- بلغ عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية 4.537 قتيلاً، منهم 3.014 في إدلب و1.523 في حلب، كما بلغ عدد الأفراد المتضررين منه بشكل مباشر ما يقارب 1.05 مليون نسمة في حصيلة غير نهائية (حوالي 23% من عدد السكان الموجودين في شمال غرب سورية). كما بلغ عدد النازحين من المناطق المنكوبة +195 ألف نسمة، وعدد النازحين القاطنين في مراكز إيواء +9. 97 ألف نازح، موزعين على 201 مركز إيواء مستحدثة/ خيام، بالإضافة لـ 270 مبنى تحول لمركز إيواء مؤقت، منها 46 مدرسة. وقد سجلت عملية المسح حوالي 1.789 مبنىً مدمراً تدميراً كلياً، و8.659 مبنى تضرر بشكل لم يعد صالحاً للسكن، و3.500 منزل آيل للسقوط، و10.743 منزلاً ظهرت عليه تصدعات مختلفة. ووجود أضرار في 323 منشأة تعليمية، و55 مرفق صحي، و43 نقطة خاصة بالمنظمات العاملة.
- تطرح قضية تفاعل المجتمع الدولي والوكالات الأممية مع كارثة الزلزال نفسها في ضوء مؤشرات تعكس عطالة دولية واضحة في الاستجابة الإنسانية لهذه الكارثة، فقد بدأت قافلات المساعدة الإنسانية بالدخول إلى شمال غرب سورية في 11 شباط 2023، أي بعد خمسة أيام من وقوع الزلزال. ووصل عدد الشاحنات التي أدخلت مساعدات لمناطق سيطرة المعارضة إلى 1.436 شاحنة، فيما بلغ عدد شاحنات المساعدات التي قدمتها الأمم المتحدة والتي دخلت شمال غرب سورية منذ 9 شباط حتى 14 آذار2023، وتدفع هذه الحركية باتجاه "المحاسبة" وفتح تحقيق اتجاه السلوك الذي مارسته كوادر الوكالات الأممية، والذي أدى إلى تأخير المساعدات للمنكوبين.
- في شمال غرب سورية؛ وعلى الرغم من التحديات والصعوبات، فقد أثبت الفاعل السوري (فرداً أو كياناً أو منظمة) خلال الأيام الأولى للكارثة، مقدرة في تشكيل آلية استجابة فورية استطاعت التصدي لتلك التحديات. ولتمتين نموذج الاستجابة ينبغي الدفع باتجاه تأسيس مؤسسة إدارة الكوارث والطوارئ في ريف حلب وإدلب، يتولى إدارتها فريق الدفاع المدني ويتم دعمها من المجالس المحلية والمنظمات العاملة كافة، وإيجاد آلية موحّدة لإحصاء وتقدير الأضرار، وضرورة التنسيق بين أقسام الإيواء في المنظمات العاملة في الشمال السوري، وتفعيل دور الكيانات الهندسية الرسمية وغير الرسمية. ناهيك عن تعزيز القدرة المجتمعية في سبيل مواجهة تداعيات الكارثة في مرحلة ما بعد الاستجابة الطارئة، مع التنويه إلى أهمية التخطيط بعيد المدى لصيانة رأس المال الاجتماعي وتطويره، خاصة بعدما أثبت المجتمع السوري قدرته على صنع شبكاته المحلية، ووضع خطط استجابة طارئة قادرة على امتصاص بعض آثار الكارثة، في ظل تلكؤ المجتمع الدولي في تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية، كما ربطت الورقة بين خطة التعافي المفترضة والبعد الاجتماعي والنفسي، باعتبارهما ركناً رئيساً لإعادة إعمار ما دمرته الكارثة.
- حاولت أجسام المعارضة الاستجابة وفق الإمكانيات المتاحة، التواصل مع الجهات والشخصيات المعنية الدولية والمحلية والجاليات السورية في المهجر، كما قامت أجهزتها التنفيذية بتيسير وصول المساعدات والإشراف على تقديم بعض الخدمات أو تيسير تقديمها. ورغم ما يعترض عمل الأجسام السياسية من عوائق داخلية أو خارجية، أو متعلقة بقبول البيئة المحلية؛ إلا أنها بذلت جهداً مهماً، لكنه لم يكن كافياً وينتظر تحسين مستوى التنسيق مع الفاعلين الدوليين والمحليين من أجل إعداد وتنفيذ خطة متكاملة الأركان للمرحلة القادمة، مع استمرار القيام بحملات مناصرة للضغط على الدول المتجهة نحو التطبيع مع النظام.
- من جهته حرص نظام الأسد منذ الساعات الأولى للزلزال على اغتنام فرصة الكارثة الإنسانية، واستثمارها لتحقيق بعض المكاسب السياسية والاقتصادية، عبر إطلاق حملة إعلامية واسعة النطاق تسعى إلى الترويج لروايته التي تحمّل مسؤولية تردّي الأوضاع الإنسانية داخل سورية للعقوبات الاقتصادية، وتطالب برفع العقوبات الدولية بحجّة عرقلتها جهود الاستجابة الإنسانية للمتضررين من الزلزال، وتحرمهم من المساعدات الإنسانية. وتزامنت هذه الحملة مع تحركات سياسية ودعوات من مسؤولي النظام للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لرفع العقوبات، بذريعة أنها تعوق وصول السوريين إلى الإمدادات والخدمات الطبية.
