تقدير الموقف

على الرغم من جولات الحوار السابقة المتعثرة؛ أحدثت دعوة قيادة "قوات سوريا الديمقراطية" للحوار بين الأطراف الكردية، صدىً بين الأحزاب الكردية و"الإدارة الذاتية". دعوةٌ ترافقت مع دفعٍ أمريكي واضحٍ للتيارات الكُردية للوصول إلى صيغة توافق معقّدة؛ تتمكن عبرها من "التمكين المحلي"، و"التفاعل أكثر" مع المعارضة السورية و"تهدئة" الجانب التركي.  ولقياس هذا الصدى وطبيعته، وتلمُّس مالاته، يحاول تقدير الموقف، تسليط الضوء على السياقات السياسية، والعسكرية التي أدّت إلى ما وصلت إليه العلاقة الكُردية البينيّة حالياً، وتحليل غايات هذا التقارب، وتتبّع مؤشرات بناء الثقة بين الأطراف الكُردية، ومن ثم استشراف مآلات هذا التقارب وتحدياته.

سنوات والتعثُّر ديدن المحاولات

حاول الطرفان الكُرديان (حزب الاتحاد الديمقراطي، والمجلس الوطني الكُردي) الدخول  في مفاوضات تؤدي لتقاسُم، وتشارُك السلطة خلال الأعوام 2012-2015([1])، عبر عدّة اتفاقيات وتفاهمات (هولير1، هولير2، دهوك([2]))، إلا أنها باءت بالفشل؛ لأسبابٍ عدّة مرتبطةٍ بسياسة المحاور الوطنية، والإقليميّة من جهة، ومتعلِّقةٍ بأسبابٍ  ذاتيةٍ نابعةٍ من طبيعة الاْطراف الكُردية نفسها من جهةٍ ثانية؛ وليدخل الملف السوري من بداية العام 2015 مرحلة جديدةً مع انخراطٍ مباشرٍ لقوىً إقليميّةٍ، ودوليّةٍ في الصراع السوري، كالولايات المتحدة الأمريكية بدعمها "لوحدات حماية الشعب" في مواجهة "تنظيم الدولة"، والاتحاد الروسي بدعمه المباشر للنظام، وتركيا عبر الدخول البري المباشر؛ لتحقيق عدّة أهدافٍ متعلِّقةٍ بأمنها القومي كإنهاء، وإعاقة مشروع "الإدارة الذاتية"،  والحفاظ على بعض  المناطق تحت سيطرة المعارضة. وفي هذا العام اتسعت مساحة الخلاف بين الأطراف الكُردية، وكادت تنعدم محاولات التوفيق بين الطرفين؛ باستثناء بعض المبادرات المجتمعية من شخصيات، أو منظمات المجتمع المدني، والتي لم تتكلّل بالنجاح، وتعرَّض "المجلس الوطني الكردي" لمضايقاتٍ، واعتقالاتٍ من قبل أجهزة الإدارة الذاتية أدّت لإيقاف شبه كامل لنشاطه في سورية، بينما منح تحالف "وحدات حماية الشعب" و"قسد" مع قوات التحالف الدولي منحهم جرعةً زائدةً من الثقة بديمومة مشروعهم، دون الأخذ بالحسبان غياب أيَّة توافقاتٍ سياسية سواءً محليةٍ، أو وطنيةٍ تُأطّر بقائها في المشهد. 

قُوبلت الثقة الزائدة التي اكتسبتها الإدارة الذاتية بالدخول الأمريكي بوجود فيتو مزدوج من تركيا، والمعارضة السورية على دخول "الإدارة" في المسار السياسي كطرف ثالث، أو ضمن لوائح وفد المعارضة للمفاوضات، وعليه وخلال عامي 2017 -2018 توجهت "الإدارة" للوصول إلى التفاوض مع النظام عبر الوساطة الروسية في "قاعدة حميميم"، إلا أن معظم جولات التفاوض بين الطرفين باءت بالفشل.([3])

