ملخص عام
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية الأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان، حيث شكًّل التقارب العربي مع نظام الأسد عنوان المشهد السياسي السوري في هذا الشهر، والذي تمثل بزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق بعد مقاطعة رسمية استمرت لأكثر من عقد، وتبادل السفراء بين دمشق وتونس واستقبال وزير خارجية الأسد في مصر والجزائر. وعلى الصعيد الأمني، لم تشهد الساحة السورية تغييرات جوهرية مع استمرار الغارات الإسرائيلية في استهداف مواقع عسكرية وأمنية تشرف عليها المليشيات الإيرانية في دمشق وريفها والسويداء ودرعا والقنيطرة وحمص، إضافة إلى إعلان أنقرة أنها قتلت زعيم تنظيم الدولة، "أبو الحسين الحسيني القرشي" في شمال غربي سورية. أما على المستوى الاقتصادي فلا تزال قضية نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار هي الثابت الأبرز في المشهد، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 100% بحلول نهاية شهر رمضان.
مسار التقارب العربي مع النظام: خطوات متسارعة
شكًّل التقارب العربي مع نظام الأسد عنوان المشهد السياسي السوري خلال شهر نيسان، حيث أعادت تونس افتتاح سفارتها في دمشق، واستُقبل وزير خارجية النظام فيصل مقداد في كل من مصر والجزائر؛ كما زار وزير الخارجية السعودي دمشق بعد مقاطعة رسمية استمرت لأكثر من عقد، وتأتي هذه الزيارة بعد حراك دبلوماسي عربي بقيادة السعودية والأردن والإمارات لإعادة التواصل مع نظام الأسد كمحاولة منها لما اعتبرته "لملمة القضية السورية التي باتت عبئاً يثقل كاهل دول الإقليم بأسره"، ويحمل هذا التقارب عدة مطالب منها الإصلاح السياسي وتهيئة بيئة آمنة لعودة اللاجئين.
بات واضحاً أن التقارب العربي مع النظام أصبح مسارا جديداً للتعاطي مع الملف السوري ولا يبدو أنه يسير وفق رؤية أو خارطة طريق واضحة لتحقيق النتائج المرجوة في نهاية هذا المسار. في المقابل، يماطل نظام الأسد في مسار التقارب مع تركيا، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات التركية القادمة، من خلال الإصرار على جدولة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية كشرط لإعادة العلاقات بين البلدين وهو أمر ترفض أنقرة وضعه على أجندة المناقشات في هذه المرحلة.
أما على صعيد أجسام المعارضة الرسمية التي لا تمتلك خيارات حركة نوعية، فبالإضافة إلى رفضها للتطبيع مع الأسد حرصت على لقاء عدة سفراء ومبعوثين أوروبيين في دولة قطر، بالتزامن مع استمرار الخطاب الغربي على وتيرته والذي يدعو إلى عدم التطبيع مع الأسد قبل تنفيذ القرارات الأممية، مع تأكيد بيدرسون أن العملية السياسية في سورية أصبحت "على مفترق طرق حرجة".
من جهتها وتماهياً مع السياق العام طرحت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، مبادرة أسمتها بـ الحل السلمي للأزمة السورية، وفق القرارات الأممية بعد فشل جميع المبادرات الدولية، داعية "حكومة دمشق" لاتخاذ إجراءات عاجلة لتسريع الحل، مبدية جاهزيتها للحوار، وتقاسم الثروات مع الجميع. كما أشار قائد قوات قسد مظلوم عبدي أنه يأمل في "انضمام قواته مستقبلاً إلى الجيش السوري وتطوير علاقات إيجابية مع النظام لكن الأخير "يتعنت" في ذلك. وفي سياق تدهور أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان، أعلنت الإدارة الذاتية أنها مستعدة لاستقبال هؤلاء اللاجئين بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، وأن أبوابها مفتوحة لكل السوريين دون تمييز كواجب إنساني واخلاقي ووطني. تحاول الإدارة الذاتية التحرك وفق المعطيات السياسية الجديدة وإيصال رسائل لدول الإقليم، التي تتقارب مع نظام الأسد، تفيد بقدرة الإدارة، كفاعل محلي سوري يمكن الاعتماد عليه، على لعب أدوار مؤثرة في الملفات التي تهم هذه الدول كمحاربة الإرهاب، ومنع تصدير المخدرات، وعودة اللاجئين.
