ملخص
يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر كانون الثاني 2024، حيث لايزال مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد مستمراً عبر منحه المزيد من الفرض لتقديم خطوات جدية باتجاه تحقيق المطالب العربية، وتزامن هذا مع عقد الجولة 21 من جولات أستانا دون تحقيق أية نتائج ملموسة. وعلى الصعيد الأمني، لاتزال الجغرافية السورية مسرحاً للضربات العسكرية والعمليات الأمنية المتبادلة بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى. وفي ذا السياق تفاقمت أزمة تهريب المخدرات على الحدود السورية الأردنية، وتزايد الانخراط الأردني العسكري داخل الجنوب السوري. كذلك صعّدت تركيا من وتيرة عملياتها العسكرية في شمال شرق سورية والتي لم تقتصر على استهداف مواقع عسكرية وأمنية فحسب، بل امتدت لتطال المرافق والمؤسسات الخدمية التي تديرها "الإدارة الذاتية" وحقول النفط والغاز. وعلى الجانب الاقتصادي، استمر النظام في سياسات استغلال الهوامش المتاحة لدعم خزينته عبر رفع أسعار المحروقات وزيادة رسوم الخدمات والضرائب، بالمقابل شهدت مناطق شمال غرب سورية بعض الخطوات نحو تحسين الواقع الاقتصادي.
التطبيع مع النظام... بين القبول والرفض
في محاولة من نظام الأسد لفتح نافذة جديدة تنهي عزلته الدولية، شارك نائب وزير خارجيته في قمة دول عدم الانحياز التي عُقدت في العاصمة الأوغندية كامبالا، أجرى خلالها وفد النظام لقاءات ثنائية مع وفود كوريا الشمالية وفنزويلا وروسيا وكوبا وجمهورية غويانا.
في سياق تعزيز علاقاته مع الدول العربية عيّن النظام سفيراً له في تونس، كما عينت الإمارات العربية المتحدة سفيراً لها في دمشق. وفي مقابل الانفتاح العربي لا تزال الدول الغربية ترى عدم جدوى التطبيع مع نظام الأسد، إذ اعتبرت بريجيت كورمي المبعوثة الفرنسية الخاصة لسورية، أن تعنت النظام أوصل محاولات التطبيع معه إلى طريق مسدود، ودعت إلى عدم نسيان القضية السورية في خضم تركيز اهتمام المجتمع الدولي على الأزمات الأخرى. وفي موقف مشابه اعتبر نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي نظام الأسد بأنه العائق الرئيس أمام تحقيق تقدم نحو الحل السياسي في سورية، مشيراً إلى أن واشنطن لا تزال تدعم القرار الدولي رقم 2254 للحل في سورية، وأن واشنطن لن تطبع العلاقات مع دمشق ولن تخفف عقوباتها في ظل غياب الحل السياسي.
في سياق آخر، جرت الجولة 21 من اجتماعات أستانا، حيث انتهت هذه الجولة دون تحقيق اختراق في أي من الملفات الأساسية، مع توافق الأطراف الضامنة "تركيا، روسيا، إيران" على إعادة إطلاق مفاوضات اللجنة الدستورية، والحفاظ على خفض التصعيد العسكري في إدلب، في حين فشل الاجتماع بتحقيق تقدم في مسار تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام.
على المستوى الإنساني اتفقت الأمم المتحدة مع النظام على تمديد إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر معبر “باب الهوى” لستة أشهر إضافية، على أن تبدأ مدة الاتفاق الجديد من 13 كانون الثاني 2024، حتى 13 تموز 2024، مع استمرار دخول المساعدات من معبري باب السلامة والراعي لمدة شهر إضافي بموجب التفويض الرابع حتى 13 شباط 2024.
في الجانب الحوكمي، أعلنت حكومة الإنقاذ في إدلب إحداث المديرية العامة للأشغال والطرق، ووضع مخططات تنظيمية لمدن وبلدات سرمدا وحارم وكللي وسلقين والأتارب، والحمامة.