ومع بداية عام  2018 شهدت منطقة عفرين بدء العملية التركية " غصن الزيتون" والتي أدّت لإنهاء وجود الإدارة الذاتية فيها، وهو ما شكّل نقطة تحوّل في العلاقة الكُردية البينيّة؛ حيث هاجمت "الإدارة الذاتية وأحزابها" المجلس الوطني الكُردي؛ كونه أحد مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي دعم العملية، وفي عام 2019 مع "الانسحاب الأمريكي "الجزئي المفاجئ"، وبدء عملية " نبع السلام " وسيطرة تركيا على المنطقة  الممتدّة من مدينة رأس العين إلى تل أبيض شمالاً، وجنوباً وصولاً إلى الطريق الدولي، M4، بدى جلياً التغيُر في المواقف، والتصريحات الكُردية البينيّة خلال هذه العملية غايرت شاكلتها خلال " غصن الزيتون"، لتكون من جهة قيادة " قسد" مطالبة بإنهاء حالة الانقسام الكُردي، ومن جهة المجلس مطالبة بتوافقٍ يُنهي سلطة الحزب الواحد على مفاصل "الإدارة الذاتية"، ويفتح المجال لتشارُك السلطة، مدعوماً برغبة أمريكية غير واضحة المعالم؛ أتت ضمن محاولات واشنطن الحفاظ على ما تبقى من الإدارة الذاتية؛ بصيغة تلبي مطالب تركيا من جهة، وتُطمئن الفواعل المحلية من جهة أخرى.

تطورت الرغبة الأمريكية، والنداءات الكُردية البينيّة لتصل إلى مرحلة البدء بخطوات بناء الثقة أقدم عليه الطرفان، فمن جهتها وبعد نداء قائدها " مظلوم عبدي" بضرورة الكشف عن مصير المختطفين، والمُغيّبين من أنصار المجلس الوطني الكردي قامت " قوات سوريا الديمقراطية" بنشر بيانٍ يتطرق لمصير عشرة أسماء قدّمها المجلس الكُردي، وفي حين أن البيان اتسم بتشتيت المسؤولية حول مصير المختطفين والمغيبين، إلا أن البعض اعتبره بادرةً يمكن البناء عليها، ليتطور الأمر لاحقاً إلى عودة المجلس الكُردي لفتح بعض مكاتبه، بالإضافة لقيام بعض أحزابه بخطوات مماثلة.

"الوحدة الكُردية" مخدر الأزمات

ارتبط ملف التفاوض الكُردي البيني بعوامل ثابتة، وأخرى متغيرة خلال سنوات الصراع السوري، فمن الثوابت التي استمرت منذ تشكّل "الإدارة الذاتية"، كان ما يتعلق بالاصطفاف الداخلي، فالمجلس الكُردي توجه للاتفاق مع الائتلاف الوطني السوري، ودخل ضمن إطاره السياسي، كما حصل على مقاعد ضمن هيئة المفاوضات، واللجنة الدستورية، تحت مظلّة الائتلاف، بينما الإدارة الذاتية وإن حاولت أن تبقي على سياسة الطرف الثالث ضمن المشهد السوري، إلا أنها لم تنجح في تحقيقها بدرجة صلبة سليمة، فهي من جهة ضمن إطار " منصّة القاهرة لبعض قوى المعارضة"، ومن جهة أخرى تتجه لتفاوض دمشق، وموسكو منفردة، في وقتٍ تحاول الحفاظ  على ما تبقيه واشنطن من علاقة معها. ويمكن إضافة الموقف الثابت من النظام من أيّة عملية تفاوض، وتوجهه لإبقائها ضمن حدود عودة الطرف الآخر "لحضن الوطن"، والتنازل عن كُل، أو معظم ما اكتسبه خلال سنوات الصراع من أُطر لامركزية، أو قوات عسكرية وأمنية، وهو ما أبقى على نتيجة كافة المفاوضات بين الإدارة الذاتية، والنظام ضمن نطاق محادثاتٍ أولية، دون أن تتقدم للبحث في تفاصيلٍ مُعمّقةٍ، أو اتفاقاتٍ على خطوطٍ عريضةٍ، أو ضيقةٍ حول مصير الإدارة الذاتية.

