تتعاظم خسارات طهران لأدوات استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة والتي كانت تساهم بتموضعها المركزي ضمن النظام الإقليمي، فالمواجهة غير المتكافئة في غزة المترافقة مع صمت دولي مطبق، والضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لـ "حزب الله" باستهداف منظومة القيادة وشبكة الاتصال والتواصل، والانتقال إلى سياسة هجومية ضد الحزب؛ يجعل الموقف الإيراني في المنطقة يتراوح بين تعزيز جبهات محددة أو المواجهة المفتوحة والشاملة لكل أدواتها بدءاً من اليمن مروراً بسورية وانتهاء بالعراق. وضمن تلك الخيارات يبرز السؤال حول الجغرافية السورية كإحدى الساحات المحتملة للتصعيد عبر وكلاء إيران المحليين، خاصة في ظل موقف نظام الأسد المتردد، والمتقاطع مع المنظور الروسي لعزل الجغرافية السورية عن أي صراع يعيدها إلى ديناميات عسكرية تقلق مكاسب موسكو الاستراتيجية.

سورية: ممر إسناد أم ساحة مواجهة؟

تمتلك إيران حضوراً عسكرياً قوياً في سورية عبر الميليشيات التابعة لها، مثل "حزب الله" اللبناني وقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المحلية والطائفية-الأجنبية، ناهيك عن تغلغلها في أغلب قطاعات الدولة الحيوية وانتشار مليشياتها في جل الجغرافية السورية، مما يمنحها القدرة على تنفيذ عمليات ضد إسرائيل أو ممارسة ضغط دون الدخول في مواجهة مباشرة.

وفي هذا السياق، يبدو خيار توظيف الجبهة السورية مطروحاً، فقد تسعى إيران لفتح جبهات جديدة في سورية لتخفيف العبء عن باقي الجبهات وتوسيع رقعة المواجهة وتشتيت قدرات إسرائيل الدفاعية، عبر استخدام سورية كنقطة انطلاق ضد إسرائيل، دون أن ينخرط نظام الأسد بشكل مباشر في عملية توسيع الصراع. خاصة أن توسيع قواعد الاشتباك عبر سورية لن يحقق أهدافاً عسكرية فحسب، وإنما سيعقد الحسابات الجيوسياسية، لا سيما أن مؤشرات الانزلاق متنامية في المنطقة، ومؤشرات الانخراط والعودة الأمريكية لتشكيل نظام أمن إقليمي جديد باتت أكثر احتمالية، الأمر الذي قد يدفع باتجاه خلق مناخ تفاوضي يعزّز موقف طهران ويوقف تدهور مكاسبها.

بالمقابل، فإن انخراط سورية في الصراع سيستتبع برد فعل إسرائيلي قوي، مما قد يهدد استقرار نظام الأسد ويؤدي إلى تدخل دولي. لذلك، ستكون حسابات طهران في هذا السياق بالغة الدقة باعتبار أن "جبهة سورية" هي مكسبها الاستراتيجي الذي تطلب منها أعواماً من الدعم الأمني والسياسي والاقتصادي، ناهيك عن كونها جغرافية مهمة تستطيع أدواتها التحرك فيها دون تهديدات داخلية، إضافة إلى عدم قدرتها على المواجهة المباشرة بسبب استنزاف مواردها في سورية خلال السنوات الماضية.

وعليه، يمكن القول: إن إقحام سورية في الصراع المباشر، ورغم كونه خياراً متاحاً لإيران؛ إلا أنه لا يبدو وفق المعطيات السابقة مطروحاً على المدى المنظور، والذي قد تسعى إيران خلاله للحفاظ على الجغرافية السورية كممر عبور/إسناد لميليشياتها وأسلحتها، في حين يبقى التصعيد وتوظيف سورية كورقة ضغط إضافية متاحاً في حال تفاقم الصراع مع إسرائيل، لكن من المرجح أن يكون ذلك بشكل محدود وعبر وكلاء محليين وليس عبر مواجهة عسكرية مباشرة تشمل "الدولة السورية" ككل.

نظام الأسد: اللعب على الهوامش كخيار أوحد

لا يبدو أن لدى نظام الأسد رغبة/قدرة حالية في فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل، أو حتى استخدام الجغرافية السورية ضمن الصراع الدائر ولو عبر الوكلاء، حتى بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان، إذ اكتفى النظام بإدانة إسرائيل وشجب العملية العسكرية المستمرة على غزة ولبنان فقط، ولعلّ أبرز الأسباب الدافعة لهذا الموقف هي:

  • أزمات النظام المركّبة: يعاني النظام من تداعيات الحرب الاقتصادية والأمنية المتراكمة خلال سنوات النزاع، والتي ساهمت بإضعاف الجيش وتآكل شبكات حكمه التقليدية، وكل هذا يجبر النظام على التقوقع الذاتي وعدم الانجرار إلى صراع مباشر ومفتوح. وعلى الرغم من أن التلويح بالانخراط سيساهم في إعادة تصدير النظام لنفسه شعبياً على المستوى المحلي والعربي؛ إلا أن كلفة هذا الخيار أمام الجدية الإسرائيلية ستكون باهظة الثمن.
  • وضوح الموقف الروسي: وهو ما يتكئ الأسد عليه في إدارة علاقته مع طهران، إذ لن ينخرط بمعارك عسكرية سواء داخلياً أو خارجياً دون دعم صريح من الروس. من جهة أخرى، استثمرت روسيا الكثير من الموارد السياسية والعسكرية لدعم نظام الأسد، لذلك من غير المرجح أن تقبل بتحويل سورية إلى ساحات صراع جديدة قد تهدد استقرار النظام، حيث تدرك أن أي تصعيد جديد مع إسرائيل أو قوى أخرى قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار ويهدد مكاسبها في سورية، والتي تتطلب بيئة مستقرة نسبياً لتطبيق رؤيتها في الحل والدفع بمسار أستانا. كما أنها لا ترغب بتصعيد في المنطقة بين سورية وإسرائيل، لأن ذلك سيعقّد موقفها، حيث تسعى روسيا لتحقيق توازن بين دعم نظام الأسد والحفاظ على علاقاتها الجيدة مع تل أبيب. ناهيك عن وضوح رغبة روسيا بالحد من تزايد النفوذ الإيراني في سورية، إذ تفضل أن تكون هي اللاعب الرئيسي في البلاد، وليست إيران. ووفقاً لهذا التفضيل، ورغم معارضة موسكو لتحويل سورية إلى ساحة صراع مباشر؛ إلا أنها وفي الوقت نفسه لا تمانع من ضربات إسرائيلية محددة تضعف النفوذ الإيراني في سورية.
  • الانسجام مع الموقف العربي المهادن له: سيحافظ النظام على اقتصار موقفه على الموقف الإعلامي، نظراً لما للصراع ضد إسرائيل من وزن كبير في الوعي العربي، وبالتالي المساهمة في تحسين صورته أمام الرأي العام العربي.

 إلا أن الأسد يدرك أن قطار التطبيع مع الدول العربية هو الأساس الذي ينتظر تحوّله من الشق السياسي إلى الاقتصادي، خاصة من بعض الدول الخليجية التي سبقت إلى التطبيع مع إسرائيل، والتي ربما يمتد أثر موقفها هذا إلى سعي لتحييد الأسد وعزله عن هذا الصراع و"إخراجه من العباءة الإيرانية"، مقابل الحفاظ على نظامه ومحاولات إعادة تعويمه.

لا يبدو أن أمام النظام خياراً سوى تحييد الجغرافية السورية والاكتفاء بمواقف سياسية-إعلامية، فالمغامرة هنا ليست مضمونة وغير محسوبة النتائج، لذلك سيحافظ على بقاء قواعد الاشتباك ذاتها أو يصمت عن تغييرها من قبل إسرائيل، وسيتغافل عن حركية الميليشيات المحلية والعراقية، وعن سياسات إيران في التحريك والتسليح والإسناد.

سورية  كخطوة متقدمة للسياسة الهجومية الإسرائيلية

قد تتخذ إسرائيل خطوات استباقية في سورية إذا شعرت بتهديد متزايد من قبل إيران أو الجماعات المسلحة المدعومة منها في المنطقة، وستغير قواعد الاشتباك التي كانت تعتمدها لضرب القيادات الإيرانية ومواقعها ومواقع "حزب الله" بهدف منع إيران من تعزيز وجودها العسكري ونقل أسلحة متطورة إلى الحزب في لبنان.

ولعل توسيع قواعد الاشتباك تبدت ملامحه من خلال التوغل البري الأخير والمحدود لإسرائيل في القنيطرة، بينما تبدو محددات الضربات الجوية، والتي ترسم بنك الأهداف الإسرائيلية في سورية، ثابتة حتى الآن وتتراوح بين ثلاثة مستويات، الأول: يستهدف خطوط النقل (الحدود العراقية-السورية واللبنانية-السورية)، والثانية: تستهدف قادة إيرانيين أو قادة في "حزب الله" أو غيرهم من قيادات المليشيات المرتبطة بإيران، أما الثالث: فيهدف إلى منع أي محاولات لتطوير الأسلحة سواء الكيميائية أو القدرات الصاروخية بعيدة المدى، وغالباً ما يستهدف مراكز البحوث العلمية.

ومن المرجّح أن تستمر الضربات الإسرائيلية الجوية ضمن تلك المستويات مع زيادة وتيرتها خلال الفترة القادمة، خاصة في استهداف قيادات "حزب الله" والحرس الثوري، وذلك للاستفادة من زخم العمليات في لبنان من جهة، واستجابة لتراجع قيادات الحزب إلى العمق السوري من جهة أخرى. بالإضافة إلى وجود إلحاح حول سرعة الإنجاز استباقاً لزيادة الضغوط الغربية على إسرائيل، يضاف إلى ذلك التخوّف من سيناريو ردة فعل إيران.

أما بالنسبة للغزو البري الموسَّع، فيبدو كسيناريو مستبعد ومرتبط بفتح الجبهة السورية، خاصة أن تل أبيب تفضل الاستهداف عن بعد والتدخلات البرية المحدودة جداً، وذلك للحفاظ على الدور الوظيفي للأسد، خصوصاً أن القيادات الإسرائيلية ستسعى إلى ترجمة إنجازاتها العسكرية إلى سياسية متمثلة بالتطبيع وعمليات "سلام". وفي حال تدخلت في سورية برياً، كما حدث مؤخراً في القنيطرة؛ فسيكون تدخلها مؤقتاً ومحدوداً وقد لايرتبط بأهداف ضمن الأراضي السورية، بقدر ما يرتبط بأهداف خاصة بلبنان والمناطق الحدودية و"حزب الله".

ختاماً

يبدو أن عودة سورية إلى ساحة صراع إقليمي مباشر ليست احتمالاً وشيكاً في ظل الظروف الراهنة، لكنها تبقى معادلة مفتوحة على تطورات قد تكون مفاجئة. فقد تسعى إيران، بشكل غير مباشر، إلى استخدام الأراضي السورية لتوسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل، عبر أسلوب "حرب الوكلاء" لتجنب المواجهات المباشرة.

على الجانب الآخر، يواجه نظام الأسد تحديات داخلية ضخمة وأزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية متفاقمة، مما يجعله أقل ميلاً لفتح جبهة عسكرية ضد إسرائيل. وأي تحرك في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى رد فعل إسرائيلي قوي قد يعيد النظام إلى دوامة عدم الاستقرار التي يسعى للخروج منها.

أما روسيا، الحليف الأقوى لنظام الأسد، فتنظر إلى أي تصعيد عسكري بقلق بالغ بعد استثمارها العسكري والسياسي الكبير في سورية، كما أنها تروج "كلاسيكياً" لفكرة الحلول السياسية والدبلوماسية للصراعات في الشرق الأوسط، وعودة سورية كساحة جديدة للصراع تتعارض مع هذه الرؤية.

بناءً على ذلك، يمكن القول: إن سورية ستظل ساحة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، لكنها في الوقت الحالي أقرب إلى سيناريوهات التصعيد المحدود والمدروس بدلاً من المواجهة المفتوحة والمباشرة. والتي تبقى احتمالاتها مرهونة بتغيرات جوهرية في خارطة المواقف، إلا أن الخيارات الإيرانية المتاحة تبدو أكثر ميلاً نحو الحفاظ على الوضع القائم، والانخراط التدريجي في استراتيجية الإسناد، مع السعي لتجنب الانزلاق إلى مواجهات إقليمية قد تكون نتائجها غير محسوبة.

التصنيف مقالات الرأي
الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2024 12:46

النفاذ للتشريعات..حق آخر غيّبه نظام الأسد

ملخص تنفيذي

  • منع نظام الأسد خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2023 نشر /140/ تشريعاً، /110/ منها صدرت بمراسيم تشريعية، و/30/ صدرت بقوانين، واستند النظام على المادة 3 من قانون النشر رقم 5 لعام 2004 من أجل عدم نشر هذه التشريعات "بناء على ضرورة الدفاع الوطني ومقتضيات سلامة الدولة".
  • يتولى بشار الأسد بصفته "رئيس الجمهورية" السلطة التشريعية في البلاد /201/ يوم بمقابل /164/ يوماً لمجلس الشعب في السنة الواحدة، كما يُصدر مراسيم تشريعية خلال العُطل الرسمية أو حتى أثناء انعقاد الدورات العادية لمجلس الشعب، والتي توزع على ثلاث دورات سنوياً.
  • في الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2023، صدر /1,230/ نصاً تشريعياً، منها /716/ صدرت بمراسيم تشريعية بمقابل /514/ صدرت بقوانين، وتشكل التشريعات غير المنشورة منها والبالغ عددها /140/ تشريعاً ما نسبته 11.4% من مجمل التشريعات الصادرة.
  • بلغ عدد الاتفاقيات الدولية التي صادق أو وافق عليها النظام /153/ اتفاقية، منها /80/ اتفاقية صدرت بقانون عن مجلس الشعب، في حين أن /73/ منها صدرت بمرسوم تشريعي، وتعمّد النظام إخفاء نصوص /25/ اتفاقية منها على الرغم من أن قانون النشر يفرض نشر النص الكامل لهذه الاتفاقيات أو ملخص عنها على الأقل.
  • يعتبر موقع مجلس الشعب أحد أهم المواقع الرسمية التي يُفترض أن تُنشر فيه كافة التشريعات –المسموح بنشرها– إلا أن الواقع مختلف تماماً، ويفتقر القائمون عليه إلى الخبرة والانضباط، ويشوب عملهم الكثير من الأخطاء، بالمقابل يتمتع القائمون على الجريدة الرسمية بضبط عالٍ وخبرة واسعة، ونسبة الأخطاء لديهم شبه معدومة، ولكن يُعاب عليها عدم توفرها بشكل إلكتروني من مصدرها الرسمي.
  • ينبغي مطالبة نظام الأسد بالإفصاح عن هذه التشريعات التي تم منع نشرها، بالإضافة إلى نشر الجريدة الرسمية عبر بوابة إلكترونية رسمية وبشكل مجاني، وتحسين عملية النشر الإلكتروني الخاص بمجلس الشعب وتدارك كافة التشريعات المنشورة التي لم يتم وضعها بنسختها الإلكترونية في موقع المجلس. باعتبار أن الوصول للمعلومات حق أساسي وأصيل للمواطنين.
  • إن منع النظام للمعلومات ليس مجرد فشل إداري، بل هو استراتيجية متعمدة للسيطرة على الوصول إلى التشريعات، مما يعيق حق الجمهور في الاطلاع، كما أن هذه الممارسة تقوض سيادة القانون والمساءلة. وتستخدم المادة 3 من قانون النشر كأداة أمنية لحجب المعلومات التي يُنظر إليها على أنها تهديد لسلطة النظام، وليس لحماية الأمن الوطني فعلياً.
  • ينبغي معالجة الخلل الحاصل في الصلاحيات التشريعية للسلطة التنفيذية لضمان حكم ديمقراطي، فقد مارس بشار الأسد سلطة التشريع بشكل متكرر ودون أن يكون هناك ضرورة، مما يتجاوز في كثير من الأحيان دور مجلس الشعب. كما يجب أن تتضمن الإصلاحات الدستورية ضوابط صارمة تحد من سلطة التشريع للسلطة التنفيذية بشكل واضح.

مدخل

ينتهج نظام الأسد سياسة متواصلة منذ سنوات في منع نشر بعض النصوص التشريعية، مخالفاً بذلك حق الشعب السوري في الوصول إليها، مما يوقع الكثير ممن يُطبَّق عليهم القانون في مشكلة نفاذه دون علمهم المسبق بهذه النصوص استناداً لقاعدة "لا جهل بالقانون"، ويشجع النظام عبر هذه السياسة زيادة الفساد الإداري و المالي في المؤسسات الحكومية والجهات النافذة بتجاوز معايير الشفافية والمساءلة، لتستشري الرشاوى والمحسوبيات والابتزاز تجاه المواطنين، بوجود خدمات لا ترقى لأدنى معايير الجودة، ناهيك عن التأثير السلبي في قطاع الأعمال عبر خلق بيئة يسود فيها عدم اليقين نتيجة حجب المعلومات ومنع الوصول إليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعلومات الواردة في النصوص التشريعية ضرورية للأفراد والشركات والمنظمات لاتخاذ قراراتهم بناءً على معطيات صحيحة.

ستقدم هذه الورقة تعريفاً بأنواع النصوص التشريعية في سورية، وترصد عدد الصادر منها منذ عام 2010 وحتى 2023، وكذلك إظهار عدد التشريعات غير المنشورة بحسب كل عام بناءً على الأرقام التسلسلية لكل من القوانين والمراسيم التشريعية كل على حدة، مع ذكر الأسس القانونية لعملية النشر وكذلك وضع الاتفاقيات الدولية التي منع النظام نشر كامل تفاصيلها أو ملاحقها.