- أظهرت الاستجابة العاجلة لأجسام الإدارة الذاتية حرصاً وتماسكاً واضحين في مركزة عملية الاستجابة وتوحيد قنوات الدعم وجمع التبرعات، وتأطيرها ضمن المؤسسات الرسمية التابعة لها ليسهل مراقبتها والإشراف عليها، والتحكم بآليات ووجهات صرفها. ولم تخلُ تلك الاستجابة من الاستثمار السياسي، من خلال تصدير الإدارة الذاتية لدى المجتمع الدولي كجهة منضبطة ومستعدة لتلقي المساعدات الدولية في حال إعادة فتح معبر اليعربية على الحدود العراقية، ومن جهة أخرى، حرصت الإدارة أن تبدو للرأي العام السوري والدولي كطرف مرن سياسياً، ومبادر للتعاون مع الأطراف السورية المختلفة، من خلال إحراج النظام والمعارضة السورية في قضية قوافل الوقود التي مُنعت من الدخول إلى المناطق المتضررة من الزلزال.
- بيّنت أدوات الرصد والمتابعة ظهور عدد مهم من فاعلي القطاع المدني (السوري وغير السوري) في عملية الاستجابة المدنية للزلزال في مناطق النظام، دون وجود أية إحصائيات دقيقة، سواء عن حجم العمل والتمويل، أو نتائج الأعمال، أو الصعوبات، إذ لم تظهر معظم معرفات تلك المنظمات ذلك، وهو أمر جعل "السيولة" والتضخيم الاعلامي" عملية ادعائية وشكلانية. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تقليل أهمية التفاعل المدني في الاستجابة للكارثة الإنسانية، إلا أن الخلل الممنهج في البنية القانونية الناظمة للعمل المدني وربطه المستمر بفلسفة النظام الأمنية سيجعل أي عمل مدني محل تقييم مستمر، لا سيما مع توافر العوامل لربطه بذراع النظام التنموي والمتمثل بـ"الامانة السورية للتنمية".
- بعد يومين من الزلزال أعلن تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال شرق سورية إطلاق حملة "هنا سورية" لجمع المساعدات والتبرعات العينية والمادية لإغاثة المتضررين من الزلزال، وضمن الدفعة الأولى تمكنت الحملة من إدخال 82 شاحنة محملة بالمساعدات إلى المدن المتضررة في إدلب وشمال حلب، كما بدا لافتاً خلال هذه الفترة حرص الأهالي في مختلف مدن شمال شرق سورية على المشاركة في حملات شعبية ومبادرات أهلية لجمع التبرعات وإغاثة المنكوبين، منها حملتا “العشائر” و”أهل الفرات”، اللتان نظمتهما عشائر دير الزور، وحملة “الفزعة الرقاوية” إضافة إلى "مبادرة أهالي قامشلو" التي ضمت أموالاً وُزعت على المنكوبين في جنديرس وعفرين وبلدات شمال حلب المتضررة، وبلغت مجموع هذه الحملات أكثر من 120 سيارة وشاحنة ومساعدات مالية.
- يرى هذا الملف عموماً أن دبلوماسية الكوارث وسياسة التطبيع الإقليمي التي بدأت تتزايد بعد الززلال لن تسهم في كسر عزلة النظام دولياً، في ظل استمرارية العقوبات الأمريكية والأوروبية، والتي تأتي استثناءاتها الأخيرة المؤقتة ضمن ملف إدارة الشأن الإغاثي والإنساني، من غير وجود مؤشرات عن دلالات سياسية لذلك. كما أنه من غير المرجَّح أن يكون لكارثة الزلزال أثرٌ في إعادة تأهيل النظام دولياً، أو حدوث تغيُّر على المستوى الكلِّي في السياسة الأمريكية أو الأوروبية تجاه النظام، لا سيما مع استمرار حالة الاستقطاب الغربي – الروسي. بالمقابل لا تبدو تلك العقوبات الأمريكية والأوروبية بشكلها الحالي عائقاً أمام تطبيع العلاقات بين النظام ودول الإقليم، إلا أنها ستبقى محدِّدة لمستوى وشكل هذا التطبيع، لا سيما أنها مرتبطة أيضاً بسلوك النظام في ملفات المعتقلين وتهريب المخدرات، وطبيعة العلاقة مع إيران، وعودة اللاجئين.
- لا شك أن الاستجابة السورية كانت ملفتة، وقد أثبت السوريون خلالها قدرتهم على الوقوف إلى جانب بعضهم، وقدرتهم على التجاوب السريع واستثمار الخبرات في تنظيم الحملات ومواجهة الكوارث الصعبة، بما يفوق سرعة الاستجابة الدولية، إلا أن هذه المرونة والعملياتية في مواجهة المأساة ليست بالضرورة اللحظة الفارقة التي تثبت استعداد السوريين لإنهاء ما خلفته عقود من الاستبداد والتفرقة والتهميش، إذ لطالما كانت المعاناة السورية العابرة للهويات الضيقة العامل المشترك الأبرز بين السوريين.
يمكنكم قراءة الملف كاملاً من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3KkYOEK