أما بعض المتغيرات التي حصلت، فمنها انسحاب واشنطن "الجزئي" من المنطقة، ولاحقاً العودة، والتمركز فيما تبقى من مناطق لم يدخلها النظام أو الروس، ومحاولة إعادة رسم الخريطة الجغرافية العسكرية، بطريقة تمنع موسكو من التمدد أكثر في محيط مدينة القامشلي باتجاه الشرق، ومع هذا الغياب الميداني، نشهد تطوراً ملحوظاً في نشاط الولايات المتحدة فيما يخص عملية التفاوض بين المجلس الوطني الكُردي، والإدارة الذاتية، إلا أنه نشاطٌ مبهمٌ، فواشنطن إلى الآن تعطي إشاراتٍ للمجلس بضرورة بقائه ضمن المعارضة السورية، على أنها المكان الطبيعي له ، كما أنها تقوم بدور الوسيط بين المجلس، والإدارة بصورةٍ غير مُعلنة التفاصيل والخطوات، ولم يُقدّم المسؤولون الأمريكيون إلى الآن للطرفين أيّة صيغة للتوافق تستطيع أن توافق بين تخوفات "المجلس"، وطلبات "الإدارة الذاتية"، بالتوازي مع ما يقبل به الجانب التركي، الذي دخل بقوة صلبة أكثر ضمن الجغرافية السورية، سواءً عبر العمليات الثلاث التي استهدفت إنهاء مشروع "الإدارة الذاتية، أو عبر "ملف إدلب" الذي رغم معاناة تركيا فيه من خرق موسكو، ودمشق لاتفاقاتهم، إلا أنه يشهد انخراطاً تركياً متزايداً، سيمنح تركيا في حال استمراره كلمةً أقوى في مستقبل سورية السياسي، لذا سيكون من الصعب التوصل لصيغة توافقٍ ثنائية في ظل انخراطٍ، وتواجدٍ تركي أكبر ضمن الجغرافية السورية، إلا في حالة تقديم واشنطن صيغة حلٍ تؤدي في النهاية لإحداث تغييراتٍ شاملة ضمن المنظومة الحاكمة شمال شرق الفرات.

تُشكّل هذه العوامل نقاطاً مهمة ضمن عملية التفاوض الكُردية البينية، فالمجلس الكُردي لا يمتلك رفاهية البقاء ضمن المعارضة السورية، والوصول مع "الإدارة الذاتية" لاتفاقية لم يُدرك المجلس إلى الآن مصيره ضمنها، مع وجود هواجس لديه من أن تؤدي أيّة خطوة تَوافق مع "الإدارة الذاتية" إلى ابتلاعه بهيكله السياسي وقواه الشعبية، كما أن النظام من جهته_ وفي الفترة الأخيرة_ أشار بأصابعه إلى عدم تمثيل "الإدارة الذاتية" لجميع الكُرد، وركّز على ضرورة أن يتوحّد الكُرد، في مطالبهم، ووفدهم المستقبلي، ولا يغيب عن هذا المشهد العامل التركي؛ المتمثل برفضه لبقاء أيّة سلطة نوعية "لحزب الاتحاد الديمقراطي" ضمن منظومة حكم شمال شرق سورية، إلا في حالة وصول الولايات المتحدة في جهودها لحلٍ يرضي الأطراف جميعها، وتطور موقف رأس النظام مؤخراً لينفي وجود قضيةٍ كردية في سورية، لا بل وضع مطالب "الكُرد بالحكم الذاتي" في خانة أطروحات تبناها الانفصاليون، وبالأخص المجموعات التي وصفها بانها نزحت لسورية من تركيا خلال القرن الماضي. وحول القضية الكُردية في سورية قال الأسد" ما تسمى القضية الكردية هي عبارة عن عنوان غير صحيح، عبارة عن عنوان وهمي كاذب"، هذا التصريح جاء كإشارة لانهيار محاولة التفاوض بين النظام والإدارة الذاتية، إلا أن الإدارة لاتزال تحاول الإبقاء على بعض الخطوط مفتوحة، وهو ما يمكن ملاحظته من تصريح إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، في ردها على الأسد حيث قالت "تصريحات الرئيس السوري لا تخدم وحدة الأراضي السورية، ولا تخدم الحوار السوري الداخلي".