في شرق سورية أعلنت "الإدارة الذاتية" في شمال وشرقي سوريا عن إجراء تعديلات على "قانون الإعلام" بما يتماشى مع النسخة الأحدث من "العقد الاجتماعي" التي طرحتها نهاية العام الماضي. كما أعلنت البدء بتشكيل "المفوضية العليا للانتخابات" بهدف إعداد مشروع مسودة قانون الانتخابات، تمهيداً لإجراء انتخابات شاملة خلال المرحلة المقبلة في مناطق سيطرتها، حيث ماتزال الإدارة تعاني من أزمة الشرعية التي تعيق سرديتها المتعلقة بتمثيل سكان شمال شرق سورية. وفي ذات السياق، أصدرت الإدارة الذاتية عفواً عاماً عن الفارين من التجنيد الإجباري، وأبدت مرونة أكبر في فتح حوارات مع الأطراف الداخلية والخارجية، إذ أعرب الرئيس المشترك لمجلس "مسد" محمود المسلط، عن استعداده للحوار مع الجميع في الداخل والخارج، بما في ذلك تركيا.
تفاقم أزمة المخدرات وتفاعلاتها المحتملة
شن الطيران "الإسرائيلي" عدة غارات جوية على مواقع أمنية تابعة للميليشيات الإيرانية في سورية، أسفرت إحداها عن مقتل 4 من قيادات الحرس الثوري، من منهم مسؤول الاستخبارات في "فيلق القدس" ونائبه. كما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه تمكن من قتل حسن عكاشة القيادي في حركة حماس والمسؤول عن إطلاق القذائف الصاروخية من سورية باتجاه الجولان. من جهة أخرى، قصفت ميليشيات عراقية القواعد الأمريكية، في حقل العمر ورميلان والمالكية والشدادي وقاعدة "هيمو" في القامشلي شمال شرقي سورية، بالصواريخ والطيران المسير دون أن تسفر عن إصابات في صفوف القوات الأمريكية.
في سياق التداعيات المرتبطة بحرب غزة على سورية، أعلنت روسيا نشر نقطتين عسكريتين في القنيطرة، والبدء بتسيير دوريات عسكرية جوية على خط فض الاشتباك "خط برافو" بين سوريا والجولان المحتل بهدف منع التصعيد والوقوف على حالة العمليات الاستفزازية على الحدود السورية مع الجولان المحتل، بحيث يكون لهذه النقاط دور رقابي فقط. ويمكن لهذه الخطوة الروسية أن تسهم في الحد من حدوث أي تصعيد شامل تجاه الجولان انطلاقاً من الأراضي السورية.
في إطار حربها المعلنة ضد تهريب المخدرات إلى أراضيها، أعلنت الأردن شن 4 غارات جوية على مواقع تجار المخدرات في السويداء أسفرت عن مقتل عدد من المدنيين، كما دخلت قوات من الجيش الأردني إلى المنطقة الحرة شرق السويداء واشتبكت مع مجموعات مسلحة تعمل على تهريب المخدرات. ويأتي هذا في محاولة من الجيش الأردني فرض قواعد اشتباك جديدة قائمة على ملاحقة تجار المخدرات وقتلهم أو اعتقالهم داخل الأراضي السورية. وفي السياق ذاته أعلنت حركة رجال الكرامة، إحدى أكبر الفصائل العسكرية في السويداء، عن مبادرة من تسعة بنود موجهة إلى الأردن لتجنّب مقتل مدنيين نتيجة الضربات الجوية الأردنية. وأعلنت الحركة استعدادها لملاحقة جميع المتورطين بتهريب وتجارة المخدرات بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين. وفي المقابل أعلن زعيم طائفة الموحدين الدروز والمعارض للنظام، الشيخ حكمت الهجري، تأييده للضربات الأردنية التي تستهدف تجار المخدرات، داعياً إلى ضرورة التحقّق من عدم إلحاق أضرار بالمدنيين. كما تبادل النظام والحكومة الأردنية الاتهامات بشأن مسؤولية تهديد أمن الحدود، حيث استنكر النظام الغارات الجوية الأردنية، متهماً عمّان بدعم الإرهاب في سورية طيلة الأعوام الماضية، من جانبه اعتبر الناطق الرسمي باسم الخارجية الأردنية أن عمليات تهريب المخدرات والسلاح من سورية إلى الأردن تمثل تهديداً مباشراً لأمن المملكة. وعليه يبدو من الصعب التنبؤ في كيفية تأثير هذا الملف على مسار التطبيع العربي مع النظام مستقبلاً، في حال استمرار عمليات التهريب وتزايد الانخراط العسكري والأمني الأردني في الملف السوري.