اعتمدت منهجية الورقة على مجموعة من المراحل وعمليات التحقق من عدة مصادر مختلفة، من أجل التأكد التام بألا يكون هناك أي نص تشريعي قد تم اعتباره غير منشور، عبر بناء قاعدة بيانات خاصة بكافة التشريعات الصادرة منذ عام 2010 وحتى نهاية 2023، تتضمن رقم وعنوان كل نص تشريعي وتاريخ نشره، وذلك من خلال البحث في المواقع الرسمية المتاح الوصول إليها عبر الانترنت، كموقع مجلس الشعب وموقع رئاسة مجلس الوزراء ومواقع الوزارات المختلفة، وكذلك موقع الوكالة السورية للأنباء "سانا"، بالإضافة للصحف المطبوعة وغير المطبوعة الرسمية منها وغير الرسمية، وغيرها من المصادر.

والأهم من ذلك كُله، تم البحث في كافة أعداد "الجريدة الرسمية" باعتبارها الوسيلة الرسمية المعتمدة من قبل الدولة لنشر التشريعات والمراسيم والقرارات الوزارية وغيرها، وسمحت قاعدة البيانات بإحصاء كافة التشريعات وتحديد غير المنشورة منها، وكذلك إحصاء عدد الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة أو الموافقة عليها، والتأكد مما إذا كانت نصوصها وملاحقها قد نُشرت كاملة أم لا.

مع العلم أن الوصول إلى الجريدة الرسمية ذاتها غير متاح عبر الإنترنت بشكل رسمي عبر موقع أو بوابة إلكترونية مُعتمدة من قبل الدولة، حيث تم الاعتماد على عدة مصادر تتوفر لديها الجريدة الرسمية كإجراء إضافي للتأكد من عدم وجود أي نقص في أعداد الجريدة الرسمية.([1])

النصوص التشريعية: بين القانون والمرسوم التشريعي

حدد دستور 2012 في المادة 55 منه أن يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية في الدولة وهي حق أصيل للمجلس، كما حدد الدستور في المادة 113 "تولي رئيس الجمهورية سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، أو أثناء انعقادها إذا استدعت الضرورة القصوى ذلك، أو خلال الفترة التي يكون فيها المجلس منحلاً"،([2]) وهذه الحالة إشكالية بحد ذاتها لارتباطها بمعيار مرن وغير محدد وهو معيار "الضرورة" التي يجب أن تفسر في أضيق حدودها، فلا يمكن لـ"رئيس الجمهورية" أن يمارس سلطة التشريع إلا في حالة وجود استعجال لا يحتمل التأخير، مثل حالات الحرب أو الكوارث أو أي حدث يستوجب سرعة الاستجابة. علماً بأن مجلس الشعب يعقد، وفق نظامه الداخلي، ثلاث دورات عادية في السنة.([3])

تُقسم النصوص التشريعية في سورية إلى قسمين: "القوانين"، وهي النصوص التشريعية التي يقرها مجلس الشعب ثم يصدرها "رئيس الجمهورية"، و"المراسيم التشريعية"، وهي النصوص التي يصدرها "رئيس الجمهورية" مباشرة وتُعرض لاحقاً على مجلس الشعب للتصديق كإجراء روتيني. وغالباً ما تُصدر المراسيم التشريعية خارج تواريخ انعقاد الدورات العادية لمجلس الشعب، أو في حالات رفع الجلسات بنهاية العطل الرسمية خلال انعقاد دورات المجلس.

صورة 1

يتولى بشار الأسد بصفته "رئيس الجمهورية" ورئيس السلطة التنفيذية عملية التشريع خلال أيام السنة أكثر من السلطة التشريعية في البلاد،([4]) ويتولاها منفرداً لـ/201/ يوم مقابل /164/ يوماً لمجلس الشعب في السنة الواحدة، كما لا يمنعه ذلك من إصدار مراسيم تشريعية حتى في عطلات نهاية الأسبوع أو في الأيام العادية خلال انعقاد الدورات.

على سبيل المثال، أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 37 لعام 2023، بتاريخ 1 كانون الأول/ديسمبر الموافق ليوم الجمعة،([5]) كما أصدر المرسوم التشريعي 38 لعام 2023، بتاريخ 13 كانون الأول/ديسمبر الموافق ليوم الأربعاء بعد أن تم رفع جلسة المجلس بذلك اليوم لصباح يوم الخميس.([6]) عملياً، يمكن لبشار الأسد أن يتولى التشريع في جميع أيام السنة، سواء استدعت الضرورة ذلك أم لا.

هناك أيضاً "المراسيم التنظيمية"، التي تُختصر بـ "المراسيم"، وغالباً ما يُخلط بينها وبين المراسيم التشريعية. بينما في الواقع، لا تتضمن هذه المراسيم أي تشريعات جديدة، بل تُصدر استناداً إلى نصوص تشريعية سابقة، مثل تعيين الحكومة، أو وزير، أو محافظ، أو سفير، ومنح الأوسمة، وغيرها.

الاستناد القانوني: قانون النشر القانون 5 لعام 2004

يحتكم النشر الرسمي لكافة الصكوك بما فيها التشريعات والقرارات والتعميمات وغيرها من النصوص على قانون النشر القانون 5 لعام 2004، يفصل القانون في مواده تعريف الجريدة الرسمية، وآلية النشر، والصكوك التي تخضع للنشر، وطريقة ترقيم كل منها وترقيم صفحات أقسامها، بالإضافة إلى تحديد الجهة المشرفة على عملية النشر وتحديد الجهة التي تُشرف عليها.([7])

يعتمد نظام الأسد على المادة الثالثة من قانون النشر، لمنع نشر بعض التشريعات، وتنص المادة على أنه: "يجوز بناء على ضرورة الدفاع الوطني ومقتضيات سلامة الدولة عدم نشر بعض القوانين والمراسيم والقرارات وملاحقها في الجريدة الرسمية أو نشرها بصورة مقتضبة على أن يشار إلى ذلك في كلا الحالتين في القانون أو المرسوم أو القرار وعلى الوزارة المختصة في الحالة الثانية أن تحدد النص الموجز الواجب نشره وإرفاقه بالقانون أو المرسوم أو القرار".

سمح التفسير والاستخدام الواسع لهذه المادة لنظام الأسد بالتهرب من نشر بعض التشريعات، مستنداً إلى أحكام هذه المادة التي تتيح له ذلك تحت غطاء قانوني. يترافق هذا الأمر مع قصور واضح في الدستور بشكل عام، وفي حق النفاذ إلى المعلومات بشكل خاص. كما أن نظام الأسد يخالف القوانين الدولية ولا يلتزم بتنفيذ المعاهدات التي وقع عليها، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه في 23 آذار/مارس 1973،([8]) حيث ينتهك نظام الأسد المادة 19 من العهد، التي تنص على أن لـ "كل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".([9]) كما أنه يتجاوز أحكام الفقرة 2 من المادة 3 من قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي 108 لعام 2011، والتي تنص على "حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام".([10])

التشريعات السورية: 2010 – 2023

بناءً على منهجية العمل وقاعدة البيانات المنشأة، تم الوصول إلى جميع التشريعات (القوانين والمراسيم التشريعية) المنشورة، وكذلك معرفة أعداد التشريعات غير المنشورة بالاعتماد على أرقامها التسلسلية لكل من القوانين والمراسيم التشريعية خلال الفترة المذكورة،([11]) صدر خلال هذه الفترة /1,230/ نصاً تشريعياً، منها /716/ بمراسيم تشريعية و/514/ بقوانين، وبلغ عدد النصوص التشريعية غير المنشورة بالمجمل/140/ نصاً، منها /30/ قانوناً و/110/ مراسيم تشريعية، وتشكل النصوص غير المنشورة ما نسبته 11.4% من مجمل التشريعات الصادرة، توضحها الأشكال التالية:

صورة 2

يُلاحظ من الشكل التالي (4)، أن عام 2011 شهد العدد الأكبر من مجمل التشريعات والمراسيم التشريعية. ويشير ذلك إلى وجود فجوة في التشريعات حاول النظام ردمها بعد بداية الثورة من خلال إصدار عدد كبير من النصوص التشريعية. وقد شهدت الأعوام التالية 2012 و2013 انخفاضاً؛ لكنها حافظت على أرقام مرتفعة نسبياً من التشريعات الصادرة، حيث بلغ عدد النصوص 107 و100 نص على التوالي، مما يشير إلى استمرار فترة التعديل التشريعي النشط.

ابتداءً من عام 2014 وحتى 2016، يلاحظ انخفاض تدريجي ملحوظ في إصدار التشريعات، حيث انخفض العدد من 80 نصاً في عام 2014 إلى 58 نصاً في عام 2016، وهو العدد الأقل على الإطلاق. وفي تلك الفترة نُشرت أغلب القوانين،([12]) أما في الفترة الواقعة بين عامي 2017 و2023، فيلاحظ ارتفاع النشاط التشريعي مقارنة بالمرحلة السابقة، مع زيادات طفيفة في السنوات الأخيرة، حيث بلغت ذروتها ب 83 نصاً في عام 2023. إجمالاً، يبلغ متوسط معدل التشريعات السنوي 88 تشريعاً خلال الفترة المدروسة، وينخفض إلى 75 تشريعاً بين عامي 2014 و2023.

صورة 1

يوضح الشكل التالي (5)، التشريعات غير المنشورة خلال الفترة المعينة بشكل مفصل، ويُظهر التباين في عدد التشريعات غير المنشورة سنوياً، مع ذروتين واضحتين في عامي 2011 و2021. ففي عام 2011 مُنع نشر 15 مرسوماً تشريعياً و4 قوانين، مما يشير إلى منع نشر تشريعات تتعلق بأحداث مرتبطة بمجريات الثورة. بينما حدثت الذروة الكبرى في عام 2021، مع منع نشر 21 تشريعاً، منها 15 مرسوماً تشريعياً و6 قوانين، وقد يعكس هذا الأمر استراتيجية جديدة مرتبطة بمرحلة الانتخابات الرئاسية عام 2021 وما يليها.([13])

أما في السنوات من 2012 إلى 2020، فتتراوح أعداد التشريعات غير المنشورة بين 3 إلى 10 سنوياً، ويلاحظ انخفاض عدد التشريعات غير المنشورة في أعوام 2013/ 2014/ 2016/ 2017، مقارنة بارتفاعها في عام 2015 ( عام التدخل العسكري الروسي) إلى 10 تشريعات، 9 منها مراسيم تشريعية. فيما استمرت سياسة منع النشر خلال السنوات الأخيرة 2022 و2023 لتبلغ 12 و13 تشريعاً على التوالي صدر أغلبها بمراسيم تشريعية.

يشير التباين الواضح في عدد التشريعات غير المنشورة بين سنة وأخرى؛ إلى أن هناك سنوات تم فيها منع نشر عدد أكبر من التشريعات مقارنة بسنوات أخرى، نتيجة ظروف معينة كان يمر بها النظام أو نتيجة تحولات في استراتيجياته، مما استدعى منع نشر هذه التشريعات. وفي حين شكل عام 2021 عام الذروة في عدد التشريعات غير المنشورة؛ سجـل عام 2016 العدد الأقل بـ 3 مراسيم تشريعية غير منشورة.

صورة 1

يُظهر الاتجاه العام خلال فترة الدراسة أن غالبية التشريعات كانت منشورة، خاصة القوانين، بينما كانت المراسيم التشريعية أكثر عرضة لمنع النشر. ويتماشى هذا النمط مع نهج النظام وعقليته وارتباط سلوكه بالأوضاع السياسية والأمنية السائدة. إذ تهدف هذه السياسة إلى السيطرة على المعلومات ومنع الوصول إلى التشريعات التي قد تُعتبر حساسة أو تؤثر على استقرار النظام أو صورته أمام العامة، خصوصاً في مناطق سيطرته.

 

 الشكل(6): شكل تفاعلي للتشريعات الصادرة خلال الفترة 2010 – 2023

 

تختلف النسب المئوية للتشريعات المنشورة وغير المنشورة بحسب السنوات، ولا يشترط أن يكون العام الذي شهد عدداً كبيراً من التشريعات هو نفسه العام الذي يشهد عدداً كبيراً من التشريعات غير المنشورة.

يوضح الشكل التالي (7)، توزع النسب المئوية للقوانين والمراسيم التشريعية غير المنشورة حسب نوعها وعددها الإجمالي. وتشكل النسبة المئوية للقوانين غير المنشورة خلال فترة الدراسة 5.8% من إجمالي القوانين، في حين تشكل نسبة المراسيم التشريعية غير المنشورة 15.4% من إجمالي المراسيم التشريعية. أما النسبة المئوية للتشريعات (قوانين ومراسيم تشريعية) غير المنشورة فهي 11.4% من إجمالي التشريعات الصادرة خلال الفترة المحددة.([14])

صورة 1

الاتفاقيات الدولية: إخفاء نصوص بعض الاتفاقيات

يتولى مجلس الشعب، بحسب الفقرة 6 من المادة 75 من دستور عام 2012، عملية "إقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، وهي معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، أو الاتفاقيات التي تمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية، وكذلك المعاهدات والاتفاقيات التي تُحمّل خزانة الدولة نفقات غير واردة في موازنتها أو التي تتعلق بعقد القروض أو التي تخالف أحكام القوانين النافذة ويتطلب نفاذها إصدار تشريع جديد". ويمارس "رئيس الجمهورية" هذا الحق ضمن حدود صلاحياته التشريعية الاستثنائية.

خلال الفترة بين عام 2010 ونهاية 2023، تمت المصادقة أو الموافقة على /153/ اتفاقية دولية، منها /80/ اتفاقية صادق عليها مجلس الشعب وصدرت بقانون، بينما صدرت /73/ منها بمرسوم تشريعي. علماً أن الاتفاقيات المذكورة هنا تشمل ما تمت المصادقة أو الموافقة عليها دون التطرق إلى تلك التي تحمل صيغة الانضمام، حيث تُعتبر المصادقة أو الموافقة أعلى مراحل الالتزام.

اللافت في الأمر، أنه بعد التحقق من كافة التشريعات المنشورة، تبين أن هناك /25/ اتفاقية دولية في عام 2010، واحدة منها فقط لم يُنشر نصها، و/24/ اتفاقية أخرى بعد عام 2011 تم التصديق عليها دون نشر الاتفاقية الأصلية أو حتى مُلخص عنها كما يفرض قانون النشر، حسب الفقرة 11 من المادة 2 التي تنص على وجوب نشر العقود أو الاتفاقيات "مع النص الكامل لهذه العقود أو الاتفاقيات وجميع التعديلات التي تطرأ عليها". ومع ذلك، يتم الاستناد إلى المادة الثالثة من القانون المذكور أعلاه لإخفاء نص الاتفاقية بالكامل وعدم نشره في الجريدة الرسمية أو حتى نشر ملخص عنه كما يفرض قانون النشر.

ويقصد بـ "نص الاتفاقية" هنا، ما تم الاتفاق عليه فعلياً بين الأطراف الموقعة عليها، ولا يُعنى بذلك التشريع الذي يعلن عن هذه الاتفاقية. ففي كثير من الأحيان، يتم الإعلان عن اتفاقية ما وينشر تشريع عنها، إما بقانون أو مرسوم تشريعي، ولكن دون التصريح بمحتوى هذه الاتفاقية.

صورة 1

يُلاحظ من الشكل التالي (10)، أن عام 2010 شهد العدد الأكبر من الاتفاقيات الدولية المُصادق عليها، اتفاقية واحدة منها فقط لم يُنشر نصها. ويأتي عام 2011 في المرتبة الثانية من حيث عدد الاتفاقيات المصادق عليها. فيما يُلاحظ انخفاض عدد الاتفاقيات المصادق عليها بعد عام 2011. وآخر عام تم فيه الموافقة أو المصادقة على اتفاقيات دولية بمرسوم تشريعي كان عام 2017 ولم يُنشر نصها وذلك في حال لم توجد أي اتفاقية (نص تشريع من ضمن الـ 140 نص غير المنشور) لم يتم نشرها بالكامل بعد ذلك التاريخ. أما الاتفاقيات بعد ذلك العام صدرت بقانون، وشهد عام 2018 العدد الأكبر من الاتفاقيات التي لم يُنشر نصها، حيث بلغ عددها /9/ اتفاقيات من أصل /11/، يليه عام 2019، ب /6/ اتفاقيات من أصل /11/ اتفاقية.

صورة 1

يُذكر أن من بين الاتفاقيات الدولية غير المنشورة، المرسوم التشريعي 61 لعام 2013 (انظر الملحق)،([15]) المتعلق بالموافقة على انضمام سورية إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها. وتأتي هذه الموافقة بعد الصفقة التي تمت مع الولايات المتحدة الأمريكية برعاية روسية، والمتعلقة بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية، وذلك بعد أقل من شهر من الهجوم الذي نفذته قوات النظام بالأسلحة الكيميائية على الغوطة الشرقية بريف دمشق.

إن ما سبق لا ينفي وجود اتفاقيات تمت المصادقة أو الموافقة عليها ولم تُنشر أبداً، وبالتالي تُعد من ضمن التشريعات غير المنشورة، مثل الاتفاقية الخاصة بنشر القوات الروسية في سورية عام 2015، والتي لم يُعرف النص التشريعي الذي صدرت به. إلا أن محتواها أصبح معروفاً من خلال نص الاتفاقية التي صادق عليها مجلس "الدوما" الروسي لاحقاً([16]).