يُعتبر شعار "الوحدة الكُردية" من أكثر الشعارات المستخدمة شعبياً، فمعظم بيانات حالات الانشقاق الكثيرة؛ التي أصابت الأحزاب الكُردية خلال مدة تزيد عن خمسين، عاماً، بدأت بالدعوة لوحدة الصف الكُردي، أما في مرحلة ما بعد الثورة، فتلازمت الدعوة لوحدة الصف الكُردي عادةً مع التهديدات الخارجية، من احتمال انهيار النظام في مرحلة ما بين عامي 2012-2014، أو في تنامي خطر "تنظيم الدولة " عام2015، ومن إمكانية إنهاء الآمال لأي مشروع بغالبية كُردية في شمال سورية في مرحلة عام2018 وما بعدها.

تشبه الدعوة الجديدة للوصول لاتفاق كردي بيني سابقاتها، إلا أن المُتغير الأهم هذه المرة يكمن في " الشخصية الجدلية لقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي". مظلوم عبدي، أو مظلوم كوباني، الذي بقي بعيداً عن الشاشات لسنواتٍ عدّة، مثل معظم الكوادر الكُردية سواءً ذات الهوية السورية أو التركية، ممن قَدِمُوا ضمن بعثات "حزب العمال الكُردستاني" منذ العام 2012، في محاولة الحزب تشكيل كيانٍ لتطبيق نظرية "الأمة الديمقراطية على بقعة جغرافية".

المُتغير في حالة "مظلوم" أنه يحاول محاولةً هي الأولى من نوعها ضمن المنظومة الحاكمة لشمال شرق سورية، وهي التبرئة من إرث (الإدارة الذاتية، ووحدات حماية الشعب)، وبقية الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها، فيما يخص الاتفاق الكردي-الكردي، وفصل "قسد" بمرحلة ما بعد 2015 عمّا  قبلها، والعمل على تكوين شخصية عسكرية " تحاول خلق حيادٍ للجهة العسكرية المسيطرة"، عن الأطراف السياسية المتنازعة، ولا يخفى دور الولايات المتحدة الامريكية في رسم وتقوية هذه الشخصية العسكرية، عبر ملازمة مسؤولي الملف السوري لمظلوم في الداخل، ونقل مواقفه لبقية الأطراف الكُردية والإقليمية، كما تجنّب "مظلوم" نفسه خلال عملية " نبع السلام"، القيام برفع سقف تهديدات المواجهة، بل قدّم خلالها، وبعد انتهاء العملية دعواتٍ عدّة للتفاوض؛ سواءً مع المجلس الوطني الكُردي، أو حتى تركيا، التي من جهتها لم تُقلِّل من سقف سواءً تهديدها بالاستمرار بعملياتٍ عسكرية مستقبلية، أو رفضها لأيّة محاولات لإعطاء مقعدٍ "للإدارة الذاتية"، وقواتها ضمن الأطر التفاوضية المتمثلة بعملية جنيف وأستانا، والقوى السياسية المنخرطة فيها من هيئة التفاوض ومنصاتها، أو اللجنة الدستورية ومرشحيها.

بين حالة الأزمة التي تدفع بالأطراف الكردية لدعوات الحوار، وبين وجود متغيّرٍ جديد يتمثل في دفع واشنطن سواءً لشخص "مظلوم عبدي"، أو الأطراف السياسية للتقارب، تظهر كافة المعوّقات القديمة التي أدّت لانهيار اتفاقات الأطراف الكُردية.

