من هطول أمطار وجريان السيول.

فيما يتعلق بقطاع التمويل والمشاريع المنفذة فيه من قبيل مشروع النقد مقابل العمل وتمويل المصاريف التشغيلية لبعض المشاريع وطرح أصول للاستثمار، فقد تم تنفيذ 17 مشروع خلال هذه الفترة وهو نفس عدد المشاريع خلال النصف الأول.

 

بقي قطاع الصناعة الأضعف على الإطلاق بين القطاعات المرصودة، بدون تغيير عن النصف الأول، إذ تم تنفيذ مشروع صناعة واحد فقط وهو الأعلاف لدعم مربي الماشية لتحسين البنية التحتية الأساسية والأصول المجتمعية الإنتاجية في مدينة الباب في ريف حلب الشمالي من قبل منظومة وطن.

أما في قطاع التجارة فهو أحد أبرز القطاعات التي شهدت نشاطاً ملحوظاً خلال هذه الفترة فمن 24 مشروع في النصف الأول إلى 54 مشروع في النصف الثاني، مدفوعة بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتقديم عروض أسعار لتوريد جملة من السلع والخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى.    

 

وفي قطاع الاتصالات بلغ عدد المشاريع المنفذة 4 مشاريع تتضمن تنفيذ تمديدات لشبكة اتصالات ومراقبة داخلية تشمل تركيب كاميرات في الطرقات والساحات العامة لأغراض أمنية.

 

عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة في الفترة الزمنية المحددة بين 1 تموز و31 كانون الأول 2019 نحو 568 مشروع موزعة القطاعات الاقتصادية المدروسة، تركزت معظم المشاريع في قطاعات النقل والمواصلات ومن ثم النزوح الداخلي والمياه والصرف الصحي والإسكان والتعمير، وحافظت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بمقدار 399 مشروع مقابل 169 مشروع في إدلب وريفها، ومن بين المناطق المرصودة حافظت مدينة الباب على الحصة الأكبر من المشاريع بواقع 99 مشروع وبعدها اعزاز 90 مشروع وإدلب 73 مشروع.

ثانياً: تحسن في مؤشرات التعافي

أظهرت المقارنة بين النصف الأول والثاني من 2019 عدد من الملاحظات لعل أبرزها تحسن في مؤشر التعافي المبكر في المنطقة المدروسة من 262 مشروع في النصف الأول إلى 568 مشروع نتيجة ارتفاع أعداد النازحين وما تطلبه من تقديم خدمات ومشاريع لهم ولباقي المخيمات، وتوضح عملية المقارنة أيضاً بين الفترة الأولى والثانية جملة من المؤشرات الأولية في القطاعات المرصودة موضحة كالآتي (انظر الشكل (15):

  • تحسن مؤشر التعافي المبكر في المنطقة مدفوعا بقطاعات محددة أسهمت في إعطاء زخم للمشاريع، بالأخص في قطاعات النقل والنزوح الداخلي؛
  • ارتفاع مساهمة التجارة والنزوح الداخلي في النصف الثاني بشكل ملحوظ لارتفاع عدد النازحين واهتمام المجالس المحلية والمنظمات العاملة بتخديم النازحين في العراء وفي المخيمات؛
  • ارتفاع عدد فرص العمل إلى 224 فرصة و19 مذكرة تفاهم بجريرة ارتفاع عدد المشارع وزحم الأعمال في المنطقة؛
  • لا تزال تركيا اللاعب المحوري في رفد عملية التعافي المبكر في المنطقة ليس من خلال منظماتها وحسب بل شهدت المنطقة دخول عدة شركات تركية من القطاع الخاص للمنطقة ورفد عدة قطاعات بالموارد والخبرات المناسبة؛
  • حافظ قطاع الصناعة على عدد المشاريع فيما بقيت الزراعة دون الحد المأمول؛
  • ارتفاع عدد المشاريع في إدلب وريفها من 53 مشروع في النصف الأول إلى 169 مشروعاً في النصف الثاني بفضل قطاع النزوح الداخلي حيث تم تنفيذ 71 مشروع في إدلب وريفها بسبب الحملة العسكري على إدلب وريفها.

 

وبتلمس جوانب القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب يظهر ما يلي.