قلّة الخبرة وتقييد الوصول

يُعتبر موقع مجلس الشعب أحد أهم المواقع الرسمية التي يُفترض أن تُنشر فيها كافة النصوص التشريعية المسموح بنشرها، باعتباره نافذة السلطة التشريعية في البلاد. إلا أن الواقع مختلف تماماً؛ حيث يفتقر القائمون على الموقع إلى الخبرة والانضباط اللازمين للعمل. وعلى الرغم من وجود تبويب خاص في موقع المجلس يدعى "التشريعات السورية"، إلا أن عدداً كبيراً من التشريعات لا يتم نشرها على الموقع. كما يحدث أحياناً نشر قوانين أو مراسيم على أنها مراسيم تشريعية، مما يعكس نقص الخبرة. بالإضافة إلى ذلك، تنشر بعض النصوص التشريعية في تبويب "أخبار الموقع" بدلاً من نافذة التشريعات المخصصة لهذا الغرض، وفي أحيان أخرى تنشر "المراسيم" في قائمة التشريعات، على الرغم من أن المراسيم ليست نصوصاً تشريعية كما ورد أعلاه. 

كما يُعاب على الموقع حذف التشريعات القديمة مع كل تحديث له، مما يصعّب الوصول إلى هذه التشريعات ويخلق فجوة معرفية تتسع مع الوقت. ولا تقتصر مشاكل موقع مجلس الشعب على ذلك، بل تتعداها إلى مشاكل أكبر، حيث يفتقر الموقع إلى حسابات نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت حاجة ملحة تسهم في إيصال التشريعات والمعلومات للسوريين من مصادرها الرسمية.

بالمقابل، يتمتع القائمون على الجريدة الرسمية بضبط عالٍ وخبرة واسعة، ونسبة الأخطاء لديهم شبه معدومة. ومع ذلك، يُعاب على الجريدة الرسمية عدم توفرها بشكل إلكتروني من مصدرها الرسمي، كما أن الاشتراك السنوي يقارب 1.7 مليون ليرة، وتزداد قيمته كل عام. يشكل هذا المبلغ ستة أضعاف الحد الأدنى للرواتب، كما أن من يحاول الاشتراك بها من العامة قد يتعرض للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية حول أسباب اشتراكه، خصوصاً إذا كان شخصاً عادياً دون صفة معينة تبرر اشتراكه، كأن يكون محامياً أو ممثلاً لإحدى الشركات التي يتطلب عملها الوصول إلى الجريدة الرسمية.

تشريعات غير منشورة

تسمح قلّة الخبرة أحياناً بنشر تشريعات على موقع مجلس الشعب عن طريق الخطأ، رغم أن نص التشريع لا يسمح بنشر هذه التشريعات، حيث تحدد المادة الأخيرة من أي نص تشريعي جواز نشره من عدمه. على سبيل المثال، تم نشر المرسوم التشريعي 56 لعام 2011 بتاريخ 21/4/2011 (انظر الملحق)، والذي يتضمن "إبقاء مفاعيل الأوامر والقرارات العرفية الصادرة بالاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة في ظل نفاذ حالة الطوارئ المعلنة استناداً لأحكام المرسوم التشريعي 51 لعام 1962 سارية المفعول"، وهو عبارة عن خمس مواد تنص المادة الخامسة منه على: "لا ينشر هذا المرسوم ويعتبر نافذاً من تاريخ صدوره"([17])، علماً أن تاريخ صدور هذا المرسوم يتزامن مع يوم إلغاء حالة الطوارئ بموجب المرسوم 161 لعام 2011، كما يتزامن مع إلغاء محكمة أمن الدولة بالمرسوم التشريعي 53، وإصدار المرسوم التشريعي 54 الناظم لحق التظاهر السلمي، بالإضافة إلى المرسوم التشريعي 55 الذي عدّل المادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ([18]). وقد صدرت هذه التشريعات في الشهر الثاني من عمر الثورة السورية.

كذلك في عام 2012، صدر المرسوم التشريعي 4 لعام 2012([19])، القاضي بتعيين العاملين في حزب البعث العربي الاشتراكي والمنظمات الشعبية الوارد ذكرها في المادة 16 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، من غير المنتخبين أو المكلفين بمهام قيادية، والمنتهية خدماتهم من هذه الجهات على شواغر محدثة حكماً لهذه الغاية، وبالأجور التي وصلوا إليها عند تاريخ إنهاء خدماتهم، مع احتفاظهم بقدمهم السابق المؤهل للترفيع. علماً أن المادة 4 من هذا المرسوم التشريعي نصت على: "يبلغ هذا المرسوم التشريعي من يلزم لتنفيذه" دون الإشارة إلى النشر، ولكن تم نشره على موقع مجلس الشعب رغم أنه لم ينشر في الجريدة الرسمية إطلاقاً.

بناءً على التشريع السابق، قام بشار الأسد بتعيين عدد كبير من كوادر حزب البعث في مؤسسات الدولة الرسمية دون أي مسابقة توظيف، وذلك قبل عدة أشهر من إقرار دستور جديد للبلاد الذي أزيلت فيه المادة الثامنة -شكليّاً- من الدستور السابق، والتي كانت تنص على أن "حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة".

في بعض الأحيان، تلعب متابعة نشاط مجلس الشعب دوراً محورياً في معرفة القوانين التي تم إقرارها، ولم تنشر لاحقاً. على سبيل المثال، أقرَّ مجلس الشعب في 23 تشرين الثاني 2022 قانوني قطع الحساب الختامي لموازنتي 2019 و2020، وهما يطابقان الفترة الزمنية المفترضة لصدور القانون 39 والقانون 40 لعام 2022، ومع ذلك لم يتم نشرهما، وتم القفز بالرقم التسلسلي للقوانين من 38 إلى 41 بشكل مباشر. ([20]) وهذا ينطبق على ما حدث بنهاية عام 2023، حيث تم إقرار قانوني قطع الحساب الختامي لكل من عامي 2021 و2022، ومع ذلك لم يتم نشرهما أبداً.([21]) علماً أن قانون قطع الحساب الختامي يختلف عن القانون الذي يُنشر بنهاية كل عام ويضم قيمة الموازنة والتقديرات المالية الواجب إنفاقها لكل عام مقبل، إذ يتضمن قيم الإنفاق الحكومي الفعلي خلال العام.

إن معرفة رقم النص التشريعي وترتيبه ليست مهمة بقدر معرفة فحوى هذا النص، وفي هذه الحالة، ستبقى قوانين قطع الحساب الختامي للموازنات السابقة طي الكتمان ومجهولة تماماً، وبالتالي لن يُعرف كيف وأين تم صرف الموازنة العامة للدولة، إلا في حال تسريبها أو نشرها علناً، وهذا ينطبق على كافة النصوص التشريعية التي منع النظام نشرها خلال السنوات الطويلة من حكمه.

من جهة أخرى، تسمح أحياناً بعض التسريبات بنشر بعض التشريعات التي يحدد النظام في المادة الأخيرة منها عدم نشرها في الجريدة الرسمية. على سبيل المثال، صدرت المراسيم التشريعية ذوات الأرقام (13-14-15-16) لعام 2023، والتي تتضمن رفع رواتب أصحاب المناصب العليا، كنائب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء، والمحافظين، وغيرهم ([22]).

الخاتمة

أسوة بحملات تكميم الأفواه وقمع الحريات، وكذلك القمع الممنهج الذي يمارسه نظام الأسد منذ عقود بحق الشعب السوري، وبالإضافة إلى مجمل انتهاكات الحقوق والحريات العامة، وعلى رأسها الحق في الحياة، ومع أنه لا يمكن قياس هذا الضرر على الشعب مقابل انتهاك حقه في الحياة، إلا أن سياسة حجب المعلومات هذه تُعدُّ سياسةً ممنهجةً وتقف سداً أمام الوصول إلى تشريعاتٍ نافذةٍ، وبالتالي معلوماتٍ يُفترض أن تكون متاحةً للعامة.

لا يتوقف الأمر عند رغبة نظام الأسد في عدم الإفصاح عن بعض التشريعات وعدم نشرها في الجريدة الرسمية نتيجة الاستخدام الواسع للمادة الثالثة من قانون النشر، التي تسمح بقوة القانون بارتكاب انتهاكاتٍ لحق النفاذ إلى المعلومات، إذ يمكن اعتبار هذه المادة كجهاز أمني يُرشّح كل ما يمكن أن يمسّ أمن النظام وليس الأمن الوطني للدولة؛ بل يتعدى الأمر ذلك إلى إصدار تشريعاتٍ أخرى تُنشر في الجريدة الرسمية إلا أنها تُهمل تماماً ولا تُنشر في المواقع الرسمية ووسائل الإعلام رغم أهميتها. ناهيك عن أن بعض السوريين يعتقدون أن "الجريدة الرسمية" تعني الجرائد المطبوعة مثل البعث وتشرين والوحدة.

ورغم اعتماد العديد من الدول على الجريدة الرسمية الإلكترونية كوسيلةٍ حديثةٍ لنشر تشريعاتها والقرارات الأخرى، وعدم إمكانية الاستغناء عنها بسبب ما وصلت إليه التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن النظام لم يتخذ هذه الخطوة، متعمّداً إحاطة منظومته التشريعية بالغموض ومنع الوصول إليها. وهذا الفعل يُصنَّف على أنه مخالفةٌ للدستور الذي ينص في مادته الـ 35 على وجوب احترام كل مواطنٍ للدستور والقوانين. وعبر هذه السياسة، يعطّل النظام قدرة المواطن على الالتزام بهذا الواجب بسبب جهله وعدم قدرته على الوصول لتلك النصوص.

من منظورٍ أوسع، ينبغي على المنظمات الحقوقية والأممية مطالبة النظام بالوفاء بالتزاماته تجاه العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها "الدولة السورية"، والإفصاح عن هذه التشريعات التي تم منع نشرها. بالإضافة إلى ذلك، يجب نشر الجريدة الرسمية بشكلٍ مجاني وتحسين عملية النشر الإلكتروني الخاص بمجلس الشعب، وتدارك كافة التشريعات المنشورة التي لم تُوضع بنسختها الإلكترونية في موقع المجلس.

أما مستقبلاً، فلا بد من تلافي قصور الدستور بشكلٍ عام وتلافي انتهاك حق النفاذ إلى المعلومات بشكلٍ خاص، من خلال دسترتها والعمل على إصدار قانونٍ جديدٍ للنشر. ربما يكون من الضروري تأسيس هيئةٍ عامةٍ تسمح بالوصول إلى كافة المعلومات وليس التشريعات فقط، وإحداث هيئةٍ رقابيةٍ تضمن التزام الحكومة بحق المواطنين في الوصول إلى المعلومات. وهذا من شأنه أن يسهم في تعزيز حق المواطنين في المعرفة والمشاركة في الحياة العامة وممارسة حق التعبير، ومكافحة الفساد والهدر المالي، كما يعزز الشفافية والنزاهة والبحث العلمي، ويسهم في خلق اقتصادٍ قويٍّ يعتمد على معلوماتٍ محايدة، وبالتالي ضمان ركنٍ مهمٍ من المشاركة في الحكم وتعزيز أدوات الديمقراطية.

بالإضافة إلى ما سبق، ينبغي معالجة موضوع تولي رأس السلطة التنفيذية في البلاد لسلطة التشريع لمدةٍ أطول من السلطة التشريعية نفسها. وهذا الأمر بالغ الخطورة؛ فخلال فترة الدراسة، شرّع بشار الأسد نصوصاً تشريعيةً أكثر من مجلس الشعب، ولم يكتفِ بذلك، بل احتكر تشريعاتٍ معينةً من صلاحيات السلطة التشريعية مثل إصدار العفو العام وتحديد الرواتب والمعاشات التقاعدية، وأيضاً تصديق بعض الاتفاقيات الدولية. لذلك، لا بد من تقييد استخدام حق التشريع للسلطة التنفيذية بضوابط دستوريةٍ دقيقةٍ وواضحة، بحيث لا يُسمح للمنفذ أن يكون مشرّعاً إلا في حالاتٍ محددةٍ بذاتها، دون السماح بالتأويل، لضمان عدم مصادرة صلاحيات السلطة التشريعية لصالح التنفيذية.

ملحق

يوضح الشكل التالي كافة التشريعات غير المنشورة خلال الفترة 2010 – 2023، مقسمة بحسب نوع كل منها وجهة وعام إصدارها.

 الشكل(11): شكل تفاعلي للتشريعات غير المنشورة خلال الفترة 2010 – 2023

 

 

 

الصورة (1): المرسوم التشريعي 1 لعام 2022

 

الصورة (2): المرسوم التشريعي 56 لعام 2011

 

 

الصورة (3): المرسوم التشريعي 61 لعام 2013

 


 

([1]) تم الاعتماد على ثلاثة مصادر تملك وصولاً للجريدة الرسمية لزيادة المطابقة: المصدر الأول: نسخة لدى الباحث، المصدر الثاني: مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية في سورية: https://opensyr.com؛ المصدر الثالث: Syria Report: https://syria-report.com

([2]) "دستور عام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 27/02/2012 ، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fpJiHt

([3]) تنص المادة 7 من النظام الداخلي لمجلس الشعب أنه يَعقدُ ثلاث دورات عادية في السنة وفق الآتي: الدورة الأولى: من الأحد الثالث من شهر كانون الثاني، وحتى الخميس الأخير من شهر آذار، الدورة الثانية: من الأحد الأول من شهر أيار، وحتى الخميس الأخير من شهر حزيران، الدورة الثالثة: من الأحد الثالث من شهر أيلول، وحتى الخميس الثالث من شهر كانون الأول. للمزيد راجع: "النظام الداخلي لمجلس الشعب"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 30/07/2017، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3NidG5o

([4]) حظر دستور عام 1950 على السلطة التنفيذية إصدار التشريعات، للمزيد راجع: دستور سورية 1950، Constitution Net، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4cx2eQE

([5]) "المرسوم التشريعي 37 لعام 2023"، سانا، تاريخ النشر: 01/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4dwhyxO

([6]) "المرسوم التشريعي 38 لعام 2023"، سانا، تاريخ النشر: 13/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4e622IT

([7]) "القانون 5 لعام 2004"، موقع الاقتصادي، تاريخ النشر: 22/03/2004، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3WwC0bD

(([8] "لا مجال للتنفس القمع الحكومي للنشاط بمجال حقوق الإنسان في سوريا"، هيومن رايتس ووتش HRW، تاريخ النشر: تشرين الأول /أكتوبر2007، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3A2MOoF

([9]) "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الأمم المتحدة، تاريخ الوصول: 31/07/2024، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3LMK8hO

([10]) "المرسوم التشريعي 108 لعام 2011 المتضمن قانون الإعلام"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 28/08/2011، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4g1ceDO

([11]) لكل من القوانين والمراسيم التشريعية نظام ترقيم تسلسلي خاص به بشكل منفصل، حيث تمتلك القوانين تسلسلاً فريداً والمراسيم التشريعية تسلسلاً فريداً، ويبدأ كل منهما من جديد مع بداية كل عام، وبالتالي تم اعتماد آخر رقم لكل من القوانين والمراسيم التشريعية الصادرة على اعتباره آخر تشريع صادر، وبناءً على منهجية العمل وفي حال وجود تشريعات غير منشورة صدرت في نهاية العام بعد آخر رقم تسلسلي معروف، فلن يتم احتسابها نظراً لعدم القدرة على التأكد من وجودها في نهاية سلسلة التشريعات لكل عام.

([12]) قانون واحد فقط لم يتم نشره، وهو القانون 17 لعام 2015.

([13])محسن المصطفى، "النظام السوري: رسائل السياسة المحلية إلى المجتمع الدولي"، معهد التحرير لسياسية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تاريخ النشر: 15/09/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3SjGexV

([14]) تم احتساب النسبة على الشكل التالي:

  • نسبة القوانين غير المنشورة إلى إجمالي القوانين.
  • نسبة المراسيم التشريعية غير المنشورة إلى إجمالي المراسيم التشريعية.
  • نسبة التشريعات (قوانين + مراسيم تشريعية) غير المنشورة إلى إجمالي التشريعات.

([15]) هذه الاتفاقية لم يتم نشرها أبداً، وتُحسب من ضمن المراسيم التشريعية غير المنشورة الواردة في الشكل (5)، ولا تدرج ضمن حساب الاتفاقيات الواردة في الشكل (9) باعتبار أنه للاتفاقيات المصادق والموافق عليها والمنشورة سواء أتم نشر "نص الاتفاقية" بالكامل أو لا. تم تسريب صورة للمرسوم التشريعي 61 لعام 2013، يمكن الاطلاع عليها في الملحق.

([16]) "القانون الاتحادي الروسي 376 لعام 2016، المصادقة على اتفاقية نشر القوات الجوية في سورية"، موقع الكرملين، تاريخ النشر: 14/10/2016، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Wlym2w

([17]) "المرسوم التشريعي 56 لعام 2011"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21/04/2011، رابط إلكتروني: https://bit.ly/4biZJjQ

([18]) وخص الضابطة العدلية أو المفوضين بمهامها باستقصاء الجرائم المنصوص عليها في بعض المواد من قانون العقوبات وجمع أدلتها والاستماع إلى المشتبه بهم فيها على ألا تتجاوز مدة التحفظ عليهم سبعة أيام قابلة للتجديد من النائب العام وفقاً لمعطيات كل ملف على حدة وعلى ألا تزيد هذه المدة على ستين يوماً.

([19]) "المرسوم التشريعي 4 لعام 2012"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 02/01/2012 ، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3JPBZrF

([20]) "إقرار قطع الحساب الختامي لموازنتي 2019 و2020"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 23/10/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3ycroEP

([21]) "إقرار قطع الحساب الختامي لموازنتي 2021 و2022"، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 13/12/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3QAZ4Ca

([22])"رفع رواتب أصحاب المناصب الرفيعة في سوريا"، سبوتنيك عربي، تاريخ النشر: 20/08/2023، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3UwwiUL

التصنيف أوراق بحثية

تمهيد

منذ أن أعلنت "الإدارة الذاتية" استعدادها لإجراء الانتخابات المحلية في مناطق سيطرتها لم تتوقف التهديدات التركية بشأن استهداف مشروعها، إذ ترى تركيا أن الانتخابات هي وسيلة لترسيخ الهياكل الحوكمية للإدارة بشكل يصعّب تقويضها في المستقبل. تزامناً مع ذلك، شهد مسار التقارب التركي مع نظام الأسد تطورات نوعية[1]، بمساعٍ حثيثة من موسكو لتسريع مسار التقارب بين الجانبين ورعاية لقاء ثنائي على المستوى الرئاسي يجمع أردوغان مع بشار الأسد، استعداداً لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية واحتمالية عودة ترامب للسلطة وتداعيات ذلك على المنطقة، إضافة إلى المخاوف الإقليمية المتعلقة باندلاع حرب جديدة في لبنان وامتداد تأثيراتها إلى الساحة السورية.