 إرثٌ قديم وتحديات مستقبلية

يستمر موضوع الارتباطات سواءً الإقليمية، أو المحلية بإلقاء ظلاله على أي اتفاق تصل له الأطراف الكُردية، أما في الوضع الحالي فيتم تلمّس انخراط مباشر من الولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يقلل لدرجة معينة من تأثير التيارات الكُردية الإقليمية على صيغ التوافق بين الطرفين، إلا أن مطالبات "المجلس" بالعودة للاتفاقيات السابقة بين الطرفين، في ظل رغبة " قسد" بشكلٍ أساسي البدئ بعملية تفاوض جديدة، سيُلقي بظلاله على تطور المحادثات بينهم. في مجمل الاتفاقيات السابقة بين الطرفين لم يكن العامل "الأيديولوجي" هو المانع الرئيس لوصول الأطراف الكُردية لتطبيق الاتفاق، بل كانت آليات التطبيق، وانعدام وجود طرفٍ ضامنٍ ضاغط كالولايات المتحدة الأمريكية، هو أحد أهم المسبّبات في فشل تطبيق المتفق عليه، وهنا لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه "إقليم كُردستان" في أن يكون المُيسّر والضاغط على الأطراف جميعها للوصول وتطبيق الصيغ المتفق عليها. إلا أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" بشكلٍ رئيس كان يرفض أي تشارُكية حقيقية للسلطة، ولا يمكن حساب درجة تحسن حالة قبول "حزب الاتحاد" للتخلص من هذه الإشكالية إلا عبر الوصول للاتفاق ومشاهدة مستقبله.

ومع تغير الوقائع على الأرض بشكلٍ كبيرٍ، منذ آخر صيغة للاتفاق بين الطرفين عام 2015 في "اتفاقية دهوك"، إلا أن النقاط الخلافية التي أدّت لإنهاء الاتفاقيات قبل البدء في تطبيقها لاتزال مستمرة وهي:

