ملخص عام
استمر تداخل أوجه النزاع خلال شهر تشرين الأول 2025، ففي مناطق سيطرة "قسد" تصاعدت المواجهات المسلحة بينها وبين الجيش السوري من جهة، ومع مجموعات محلية رافضة إجراءاتها القسرية من جهة ثانية. وسط استمرار عمليات الاغتيال والقتل متعددة الدوافع مستغلة هشاشة الوضع الأمني وانتشار السلاح، في حين ازداد نشاط الأجهزة الأمنية في مواجهة الجريمة المنظمة وشبكات التهريب والقبض على متورطين بارتكاب انتهاكات.
"قسد" بين ضغوط خارجية ومقاومة محلية
شهدت مناطق سيطرة "قسد" اشتباكات متبادلة مع الجيش السوري في عدة مناطق بينها أحياء بمدينة حلب، فيما صعّدت "قسد" إجراءاتها الأمنية والعسكرية وكثفت حملاتها المرتبطة بالتجنيد الإجباري، مما لاقى مقاومة شعبية مسلحة وأدى إلى وقوع ضحايا، كما سُجلت خسائر بشرية في صفوف "قسد" نتيجة عوامل داخلية وخارجية، مما يظهر تصاعد الضغوط الميدانية تزامناً مع ظهور مؤشرات ضعف تنظيمي داخلي قد يمهد لتغيرات ميدانية لاحقة.
تصاعدت المواجهات بين "قسد" والجيش السوري، لتبلغ ذروتها في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب، إذ أغلقت القوى الأمنية مداخل الحيين تزامناً مع اشتباكات عنيفة ومحاولات تأمين خروج الأسر، ريثما أبرم اتفاق تهدئة للحفاظ على أرواح المدنيين. كما سُجل استهداف براجمات صواريخ وطائرات مسيرة على محاور دير حافر في ريف حلب. وفي دير الزور، تصاعدت الاشتباكات على محاور صبيخان والكشكية وأبو حمام، ودمّر الجيش السوري نقطة "اللطوة" في ذيبان، إضافة لحصول تفجيرات متوالية مثل انفجار لغم في سيارة تابعة لـ "قسد" على جسر محيميدة. في حين فرضت الأخيرة حصاراً على ناحية الكسرة بعد إطلاق نار عشوائي إثر مقتل شاب من المنطقة، مما أعاد التوتر العشائري إلى الواجهة، فيما أدى إغلاق الجسر الترابي والمعبر النهري إلى أزمة إنسانية واقتصادية لتوقف حركة المدنيين والبضائع بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة الدولة.
وعلى صعيد الإجراءات الأمنية، شهدت محافظة الحسكة -خاصة مدينة القامشلي وريفها حتى اليعربية- قيام "قسد" بنصب حواجز ومداهمات موضعية واقتحام قرى ضمن سياق حملات التجنيد الإجباري، مما أدى إلى توتر شعبي محلي ومقاومات فردية محدودة، تصعّدت خلال مداهمة قرية كرهوك بسبب مقتل والد قائد في "قوات الصناديد" مما أجبر التحالف الدولي على التدخل لفض الاشتباك. وفي محافظة الرقة، كثفت "قسد" نشر حواجز مسلحة مزودة برشاشات ثقيلة حول دواري النعيم والساعة ومنطقة الصوامع.
أما عن الخسائر البشرية في صفوف "قسد"، فشهدت جبهة سد تشرين خسائر كبيرة، بينهم القيادية "نوروز جعفار" والقيادي التركي "مراد داغ" والعنصر "كمال كنجو" و"أحمد أويماك" الملقب بـ"عكيد سرحد"، إضافة إلى مقتل 8 عناصر إثر غارة جوية تركية استهدفت نفقاً قرب سد تشرين، مما استدعى تعزيزات من مقر الفرقة 17 شمال الرقة وسيارات لنقل السجناء المنشقين والمتخلفين عن الخدمة، في محاولة لملء الفراغ القيادي.
كما أعلنت "قسد" عن مصرع أحد عناصرها بظروف غامضة في القامشلي، واعتقلت أربعة من عناصرها بتهمة التعاون مع الجيش السوري، مما يعكس استمرار الانشقاقات الداخلية والاغتيالات داخل صفوفها. إضافة إلى خسائر غير قتالية مرتبطة ببيئة العمل الميداني وضعف البنى التحتية تمثلت بمقتل عنصرين نتيجة انهيار نفق في الحسكة وتشييع عنصر في مدينة الشدادي. في حين تمكنت الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية من القبض على خلية مسلحة مرتبطة بـ "قسد" في بلدة معدان بالرقة.
توسع العمليات الأمنية داخلياً واستهداف شبكات نفوذ
قامت الأجهزة الأمنية بحملات مكثفة في عدة محافظات سورية، ركزت على تفكيك الشبكات الإجرامية والقبض على متورطين بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين.