أثارت أجواء هذا التقارب مخاوف الإدارة، معتبرة ذلك "خطراً وجودياً" عليها واصفة هذا المسار بأنه "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري"[2]. يتناول تقدير الموقف هذا دوافع تركيا للتقارب مع نظام الأسد، والسيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة الذاتية مع الواقع الجديد.

تحوّل تركي استراتيجي أم تكتيكي

مرَّت السياسة التركية تجاه سورية منذ 2011 بتحولات عديدة متأثرة بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، من دعم التحول الديمقراطي إلى استراتيجية أمنية-عسكرية تركز على حماية حدودها ومحاربة "الإرهاب" من خلال التدخل العسكري المباشر ودعم الجيش الوطني السوري.

وبعد دخول الملف السوري في حالة الاستعصاء السياسي وتجميد الصراع مما أدى إلى تثبيت الحدود الأمنية التي تفصل بين مناطق السيطرة، زاد العبء على تركيا من حيث استمرار وجود ملايين اللاجئين على أراضيها، واستمرار التهديد الأمني على حدودها، ووجود اتفاقات أمنية مع الولايات المتحدة وروسيا تعيق أي عمل عسكري جديد. وفي هذا السياق تأتي المحاولات التركية للتقارب مع نظام الأسد بدعم روسي بحثاً عن مسارات بديلة لتحقيق مصالح تركيا وحفظ أمنها القومي.

ويمكن قراءة الحماس التركي للتقارب مع النظام في بعدين أساسيين، أولهما مرتبط بالتطورات الإقليمية-الدولية ويتجلى في ثلاثة دوافع رئيسية:

  • عودة ترامب إلى السلطة: تطمح تركيا لاستعادة علاقات وثيقة وأكثر ودية مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة جديدة يقودها ترامب، بناء على وجود تفاهمات خاصة بين الرئيسين حول عدد من القضايا الإقليمية خلال فترة رئاسة ترامب السابقة، حيث تتوقع أنقرة أن تكون سياسات ترامب الخارجية أكثر توافقاً مع مصالحها، بما في ذلك إمكانية إعادة النظر في وجود القوات الأمريكية في سورية وإدارة العلاقة مع روسيا والتعامل مع "قسد". ولذلك، تسعى تركيا للتقارب مع نظام الأسد استعداداً لأي تغييرات قد تأتي مع عودة ترامب.
  • تحسين العلاقة مع موسكو: في ظل التوترات مع الغرب، ترى تركيا علاقاتها مع روسيا استراتيجية تعزز موقفها الدولي وتوسع هامش المناورة في العديد من الملفات الإقليمية والدولية. وهنا يأتي التقارب مع نظام الأسد بدعم من موسكو، كجزء من جهود أنقرة لتعزيز علاقتها مع روسيا وتأمين مصالحها والتأكيد على استقلالية قرارها في القضايا الإقليمية.
  • الخوف من تطور الحرب في غزة إلى حرب إقليمية: تخشى تركيا من أن تؤدي حرب غزة المستمرة والعمليات العسكرية المتصاعدة في لبنان إلى حرب إقليمية شاملة قد تمتد إلى سورية. وفي هذا السياق، يعتبر التقارب مع دمشق وتعزيز العلاقة مع موسكو خطوة استراتيجية لتنسيق الجهود الإقليمية وضمان حماية مصالحها وأمنها القومي في حال تفاقم الأوضاع.

أما البعد الثاني فهو مرتبط بديناميات السياسة التركية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الملفات المطروحة على الطاولة معقدة وتفوق قدرات الجانبين على تحقيقها، حيث تتشابك مصالح الفواعل المحليين والإقليميين والدوليين في سورية، وليس من السهولة مناقشة كثير من الملفات بين تركيا ونظام الأسد بمعزل عن بقية الفاعلين. وهنا يمكن تحديد الدوافع التركية بأربع أولويات رئيسية:

  • قوننة الوجود العسكري التركي في سورية: تسعى تركيا لضمان استمرار "محاربة الإرهاب" حتى القضاء على مشروع "الإدارة الذاتية". وفي ظل فقدان الثقة بنظام الأسد والولايات المتحدة الأمريكية؛ تسعى لإبقاء جنودها على الأرض لتأمين حدودها وأمنها القومي. على المدى المتوسط والبعيد، تحتاج تركيا لشرعنة هذا الوجود من قبل النظام السياسي الحاكم في سورية، عبر اتفاق جديد يعطيها الحق بمحاربة "الإرهاب" داخل سورية أو تعديل اتفاق أضنة، وإن كان من غير المرجح أن يقبل النظام بشرعنة الوجود التركي دون الحصول على ضمانات كافية للانسحاب وتحقيق مكاسب في ملفات أخرى.
  • قطع الطريق أمام أي وجود مستقبلي للإدارة الذاتية على طاولة صناعة القرار في دمشق: تخشى تركيا من ترتيبات سياسية قد تفضي إلى إعطاء شرعية دستورية "للإدارة الذاتية" ووصول "حزب الاتحاد الديمقراطيPYD" إلى دوائر صنع القرار ضمن النظام السياسي المستقبلي في دمشق، مما سيزيد من تعقيد الملف ويهدد مستقبل العلاقة بين تركيا وسورية.
  • تخفيف عبء اللاجئين: تستقبل تركيا ما يزيد عن 5 مليون لاجئ سوري على أراضيها، كما تشرف على إدارة الخدمات لقرابة 5 ملايين بين نازح ومقيم في شمال غرب سورية. وفي السنوات الأخيرة، تم تحميل اللاجئين السوريين -من قبل بعض الأطراف السياسية التركية- مسؤولية الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد. ونتيجة الاستقطاب السياسي أُقحم ملف اللاجئين في دائرة التجاذبات السياسية الداخلية، الأمر الذي أثر في تحوّل مزاج الناخب التركي، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة التي أسفرت عن خسارة حزب العدالة والتنمية الحاكم لأهم معاقله في المدن الكبرى ومدن الأناضول[3]. وغدت قضية إعادة اللاجئين السوريين على رأس أولويات الحكومة، حيث ترغب تركيا بإعادة نسبة كبيرة من اللاجئين عبر "ضمانات روسية" بعدم تعرضهم للملاحقات الأمنية من قبل قوات النظام.
  • تشتيت قوة "قوات سوريا الديمقراطية": في ظل صعوبة القيام بعمليات عسكرية جديدة، تسعى تركيا لدفع النظام للعب دور أكبر في شرق سورية بمساعدة العشائر العربية، لإنهاء سيطرة قسد على المنطقة وتشتيت قوتها العسكرية والاقتصادية، من خلال حرمانها من الاستفادة من موارد النفط والغاز، إذ تعتقد تركيا أن جزءاً كبيراً من عائدات تلك الثروات تصل إلى حزب العمال الكردستاني PKK وتستخدم في تمويل صراعه مع الدولة التركية.

مخاوف الإدارة الذاتية وخياراتها المتاحة

لا شك أن مسار التقارب التركي مع النظام طويل الأمد، وقد يستغرق الكثير من الوقت لتحقيق النتائج التي يرجوها الطرفان، إلا أن "الإدارة الذاتية" لم تعد تملك رفاهية المناورة بين الأطراف الإقليمية والدولية، فهي تدرك أن تغير السياسة التركية استراتيجي وليس تكتيكياً، وأن هذا التقارب سيقلل من خياراتها المتاحة ويضعها في مواجهة تحديات صعبة، لا سيما أنه سيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي بينها وبين النظام. وفي حال قررت الإدارة الأمريكية الجديدة سحب قواتها كلياً أو جزئياً من شرق سورية؛ فستكون "الإدارة الذاتية" أمام تهديد حقيقي لمستقبل وجودها على خارطة الفاعلين السوريين المحليين.

وتتراوح السيناريوهات المتوقعة لكيفية تعاطي الإدارة مع التطورات الجديدة بين السيناريوهات الثلاثة التالية:

  • السيناريو الأول: تقديم تنازلات للنظام وعقد اتفاق جديد معه، وقد تكون موسكو ضامناً لاتفاق كهذا إذا كان سيفضي إلى تقليص مساحة انتشار القوات الأمريكية في سورية، بحيث تسحب قوات قسد ثقلها العسكري من المدن الشمالية بعمق 30 كم مع استمرار وجودها في المناطق المحاذية للقواعد الأمريكية الرئيسية. إضافة إلى عودة النظام إدارياً وأمنياً إلى مراكز المدن، ودمج الهياكل الإدارية المدنية للإدارة الذاتية مع المؤسسات الحوكمية للنظام. ويُعتبر هذا السيناريو المرجَح في حال تقدُّم التقارب التركي مع النظام، وفي ظل استمرار الوجود الأمريكي الذي يمنع أي محاولة إنهاء كامل لتجربة "قسد" بالوسائل العسكرية، ومع ذلك فإن هناك معوقات كثيرة تحد من إمكانية تطبيق هذا السيناريو.
  • السيناريو الثاني: انفتاح "الإدارة الذاتية" على تركيا برعاية أمريكية، بحيث تسبقه مصالحة حقيقية مع الفواعل المحليين في شمال شرق سورية، والقيام بخطوات بناء ثقة قد يكون من بينها: تنفيذ اتفاق منبج كخطوة أولى من طرف قسد، وسحب قواتها العسكرية من الشريط الحدودي، والتوافق على نظام حوكمي جديد في المنطقة تُشرف عليه الولايات المتحدة وتركيا وروسيا، وقد تلعب قوات الأمن الداخلي "الأسايش" دوراً في تحقيق الأمن العام في المنطقة. تكمن روافع هذا السيناريو في غياب قدرة النظام على تحقيق المطالب التركية، مقابل رغبة تركية بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، إضافة إلى قناعة لدى تيار واسع في الإدارة الذاتية بعدم واقعية العداء مع تركيا والحاجة لتقديم تنازلات كبيرة خشية انسحاب أمريكي مفاجئ قد يخلط أوراق جميع الفاعلين وتكون هي من أكبر الخاسرين. في حين أن سلوك الإدارة الذاتية خلال السنوات السابقة وغياب الحماسة التركية لتجارب جديدة مع فواعل دون دولتية قد تكون من معيقات هذا السيناريو.
  • السيناريو الثالث: تمترس قسد حول مواقفها ورفض تقديم أية تنازلات والمراهنة على استمرار الدعم الأمريكي، واحتمالات تنفيذ عمليات أمنية ضد تركيا بالتعاون مع مجموعات محلية في شمال غرب سورية رافضة لمسار التقارب التركي مع النظام. وتكمن خطورة هذا السيناريو على الإدارة في أنه قد يتسبب باندلاع معارك جديدة، ورفع الحماية الروسية عن "وحدات حماية الشعب YPG" في مناطق تل رفعت وكوباني، مما يعني خسارة السيطرة على مناطق جديدة وتقدم تركيا فيهما، إضافة إلى إمكانية عقد تفاهمات مشتركة بين تركيا والنظام للتعامل المشترك مع ملف شمال شرق سورية على المدى المتوسط والبعيد.

في الختام، ليس من المرجح أن يصل التقارب بين تركيا ونظام الأسد إلى مستويات متقدمة، إلا أن المسار الجديد الذي بدأته تركيا في تعاطيها مع الملف السوري سيكون له تداعيات كبيرة على المشهد العام وعلى مستقبل "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية بشكل خاص. وتدرك الإدارة أن التطبيع التركي مع النظام سيقلل من فرص استمرارها كفاعل سوري محلي، وسيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي مع النظام، لا سيما في حال وصول دونالد ترامب مجدداً إلى السلطة في الولايات المتحدة ورغبته في تحسين العلاقات مع تركيا وروسيا واحتمالات سحب قواته كلياً أو جزئياً من سورية.

 


 

[1] بعد تصريح رئيس الوزراء العراقي حول المبادرة العراقية الخاصة برعاية المفاوضات المباشرة بين الطرفين، توالت التصريحات التركية حول الخطوات التطبيعية القادمة، لا سيما مع الإشارة التي أرسلها النظام عبر وزير خارجيته فيصل المقداد الذي تحدث بإيجابية عن مسار التقارب مع تركيا بشرط "إعلان استعدادها للانسحاب" وتقديم تعهدات بذلك، الأمر الذي يشير الى تراجع النظام عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط مسبق لأي خطوات نحو تطبيع العلاقات بين الجانبين. فيما اعتبر وزير الخارجية التركي أن وقف القتال بين النظام والمعارضة لفترة طويلة أمر بالغ الأهمية يقتضي من النظام تقييم مرحلة الهدوء هذه بعقلانية لتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وتوحيد الجهود مع المعارضة لمكافحة "الإرهاب" وخاصة حزب العمال الكردستاني.

[2] إلى الرأي العام، الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال شرق سوريا، 29.06.2024، https://2u.pw/55NOF4Lh

[3] أردوغان يقر بخسارة حزبه في الانتخابات البلدية، الجزيرة 01.04.2024، https://2u.pw/rKwXEDk6

التصنيف تقدير الموقف

 

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي، ففي إدلب تستمر الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، وفي شمال شرق سورية تحاول "الإدارة الذاتية" الالتفاف على الاستحقاقات السياسية والأمنية والحوكمية المطلوبة لكسب "شرعية محلية" من خلال الإعلان عن اجراء انتخابات بلدية تقاطعها العديد من القوى السياسية والشعبية. أمنياً، في الوقت الذي تخيم فيه حالة السيولة الأمنية وعدم الاستقرار على المشهد الميداني، يستمر مؤشر انتعاش تنظيم داعش بالتصاعد مع تزايد عملياته الأمنية فيما يحاول التحالف الدولي تكثيف حملاته الأمنية لمنع انطلاقة جديدة للتنظيم. كما لا تزال الجغرافية السورية مسرحاً لحرب الوكالة الإيرانية- الإسرائيلية. على الصعيد الاقتصادي، كان إعلان الأمم المتحدة عن نيتها انشاء صندوق للتعافي المبكر انطلاقاً من دمشق دون توضيح آليات عمل الصندوق والجهات المانحة مثار قلق لدى السوريين، في الوقت الذي تستمر فيه تداعيات السياسيات الاقتصادية الكارثية للفاعلين المحليين، في مختلف مناطق النفوذ، على الشعب السوري؛ حيث تزداد تحديات تأمين الاحتياجات الأساسية مع زيادة تكاليف المعيشة في سورية بنسبة 61 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.

ثنائية "اللاستقرار والعطالة السياسية"

أقر الكونجرس الأمريكي قانون " الكبتاغون 2"، الذي يمنح الحكومة الامريكية صلاحيات واسعة في معاقبة شبكات تهريب المخدرات أو تصنيعها أو تهريبها أو الاستفادة من الريع الناجم عنها، بصرف النظر عن جنسيته، كما يسمح القانون بإصدار عقوبات جديدة ضد المتورطين في هذه التجارة. ومن المتوقع أن يساهم هذا القانون إلى جانب الإجراءات الدولية والأمريكية السابقة في تقييد عمليات تمويل نظام الأسد والميليشيات المرتبطة به والمتورطة بشكل كبير في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.

في سياق آخر ومع استمرار الانغلاق في الملف السياسي، تراجع الحديث حول عقد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة الدستورية على الرغم من تأكيد الأطراف الدولية والإقليمية المستمر على ضرورة العودة إلى مسار اللجنة، ومن المتوقع عدم انعقاد أعمال اللجنة في المستقبل القريب بسبب غياب التوافق حول مكان انعقاد اجتماعات اللجنة.

من جهة أخرى، تنوي الأمم المتحدة إطلاق برنامج خاص للتعافي المبكر في سورية انطلاقاً من دمشق بهدف إقامة مشاريع في عدد من القطاعات الاقتصادية بتمويل من بعض المانحين غير التقليديين تحت مظلة دولية. وفي حين يرتبط التعافي المبكر بالفاعلين المعنيين ومصالحهم واشتراطاتهم، الأمر الذي يجعل منه مقاربة ليست تقنية فحسب وإنما ذات مضمون سياسي تتباين فيها المبادئ والأولويات بما يفسر التعريفات المتعددة له، فإن صندوق التعافي، المزمع إنشاؤه، يحمل فرصاً بقدر ما يحتويه من مخاطر، الأمر الذي يستوجب حوكمة الصندوق بمبادئ توجيهية وأطر معيارية، لضمان مساهمته في تحقيق الاستقرار ودفع العملية السياسية التفاوضية.

محلياً، وفي إطار سعيها لزيادة أوراق القوة وكسب شرعية شعبية تحاول قسد تطوير نموذجها الحوكمي وتنظيم البيئة القانونية في مناطق سيطرتها عبر إعلان إجراء انتخابات محلية للبلديات في نهاية شهر أيار القادم. وأصدرت الإدارة قانون تنظيم عمل البلديات في الوقت الذي أعلنت فيه قوى سياسية أنها لن تشارك في هذه الانتخابات معتبرة إياها غير شرعية كونها لا تستند الى إرادة شعبية أو توافق بين القوى السياسية. وتعتبر مقاطعة القوى السياسية لهذه الانتخابات أحد المؤشرات التي تدلل على شكلانية هذه الانتخابات وعدم جدية الإدارة في تطبيق إصلاحات حقيقية فيما يتعلق بتهيئة بيئة سياسية وقانونية سليمة لتوسيع دائرة التمثيل وصناعة القرار في مؤسساتها.