عمليات أمنية لا تغير حالة الجمود في المشهد العام
لا تغيير في قواعد التعاطي الأمني تجاه "المسرح السوري"، ضمن سياق الاستراتيجية الإسرائيلية لتقويض النفوذ الإيراني، استهدفت بغارات جوية وضربات صاروخية عدة مواقع أمنية وعسكرية في دمشق وريفها والسويداء ودرعا والقنيطرة وحمص، شملت الغارات منظومات للدفاع الجوي في محيط مطار دمشق الدولي ومستودعات أسلحة وذخائر في ريف حمص والسويداء. كما تمكنت قوات التحالف الدولي بعملية أمنية في إدلب من قتل القيادي البارز في تنظيم الدولة، "خالد عيد أحمد الجبوري"، صاحب الجنسية العراقية والمسؤول عن التخطيط لهجمات إرهابية في أوروبا، وتطوير قيادة شبكة التنظيم. في حين أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية القيادي في تنظيم "حراس الدين"، "سامي العريدي"، على قوائم الإرهاب باعتباره "إرهابياً عالمياً محدَّداً بشكل خاص. من جهتها، أعلنت المخابرات التركية مقتل زعيم تنظيم الدولة، "أبو الحسين الحسيني القرشي" بعملية نفذتها في شمال غربي سورية، وذلك ضمن محددات الأمن القومي التركي في مكافحة الإرهاب.
في درعا، قُتل 32 شخصاً في عمليات اغتيال، بالإضافة إلى 17 آخرين في حوادث أمنية متفرقة على مدار الشهر، ويأتي ذلك في سياق استمرار حالة الفوضى الأمنية التي تعم في المحافظة والتي تشير إلى فشل النظام وعدم قدرته على إعادة الاستقرار إلى المناطق الخاضعة لسيطرته دون تحقيق حل سياسي حقيقي يحقق طموحات السوريين.
نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار: الثابت المستمر
استمر الاستنزاف في قيمة الليرة السورية لتصل إلى 8250 ليرة مقابل الدولار مع تراجع قدرة المصرف المركزي على التدخل في السوق، رغم زيادة الكتلة النقدية بالليرة السورية خلال 20 – 25 يوماً بـ4 ترليونات ليرة بفضل ورود 100 مليون دولار من الحوالات الخارجية، فضلاً عن المنح المالية الصادرة عن النظام؛ آخرها صرف 150 ألف ليرة (نحو 20 دولارًا أمريكيًا) وسبقها 100 ألف ليرة سورية (نحو 16.5 دولار).
وصدرت عدة قرارات من قبل حكومة النظام في هذا الشهر بينها؛ رفع أسعار وأجور نقل المواد والبضائع في السيارات الشاحنة، ورفعت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، أجرة خدمات الاتصالات الخلوية بنسبة تتراوح بين 30 إلى 35 بالمئة، وتعرفة خدمات الاتصالات الثابتة بنسبة تتراوح بين 35 إلى 50 بالمئة، مبررة أسباب الرفع بعد تنفيذ المشاريع المطلوبة منها (صيانة، تأهيل..)، إضافة إلى الإيفاء بالتزاماتها المالية بالقطع الأجنبي لشركات مزودي الخدمة العالمية. وبقيت قضية ارتفاع الأسعار تقض مضجع السكان في سورية بالأخص خلال شهر رمضان وعيد الفطر حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 100% في رمضان الحالي عن شهر رمضان الماضي. كما حددت حكومة النظام سعر شراء محصولي القمح والشعير من الفلاحين للموسم الزراعي الحالي بـ 2300 ليرة لكيلو القمح، علماً أن هذه التسعيرة تعد منخفضة واحتُسِبت بناءً على الأسعار المدعومة للمستلزمات الإنتاج بينما الكثير من الفلاحين يضطرون إلى دفع التكاليف بأسعار السوق الرائجة بعيداً عن الدعم حيث تصل تكلفة إنتاج كيلو القمح 2050 ليرة ما يعني أن هامش الربح لن يتجاوز 150 ليرة للكيلو الواحد، وهو هامش متدن جداً ويعرقل استمرارية عمل الفلاح بالزراعة، ويُخشى من تشكل سوق موازية يبيع فيها الفلاح محصوله بأسعار أعلى من تسعيرة الحكومة فضلًا عن مخاوف من عزوف الفلاحين عن الزراعة في الموسم المقبل واستبداله بزراعات أخرى.
وفي إطار الاتفاقات والزيارات التي يجريها النظام مع إيران وقعت الطرفان اتفاقيات اقتصادية جديدة مع حكومة النظام خلال زيارة أجراها وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني، مهرداد بذرباش، إلى سورية في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.
في مناطق الإدارة الذاتية، انعكس تدهور قيمة الليرة على عدة قطاعات بينها الكهرباء حيث زاد أصحاب المولدات أسعار الأمبيرات إلى 8 آلاف ليرة سورية بحجة تكبدهم خسائر مع استمرار تدهور الليرة على الرغم من تحديد بلديتي مدينة القامشلي والحسكة سعر الأمبير الواحد من كهرباء المولدات بـ7 آلاف ليرة .