في إطار إعادة بناء وهيكلية الأجهزة الأمنية أجرى نظام الأسد تغييرات على مستوى الأجهزة الأمنية وفروع المخابرات دون إعلان رسمي عن ذلك، وشملت التغييرات إقالة علي مملوك من منصبه في رئاسة مكتب الأمن الوطني وتعيينه مستشاراً رئاسياً لشؤون الأمن الوطني. كما تم تعيين اللواء كفاح الملحم في منصب رئيس مكتب الأمن الوطني، وشملت القرارات إعادة 54 لواء متقاعد من الشرطة والجيش ومن كافة الاختصاصات للعمل في مكتب الأمن الوطني، بهدف إعادة المركزية والهرمية للجهاز الأمني والتأكد من أن جميع الإدارات والفروع تعمل بشكل مباشر مع مكتب الأمن الوطني التابع بشكل مباشر لبشار الأسد. وتأتي هذه التغييرات كإجراءات شكلية استجابة لضغوط روسية ووعود قُدمت لجهات عربية وغربية طمعاً بتوسيع دائرة التطبيع مقابل إصلاحات محلية.
في درعا، لاتزال المنطقة تعاني من الهشاشة الأمنية في ظل تعدد الفواعل العسكرية والأمنية واستمرار عمليات الاغتيال والاستهداف المتبادل، حيث قتل رئيس مركز الأمن الجنائي التابع للنظام في مدينة ازرع. كذلك تواصلت الاشتباكات بين فصائل المعارضة وخلايا تنظيم داعش، ما تسبب بمقتل أسامة شحادة العزيزي " والي حوران" في تنظيم داعش.
على صعيد آخر، أعلن تنظيم "داعش" إطلاق غزوة "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، إذ شهد مؤشر هجمات داعش تزايداً ملحوظاً مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، ونفذ التنظيم 34 هجوماً في سورية خلال شهر كانون الثاني 2024، منها 22 في دير الزور وحدها و4 في حلب و3 في حمص و3 في الحسكة وهجومين في الرقة، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل وجرح 70 شخصاً معظمهم من قوات النظام، إثر عمليات طالتهم ببادية تدمر بريف حمص الشرقي.
يأتي هذا التصاعد في وتيرة هجمات داعش في ظل تصاعد حالة الفوضى في المنطقة وزيادة التوتر نتيجة هجمات الميليشيات المرتبطة بإيران على القواعد الأمريكية، إذ يستغل التنظيم حالة الفوضى وانشغال القوات الامريكية بمواجهة خطر الميليشيات. ويشير هذا التصاعد أيضاً إلى تمكن التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه وترميم قدراته العسكرية من خلال تنفيذ هجمات على جبهات متعددة.
في إدلب، لاتزال المنطقة مسرحاً لهجمات النظام والميليشيات الإيرانية، إذ استهدفت قوات النظام مدن وبلدات المنطقة بالمدفعية الثقيلة والتي أودت بحياة 40 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال وإصابة العشرات. وفي تطور جديد شن الحرس الثوري الإيراني هجوماً بالصواريخ البالستية، من الأراضي الإيرانية، استهدف مركزاً طبياً في قرية تلتيتا. في المقابل استهدف الجيش التركي مواقع قوات النظام على محور سراقب رداً على استهدف قوات النظام للقاعدة التركية في بلدة الأبزمو.
علاوة على ذلك نفذ مقاتلون في فصائل المعارضة هجوماً على نقاط قوات النظام جنوبي إدلب، قتلوا خلاله أكثر من خمسة عناصر، كما أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها حيَّدت 14 عنصراً من "وحدات حماية الشعب YPG" جراء إطلاقهم نيراناً استفزازية في منطقة درع الفرات، بالمقابل استهدفت قوات سوريا الديمقراطية القاعدة التركية في قرية كلجبرين بقذائف المدفعية رداً على الهجمات التركية التي طالت مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. حيث شن الطيران التركي المسير أكثر من 70 غارة على عشرات المواقع والحواجز والمنشآت والحقول النفطية والبنية التحتية في المنطقة، منها محطة السويدية لتوليد الكهرباء ما أدى لسقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات قسد، وتسببت كذلك بأزمة وقود في المنطقة وانقطاع للتيار الكهربائي بشكل كامل لعدة أيام.