من جهة أخرى، رحب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) بوثيقة المناطق الثلاث التي صدرت عن نشطاء وأكاديميين في السويداء ودرعا وحلب، ووثيقة تجمع العمل الوطني في الساحل السوري، حيث أكد بيان مسد على أهمية وحدة السوريين دون إقصاء أو تهميش، وذلك عبر الحوار المباشر وصولاً الى الحل السياسي وفق القرارات الدولية.

وفي إدلب استمرت الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام، ويبدو أن هذه الاحتجاجات تربك الهيئة وتشغلها عن المشهد السوري العام حيث تعتبر هذه أكبر أزمة تواجهها وتهدد شرعية وجودها.

ولم تسفر "الخطوات الإصلاحية" التي اتخذتها الهيئة على الصعيد الاقتصادي والحوكمي في إيقاف هذه الاحتجاجات([1])، إلا أن الهيئة تحرص على استمرارها في سياسة الاحتواء وتجنب الاصطدام المباشر مع المحتجين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.

ارتفاع مؤشرات السيولة الأمنية

في سياق تفاعل حرب غزة وتأثيرها على المشهد الأمني في سورية، استهدف الطيران الإسرائيلي مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصاً من بينهم محمد رضا زاهدي قائد الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان. ويعد هذا الاستهداف الأول من نوعه سواء من حيث مكانة القيادي الإيراني أو مكان الاستهداف، إذ يعد زاهدي رجل إيران الأول في سورية ولبنان، ومسؤول عن معظم سياسات إيران فيهما، وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها القصف الاسرائيلي مبنىً دبلوماسياً إيرانياً في سورية، حيث كان التركز على المواقع العسكرية والأمنية وطرق ومخازن الأسلحة.

كما شهد هذا الشهر ارتفاعاً في مؤشرات استهداف القواعد الأمريكية في سورية بعد أن توقفت بشكل شبه كامل منذ شباط الماضي، الأمر الذي يؤكد على استمرار تدهور الواقع الأمني السوري في ظل المواجهة والتنافس المستمر بين القوى الفاعلة الإقليمية والدولية على الجغرافية السورية.

بالمقابل، ارتفعت وتيرة النشاط العسكري الروسي، حيث استهدف الطيران، الحربي والمسير، مواقع قرب قاعدة التنف الأمريكية في البادية، كما أجرت تدريباً عسكرياً مشتركاً مع قوات النظام في قاعدة طرطوس البحرية، ويأتي هذا النشاط المتزايد ضمن الجهود الروسية لرفع مستوى كفاءة وفاعلية قوات النظام والتي بدأت منذ أشهر عبر تدريبات على استخدام الطيران المسير وصولاً إلى التدريبات البحرية، وهي تدريبات تأتي في سياق دعم موسكو للمؤسسة العسكرية للنظام مقابل الدعم الإيراني للميليشيات.

في الجنوب السوري، لاتزال المنطقة ميداناً للفوضى الأمنية وعمليات الاغتيال المتبادل، إذ شهدت محافظة درعا مقتل عدد من ضباط وعناصر قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة له جراء استهدافهم بالعبوات الناسفة وإطلاق النار  والاشتباكات في الصنمين ودرعا البلد وبصر الحرير وريف درعا الغربي، وارتفعت عمليات استهداف قوات النظام لجهة نوعية وعدد حالات الاغتيال والاشتباكات وتنظيمها، حيث تعرضت الحواجز العسكرية في ريف درعا الغربي والقنيطرة لهجمات متزامنة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام، كما أعلن مقاتلون ملثمون تشكيل " كتيبة الظل" بهدف مواجهة التواجد الإيراني والميليشيات المرتبطة به في مناطق درعا والقنيطرة.

في إدلب، لا تزال ديناميات الصراع الداخلي بين قيادات هيئة تحرير الشام وتفاعل "قضية العملاء" وتصاعد الاحتجاجات الشعبية تلقي بظلالها على الواقع الأمني للمنطقة، إذ تعرض القيادي في هيئة تحرير الشام أبو ماريا القحطاني لعملية اغتيال أثر تفجير انتحاري استهدفه في مدينة سرمدا، وتعرض عدد من الناشطين الفاعلين في تنظيم المظاهرات لاعتداءات ومحاولات اغتيال، إلا أنَّ تداعيات الأحداث لم تخرج عن سيطرة هتش. كما لا تزال المنطقة عرضة لهجمات الطيران المسير، الذي زاد تعويل النظام عليها في استهداف مناطق شمال غربي سورية، بالإضافة إلى القصف المدفعي.

في شرق سورية، جدد الطيران التركي استهداف البنية التحتية والموارد الاقتصادية والمنشآت النفطية في مناطق سيطرة قسد. وفي سياق مكافحة نشاط تنظيم الدولة، نفَّذ التحالف الدولي 28 عملية ضد مواقع التنظيم، أسفرت عن مقتل 7 عناصر واعتقال 27 آخرين. من جهته نفذ التنظيم 15 عملية استهدف خلالها " قوات سوريا الديمقراطية"، وتوزعت العمليات في دير الزور والحسكة وحلب، كما أسفر استهداف التنظيم لحافلة تابعة لميليشيا لواء القدس عن مقتل 21 عنصراً. وتشير عمليات تنظيم داعش الأخيرة إلى استمراره في عملية التعافي واستعادة النشاط في الجغرافية السورية بعد الضربات الموجعة التي تعرض لها، كما تعيده مجدداً إلى قائمة مهددات الأمن والاستقرار في سورية والإقليم.

التعثر الاقتصادي كسمة عامة

بعد التحسن المؤقت لليرة السورية خلال شهر رمضان انخفضت قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية 14250 أمام الدولار الأمريكي. ويؤكد هذا التراجع ارتباط التحسن بمعدل الحوالات الخارجية الآتية إلى السوق مقابل ارتفاع الطلب على الليرة. 

كما رفع مصرف سورية المركزي سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات بمقدار مئة ليرة، بعد أكثر من شهر على ثبات السعر، ورفع كذلك سعر صرف الدولار الخاص بالجمارك بعد أربعة أشهر على رفع قيمته بنحو 30%. ومن شأن ارتفاع الدولار الجمركي أن يساهم في زيادة تكاليف المواد الخام والسلع والخدمات المستوردة من الخارج وهو ما قد ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية وتوفر السلع في السوق، وبالمحصلة على السكان بعد ارتفاع الأسعار في السوق تزامناً مع انخفاض القوة الشرائية، حيث ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من 5 أفراد خلال شهر آذار الماضي إلى نحو 12.5 مليون ليرة، في وقت لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور 278 ألفاً و910 ليرات، أي أقل من 20 دولاراً.

وفي أول مشاركة له بموسم الحج منذ 12 عاماً، استغلّ النظام الموسم لتعزيز قيمة الليرة من خلال تحديد طريقة تسديد رسوم الحج بالدولار الأمريكي من جهة، وإلزام الحجاج المستنكفين بإعادة استبدال الليرة السورية بالدولار.

من جهة أخرى، رفعت حكومة النظام أسعار البنزين والمازوت والغاز المنزلي، وتأتي هذه الزيادة في إطار رفع أسعار المحروقات بشكل دوري كل 15 يوم تماشياً مع استراتيجية النظام بتخفيض الدعم. ولا يزال ارتفاع أسعار الطاقة أحد الحوامل الرئيسية لمعدل التضخم. وعلى إثر زيادة أسعار الكهرباء طالب صناعيون في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بضرورة إصدار قرارات سريعة لتخفيض تعرفة الكهرباء الصناعية تفادياً للخسائر الكبيرة في القطاع، حيث أصبحت سورية أغلى دولة في تسعيرة الكهرباء بين دول الجوار، ويهدد ارتفاع الكهرباء، إضافة إلى فقدان مادة الفيول لتشغيل المولدات، إلى توقف صناعة النسيج والألبسة بشكل كامل.

في شمال غرب سورية، دعت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” العاملة في إدلب، المزارعين الراغبين بزراعة محصول القطن ضمن مشروع “القرض العيني الحسن” لعام 2024، إلى الاكتتاب على البذار المطلوبة والمحروقات والسماد. في حين زادت مساحات زراعة البصل في رأس العين بريف الحسكة على أمل تحقيق أرباح بعد خسائر تعرض لها المزارعون في محصولي القطن والقمح إثر كسادهما وعدم وجود سوق تصريف لهما، إضافة إلى تحكم التجار بتحديد السعر. وبحثاً عن الربح أيضاً شهد عام 2024 إقبالاً واسعاً من المزارعين في إدلب على زراعة الكمون، أكثر من الزراعات التقليدية المعتادة كالقمح والشعير إذ بلغت المساحة المزروعة بشكل تقريبي 4350 هكتاراً في إدلب وأريافه وإضافة إلى الكمون فقد زادت زراعة العصفر في إدلب وريف حلب بشكل ملحوظ نظراً لمقاومة النبتة لتقلبات المناخ، وأسعارها المرتفعة في السوق. وعلى صعيد الأسعار فقد شهدت سلة النفقات الأدنى قيمة للبقاء على قيد الحياة (SMEB)، والتي تعد مؤشراً لتكاليف الأصناف الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 6 أفراد لمدة شهر، زيادة في تكلفتها بنسبة 61 بالمئة خلال العام الماضي؛ حيث تعكس هذه الزيادات التحديات المتزايدة التي تواجه الأسر في تأمين احتياجاتها الأساسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

أما في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، تسعى "الإدارة الذاتية" لزيادة نسبة فرض الضرائب بهدف تغطية العجز المالي في ميزانيتها، حيث فرضت على أصحاب محطات الوقود دفع مبلغ مالي جديد قيمته عشرة آلاف دولار مقابل استمرار تزويدها بالوقود أو تعرضها للإغلاق في حال عدم الدفع، وتعمل الإدارة منذ أشهر على إصدار قرارات جديدة من شأنها توفير مصادر ومبالغ مالية في خزينتها العاجزة عن تأمين رواتب موظفيها مطلع كل شهر. وتلقي هذه الزيادات أعباء مالية جديدة على السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة وإثارة سخط التجار وأصحاب المشاريع والشركات.

من ناحية أخرى تسعى الإدارة لزيادة استلام محصول القمح عبر زيادة مراكز التسليم إلى 30 مركز بقدرة استيعابية تفوق المليون ونصف المليون طن، وهو الإنتاج المتوقع في مناطق شمال شرق سورية، كما عقدت عدد من الورشات والاجتماعات بهدف تخفيف أعباء وتكاليف نقل وتكييس القمح عن المزارعين، وتأتي هذه الخطوات في سياق التنافس بين نظام الأسد والإدارة الذاتية للحصول على قمح المنطقة.


 

([1]) أعلنت هيئة تحرير الشام عن سلسلة من الإجراءات لاحتواء الاحتجاجات منها، استحداث إدارة "الأمن العام" التي ستعمل تحت إشراف حكومة الإنقاذ، إضافة الى إعادة هيكلة الجناح العسكري، كما أصدرت حكومة الإنقاذ عفواً عاماً عن المعتقلين، وأعلنت عن تخفيض رسوم بعض المواد الخدمية وسياسات ضريبية جديدة، وإطلاق حوار مع المجتمع المدني.

التصنيف التقارير

مُلخّص تنفيذيّ

  • يطرَح نشاط خلايا تنظيم الدولة في سورية بعد عام 2019 تساؤلات عدة، خاصة مع استمرار قدرتها على شنّ الهجمات رغم حملات المكافحة المستمرة واستهداف القيادات، مقابل تفاوت طبيعة ومُعدَّل تلك الهجمات بحسب المناطق وقوى السيطرة، واتخاذ بعضها طابعاً مُلتبساً وسط نَسبِها للتنظيم دون تبنٍ منه، ناهيك عن تحوّل اسم "داعش" إلى ورقة ضغط واستثمار سياسي -أمني في معادلة الصراع السوري.
  • تمثّلت المرحلة الأولى من الدراسة بسحب عينة شملت 179 عملية تبنّاها التنظيم رسميّاً خلال 15 شهراً، وتحليل بيانات تلك العمليات وسياقاتها المحلية وفقاً لـ: الفترة الزمنية، المنطقة الجغرافية، الجهة المُستهدَفة، وأنماط التنفيذ، مقابل تتبع وتحليل عينة من العمليات المُلتبِسة والمنسوبة للتنظيم دون تبنٍ رسميّ منه.
  • انطلقت المرحلة الثانية من فرضية: أن محدودية القدرات الذاتية للتنظيم خلال المرحلة الحالية لا تتناسب مع استمرارية نشاطه وارتفاع مُعدَّل عملياته في بعض المناطق، وبالتالي لا بد من وجود عوامل إضافية مساعدة لهذا النشاط، تتجاوز معطيات القدرة الذاتية. وفي هذا الإطار، تختبر الدراسة مجموعة مُتغيرات، على رأسها طبيعة ومستويات الضبط الأمني ونماذج الإدارة/الحوكمة المختلفة باختلاف قوى السيطرة.
  • يؤثّر شكل النماذج الأمنية ومستوى مركزيتها وطبيعة مصالحها، في قدرة التنظيم على الحركة ضمن مختلف مناطق السيطرة، إذ غالباً ما تخلق الثغرات الأمنية فرصة لنشاط خلاياه، ناهيك عن لجوء أطراف عدة إلى توظيف بعض خلايا وعناصر التنظيم أمنياً، بشكل مباشرة أو غير مباشرة، لأهداف ومصالح متنوعة.
  • يُسهم قصور وفشل النموذج الحوكمي وما يُولِّده من آثار مُركَّبة، في الدفع بالكثير من السكان المحليين إلى الدوائر الأكثر ضعفاً وهشاشة، ناهيك عن رفع مستوى السخط الشعبي، الأمر الذي منح وسيمنح التنظيم وغيره من الجماعات الأيديولوجية فرصة إضافية لزيادة النشاط، والقدرة على التعبئة والاستقطاب وضمان استمرار الموارد.
  • نفَّذَت جميع أطراف السيطرة حملات أمنية ضد خلايا ومواقع التنظيم، اختلفت مستوياتها بحسب القدرات الذاتية والمصالح الأمنية لتلك الأطراف، وتنوّعت لناحية التنفيذ بين مشتركة ومنفردة، وبين متقطعة ومكثّفة. ورغم اشتراك مختلف الحملات في رفع شعار محاربة "داعش"؛ إلا أن أهدافها تنوّعت تحت هذا العنوان، خاصة مع سعي أطراف عسكرية إلى استهداف خصومها المحليين بذريعة "التنظيم".
  • انعكَست الظروف الميدانية والقدرات الذاتية للتنظيم خلال هذه المرحلة، بشكل تحوّلات في بُنيتهِ. إذ بات يعتمد على نشاط لا مركزي يُشكّل العنصر المحلي حاملاً أساسياً له، ولم تعد الأيديولوجيا وحدها رافعته، خاصة مع تنوّع خلفيات العناصر التي يعتمد عليها، واتساع الخرق الأمني في صفوفه، والحاجة المالية التي دفعته إلى استحداث مصادر بديلة للتمويل.

 