  • الشكل المستقبلي للقوات العسكرية في المنطقة: فسابقاً كانت "وحدات حماية الشعب"، ومصيرها أحد أهم بنود الخلاف. واليوم يظهر أن " قسد "، ومن خلفها واشنطن يغلقان الأبواب أمام نقاش مصير القوات العسكرية في المنطقة، عبر لعبهم دور المُيسّر للحوار وأحد الضامنين له.
  • الخلافات التنظيمية داخل "المجلس الوطني الكُردي": كانت سبباً معوّقاً هاماً في السير ببنود الاتفاقات وتطبيقها، "فالمجلس" كان مُشكّلاً من عدد كبير من الأحزاب، والعديد من الأحزاب ضمن "المجلس" لا تمتلك الكادر الذي يغطي هيكلية التنظيم في بضعة مدن، وأحياناً في مدينة واحدة. وأثَّرّ على هذه الهياكل الحزبية أيضاً العصبية الحزبية، والمُزاحمة الشخصية على الحصص. ومنذ عام2015 إلى الآن، زادت انشقاقات بعض أحزاب المجلس، وحركاته الشبابية أكثر.
  • هذا الواقع الهش لأحزاب "المجلس" كان يقابله حركية مستمرة وقوية، وقدرة متقدمة في تحشيد الأنصار من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي" وتنظيماته، وفي حين أن هذه الحركية كانت إيجابية من الناحية النظرية؛ إلا أنها كانت سلبية من ناحية قيام "حزب الاتحاد الديمقراطي" بحرق الخطوات اتجاه تثبيت مشروعه بشكلٍ أحادي، بالتحالف مع أحزاب أخرى تفتقر للقاعدة الشعبية.
  • عملية التفاوض والجهة المفاوضة: سيكون التفاوض مع النظام، أو الدخول إلى أحد أجسام المعارضة ككتلة جديدة أحد العوائق الهامة في أيّة عملية تفاوضية كُردية بينية، كون تفاوض "المجلس" مع "الإدارة الذاتية"، والوصول لاتفاق يعني بالمقابل إعادة التفكير في موقع "المجلس الكُردي" ضمن أُطر المعارضة، كما أنه يمكن تَوقُّع توجه الأحزاب الكُردية لمفاوضة النظام مباشرة بعد الاتفاق، للحصول على مكاسب سياسية وإدارية، وهو ما يمكن أن يصطدم بعملية التفاوض الجارية بين النظام، والمعارضة ضمن الرعاية الروسية –التركية، وفي أفضل السيناريوهات يمكن توقع أن يتفق لاحقاً النظام، والمعارضة على شكلٍ من أشكال "الحكم المحلي"، يوافق ما تم الاتفاق عليه بين النظام، والأحزاب، والمجالس الكُردية.
  • تباين الموقفين الروسي والأمريكي: فروسيا من جهتها تحاول كسر احتكار "المجلس الوطني الكُردي" لملف تمثيل الكُرد في المحافل الدولية، والوصول إلى صيغة للتوافق بين الأطراف الكُردية والنظام، بحيث تصل لمرحلة يتم إنهاء دور المجلس الكُردي ضمن الائتلاف، واللجنة الدستورية، وهو ما يعني خسارة الائتلاف، واللجنة الدستورية من جهتهم لطرفٍ سياسي يمتلك شعبية تمثيلية على الأرض. من جهتها لم تقم الولايات المتحدة الامريكية إلى الآن بتقديم أيّة وعودٍ حقيقية للأطراف الكُردية؛ سوى دعوتهم للحوار والاتفاق، إلا أن هذه الدعوة يرافقها تأكيدٌ مستمرٌ من قبل واشنطن للمجلس الوطني الكُردي؛ بأن مكانه الطبيعي هو بين قوى المعارضة السورية، وبهذه الطريقة تدفع واشنطن بالمجلس الكُردي لحالة من عدم اليقين في عملية اتخاذ القرار النهائي فيما يخص التفاوض مع "الإدارة الذاتية"، وهو الأمر الذي كما ذكرنا سيؤدي لنتائج مصيرية فيما يخص تواجد المجلس ضمن أطر المعارضة.
  • الموقف التركي: تبقى المساحة الهامة ضمن خارطة المواقف الإقليمية للموقف التركي من أيّة عملية تفاوضٍ كُرديةٍ بينية، فأنقرة التي ترى أن "الإدارة الذاتية" أحد المهددات التي تقف على رأس الهرم اتجاه أمنها القومي، لن تتقبل أيّة صيغة اتفاق ترى بأنها ستؤدي لتثبيت سيطرة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وتمكينه على نطاقٍ وطني، كما أن لها تأثيرٌ مباشر على دور الفصائل العسكرية، والجيش الوطني الحر، وهم كانوا رأس الحربة في ثلاثة عملياتٍ عسكرية اتجاه "الإدارة الذاتية"، لذا سيتوقف مصير أيّة عملية تفاوضية على مدى إمكانية إقناع واشنطن لتركيا بجدواها، خصوصاً في ظل انهيار، أو هشاشة اتفاقيات أنقرة-موسكو.
  • تستمر "الإدارة الذاتية " ومجلس سوريا الديمقراطية " بالتفاوض مع نظام دمشق بشكلٍ منفرد، وصدرت تصريحات من الشخصية القيادية في "مسد/ مجلس سوريا الديمقراطية"، "إلهام أحمد"، إن دمشق وافقت بوساطة روسية على البدء بمفاوضات سياسية، وإمكانية تشكيل "لجنة عليا" مهمتها مناقشة قانون الإدارة المحلية في سورية، والهيكلية الإدارية للإدارة الذاتية" لشمال شرقي سوريا"، وهذا ما يضع عملية التفاوض مع المجلس الوطني الكُردي كتحصيل حاصل، ففي حال عدم، أو حتى اتفاق الطرفين الكرديين فإن "الإدارة الذاتية" تقوم لوحدها بعملية تفاوضية مستمرة مع النظام في دمشق.