وتشهد المنطقة نقصاً في مادة السكر وارتفاعاً في أسعاره، مع استمرار حصر استيراد وتجارة مادة السكر في "مؤسسة نوروز" الاستهلاكية التابعة لـ"الإدارة" منذ سنوات ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتكرار نقص المادة في الأسواق خلال السنوات الماضية. وفيما يتعلق بزراعة وتجارة القمح حددت هيئة الزراعة والري في “الإدارة الذاتية” 24 مركزًا لشراء القمح في مناطق نفوذها وسبق للإدارة في العام الماضي سعر شراء القمح من المزراعين بـ2200 ليرة سورية لكل كيلوغرام .
وعمد العشرات من مربي المواشي في محافظة الرقة لبيعها للتخلص من تكاليف تربيتها جراء ارتفاع أسعار الأعلاف، وارتفعت أسعار اللحوم في المحافظة، في ظل عجز “الإدارة الذاتية” عن تقديم أي دعم لهذا القطاع.
كما وقعت الإدارة الذاتية مع النظام اتفاقاً حول مياه الشرب والكهرباء والخدمات الأخرى في مناطق سيطرة الطرفين، برعاية روسية، تضمن استمرار تزويد مدينة منبج وريفها بمياه الشرب من محطة البابيري في الخفسة الواقعة تحت سيطرة النظام، مقابل تزويد “الإدارة” مناطق النظام بالكهرباء من سدَّي تشرين والطبقة بكمية 30 ميغا واط يوميا و50 صهريجاً من النفط يومياً، ويتم السماح لـلإدارة الذاتية بالمقابل تقديم مساعدات لوجستية ونفطية لحيي الشيخ مقصود والأشرفية .
وفيما يتعلق بمناطق المعارضة، لا تزال قضية الكهرباء تتفاعل بين المجالس المحلية وشركات الكهرباء في ريف حلب الشمالي، إذ طالب المجلس المحلي في مدينة اعزاز شركة الكهرباء AK ENERGY بخفض سعر الكيلو واط والالتزام بها تحت طائلة فسخ العقود الموقعة بينهما، وأعلنت الشركة خفض قيمة الاشتراكات الكهربائية اعتبارًا من 10 نيسان، في الوقت الذي يشكو الأهالي والمجالس المحلية أن السعر لا يزال مرتفعاً ولا يتناسب مع الظروف المعيشية.
وحول مشاريع التعافي في المنطقة أعلن صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا عن تسليم 400 طن من الأسمدة إلى ألفي مزارع خضروات و850 طنًا من الأسمدة إلى ألفي مزارع قمح، في إطار مشروع لدعم المزارعين لإنتاج محاصيل القمح والخضروات في شمال حلب .
مساعي إقليمية لتخفيف أضرار زلزال السادس من شباط
أعلن صندوق قطر للتنمية توقيع اتفاقية مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد)، لدعم مشروع إنشاء مدينة متكاملة في شمالي سورية لـ70 ألف شخض، وذلك بعد أيام من الإعلان عن اتفاقية مشابهة وكانت منظمة قطر للتنمية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وقعت اتفاقية تمويل لدعم العمليات الأساسية لمنظمة الدفاع المدني السوري، لضمان استمرار الخدمات المنقذة للحياة في مناطق شمال غربي سورية.
وخفضت حكومة “الإنقاذ” في إدلب سعر أسطوانة الغاز المنزلي بمقدار 90 سنتًا (حوالي 17 ليرة تركية)، من 13.5 دولار إلى 12.6 دولار. وتتأثر أسعار المحروقات في الشمال بالأسعار العالمية للنفط، وانخفاض الليرة التركية. كما يعتزم مستشفى إدلب الوطني توزيع بعض الأدوية المخصصة لعلاج مرضى السرطان بشكل مجاني، وتزداد أوضاع مرضى السرطان في مناطق شمال غربي سوريا سوءاً بعد توقف المستشفيات التركية عن استقبالهم عقب كارثة الزلزال في 6 من شباط الماضي .
من جهة أخرى، أصدر فريق منسقو استجابة سورية التقرير النهائي عن الأضرار التي تسبب بها زلزال 6 شباط في سورية وتركيا حيث تضرر أكثر من 1.8 مليون شخص في شمال غربي سورية، وفقد 4256 مدنياً حياتهم وأُصيب نحو 12 ألفاً بجروح، فيما لا يزال 67 شخصاً مفقودين، وبلغ عدد النازحين 300 ألف نسمة يشكل الأطفال والنساء والحالات الخاصة أكثر من 65% منهم. وعلى صعيد الخسائر الاقتصادية، وثق الفريق قيمتها بـ1.95 مليار دولار تشمل القطاع العام والخاص ومنشآت أخرى، في حين فقدت أكثر من 13 ألف عائلة مصادر دخلها، وسبب الزلزال أضرارا في المنشآت والبنى التحتية توزعت على الشكل التالي: 433 مدرسة لمختلف الفئات، 73 منشأة طبية، 136 وحدة سكنية، فيما تهدم أكثر من ألفي مبنى بشكل فوري .