للمزيد: https://bit.ly/48WyxWp 

التصنيف الدراسات

• يأتي القانون رقم (1) لعام 2024 المتعلق بتنظيم عمل الاتحاد الوطني لطلبة سورية بعد شهرين من إصدار القانون (16) لعام 2023 المتعلق بإنشاء هيئة الصندوق الوطني للتسليف الطلابي، كما يأتي بعد 58 عاماً من المرسوم التشريعي رقم 130 لعام 1966 الذي أصدره الرئيس نور الدين الأتاسي والمتعلق بإنشاء الاتحاد وقوننة عمله بعد 3 سنوات من احتكار "مجلس قيادة الثورة" الذي نفذ انقلاب 1963 لكل مساحات الفعل والتفاعل المدني ، وإعلانه عن تشكيل الاتحاد كذراعٍ طلابي لحزب البعث. ومنذ ذاك الوقت ونظام الأسد يطوع العمل الطلابي ضمن مساعيه لضبط المجتمع، مع تعديل القوانين المتعلقة به تزامناً مع المتغيرات الداخلية والخارجية.
• أكد القانون أن الاتحاد هو منظمة شعبية "تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري" وهو منصوص عليه في النسخة الأخيرة من النظام الداخلي للاتحاد لعام 2020، ويأتي هذا التأكيد للتماهي مع سردية النظام التي بدأت بعد إقرار قانون قيصر( 2019) وزلزال ( 2023) بأن المجتمع المدني يملك مساحات عمل حرة في مناطق سيطرته، وأنه غير مرتبط وظيفياً ولا هيكلياً ولافردياً بمؤسسات الدولة وشبكات النظام، وذلك لهدفين: الأول "إعادة رسم الصورة" وفك الارتباط الشكلي عن النظام وقدرتها بحكم "تمثيلها المستقل للمجتمع" القيام بدور إغاثي وتنموي، وبالتالي عدم موضوعية استهدافها في سياسات العقوبات الدولية خاصة بعد ورود اسم الأمانة السورية للتنمية ضمن مسودة القرار الأميركي المرتبط بمنع التطبيع مع الأسد ومراقبة نشاطات الأمانة ، أما الهدف الثاني فيتمثل بالتخلي عن مسؤولية "انتهاكات الأفراد " المنتسبين إلى الاتحاد والتي حصلت خلال سني الثورة وعدم ربطها مع النظام والدولة في حال إطلاق مسار قانوني دولي ضدهم، إذ أضاف القانون صلاحية لرئيس الاتحاد لم تُذكر ضمن النظام الداخلي وهي "تمثيل الاتحاد أمام القضاء والغير"، وإنشاء لجنة من خمسة أشخاص للمراقبة والتفتيش غير موجودة ضمن هيكلية الاتحاد المنصوص عليها في كل نسخ النظام الداخلي للاتحاد وآخرها نسخة 2020.
• جمع هذا القانون كل مصادر تمويل الاتحاد التي كانت سابقاً موزعة بين قرارات مجلس التعليم العالي واللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات والنظام الداخلي للاتحاد، وألغى العمل بالمرسوم التشريعي رقم 87 لعام 2010 والمتضمن أحقية الاتحاد بالحصول على نسبة 0.5% من مجمل رسوم وأقساط الجامعات الخاصة والمُنشآت التابعة لها(2)، إذ رفع القانون النسبة إلى 1%، وخصص القانون نسبة 1.5% من بعض الموارد الذاتية للجامعات الحكومية ومنشآتها، وبذلك ستتجاوز ميزانية الاتحاد كل النقابات والاتحادات التي تعتمد ميزانيتها فقط على اشتراكات أعضائها وعائدات مرافقها، وقد شرعنت ذلك القرارات السابقة مثل قرار مجلس التعليم العالي رقم 274 لعام2011 والذي خصص للاتحاد نسبة 20% من بدلات الاستثمار بالمطاعم والمنتديات التابعة للوزارة بينما لم تتجاوز نسبة نقابة المعلمين 15% (3).
• أكد القانون بمادته رقم (10) وهي غير موجودة في النظام الداخلي أن "الانتماء لحزب سياسي غير مرخص أو أي تنظيم أو تجمع معادٍ للدولة يستوجب الفصل"، بينما حسب النظام الداخلي يُفصل العضو في حالة انتمائه لاتجاه سياسي أو تنظيمي معادٍ لمبادئ الاتحاد.(4) وعلى الرغم من القوانين والمراسيم التي تم سَنُها؛ مازال الاتحاد شأنه شأن اتحاد شبيبة الثورة وطلائع البعث والاتحاد الرياضي العام يتبع إدارياً لمكتب الشباب المركزي في حزب البعث، وبالتالي مازال الارتباط الهيكلي بين الكيانات الطلابية في مناطق الأسد وحزب البعث قائماً على الرغم من دستور عام 2012 الذي ألغى هذا الارتباط ظاهرياً.
• يُعتبر الاتحاد أكثر الكيانات "المدنية" المرتبطة بنظام الأسد نشاطاً خارج سورية، وذلك لأهمية دوره كأحد أدوات الأسد في الضبط المجتمعي وتحقيق الاختراق عبر تواصل الاتحاد مع المنظمات الدولية المعنية بالتعليم، مما يُفضي إلى أهمية رفع قدرتها المادية لتكون قادرة على زيادة فعاليتها في المرحلة القادمة بعد قوننة الأسد لسرديته أن الاتحاد كيان مستقل.
• تتركز سياسة الأسد في المرحلة القادمة على مجتمعه "المدني" كأداة قد تكون ناجعة كخطوة أولى لجلب تمويل له، وكخطوة لاحقة لفتح مسارات تكسر جليد العلاقات مع الدول الأوروبية، وذلك بعد فشله في تحقيق تقدم سياسي مستدام بسبب ارتباطه بتنازلات أخرى مثل تجارة الكبتاغون، أما الجانب "المدني" مرتبط بتعزيز السردية دون تقديم تنازلات، لذلك من المهم بمكان متابعة العلاقة المتشابكة بين المجتمع "المدني" وأجهزة النظام الأمنية والعسكرية، وذلك في سبيل تقنين قدرة الأسد على فتح مساحات دولية عبر أذرعه "المدنية".


([1])  موقع مجلس الشيوخ الأميركي، 26/09/2023 https://shorturl.at/bepMZ .

([2]) موقع مجلس الشعب السوري، https://shorturl.at/jnKU4 .

([3]) موقع مجلس التعليم العالي، قرار رقم 274 لعام 2011 https://bit.ly/3GgluD9 .

([4])  النظام الداخلي للاتحاد الوطني لطلبة سورية، صفحة 30.

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • شهدت محافظة السويداء في آب 2023 عودة الحراك المطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية والانتقال السياسي، وأثرت انتفاضة تموز عام 2022 في المشهد الحالي، حيث أعادت الميليشات بعد الانتفاضة تموضعها مابين الفواعل المحلية، فمنها من استمر بالوقوف مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام ومنها من انحاز للحراك الشعبي، وقسم التزم الحياد بالتزامن مع تراجع فعاليتها ودورها .
  • تميزت ديناميات حراك آب 2023 عما سبقه بمشاركة قسم من عشائر البدو في الحراك، بالإضافة لتأييد شيوخ الطائفة الثلاث ( حكمت الهاجري – يوسف الجربوع – حمود الحناوي) لمطالب الحراك مع اختلاف مستوى التصعيد في خطاباتهم ومواقفهم من نظام الأسد، وأيضاً التوسع الجغرافي للحراك مقارنة بالحراكات السابقة حيث بلغت عدد نقاط التظاهر 43 نقطة بينما اقتصرت سابقاً على ثلاث نقاط في مركز مدينة السويداء والقريا وشهبا.
  • بالنظر إلى العصابات المحلية المنتشرة في المحافظة نجد أن العصابات المُرتبطة بإيران وحزب الله تشكِّل أكثر عوامل التهديد للسلم الأهلي، حيث تشرف على خطوط التهريب بالإضافة لقيامها بعملات الخطف وصناعة المخدرات والاتجار بها، ومازالت تلك العصابات متمسكة بمقراتها وفعاليتها وأدوارها مازالت قائمة في المحافظة.
  • لم تتبلور آلية تعامل نظام الأسد مع السويداء حتى الآن، مما يوحي أن أولوية النظام حالياً تتركز في منع امتداد الحراك خارج جغرافيا المدينة أكثر من إيقافه، وبالتالي قد تكون أحد أدواته هي الاستثمار بالعصابات التابعة لإيران لتفكيك هذا الحراك، أو استنزاف المدينة في حال بقي الحراك مركزاً فيها عبر عدم تقديم أي مبادرة ولكن سحب الخدمات منها تدريجياً، ورغم ذلك تبقى خيارات المجتمع المدني في السويداء واسعة في حال رُفِع مستوى التنسيق مع المناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة الأسد، وأيضاً الحفاظ على سردية الانتقال السلمي، بالتزامن مع عكس مطالب الحراك إلى تمثيل سياسي خارجي وداخلي يبحث في سيناريوهات أكثر تعقيداً.

تمهيد

شهدت محافظة السويداء في آب 2023 عودة المظاهرات المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والانتقال السياسي في سورية ، وجاء ذلك الحراك بدايةً رداً على رفع أسعار المحروقات وبعض السلع الأخرى، ولكن سرعان ما تحولت المطالب إلى سياسية تُطالب بتطبيق القرار 2254 والمناداة بإسقاط النظام وذلك بتأييدٍ من المرجعيات الدينية التي شاركت في التظاهرات. يحاول تقدير الموقف أدناه الوقوف على ما جرى في السويداء خلال النصف الأول من عام 2023 ، وتفكيك خارطة المطالب المحلية وتأُثيرها على المنطقة الجنوبية، كما سيفند طبيعة السياسات التي سينتهجها النظام وحلفائه (روسيا – ايران) والميليشيات التابعة لهم في المنطقة، وتلمُّس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني في السويداء.

انتفاضة آب: متغيرات نوعية

شكلت انتفاضة أهالي السويداء في تموز 2022 ضد المليشيات المتورطة في عمليات الخطف وتجارة المخدرات مفترق طرقِ في المحافظة، حيث كانت تلك الانتفاضة مدعومة بشكل كامل من المرجعيات الدينية من جهة وأيضاً رافقتها مظاهرات بسبب سوء الأحوال المعيشية نتيجة قرار رفع " الدعم الحكومي" عن عدد كبير من العائلات في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد([1]). وكنتاج لتلك الانتفاضة أعادت الميليشيات تموضعها ما بين الفواعل المحلية،فمنها من استمر بالوقوف مع الأفرع الأمنية التابعة للنظام ومنها من انحاز للحراك الشعبي، وقسم التزم الحياد بالتزامن مع تراجع فعاليتها ودورها، ويمكن تقسيم هذا التموضع وفق الآتي ( انظر الجدول رقم 1):

  • ميليشيات حافظت على اصطفافها ولكن تراجعت أدوارها كـعصابة فداء العنداني وعصابة نهاد المؤيد
  • ميليشات اختفى دورها بعد استهدافها بالانتفاضة أو محاولات اغتيال لقادتها لاحقاً أو قامت بعملية تسوية مع حركة رجال الكرامة والمرجعيات الدينية، مثل عصابة قوات الفد وعصابة ناصر السعدي
  • مليشيات أصبحت علاقتها مع إيران أكثر تجذراً وهي من مهددات السلم الأهلي في المنطقة مثل.عصابة نافذ أسد الله وعصابة المقاومة الشعبية

والجدير بالملاحظة في هذا السياق استمرار نشاط المجموعات المرتبطة بإيران بشكل مباشر عبر شعبة المخابرات العسكرية أو بحزب الله اللبناني في محافظة السويداء وريفها، وتعتبر عصب المصالح الإيرانية في المنطقة سواء بتأمين خطوط تهريب المخدرات أو محاولات زعزعة الأمن داخل المحافظة لتثبيت فكرة أن الفوضى الأمنية هي السائدة وأن المحفاظة بحاجة لإعادة دور الدولة الضامنة للسلم المحلي، وتصدير السويداء على أن فيها صراع داخلي قد يتطور إلى حرب أهلية في غياب وجود الدولة.

وبالنظر إلى ديناميات حراك آب 2023 يُلاحظ أن هذا الحراك يختلف عما سبقه فيما يلي:

  1. مشاركة قسم من عشائر البدو  في الحراك: وأهمهم العشائر في بلدة المنصورة،([2]) حيث كانت التوترات قائمة بين أهالي السويداء والعشائر البدوية  وشكَّل هذا التوتر أحد أهم أنوية الخلاف الداخلي في المحافظة كما حدث في أيلول 2021، وتقسم العشائر البدوية إلى عشائر تشيعت بعد عام 2000 وهي مقربة من إيران في المنطقة، وعشائر سنية شارك قسم منها في الحراك وأضافت بُعداً وطنياً على أن الحراك غير مرتبط فقط بالطائفة الدرزية في المنطقة.
  2. مشاركة المرجعيات الدينية: تُقسم المرجعية الدينية في المحافظة إلى ثلاث شيوخ : حكمت الهاجري، يوسف الجربوع وحمود الحناوي وجميعهم أيدوا مطالب حراك آب 2023 مع اختلاف مستوى التصعيد في خطاباتهم ومواقفهم من نظام الأسد، وبالتالي شكل موقف المرجعية الدينية مع الناشطين في هذا الحراك ثنائية لم تتكرر سابقاً منذ عام 2011، وهو مايعطي حصانة مبدئية للمدينة ضد الفتنة الداخلية التي كانت توتراتها موجودة سابقاً بسبب مواقف الشيوخ من النظام مثل دعوة الشيخ حكمت الهاجري أبناء السويداء عام 2018 للالتحاق بالخدمة العسكرية وعدم التخلف عنها.
  3. التوسع الجغرافي للحراك: انحصرت نقاط التظاهر في الحراكات السابقة في السويداء بثلاث نقاط أساسية وهي: مركز مدينة السويداء والقريا وشهبا، بينما تجاوزت نقاط التظاهر في حراك آب 48 منطقة لم تُشارك سابقاً في الاحتجاجات، مما يشير إلى أهمية مشاركة المرجعيات الدينية في الحراك وتأثيرهم على المجتمع في المحافظة، وتمحورت مطالب الحراك في تلك النقاط بثلاث محاور : تحسين الواقع المعيشي – أهمية تطبيق القرار 2254 والانتقال الديمقراطي في البلاد – رفض عودة مقرات حزب البعث للعمل في المدينة. ( انظر الخريطة رقم 1 والتي توضح توسع نقاط الاحتجاج والتظاهر)

الميليشيات المحلية ومواقفها: التحدي الأبرز لمعادلة الاستقرار 

كان فشل هجوم "تنظيم الدولة" على الريف الشرقي للسويداء عام 2018 سبباً في تغير السياسة الأمنية للنظام اتجاه المحافظة،حيث أبدت الفصائل المحلية تكاتفاً ضد هجوم التنظيم وذلك تحت فلسفة "صيانة الأرض والعرض" التي دعت لها المرجعيات الدينية حينها، تَبعه توكيل مهمة الضبط الأمني إلى اللواء كفاح ملحم (معاون شعبة المخابرات العسكرية حينها ورئيس الشعبة لاحقاً) حيث سعى إلى تفكيك الفصائل المحلية وأبرزها رجال الكرامة والتشجيع على الانشقاق عنها عبر تغذية الخلافات البينية ودعم الفصائل مالياً، ونتيجة لمحاولات ملحم تم عقد اتفاق بينه ملحم و بين تلك المجموعات ينص على "اطلاق الصلاحيات وتولي مهمة التسويات لجل المطلوبين أمنياً وضمهم لمجموعاتهم مقابل عدم المساس بأجهزة الدولة لاسيما الأفرع الأمنية" التي كانت مستهدفة بالحراك الشعبي([3]).

استمرت وتيرة تشكيل جماعات مسلحة محلية تختلف تبعيتها بين شعبة المخابرات العسكرية من خلال فرع الأمن العسكري، وفرع المخابرات العامة (أمن الدولة)، بالإضافة إلى العلاقات المباشرة مع إيران عبر حزب الله أو غير المباشرة معها حتى تموز عام 2022، حيث أطلقت حركة رجال الكرامة وبدعوة من المرجعيات الدينية حملة واسعة ضد العصابات المحلية المُشرفة على الخلل الأمني في المنطقة وأكبرها حركة الفجر بقيادة راجي فلحوط، ونتج عن تلك الانتفاضة تغير في خارطة الفصائل المحلية وأدواتها وفعاليتها وآليات تمويلها ( انظر الجدول 1)، حيث عَمِلت المرجعيات الدينية على اطلاق مسار للمصالحة تستهدف فيه الفصائل التي تورطت في عمليات الزعزعة الأمنية بأن تسلم الفصائل سلاحها المتوسط والثقيل لرجال الكرامة وتُغادر منطقة نفوذها، كما جرت عدة محاولات اغتيال لقادة عدة فصائل فانعكس ذلك على ثِقل الفصيل وفعاليته ضمن الخارطة الأمنية ضمن المحافظة.

ويُلاحظ أن أكثر الفصائل تَمُسكاً بمقراتهم ويُشكلون تهديداً للسلم المحلي في المحافظة هي الفصائل المُرتبطة بإيران أو حزب الله، حيث تشرف تلك الفصائل على خطوط التهريب بالإضافة لقيامها بعمليات الخطف وصناعة المخدرات والاتجار بها ونقلها إلى الحدود، ومن جانب آخر اعتمدت حركة رجال الكرامة وأهالي السويداء بشكل عام على أداة خطف ضباط الأمن مقابل كل حالة اعتقال يقوم بها نظام الأسد سواء على مدخل المدينة أو في العاصمة دمشق، حيث قامت الحواجز في شهر تموز 2023 باعتقال 6 شباب من المحافظة، قوبل ذلك بخطف 35 ضابط أمنٍ من طرف أهالي السويداء حتى تمت مبادلة المعتقلين بين الطرفين لاحقاً.

السويداء ما بين خطط النظام ومتطلبات التكاتف الوطنية

تتأثر السيناريوهات المتوقعة بعوامل داخلية متعلقة بتركيبة المدينة وبين خيارات النظام بالتعامل مع الحراك الأخير، وعلى الرغم من ضعف المدينة اقتصادياً ولكنها تمتلك ثقلاً مهما لنظام الأسد لا سيما أنها تشكل ممراً أساسياً لتهريب الكبتاغون، إضافة أن تموضعها إلى جانب درعا المماثلة في الحراك المُنطلق في آب 2023 شكل جيباً معارضاً قد يتجاوز الخلافات التي سعى النظام لتغذيتها بين المدينتين خلال سني الثورة،وأهم مايُميز التركيبة الديمغرافية للسويداء أن المجتمع يمتلك بُعداً إقليمياً في فلسطين ولبنان والعلاقة المتينة بين الشيخ حكمت الهاجري من طرف والشيخ موفق طريف رئيس الطائفة الدرزية ووليد جنبلاط من طرف آخر.