يبقى كيفية الوصول إلى ألياتٍ لتطبيق "صيغة اتفاق"، أحد أصعب العوائق التي تنتظر الأطراف الكُردية، فالاتفاقيات السابقة كانت تنهار دوماً بحكم استخدامها من قبل "الإدارة الذاتية" كأداة مرحلية للحصول على دعمٍ من واشنطن من جهة أولى، أو لتقليل ضغوطات أربيل، والحاضنة الشعبية عليها من جهة ثانية، أو بحكم هشاشة البنية المؤسساتية لدى أحزاب المجلس الوطني الكُردي، وبالنتيجة للمجلس نفسه من جهة ثالثة، ويعترض  محاولة التقارب الأخيرة  عدّة عقبات  مرتبطة بآلية حل الإشكال المتأتي من ملفي الجهاز الأمني، والقضائي في المنطقة.


([1]) تمحورت الجهود الكُردية بداية الثورة حول تشكيل جبهة داخلية تستطيع التفاوض مع دمشق وأطراف المعارضة المشكلة حديثاً حول شكل سوريا المستقبلي، واستطاعت الأحزاب الكُردية أن تبلور مطالب شعبية عامة وكُردية خاصة باستجابة سريعة خلال الفترة الممتدة من 2011- 2012، وبدأت بطرح مقاربات "لأشكال حكم خاصة" تراوحت بين الفدرالية السياسية الموحدة لشمال سورية، وبين الإدارات الذاتية على اختلاف نسب العلاقة بين هذه النماذج المطروحة والمركز في المستقبل، وتوجت هذه الجهود بداية الثورة في شهر نيسان بالتوصل لـ" مبادرة أحزاب الحركة الوطنية الكُردية ".  هذا التوافق الكُردي سرعان ما بدء بالدخول لمفترق طرق، مع تشكيل المجلس الوطني الكُردي نهاية 2011، وسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المدن والمناطق الكُردية منتصف العام 2012، ليتشكل إطاران كرديان، أحدهما ويتمثل بالمجلس الوطني الكردي يرى نفسه قريباً من اهداف المعارضة السورية، والإطار الثاني ويتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي ومنظوماته، وسلطة الأمر الواقع التي شكلها، ورأى بضرورة النأي بالنفس عن المحاور المباشرة، مع دخوله لاتفاقاتٍ غير معلنة مع النظام حول إدارة المناطق والمجتمعات الكُردية.

([2])  للمزيد حول مسيرة محاولات الاتفاق والتفاهم بين الأطراف الكُردية يمكن العودة للورقة المنشورة لمركز عمران بعنوان" المظلة الكردية المفقودة في سورية.. بين التناحر على السلطة والاتفاقيات الهشة"، والمنشورة بتاريخ 20/03/2019، الرابط: https://bit.ly/2HBEQEJ

([3]) للوقوف على اسباب التعثر راجع: بدر ملا رشيد:" تطورات العلاقة بين الإدارة الذاتية والنظام وروسيا خلال عامي 2016 – 2017"، ورقة بحثية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية،22/1/2018، الرابط: https://2u.pw/l0pVq

تمهيد منذ دخول المشهد السوري سيناريو "تمترس الجغرافية" وهو يشهد تفاعلات وتطورات متعددة؛ سواء على مستوى إعادة التشكل البنيوي للفواعل المحلية، أو على مستوى خارطة المواقف والمصالح الدولية أمنياً وسياسياً؛…
الخميس آذار/مارس 28
نُشرت في  التقارير 
الملخص التنفيذي خلال عام 2023، شهدت مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب تنفيذ 5178 مشروعاً، برز خلالها قطاع التمويل بشكل ملحوظ من خلال إنجاز 2914 مشروعاً، تلاه قطاع الخدمات…
الأربعاء آذار/مارس 27
نُشرت في  التقارير 
ملخص يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر كانون الثاني 2024، حيث لايزال مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد مستمراً عبر منحه المزيد من الفرض…
الإثنين شباط/فبراير 12
نُشرت في  التقارير 
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير…
الجمعة شباط/فبراير 24