نقاط الضعف

  • لا يزال ضعف المشاريع في مدينة عفرين في مختلف القطاعات الاقتصادية يشكل إشارة استفهام بالرغم من أهمية المدينة من ناحية الزراعة والصناعة الزراعية والتجارة بالمحاصيل الزراعية.
  • ارتفاع نسبة المشاريع المنفذة في قطاع النزوح الداخلي سيف ذو حدين فهو من جهة يعني ارتفاع أعداد النازحين وتوجه الموارد لخدمة المخيمات في الوقت الذي يمكن لهذه الموارد أن تخدم قطاعات ذات أثر استراتيجي أكثر تسهم في تحويل المخيم وقاطنيه من حالة "لا استقرار" إلى حالة أكثر استقراراً في المسكن والعمل.
  • إن انخفاض المشاريع في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية لا يخدم المنطقة على الإطلاق وهو مؤشر على عدم قراءة هوية المنطقة بشكل صحيح من قبل المجالس والمنظمات العاملة، وعدم تعبئة الإمكانات لرفد هذا القطاع المهم الذي من شأنه أن يكون حاملا على مستوى الأمن الغذائي بتوفير المحاصيل الزراعية وخفض أسعار الخضار والفواكه ليحصل عليها معظم الناس فتسهم في خفض معدلات الفقر، وعلى المستوى التجاري عبر تنظيم "سوق الهال" ليأخذ مهمة التصدير للخارج وبالتالي تحريك خطوط التجارة، وعلى المستوى الصناعي عبر إنشاء معامل ومصانع مرتبطة بالزراعة مثل الكونسروة ومعاصر الزيتون وتعبئة الزيوت وغير ذلك.
  • لا تزال المجالس المحلية تنشر المشاريع على الفيس بوك وتليغرام كوسيلة أساسية للإعلان عن المشاريع المنفذة، بدون ترتيب لمؤسسة إحصائية تعنى لرقمنة هذه المشاريع وجمعها بنافذة واحدة تعبر عن تكتل كامل للمنطقة؛ تخدم المؤسسات والمنظمات والباحثين وأي شخص مهتم، وتعطي بنفس الوقت صورة أكثر تطوراً عن المجالس وطريقة إدارتها.
  • ارتباط المنطقة بنظام الأسد مالياً وتجارياً يجعلها تابعة لها وتؤدي لانتقال المشاكل والأزمات الاقتصادية إليها، العملة السورية والتعامل بورقة ألفين ليرة أحد الأمثلة، والفارق بين مناطق النظام ومناطق المعارضة أن النظام خاضع للعقوبات ويعاني من جفاف مالي وعزلة دولية وإقليمية، فيما تتمتع مناطق المعارضة بمرونة جيدة ودعم تركي وحضور للمنظمات الدولية والإقليمية ومجالس محلية بكفاءات طموحة تهيئ قاعدة للعمل والنهوض بالاقتصاد المحلي بعيداً عن النظام.
  • تحتاج المجالس المحلية لإبراز حالة وطنية أعلى مما هي عليه، وإبراز جميع المواثيق والعقود الموقعة بينها وبين الشركات والمنظمات الإقليمية، كما في الشركات التركية الخاصة التي تزود مناطق عدة بالكهرباء ولكن بأسعار مرتفعة نسبيا حيث أدت لخروج مظاهرات ضد المجلس المحلي في اعزاز ومطالبته بتحسين ظروف العقد مع الشركة التركية.
  • لا تزال هناك حاجة ملحة جداً لتوحيد عمل المجالس المحلية في سياق قطاع الصناعة وإصدارها شهادة منشأ لا تعبر عن مدينة وحسب بل عن منطقة المعارضة برمتها، وبالتالي خلق كيان يهدف لتذليل كل الصعوبات التي من شأنها عدم عرقلة النشاطات وجذب رجال أعمال وتقديم حزمة حوافز تسهم في نقل المعامل والمصانع السورية من تركيا لداخل سورية.
  • لا شك أن العملية العسكرية الجارية في إدلب أسهمت ولا تزال في تعطيل المشاريع وتقليص جزء مهم وكبير من أوجه التعافي فضلا عن الضبابية التي تفرضها جراء سقوط مناطق المعارضة بيد النظام والجدوى من المشاريع.