لذلك كان منهج نظام الأسد بالتعامل مع المدينة يقوم على أمرين: أولهما عزل المدينة عن محيطها عبر إشعال فتن طائفية ومناطقية بينهم وبين العشائر وأهالي درعا، ثانيهما استبعاد الحل العسكري المفتوح على غرار باقي المدن التي انطلقت فيها المظاهرات، وبالتالي كان سعي النظام وحلفائه يُركز على أن يصبح وجود الدولة المُصاحب لأفرعها الأمنية مطلباً شعبياً في حال ارتفعت وتيرة الصراعات المحلية في المدينة، بالإضافة لإطلاق يد الميليشيات المحلية للزعزعة الأمنية مما يصب في هدفه، وبناء على امتداد المساحة الجغرافية للحراك ووضوح موقف المرجعيات الدينية للمدينة من مطالب المجتمع المحلي، ورغم ما يمتلكه النظام من خيارات إلا انه يمكن مواجهتها بالتمسك بالمطالب السياسية المتسقة مع القرار 2254 من جهة وبسياسات التماسك المحلي من جهة ثانية وديناميات التكاتف الوطني عبر مساندة السوريين لحراك المحافظة من جهة ثالثة، ومن الخيارات المتوقعة لسياسات النظام حيال هذا الحراك نذكر:

  1. "سياسة اللامبادرة" : وذلك من خلال امتناعه عن تقديم أي عروض أو تنازلات للحراك في حال انحصاره ضمن المحافظة ولم يمتد ليشمل مدن أخرى أكثر حساسية لدى النظام مثل دمشق والمحافظات الساحلية، أو لم يتم التحول لتنسيق الحراك على مستوى المنطقة الجنوبية ككل بين درعا والسويداء، وبالتالي تُستنزف المدينة عبر إضرابها المفتوح وفقدان الخدمات وتدهور الوضع الاقتصادي في ظل الزيادات المتتالية، مما يؤهل النظام أن يُقدم لاحقاً تنازلات هامشية مثل بعض الوعود الأمنية أو تغيير المجلس المحلي للمدينة بهدف فض الحراك القائم.
  2. زيادة أدوات الزعزعة الأمنية: وذلك في حال تجاوز الحراك حدود المدينة ليشمل مدن أخرى، وتتضمن تلك الأدوات هجمات "تنظيم الدولة" التي بدأ النظام بتحذير أهالي السويداء منها، وتحريك الميليشات التابعة له والمقربة من إيران إما ضمن مواجهة مفتوحة مع الفصائل المقربة من المرجعية الدينية مثل رجال الكرامة وفصيل مرهج الجرماني، أو ضمن اغتيالات لوجهاء محليين من محافظة السويداء أو العشائر في ريفها، مما يُفضي إلى زعزعة أمنية تُغطي على الحراك القائم وتفتح الباب لإعادة "الدولة" إلى المدينة لضبط السلم الأهلي فيها.
  3. الحصار الاقتصادي للمدينة أو الحل العسكري ضدها، ويعتبر من الخيارات المستبعدة حالياً كون تماسك الحراك يسحب من النظام فكرة قتاله ضد جماعات ارهابية أو وجود بؤر للتطرف في المدينة، بالإضافة إلى وجود تجمعات لأهالي مدينة السويداء مثل جرمانا في دمشق قد تكون نُقاط تظاهر وعصيان وبوابة لتجديد الحراك في العاصمة في حال كان هناك سياسية تجويع أو اجتياح للمدينة، بالإضافة لاحتمالية توحد الميليشيات في وجه أي حل عسكري بسبب تجذر مبدأ (( صيانة العرض والأرض)) لدى أهل السويداء.

خاتمة

لم تتبلور آلية تعامل نظام الأسد مع المدينة حتى الآن على عكس وضوحه سابقاً بالتعامل العسكري مع المدن الثائرة ضده، مما يوحي أن أولوية النظام حالياً تتركز في منع امتداد الحراك أكثر من إيقافه، وذلك يعود لتراجع إمكانياته على ضبط المدن الكبرى بالتزامن مع تراجع اقتصادي وحالة سخط اقتصادية عامة في مناطقه، وبالتالي قد تكون ورقة الحل باستثمار الأدوات الايرانية ( الفصائل التابعة لها) خصوصاً في حال تعرض خطوط التهريب أو القائمين عليه لأي زعزعة تنتج عن محاولات المجتمع المحلي في السويداء الضغط على النظام وحلفائه.

ولكن تبقى خيارات المجتمع المحلي القائم بالحراك واسعة في حال رفع مستوى التنسيق مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والحفاظ على سردية الانتقال السلمي للسلطة حسب القرار الأممي 2254، بالتزامن مع إيجاد بدائل محلية في حال أغلق النظام مؤسساته الخدمية في المدينة، وعكس مطالب الحراك إلى تمثيل سياسي خارجي وداخلي يبحث في سيناريوهات أكثر تعقيداً.

الملاحق

أولاً: الخريطة رقم 1 : مقارنة بين عدد نقاط التظاهر والاحتجاج في المحافظة خلال شهر آب 2023 وتلك التي كانت في احتجاجات تموز 2022.


ثانياً: الجدول (1) : العصابات الموجودة في السويداء وتغير نشاطها وأدوارها وتبعيتها بين عامي 2022 و2023


 

([1])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، يمان زباد 08/08/2022 https://rb.gy/rtqcs

([2])لحظات وصول وفد من عشائر البدو إلى ساحة السير، يوتيوب 24/08/2023 https://www.youtube.com/watch?v=IcSAIMq2oOY

([3])المشهد الأمني في السويداء: قراءة في السياق والمآلات المتوقعة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

التصنيف تقدير الموقف

لم يكن قرار مجلس الجامعة العربية بعودة الأسد مُفاجئاً، بل جاءت المفاجأة من تسارع الجهود العربية لفتح مسار سياسي يعتبر عودة التواصل مع الأسد هو بداية عمله ويؤدي إلى وجود حل في سوريا، مع أن ماهية هذا الحل بقيت ضبابية بين تصريحات المسؤولين العرب إلى "أن سوريا يجب أن تعود إلى وضعها الطبيعي" أو إنهاء الأزمة السورية أو حتى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

كان مؤتمر عمان الذي سبق قمة جدة والتصريحات المرافقة له توحي بعدم وجود رؤية واضحة لخريطة طريق للحل السياسي، ولكن الاتفاق الوحيد المُنجز هو أنه يجب عودة الأسد إلى الجامعة العربية، وأن ورقة تجارة الأسد بالكبتاغون كانت ناجعة في أن تعيده إلى حضن ما سواء كان عربياً أو غربياً، لأن الأوراق المشابهة كانت فاعلة خلال حكم الأسد الأب والابن، ابتداءً من تهديد الأمن القومي التركي عبر دعمه حزب العمال الكردستاني وإعادة الكرة في دعمه لقوات سوريا الديمقراطية حالياً لإجبار تركيا للتواصل معه من جديد، مروراً بصناعته وتمويله للجماعات المتطرفة في العراق التي جرَّت أميركا لإعادة علاقتها معه لضبط تلك الجماعات وتسليم تفاصيلها.

ما قبل قمة جدة.. تجارة بالمعلومات وابتزاز سيستمر

بعد التقارب الأميركي مع الأسد عقب دفعه نحو إيقاف توجه المقاتلين من سوريا إلى العراق بعد الغزو الأميركي، كانت الورقة الأساسية التي قدمها هي معلومات المتطرفين الذين وصلوا إلى العراق، ونفس الأمر بدت ملامحه بعد اجتماع عمان في بداية أيار 2023، حيث كانت نتائجه أن نفذ الأردن أولى ضرباته الجوية ضد أحد تجار المخدرات على الحدود السورية الأردنية، بالتزامن مع عروض سعودية بتقديم 4 مليارات دولار لنظام الأسد على هيئة مساعدات إنسانية، ولكن جوهرها يكمن في تشجيع الأسد على إيقاف تجارة وتصنيع الكبتاغون، وخاصة بعد أن أصبحت شحنات الكبتاغون تُضبط داخل الأردن والسعودية وليس فقط على حدود البلدين، مما يوحي بتوسع شبكة تجارته لتشمل فواعل محلية في كلِّ من الأردن والسعودية تُساهم في إدخاله ثم توزعه في تلك المجتمعات.

وبناءً على ماستُقدمه البلاد العربية من دعم اقتصادي لمؤسسات الأسد بحجة الزلزال أو غيره، ومدى قدرتها على فتح ثغرات غربية لإعادة تعويم الأسد وإن كان على صعيد المؤسسات المدنية التابعة له، سينعكس هذا المساران على المعلومات والتعاون الذي سيقدمه الأسد للحد من صناعة وتجارة الكبتاغون.

قمة جدة.. الأوراق العربية الأخيرة

جاءت قمة جدة بجديدين، أولهما عودة الأسد إلى الجامعة ودعوة زيلينسكي إليها في محاولة سعودية للتأكيد على أن الدور العربي الجديد هو محور ثالث لا ينتمي إلى المعسكرين الروسي أو الأميركي، حيث كانت ردة الفعل الأميركية الباردة عقب ضرب الحوثيين لمنشآت أرامكو في السعودية عام 2019 هي النقطة الفاصلة التي جعلت المملكة تُفكر بشكل أوسع اتجاه علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية، فبدأت تعيد حساباتها عبر إعادة العلاقات بشكل مبدئي مع إيران وإعادة قراءتها للمشهد العربي عبر محاولة صنع أدوات تحافظ بها على أمنها القومي بعيداً عن الحليف الأميركي.

كانت خطابات المشاركين في القمة مشتركة في محاور الأزمات الحالية الموجودة في المنطقة العربية، وشملت القضية الفلسطينية والسورية واليمنية والسودانية وأيضاً تفاصيل أخرى متعلقة بالأمن المائي والمناخ، وكان الاتفاق على دعم القضية الفلسطينية مشتركاً، بينما الرؤية للحل السوري جاءت ضمن 3 أنواع من التفاعلات: أولها من أكد على القرارات الأممية ومن ضمنها قرار مجلس الأمن 2254 مثل الكويت ومصر، ثانيها من أكد على مسار عمان متجاهلاً المسارات الأخرى مثل الأردن، وثالثها من أكد على الخطوط العريضة التي يجب من خلالها أن تُحل الأزمة السورية مثل الحل السياسي وعودة اللاجئين مثل ليبيا واليمن.

كل تلك التباينات تُفضي إلى أن حضور الأسد للقمة كان هدفاً لأكثرية البلاد العربية وليس وسيلة أو خطوة أولى ضمن رؤية أو مسار سياسي جديد، وتحقيق  هذا الهدف كان من أجل إعادة الأوضاع إلى ما قبل 2011 في كل البلدان العربية سعياً للتمترس وانتظار نتيجة تجاذبات القوى الروسية والأميركية، وهذا ما أكده خطاب الأسد وتصريحاته الصحفية قبل المؤتمر بعد لقائه مع قيس سعيد وإشارته إلى أن ما حدث في تونس كان عابراً ولم ينجح المخطط بأن يتم استغلال تونس لكي تكون نموذجاً للفوضى، وبالتالي كان توجه أكثرية البلاد إلى الكُفر بالربيع العربي الذي تغيرت أوضاع البلاد التي انطلق منها.

ختاماً، لم يحمل بيان قمة جدة أية قيمة مضافة أو رؤية سياسية للحل، حتى غابت عنه مبادرة خطوة بخطوة أو حتى التأكيد على استمرار مسار عمان، بل كان الجزء السوري من البيان مؤكداً على الإنجاز الذي حدث بعودة الأسد، وأنه يجب أن يكون هناك تكثيف للجهود من أجل المساعدة الإنسانية لسوريا، ولا يُتوقع أن يكون هناك تغير في خريطة القوى على الأرض أو مناطق النفوذ، حيث لا تملك البلاد العربية قدرة على التأثير في المشهد الداخلي من جهة، مع عدم وجود خيارات من أجل الالتفاف على العقوبات الغربية على الأسد من جهة أخرى، خاصة بعد مشروع القرار الأميركي الأخير المتعلق بمنع التطبيع معه، الذي قد يشمل  مراقبة وصول المساعدات لمؤسسات "مدنية" تابعة للأسد وهي الأمانة السورية للتنمية مما يفتح باباً جديداً يتمثل في مراقبة ثم محاسبة ثم فرض عقوبات على أياديه المدنية التي ما زالت تتحرك بِحُرية مثل الهلال الأحمر السوري والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ولكن سيُفتح للأسد نوافذ اقتصادية متمثلة في إعادة التمثيل الدبلوماسي الذي يُفضي إلى فتح السفارات والقنصليات بشكل طبيعي في عدد من البلاد العربية وبالتالي عودة السفارات والقنصليات لكي تكون مصدر تمويل له عبر استمرار ابتزازها للسوريين المغتربين والمهجرين الساعين للحصول على أوراقهم القانونية.

 

المصدر: 

تلفزيون سوريا: https://bit.ly/42jIied 

 
التصنيف مقالات الرأي

تمهيد

عقب الزلزال الذي ضرب تركيا سورية في 06 شباط/فبراير الماضي، شهدت المنطقة حراكاً دبلوماسياً عربياً حثيثاً تجاه النظام في سورية ضمن إطار دبلوماسية الكوارث وسياسة التطبيع الإقليمي الذي بدأ تبلوره في 2021 من خلال الانفتاح الإماراتي، وذلك إلى جانب استثناء مؤقت وجزئي لبعض القيود الاقتصادية المفروضة على النظام دولياً. يسعى تقدير الموقف هذا لتبيان مستقبل سياسات التطبيع مع النظام من خلال تناول: العوامل المؤثرة في الإجراءات المتخذة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص سياسات العقوبات المفروضة على النظام ودلالات ذلك؛ ديناميات سياسات التطبيع ودوافع الدول العربية وتركيا بخصوص التطبيع مع النظام كل على حدة؛ تفاعل الديناميات الإقليمية والدولية المحددة لمسار التطبيع.

الفواعل الدولية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)

لم يكن إيجاد حل للملف السوري على قائمة أولويات إدارة بايدن، وإنَّما كانت مقاربة إدارة الملف تقتصر على تجميد الصراع العسكري والإبقاء على خارطة النفوذ الحالية، بهدف منع عودة تنظيم الدولة لنشاطه السابق في المنطقة، والحول دون زيادة نفوذ الفواعل الإقليمية والمحلية الأخرى في الساحة السورية([1]). بالإضافة إلى الإبقاء على آليات العقوبات وعلى رأسها قانون قيصر وإقرار قانون مكافحة الكبتاجون كأداة ضاغطة على النظام، وعقبة أمام إعادة تأهيله دولياً.

بعد ثلاثة أيام على الزلزال، قام مكتب مراقبة الأصول الخارجية في الخزانة الأمريكية بالسماح بالتحويلات المالية المرتبطة بجهود الإغاثة عقب الزلزال - والتي كانت ستكون محظورة بسبب العقوبات - لمدة ستة أشهر فقط([2])، بالتوازي مع تجديد الخارجية الأمريكية رفضها التطبيع مع النظام أو رفع مستوى العلاقة معه، وقيام مجلس النواب الأمريكي بـإدانة محاولات النظام لاستغلال الكارثة لتجنب الضغط والمحاسبة الدولية، والتأكيد على أهمية آلية العقوبات (قانون قيصر) لحماية المدنيين([3]). ناهيك عن قيام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بلقاء ممثلين عن منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء" في تركيا([4]).

تعكس جُملة هذه الخطوات صعوبة وجود دلالات سياسية واضحة للتخفيض المؤقت والجزئي للعقوبات حالياً، أو تغيُّر في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سورية والنظام على مستوى الأولويات والمقاربة. لا سيما وأنه سبق للخزانة الأمريكية أن أصدرت قراراً بالسماح لبعض التحويلات المصرفية المحظورة تحت طائلة العقوبات خلال وباء كوفيد-19 لكل من سورية وإيران وفنزويلا، من غير وجود دلالات سياسية لذلك، بهدف تسهيل العمل الإغاثي والصحي([5]).

بشكل مشابه، كان موقف الاتحاد الأوروبي واضحاً بخصوص رفض التطبيع مع النظام في سورية، أو رفع العقوبات عنه، أو البدء بإعادة الإعمار، من غير انخراط النظام بعملية سياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254([6])، وذلك على الرغم من سعي حكومات أوروبية عدة، كاليونان وقبرص وإيطاليا وهنغاريا والنمسا وبولندا للدفع باتجاه سياسات تصب في صالح النظام، أو السعي للبحث عن آليات جديدة لتجاوز ضوابط الاتحاد الأوروبي لزيادة مساحات الفعل في سورية، ناهيك عن قيام بعض هذه الدول - هنغاريا وبلغاريا واليونان وقبرص - باستعادتها لمستويات مختلفة من العلاقات الدبلوماسية لم ترقَ لمستوى التطبيع الكامل بعد، الأمر الذي يرتبط بشكل أساسي بصعود سياسة اليمين الشعبوية، وفرضية قدرة النظام على تأمين الاستقرار ومنع تدفق اللاجئين([7])، لا سيما مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء في دول الاتحاد بنسبة 50% في العام 2022، ليصل إلى ما يقارب المليون، الرقم الأعلى منذ 2016، في حين أن عدد السوريين منهم نحو الـ130.000([8]).

على إثر الزلزال وفي 17 شباط/فبراير، قدَّم ثمانية أعضاء في البرلمان الأوروبي مقترح قرار لـ"رفع العقوبات عن سورية[النظام] لغايات إنسانية"، معتبرين أن "العقوبات لم تحقق الأثر المرجو"، وأن "عواقبها أدّت لضرر بالغ على الشعب السوري"([9])، علماً أن البرلمانيين الثمانية ينتمون لمجموعات سياسية متنوعة يمينية ويسارية، كـ"حزب البديل لأجل ألمانيا" اليميني المتطرف، وحزب "مستقلون من أجل التغيير" اليساري في إيرلندا، على سبيل المثال لا الحصر.  وعلى الرغم من اختلاف دوافع اليمينيين التي تكمن بمسألة اللجوء ومنع تدفق المزيد من اللاجئين، واليساريين الذين هم معنيون أكثر بالجانب الإنساني، وتقليص نطاق استعمال القوة للاتحاد في الخارج، إلا أن غايتهم التقت في مسار رفع العقوبات، مستغلين حالة الكارثة للدفع أكثر  اتجاه إحداث تغيير في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي تجاه سورية والنظام.

في 23 شباط/فبراير، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخفيف العقوبات المفروضة على النظام لمدة مؤقتة، من خلال قرار مجلس الاتحاد الأوروبي بتبني "تعديل إنساني إضافي"، بهدف إحداث تسهيل أكبر بسرعة وصول المساعدات الإنسانية لسورية بعد الزلزال. يتضمن القرار رفع حاجة المنظمات الإنسانية للحصول على إذن مسبق من السلطات المختصة في  الدول الأعضاء "لإجراء تحويلات أو توفير سلع وخدمات مخصصة للأغراض الإنسانية"  للأشخاص والكيانات المدرجة في قائمة العقوبات لمدة ستة أشهر فقط، علماً أن العقوبات الأوروبية لا تشمل الغذاء أو المواد الطبية أو النظام الصحي في سورية([10]).