في دير الزور، أعادت قسد فتح معبر العشارة الواصل بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة قوات النظام، حيث تحاول قسد من خلال إعادة افتتاح المعبر التضييق على معابر التهريب التي يتسرب من خلالها المقاتلون الموالون لإيران لاستهداف قواعد التحالف الدولي في المنطقة.
قرارات تفاقم الأزمة المعيشية
رفع نظام الأسد سعر صرف الدولار الخاص بالحوالات الخارجية من 12 ألفاً و500 ليرة إلى 13 ألف ليرة، في محاولة منه لزيادة الحوالات المالية من الخارج وتأمين القطع الأجنبي. كما قامت وزارة التجارة الداخلية لدى النظام برفع أسعار المحروقات بزيادة اقتربت من 500% للمازوت المخصص للمركبات ليبلغ 11880 ليرة، متسببة في زيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية في دمشق بنسبة 70%.
على غرار أسعار المحروقات أصدر نظام الأسد مجموعة من قرارات رفع رسوم الخدمات والضرائب، حيث أعلن رفع رسوم جواز السفر بكافة أنواعه بنسبة 200%، ورفعت رسوم التسجيل في شهادة التعليم الأساسي والإعدادية الشرعية. وفرض ضريبة مالية على إنتاج مادة الأسمنت في القطاع العام والخاص، ومن المتوقع أن تسبب هذه القرارات في ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، وخفض مستوى معيشة المواطنين والتجار والصناعيين، وتكثيف الأسباب الاقتصادية الدافعة للهجرة وتشكيل موجة لجوء جديدة.
في إطار العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى، وضمن مساعي إيران للسيطرة على مجالات أكبر في الاقتصاد السوري، أقرت غرفة التجارة "السورية الإيرانية" خطة عملها السنوية التي تضمنت إقامة شركات استثمارية إيرانية في سورية، وفي الشأن ذاته يحاول النظام البحث عن آفاق اقتصادية جديدة في أمريكا الجنوبية عبر تشكيل وفد تجاري سوري لزيارة البرازيل وتفعيل الاتفاقيات الموقعة سابقاً.
جهود وتحديات للتعافي المبكر
في مناطق سيطرة المعارضة السورية، عُقد في مدينة الراعي مؤتمر الاستثمار الأول في الشمال السوري، بهدف النهوض بالواقع الاقتصادي وتوفير فرص العمل. وفي إطار جهود التعافي بدأت منظمة الدفاع المدني السوري مشروعاً للصحة المدرسية في 33 مدرسة في إدلب وريف حلب، ووضعت الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، حجر الأساس لمشروع مدينة "سامز الطبية" في إدلب في إطار التحالف العملياتي الذي يضم كل من منظمة المنتدى السوري وجمعية سامز ومنظمة الدفاع المدني السوري، والذي يعد خطوة مهمة ونقلة نوعية نحو تعزيز الرعاية الصحية شمال غربي سورية.
في إدلب أوقفت العديد من مكاتب الصرافة والحوالات العمل بتسليم وتسلُّم الحوالات المالية، عقب إعلان شركة "الريس" للحوالات والصرافة إفلاسها، ما تسبب بخسائر تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار، وتسببت قضية الإفلاس هذه في ارتفاع أجور الحوالات المالية بين خمسة إلى 10 أضعاف، بعد أن أصبح التعامل مقتصراً على جهات وشركات محددة.
في مناطق شمال شرقي سورية، فرضت الإدارة الذاتية ضرائب سنوية على التجار والصيدليات، وقد قوبل هذا القرار باستياء التجار. وفي سعيها لضبط اقتصاد المنطقة أصدرت الإدارة الذاتية سلسلة من القرارات المتعلقة بالعملات الأجنبية والمحلية لديها، من أهمها قرار يهدف إلى تنظيم ترخيص عمل المصارف المحلية والأجنبية. ومن شأن الضرائب والقرارات المالية الجديدة زيادة الأعباء المعيشية على الأهالي ورفع حالة التوتر بين الإدارة الذاتية والعشائر العربية في هذه المناطق التي لا تزال تعاني من أزمة وقود نتيجة غياب مواد المازوت والبنزين والغاز عن الأسواق، وما قد ينتج عنه من زيادة تكاليف الزراعة والإنتاج.