ففي إطار محاربتها للشبكات المهددة للاستقرار العام، اعتقلت الأجهزة الأمنية "نمير الأسد" والخلية التابعة له بعد تنفيذهم عملية سطو مسلّح على محطة وقود في طرطوس، كما فككت خلية اغتيالات مرتبطة بشبكات مدعومة من "رامي مخلوف" في اللاذقية، وفككت خلية إرهابية تابعة لتنظيم "داعش" في الغوطة، وألقت القبض على مجموعة مسلحة داهمت جامعة دمشق واعتدت على أعضاء هيئة التدريس، إضافة إلى تنفيذ عملية مشتركة في مدينة جاسم لمداهمة لعصابة متورطة في سلب محل ذهب، فيما أنهت مديرية الأمن في الميادين بالتعاون مع الشرطة في العشارة اشتباكاً عشائرياً في بلدة غريبة.
أما عن القبض على متورطين بانتهاكات بحق المدنيين، فقد ألقي القبض على "راشد الفيصل" أحد أبرز أذرع النفوذ الإيراني في درعا بعد أن تم الإفراج عنه سابقاً. وفي دمشق، أوقف "سامر محمود محمد" المتهم بارتكاب جرائم بحق المدنيين على حاجز في حي العسالي خلال عهد النظام البائد، إضافة إلى اعتقال مطلوبين في قضايا ابتزاز إلكتروني وإرهاب وانتهاكات، بينهم "شاهر البج" و"رامي مياسه" واللواء "نائف صالح درغام" ولواء آخر متورط بانتهاكات في سجن صيدنايا وعدد من العناصر المتورطين في جرائم النظام السابق، مثل "علي قرقناوي" المعروف بـ "أبو الفدا".
القتل والاغتيال كوسيلة تصفية حسابات متعددة الدوافع
استمر ارتفاع وتيرة الاغتيالات خلال تشرين الأول، في مناطق مختلفة على امتداد الجغرافيا السورية، مستهدفة عناصر من النظام السابق وعناصر أمن حاليين وقيادات محلية ومدنيين، لأسباب متداخلة سياسية أو عسكرية أو ثأرية أو جنائية، مما يدل على هشاشة الوضع الأمني.
فمن جهة أولى، طالت اغتيالات منتمين إلى نظام الأسد وشبكاته ممن ارتكبوا انتهاكات، كما في اغتيال "محمود كامل دقماق" في حلب، والعنصر السابق في "الدفاع الوطني "محمد العبود" بدير الزور، والضابط الأمني "مجد خليل" الذي عثر على جثته في الصنمين بعد اختطافه من ريف دمشق، واغتيال "مروان جميل" من عناصر المخابرات الجوية في حماة، وآخرين، ويشير ذلك إلى ضرورة الإسراع بمسار عدالة انتقالية واضح لتقليل حالات الانتقامات الفردية.
ومن جهة ثانية، حدثت اغتيالات وجرائم قتل ذات أبعاد عسكرية، حيث قتل الشاب "فرج قمر العيد" على يد قوات PYD لرفضه المشاركة بالقتال في دير حافر، بينما اغتيل "فرحان ذوقان أبو فخر" في السويداء. فيما سُجلت حوادث استهداف عناصر أمن وقيادات محلية في ريف درعا وريف حلب، منها اغتيال "وليد خالد الفاعوري" من قوى الأمن الداخلي خلال اشتباك مسلح، وقتل عنصرين من الجيش السوري قرب صوران والباب.
ومن جهة ثالثة، اغتيل آخرون برصاص مجهولين، كالشاب "خلف النهاب" في دير الزور، وثلاثة أشقاء من آل الحماد في قرية حيالين بريف حماة الغربي، إلى جانب مقتل عدة شبان في ريف الرقة وإدلب ودوما.
ملف المخدرات وعمليات ضبط نوعية
شهد شهر تشرين الأول تصاعداً ملموساً في نشاط شبكات المخدرات والتهريب، قابله تنفيذ الأجهزة المختصة عمليات ضبط نوعية، حيث ضبط فرع مكافحة المخدرات في دير الزور تاجراً بحوزته 46 كفاً من الحشيش و11 ألف حبة كبتاغون، إضافة إلى توقيف متعاطين ومروّجين ومتعاطين بينهم قُصّر في صبيخان.
كما ضبطت الأجهزة الأمنية في حمص سيارة مهربة من لبنان تحتوي على نحو 11 مليون حبة كبتاغون، ونحو 143 ألف حبة مخدرة متنوعة وتوقيف عدد من المتورطين في إدلب، كما ضبطت الشرطة في حلب مزرعة قنب مخدر في الناصرية شرق السفيرة واحتجزت صاحبها وابنه، وكذلك ضُبطت مزرعة لإنتاج الحشيش في ريف دمشق وألقي القبض على مالكيها، بينما ضبطت معدات لتصنيع الكبتاغون قرب الحدود السورية–اللبنانية.
وعلى المعابر الحدودية، أَحبَطت إدارة مكافحة المخدرات محاولات تهريب ضخمة عبر معبري نصيب وجديدة يابوس شملت أكثر من 250 ألف حبة كبتاغون، وصادرت طناً ونصف الطن من المواد المخدرة، واعتقلت مهربين على الحدود الجنوبية.
كما ألقي القبض على عصابة سرقت البنك العربي خلال فترة التحرير، وصودر ما بحوزتها من مبالغ ذهبية وأموال. ويدل تصاعد أنشطة السرقة والتهريب على حرص الشبكات الخارجة عن القانون على استمرار تأمين مصادر التمويل غير الشرعي.