يأتي القرار الأوروبي في إطار ثلاثة عوامل رئيسة لعبت دوراً بالغ الأهمية في صياغته: (1) حجم الكارثة الإنسانية وضعف الآليات الدولية في الاستجابة، (2) الديناميات الأوروبية الداخلية التي تكمن بالضغوط الداخلية لتغيير سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سورية والنظام، وهو ما تجلَّى بمقترح القرار من البرلمانيين الثمانية لرفع العقوبات عن النظام، (3) قرار الخزانة الأمريكية بمنح الإذن للتحويلات المتعلقة بمساعدات الزلزال في سورية لمدة ستة أشهر. 

الفواعل الإقليمية (الدول العربية وتركيا)

كانت كل من الإمارات وسلطنة عُمان والجزائر والأردن الدول الأبرز التي سعت لإعادة تأهيل النظام عربياً، وذلك لدوافع وأسباب مختلفة. فضمن سعيها للعب دور إقليمي بارز على المستوى السياسي ودافعها الاقتصادي المرتبط بملف إعادة الإعمار في سورية، قادت الإمارات جهود التطبيع مع النظام منذ بدايتها، إذ كانت الدولة الأولى التي طبَّعت العلاقات مع النظام وافتتحت سفارتها في دمشق بعام 2018([11])، ومن ثمَّ رفع مستوى العلاقة لتشمل الاتصال المباشر بين رئيس النظام بشار الأسد ومحمد بن زايد([12])، وتبادل الزيارات على مستوى وزارتي الخارجية([13]) والاقتصاد([14]) في الربع الأخير من عام 2021، قبل قيام بشار الأسد بزيارة دولة الإمارات كأول دولة عربية يزورها منذ 2011 وذلك في آذار/مارس 2022([15]).

 في الوقت ذاته وبدوافع مختلفة، دخلت العلاقات الأردنية مع النظام مسار التطبيع رسمياً على مستوى التواصل المباشر بين الملك عبدالله الثاني وبشار الأسد([16])، والتنسيق على مستوى وزارات الدفاع([17])، وتطور العلاقات التجارية عقب فتح الحدود السورية - الأردنية ما انعكس بزيادة الصادرات من سورية إلى الأردن، والصادرات السورية عبر الأردن كبلد عبور إلى السعودية([18])، وذلك في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن واستضافته لعدد كبير من اللاجئين السوريين. ناهيك عن مسألة أمن الحدود كأولوية أردنية مرتبطة بالمخدرات والنفوذ الإيراني، ساعياً لتحقيق مكاسب جزئية، أمنية واقتصادية، في ظل استمرار الاستعصاء السياسي. 

على المستوى الإقليمي العربي، سعت الجزائر - التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية بالنظام والتي تمتلك علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية وثيقة مع روسيا ([19])- لإعادة النظام للجامعة العربية في القمة العربية التي عُقدت في العاصمة الجزائرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022([20])، إلا أن الانقسام العربي بشأن المسألة، وثبات موقف قطر والسعودية المناهض للتطبيع، التي أعلنت حينها عن "ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن" بما يخص الشأن السوري قبيل القمة العربية؛ حال دون ذلك([21]). بالمقابل، كانت سلطنة عُمان الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، والدولة الخليجية الأولى التي تقوم بتعيين سفير لها في دمشق، منذ تعليق دول مجلس التعاون الخليجي العمل الرسمي بسفاراتها في سوريا عام 2011([22])، الأمر الذي يرجع لتقاليد السياسة الخارجية العمانية، والتي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة في العالم منذ وصول السلطان قابوس إلى العرش في عام 1970([23]).

لهذا، لم يكن من المفاجئ زيارة بشار الأسد إلى العاصمة مسقط كثاني عاصمة عربية يزورها بعد أبو ظبي([24])، والتي توازت مع زيارة وزراء خارجية الإمارات والأردن لدمشق، ووفد برلماني من عدد من الدول العربية. بالإضافة للاتصالات التي جرت بين بشار الأسد والرئيس الجزائري، والرئيس الموريتاني، وملك البحرين، وكذلك قيام الرئيس التونسي قيس سعيد برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام([25])، إذ لا يوجد تطور حقيقي أو تغيُّر في مواقف هذه الدول تجاه النظام باعتبار أنها تمتلك علاقات دبلوماسية جيدة نسبياً مع النظام، إلَّا أنها تفتقد قدرتها على لعب دور وساطي - كالإمارات أو عُمان - في إعادة تأهيل النظام عربياً. 

أما مصر، وعلى الرغم من الأهمية الجيوسياسية الكبيرة لها، فلا يُعتبر التواصل الرسمي المصري مع النظام على المستوى الرئاسي وزيارة وزير الخارجية المصري لدمشق([26]) ذلك التغيُّر اللافت، فقد حافظت مصر على حياد إيجابي تجاه النظام من خلال إعادة التمثيل الدبلوماسي في دمشق عام 2013([27])، بالتوازي مع عدم قطع صلاتها بالمعارضة عبر استضافتها لـ"تيار الغد السوري" المعارض بقيادة أحمد الجربا منذ 2016. ويأتي الحراك الدبلوماسي المصري الأخير في سياق مواكبتها للحراك الدبلوماسي للدول العربية المطبِّعة، بانتظار وضوح مواقف الدول الأخرى وعلى رأسها السعودية، إذ لا تلعب مصر حالياً دوراً ريادياً في السياسة العربية تجاه سورية، لا سيما مع وجود ملفات خارجية أكثر أهميةً لها كالملف الليبي وأمن المياه في سياق العلاقات مع إثيوبية.

بالمقابل، ومع ثبات الموقف القطري([28]) والكويتي([29]) المناهض للتطبيع مع النظام، يتضِّح أن الموقف السعودي في طور التبلور، مع وجود رغبة سعودية واضحة في إعادة تفعيل الدور العربي في سورية، بما يشمل الحوار مع النظام، ما تجلَّى برؤية وزارة خارجيتها بخصوص عدم جدوى سياسة عزل النظام، وعن بدء "تشكل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين" في ظل الاستعصاء السياسي([30])، وقيام المملكة بإرسال مساعدات إنسانية لمناطق سيطرة المعارضة والنظام كل على حدة، في إطار دبلوماسية الكارثة/الزلزال([31])، ناهيك عن اللقاءات الأمنية الاستخباراتية قبل الزلزال بين السعودية والنظام.

 على الرغم من وضوح تغيُّر المقاربة السعودية بخصوص النظام، إلا أن الموقف السعودي ما زال بطيء التبلور، إذ إنه من غير المتوقع التطبيع السعودي السريع أو الكامل مع النظام من غير وضوح صفقة تقنية، لا سيما بما يخص النفوذ الإيراني، ضمن إطار مبادرة عربية لتسوية جزئية، قد تحدث تغييراً في مسار الاستعصاء الراهن.

أما بالنسبة لتركيا، فقد كانت الرغبة التركية واضحة في إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع النظام في سورية، وهو ما تجلَّى في عقد اجتماع بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات لكل من تركيا وروسيا والنظام في موسكو في كانون الأول/ديسمبر 2022([32]). وعلى الرغم من وجود اجتماع مرتقب سابقاً بين تركيا وروسيا والنظام على مستوى وزراء الخارجية في شباط/فبراير الماضي([33])، إلا أن الاجتماع تأجل نظراً لظروف الزلزال، ومن المتوقع عقده خلال شهر آذار/مارس الحالي([34]).حيث لم تسهم دبلوماسية الكوارث في زيادة وتيرة مسار التطبيع على المستوى السياسي بين تركيا والنظام، مقارنةً بأثرها في رفع مستوى العلاقات التركية - المصرية التي تجلَّت بالزيارة الأولى لوزير خارجية مصري لتركيا منذ عشر سنوات([35]).

لهذا، وبالأخذ بعين الاعتبار الفجوة الكبيرة بين الجانبين، تركيا والنظام، تبقى إمكانية أن يحقق مسار التطبيع بين تركيا والنظام تقدماً ملموساً على المدى المنظور منخفضة، نظراً الانشغال الداخلي التركي بكارثة الزلزال والانتخابات المقبلة. إلَّا أن ذلك لا يغيِّر من واقع حضورها كملف انتخابي، وأهمية التطبيع في السياسة الخارجية التركية على المدى المتوسط، لاعتبارات أمنية، ولاعتبارات سياسية داخلية تتعلق بملف اللاجئين، ورؤية أغلب الأحزاب السياسة لتطبيع العلاقات مع النظام كعامل مساهم في ملف العودة.

مستقبل التطبيع وتفاعل الديناميات الدولية والإقليمية

دولياً، سيبقى النظام في حالة من العزلة الدولية في ظل استمرارية العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتي تأتي استثناءاتها الأخيرة المؤقتة ضمن ملف إدارة الشأن الإغاثي والإنساني، من غير وجود مؤشرات عن دلالات سياسية لذلك. ومن غير المرجَّح أن يكون لكارثة الزلزال أثرٌ في إعادة تأهيل النظام دولياً، أو حدوث تغيُّر على المستوى الكلِّي في السياسة الأمريكية أو الأوروبية تجاه النظام، لا سيما مع استمرار حالة الاستقطاب الغربي - الروسي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وعلى الرغم من عدم وجود موقف غربي لمواجهة روسيا على الساحة السورية، كذلك الموجود في أوكرانيا، إلا أن الموقف الغربي ما زال ممانعاً لإعادة تأهيل الأسد أو منح روسيا نصراً في سورية.

إقليمياً، لا يبدو أن العقوبات الأمريكية والأوروبية بشكلها الحالي عائقٌ أمام تطبيع العلاقات بين النظام ودول الإقليم، إلا أنها ستبقى محدِّدة لمستوى وشكل هذا التطبيع، إذ لم يكن للرفض الدبلوماسي الغربي أثرٌ في منع تطوُّر هذا المسار الذي بدأ يتبلور منذ 2021. وفي ظل غياب بوادر حل سياسي دولي في المدى المنظور، سيستمر مسار التطبيع السياسي الثنائي بين النظام ودول الإقليم، مع شمله لتفاهمات أمنية واقتصادية محدودة مراعية للعقوبات الدولية، بيد أن عودة النظام للجامعة العربية ما يزال مستعبداً حالياً، مع عدم وجود موقف عربي موحد ومبادرة عربية رسمية للحل على المستويات الأمنية والسياسية، وصعوبة تقديم ذلك دولياً في الوقت الراهن، وارتباط ذلك أيضاً بمدى تجاوب سلوك النظام مع الخطوات العربية في كل من ملفات: تهريب المخدرات، وطبيعة العلاقة مع إيران، وعودة اللاجئين.

بالنسبة للنظام، فإن امتلاكه – فرضياً – الرغبة في إنجاز تفاهمات بخصوص الملفات الثلاثة لا يعني امتلاكه القدرة على ذلك، على الأقل فيما يخص العلاقة مع إيران التي غدت متجذرة في سورية عسكرياً وأمنياً واقتصادياً. فهو يجد هذه المبادرات كمساحة مناورة سياسية بين مبادرتين: العربية والروسية - التركية، وفرصة لإعادة تأهيله إقليمياً عبر تفاهمات ثنائية، من غير الدخول في مسار حل سياسي شامل، ناهيك عن كونها فرصة اقتصادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، والاستنزاف الذي يشهده حليفه الروسي في أوكرانيا، والاضطرابات التي تواجهها إيران داخلياً. بيد أن ذلك لا يُغيِّر من حقيقة أن إخراج إيران من سورية لم يعد أقل صعوبةً من إخراجها من لبنان أو العراق، ومن غير الواقعي الظن بأن الدبلوماسية هي الأداة المثلى لذلك.


 

([1]) فاضل خانجي، الملف السوري في وثيقة "استراتيجية الأمن القومي" الأمريكية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 21 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الرابط: https://cutt.us/CC3ZZ

([2]) Treasury Issues Syria General License 23 To Aid In Earthquake Disaster Relief Efforts, U.S. Department of the Treasury, 09 February 2023, Link: https://cutt.us/Ar4ho

([3]) H.Res.132 - Responding to the earthquakes in Türkiye and Syria on February 6, 2023., Congress.gov, 17 Feb 2023, Link: https://cutt.us/QhrsZ

([4]) بلينكن يلتقي ممثلين عن "الخوذ البيضاء" السورية في تركيا، العربي الجديد، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/fPE73

([5]) Treasury Issues Additional COVID-19-related Sanctions Authorizations and Guidance, U.S. Department of the Treasury, 17 June 2021, Link: https://cutt.us/8bIDQ

([6]) EU reiterates refusal to normalize ties with Syrian regime, Asharq al-Awsat, 05 February 2023, Link: https://cutt.us/eDjxH

([7]) Charles Lister, Is the EU starting to wobble on freezing out Assad?, Foreign Policy, 27 October 2022, https://cutt.us/WfoNy

([8]) Almost 1 million asylum applications in the EU+ in 2022, European union agency for asylum, 22 February 2023, Link: https://cutt.us/Tg3x9

([9]) Motion for a resolution - B9-0155/2023, European Parliament, 17 February 2023, Link: https://cutt.us/kRZbW

([10]) Earthquake in Türkiye and Syria: EU amends restrictive measures in place regarding Syria to facilitate the speedy delivery of humanitarian aid, Council of the EU, 23 February 2023, Link: https://cutt.us/zcu9p

([11]) الإمارات تعيد فتح سفارتها في دمشق، البيان، 28 كانون الأول/ديسمبر 2018، الرابط: https://cutt.us/lGruZ

([12]) صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 21 أيلول/سبتمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/Nfstp

([13]) فخامة الرئيس بشار الأسد يستقبل سمو الشيخ عبدالله بن زايد في دمشق، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 09 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/MtGFA

([14]) الإمارات وسوريا تبحثان تطوير العلاقات الاقتصادية وتوسيع الشراكة، العين الإخبارية، 06 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/rhoMS

([15]) صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يستقبل الرئيس بشار الأسد، وزارة الخارجية والتعاون الدولي للإمارات، 19 آذار/مارس 2022، الرابط: https://cutt.us/WyBBi

([16]) الملك يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري، وكالة الأنباء الأردنية، 04 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/jID9q

([17]) رئيس هيئة الأركان يستقبل نظيره السوري، وكالة الأنباء الأردنية، 19 أيلول/سبتمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/KFt7F

([18]) ARMENAK TOKMAJYAN, Jordan Edges Toward Syria, Carnegie Middle East Center, 29 March 2022, Link: https://cutt.us/WPGDx

([19]) سياسة الجزائر الخارجية على مفترق طرق، منتدى فكرة، 09 آب/أغسطس 2022، الرابط: https://cutt.us/kkUnV

([20]) القمة العربية: بدء اجتماع الزعماء العرب في الجزائر وغياب قادة السعودية والإمارات والكويت والمغرب، بي بي سي العربية، 01 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/zFAVr

([21]) الخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، جريدة أم القرى، 16 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الرابط: https://cutt.us/Pri9n

([22]) سفير سلطنة عُمان يسلم أوراق اعتماده لوزير الخارجية السوري، سي إن إن عربي، 04 تشرين الأول/أكتوبر 2020، الرابط: https://cutt.us/uL3an

([23]) بريت سودتيك وجورجيو كافييرو، الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا، منصة صدى - مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/Iit1I

([24]) جلالةُ السُّلطان المعظم يستقبل الرئيس السُّوري الذي قام بزيارة عمل إلى سلطنة عُمان، وزارة خارجية عُمان، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/vaLOF

([25]) قراءة تحليلية في مدى تغير مواقف الدول من نظام الأسد؛ مجرد ضوضاء أم زلزال سياسي؟، مركز الحوار السوري، 02 آذار/مارس 2023، الرابط: https://cutt.us/o29pW

([26]) بشار الأسد يعرب عن تقديره البالغ لمبادرة الرئيس السيسي بالاتصال هاتفياً عقب الزلزال، وكالة أنباء الشرق الأوسط، 27 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/tdN9z

([27]) حسن صعب، العلاقات المصرية ـ السورية 2014-2021، المعهد المصري للدراسات، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/Crsjy

([28]) وسط موجة تطبيع عربي.. قطر تجدد رفضها التقارب مع نظام الأسد، الخليج أونلاين، 01 آذار/مارس 2023، الرابط: https://cutt.us/YpLcR

([29]) وزير خارجية الكويت: ليس لدينا خطط للتواصل مع "الأسد"، الخليج أونلاين، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/GXg3p

([30]) فيصل بن فرحان: الحوار مع سورية مطلوب.. لا جدوى من عزلها، جريدة عكاظ، 19 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/XPp29

([31]) مركز الملك سلمان للإغاثة.. أول الواصلين إلى سورية، جريدة عكاظ، 13 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/QONbO

وصول الطائرة الإغاثية السعودية الثامنة إلى حلب لمساعدة ضحايا الزلزال، جريدة عكاظ، 14 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/32UQh

([32]) موسكو تحتضن اجتماعاً لوزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا، وكالة الأناضول، 29 كانون الأول/ديسمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/EKq51

([33]) أنقرة: اجتماع مرتقب لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا مطلع فبراير، ديلي صباح، 12 كانون الثاني/يناير 2023، الرابط: https://cutt.us/3jM42

([34]) تشاووش أوغلو: اجتماع رباعي في موسكو لمناقشة الملف السوري، وكالة الأناضول، 08 آذار/مارس 2023، الرابط:  https://cutt.us/ChUVp  

([35]) الرقم: 59، التاريخ: 26 فبراير/ شباط 2023، بيان صحفي حول زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى تركيا، وزارة الخارجية التركية، 26 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/nRozH

التصنيف تقدير الموقف

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير معمق بعنوان "على حساب الزلزال.. قرارات تشير لصفقة بين دمشق وواشنطن" تحدث فيه عن أسباب تأخر استجابة الأمم المتحدة لكارثة الزالزل في الشمال السوري، والمؤشرات على أن صفقة ما تم التوصل لها بين النظام السوري وأطراف أخرى، من خلال وساطة يُرجح الباحث أن الإمارات ورائها لأسباب عدة، وكيف أن النظام هو المستفيد الأول من هذه الصفقة.

 

للمزيد:http://bit.ly/3EWFWZV