نقاط القوة

  • خلال النصف الثاني من 2019 لا يزال قطاع النقل والمواصلات يحتل المرتبة الأولى بين المشاريع الأكثر تنفيذاً في المنطقة بواقع 123 مشروع، ما يشير لاهتمام المجالس المحلية بأهمية تعبيد الطرقات والتشبيك بين المدن والبلدات وهو ما قد يعكس على تنقل المدنيين والحالة التجارية بين البلدات والمدن.
  • بذلت المجالس المحلية والمنظمات العاملة في المنطقة جهداً واضحاً لمساعدة النازحين من قراهم ومدنهم نتيجة القصف والعملية العسكرية على ريف إدلب وريف حلب الغربي.
  • ظهرت حالة من الاعتمادية من قبل المنظمات والمجالس على المجتمع المحلي من أفراد ومؤسسات ربحية عبر المناقصات والمزادات، وهو ما يعطي ثقة أكبر للتجار والصناعيين تخلق من خلالها فرص عمل وتسهم في تحريك عجلة العمل والإنتاج.
  • لا تزال العديد من المجالس المحلية والمنظمات تعتمد على طاقة الشمس في تشغيل المصابيح الضوئية في الشوارع، وهو ما من شأنه تنويع مصادر الطاقة والاعتماد على طاقة متجددة ونظيفة والأهم بناء تجربة فريدة في هذا السياق يمكن العمل عليها أكثر وتطويرها للاستفادة أكثر من الطاقة المتجددة.
  • بالرغم من الحالة الأمنية غير المستقرة نسبيا بسبب التفجيرات والاغتيالات ومن ثم الظروف المتفجرة بالأحداث الاقليمية والدولية لا تزال المجالس المحلية والمنظمات والسكان قادرين على العمل والإنتاج والسعي قدما لمزيد من التقدم والازدهار.
  • وصول الكهرباء لأغلب المناطق بفضل مذكرات التفاهم والعمل على استجرار الكهرباء عبر شركات تركية خاصة من تركيا، وفي هذا الإطار لا بد من الإشادة بتجربة مارع حيث أنشأ أهالي المدينة شركة مساهمة للكهرباء باسم شركة الشمال، عملت على شراء المعدات والمحولات الكهربائية من ثم توقيع عقد مع شركة تركية لاستجرار الكهرباء وهو ما أعطاها كعب عالٍ في التفاوض وفرض سعر مناسب اجتماعيا وتجارياً يعد من أنسب الأسعار بالمنطقة.

توصيات ختامية

بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب القوة والضعف يوصي التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي ولا شك تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري، ونذكر إضافة لما ورد في التقرير السابق في النصف الأول، ما يلي:

  • تشبيك المجالس المحلية في المنطقة لفتح مزيد من أطر التعاون والتنسيق واستثمار نشاط التعافي المبكر المتزايد في مناطق المعارضة بالشمال، وفي هذا الإطار يمكن العمل جنباً إلى جنب مع الحكومة السورية المؤقتة من جهة ومن جهة أخرى خلق هيئة استشارية من الكفاءات من المنطقة، تُعنى بتصميم برامج اقتصادية تسهم في حل المشاكل وتذليل الصعوبات واقتراح الحلول.
  • لا تزال المنطقة تفتقر للتسويق المناسب، حتى لأهالي المنطقة المغتربين، بوضعهم بآخر تطورات الأوضاع الاقتصادية، لتشجيعهم على العودة ومزاولة العمل وضخ أموال في الأسواق تسهم في خلق فرص عمل وإعطاء زخم اقتصادي للمنطقة في كافة القطاعات الاقتصادية.

أخيراً:

مما لا شك فيه؛ تشكل جهود التعافي الاقتصادي المبكر أولى الخطوات الحاسمة نحو التصدي بشكل منهجي لأوجه الضعف الكامنة داخل المجتمع الذي يعاني من تبعات الصراع والكوارث ونقله نحو التنمية المنصفة. وقد أسهم الاستقرار النسبي الحاصل في شمال حلب؛ "درع الفرات" و"عفرين"، في التهيئة "المقبولة" لانطلاق مشاريع وأعمال ونشاطات تعود بعوائد اقتصادية للسكان وتسهم في إرساء قواعد الاستقرار في المنطقة. وتتعاظم مسؤوليات وتحديات مؤسسات المعارضة ذات الوظائف الحوكمية كالمجالس المحلية والمنظمات العاملة وتحدياتها؛ ويجعلها أكثر مطالبة في إنجاز هذا التحدي. فيما لا يزال المستقبل غامض فيما يخص محافظة إدلب أمام استمرار الحملة العسكري واتساع سيطرة النظام على أجزاء واسعة فيها، وهو ما من شأنه أن يصعب المهمة على المجالس المحلية هناك ويقوّض من جهود التعافي المبكر فيها.